الفصل الثاني

المنطق وعلاقته بنظرية المعرفة الصوفية عند السُّهرَورْدي

تمهيد

ذهبت الصوفية إلى أنَّ مصدر المعرفة أمر آخر غير الحس والعقل. قد يكون الحدس، وقد يكون الذَّوق، وقد يكون البصيرة، وقد يكون الإلهام؛ ذلك أن الصوفية لم يهتدُوا بعد إلى معرفة كنه هذه الحاسة الغريبة، ولا إلى موضعها من الحياة الروحية، وإن وصفها الجميع، أو بالأحرى وصفوا مظاهرها ووظائفها، بصفات مُتقاربة؛ فهي نوع ما من التعقل تدرك وتَعرف، ومع ذلك ليست هي العقل الذي نعرفه وهي تنزع نحو موضوعها وتتعشَّقه إلى درجة الفناء فيه؛ أي إنَّ فيها عنصري الإرادة والوجدان، ولكنها مع ذلك ليست الإرادة التي نعرفها، ولا هي واحدة من العواطف التي لنا عهد بها؛ فهي حاسة عاملة مريدة وجدانية مختلفة تمام الاختلاف عن الحواس والقوى العقلية الأخرى التي تدرك عملها في حياتنا الشاغرة.

وقد أطلق الصوفية على هذه الحاسة المتعالية اسم القلب والسر وعين البصيرة، وما إلى ذلك من الأسماء التي تعدو أن تكون رموزًا لحقيقة واحدة تفترض وجودها ولا ندرى من كنهها شيئًا.١
المهم أن الصوفية لا يعترفون بالحس والعقل مصدرًا للمعرفة البشرية الحقة؛ لأنهم يميزون بين ظاهر الشيء وحقيقته، وبين الشكل والمضمون، وهم في تميزهم هذا قد ذهبوا إلى أن المعرفة خاصة بالمحسوسات، وأن العقلية خاصة بالمعقولات الحاصلة عن المحسوسات. ولكن ثمة معقولات أخرى ليس مصدرها الحس أو العقل، وهذه المعقولات الموجودة والموجودات المعقولة لا يُمكن إدراكها أو بلوغها لا بالحس ولا بالعقل الذي يعتمد أساسًا على الحس، وهذه المعقولات تدرك بالحس الصوفي.٢
وهذا يعني أن المعرفة الصوفية وجدانية، أداتها القلب الذي ينشد الصفاء؛ لأنَّ القلب الطاهر هو ينبوع المعرفة الحقة التي يبحث عنها الصوفية ولسان حالهم يقول: «راقب قلبك لأن ملكوت السماء موجود في نفسك.» ويستشهدون بالحديث القائل: «مَن عرف نفسه فقد عرف ربه.»٣
ويَعتقِد الصوفي أن قلب الإنسان مرآة يجب أن تتجلَّى فيها الصفات الإلهية كلها، وإذا انعدم ذلك فمرجعه وجود الصدأ في هذه المرآة، وواجبنا هو الجد والاجتهاد في سبيل إزالة الصدأ والغبار عنها. ونقاء مرآة القلب هو في عرف الصوفية منوط بمُجاهدة الفرد أولًا، ثم بالفضل الإلهي خاصة؛ أي نتيجة للفيض الرباني الذي يسمى في اصطلاحهم بالتوفيق. ولكن على الإنسان أن يبذل الجهد حتى يجعل نفسه مستعدة وقابلة للفيض، ويصبح مصداقًا للآية الكريمة: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ.٤
وقد كتب سعد الدين الحموي في رسالة «علوم الحقائق وحكم الدقائق» فصلًا خاصًّا بعنوان «فصل في المعرفة»، أكَّد فيه أن المعرفة نوعان؛ أحدهما معرفة بالعقل؛ أي بالاستدلال العقلي، والآخر معرفة الحق بالحق؛ أي لا يُمكن تحقيقها إلا بشهود محض وتجلٍّ خالص. الأولى كسبية تعليمية، والمشتغل بها عادل عاقل مُستدل، والثانية بديهية، وهي من شأن العارف الكامل؛ أي هي المعرفة الصوفية القائمة على خصوصيات محدَّدة، مثل كونها ذوقية تتمُّ عن طريق الكشف والإشراق؛ ذلك أن الصوفي لا يعد طريقة الحكماء الإلهيين والمتكلمين والفلاسفة أيضًا كافية للكمال الإنساني ولإيصال الفرد إلى معرفة ربه التي هي هدف كل صوفي. وخلاصة أقوال الصوفية أنه بالإضافة إلى أن التسلُّح بسلاح العلم والحكمة والمنطق ليس مما يقدر عليه كل إنسان، ولا هو في متناول كل فرد، فإنه أيضًا لا يؤدي لنتيجة إيجابية في هذا الاتجاه. وعلاوة على ذلك فالإنسانية تأخُذ عن بعضها هذه العلوم وتتوارثها جيلًا عن جيل كما قال بها الأسبقون، وفي ذلك تقيد بما قال به القدماء وما رسموه من مقدمات تؤخذ بصفة مسلمة، وهو ما عابه عنهم أبو اليزيد البسطامي في قوله: «أخذ الناس العلم من الأموات ونحن أخذنا العلم من حي لا يموت أبدًا. كلهم يقولون بالحق، وإني أقول عن الحق، فلا جرم أن ليس هناك شيء أصعب مِن مُتابعة العلم، أي علم تعليم الظاهر.»٥

ومن هذا المنطلق فإننا نُناقش في هذا الفصل المنطق وعلاقته بنظرية المعرفة عند السُّهرَورْدي؛ وذلك على النحو التالي:

أولًا: مفهوم المنطق عند السُّهرَورْدي

ذهب السُّهرَورْدي في كثير من كتاباته إلى نوع من العلم لا يأتي عن طريق التجريد الذهني، أو تمثل صورة الموضوع في الذهن، كما هو عليه الفلسفة الأرسطية، بل إنه يرى أن هذا علم لا يزيد شيئًا على الذات العارفة؛ بل العلم عند السُّهرَورْدي تَكشُّف يتَّحد فيه الموضوع بالعارف؛ لأن الذات العارفة نفسها من نوع الموضوع، فهي نور وشعور بهذا النور، ثم إن موضوع المعرفة هو الأنوار العقلية.

فالمعرفة عند السُّهرَورْدي لا تقوم على تجريد الصور كما يقرر المشَّاءون، بل تقوم على الحدس الذي يَربط الذات العارفة بالجواهر النورانية … فعندما يكون الموضوع معروضًا للنظر، وترفع الحجُب، يحصل للنفس إشراق حضوري على المبصر؛ فتراه النفس بحضوره عندها، وليس عن طريق صورة صادرة عن الموضوع، ومُرتسمة في النفس؛ فالنفس عندما تُضاء جوانبها بالإشراق تدرك الموضوع الحاضر، وهذه القدرة للنفس على استحضار الموضوع تختصُّ بالنفس وحدها في حالة مفارقتها للبدن وتجردها عن علائقه … ويتدرَّج هذا الإدراك حسب درجة النفس في التسلط على قوى الجسد، أو تسلُّط الجسد على قوى النفس؛ فمن أنوار مشرقة إلى ظلمات غاسقة، وليست هناك شروط خاصة للمعرفة المباشرة عند السُّهرَورْدي إلا في خلاص النفس من البدن.٦
وبناءً على هذه النظرية في المعرفة، وبناء على أن العالم الحسي وهم، والوجود الحقيقي هو وجود النفس والروح؛ ومن ثمَّ يرى السُّهرَورْدي أن الإدراك الحسي أقرب إلى إدراك المعقول منه إلى المحسوس؛ إذ إن موضوعاته ليست المحسوسات فحسب، بل أيضًا الإشراقات، وهو أبسط وأول مراحل اتصال النفس بالعالم الخارجي.٧
أما الإدراك العقلي؛ فقد قبل السُّهرَورْدي آراء المشائية فيما يختصُّ بمُشكلة العقل التي تقسم العقل إلى عقل هيولاني، وعقل مُمكن، وعقل بالملكة، وعقل مستفاد، والروح القدس، إلا أن السُّهرَورْدي يَزيد على هذا الموقف اتجاهه الإشراقي؛ فموضوعات المعرفة ليست المحسوس الذي يُجرِّد العقل منه الصورة المعقولة، بل الموضوع يَستثير الذهن العارف فيحلُّ للذهن إشراق حضوري هو فعل المعرفة، وعملية الإشراق تربط بين المحسوس ومثاله حسب نظرية المثل.٨

إذن السُّهرَورْدي يرى، شأنه شأن كثير من المتصوِّفة، أن وراء طور الحس والعقل طورًا آخر ينبغي اللجوء إليه، والاعتماد عليه، وهو الكشف أو الذوق.

من هذا المنطلق قام السُّهرَورْدي بمحاولة جادة وصريحة لجذب أرسطو العقلي صاحب البحث والبرهان إلى ميدان الكشف والذوق، ومُحاولة استنطاق أرسطو بالمبادئ الإشراقية، ثم الوقوف ضد ابن سينا كثيرًا، مستخدمًا كل أنواع المذهب الإشراقي، سواء عند الفرس أو الصابئة وغيرهم.٩
ومبدأ هذا المذهب وأساسه الأول أن: «الله نور الأنوار، ومصدر جميع الكائنات، فمن نوره خرجت أنوار أخرى هي عماد العالم المادي والروحي. والعقول المفارقة ليست إلا وحدات من هذه الأنوار تحرك الأفلاك، وتشرف على نظامها»؛ فالمذهب الإشراقي، على ما يذكر الدكتور إبراهيم مدكور، يعتمد إذن على نظرية العقول العشرة الفارابية مختلطة بعناصر مزدكية ومانوية.١٠
وإذا كان العالم في جملته قد برَز من إشراق الله وفيضه، فالنفس تصل كذلك إلى بهجتها بواسطة الفيض والإشراق. فإذا ما تُجرِّدنا عن الملذات الجسمية، تجلى علينا نور إلهي لا ينقطع مدده عنا. وهذا النور صادر عن كائن منزلته منا كمنزلة الأب والسيد الأعظم للنوع الإنساني، وهو الواهب لجميع الصور ومصدر النفوس على اختلافها، ويُسمَّى الروح المقدسة أو بلغة الفلاسفة العقل الفعال، كما يذكر السُّهرَورْدي في هياكل النور،١١ ومتى ارتبطنا به أدركنا المعلومات المختلفة، واتصلت أرواحنا بالنفوس السماوية التي تُعينُنا على كشف الغيب في حال اليقظة والنوم. وليس للتصوُّف من غاية إلا هذا الارتباط، والإشراقيون يسعون إليه ما استطاعوا، وكثيرًا ما ينعمون به. أما الأنبياء فهم في اتصال دائم وسعادة مُستمرة. يقول السُّهرَورْدي: «إنَّ النفوس الناطقة من جوهر الملكوت، وإنما يشغلها عن عالِمها هذا القوى البدنية ومشاغلها، فإذا قويت النفس بالفضائل الروحانية، وضعف سلطان القوى البدنية بتقليل الطعام وتكثير السهر، تتخلَّص أحيانًا إلى عالم القدس، وتتَّصل بأبيها المقدس، وتَتلقى منه المعارف، وتتصل بالنفوس الفلكية العالمة بحركاتها وبلوازم حركاتها، وتتلقَّى منها المغيبات في نومها ويقظتها، كمرآة تنتقش بمقابلة ذي نقش.»١٢
هذا بالنسبة للفلسفة عند السُّهرَورْدي، أما بالنسبة للمنطق، فقد وقف السُّهرَورْدي، وما يعرضه من مذاهب المشائين في العلوم الفلسفية البحتة؛ فيقول: «ومن لم يتمهَّر في العلوم البحثية، فلا سبيل له إلى كتابي الموسوم ﺑ «حكمة الإشراق»، وهذا الكتاب (يعني المشارع والمطارحات) يَنبغي أن يقرأ قبله، وبعد تحقيق المختصر الموسوم بالتلويحات وأنَّا لا نُراعي الترتيب ها هنا، ولا نلتزم في بعض المواضع بموضوع علم، بل عرضنا فيه البحث، وإن تأدَّى إلى قواعد من علوم مُتقدمة، فإذا استحكم الباحث هذا النمط فليشرع في الرياضات المُبرقة بحكم القيم السُّهرَورْديُّ أن يختصر المنطق الأرسطي اختصارًا مُبتكرًا، ويُسمِّي كثيرًا من آرائه المبتكرة مباحث أو ضوابط إشراقية؛ بحيث يُمكننا نحن أن نطلق على مجموع تلك الآراء «المنطق الإشراقي».»١٣ ويرجع السُّهرَورْدي مصدر هذا المنطق إلى نظريته في المعرفة القائمة على الذوق، فيُصرِّح بأنه توصَّل إلى ابتكار هذا المنطق بواسطة الذوق؛ حيث يرى أنه في حكمة الإشراق يبدأ على سياق المشائين الذي يَبتني على البحث الصوفي. ويصف هذا السياق الصوفي بأنه: «سياق آخر وطريق أقرب من تلك الطريقة وأنظم وأضبط وأقل إتعابًا في التحصيل.»١٤ وفي ذلك يقول قطب الدين الشيرازي في شرحه لحكمة الإشراق ﻟ «السُّهرَورْدي» إن المنطق المذكور في حكمة الإشراق موجز محذوف عنه الفروع الكثيرة القليلة الاستعمال بَيَّن فيه أشياء كانت في طريقهم غير محصلة ولا مهذَّبة، ولهذا قال: «وأنظم وأضبط وأقل إتعابًا في التحصيل لانضباط هذه الطريقة لتحديد قواعدها، وتهذيب مطالبها، وتلخيص زبدها عن زبدها.»١٥
ويصف تارة أخرى: «بأنه الآلة الواقية للفكر، جعلناها مختصرة مضبوطة بضوابط قليلة العدد كثيرة الفوائد.»١٦
وفي ذلك يقول قطب الدين الشيرازي: «الآلة المشهورة الواقية للفكر يعني المنطق يصون الفكر من الخطأ في انتقالاته من المعلوم إلى المجهول، جعلناها مختصرة مضبوطة بضوابط قليلة العدد لتقوي الذهن من التبديد والخاطر عن التبلد، كثيرة الفوائد لكونها لباب ما يُحتاج إليه في هذا الفن، مع تصرفات لطيفة وتنفيحات شريفة منها أنه رد الأشكال (القياسية)، بل الضروب المُنتجة من كل شكل، إلى ضرب واحد، والمركب من موجبتَين كليتين والسالبة موجبة بالعدول، وإما أن السالبة إنما يمكن جعلها موجبة معدولة إذا كانت مركبة لا بسيطة، وجعل غير الضرورية ضرورية بجعل الجهة جزء المحمول، وهي أن هذه الضوابط يَكفيها أقل إشارة، وأدنى إيماء، بخلاف البليد؛ فإنه لا يفهم القليل ولا ينفعه الكثير لطالب الإشراق كافية له أيضًا؛ لأنه إذا تفطن لما هو سبيله من شروق الأنوار ولمعان البوارق، فيصير القليل لذلك أكثر المطالب ومهمات المسائل؛ لأنَّ النور السائح هو إكسير المعرفة والحكمة، وما لم يتهيأ الجزم به لتوقفه على الفكر فيكفيه من المنطق الضوابط النورانية لاشتمالها على ما لا بد منه في هذا الفن، وإن كان على سبيل الإجمال.»١٧
ويرجع السُّهرَورْدي مصدر المنطق إلى طريق آخر غير العقل فيقول: «ولم يحصل لي أولًا بالفكر، بل كان حصولُه بأمر آخر، ثم طلبت الحجة عليه مثلًا ما كان يُشكِّكني فيه مُشكِّك.»١٨
ويُعلِّق قطب الدين الشيرازي على هذا النص، فيقول: «ولم يحصل بالفكر، بل كان حصوله بأمر آخر؛ أي بالذوق والكشف لما ارتكبتُه من الرياضات والمجاهدات، ثم أي بعد حصوله لي بالذوق والكشف، ثم طلبت الحجَّة عليه، أي البرهان بالفكر حتى لو قطعت النظر عن الحجة مثلًا ما كان يُشكِّكني فيه مُشكِّك؛ لأن حصوله اليقين كان بالعيان لا بالبرهان ليُمكن أن يشكك فيه بما يورده الخصم.»١٩
وما يُؤيد ذلك أن السُّهرَورْدي في مبحث المعارف والتعاريف يُغير بعض أسماء الألفاظ المنطقية المعروفة في المنطق الأرسطي، ويضع مكانها أسماء أخرى تحمل بُعدًا إشراقيًّا، فيُسمِّي مثلًا دلالة اللفظ على المعنى: التطابُق والتضمن والالتزام — يُسمِّيها القصد والحيطة والتطفل.٢٠ ويُسمِّي اللفظ الخاص اللفظ الشاخص والمعنى الخاص المعنى الشاخص أو المنحط.٢١
كما انتقد السُّهرَورْدي التعريف الأرسطي، وبَيَّنَ استحالة حصول العلم عن طريقه، فقد رأى أن المشائين يأخذون الذاتي العام؛ أي الجنس، والذاتي الخاص؛ أي الفصل، في تعريف الشيء. ولما كان الذاتي الخاص هذا غير معلوم عند مَن يجهله، فإقحامه في التعريف يُناقض القاعدة المشائية بأن المجهول لا يتوصَّل إليه إلا بالمعلوم، ثم لو افترضنا أنه اتَّفق الإلمام بهذا الذاتي أو الخاص أو الفصل فكيف يأمن ألا يكون قد غفل عن ذاتي آخر لا يعرف الشيء إلا به، فتكون المعرفة بالشيء آنذاك مُمتنعة، وكذلك تعريف الشيء.٢٢
وهذا النقد للتعريف الأرسطي حاول السُّهرَورْدي توضيحه؛ وذلك بمُحاولة إيجاد طريقين للتعريف:٢٣
  • أولًا: طريق الإحساس؛ فالأمور المحسوسة تدرك تمام الإدراك.
  • ثانيًا: طريق الكشف والعيان، وهو أدقُّ الطرق وأوثقها.
ومن هذَين الطريقَين يضع السُّهرَورْدي التعريف الكامل لديه، ويُسمِّيه بالمفهوم والعناية، ويحدده: «بأنه التعريف بأمور لا تختص آحادها الشيء ولا بعضها، بل تخصُّه للاجتماع.»٢٤

وهذا التعريف عند السُّهرَورْدي، وإن أخذ صورة الرسم الناقص، إلا أنه يحمل بُعدًا إشراقيًّا، وهذا يدلُّ على إيمان السُّهرَورْدي بحقيقة الجمع بين الحكمة البحثية والحكمة الذوقية.

أما في مبحث القضايا والقياس؛ فنجد السُّهرَورْدي يختصر كثيرًا من أشكال القضايا والقياس؛ لأنها متشعبة يُستغنى عنها بأقل منها، ويستبدل بها ضوابط للفكر قليلة العدد، مختصرة كثيرة الفوائد تكفي للذكي، وهو ما قاله ابن تيمية بعد ذلك من أن «المنطق الأرسطي لا يُفيد الذكي ولا ينتفع به البليد.»٢٥

وهذا يَعني أن السُّهرَورْدي يرفض كل ما هو زائد عليه أو متشعِّب منه لا دلالة له؛ فمبادئ العقل هي المبادئ الكافية، وقد يكون هذا التشعب والتفريع أحد معاني الصورية؛ أي الصورية الفارعة.

ففي القضايا، يقسم القضايا من حيث الكم إلى كلية وجزئية، ثم يحذف القضايا الشخصية؛ لأنَّ الشواخص لا يطلب حالها في العلوم، وحتى تكون أحكام القضايا أضبط وأسهل، ثم يرد القضايا الجزئية كلها إلى قضايا كلية؛ فالكل هو الأصل، والجزء فرع عليه، والمعرفة الإشراقية كلية لا جزئية، وفي العلوم لا تطلب البرهنة على القضايا الجزئية، بل على الكلية، والجزئية لا تكون شرطًا في التناقض؛ وبالتالي فهي لا تدخل في أصول القضايا، والكلية لا بد أن تكون محيطة أو حاصرة.٢٦

ثم يقسم القضايا من حيث الكيف إلى موجبة وسالبة، ثم يرد القضايا كلها إلى قضايا موجبة، وهذا يعني رد الفرع إلى الأصل؛ فالسلب فرع والإيجاب أصل، والسُّهرَورْدي يبحث عن الأصول لا عن الفروع، والمعرفة الإشراقية أصل المعرفة الإنسانية.

وإذا كان السلب جزءًا للموضوع أو للمحمول لم يكن قاطعًا للنسبة؛ فالإيجاب قطع والسلب ظن، والإيجاب ثابت عيني. أما السلب في الذهن فقط وليس في الخارج. يقول السُّهرَورْدي: «والحكم الموجب الذهني لا يَثبت إلا على ثابت ذهني، والموجب على أنه في العين لا يكون إلا ثابت عيني.»٢٧
فالمعرفة الإشراقية إذن لا سلب فيها، بل كلها إيجاب، وهي لا تسلب صفة عن الوجود، بل تعطيه صفات الإشراق إيجابًا لا سلبًا. ثم يقسم السُّهرَورْدي القضايا من حيث الجهة إلى ضرورية وممتنعة وممكنة، ثم يحذف المجهولة وكمية الموضوع؛ لأنَّ المجهول لا يفيد العلم، ولأنَّ الكيف هو الذي يميز شيئًا عن آخر.٢٨
ثم يرد السُّهرَورْدي القضايا الممكنة كلها إلى قضايا ضرورية أو بتاتة؛ وذلك لأنَّ الممكن سلب للضروري، والمعرفة الإشراقية معرفة ضرورية وليست ممكنة. ويجعل السُّهرَورْدي الإمكان والاقتناع جزءًا من المحمول، ولم يجعله شرطًا للتناقُض. والقضية البتاتة هي الوحيدة التي تستخدم في العلوم. أما الممكنة أو الممتنعة فلا تستخدم على الإطلاق. ثم يرد السُّهرَورْدي كل أشكال القضايا إلى القضية الكلية الموجبة الضرورية، وهي القضية البتاتة كما يُسمِّيها.٢٩ ولم يعرف بفائدة ما للقضية الجزئية إلا في بعض نواحي العكس المستوي والتناقض وبعض ضروب الأقيسة.٣٠
هذا بالإضافة إلى أنه خرج بآراء مُبتكرة أيضًا؛ ففي التناقُض يحذف السُّهرَورْدي عديدًا من الأبحاث؛ لأنه لا يحتاج إليها في نقد المناطقة المشائين وتفريعاتهم.٣١
وفيما يتعلَّق بالقياس الاستثنائي والاقتراني، يقول عن السلبي: «إنه لا يحتاج إلى تطويل، والضابط الإشراقي فيه مقنع، ومنه كثير من المختلطات.»٣٢ ويقول عن الشكل الثاني «إنه ترك التطويل على أصحابه في الضروب والبيان والخلط.»٣٣ ويقول عن الشكل الثالث: «إنه قد حذف عنه التطويلات»،٣٤ أما الشكل الرابع «فإنه يُسقطه من حسابه؛ لأنه شكل تابع للأشكال الثلاثة الأولى الأصلية.»٣٥
فالسُّهرَورْدي يستبدل بهذه التعريفات القريحة أو الفطرة أو الضابط الإشراقي، وفي هذا يقول: «ومَن كان له قريحة لا يصعب عليه مثل هذه التركيبات بعد معرفة القانون.»٣٦ ويقول أيضًا: «إن كفته سلامة القريحة في معرفة حجة قياسية فليقنع بذلك في جميع المطالب العلمية، فلا يحتاج إلى تطويل في قياس الخلف. ولكن عن التطويل في مثل هذه الأشياء استغناء.»٣٧
تلك هي الإضافات التي أضافها السُّهرَورْدي للمنطق الأرسطي، وهي تُعتبَر من أعمق المحاولات في تاريخ المنطق العربي، والتي بدأت تنضج ثمارها اليانعة لدى «عبد الحق بن سبعين»؛٣٨ حيث حاول وضع منطق إشراقي، شأنه شأن السُّهرَورْدي. هذا المنطق يحلُّ محلَّ المنطق الأرسطي الذي يقوم على تصور الكثرة، كما أن هذا المنطق، على حد تعبير أستاذنا الدكتور «أبو الوفا التفتازاني» رحمه الله، يُمكن أن يُسمَّى بمنطق المحقِّق عند «ابن سبعين»، وهو منطق ليس من جنس ما يكتب بالنظر العقلي، وإنما من قبيل النفحات الإلهية التي يبصر بها الإنسان ما لم يُبصِر، ويعلم ما لم يعلم، فهو إذن منطق ذوقي أو إشراقي لا يقوم على التجربة والاستقراء، وإنما يقوم على أساس الفطرة والمشاهَدة.٣٩
ويخصص «ابن سبعين» لهذا الغرض قسمًا طويلًا من كتابه «بُد العارف» على نحو ما صنع السُّهرَورْدي في «حكمة الإشراق»، وأغلب الظن أنه متأثر به في هذا الصدد. ومباحث هذا المنطق الجديد على حدِّ قول ابن سبعين: «لا يُمكن تصوُّرها إلا بالمرشد، ولا تنالها النفوس بالجهد ولا بالتجلُّد، بل بالنفحات الإلهية، حتى يُبصر (الإنسان) ما لم يبصر، ويعلم ما لم يعلم، وتظهر أشياء لا من جنس ما يكتسب.»٤٠ وهذا يذكرنا بما قاله السُّهرَورْدي: بأنه «لم يحصل لي أولًا بالفكر، بل كان حصوله بأمر آخر، ثم طلبت الحجة عليه حتى لو قطعت النظر عن الحجة ما كان يُشككني فيه مشكك.»٤١
تلك أوجه الشبه البارزة التي نجدها بين «منطق ابن سبعين»، و«منطق السُّهرَورْدي». وعلى الرغم من اعتداد «ابن سبعين» الشديد بنفسه، وعدم اعترافه لأحد من السابقين عليه من الفلاسفة والصوفية بأيِّ فضل، إلا أنه فيما يبدو لبعض الباحثين المُحدثين، إذا صرفنا النظر عن الاختلافات بينه وبين السُّهرَورْدي في تفاصيل مذهبيهما، نجد أنه متأثر بهذا الأخير؛ وذلك على الأقل في محاولته التحرُّر من المنطق الأرسطي، ووضع منطق جديد يبنى على الذوق والمشاهدة، وتوجد مباحثه في الخَلد (يعني العقل) قبل التصور والتصديق لا بعدهما، ومطالبه الأصلية خارجة عما يذكره الحكماء المشاءون؛ إذ لا نعلم أحدًا قبل السُّهرَورْدي حاول التحرر من سيطرة منطق أرسطو ووضَع منطقًا جديدًا على أساسٍ عِلمي منظَّم.٤٢
وأهم النتائج التي توصَّل إليها «ابن سبعين» في منطقه، أن حقائق المنطق فِطرية في النفس الإنسانية، وأن الألفاظ المنطقية الستة، وهي الجنس، والنوع، والفصل، والخاصة، والعرض، والجوهر، والشخص، ونشعر بالكثرة الوجودية، فهي محض وهم، والمقولات العشر كذلك، وإن اختلفت وتباينت، فإنما تشير إلى الوجود المطلق؛ فهو إذن يَحمل المقولات على الوجود المطلق، وبذلك يجعل المقولات جنسًا واحدًا أو تحت جنس واحد.٤٣
وهكذا يطبق «ابن سبعين مذهبه في الوحدة في مجال المنطق الأرسطي ليثبت دائمًا أن كل مباحث هذا المنطق التي تشعر بالكثرة في الوجود وهم على التحقيق أو يتبادَل بعض هذه المباحث لتبدو مُتمشية مع مذهبه العام.»٤٤

ثانيًا: خصائص المنطق الإشراقي عند السُّهرَورْدي

إذا كان السُّهرَورْدي قد أرجع مصدر منطقه إلى الذوق، فهو بهذا يدعو إلى ضرورة توافُق الذوق مع العقل أو المنطق؛ فالعقل الذي يرى ويفكر وحده دون أن يكون له مؤيد له من الذوق، ليس من الثقة فيه والاطمئنان إليه؛ بحيث يَنتفي كل شك فيه، وتزول كل شبهة، ولا بدَّ من ازدواجية أداة المعرفة التي تعتمد على الحكمة البحثية المعتمدة على التحليل والتركيب والاستدلال البرهاني، وهي حكمة الفلاسفة المشائية، والحكمة الذوقية التي هي ثمرة مذاق روحي، وهي حكمة يحياها الإنسان، ولا يستطيع التعبير عنها، وهي حكمة الفلاسفة الإشراقيين، وليس ثمة تعارُض حقيقي بين الحكمتين، وإنما هو تعارض ظاهري؛ لأن الفيلسوف الإشراقي الحقيقي هو الذي يُتقن الحكمة البحثية، وينفذ في نفس الوقت إلى أسرار الحكمة الذوقية.٤٥
ويُعطينا الشَّهرَزُوري، تلميذ السُّهرَورْدي، صورة واضحة لهاتين الحكمتَين، فيقول: «جمع السُّهرَورْدي بين الحكمتين، أعني الذوقية والبحثية. أما الذوقية فشهد له بالتبريز فيها كلٌّ من سلك سبيل الله عز وجل، وراض نفسه بالأذكار المتوالية، والمجاهدات المُتتالية، رافضًا عن نفسه التشاغل بالعالم. بالعالم الظلماني، طالبًا بهمته العالمية مشاهدة العالم الروحاني. فإذا استقر قراره وتهتك بالسير الحثيث إلى معاينة المجرَّدات أستاره، حتى ظفر بمعرفة ونظر بعقله إلى ربه، ثم وقَف بعد هذا على كلامه؛ فلنعلم حينئذ أنه كان في المكاشفات الربانية آية، والمشاهَدات الروحانية نهاية، لا يعرف غوره إلا الأقلون، ولا ينال شأوه إلا الراسخون. وأما الحكمة البحثية فإنه أحكم شأنها وشيَّد أركانها، وعبر عن المعاني الصحيحة اللطيفة بالعبارات الرشيقة الوجيزة، وأتقنها إتقانًا لا غاية وراءه، لا سيما في كتابه المعروف ﺑ «المشارع والمطارحات» فإنه استوفى فيه بحوث المتقدمين والمتأخِّرين، ونقض فيه أصول مذاهب المشائين، وشيَّد فيه معتقد الحكماء الأقدمين، وأكثر تلك البحوث والمتناقضات، وذلك على قوته في الفن البحثي والعلم الرسمي.»٤٦
ويستطرد الشَّهرَزُوري فيقول: «واعلم أنه لم يتيسَّر لأحد من الحكماء والعلماء والأولياء ما تيسَّر لهذا الشيخ من إتقان الحكمتين المذكورتين، بل بعضهم يسر له الكشف، ولم ينظر في البحث كأبي يزيد البسطامي و«الحلاج» ونظرائهما، وأما إتقان البحث الصحيح بحيث يكون مُطابقًا للوجود من غير سلوك وذوق فلا يُمكن، وجميع الحكماء المقتصرين على مجرَّد البحث الصرف مخطئون في عقائدهم. فإن أردت حقيقة الحكمة وكنتُ مُستعدًّا لها، فأخلص لله تعالى وانسلخ عن الدنيا انسلاخ الحية من جلدها عساك تظفر بها.»٤٧ وذلك لأن الحكمة الإشراقية، كما يرى السُّهرَورْدي، لا يُمكن تعلمها لا بفكر ولا بنظم دليل قياسي أو نصب تعريف حدي أو رسمي؛ بل بأنوار إشراقية مُتناوبة، وتُشاهدها فوقها على العناية الإلهية، وهذه الحكمة الذَّوقية قَل من يصل إليها من الحكماء ولا يحصل إلا للأفراد أو الحكماء المتألِّهين كأنباذوقليس وفيثاغورس وسقراط وأفلاطون وغيرهم من الأفاضل الأقدمين الذين شهدت الأمم المختلفة بفضلهم وتقدمهم.٤٨
وإذا كان السُّهرَورْدي قد جمع بين الحكمتين الذوقية والبحثية؛ فيُمكِن تلمس هاتين الحكمتين عند الفيلسوف الإنجليزي «برتراند راسل» Bertrand Russell؛ حيث كتب رسالة في غاية الروعة عن العلاقة بين المنطق والتصوف؛ حيث عقد فصلًا هو من أجود ما كتب في حياته الفلسفية، أراد أن يُميِّز بين قطبَي الرحى في حياة الإنسان الثقافية اللذين هما بصورة مجملة التصوف في ناحية، ومنطق العقل في ناحية أخرى؛ ففي الحالة الأولى يكون الإدراك مباشرًا وبغير مقومات، وفي الحالة الثانية على «التحليل»، بينما يرفض أصحاب الحالة الأولى كل ضروب «التحليل»، وأطلق «راسل» على بحثه ذاك عنوان «المنطق والتصوف» Mysticism and Logic، ثم جعل العنوان نفسه عنوانًا لكتاب يضمُّ ذلك الفصل من فصول أخرى، وإنه مما يُفيدنا في هذا الموضوع أن نُوجز ما قاله «راسل» في العلاقة بين المنطق والتصوف؛ يقول «راسل»: «لقد سار الإنسان في مُحاولته أن يتصوَّر العالم من حيث هو كل واحد مدفوعًا بدافعَين مختلفين كل الاختلاف، وقد يتلاقى هذان الدافعان معًا في إنسان واحد، وقد لا يتلاقيان؛ فأولهما هو الذي يُحفِّز الإنسان إلى النظر إلى الوجود نظرة المُتصوِّف، وأما الثاني فيحفزه إلى النظر بوسيلة العقل نظرة العلماء، ولقد استطاع أعظم الرجال أن يَبلُغوا قمة العبقرية بالدافع الأول وحده، كما استطاع أيضًا أعظم الرجال أن يبلغوا قمة العبقرية بالدافع الثاني وحده. ولكن أعظمهم جميعًا هم أولئك الذين اجتمعت لهم عناصر المعرفة العقلية وعناصر الإدراك الصوفي في آنٍ معًا.»٤٩
ويوضح برتراند راسل ذلك قائلًا: «تطوَّرت الميتافيزيقيا، أو محاولة إدراك العالم ككل بوسائل الفكر، منذ البدء عبر وحدة وتصارع دافعين إنسانيين؛ أولهما يحث الناس على التصوف، فيما يحثهم الثاني على العلم. لقد حقَّق بعض الأفراد ما هو عظيم ضمن الدافع الأول وحده، فيما حققه البعض الآخر عبر الدافع الثاني وحسب. فإذا أخذنا «ديفيد هيوم» مثلًا، كان الدافع العلمي عنده هو الغالب دون منازع، فيما نجد عند «بليك» العداء حيال العلم يَتعايش مع رؤية صوفية عميقة. لكن الأفراد الأكثر عظمة، والذين هم الفلاسفة، كانوا يشعُرون بحاجة لكلٍّ من العلم والتصوف؛ فمحاولة خلق تناغم ما بين الاثنين — التي وسمت حياتهم، والتي يجب أن تكون دائمًا كذلك، بما فيها من توقُّد غير مُستقِر — هي التي جعلت الفلسفة تبدو، بالنِّسبة لبعض العقول شيئًا يفوق بعظمته العلم والتصوف.»٥٠
ثم يُعطينا برتراند راسل أمثلة للخصائص التي تميز دافِعي العلم والتصوف مأخوذة من حياة فيلسوفين عظيمَين امتزَجَت حياة كلٍّ منهما بقوة بما أنجزه. هذان الفيلسوفان هما هيرقليطس وأفلاطون؛ حيث يقول: «قد كان هيرقليطس، كما يعرف الجميع، يُؤمن بمقولة التدفق الشامل: الزمن يبني جميع الأشياء ويحطمها. ومع أنه ليس من السهل معرفة كيف توصَّل إلى آرائه؛ إذ لم يبقَ لدينا منه سوى شذرات، يُمكننا القول إن بعض ما قاله يُوحي بأن المراقبة العلمية كانت ينبوع آرائه.» يقول: «الأشياء التي يُمكن أن تُرى، أو أن تُسمع، أو يتم تعلمها، هي التي أُثمنها أكثر.» إن لغة كهذه هي لغة أمبيريقية، تُشكِّل فيها المراقبة الضمان الوحيد للحقيقة. وكذلك قوله إن «الشمس جديدة في كل يوم»، واحدة من تلك الشذرات؛ تكشف بوضوح، رغم طابعها المُتناقض، أنها كانت تستلهم التفكير العلمي؛ فمما لا شكَّ فيه أن هيرقليطس، عبر ذلك الحكم، كان يُحاول تحاشي صعوبة فهم كيف أن الشمس بمقدورها التحرك من الشرق إلى الغرب. ولا بد أن تكون المراقبة العيانية أيضًا هي ما أوحى له بنظريته المركزية، القائلة بأن النار هي الجوهر الوحيد الثابت، والذي تمرُّ بفضله جميع الأشياء المرئية عبر مراحل. ففي الاحتراق نرى تحول الأشياء التام، فيما يتصاعَد اللهب والحرارة في الهواء ثم يتلاشيان. يقول: «هذا العالم، والذي هو واحد بالنسبة للجميع، لم يصنعه أي من الآلهة أو من البشر، لكنه كان دائمًا، وهو الآن، كما سيكون دائمًا، من صنع النار الحية، ثمَّة مكيال يُضيء، فيما يخمد مكيال آخر. تحولات النار هي، قبل أي شيء آخر، بحر؛ ونصف البحر أرض، ونصفه الآخر زوبعة تبقي هذه النظرية، رغم أنها قد أصبحت مرفوضة من قبل كل العلوم، عِلمية في رُوحها. كذلك يبقى علميًّا حكمه الشهير الذي يستشهد به أفلاطون: «لا يمكننا النزول مرتين في النهر الواحد؛ لأنَّنا ننزل دائمًا في مياه جديدة.» غير أننا نعثر أيضًا على حكم آخر ضمن تلك الشذرات «نحن نهبط في النهر الواحد ولا نهبط؛ لأننا موجودون وغير موجودين».»٥١
ويرى راسل أن مقارنة هذه العبارة الصوفية، بتلك التي يذكرها أفلاطون، العلمية، تظهر إلى أي حد يتزاوج الدافع الصوفي بالدافع العلمي في نظام هيرقليطس؛ فالتصوف، في جوهره، شيء أكثر من محض توتر أوسع وأعمق في الإحساس حيال الطريقة التي يجري بها فهم الكون؛ وهذا الإحساس قد أدى بهيرقليطس، على أسس علمه، إلى ذلك النوع من الأقوال الغريبة والمؤثِّرة عن الحياة والعالم؛ كقوله: الزمن طفل يلعب بالنرد، القوة الملكية هي قوة الطفل؛ فالمُخيلة الشِّعرية، لا العِلمية، هي من يقدم الزمن باعتباره سيدًا طاغيًا يتحكَّم في العالم، بكل ما ينطوي عليه الطفل من طيش ولا مسئولية. والتصوف أيضًا هو ما جعل هيرقليطس يؤكد على وحدة المتناقضات: «واحد هما الخير والشر»، كما يقول: كل الأشياء عند الرب لطيفة وخيرة وعادلة، لكن البشر يحسب البعض منها خاطئًا والبعض الآخر صحيحًا. ترتكز أخلاقية «بليك وهيرقليطس» على الكثير من التصوُّف. صحيح أن التحديد العلمي هو الذي ألهم حكمه التالي: طبع الإنسان هو مصيره؛ بيد أن المتصوِّف وحده منْ يمكنه القول: «تساق كل بهيمة بالصفعات إلى المرعى، وكذلك: يصعب نزاع المرء مع رغبة قلبه. كل ما يُرغب الحصول عليه، يتم شراؤه على حساب الروح.» وأيضًا: «الحكمة واحدة. إنها معرفة الفكرة التي تُرَص فيها الأشياء بعضها ببعض.»٥٢ ويزيد راسل في مضاعفة الأمثلة، فيقول: «ثمة مقاطع عند أفلاطون — من بين تلك التي تُبين الجانب العلمي من عقله — تشير إلى معرفته الواضحة بذلك الأمر. أكثر تلك المقاطع أهمية هو ذلك المقطع الذي يشرح فيه سقراط، الذي كان شابًّا، نظرية الأفكار لبارمنيدس. فبعدما أوضح سقراط أن هناك فكرة للخير، لكن ليس ثمة من فكرة لأشياء كالشعر أو الطين أو القذارة، ينصحه بارمنيدس بالمضي، وألا يزدري حتى بالأشياء الوضيعة. وقد كشفت تلك النصيحة عن الطبع العلمي الأصيل؛ إذ لا بد من تركيب الرؤية الصوفية للواقع السامي للخير مع هذا الطبع اللامتحيِّز، إذا ما كانت الفلسفة تطمح في تحقيق أعظم ممكناتها. بيد أن إخفاقها على هذا الصعيد هو ما جعل الفلسفة المثالية هزيلة، فاقدة للحياة، وبلا مادة؛ فعن طريق التزاوج مع العالم يُمكن لمُثُلنا جلب ثمارها: لكن إذا ما انفصلت عنه، فستظل تلك المُثُل عارية. غير أن التزاوج مع العالم لا يعني القيام به عبر مثالية تهرب من الواقع، أو تعلن بدءًا بأن على العالم التطابق مع رغباتها.»٥٣
ثم يُدلِّل «راسل» على ذلك ﺑ «بارمنيدس الإيلي» الذي يصف تصوُّفه بأنه تصوف منطقي ظهر عند كثير من المتصوفة الميتافيزيقيين من يوم «بارمنيدس» إلى «هيجل» وتلاميذه المحدثين، وأساسه هو أننا لا نعرف اللاوجود وما لا نعرفه ليس موجودًا. يقول راسل: «كذلك فإن ﻟ «بارمنيدس» نفسه نوعًا من التصوف الخاص، المُثير للاهتمام، والذي كان يستولي على فكر أفلاطون؛ أي التصوف الذي يمكننا تسميته ﺑ «المنطق»، ما دام يتجسد عبر نظريات في المنطق. فكما هو واضح يجد هذا الشكل من التصوف، بالقدر الذي يتعلق فيه الأمر بالغرب، جذوره عند بارمنيدس، كما أنه يستحوذ على طرق تفكير المتصوفة الميتافيزيقيين الكبار منذ أيامه وحتى هيجل ومريديه المعاصرين؛ فالواقع، مثلما يقول، لم يُخلق، ولا يمكن تحطيمه، ولا تغييره، أو تجزئته؛ فهو مُثبت ضمن حدود سلاسل كاملة القدرة، لا بداية له ولا نهاية؛ ما دام المجيء إلى الوجود والخروج منه قد تم إبعادهما عنه، وأزالهما عنه الإيمان الحقيقي؛ فالمبدأ الجذري الذي يوجه بحثه قد عبر عنه بحكم يمكن أن يجد مكانته عند هيجل: «لا يمكنك معرفة ما هو غير قائم — أمر مستحيل — وليس بمقدورك النطق به؛ ذلك لأنه شيء واحد ذلك الذي يمكنه الوجود وما يمكن التفكير به أيضًا لا بد من أن يكون ما يُقال وما يفكر به موجودًا، ذلك لأنه قادر على أن يكون، وليس من الممكن لما هو غير كائن أن يكون». تنتج عن هذا المبدأ استحالة التغيير؛ لأن ما جرى في الماضي يمكن قوله، وهو ما زال قائمًا تبعًا لذات المبدأ.»٥٤
ويستطرد راسل قائلًا: «إن أحد الجوانب الأكثر إقناعًا في التجلِّي الصوفي هو الوحي الظاهري بوحدة جميع الأشياء، وذلك ما ولَّد مذهب وحدة الوجود في الدين والتوحيد في الفلسفة. ثمَّة منطق متقن، كان قد بدأ مع بارمنيدس وبلغ ذروتَه عند هيجل وأتباعه، قد تطوَّر تدريجيًّا، للبرهنة على أن الكون هو كلية واحدة لا تتجزَّأ، وما يظهر وكأنه أجزاء له، إذا ما تم التعامل معه باعتباره جوهرًا يتمتع بالوجود الذاتي، ما هو إلا وهم؛ فالإيمان بوجود واقع يختلف تمامًا عن عالم الظاهر، واقع واحد، لا ينقسم ولا يتغيَّر، كان قد أُدخلَ على الفلسفة الغربية من قبل بارمنيدس، ليس لأسباب صوفية أو دينية، على الأقل اسميًّا، ولكن على أسس الحُجة المنطقية القائمة على استحالة اللاوجود، وبأن غالبية النظم الميتافيزيقية اللاحقة كانت حصيلة لتلك الفكرة.»٥٥
ثم يُؤكد راسل أن: «المنطق الذي تمَّ استخدامه للدفاع عن التصوف يظهر بأنه خطأ في المنطق، وهو معرض للنقود التقنوية، وذلك ما قمتُ بشرحه في مكان آخر. لن أُكرِّر هنا تلك النقود، ما دامت طويلة ومعقدة، لكني سأُحاول القيام بتحليل للحالة الذهنية التي تولد عنها ذلك المنطق الصوفي. يتولَّد الإيمان بواقع مختلف تمامًا عمَّا يظهر للحواس بقوة لا تُقاوم في بعض الأمزجة، والتي هي مصدر غالبية التصوُّف والميتافيزيقيات؛ فحينما يتغلَّب مزاج كهذا، يَنتفي الشعور بالمنطق، وبالتالي فإن أكثر المتصوِّفة اندفاعًا لا يستخدم المنطق، بل يسعى مباشرة للكشف عن رؤيته الداخلية. غير أن التصوُّف المدفوع إلى هذا الحد قلَّما نعثر عليه في الغرب؛ فعندما تتواصَل قناعة بمثل هذه القوة الانفعالية، يبحث الفرد المُمارس للتفكير عن أسس منطقية لصالح الإيمان الذي يجده في نفسه. لكن عندما يكون ذلك الإيمان قائمًا سلفًا، سيكون هذا الفرد مُنفتحًا حيال أية أرضية توحي بنفسها.»٥٦
وأخيرًا يرى راسل أن: «… المتناقضات المُبرهن عليها بصورة واضحة ضمن منطقه هي في الحقيقة متناقضات التصوف، وتشكل الهدف الذي يعتقد بأن على منطقه بلوغه، إذا ما أراد له أن يكون مُنسجمًا مع رؤيته الداخلية. وقد كان الناتج المنطقي هذا سببًا في جعل غالبية الفلاسفة عاجزين عن وضع العالم العلمي والحياة اليومية ضمن اعتباراتهم. فلو كانوا مهتمين بأخذ ذلك في نظر الاعتبار، لكان في مَقدورهم، ربما الكشف عن الأخطاء التي يتضمَّنها منطقهم، غير أنَّ غالبيتهم لا تعير اهتمامًا لفهم عالم العلم والحياة اليومية، بل تدينه باعتباره غير واقعي لصالح عالم «حقيقي» يقع فيما وراء الحواس. بمثل هذه الطريقة تمت مواصلة المنطق من قبل أولئك الفلاسفة الكبار والذين كانوا من المتصوفة. لكن ما دام التعامل مع المألوف قد أُخذَ كونه ضامنًا لتلك الرؤية المُفترضة للانفعال الصوفي، فقد جرى تقديم عقائدهم المنطقية بنوع من الجفاف، وتمَّ احتسابها من قبل مُريديهم وكأنها مُستقلَّة عن أي تجلٍّ مُفاجئ كانت قد انبثقَت عنه. ورغم ذلك ظلَّ أصلهم مُلتصقًا بهم وبقوا، لكي أستعير كلمة نافعة من «سانتيانا»، «خبثاء» إزاء عالم العلم والحس العام. بهذه الطريقة وحسب يُمكننا التعامل مع ذلك الرضا الذي قبل بموجبه الفلاسفة تناقُض عقائدهم مع جميع الحقائق العِلمية العامة التي تبدو أكثر استقامة وجدارة بالإيمان. يُظهر المنطق الصوفي، كما هو الأمر في الطبيعة، حالات الخلل المُتأصِّلة في كل ما هو خبيث. إنَّ الدافع المنطقي، الذي لا يُمكن الشعور به عندما يُهيمن المزاج الصوفي، يُعاود التأكيد على نفسه ما إن يتلاشى ذلك المزاج، ولكن مع الرغبة في الاحتفاظ بتلك الرؤية المُضمحلَّةِ، أو على الأقل البرهنة على أنها لم تكن سوى رؤية داخلية، وبأن ما يناقض ذلك الدافع ما هو إلا وهم. إن نشوء منطق كهذا لا يخلو من المصلحة، فهو يستلهم كراهية معينة حيال العالم اليومي الذي يسعى لتطبيق نفسه فيه. من الطبيعي ألا يؤدي موقف كهذا إلى الوصول لأفضل النتائج. فكل واحد يعرف أن قراءة مؤلَّف ما من أجل دحضه وحسب ليست بالطريقة الصحيحة لفهمه؛ كما أن قراءة كتاب الطبيعة ضمن الاعتقاد بأن كل شيء فيها وهمي هي بالدقة ما لا يوصل إلى الفهم؛ فإذا كان منطقنا يجد العالم اليومي مفهومًا، لا ينبغي أن يكون عدائيًّا، بل يجب عليه استلهام قبول أصيل له، بطريقة لا نعثر عليها عادة عند الميتافيزيقيين.»٥٧
من كل ما سبق يتَّضح لنا أن هناك فلاسفة قد أخذوا بالمنهج العقلي الاستدلالي فحصرهم الجدل العقلي الجاف في دائرة مُغلقة، ولكنهم برغم هذا وصلوا إلى قمة العبقرية، ولكن هناك فلاسفة جمعوا بين المنهجَين؛ أي تجاوَزوا مرحلة الفكر الاستدلالي إلى مقام الرؤية المباشرة أو الكشف. وهؤلاء أعظمهم؛ لأنهم هم الذين اجتمعت لهم عناصر المعرفة العقلية وعناصر الإدراك الصوفي في آنٍ واحد معًا كما يقول «راسل».٥٨
والسُّهرَورْدي خير من جمع بين عناصر المعرفة العقلية وعناصر الإدراك الصوفي؛ وذلك في منطقه الإشراقي القائم على الحكمة البحثية والحكمة الذوقية، وهو بهذا يظلُّ ثنائيًّا كابن سينا؛ فهو منطقي فيلسوف من ناحية، يَعتمد على العقل والبرهان في نقده للمنطق الأرسطي، بصرف النظر عن دوافع هذا النقد — وهي دوافع إشراقية، ثم هو إشراقي من ناحية، يُعطينا تصورًا للعالم كنورٍ ولدرجاتٍ، العالم كدرجاتٍ من النور، فهو يُمثِّل الفيلسوف المنطقي الإشراقي؛ أي الحكيم البحَّاث المتأله.٥٩
ويُعطينا السُّهرَورْدي تصورًا لهذا الحكيم البحَّاث المتأله؛ وذلك في إطار تصنيفه لدرجات الحكماء فيقول: «العالم ما خلا قط عن الحكمة وعن شخص قائم بها عنده الحجج والبينات مصداقًا للآية الكريمة: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً٦٠
ويصنف السُّهرَورْدي الحكماء إلى حكماء بحثيِّين وحكماء إشراقيين، ثم حكماء يجمعون بين الحكمتين البحثية والإشراقية، ويُرتب الدرجات لكل طائفة، وقد جعلها على أربع درجات؛ التوغُّل والتوسط والضعف والعدم، ومن ثمَّ يكون لدينا حسابيًّا درجات ثلاث رئيسية وأربع فرعية، والثلاث الأولى بين التوغُّل «التأله مثل أكثر الأنبياء» و«الأولياء»، والثلاث الأولى بين التوغُّل والعدم وهي:
  • (١)

    حكيم عديم البحث مُتوغِّل في التألُّه، مثل أكثر الأنبياء والأولياء.

  • (٢)

    حكيم إلهي مُتوغِّل في البحث عديم التألُّه، مثل كثير من الفلاسفة.

  • (٣)
    حكيم إلهي مُتوغِّل في البحث والتألُّه، وهذه درجة نادرة لم يَبلغها إلا السُّهرَورْدي كما يذكر الشارح.٦١
أما الدرجات الفرعية، فهي تتفاوَت بين التوغُّل والتوسُّط والضعف، وهي:٦٢
  • (أ)

    حكيم إلهي متوسِّط في البحث مُتوغِّل في التألُّه.

  • (ب)

    حكيم إلهي مُتوسِّط في البحث مُتوغِّل في التألُّه.

  • (جـ)

    حكيم إلهي متوغِّل في البحث متوسِّط في التألُّه.

  • (د)

    حكيم إلهي متوغِّل في البحث ضعيف في التألُّه.

كما يصنف السُّهرَورْدي طلاب الحكمة على درجات مُتفاوتة تُقابل درجات الحكماء الثلاث، وهي:
  • طالب البحث والتألُّه، وهو يطابق الحكيم الإشراقي المتوغل في البحث والتأله.

  • طالب التأله فحسب، وهو يُطابق الصوفي عديم البحث المتوغِّل في التأله.

  • طالب البحث فحسب، وهو يُطابق الفيلسوف المُتوغِّل في البحث عديم التأله.

  • والأفضل عند السُّهرَورْدي الحكيم البحَّاث المتألِّه، ثم الحكيم المتأله، ثم الحكيم البحَّاث. يقول السُّهرَورْدي: «وكتابنا هذا (يعني «حكمة الإشراق») لطالبي التأله، وليس للباحث الذي لم يتألَّه أو لم يطلب التأله فيه نصيب.»٦٣
ويُعلق قطب الدين الشيرازي على هذا فيقول: «بأن المتوغِّل في البحث والتأله له الرياسة؛ أي رياسة العالم العنصري لكماله في الحكمتين وإحرازه للشريفين وهو خليفة الله؛ لأنه أقرب الخالق منه تعالى، وإن لم يتَّفق؛ أي لندرته وعزَّته؛ فالمُتوغل في التأله، المتوسط في الباحث لا يسلم من الشك بخلاف الحاصل من التأله، وإن لم يتَّفق؛ فالحكيم المتوغِّل في التأله عديم البحث، وهو خليفة الله الذي يهدي به صراطًا مستقيمًا لا أن يقتله ضلالًا مبينًا فصار ورُوده ملَكة له، بحيث تلحظ النفس متى شاءت من استبيانه ليُمكن أن يبني عليه ما يحتاج إليه من الأحكام. هذه أقل الدرجات وأعظمها أن يحصل له الملكة الثانية الطامسة وهي آخر المراتب.»٦٤

ثالثًا: تقسيم السُّهرَورْدي للمنطق

إن غاية المنطق عند أرسطو هي البرهان، والبرهان نوع من القياس المجرد البسيط، والقياس البسيط مكوَّن من عناصر، هي القضايا، والقضايا تتكوَّن من موضوعات ومحمولات وباختصار من حدود. وعلى ذلك فإن المنطق عند أرسطو والقدماء ينقسم إلى الأقسام الثلاثة الآتية:
  • القسم الأول: منطق التصوُّرات أو نظرية التصور: ويختص بمبحث الأسماء والألفاظ المعبرة عن التصوُّرات التي يستخلصها عقلنا من إدراك الأشياء مُفردة، وبعبارة أخرى مبحث الحدود بدون اعتبار العلاقات التي قد تكون بينها، وهذا المبحث يؤدِّي إلى التعريف.
  • القسم الثاني: منطق التصديقات أو نظرية الحكم: وهو يَبحث في القضايا المعبِّرة عن الأحكام التي تتكون بإدراك عقلنا لعلاقات بين تصورين أو حدَّين، أو بعبارة أخرى يبحث في ارتباط فكرة بأخرى في صورة الحكم.
  • القسم الثالث: منطق القياس أو نظرية الاستدلال: وهو يبحث في القياس وقواعده وأشكاله وضروبه التي يرد بعضها إلى بعض، أو بعبارة أخرى يبحث في عمليات التزاوج بين قضيتَين، تخرج منهما بنتيجة تجمع بينهما، وهذا المبحث يُؤدِّي بنا إلى البرهان الذي هو في نظر أرسطو قياس مقدمات صادقة ويقينية.٦٥
ولقد تابع ابن سينا أرسطو في تقسيمه للمنطق؛ حيث يقول: «كل معرفة وعلم فإما تصوُّر وإما تصديق، والتصور هو العلم الأول ويكتسب بالحد وما يجري مجراه مثل تصوُّرنا ماهية الإنسان، والتصديق إنما يكتسب بالقياس أو ما يجري مجراه مثل تصديقنا بأن للكل مبدأ. فالحد والقياس آلتان بهما تكتسب المعلومات التي تكون محمولة فتصير معلومة بالرؤية، وكل واحد منهما، ومنه ما هو حقيقي، ومنه ما هو دون الحقيقي، ولكنه نافع منفعة ما بحسبه ومنه ما هو باطل مُشبه بالحقيقي.»٦٦
وهنا يتَّضح أن ابن سينا قصر عمليات المنطق على الحد والقياس، ولم يذكر القضية، ليس معنى هذا أنه لم يبحث القضايا أو أهملها، بل بحثها بحثًا وافيًا، على أنه من المحتمل أن يكون السبب في إهماله لها في هذا التقسيم أنه يَعتبرها عنصرًا أساسيًّا في القياس من ناحية، ومن ناحية أخرى أنها هي الغاية التي يصل إليها المنطق في عملية الاستدلال؛ إذ إن المنطق يصل إلى حكمة، أي إلى قضية، أو بمعنى أدق أن الاستدلال نفسه — كما يرى بعض المناطقة — حكم مركب أو قضية مركبة، والمنطق عند أرسطو — كما قلنا — ينقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة، وهو مصدر فكرة ابن سينا.٦٧
وقد تابع السُّهرَورْدي ابن سينا في تقسيمه هذا؛ حيث يقسم المنطق في «رسالة اللمحات في الحقائق» (القسم الأول) إلى تصوُّرات وتصديقات، وذلك في عشرة موارد. وهي تنقسم على النحو التالي:
  • المورد الأول: وهو في التصورات، ويحتوي على تسع لمحات، تَتناول في اللمحة الأولى بيان غرض المنطق، وتكلَّم في الثانية عن دلالة الألفاظ، سواء بالمطابقة أو بالتضمُّن، كما تكلَّم في اللمحة الثالثة عن أنواع الألفاظ وهي المُفرَدة المركبة، وفي اللمحة الرابعة قسَّم الألفاظ إلى جزئية وكلية، وعرج من ذلك إلى اللمحة الخامسة؛ حيث تناول تكثُّر الألفاظ واتحادها من حيث اللفظ والمعنى. أما في اللمحة السادسة فتكلَّم عن الموضوع والمحمول، وفي السابعة قسَّم المحمول ذاتيًّا وعرضيًّا وفصلها، وفي اللمحة الثامنة تناول خصائص السؤال والإجابة عنه، ويَنتهي من هذا المورد باللمحة التاسعة التي بيَّن فيها السُّهرَورْدي معنى الجنس والفصل والنوع والخاصة والعرض العام، وهي ما تُعرف في المنطق بالكليات.٦٨
  • المورد الثاني: وهو في الحدود، ويحتوي على ثلاث لمحات، خصص الأولى لبيان الحد التام والحد الناقص، والثانية لتعريف الرسم، وأعطى في اللمحة الثالثة أمثلة للأخطاء الناتجة عن الخلط بين الكليات الخمس.٦٩
  • المورد الثالث: وقد أسماه «في باري أرميناس» ومعناها «في العبارة»، وهو يَحتوي على خمس لمحات، بَيَّن في الأولى جواز وجود الشيء في الأعيان أو في الأذهان أو في الكتابة ومتى يتمُّ ذلك، وفي الثانية بَيَّن أنواع المركب، وخصَّص الثالثة لتناول تقسيم القضية المنطقية، من حيث الموضوع، إلى قضية جزئية وأخرى كلية، وفي اللمحة الرابعة قسَّم القضية من حيث السَّلب والإيجاب. وقد جعلها السُّهرَورْدي على أربعة أقسام هي الموجبة البسيطة، وهي ما ليس بها أداة سلب، وسالبة بسيطة وهي التي تظهر فيها أداة السلب كلفظ مُستقل؛ أي ليس جزءًا من الموضوع أو المحمول، ومعدولة موجبة وهي التي بها أداة سلب، وسالبة بسيطة وهي التي تظهر فيها أداة السلب لفظ مُستقل؛ أي ليس جزءًا من الموضوع أو المحمول، ومن أمثلة ذلك لفظ «لاسلكي»؛ فلفظ «لا» هنا لا يُغيِّر السلب لأنه جزء من المحمول، وسالبة معدولة، وهي القضية السابقة عندما تدخل عليها أداة سلب، أما اللمحة الخامسة فيتكلم فيها الفيلسوف عن أنواع الشرطيات.٧٠
  • المورد الرابع: وفيه يتكلم السُّهرَورْدي عن جهات القضايا، ويقصد بذلك أنواع الاستدلال المباشر، وقد قسمه أيضًا إلى خمس لمحات، تناول في الأولى نسبة المحمول إلى الموضوع؛ من حيث الضرورة والإمكان والامتناع، ثم تكلم في اللمحة الثانية عن القضية الوجودية، وهي القضية التي يكون موضوعها موجودًا فعلًا في الطبيعة؛ أي يمكن أن يتعين، ولها حالات للسلب والإيجاب فصلها السُّهرَورْدي في هذه اللمحة ليخلص منها إلى اللمحة الثالثة التي خصصها للكلام عن التناقض؛ وذلك حتى يتناول في اللمحة الرابعة حالات الاستدلال المعروفة فيما يُسمَّى بمربع أرسطو، وهي ما نعرفه الآن بالتضاد، والتداخل، والتناقض، والدخول تحت التضاد، ولكل حالة من تلك الحالات الأربع أحكام تطلق على القضايا تبعًا لموقعها منها. أما اللمحة الخامسة فقد خُصِّصت لأنواع العكس والنقض؛ أي أحكام جعل الموضوع محمولًا والعكس، ولتلك الطريقة في الاستدلال المباشر ست حالات متعدِّدة؛ هي حالة العكس المستوي، وحالة نقض المحمول، وحالة نقض العكس المستوي، وحالة عكس النقيض المخالف، وحالة عكس النقيض الموافق، وحالة النقض التام.٧١
  • المورد الخامس: وهو عن تركيب وأشكال القياس، وفيه ثلاث لمحات، يتناول في الأولى طريقة القياس وضروبه المنتجة، وفي الثانية قياس القضايا والشرطية، وفي الثالثة يُبَيِّن طريقة الاستثناء في الشرطيات البسيطة من شرطية وحملية، سواء أكانت شرطية متَّصلة أم منفصلة.٧٢
  • المورد السادس: وهو مورد خاص بقياس الخُلف، وفي خمس لمحات، يتناول في الأولى شروط القياس، وفي الثانية تعريف قياس الخلف، وفي الثالثة تعريف قياس الدور، وفي الرابعة طريقة الحمل على المقدمات، وفي اللمحة الأخيرة يُبَيِّن السُّهرَورْدي كيف أنَّ التسليم بصدق قضية يتضمن التسليم بكذب نقيضها.٧٣
  • المورد السابع: وفيه يَتناول السُّهرَورْدي بالشرح طريقة الحكم على القضايا الكلية في الاستقراء، وكيف أن ذلك الحكم ينطبق على جزئيات القضية الكلية. ولهذا المورد شرح عام لم يقسمه السُّهرَورْدي إلى لمحات كالعادة.٧٤
  • المورد الثامن: وهو في أصناف القضايا؛ حيث يتناول القضايا الواجبة القبول، ويقسمها إلى الأوليات والمجربات والحدسيات والمتواتِرات والمشهورات والوهميات والمقبولات والتقريرات والمظنونات والمشبهات.٧٥
  • المورد التاسع: وهو مورد خاص بالبرهان، ويتألَّف من أربع لمحات، تناول في الأولى تقسيم المطالب إلى تصورية وتصديقية، وفي الثانية تناول أقسام البرهان، وفي الثالثة تقسيم أجزاء العلم إلى موضوعات ومبادئ ومسائل، وفي اللمحة الرابعة تعريف معنى الحد والقسمة والاستقراء.٧٦
  • المورد العاشر: وهو المورد الأخير في علم المنطق، وقد خصَّصه السُّهرَورْدي للتحذير من بعض الأخطاء والمغالطات التي قد تقع في القياس.٧٧
هذا هو تقسيم المنطق الأرسطي كما عالجه السُّهرَورْدي في رسالة «اللمحات في الحقائق»، إلا أنه في كتابه «حكمة الإشراق» أخذ ينقد ويُحلِّل ويختصر منطق اللمحات؛ وذلك في ثلاثة مباحث:
  • (١)
    مبحث المعارف والتعاريف: وهذا المبحث يبحث سبعة ضوابط لنظام التعريف، فكان الضابط الأول يخصُّ دلالة اللفظ على المعنى، والثاني تقسيم التصور والتصديق، أما الضابط الثالث فيخص مبحث الماهية، والرابع يبحث الفرق بين الأعراض الذاتية والغريبة، ثم يَنتقِل إلى بيان ضابط خامس، ينفي فيه وجود الكُلي بالخارج، وفي الضابط السادس يبحث التمييز بين المعرفتَين الفطرية والمكتسبة. أما الضابط السابع فيدرس فيه شروط التعريف، ثم يختم هذه المقالة بنقد نظرية الحد الماهوي ﺑ «قاعدة إشراقية في هدم قاعدة المشَّائين في التعريفات.»٧٨
  • (٢)
    مبحث الحُجَج ومباديها: وهذا المبحث يُقيمه السُّهرَورْدي على سبعة ضوابط أيضًا، الأول، ويبحث فيه السُّهرَورْدي رسم القضية والقياس، ثم انتقَل في الضابط الثاني إلى بيان أقسام القضايا، وبيَّن في الثالث جهاتها، ثم ختم هذه الضوابط الثلاثة بحكمة إشراقية مفادها أن جميع القضايا ترجع كلها إلى الموجبة الضرورية. وبهذا الرأي، نجد السُّهرَورْدي يَسبق فلاسفة المنطق الحديث، من أمثال «دي مورجان» و«رونفييه» وغيرهما، ممَّن تنبَّهوا إلى إمكان رد القضايا السالبة إلى موجبة، وفي سياق الاختزال كذلك نُلاحظ أنه يرد أيضًا القضايا الجزئية إلى الكلية، لكنَّنا هنا لا نراه مُنسجمًا مع أساس فلسفته الإشراقية ولا نزُوعه النقدي لأسس التفكير المنطقي الأرسطي؛ فنفيه للحد الماهوي وتوكيده على الحد بالرسم وغيره من طرائق التعريف الناقصة لا يَنسجِم معها إلا تقدير القضايا الجزئية، وهنا نرى أن «ابن تيمية» كان أكثر منه توفيقًا وإدراكًا لقيمة القضية الجزئية. أما الضابط الرابع فدرس فيه التناقضَ وبَيَّنَ حدَّه، وفي الخامس درس «العكس» (أي جعل موضوع القضية محمولًا والمحمول موضوعًا، مع حفظ الكيفية وبقاء الصدق والكذب بحالهما)، وفي الضابط السادس يدرس القياس وما يتعلَّق به، وبعد هذه الضوابط تتبدَّى إشراقية السُّهرَورْدي في مباحث دقيقة كالسلب والشكلَين الثاني والثالث من أشكال القياس، فضلًا عن تحليله للشرطيات وقياس الخلف. وهنا لا بدَّ أن نُشير إلى أن السُّهرَورْدي ينكر الشكل الرابع من أشكال القياس، ذاهبًا في ذلك مذهب ابن سينا. ومعلوم أن العديد من المناطقة العرب قد أنكروا الشكل الرابع؛ لأنه ليس سوى عكس الأول؛ فالاكتفاء بالثلاثة يُغني ويكفي. والحقيقة أن هذا الشكل ليس من وضع أرسطو؛ فمتن الأورجانون ليس فيه سوى ثلاثة أشكال فقط، وإن كانت فيه بعض العبارات الدالة على أن أرسطو كان مُدركًا لوجود هذا الشكل بناءً على قلب الأول؛ أي عكسه، لذا فغالب الظن أن الشكل الرابع لم يكن إلا من إضافة الشُّرَّاح بناءً على تحليلهم وتفسيرهم للمتن الأرسطي ذاته، ونرى من الخطأ أن نَنسب هذا الشكل إلى جالينوس، كما يذهب الكثير من مُؤرِّخي علم المنطق، فليس ثمة ما يُمكننا من الجزم بهذا. وقد كانت دراسة العالم المنطقي البولندي «يان لوكاشيفيتش» لهذه المسألة دقيقة وكافية في نفي نسب الشكل الرابع إلى جالينوس، وإذا لم يكن قد استطاع أن يخلص إلى تحديد صاحب هذه الإضافة إلى مبحث الأشكال، فإنه على الأقل استطاع نفْي نسبتها إلى الشارح «جالينوس». وفي الضابط السابع يبحث السُّهرَورْدي مواد الأقيسة البرهانية مع فصول في التمثيل وقسمي البرهان (أي اللمي والإني)، مختتمًا ببيان مطالب تتعلَّق بأدوات الاستفهام.٧٩
  • (٣)
    مبحث المغالطات، وبيَّن فيه السُّهرَورْدي المباحث الطبيعية والإلهية التي عرض لها الفلاسفة المشاءون؛ وذلك على أساس من تجربته الإشراقية.٨٠
وبعد هذا العرض لأقسام المنطق عند السُّهرَورْدي يمكن تقسيم البحوث والدراسات في المنطق الإشراقي إلى قسمين:
  • (أ)

    نظرية التعريف الإشراقية.

  • (ب)

    نظرية الحجج الإشراقية.

رابعًا: تقييم المنطق الإشراقي

يُقلل بعض المستشرقين، من أمثال المستشرق «هنري كوربان» وغيره، من أهمية الجانب المنطقي في حكمة الإشراق، ويُركِّزون على الجانب الكوني الميتافيزيقي، في حين أن الجانب المنطقي بمثابة التمهيد للجانب الكَوني الميتافيزيقي؛ إذ عرض السُّهرَورْدي فيه لأمور هي عنده مقدمات لمطالب في القسم الثاني؛ بمعنى أن الجانب المنطقي هو الذي يَعرض لوحدة المنهج: منهج النظر ومنهج الذوق، وما الجانب الكوني الميتافيزيقي عن النور إلا تطبيق للمنهج الإشراقي في تصور المشائين للكون.٨١

بل يجعل المستشرقون من السُّهرَورْدي إشراقيًّا خالصًا، ويتركون جانب الحكمة والتصوف، ويُخرجونه من نطاق الفلسفة والمنطق. ولكن ما السبب الذي يجعل بعض المستشرقين يقفون هذا الموقف؟

أعتقد أنه ربما يرون أن السُّهرَورْدي لم يُعطِنا منطقًا إشراقيًّا بقدر ما أعطانًا نقدًا للمنطق الأرسطي؛ أي إن الجانب السلبي لديه أقوى وأوضح وأكثر من الجانب الإيجابي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أن التأليف في المنطق ينافي الاتجاه الإشراقي، خاصة وأن المنطق علم آلي، عقلي، استدلالي، بخلاف الإشراق الذي يعني ذوق، فطرة، مشاهدة. ثم كيف يُمكن ربط المنطق بالإشراق؟ وهل للإشراق منطق، والإشراق بطبيعته لا يخضع لقواعد المنطق، بل هو أساسًا معرفة كشفية تند عن العقل ولا تحدث إلا بالذَّوق؟!

ولكننا نخالف هذا القول تمامًا؛ فالسُّهرَورْدي إذا كان قد نقد المنطق الأرسطي نقدًا سالبًا، فإنه خرج من هذا النقد بآراء مُبتكَرة، وهو يُسمي هذه الآراء مباحث أو ضوابط، بحيث يمكن لنا أن نطلق ما ذكرناه سالفًا؛ أعني على مجموع تلك الآراء، «المنطق الإشراقي». هذا المنطق كما عرفه السُّهرَورْدي هو سياق آخر وطريق أقرب تلك الطريقة وأنظم وأضبط وأقل إتعابًا في التحصيل،٨٢ أو «الآلة الواقية للفكر» جعلناها مُختصَرة مضبوطة بضوابط قليلة العدد كثيرة الفوائد.٨٣
ويرجع مصدر هذا المنطق إلى الذوق فيقول: «ولم يَحصل لي أولًا بالفكر، بل كان حصوله بأمر آخر غير العقل.»٨٤
١  د. أبو العلا عفيفي: التصوف … الثورة الروحية في الإسلام، دار المعارف، القاهرة، ١٩٦٣م، ص٢١، ٢٢.
٢  المرجع السابق، ص٢٣.
٣  د. عبد القادر محمود، فلسفة الصوفية في الإسلام، دار الفكر العربي، القاهرة، ١٩٦٧م، ص٤.
٤  نيكلسون، الصوفية في الإسلام، ترجمة نور الدين شرابية، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، ٢٠١٢م، ص٧١.
٥  د. قاسم غني، تاريخ التصوف في الإسلام، دار النهضة المصرية، القاهرة، ١٩٧٠م، ص٥٨٥.
٦  د. محمد علي أبو ريان: أصول الفلسفة الإشراقية عند شهاب الدين السُّهرَورْدي، ص٧٥، ٧٦.
٧  المرجع السابق، ص٣٠٦–٣١٦.
٨  المرجع نفسه، ص٣١٦–٣٢٧.
٩  د. محمد جلال شرف: النزعة الإشراقية بين الفلسفة والدين في الفكر الإسلامي، دار المعارف، القاهرة، ١٩٧٢م، ص١٦١، ١٦٢.
١٠  إبراهيم مدكور: في الفلسفة الإسلامية «منهج وتطبيقه»، ص٥٣–٥٧.
١١  السُّهرَورْدي: هياكل النور، ص٢٨.
١٢  المصدر السابق، ص٤٤، ٤٥.
١٣  د. علي سامي النشار: مناهج البحث عند مفكري الإسلام ونقد المسلمين للمنطق الأرسططاليسي، دار الفكر العربي، القاهرة، ١٩٤٧م، ص٢١٥.
١٤  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص١٠، ١١.
١٥  قطب الدين الشيرازي: شرح حكمة الإشراق، ص١٦.
١٦  السُّهرَورْدي: المصدر السابق، ص١١، ١٢.
١٧  الشيرازي: شرح حكمة الإشراق، ص١٦، ١٧.
١٨  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص١٢.
١٩  الشيرازي: المصدر السابق، ص١٧.
٢٠  المصدر نفسه، ص٥٨، ٥٩.
٢١  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص٢٥.
٢٢  المصدر السابق، ص٢١.
٢٣  الشيرازي: المصدر السابق، ص٥٨، ٥٩.
٢٤  السُّهرَورْدي: المصدر السابق، ص١٨.
٢٥  ابن تيمية: الرد على المنطقيين المسمَّى ﺑ «نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان»، تحقيق سليمان الندوي، بمباي، الهند، ١٣٦٨ﻫ/١٩٤٩م، ص٣. وانظر: جلال الدين السيوطي: صون المنطق والكلام عن فنَّي المنطق والكلام، تحقيق د. علي سامي النشار، طبع الخانجي، القاهرة، ص٢٠١، ٢٠٢.
٢٦  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص٢٥. وانظر كذلك الدكتور حسن حنفي: بين حكمة الإشراق والفينومينولوجيا، ص٢١٨.
٢٧  السُّهرَورْدي: المصدر نفسه، ص٢٦. وانظر كذلك الدكتور حسن حنفي: المرجع نفسه، ص٢١٩.
٢٨  السُّهرَورْدي: المصدر نفسه، ص٣٠. وانظر كذلك الدكتور حسن حنفي: المرجع نفسه، ص٢٢٢.
٢٩  السُّهرَورْدي: المصدر نفسه، ص٣١، ٣٢. وانظر كذلك الدكتور حسن حنفي: المرجع نفسه، ص٢٢٤.
٣٠  السُّهرَورْدي: المصدر نفسه، ص٣١. وانظر كذلك الدكتور حسن حنفي: المرجع نفسه، ص٢٢٥.
٣١  السُّهرَورْدي: المصدر نفسه، ص٣٦. وانظر كذلك الدكتور حسن حنفي: المرجع نفسه، ص٢٢٦.
٣٢  السُّهرَورْدي: المصدر نفسه، ص٣٧–٣٩. وانظر كذلك الدكتور حسن حنفي: المرجع نفسه، ص٢٢٧.
٣٣  السُّهرَورْدي: المصدر نفسه، ص٣٨. وانظر كذلك الدكتور حسن حنفي: المرجع نفسه، ص٢٢٨.
٣٤  السُّهرَورْدي: المصدر نفسه، ص٣٤. وانظر كذلك الدكتور حسن حنفي: المرجع نفسه، ص٢٢٩.
٣٥  السُّهرَورْدي: المصدر نفسه، ص٢٤. وانظر كذلك الدكتور حسن حنفي: المرجع نفسه، ص٢٣٠.
٣٦  السُّهرَورْدي: المصدر نفسه، ص٥٩. وانظر كذلك الدكتور حسن حنفي: المرجع نفسه، ص٢٣١.
٣٧  د. أبو الوفا التفتازاني: ابن سبعين وفلسفته الصوفية، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ١٩٧٣م، ص٢٠٦.
٣٨  \hspace{-4pt} وقد وصَفه أستاذنا الدكتور إبراهيم بيومي مدكور بأنه: المفكر النقَّادة الذي لم يُدرس بعد دراسة كافية ولائقة به، على الرغم مما في آرائه من حصافة، وفي أفكاره من عمق ودقة. وأكبر مصدر نَعتمِد عليه حتى اليوم في تعرف نظرياته هو المُراسلات التي دارت بينه وبين الإمبراطور فردريك الثاني حاكم صقلية، المتوفَّى سنة ١٢٥٠م. وكلنا يعلم ما كان عليه فردريك الثاني من رغبة في العلم وحبٍّ للأدب والفلسفة العربية. لهذا وجه إلى مُفكِّري الإسلام أربعة أسئلة أجاب عنها ابن سبعين عالم سبتة، وهي: قدم العالم، والمقولات العشر، وما وراء الطبيعة في غايته ومبادئه، وطبيعة النفس. وهذه الأسئلة تلخص تمامًا المشاكل المهمَّة التي كانت تشغل المفكرين عامة وتلاميذ أرسطو على الخصوص في ذلك العصر. وقد أجاب عنها ابن سبعين إجابة موسعة، بحيث ضمنها كل مذهبه وآرائه الخاصة.
(انظر د. إبراهيم بيومي مدكور: في الفلسفة الإسلامية: منهج وتطبيق، الجزء الأول، دار المعارف، القاهرة، ١٩٨٣م، ص٥٣–٥٥).
٣٩  نقلًا عن د. أبو الوفا التفتازاني: ابن سبعين وحكيم الإشراق، بحث نشر ضمن الكتاب التذكاري، شيخ الإشراق، القاهرة، ١٩٨٠م، ص٢٩٥.
٤٠  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص١٢.
٤١  د. أبو الوفا التفتازاني: ابن سبعين وحكيم الإشراق، ص٣٠١.
٤٢  د. أبو الوفا التفتازاني: مدخل إلى التصوف الإسلامي، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة، ١٩٧٩م، ص٢١١، ٢١٢.
٤٣  المرجع السابق، ص٢١٢.
٤٤  د. محمد ياسر شرف: حركة التصوف الإسلامي، طبعة الهيئة العامة المصرية للكتاب، القاهرة، ١٩٨٦م، ص٦٠.
٤٥  Gardet: Quelques Reflexions sur I’Ishraq de Suhrawardi.
بحث منشور ضمن الكتاب التذكاري ﻟ «السُّهرَورْدي»، ص٨٥.
٤٦  الشَّهرَزُوري: نزهة الأرواح، ص٢٣٠.
٤٧  المصدر السابق، ص٢٣٢.
٤٨  انظر: مقدمة الشَّهرَزُوري لكتاب حكمة الإشراق، ص٣.
٤٩  Bertrand Russell: Mysticism and Logic and Other Essays, Allen & Unwin, 7th, Impression, 1932, p. 9–10.
وانظر أيضًا: حسين عجة: التصوف والمنطق ﻟ «برتراند راسل»، مجلة الأوان، الأحد ٢٤ شباط (فبراير) ٢٠٠٨م.
٥٠  Ibid, p. 14–15.
٥١  Ibid, p. 18–19.
٥٢  Ibid, p. 22–23.
٥٣  Ibid, p. 24–25.
٥٤  Ibid, p. 28–29.
٥٥  Ibid, p. 29–30.
٥٦  Ibid, p. 31–32.
٥٧  Ibid, p. 33–34.
٥٨  Ibid, p. 38–39.
٥٩  د. حسن حنفي: بين حكمة الإشراق والفينومينولوجيا، بحث منشور ضمن الكتاب التذكاري ﻟ «السُّهرَورْدي»، ص٢١٨، ٢١٩.
٦٠  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص١٠، ١١.
٦١  الشيرازي: شرح حكمة الإشراق، ص٢٣.
٦٢  المصدر السابق، ص٢٥، ٢٦.
٦٣  د. عثمان يحيى: الصحف اليونانية: الأصول غير المباشرة لفكرة الحكيم المتألِّه عند السُّهرَورْدي، ص٣٢٥.
٦٤  الشيرازي: شرح حكمة الإشراق، ص٢٦.
٦٥  د. محمد السرياقوسي: التعريف بالمنطق الصوري، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة، ١٩٨٠م، ص٤١.
٦٦  ابن سينا: كتاب النجاة في الحكمة المنطقية والطبيعية والإلهية، تحقيق د. ماجد فخري، منشورات دار الآفاق، بيروت، ١٩٨٥م، ص٤٤٠.
٦٧  د. علي سامي النشار: المنطق الصوري منذ أرسطو حتى عصورنا الحاضرة، دار المعارف، القاهرة، ١٩٦٥م، ص٨٥.
٦٨  السُّهرَورْدي: اللمحات في الحقائق، ص٣٦–٤٨.
٦٩  المصدر السابق، ص٤٩–٥٢.
٧٠  المصدر نفسه، ص٥٣–٦٠.
٧١  المصدر نفسه، ص٦١–٧١.
٧٢  المصدر نفسه، ص٧٢–٨٥.
٧٣  المصدر نفسه، ص٨٦–٨٩.
٧٤  المصدر نفسه، ص٩٠–٩٢.
٧٥  المصدر نفسه، ص٩٣–٩٧.
٧٦  المصدر نفسه، ص٩٨–١٠٤.
٧٧  المصدر نفسه، ص١٠٥–١٠٨.
٧٨  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص١١، ١٢.
٧٩  د. محمد مصطفى حلمي: السُّهرَورْدي وحكمة الإشراق، بحث منشور بدائرة المعارف الإسلامية، طبع دار الشعب، القاهرة، ج١٢، ص٣٠٧، ٣٠٨. وأيضًا انظر: د. حسن حنفي: بين حكمة الإشراق والفينومينولوجيا، ص٢٢٥، ٢٢٦.
٨٠  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص١١.
٨١  المصدر السابق، ص١٢.
٨٢  المصدر نفسه، ص١٢.
٨٣  المصدر نفسه، ص١٢.
٨٤  المصدر نفسه، ص١٢.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤