تصدير

بقلم أ.د. عاطف العراقي

العلاقة بين المنطق والتصوُّف في تراثنا الفكري «السُّهرَورْدي المقتول (٥٤٩–٥٨٧ﻫ) نموذجًا»، كان في الحقيقة عنوانًا لبحث أجراه لوقتٍ طويلٍ تلميذي الدكتور محمود محمد علي، وهذا البحث كان بعنوان «المنطق الإشراقي عند شهاب الدين السُّهرَورْدي في ضوء المنطق الأوروبي الحديث»، وكان هذا البحث مجالًا لدراسته لدرجة الماجستير من كلية الآداب بسوهاج — جامعة أسيوط (سابقًا).

و«المنطق الإشراقي عند شهاب الدين السُّهرَورْدي في ضوء المنطق الأوروبي الحديث»، موضوع لا أتردَّد في القول بأنه مِن الموضوعات الحيوية المهمَّة في مجال التراث الفلسفي العربي.

وتتمثَّل أهمية هذا الموضوع في أنه يُركز على دراسة تراثنا، ولا خير فينا إذا أهملنا تراثنا. إنَّ التراث يُشكِّل جزءًا من شخصية الإنسان، ومَن يُهمل دراسة ماضيه؛ فلا حاضر له ولا مستقبل.

صحيح أننا نختلف مع السُّهرَورْدي في بعض الآراء، في مجال التصوف بصفة عامة والمنطق الإشراقي بصفة خاصة، كما نختلف مع المؤلف حول بعض الآراء التي ذهب إليها، ولكن هذا لا يَنفي أهمية دراسة فكر السُّهرَورْدي في مجال المنطق.

قسَّم الباحث دراسته إلى مجموعة من الفصول، تحدث في الفصل الأول عن حياة وآثار السُّهرَورْدي، مُقسمًا هذا الفصل إلى الحديث عن مولده ورحلاته ومأساته وآثاره وحياته الفكرية بشكل عام. وحلَّل المؤلف الدكتور محمود محمد علي، في الفصل الثاني، موضوع المنطق وعلاقته بنظرية المعرفة الصوفية عند السُّهرَورْدي؛ وذلك حين درس مفهوم المنطق عنده، وتقسيم السُّهرَورْدي للمنطق، وتقييم المنطق الإشراقي. كانت هذه العناصر موضوع الفصل الثاني من فصول كتاب المنطق الإشراقي، والذي يُقدمه مؤلفنا الدكتور محمود علي للطبع والنشر؛ وذلك بعد أن كان كما قلنا رسالة جامعية.

أما الفصل الثالث فكان عن المنطق عند السُّهرَورْدي وعلاقته بالمنطق الأرسطي القديم. وعناصر هذا الفصل تُعدُّ عناصر مهمَّة، ومِن بينها الحديث عن المصادر التي استفاد منها السُّهرَورْدي منطقه الإشراقي، وأَوجُه الاختلاف والاتِّفاق بين منطق السُّهرَورْدي ومنطق كلٍّ من ابن سينا وابن تيمية، هذا بالإضافة إلى الإشارة إلى الإضافات التي أضافها السُّهرَورْدي للمنطق الأرسطي.

هذا عن الفصل الثالث، أما الفصل الرابع فكان موضوعه نقد المنطق الأرسطي ومحاولة إصلاحه عند السُّهرَورْدي والمناطِقة المُحدَثين. وقد أدار المؤلِّف حديثه حول نقد السُّهرَورْدي والمُحدَثين للمنطق الأرسطي والإصلاحات المنهجية التي أضافها السُّهرَورْدي والمناطِقة المُحدَثون للمنطق الأرسطي.

وأما الفصل الخامس، والذي عُنوانه النزعة الصوفية في المنطق الأوروبي الحديث؛ ففيه ناقش باحثُنا ملامح تلك النزعة عند عدد كبير من مناطقة العصر الحديث مُناقشة جيدة.

أما الفصل السادس والأخير من فصول كتاب الدكتور محمود علي عن المنطق الإشراقي، فكان موضوعه «منطق السُّهرَورْدي ومحاولة قراءة أفكاره في ضوء المنطق الحديث»، وقد جاء هذا الفصل مُقسمًا إلى مجموعة من العناصر التي تدخل بوجه عام في إطار الحديث عن منطق السُّهرَورْدي، وهذا يدلُّنا على التزام الباحث بالدقة وعدم حشر موضوعات قد تبدو بعيدة عن المحور أو الفصل الرئيسي الذي قام بتحليله ودراسته.

موضوع هذا الكتاب إذن يعدُّ موضوعًا حيويًّا، كما سبق أن أشرنا، وهو موضوع لا يعد من الموضوعات السهلة، خاصة أنه يبحث في مجال به مُصطلحات عديدة، وباحثنا قد بذل جهده في تحليل وصياغة العديد من الآراء التي قام بها السُّهرَورْدي، كما أن مِن مزايا هذه الدراسة أنَّ الباحث لم يكن مقتصرًا على مجرد العرض الموضوعي لفصول دراسته، بل إنه حاول جهده نقد هذا الرأي أو ذاك من الآراء التي قال بها السُّهرَورْدي. ومعنى هذا أن البحث يتضمن الرؤية الموضوعية، والرؤية الذاتية النقدية، وإن كنا نجد عند المؤلف نوعًا من المبالغة في إثبات فكرة التأثر والتأثير — تأثر السُّهرَورْدي بمن سبَقُوه ومدى تأثيره في الذين عاشُوا بعده — وهذه المسألة كان ينبغي معالجتها بحذر حتى نَبتعِد عن الأساليب الخطابية الإنشائية، والتي تعتمد على المبالغة بوجه عام.

الموضوع إذن الذي اختاره الباحث يُعدُّ — كما قلنا — موضوعًا مُهمًّا، والكتاب به معلومات كثيرة يمكن أن تَفتح المجال لكثير من طلاب البحث والدراسة؛ أي إنَّ الهدف الذي سعى إليه المؤلف يعدُّ هدفًا نبيلًا؛ إذ يَسعى إلى التعرف على حقيقة الأشياء، ونرجو للمؤلف استكمال دراساته في مجال المنطق عند فلاسفة العرب بوجه عام؛ إذ إن العرب قد بذلوا جهدًا كبيرًا في سبر أغوار العديد مِن المُشكلات المنطقية وعلاقتها بالمشكلات الفلسفية.

وحين نجد دراسة أكاديمية؛ دراسة تكشف عن ثراء واطِّلاع صاحبها، دراسة أمينة وموضوعية، فإنَّ هذه كلها أمور تُؤدي بنا إلى تقدير صاحب هذه الدراسة الدكتور محمود علي، ونرجو له كل التوفيق في دراساته المُقبِلة؛ خاصة أن المشكلات المنطقية والفلسفية تُعدُّ ثرية ومتنوعة. نرجو له التمسك بالبحث والدراسة طوال سنوات حياته العلمية.

والله هو الموفِّق للسداد.

أ.د. عاطف العراقي
أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة
مدينة نصر في ١٦ / ٢ / ١٩٩٨م

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤