الفصل الثالث

المنطق عند السُّهرَورْدي وعلاقته بالمنطق الأرسطي القديم

تمهيد

قلنا إن للسُّهرَورْدي تجاه المنطق الأرسطي موقفًا مُزدوَجًا؛ فهو يقبل المنطق عامة، ويعتبره إحدى رياضات المتصوِّفة الإشراقية، ثم يضع منطقًا جديدًا ثانيًا، أو يُحاول أن يختصر هذا المنطق ثانيًا. وقلنا إنه بهذا يخالف الصوفية الذين لم يقبلوا أية صورة من صور التفكير النظري. وإن كان السُّهرَورْدي نفسه يصرح بأنه توصل إلى ابتكار هذا المنطق بواسطة الذوق، ويسمي كثيرًا من أبحاثه الجديدة ضوابط إشراقية، فيُقرِّر أنه سيجعل الآلة الواقية للفكر مُختصَرة مضبوطة بضوابط قليلة العدد، كثيرة الفوائد. ولذا سنُحاول أن نشرح تفاصيل ذلك في هذا الفصل، وذلك على النحو التالي:

أولًا: المنطق الأرسطي كما يصوره مُفكِّرو الإسلام، وخاصة السُّهرَورْدي في مؤلفاته

لقد تصور أرسطو أن منطقه آلة لتحصيل العلوم جميعها، أو مقدمة ضرورية لاكتسابها، باعتباره مدخلًا للفلسفة التي كانت تشمل في عصره جميع المعارف والعلوم.

وقد ظلَّ المنطق الأرسطي بمثابة كتاب مقدس، تُقبل عليه الأجيال، تتدارسه وتشرحه، وتُعلِّق عليه وتقتبس منه١ حتى جاءت العصور الوسطى الإسلامية، فكان لمُفكِّري الإسلام وفلاسفته ومتكلميه وأصولييه وفقهائه ومتصوِّفيه مواقف متباينة أمام هذا المنطق.
أما الفلاسفة فقد تلقَّوه بالإعجاب، وأحاطوه بهالة من القدسية، واهتموا به اهتمامًا كبيرًا؛ فقاموا بشرحه والتعليق عليه، والإضافة إليه، واعتبروه يمثل:
  • (١)
    القوانين التي من شأنها أن تُقوِّم العقل، وتسدد الإنسان نحو طريق الصواب، ونحو الحق في كل ما يُمكن أن يغلط فيه من المعقولات أو القوانين التي تحفظه وتحُوطه من الخطأ والزلل.٢
  • (٢)
    الصناعة النظرية التي تُعرفنا أنه من أي الصور والمواد يكون الحد الحقيقي الذي يسمى بالحقيقة حدًّا، والقياس الصحيح الذي يُسمى بالحقيقة برهانًا، وتُعرفنا أنه عن أي الصور والمواد يكون الحد الإقناعي يُسمى رسمًا، وعن أي الصور والمواد يكون القياس الإقناعي الذي يُسمى ما قوي منه، وأوقع تصديقًا، شبيهًا باليقين جدليًّا، وما ضعف منه وأوقع ظنًّا غالبًا ومادة يكون القياس الفاسد الذي يُسمَّى مغالطيًّا وسوفسطائيًّا، وهو الذي يتراءى أنه بُرهاني أو جدلي ولا يكون كذلك، وأنه عن أي صورة ومادة يكون القياس الذي لا يُوقِّع تصديقًا البتة، ولكن تخييلًا يرغب النفس في شيء أو ينفرها ويقززها أو يبسطها أو يقبضها، وهو القياس الشعري.٣
  • (٣)
    قانون صناعي عاصم للذهن عن الزلل، مميز لصواب الرأي عن الخطأ في العقائد، بحيث توافق السليمة على صحته.٤
وأما المتكلمون والأصوليُّون فجنحوا إلى الرواقية، مُتَّهِمين المنطق الأرسطي بأنه عقيم وتحصيل حاصل، ويَنطوي على مصادرة على المطلوب، وغير مفيد. وأقام المتكلمون والأصوليون بدلًا من القياس الأرسطي قياسًا آخر بالمعنى الواسع لكلمة القياس أشبه بالتمثيل الأرسطي سُمِّيَ بالقياس الأصولي.٥
وإذا كان المتكلمون والأصوليون يُهاجمون المنطق الأرسطي، إلا أن الإمام أبا حامد الغزالي (ت٥٠٥ﻫ) في أول أمره كان يُقدِّس منطق أرسطو، حتى إنه يقول عنه: «إنَّ من لا يُحيط به فلا ثقة بعلومه.» وبالغ في جعله ميزانًا يزن به العلوم الدينية وسواها من حساب وهندسة٦ وكل علم حقيقي غير وضعي، فإني أميز حقه عن باطله بهذه الموازين، وكيف لا وهو القسطاس — المستقيم، الميزان الذي هو الكتاب والقرآن في قوله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ.٧
غير أن «أبا حامد الغزالي»، أنكر أن يكون المنطق سبيلًا للوصول إلى المعرفة، ثم مضى يتلمس طريق التجربة الباطنية أو الكشف الصوفي كما صرَّح بذلك في اعترافاته.٨
أما ما سوى هؤلاء من فقهاء المسلمين فكان موقفهم عدائيًّا تامًّا، غير أنهم تباينوا؛ ففريق كان مظهر عدائه فتاوى يصدرها محرمًا بها الاشتغال بالمنطق ﮐ «ابن الصلاح»٩ ومن تبعه، وفريق كان موقفه موقف الناقد بالبرهان وإمام هؤلاء جميعًا الإمام «ابن تيمية».
وأما المتصوفة، وخاصة المتصوِّفة الأوائل، فلم يُعنوا بمنطق أرسطو كما عُني به غيرهم من مفكري الإسلام كالمُتكلمين والفلاسفة والفقهاء، وذلك راجع إلى أنه طريق نظري وهم لا يُعنون بالنظر، وإنما تنصرف عنايتهم أولًا وأخيرًا إلى طريق الذوق والكشف.١٠
أما السُّهرَورْدي فهو يشذ عن هذه القاعدة؛ فقد اهتم السُّهرَورْدي بالمنطق الأرسطي؛ حيث عرض له من خلال اهتمامه بالفلسفة؛١١ حيث أُولع منذ شبابه الباكر بالدراسات الفلسفية، ووجد فيها مادة غزيرة فيما وضعه مشاءو العرب، وبخاصة «ابن سينا»،١٢ ولقد قرأ هذه المادة وأفاد منها، وتتلمذ على بعض شيوخها، ثم أخذ يخرج بدوره سلسلة متصلة من الكتب والرسائل، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

(١) رسالة اللمحات في الحقائق

التزم السُّهرَورْدي هنا في «اللمحات» بالتقسيم الثلاثي التقليدي للعلوم الفلسفية من منطق وطبيعيات وميتافيزيقا؛ ففي المنطق يعني التعريف والقضايا والقياس والبرهان دون أن يُهمل مبحث المغالطات،١٣ وفي الطبيعيات يعالج المادة والجسم والصورة والهيولى، والزمان والمكان. ويعدُّ علم النفس جزءًا من الطبيعيات على نحو ما صنع المشاءون العرب، ويفرق بين النفس والبدن، وبين الإدراك الحسي والإدراك العقلي، ويقف طويلًا عند النفس الناطقة ومشكلة الخلاص التي هي هدفه الأسمى؛١٤ وفي الميتافيزيقا يفصل القول في مشكلة الواحد والتعدُّد، ونظريتي الصدور والعقول العشرة.١٥

ويختم الرسالة بحديث عن النبوَّة والأحلام والتناسخ، وليس له في كل هذا إلا أن يُردِّد ما قال به مشاءو العرب، فيما عدا بعض أسماء جديدة لمُسميات ثابتة، أو إضافات لا تخلو من نقد وملاحظة.

وباختصار أن يرد جُل ما ورد على لسانه من بحث فلسفي إلى أصول مشائية، وهذا يدل على أنه بدأ حياته فيلسوفًا مشائيًّا يعتمد على مضامين الفلسفة المشائية؛ وذلك لاعتقاده بأنَّ الفيلسوف الإشراقي لا بد من أن يلم إلمامًا تامًّا بالمنطق والفلسفة المشائية، لما لهما من قيمة كبرى وخطر عظيم وأثر كبير في إعداد طلاب الحكمة وتثقيفهم.١٦

(٢) رسالة التلويحات اللوحية والعرشية

يذكر السُّهرَورْدي أنَّ غرَضه فيها إنما هو بسط تعليم أرسطو دون التفات إلى شروح الفلاسفة المشائين الشائعة، فهو يقول: «هذا هو الشروع في علم ما بعد الطبيعة من التلويحات اللوحية، والعرشية، لم ألتفت فيها إلى المشهور من مذاهب المشائين، بل أُنقِّح فيها ما استطعت، وأذكر لب قواعد المعلم الأول.»١٧
ثم يبدأ السُّهرَورْدي بمناقشة مقولات المنطق الأرسطي غير متقيِّد بمُقتضيات هذا التعليم الشائع؛ وذلك لأن المقولات ليست مأخوذة في عرفه عن المعلم الأول، بل عن شخص فيثاغوري يقال له أرخوطس.١٨
ولم يكتفِ السُّهرَورْدي بهذا، بل يبحث بعد ذلك في مفاهيم الكلي والجزئي، المتناهي واللامتناهي، الحقيقي والذهني، ويعرض في هذه الرسالة لمشكلة مهمَّة هي قضية الماهية والوجود،١٩ وهي من مخلَّفات «ابن سينا» التي عارضها السُّهرَورْدي بعض المعارضة، فكان موقفه منها أنه لا يجوز أن يقال الوجود في الأعيان زائد عن الماهية؛ لأننا عقلناه دونه، فإن الوجود أيضًا كوجود العنقاء فَهِمناه من حيث هو كذا أو لم نعلم أنه موجود في الأعيان، وإذن فكلٌّ منهما للآخر يعد صورة واضحة حصولًا في الذهن. أما الأشياء الحاصلة فعلًا فإن الوجود والماهية هما شيء واحد؛ وذلك لأن العقل لا يبتني أية ثنائية في الأشياء الموجودة، بل يدرك وحدة الوجود إلى الماهية ليست ما يظن البعض نسبة المحمول إلى الموضوع؛ لأنه بناءً على هذا الافتراض يجوز أن توجد الماهية قبل الوجود أو بعده أو معه، بحيث لا يوجد الكائن الجزئي بحكم الوجود الذي يُقرِّر ماهيته، بل الاستقلال أو بإزائه، وكل ذلك محال.٢٠

(٣) رسالة المقاومات

في هذه الرسالة يسير السُّهرَورْدي على نهج التلويحات، وفي هذا يقول: هذا (يعني المقاومات) مختصر يَجري من كتابي الموسوم بالتلويحات مجرى اللواحق، وفيه إصلاح ما يحتاج إلى إصلاحه مما كان الأولون يُرسلون إرسالًا ولم يتيسر إيراده في التلويحات أشده إيجازها، فلم يكن يلائمها ما يحتاج إلى أقل بسط، والإيجاز في مواقع تدارك السهو في العظيمات لا يفيد؛ فأوردناه مضمونًا إليه نكتًا مشهورة، وسمَّيته «المقاومات».٢١

(٤) رسالة المشارع والمطارحات

فقد أورد السُّهرَورْدي في هذه الرسالة مباحث وضوابط مخرَّجة مشحذة من تصرفاته، وأنه لم يخرج في هذا عن مآخذ المشائين كثيرًا، ولكنه يضيف إلى ذلك أنه أودع هذا الكتاب نكتًا ولطائف تومئ إلى قواعد شريفة زائدة على ما يورده المشاءون.٢٢
وهنا تظهر الصلة التي تُوجد بين مذهب السُّهرَورْدي الإشراقي الخالص، وما يعرضه من مذاهب المشائين في العلوم الفلسفية البحتة؛ فيقول: «ومن لم يتمهَّر في العلوم البحثية، فلا سبيل له إلى كتابي الموسوم ﺑ «حكمة الإشراق»، وهذا الكتاب (يعني المشارع والمطارحات) ينبغي أن يقرأ قبله، وبعد تحقيق المختصر الموسوم بالتلويحات وأنَّا لا نراعي الترتيب ها هنا، ولا نلتزم في بعض المواضع بموضوع علم، بل عرضنا فيه البحث، وإن تأدَّى إلى قواعد من علوم متقدمة، فإذا استحكم الباحث هذا النمط فليشرع في الرياضات المبرقة بحكم القيم على الإشراق، حتى يُعاين بعض مبادئ الإشراق، ثم يتم له مباني الأمور، وأما الصورة الثالثة في الإشراق، وهي علومها لا تُعطى إلا بعد الإشراق، وأول الشروع في الحكمة هو الانسلاخ عن الدنيا، وأوسطه مشاهدة الأنوار الإلهية، وآخره لا نهاية له، وسمَّيت هذا الكتاب بالمشارع والمطارحات.»٢٣

وهنا يتَّضح أن رسالة المشارع والمطارحات، وإن كانت من الرسائل التي يُصرح السُّهرَورْدي نفسه بأنه كتبها على طريقة المشائين، إلا أنه يُصرح من ناحية أخرى، بأنه زاد على ذلك أشياء ليست من طريقة المشَّائين في شيء، وإنما هي من طريقة الإشراقيين في كل شيء، وهذا يتَّضح بما عبر عنه بالنكت واللطائف التي تُومئ إلى قواعد شريفة.

يضاف إلى هذا أنه قد شرط فهم كتاب حكمة الإشراق بالتمهر في العلوم البحثية؛ أي علوم المشائين، على أنه يبدأ الطالب بالبحث والاطلاع على التلويحات والمقاومات والمطارحات حتى يتسنَّى له فهم حكمة الإشراق القائمة على البحث والتألُّه كما يصرح بذلك السُّهرَورْدي.٢٤

(٥) كتاب حكمة الإشراق

إذا كان السُّهرَورْدي قد ذهب في رسالة اللمحات والتلويحات والمقاومات والمطارحات، تلك الرسائل التي تعوَّد معظم الباحثين على تسميتها ﺑ «المؤلفات المشائية»،٢٥ إلا أنَّ غرضه فيها يقتصر على عرض آراء المشائين دون أن يسلم ضرورة بصحتها، لدرجة أنه لا يوضح المدى الذي يريد أن يذهب إليه في نقده لهذه الآراء، بل هو حالات كثيرة يبدو وكأنه يجاريها أو يختار من تأويلها ما هو أيسر مجملًا، وهو يؤكد في مواضع عديدة أن موقفه الخاص الصريح منها ينبغي أن يتلمس في مصنفه الكبير الجامع «حكمة الإشراق»، الذي لم يظهر — في زعمه — كتاب يوازيه أو يفوقه.٢٦
وقد جاء موقف السُّهرَورْدي من المنطق الأرسطي في كتابه «حكمة الإشراق» من خلال اهتمامه بالفلسفة أيضًا؛ فهو يبدأ الكتاب بخطبة موجهة ضد الفلاسفة المشائين العرب؛ حيث يرى أن الحكمة التي وضعها هؤلاء هي حكمة متهافتة القواعد، باطلة الأصول. وفي هذا يقول الشَّهرَزُوري: «… ولا التي عليها المشاءون أصحاب المعلم الأول أرسطوطاليس بضعف قواعدهم وبطلان معاقدهم، وقد أدَّى هذا إلى أنهم حرموا من الوصول، أعني مُعاينة المعاني ومشاهَدة الموجودات مكافحةً لا بفِكر، ولا بنظم دليل قياس، ولا باعتماد ونصب تعريف حدِّي ورسمي، بل بأنوار إشراقية مُتتالية.»٢٧
ومن ثم يتَّضح أن العلة التي هاجم لأجلها السُّهرَورْدي فلسفة أرسطو أن الفلاسفة المشائين العرب في زعمه «لم يصلوا إلى المعارف الحقة، ما داموا حرموا عن طريق الكشف، واستخدموا المنطق القياسي الذي حصَرهم في دائرة مغلقة من البحث والبرهان.»٢٨
وقد قسم السُّهرَورْدي كتابه «حكمة الإشراق» إلى قسمين:٢٩
  • القسم الأول: في ضوابط الفكر، وقد جعله في ثلاث مقالات:
    • المقالة الأولى: في المعارف والتعاريف، ويضمُّ مباحث اللغة، وصلة اللفظ بالمعنى، مع عرضه لنقد نظرية التعريف عند أرسطو والمشَّائين العرب.
    • المقالة الثانية: في الحُجج ومباديها، ويضم نقده لمباحث القياس وأشكال القضايا.
    • المقالة الثالثة: في المغالطات وبعض الحكومات بين أحرف إشراقية وبعض أحرف مشائية، بمعنى أن السُّهرَورْدي في هذه المقالة ينقد المباحث الطبيعية والإلهية عند الفلاسفة المشائين على أساس من تجربته الإشراقية.
  • القسم الثاني: في النور وحقيقته، ونور الأنوار، ومبادئ الوجود وترتيبها. وقد جعلها في خمس مقالات:
    • المقالة الأولى: في النور وحقيقته، ونور الأنوار، وما يصدر عنه أولًا.
    • المقالة الثانية: في ترتيب الوجود.
    • المقالة الثالثة: في كيفية فعل نور الأنوار، والأنوار القاهرة، وتتميم القول في الحركات العلوية.
    • المقالة الرابعة: في تقسيم البرازخ وهيئاتها وتركيباتها وبعض قواها.
    • المقالة الخامسة: في المعاد والنبوات والمقامات.
والفكرة الرئيسية التي يقوم عليها القسم الثاني هي قوله «إنَّ الله نور الأنوار»، ومصدر جميع الكائنات؛ فمن نوره خرجت أنوار أخرى هي عماد العالم المادي والروحي.٣٠ ويوضح السُّهرَورْدي هذه الفكرة؛ حيث يشير إلى أن العالم قد برز من إشراق الله وفيضه؛٣١ فالأول أو نور الأنوار يفيض عنه النور الإبداعي الأول، وعن هذا الصادر تصدر أنوار طولية يسميها بالقواهر العالية، ثم تصدر عن هذه القواهر أنوار عريضة يُسميها بأرباب الأنواع، وهي أنوار تدبر شئون الأنواع الموجودة في العالم الحسي.

يضاف إلى هذا أن السُّهرَورْدي قد ابتدع عالمًا أوسط بين العالم الحسي والعالم العقلي، أسماه بعالم البرازخ أو بعالم المثل المعلَّقة. ويبدو أن الوضع الأنطولوجي لهذا العالم الأوسط هو وضع المثل الرياضية المتوسِّطة عند أفلاطون. وإذا كان الفلاسفة المشاءون قد جعلوا العقول عشرة، فإن السُّهرَورْدي يجعل «الأنوار في أعداد لاحقة لها»، بل إنه يُشير إلى كثرة لا متناهية من الأنوار التي تنشأ عند تقابل الأشعة الإشراقية والمشاهدية، والتي لا تحدث أيضًا كنتيجة للجهات العقلية المختلفة. ويظهر أن تخطيط الوجود النوراني عند السُّهرَورْدي سيصل إلى أن يصبح العالم كتلة من الأنوار ذات الطبيعة الواحدة، والتي تتحرَّك حركات عظيمة لا مُتناهية، فيظهر فيها الثراء النوراني الضخم مما يُعبِّر عن ديناميكية الوجود الخصبة.

غير أن تفصيل الفيوضات الإشراقية عند السُّهرَورْدي وتقسيمها إلى مراحل إنما وضع لغاية صوفية؛ حيث إن إيضاح المراحل على هذا النحو إنما يفتح الطريق أمام الواصل لكي يَنتقل من مرحلة إلى أخرى تدريجيًّا حتى يصل إلى جوار الحق أو نور الأنوار.٣٢
ومن الملاحظ أن فكرة الإشراق عند السُّهرَورْدي تتميَّز عن باقي النزعات الصوفية الأخرى بشكل عامٍّ بما يلي:
  • (أ)

    الأساس الفلسفي الفكري للإشراق؛ إذ هو قائم عند السُّهرَورْدي على أساس من الاستدلال البحثي العقلي، وهو ما سبق أن أكده في كتابه «حكمة الإشراق» أنه لطالب البحث والتألُّه. غير أن هذا التمييز لا يكفي؛ إذ إن نظرية الاتصال لدى كلٍّ من «الفارابي» و«ابن سينا» تقوم على أساس فلسفي؛ ليَنتهي إلى الاتصال بالعقل الفعال والتلقي المباشر عنه، وكذلك فإن المتصوِّف الأندلسي «عبد الحق بن سبعين» اعتبر المنطق والفلسفة والفقه والكلام خطوة في طريق التحقيق.

  • (ب)

    فكرة إشراق الأنوار الإلهية على النفس الإنسانية، وهذه الفكرة ليست بجديدة في تاريخ التصوف؛ إذ إن فكرة الأنوار الإلهية وإشراقها على أنفس من تهيأ لتلقيها ليست بجديدة، بل هي مشهورة عند معظم الصوفية، ومن تحدث عن المعرفة الذوقية من الفلاسفة. ويذكر هنا كتاب «أثولوجيا أرسطو»، والذي يُعدُّ من المصادر الرئيسية في فكر السُّهرَورْدي، والذي تتكرَّر فيه فكرة النور والإشراق، وكذلك رسالة «مشكاة الأنوار» للغزالي، والتي كان لها أثر واضح في فكر السُّهرَورْدي الإشراقي.

بيد أن أهم ما يميز السُّهرَورْدي هو جمعه بين الخاصيتَين، واستناد الثانية منهما إلى الأولى؛ إذ يُمثل الأساس الفلسفي لديه مرحلة أولى ممهدة لمرحلة الإشراق؛ فالإشراق يستند إلى أساس فكري ونظري، وطالبه ينبغي أن يكون قد قطع عقبات العلم والبحث.

ثانيًا: المصادر التي استمدَّ منها السُّهرَورْدي منطقه الإشراقي

هناك بعض المصادر التي تأثَّر بها السُّهرَورْدي في منطقه الإشراقي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

(١) المصدر اليوناني (الرواقية)

تأثر السُّهرَورْدي بالرواقية؛ وذلك حين اهتمَّ بالقضايا الشرطية (المتصلة — المفصلة)؛ حيث استهل باب القضايا بالحديث عن القضايا الشرطية، وعالجها قبل معالجته للقضايا الحملية؛ فهو يرى أن القضية الشرطية قضية مكونة في أبسط صورها من قضيتين حمليتين، يربط بينهما رابط يفيد الشرط، ويستلزم الجزاء، الذي قد يقترن بكلمة إذن، ويسمى ما بعد الشرط بالمقدم، ويسمى الجزاء بالتالي؛ وذلك مثل كلمة «كلما طلعت الشمس كان نهارًا».

ويقسمها السُّهرَورْدي، شأنه شأن المناطقة العرب من أمثال ابن سينا وغيره، إلى لزومية تامة وغير تامة، وإلى اتفاقية أو غير لزومية.٣٣
ومن الواضح أن السُّهرَورْدي متأثر تمامًا بالرواقية المشائية التي تمثلت عند الفارابي وابن سينا وابن رشد وأبو البركات البغدادي. وفي هذا يقول قطب الدين الشيرازي في شرحه لحكمة الإشراق إن «أرسطو أهمل في كتبه المتصلات والمنفصلات والاقترانات الشرطية التي زادها المتأخِّرون.»٣٤
ومما يؤكد تأثر السُّهرَورْدي بالرواقية، ما قرَّره في القياسات الشرطية بأن شرائطها تشبه شرائطها القياسي الحملي، ولذلك لم يجد السُّهرَورْدي داعيًا لتكرار بحثها.٣٥
ومما يزيد تأثر السُّهرَورْدي بالرواقية، مُحاولته نقد الحد الأرسطي (التعريف التام) القائم على الجنس والفصل؛ وذلك لأنَّ الإتيان بالحد كما التزم به المشَّاءون من تأليفه من الجنس والفصل القريبين غير ممكن للإنسان، لجواز الإخلال بذاتي لم يعرف، وصعوبة تمييز الأجناس والفصول من اللوازم العامة والخاصة.٣٦
وإن كان السُّهرَورْدي قد تأثر بالرواقية في إنكار التعريف التام، فهو يأخذ بالتعريف الناقص كما يذكر قطب الدين الشيرازي؛٣٧ فالرواقيون يعترضون على التعريف التام لصعوبته، ويعمدون إلى التعريف الناقص أو الرسم المؤلف من خواص الشيء؛ فتعريف الأشياء عند الرواقية تكون بذكر الأمور التي تخصها، وإحصاء الفروق التي تميزها عن غيرها.٣٨

(٢) المصدر الإسلامي

حين كان ينقد السُّهرَورْدي المنطق الأرسطي كان يُمثل بهذا امتدادًا لنقد المدرسة الكلامية والأصولية للمنطق الأرسطي، ولا شك في أن السُّهرَورْدي قد تأثر بهذه المدرسة في هذا الجانب، خاصة أنَّ المنطق الأرسطي قوبل في المدرسة الكلامية والأصولية حتى القرن الخامس الهجري أسوأ مقابلة، فهاجمته جميع الفرق الإسلامية الكلامية والأصولية من معتزلة أو أشعرية أو شيعية أو كرامية. يقول ابن تيمية: «ما زال نُظَّار المسلمين لا يلتفتون إلى طريقتهم، بل الأشعرية والمعتزلة والكرامية والشيعة وسائر الطوائف من أهل النظر كانوا يعيبون فسادها، وأول من خلط منطقهم بأصول المسلمين أبو حامد الغزالي.»٣٩ ويقول في فقرة أخرى: «ما زال نُظَّار المسلمين بعد أن عُرِّبَ وعرفوه (يعني المنطق الأرسطي) يعيبونه ويذمُّونه ولا يلتفتون إليه ولا إلى أهله في موازينهم العقلية والشرعية.»٤٠
ومما يثبت هذا إثباتًا واضحًا:
  • أولًا: اختلاف نظرة المتكلمين والمناطقة المشائين في مبحث الحد وثقة الأولين لمبحث الحد الأرسطي.
  • ثانيًا: رفض المتكلمين لمبحث القياس الأرسطي.
  • ثالثًا: وجود نصوص كثيرة عن المتكلِّمين تُثبت أنهم نقدوا المنطق الأرسطي، من هذه النصوص ما كتبه الباقلاني والنوبختي وإمام الحرمين «أبو المعالي الجويني» و«أبو سليمان السجستاني».٤١
ولكن إذا كانت المدرسة الكلامية والأصولية قد نَقدت المنطق الأرسطي، فذلك لارتباطه بالنزعة الميتافيزيقية، هذه النزعة التي انبروا يهاجمونها أشد الهجوم، ورأوا أنها تدعو إلى القول بقدم العالم وعدم الإيمان بالتوحيد،٤٢ غير أن نقد المدرسة الكلامية والأصولية للمنطق الأرسطي أدى إلى محاولتهم إيجاد منطق خاص يُخالف منطق أرسطو.٤٣

ولا شك في أن السُّهرَورْدي قد قام بنفس هذه المهمة؛ حيث نقد المنطق الأرسطي نقدًا مبتكرًا، وخرج من هذا النقد بقواعد تخالف قواعد منطق أرسطو، وهذا ما سوف نُوضِّحه فيما بعد بالتفصيل.

ثالثًا: أوجه الاتفاق والاختلاف بين منطق السُّهرَورْدي ومنطق كلٍّ من ابن سينا وابن تيمية

هناك مُحاولات لدى مفكري وفلاسفة المسلمين تَقترب من محاولة السُّهرَورْدي، ويُمكن توضيح ذلك بأن نقول إننا إذا كنا قد حاولنا سابقًا وضع مقارنة بين منطق السُّهرَورْدي ومنطق «ابن سبعين»، فإننا نرى أنه يمكن تلمُّس ذلك أيضًا لدى كلٍّ من «ابن سينا» و«ابن تيمية».

(١) ابن سينا

يتَّفق السُّهرَورْدي مع ابن سينا في مسألة تجديد وتنسيق المنطق الأرسطي؛ فابن سينا حاول أن يتلمَّس بعض الثغرات في منطق أرسطو؛ فهو يقول في الذاتي: «يكاد المنطقيون الظاهرون عند التحصيل لا يُميزون بين الذاتي وبين المقول في جواب وهو.»٤٤
ويقول في النوع: «ومما يسهو فيه المنطقيون ظنُّهم أن النوع في الموضوعين له دلالة واحدة ومختلفة بالعموم والخصوص.»٤٥
ويذكر في العرض قوله: «ومُتخلِّفو المنطقيين يذهبون إلى أن العرض هو العرض الذي يقال مع الجوهر، وليس هنا من ذلك بشيء، بل معنى هذا العرض العرضي.»٤٦ وفي مبحث الموجَّهات يقول: «ومن ظن أنه لا يوجد في الكليات حمل غير ضروري فقد أخطأ.»٤٧ كما يُعبر بطرحه عن الخلاف بقوله: «والقوم الذين سبقونا لا يُمكنهم في أمثلتهم واستعمالاتهم أن يُصالحونا على هذا، وبيان هذا يطول …»٤٨
ومن أبرز المسائل والقضايا التي يُحدد فيها ابن سينا بحثه في التناقض إذ يقول: «فهكذا يجب أن تفهم حال التناقض في ذوات الجهة، وتملَّى عما يقول به الأولون.»٤٩ ويقول في بحثِه للقياس: «القياس على ما حقَّقناه نحن.»٥٠ ويقول أيضًا في مبحث القياس: «ولا نَلتفت إلى ما يقال من أن البرهانية واجبة، والجدلية مُمكنة أكثرية، والخطابية ممكنة ومساوية لا ميل فيها، والشعرية كاذبة ممتنعة؛ فليس الاعتبار بذلك، ولا أشار إليه صاحب المنطق.»٥١
من هذه النصوص يتَّضح أن ابن سينا — بالنِّسبة للمنطق — كان ناقدًا ومنسقًا، وهذا هو مصدر أصالته التي استمدَّها أستاذه «الفارابي»؛٥٢ ففي اهتماماته المنطقية معالجة كاملة وشاملة لم يتردَّد في سد الثغرات التي خلفتها مناقشات من سبقوه أو في تصحيح أعمالهم، كما لم يكن «ابن سينا» مجرد جامع أو شارح تحليلي، بل هو عقلية أصلية على وجه قوي. وعلى الرغم من إخلاصه لمصادره المنطقية، فإن اهتمامه كان في الشرح وفي التنسيق، كما أنه لم يكن يُثير اعتراضات تافهة عند الابتكار حين تستدعي المعالجة الملائمة لمشكلة معيَّنة منطلقًا جديدًا.
ومن بين مساهمات ابن سينا المنطقية على حد تعبير المستشرق «نيقولا ريشر» يُمكن تعداد ما يلي:
  • (١)
    معالجة الاعتبارات المنطقية في نظرية القضايا الحملية، بما في ذلك تسوير المحمول على طريقة هاملتون Hamilton.
  • (٢)

    نظرية تفصيله للقضايا الشرطية المتَّصلة والمنفصلة تضم منطوقًا واضحًا بالنسبة للكم والكيف.

  • (٣)

    إعداد نظرية للقضايا الشخصية (المفردة) على طريقة الرواقيين.

  • (٤)

    تحليل تفصيلي لمفهوم الوجود، وإعداد تمييز بين الوجود والماهية.

  • (٥)
    نظرية للتعريف والتصنيف وعلاقتها معًا، وهي نظرية تَنطوي على عناصر أصلية.٥٣
على أنَّ هذا ليس معناه أن «ابن سينا» لم يتأثَّر بمنطق أرسطو، بل بالعكس تأثَّر به كل التأثر، وعوَّل عليه كل التعويل، فحاكاه في ترتيبه للمنطق، واستمدَّ منه مواد كثيرة، ولا يتردَّد في أن يصرح بذلك، فيقول: «… ولما افتتحت هذا الكتاب (يعني المدخل)، ابتدأت بالمنطق، وتحريت أن أحاذي به ترتيب كتب صاحب المنطق، وأوردت في ذلك من الأسرار واللطائف ما تخلُو عنه الكتب الموجودة، ثم تلوته بالعلم الطبيعي، فلم يتَّفق لي في أكثر الأشياء محاذاة تصنيف المؤتم به في هذه الصناعة وتذاكيره.»٥٤
وهنا يتَّضح أن «ابن سينا» إذا كان له بعض الملحوظات على المنطق الأرسطي، فإنه يتمسَّك بما قاله أرسطو، بينما السُّهرَورْدي عكس ذلك تمامًا. ويُمكن توضيح ذلك من خلال المقارنة التالية بين منطق الإشراق عند السُّهرَورْدي ومنطق المشرقيين عند ابن سينا؛ فمنطق الإشراق يختلف عن منطق المشرقيين؛ وذلك لأنَّ منطق المشرقيين لا يوجد فيه نقد للمنطق الأرسطي يأخذ بعدًا إشراقيًّا، بل ذكر لبعض مسائل المنطق الأرسطي المختلف فيها؛ لأنَّ المنطق المُتَّفق عليه عرفه ابن سينا من قبل للعامة في الشفاء، ووضع مسائل الخلاف الخاصة في منطق المشرقيين. يقول ابن سينا: «… وبعد لا نلتفتُ فيه لفت عصبية أو هوى أو إلف، ولا نُبالي من مفارقة تظفر منا ما ألفه مُتعلِّمو كتب اليونانيين إلفًا عن غفلة وقلَّة فهم.»٥٥

غير أننا نلاحظ أن منطق المشرقيين عند ابن سينا، وإن كان يَستعمل نفس اللفظ «شرق»، إلا أنه لا صلة بينه وبين منطق الإشراق؛ فلفظ «المشرقيين» عند ابن سينا لا يدلُّ على منطق خاص، بل هو لفظ من اللغة العادية لا يَعني به ابن سينا أكثر من عنوان لكتاب يذكر فيه بعض جوانب المنطق الأرسطي التي ثار حولها خلاف في عصره، بصرف النظر عن اختلاف أو اتِّفاق ما يصل إليه «ابن سينا» على ما جرى العرف عليه في كتابات المناطقة المشائين السابقين.

وهنا نَستشهد بما لمحه السُّهرَورْدي نفسه إلى مخطط «ابن سينا»؛ حيث يقول: «ولهذا صرح الشيخ أبو علي (يقصد ابن سينا) في كراريس نسبها إلى المشرقيين تُوجد مُتفرِّقة غير مُلتئمة، بأن البسايط تُرسم ولا تُحد، وهذه الكراريس، وإن نسبها إلى المشرق، فهي بعَينها من قواعد المشائين، والحكمة العامة، إلا أنه ربما غيَّر العبارة، أو تصرَّف في بعض الفروع تصرُّفًا لا يُباين كتبه الأخرى بونًا يعتد به، ولا يتقرَّر به الأصل المشرقي المقرَّر في عهد العلماء الخسروانية، فإنه هو الخطب العظيم.»٥٦
ومعنى هذا أنه لا مجال للتَّفرقة بين منطق الإشراق ومنطق المشرقيين من حيث المضمون. أما من حيث اللفظ؛ فالسُّهرَورْدي لا يقصد في كلمة «إشراق» أي معنى جغرافي، بل يقصد معنًى صوفيًّا، ولهذا يجعل من المشرق دلالة مجازية على الإشراق،٥٧ ذلك لأنَّ الإشراق يعني الإضاءة بالشُّعاع، والمشرق هو مكان الشروق والنِّسبة إليه مشرقة،٥٨ فيقال «منطق المشرقيين»، وليس منطق «الإشراقيين».
ولكن بعض الباحثين مالُوا إلى القول بضم الميم في كلمة «مُشرقية» باعتبارها تعني حالة الشروق دون مكانه، وقد دفعهم إلى ذلك فقدان الجرأة في النصوص القديمة، إلا أنَّ «نللينو» أوضح الخطأ اللغوي الكامن في هذه القراءة، وأنهى الجدل الطويل الذي قام به أنصار «المَشرقية» وأنصار «المُشرقية»، مؤكدًا صواب القراءة الأولى.٥٩

وهنا يتَّضح أن منطق المشرقيين يختلف أيضًا عن منطق الإشراق من حيث اللفظ.

(٢) ابن تيمية

إنَّ الخلاف بين الصوفية والفقهاء خلاف قديم جدًّا، نشأ مع المحاولات الأولى لتأويل النصوص القرآنية من قبل مختلف الفِرَق والمذاهب الإسلامية المتنازعة؛ فنشأ خلاف بين أهل الظاهر وأهل الباطن، ونظر كثير من الصوفية إلى الفقهاء على أنهم أهل ظواهر ورسوم، ومجالهم العبادات والأحكام، وإلى أنفسهم على أنهم أهل الحقائق والبواطن، وبحثهم يتعلَّق بالقلوب وأعمالها؛ فعِلمُهم علم الحقيقة، وعلم الفقهاء علم بأحكام الشريعة، وعلم الحقيقة أعلى مرتبة. وفي مقابل ذلك أنكر أهل الظاهر ما يدَّعيه الصوفية من مخصوص العلم وقالوا: لا نعرف إلا علم الشريعة الظاهرة التي جاء بها الكتاب والسُّنة، ورفضوا التمييز بين علم الظاهر وعلم الباطن.٦٠

وعلى الرغم من اختلاف الرؤية بين الصوفية والفقهاء، إلا أنهم اتفقوا على محدودية العقل واقتصاره على عالم الكثرة والتناهي، كما اتفقوا على نقد المنطق الأرسطي؛ بمعنى أنه إذا كان السُّهرَورْدي قد نقَد المنطق الأرسطي، فلا شكَّ أن محاولته هذه قد وجدت صدًى لمن جاء بعده، من أمثال ابن تيمية؛ والدليل على ذلك نقول حين وضع ابن تيمية كتابيه «الرد على المنطقيين» (المسمَّى بنصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان) و«نقض المنطق» في بيان تهافُت الأسس التي يقوم عليها المنطق الأرسطي، وأهمها الحد (التعريف) والقياس، إلا أن ابن تيمية لم ينقد المنطق الأرسطي أو يُهاجمه على أسس إشراقية، وإنما نقده على أسس تجريبية؛ حيث تناوله في جزئياته المتعددة بملاحظاته النقدية القيِّمة التي كانت بداية انطلق منها المناطقة الأوروبيون في العصر الحديث، خاصة «فرنسيس بيكون» و«جون استيوارت مل» و«ديفيد هيوم» في الهجوم على منطق أرسطو، ولم يكن ابن تيمية مُتعصبًا في هجومه على المنطق لمجرَّد أنه يوناني الأصل، وإنما نظر إلى فائدته في تحصيل اليقين فوجدها معدومة، على عكس ما وجدها المناطقة المشاءون.

ولقد استهلَّ ابن تيمية كتابه «الرد على المنطقيين» بقوله: «إن هذا المنطق (يعني المنطق الأرسطي) لا يَحتاج إليه الذكي، ولا يَنتفع به الغبي، وقد كنتُ أحسب أن قضاياه صادقة لما رأيت صدق كثير منها، ثم تبيَّن لي فيما بعد خطأ طائفة من قضاياه.»٦١
ثم يكشف ابن تيمية بطريقة منهجية — شأنه شأن السُّهرَورْدي — عن قصور هذا المنطق، وفساد قضاياه، وذلك في أربعة مقامات: مقامين سالبين، ومقامين موجبين؛ فالأولان قولهم: إنَّ التصور المطلوب لا ينال إلا بالحد، وإن التصديق لا ينال إلا بالقياس، والآخَران أن الحد يُفيد العلم بالتصورات، وأن القياس يفيد العلم بالتصديقات. ثم يَتناول ابن تيمية هذه الدعاوى بالنقد، محاولًا إبطالها بالأدلة العقلية.٦٢
ولا شكَّ في أن محاولة ابن تيمية هذه كانت نتيجة ثمار مرجوة تركها السُّهرَورْدي وغيره من المتكلِّمين والأصوليين، إلا أنها محاولة عميقة، حتى إنَّ أستاذنا الشيخ مصطفى عبد الرازق — رحمه الله — يقول عنها: «ولو أن الدراسات المنطقية سارت منذ عهد «ابن تيمية» على مناهجه في النقد بدل الشرح والتفريع والتعميق لبلغنا بهذه الدراسات من التجديد والرقي مبلغًا عظيمًا.»٦٣
من كل ما سبق يتضح أن السُّهرَورْدي أراد إظهار المنطق، وكأنه يقود الفكر إلى نتائجه الإشراقية؛ أي إنَّ آراءه الإشراقية كانت نتاج بحث منطقي عقلي مجرَّد، بينما كانت في الحقيقة نتاجًا لا يُمكن بحال من الأحوال اجتزاؤها عن أساسها الفكري الإشراقي. وكذلك فإن الآراء الفقهية والأصولية والعقَدية لابن تيمية لم تكن نتاج بحث منطقي صرف، وإنما كانت آراؤه الفقهية نتاج هذه الأبحاث العقدية والتصورات الميتافيزيقية. وعلى ذلك لا يُمكننا أن نُقيِّم جهود السُّهرَورْدي وابن تيمية إلا استنادًا إلى الأسس التي انطلقا منها؛ فالأساس الفكري الذي انطلق منه السُّهرَورْدي وابن تيمية، والذي أنتج آلية معرفية مرتبطة بطبيعة هذا الفكر، هو المعيار المتبع؛ أي قدرة كلٍّ منهما على الاتِّساق مع ذاته في المقام الأول؛ فما ارتضاه السُّهرَورْدي من رؤية للعالم والفكر، من المُفترَض ألا يُناقضه بعد ذلك؛ إذ إن المنهج الذي وضعه، وضعه كتبرير لهذا الفِكر من ناحية، وكتفسير له من ناحية أخرى، وكذلك ابن تيمية، من المفترض أن يبقى متَّسقًا مع ذاته؛ فما رفضه من آراء وأفكار من غير المقبول أن يَقبل بما يقود إليها أو ينتج عنها بشكل مباشر، وهنا مفارقة في النظريات المنطقية؛ إذ إنَّ الأسس الفِكرية والميتافيزيقية تُنتج منطقًا متسقًا معها، ويتم بعد ذلك الاستعانة بهذا المنطق في تأييد هذه الأسس، وهذا ما ظهر واضحًا من خلال آراء السُّهرَورْدي وابن تيمية المنطقية؛ إذ حاولا إعادة توظيف المنطق المؤسس على طبيعة فكرهما الخاص لتأييد هذا الفكر مرة أخرى … فما قدَّمه السُّهرَورْدي من آراء منطقية إن اتَّصفت بالاتِّساق الداخلي فهي صحيحة ضمن إطار فكره الإشراقي، وما قدمه ابن تيمية من آراء منطقية هي صحيحة ضمن إطار فكره الفقهي وأسسه العقدي.٦٤

رابعًا: الإضافات التي أضافها السُّهرَورْدي للمنطق الأرسطي

إذا كان السُّهرَورْدي قد عرض للمنطق الأرسطي في مؤلفاته في ضوء عرضه للفلسفة، إلا أنه نقد هذا المنطق في القسم الأول من حكمة الإشراق. ونقد السُّهرَورْدي للمنطق الأرسطي ينم عن وجهة نظر خاصة. يقول الدكتور سيد حسين نصر: «… فلقد أجريت بعض الانتقادات في الفكر الإسلامي من جانب المتكلمين أو المتشرعين كابن تيمية. ولكن نقد السُّهرَورْدي قد جاء في اتجاه مقابل تمامًا؛ حيث أنزل المقولات العشر إلى خمس.»٦٥ ثم جعل من المنطق الأرسطي سلمًا صاعدًا إلى عالم الإشراق، فإذا تأملنا تاريخ المنطق الحديث بعد ذلك في الغرب نُدرك ما لنقد السُّهرَورْدي من قيمة بالغة.٦٦
وهذا يعني أن السُّهرَورْدي قد نقد المنطق الأرسطي نقدًا بناءً. هذا النقد كان من أجل إصلاح هذا المنطق وتخليصه من آثار الفلسفة المشَّائية التي تعني لديه الصورية الفارغة، وللتحرر من الطريق الصوري؛ وذلك عن طريق الفلاسفة المشائين المتأخِّرين؛ كابن سينا وابن رشد وأبو البركات البغدادي، وذلك عن طريق الحصول على تجربة روحية تُعطي لهذا المنطق مضمونه وتعدل في شكله، ولتخليص الفلسفة أيضًا من المناقشات بين الفلاسفة والمشائين، من أجل إحياء الفلسفة الإشراقية الحقَّة، والعودة إلى النبع الذي أخذ من معينه الذي لا ينضب كلٌّ من «أفلاطون، ومن قبله سقراط وهرمس وأغاذيمن وأنباذوقليس.»٦٧
ومما يدلُّ على ذلك:
  • (١)

    نقد السُّهرَورْدي لنظرية التعريف في المنطق الأرسطي، ومحاولة وضع تعريف جديد.

  • (٢)

    نقد السُّهرَورْدي لمبحث القضايا والقياس.

(١) نقد السُّهرَورْدي لنظرية التعريف في المنطق الأرسطي، ومحاولة وضع تعريف جديد

نقد السُّهرَورْدي مبحث المعارف والتعاريف في المنطق الأرسطي نقدًا هدامًا، حتَّى إنه يُغير بعض أسماء الألفاظ المنطقية المعروفة، ويضَع مكانها أسماء أخرى؛ فيُسمِّي مثلًا القسمة الثلاثية المشهورة لدلالة اللفظ على المعنى: التطابُق والتضمُّن والالتزام — يُسمِّيها القصد والحيطة والتطفل،٦٨ وهي ألفاظ تدلُّ على جانب إشراقي. وفي قسمة الألفاظ إلى عام وخاص يُسمِّي اللفظ الخاص اللفظ الشاخص، والمعنى الخاص المعنى الأخص أو المنحط.٦٩
ولكن الأكثر دلالة على المنطق الإشراقي هو نقد السُّهرَورْدي للتعريف الأرسطي، وبيان حصول العلم عن طريقه؛ وذلك لاستناده إلى فكرة الماهية؛ أي الجنس والفصل. يقول السُّهرَورْدي: «سلم المشَّاءون أن الشيء يذكر في حده الذاتي الذي ليس بجزء لذاتي عام آخر للحقيقة سمَّوه فضلًا، ثم سلموا أن المجهول لا يتوصل إليه إلا بالمعلوم؛ فالذاتي الخاص للشيء ليس بمعهود لمن يجهله في موضع آخر، فإنه إن عهد في غيره لا يكون خاصًّا به، وإذا كان خاصًّا به وليس بظاهر للحسِّ وليس بمعهود فيكون مجهولًا لا معرفة. فإذا عرف ذلك الخاص أيضًا أن عرف بالأمور العامة دون ما يخصُّه فلا يكون تعريفًا له. والجزء الخاص ما له على ما سبق فليس العود إلا أنَّ أمورًا محسوسة أو ظاهرة من طريق آخر، إن كان يخصُّ الشيء جملتها بالاجتماع.»٧٠
ويُعلِّق «قطب الدين الشيرازي» على هذا النص فيقول: «لما كان التعريف بالحد عند المناطقة التقليديين الأرسططاليسيِّين يقوم على الذاتيين؛ أي الجنس والفصل. ولما كان المجهول لا نتوصَّل إليه إلا بالمعلوم، فإن مبحث التعريف بالحد يَنهار من أساسه؛ وذلك لأن الفصل ليس إلا الصفات الكلية التي يتميَّز بها أفراد حقيقة واحدة عن أفراد غيرها من الحقائق التي يشترك معها في جنس واحد، أو الفصل بمثابة الذاتي الخاص؛ فمتى وجد في غير المحدود ولم يكن خاصًّا به وغير محسوس فهو مجهول مع الشيء. فلا يُمكن التعريف به لوجوب تقدم العلم بالمُعرف على المُعرف به. أما إذا عرف بالأمور العامة — أي الشاملة له ولغيره فلا يختصُّ به هو بالذات — فلا يكون خاصًّا كما افترض من قبل.»٧١
ثم يستطرد الشيرازي؛٧٢ حيث يذكر بأن السُّهرَورْدي يُحدِّد طريقتَين أخريَين للتعريف، ويكون ذلك:
  • (١)

    إما عن طريق الإحساس؛ فالأمور المحسوسة تدرك تمام الإدراك.

  • (٢)
    وإما طريق الكشف والعيان، وهو أدقُّ الطرق وأوثقها. وإذا كان السُّهْرُوَرْدِيُّ قد توصل إلى أن المشائين يأخُذُون الذاتي العام؛ أي الجنس، والذاتي الخاص؛ أي الفصل في تعريف الشيء. ولما كان الذاتي الخاص هذا غير معلوم عند من يجهله، فإقحامُه في التعريف يُناقض القاعدة المشائية القائلة بأنَّ المجهول لا يُوصَل إليه إلا بالمعلوم، ثم يُعطينا سببًا آخر لهدمه لنظرية التعريف الأرسطية، بأنه لو افترضنا أنه اتَّفق للمعروف الإلمام بهذا الذاتي الخاص أو الفصل، فكيف يأمن ألا يكون قد غفل عن ذاتي آخر لا يعرف الشيء إلا به، فتكون المعرفة بالشيء آنذاك مُمتنعة، وكذلك تعريف الشيء.٧٣ وفي هذا يقول السُّهرَورْدي:٧٤ «من ذكر ما عُرف من الذاتيات لم يأمن وجود ذاتيٍّ آخر غفَل عنه، وللمُستشرح أو المنازع أن يطالبه بذلك. وليس للمعرف حينئذ أن يقول لو كانت صفة أخرى لاطَّلعت عليها؛ إذ كثير من الصفات غير ظاهرة.» ويستطرد فيقول: «لأنَّ الحقيقة إنما تكون عرفت؛ إذا عرف جميع ذاتها، فإذا انقدَح جواز ذاتي، لم تكن معرفة الحقيقة مُتيقنة، بل تكون مشكوكة.» ويُقرِّر فيقول: «إنَّ صاحب المشائين — أي أرسطو طاليس — اعترف بصعوبة الإتيان بالحد.»٧٥
وهنا يتَّضح أن السُّهرَورْدي يتأدى إلى التصريح بأن الإتيان — كما التزم به المشاءون؛ أي تركيبة من الجنس والفصل — غير مُمكن، وفي هذا يقول الشيرازي في تحليل ذلك: «إما بجواز الإخلال بذاتي لم يعرف، وإما بصعوبة تمييز الأجناس والفصول من اللوازم العامة والخاصة، ولهذا عدل المناطقة الأرسططاليسيون إلى الرسوم المؤلَّفة من الخواص.»٧٦
ومن ناحية أخرى يُهاجم السُّهرَورْدي التعريف الأرسطي القائم على الجوهر؛ حيث يقول «إن المشائين أوجبوا ألا يعرف شيء من الأشياء؛ إذ الجواهر لها فصول مجهولة. والجوهرية عرفوها بأمر سلبي، والنفس والمُفارقات لها فصول مجهولة عندهم، والعرض — كالسواد مثلًا — عرفوه بأنه لون يجمع البصر؛ فجمع البصر عرض، واللونية عرفت حالها؛ فالأجساد والأعراض غير مقصورة أصلًا. وكان الوجود أظهر شيء لهم، وقد عرفت حاله. ثم إن فرض التصور باللوازم؛ فللوازم أيضًا خصوصيات يعود مثل هذا الكلام إليها، وهو غير جائز؛ إذ يلزم منه — أي لا يعرف في الوجود شيء ما. والحق أن السواد شيء واحد بسيط، وقد عقل وليس له جزء آخر مجهول، ولا يمكن تعريفه لمن يشاهده كما هو أو من شاهده استغنى عن التعريف، وصورته في العقل كصورته في الحس؛ فمثل هذه الأشياء لا تعريف لها، بل قد تعرف الحقائق المركَّبة من الحقائق البسيطة، كمن تصور الحقائق البسيطة مُتفرِّقة فيعرف للمجموع بالاجتماع في موضع ما. واعلم أن المقولات التي حرَّروها كلها اعتبارات عقلية من حيث مقولتيها ومحمولتيها وبعضها المشتق منه؛ أي البسيط الذي منه أخذ المحمول بخصوصه أيضًا صفة عقلية كالمضاف والأعداد بخصوصها — كما سبق — وكل ما يدخل فيها الإضافة أيضًا، ومنها ما يكون في نفسه صفة عينية. أما دخوله تحت تلك المقولات لاعتبارٍ عقلي، كالرائحة مثلًا والسواد، فإن كونهما كيفية أمر عقلي معناه أن هيئة ثابتة كذا أو كذا، وإن كانا في أنفسهما صفتين محقَّقتين في الأعيان. ولو كان كون الشيء عرضًا أو كيفية ونحوهما يعدُّ موجودًا آخر، لعاد الكلام مُتسلسلًا على ما سبق.»٧٧
ومعنى هذا أن:
  • (١)

    الجواهر لها فصول مجهولة، مثل النفس والمفارَقات الأخرى الجوهرية.

  • (٢)

    الجوهرية معرفة بأمرٍ سلبي يحتاج إلى تعريف.

  • (٣)

    الأجسام والأغراض غير مقصورة أصلًا، بل تَعرف بالحس والمشاهدة.

  • (٤)

    معرفة الجواهر باللوازم، واللوازم لها خصوصيات تعريف بلوازم أخرى إلى ما لا نهاية؛ ومِن ثم فلا يُمكن أن يعرف شيء في الوجود.

  • (٥)

    اللونية معروفة، وهي عرضية ولا تحتاج إلى التعريف؛ لأنَّها شيء بسيط وليس لها جزء آخر مجهول.

  • (٦)

    هناك فرق بين عالم الأعيان وعالم الأذهان، والمقولات كلها لا توجد إلا في عالم الأذهان، ولا يمكن الانتقال منها إلى عالم الأعيان، الأول عالم التصورات والثاني عالم الحس.

وإذا كان السُّهرَورْدي أنكر أنه يتكوَّن الحد (التعريف) من الذاتيين (الجنس والفصل)، وقرر أننا لا نصل إليهما إطلاقًا، ولا ندركهما، وأن الطريق الوحيد للتعريف هو إما طريق الإحساس، والأمور المحسوسة تُدرك تمام الإدراك، وإما طريق الكشف والعيان، وهو أدقُّ الطرق وأوثقها؛ فهو يضع التعريف الكامل لديه ويُسميه بالمفهوم وبالعناية، ويُحدده بأنه «التعريف بأمور لا تختص آحادها الشيء ولا بعضها، بل تخصُّه للاجتماع.»٧٨
وتفسير هذا، كما يعلق عليه قطب الدين الشيرازي، «بأنَّ التعريف يجب بأمور تخصه؛ أي شخص تلك الأمور، ذلك الشيء بأحد وجوه ثلاثة، فإن غير المختص بالشيء يمتنع تعريفه، أما عبارة لتخصيص الآحاد، وهو أن يكون كل واحد من تلك التي هي أجزاء المعرف مختصًّا بالشيء قولنا في تعريف الإنسان إنه ناطق ضاحك كاتب مُتفكر، ويعتبر الشارح هذا التعريف إذا ما حاولنا أن نرده إلى صورة منطقية يونانية رسمًا ناقصًا لخلوِّه عن الجنس.»٧٩

أما عبارة لتخصيص البعض فهو أن يكون بعض أجزاء المعرف مُختصًّا بالمعرف دون البعض «ويعتبر الشارح هذا التعريف حدًّا تامًّا أو رسمًا تامًّا إذا كان جزء المعرف غير المُختص جنسًا قريبًا وجزء المعرف المختص إما فصلًا وإما خاصة، فإذا أردنا أن نعرف الإنسان قلنا إنه حيوان ناطق أو ضاحك، والتعريف الأول حد تام والثاني رسم تام، ويعتبره حدًّا ناقصًا أو رسمًا ناقصًا، إن كان الجزء المعرف غير المُختص جنسًا بعيدًا، أو إن كان الجزء المعرف المُختص إما فصلًا وإما خاصة. فإذا أردنا أن نعرف الإنسان قلنا إنه جوهر ناطق ضاحك.»

ويرى الشيرازي هذا أيضًا إذا ما أبدلنا الجنس القريب بالعرض فنقول «إنه إما شيء ناطق أو ضاحك.»٨٠ أما عبارة «للاجتماع» فيشرحها الشيرازي «بأن يكون التعريف بأمور لا تختصُّ آحادها الشيء ولا بعضها بل تخصُّه للاجتماع — هو أن يختصَّ مجموعها بالشيء من أجزائه.» ويعتبر الشيرازي هذا التعريف رسمًا ناقصًا؛ لأنه بالخاصة المركبة؛ أي إن اختصاصه إنما يحصل بالتركيب، فنقول في تعريف الخفاش إنه طائر ولود — أعم من الخفاش — ومجموعهما ما يختص به.٨١
وهنا يتَّضح أن التعريف يكون على ثلاثة أنواع:
  • (١)

    أمور تختص الشيء لتخصيص الآحاد.

  • (٢)

    أمور تختص الشيء لتخصيص البعض.

  • (٣)

    أمور تختص الشيء لتخصيص الاجتماع.

وهذا النوع الأخير من التعاريف يَعتبره السُّهرَورْدي أكمل أنواعها. يقول الشيرازي نقلًا عن كتاب السُّهرَورْدي «المشارع والمطارحات»: «ليس عندنا إلا تعريفات تخصُّ الاجتماع؛ كقولنا في تعريف الإنسان: إنه المنتصب القامة البادئ البشرة العريض الأظفار؛ لأن كلًّا منهما، وإن جاز وجوده في غيره، لكن المجموع يختص به دون غيره مما نعرفه من الماهيات، وما به يتحصَّل تميزه. ولا يقدح فيه جواز كون المجموع في ماهية أخرى لا نعرفها، ولا يخفى أن هذه الصعوبة إنما هي في الحد بحسب الحقيقة والماهية لا بحسب المفهوم والعناية، فإنه إذا عبر عن هذا الاصطلاح عليه ولا يجوز تبديلُه بأن يُقال: هو حيوان ناطق عريض الأظفار، فإن كان واحد مما ذكر في الأول ذاتي بحسب المفهوم والعناية، ولا يجوز تبديل وإثبات الحد ولا الزيادة ولا النقصان فيها، وهذا ليس برسم؛ لأنه باللوازم والراسم يعرف أن هذا الاسم ليس لهذه المحمولات، بل لأمر ينتقل الذهن منها إليه بخلاف الحاد، بحسب العناية، فإنَّ الاسم عنده لمجموع هذه المحمولات التي كلها ذاتي بحسب المفهوم.٨٢

(٢) اختصار السُّهرَورْدي للمقولات العشر الأرسطية

حصر أرسطو فكرة الأجناس العالية في عشرة، وهذه الأجناس العشرة هي: مبحث المقولات. وقد عرف المسلمون هذه المقولات معرفة تامة؛ حيث هاجمها المتكلمون منذ وقت مبكر مهاجمة شديدة، وأدَّت هذه المهاجمة — من وجهة نظر منطقية — أن نشأ في العالم الإسلامي مشكلة لم يبحثها أرسطو ولا الشُّرَّاحُ من بعده، وهي: هل هذه المقولات منطقية أم ميتافيزيقية؟

انقسم المناطقة العرب تجاه هذا مواقف مختلفة:
  • (١)
    فابن رشد — وهو يمثل أكبر حد للاتجاه الأرسطي — اعتبر المقولات من منطق أرسطو وعالَجها على هذا الأساس، وهو في هذا يحترم نظرية المقولات الأرسطية، ويرى أن عددها فوق النقد والملاحظة.٨٣
  • (٢)
    أما ابن سينا فلم يَعتبر المقولات من مباحث المنطق، بل مِن مباحث الميتافيزيقا؛ حيث إن المقولات عنده تنصبُّ على الأمور الموجودة في الذهن أو في الخارج، ولهذا عالجها في الجزء الثاني من قسم الشفاء، إلا أنه في منطق النجاة لا يعرض لها إلا في ثنايا نظرية التعريف. أما في منطق الإشارات والتنبيهات فيُغفلها إغفالًا تامًّا.٨٤

ولقد سار على نهج ابن سينا مُعظَم المناطقة العرب، وعلى رأسهم الغزالي والسُّهرَورْدي؛ فالغزالي لم يَر أية حاجةٍ إلى ذكرها في معظم كتبه المنطقية، سواء كتابيه «معيار العلم» أو «محك النظر». أما السُّهرَورْدي فهو نفس الشيء؛ حيث يُغفلها إغفالًا تامًّا في القسم الأول من رسالة اللمحات في الحقائق، في حين أنه يَعرضها في القسم الثالث من نفس الرسالة (القسم الميتافيزيقي)، كما يعرضها بالتفصيل في مجموعة الحكمة الإلهية (التلويحات والمُقاومات والمطارحات)، إلا أنه في كتابه حكمة الإشراق يُغفلها تمامًا.

وهو في هذا يسير على نهج ابن سينا من حيث طبيعتها، إلا أنه يخالفه من حيث عددها.

وقد توسع السُّهرَورْدي في المشارع والمطارحات في الحديث عن المقولات، ولكن مع ملاحظة أنه في جميع كتبه التي تناول فيها المقولات كان يعرض لها في القسم المتعلِّق بالميتافيزيقا لا في قسم المنطق، والمقولات الأساسية لديه هي الجوهر والكم والكيف والإضافة والحركة، أما الباقي فترتد إلى هذه، على اعتبار أنها حال من أحوالها، فهو يذكر الأنواع العشرة، ثم يردُّ بعضها إلى بعض. يقول السُّهرَورْدي: «أما متى فليسَت البتة إلا نسبة الشيء إلى زمانه، ومحال أن يعقل متى إلا بالنسبة»، وكذلك ترد الأين إلى النسبة؛ حيث إنَّ الشيء إذا لم يوضع له نسبة إلى المكان لم يفهم الأينية فيه، وحال الكون في المكان كحال الكون في الزمان على ما ذكرنا، وكذلك الوضع يستحيل أن يُعقل إلا بنسبة الأجزاء، وعلى ذلك تعدُّ الأين والمتى والوضع نسب. ويذكر أن «متى» يمكن أن ترد إلى «الحركة» إن كانت هيئة أخرى غير الإضافة إلى الزمان؛ فإما أن تكون قارَّة أو غير قارة، فإن كانت قارة؛ فلا نسبة لها، وإن كانت غير قارة؛ فهي حركة، فمتى في نفسها حركة.»٨٥
ويُشير في رسالة «المشارع والمطارحات» إلى حصر «ابن سهلان الساوي»، صاحب البصائر النصيرية، للمقولات في أربع، وهي «الجوهر والكم والكيف والنسبة»، فيَرفضه لإسقاط الحركة التي لا تدخل تحت مقولة جوهر ولا مقولة الكم والكيف ولا النسبة.٨٦
ويعلق الإمام التهانوي على هذه المشكلة فيقول: اعلم أن حصر المقولات في العشر: «الجواهر والأعراض التسع»، من المشهورات فيما بينهم، وهم مُعترِفون بأنه لا سبيل لهم سوى الاستقرار المفيد للظن. ولذا خالف بعضهم فجعل المقولات أربعة: «الجوهر والكم والكيف والنسبة الشاملة للسبعة الباقية»، والشيخ المقتول (السُّهرَورْدي) جعلها خمسة؛ فعد الحركة مقولة برأسها. وقال «العرض» إن كان قارًّا فهو الحركة، وإن كان قارًّا، فإما ألا يعقل إلا مع الغير فهو النسبة أو الإضافة، أو يعقل بدون الغير، وحينئذ — إما أن يَقتضي لذاته القسمة — فهو الكم وإلا فهو الكيف.٨٧

والتهانوي يعني أن المقولات عند السُّهرَورْدي هي الحركة والعرض يتشكَّل بأشكال مختلفة؛ فأحيانًا يكون حركة، وأحيانًا يكون نسبة، وتارة يكون كمًّا، وطورًا يكون كيفًا.

وهذا واضح عند السُّهرَورْدي؛ فهو يُورد على حصره للمقولات في خمس، حججًا وشواهد شتى في كلٍّ من التلويحات والمُطارحات، مُتذرعًا في خروجه على العرف الذي درج عليه المناطقة العرب بذريعتَين:
  • الأولى: أن الفضلاء من شيعة المشَّائين يَعترفون بأنه لا برهان لهم على الحصر.٨٨
  • الثانية: أن المقولات ليست مأخوذة من المعلم الأول أرسطو، بل عن شخص فيثاغوري يقال له أرخوطس. وأرخوطس هذا،٨٩ كما يرى بعض الباحثين، هو الفيلسوف الرياضي الصقلي الذي تعرف إليه أفلاطون لدى زيارته الأولى إلى صقلية سنة ٣٨٨ ق. م.٩٠
ويرى السُّهرَورْدي أن البحث في المقولات وفي عددها غير ذي عناء، «فإنها قليلة الفائدة في العلوم جدًّا. ولا يضرُّ التقصير فيها»،٩١ وذلك لاختلاف المناطقة في هذه المقولات.

وبذلك يكون قد حصر المقولات العشر في خمس، وهي: الجوهر والحركة والإضافة والكم والكيف، ويعتبر مقولات «متى وأين والملك والوضع» ضروبًا من الإضافة، ومقولتي «الفعل والانفعال» ضربًا من الحركة. وفي هذا يقول: «متى وأين والملك والوضع لا تعقل إلا وأن تعقل الإضافة قبلها، والفعل والانفعال حركة تُضاف تارة إلى الفاعل وأخرى إلى القابل.»

ويتَّضح لنا أن السُّهرَورْدي إذا كان قد سار على نهج ابن سينا في معالجة المقولات في الجانب الميتافيزيقي، وليس في الجانب المنطقي؛ فذلك لأنه في المقولات يَختلِط المنطق بأبحاث ميتافيزيقية، بالإضافة إلى أبحاث لغوية وأنطولوجية وسيكولوجية، وهذا واضح في تناول أرسطو للمقولات عندما كان يُصنف الموجودات نفسها إلى جواهر وأعراض.

(٣) محاولة السُّهرَورْدي وضع نسق جديد لمنطق القضايا والقياس يرجع أساسًا إلى القضية البتاتة

عندما أعلن السُّهرَورْدي في كتابه حكمة الإشراق أن الآلة الواقية للفِكر تمَّ جعلها مضبوطة بضوابط قليلة العدد كثيرة الفوائد، ظهر ذلك واضحًا من خلال رفضه للتقسيمات المشهورة لمبحث القضايا من حيث الكم والكيف والجهة، والعمل على ردِّها جميعًا إلى أصل واحد، هو القضية الكلية الموجبة الضرورية، والتي يُسمِّيها القضية البتاتة. ويُمكن توضيح ذلك بشيء من التفصيل على النحو التالي:
  • أولًا: من حيث الكيف: يرد السُّهرَورْدي القضايا السالبة إلى القضايا الموجبة، وذلك كما يذكر الشيرازي: «بأن يجعل السلب في المحيطة جزء المحمول والموضوع، حتى لا يكون لنا إلا قضية، أما جزء المحمول وذلك بأن يجعله بعد الرابطة لأنه إذا وضع قبلها كان قاطعًا للنسبة.»٩٢ يقول السُّهرَورْدي: «السالبة هي أن تكون سلبها قاطعًا للرابطة، وفي العربية ينبغي أن يكون السلب مقدمًا على الرابطة لينفيها؛ لقولهم: زيد ليس كاتبًا.»٩٣
    وهذه القضية عند السُّهرَورْدي، كما يذكر الشيرازي، هي السالبة، لكن إذا ارتبط السلب بالرابطة، فصار أحد جزءيها (الموضوع والمحمول)، حينئذ يكون الربط الإيجاب باقيًا، كأن يقال مثلًا: زيد هو لا كاتب. وقد أصبح السلب جزء المحمول؛ فالمحمول الآن ليس إذن كاتب، بل — لا كاتب، وحينئذ تسمى القضية معدولة.٩٤
    إذن رد السُّهرَورْدي جميع القضايا السالبة إلى قضايا موجبة معدولة الموضوع والمحمول، وعلى هذا تَصير القضايا كلها موجبة كلية ضرورية، وهذا يعني رد الفرع إلى الأصل؛ فالسلب فرع والإيجاب أصل، والسُّهرَورْدي يبحث عن الأصول لا عن الفروع. والمعرفة الإشراقية أصل المعرفة الإنسانية، إذا كان السلب جزءًا للموضوع أو المحمول لم يكن قاطعًا للنسبة؛ فالإيجاب قطع والسلب ظن، والإيجاب ثابت عيني، أما السلب فهو في الذهن فقط وليس في الخارج؛ فالمعرفة الإشراقية إذن لا سلب فيها، بل كلها إيجاب، وهي لا تسلب صفة الوجود، بل تُعطيه صفات الإشراق إيجابًا لا سلبًا.٩٥
  • ثانيًا: وأما من حيث الكم، فيرد السُّهرَورْدي القضايا الجزئية إلى القضايا الكلية: يقول السُّهرَورْدي: «في المُهملة البعضية الشرطية تقول قد يكون إذا كان (أ ب) كانت (ج د)، أو إما يكون (أ ب) أو (ج د)، والبعض فيه إهمال أيضًا؛ فإن أبعاض الشيء كثيرة، فلنجعل لذلك البعض في القياسات اسمًا خاصًّا — وليكن مثلًا (ج) فيقال: كل (ج) كذا؛ فيصير قضية محيطة فيزول عنها الإهمال المغلط. ولا يَنتفع بالقضية البعضية إلا في بعض مواضع العكس والنقيض، وكذا في الشرطيات كما يقال: قد يكون إذا كان زيد في البحر وليس فيه مركب أو سباحة فهو غريق. وكون طبيعة البعض مهملة لا ينكر. وإذا تفحصت عن العلوم لا تجد فيها مطلوبًا يطلب فيه حال بعض الشيء مهملًا دون أن يُعَيَّنَ ذلك البعض؛ فإذا عمل على ما قلنا لا يبقى القضية إلا محيطة؛ فإن الشواخص لا يطلب حالها في العلوم، وحينئذ تَصير أحكام القضايا أقل وأضبط وأسهل.»٩٦

    إذن السُّهرَورْدي اعتبر بعض أحوال المقدم في الشرطية كبعض أفراد الموضوع في الحملية، ولما كانت هذه الأفراد في الحملية مُهمَلة أو بعضية وقد افترضت كلية، فيجب أيضًا جعل بعض أحوال المقدم البعضية أو الجزئية في الشرطية كلية. فالسُّهرَورْدي يتخلَّص من الإهمال والبعضية بالافتراض، وطريقته في هذا هي أن يُحذف إرسال كمية الموضوع أو إهمالها من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه يُسمِّي الأبعاض المحكوم عليها في القضايا الجزئية بأسماء معينة. ثم يحكم على هذا الاسم الافتراضي بحكم شامل لكل فرد من أفراد هذا الاسم الافتراضي، وهذه القضايا الكلية هي وحدها التي يرى السُّهرَورْدي أنها لا تُفيد في العلوم من ناحية، وتضبط أحكام القضايا وتُسهلها من ناحية أخرى.

    ويُلاحظ بعض الباحثين في ردِّ السُّهرَورْدي القضايا الجزئية إلى القضايا الكلية بعدًا إشراقيًّا؛ حيث يقول الدكتور حسن حنفي: «… وذلك لأن الكل هو الأصل، والجزء هو الفرع، والمعرفة الإشراقية كلية لا جزئية، وفي العلوم لا تَطلب البرهنة على القضايا شرطًا في التناقض، وبالتالي فهي لا تدخل في أصول القضايا، والكلية لا بدَّ أن تكون محيطة أو حاصرة.»٩٧
  • ثالثًا: أما من حيث الجهة: فيردُّ السُّهرَورْدي القضايا الممكنة كلها إلى قضايا ضرورية أو بتاتة؛ وذلك لأن الممكن سلب للضروري. والمعرفة الإشراقية معرفة ضرورية وليست ممكنة. ويجعل السُّهرَورْدي الإمكان والاقتناع جزءًا من المحمول، ولم يجعله شرطًا للتناقض، والقضية البتاتة هي الوحيدة التي تستخدم في العلوم، أما الممكنة أو الممتنعة فلا تستخدم على الإطلاق، وفي هذا يقول السُّهرَورْدي ما نصه: «لما كان الممكن إمكانه ضروريًّا والواجب وجوبه أيضًا، كذلك فالأولى أن تجعل الجهات من الوجوب وقسميه أجزاء للمَحمولات، حتى تصير القضية على جميع الأحوال ضرورية كما تقول «كل إنسان بالضرورة هو مُمكن أن يكون كاتبًا، أو يجب أن يكون حيوانًا، أو يمتنع أن يكون حجرًا»، فهذه هي الضرورة البتاتة، فإنا إذا طلبنا في العلوم إمكان شيء أو امتناعه فهو جزء مطلوبنا، ولا يُمكننا أن نحكم حكمًا جازمًا بتة إلا بما نعلم أنه بالضرورة كذا، فلا نورد من القضايا إلا البتاتة، حتى إذا كان من المُمكن ما يقع في كل واحد؛ أي من الأفراد الشخصية، وقتًا ما كالتنفس، صح أن يُقال كل إنسان بالضرورة يتنفس وقتًا ما، وكون الإنسان ضروري التنفُّس وقتًا ما، يلزم أبدًا. وكونه ضروري اللاتنفس في وقت غير ذلك الوقت أيضًا، أمر يلزمه أبدًا، وهذا زائد على الكتابة، فإنها وإن كانت ضرورية الإمكان ليست ضرورية الوقوع وقتًا ما.»٩٨
    وينبغي أن نلاحظ مسألتين على جانب كبير من الأهمية في ردِّ القضايا الممكنة إلى القضايا الضرورية البتاتة.
    • أما الأولى: فهي أنه ليس من اللازم أن ندرج الجهة في المحمول في القضايا الضرورية نفسها، لأنه لا حاجة إلى تكرير الجهة، بينما القرينة دالَّة على الضرورية؛ فليس من اللازم إذن أن نرد كل إنسان هو بالضرورة حيوان إلى القول — بالضرورة كل إنسان يجب أن يكون حيوانًا.٩٩ ويقول السُّهرَورْدي: «إذا كانت القضية ضرورية كفانا جهة الربط فحسب، أو أن يفرض كونها بتاتة دون إدخال جهة أخرى في المحمول، مثل أن تقول كل إنسان بتة هو حيوان، أما غير هذه القضايا فيجب إدراج الجهة في المحمول.»١٠٠
    • أما المسألة الثانية: فهي أنه لا ينبغي التعرض للسلب بعد التعرض للجهات، وتفسير هذا كما يقول الشارح:١٠١ «أن السلب التام هو ما يكون ضروريًّا، وهذا السلب الضروري يُعتبَر إيجابًا إذا ما غيرنا مفهومه بمفهوم الامتناع ولفظ السلب بلفظ الامتناع. فكل إنسان ليس بحجر، تنقلب إلى كل إنسان يمتنع أن يكون حجرًا؛ فمفهوم الامتناع هنا أوقع السلب تحت الإيجاب. وعلى هذا لم تكن ثمَّة حاجة إلى تغيير السلب بعد تغيير الجهة، وهذا ما يحدث أيضًا في القضايا المُمكنة؛ أي في السلب غير التام، أو السلب الإمكاني؛ فإنَّ السلب في القضية الممكنة ينقلب إلى موجبة، وذلك بمجرَّد إدراج الجهة في المحمول.» يقول السُّهرَورْدي: «لنا ألا نتعرَّض للسلب بعد تعرُّضنا للجهات — فإن السلب التام من الضروري، وقد دخل تحت الإيجاب إذا ورد الامتناع على ما ذكرنا، وكذا الإمكان. واعلم أن القضية ليست هي باعتبار مجرد الإيجاب قضية، بل وباعتبار السلب أيضًا، فإن السلب أيضًا حكم عقلي سواء عبر عنه بالرفع أو بالنفي، فإنه حكم في الذهن ليس بانتفاء محض، وهو إثبات من جهة أنه حكم بالانتفاء، والشيء لم يخرج عن الانتفاء والثبوت، أما النَّفي والإثبات في العقل فهما أحكام ذهنية حالهما شيء آخر؛ فالمعقول إذن لم يحكم عليه بحال ما فليس بمَنفيٍّ ولا بمُثبت، بل هو نفسه إما منتف أو ثابت.»١٠٢
يكاد السُّهرَورْدي يَعترف هنا بالسلب؛ فهو يعتبره حكمًا عقليًّا، ولكنه يعود فيقول: «إنه إثبات من حيث إنه حكم بالانتفاء — وكل حكم بالإثبات أو بالنفي فهو إثبات.»١٠٣
والسبب الذي يدعو السُّهرَورْدي إلى الاعتراف بالسلب في هذه الصورة هو أهمية السلب في مبحث التناقُض. يقول صدر الدين الشيرازي في تعليقاته على شرح قطب الدين الشيرازي لحكمة الإشراق: «إنا معشر الإشراقيين لسنا ممَّن يجوز أن يطوي جانب اعتبار السلب طيًّا، ويهمل جانب النقائض إهمالًا، فيصير مساغًا لتطرق الأغاليق إلى الأذهان، ومحلًّا لولوج شياطين الأوهام بشرورها وكلماتها إلى سماء الحكمة المحكمة بدعائم البراهين المنورة بإشراقات العقل، بل الواجب اعتبار العقود السالبة البسيطة أولًا، ثم عطف النظر إلى إيجاب سلوبها للموضوعات، وجعل الموجبات التي محمولاتها تلك السوالب ضروريات بتاتات.»١٠٤

فالسبب الذي يدعو السُّهرَورْدي وغيره من الحكماء الإشراقيين إلى اعتبار السلب هو أن له عملًا مهمًّا في مسألة التناقُض، وهي مسألة سوف نعرض لها بالتفصيل.

ولكن اعتبار السلب هذا وضعه السُّهرَورْدي في صورة الإيجاب، بل واعتبره إثباتًا، وعلى هذا يُمكن القول بأن السُّهرَورْدي لم يعترف في باب الكمية والكيفية والجهة إلا بقضية واحدة، وهي القضية الكلية الموجبة البتاتة. يقول صدر الدين الشيرازي: «الشيخ أراد في هذا الكتاب (يعني السُّهرَورْدي)، في كتابه حكمة الإشراق، أن يردَّ جميع القضايا على اختلاف أصنافها وتباين أقسامها إلى القضية الكلية الموجبة الضرورية البتاتة بناءً على أن المُعتبر في العلوم الحقيقية هو هذه القضية دون غيرها في كيفية ذلك الرد، أما في باب الكمية فبإزالة الإهمال والبعضية بالافتراض، وأما في باب الكيفية فبالعدول أو السلب إذا صار جزءٌ لا حديٌّ إلى شيئين لم يكن قاطعًا للنسبة فصارت القضية موجبة. وأما في باب الجهة فيجعل الجهات منه الإمكان والتوقيت وغيرها جزءًا للمحمول، حتى تصير القضية دائمة ضرورية.»١٠٥
وإذا كان السُّهرَورْدي ردَّ جميع القضايا إلى القضية الكلية الموجبة الضرورية البتاتة، فقد كانت نتيجة هذا الرد تنطوي على جانب عظيم من الأهمية في مباحث ثلاثة في المنطق:
  • (١)

    مبحث التناقض.

  • (٢)

    مبحث العكس المستوي.

  • (٣)

    مبحث القياس.

مبحث التناقض

يذكر السُّهرَورْدي أن التناقُض هو اختلاف قضيتين بالإيجاب والسلب لا غير،١٠٦ وهو يُوافق المَناطقة في هذا التعريف، ويوافقهم أيضًا في اعتبار شروط التناقض الثمانية: وهي:١٠٧
  • (١)

    عدم اختلاف الموضوع.

  • (٢)

    عدم اختلاف المحمول.

  • (٣)

    عدم اختلاف الزمان.

  • (٤)

    عدم اختلاف المكان.

  • (٥)

    عدم اختلاف القوة والفعل.

  • (٦)

    عدم اختلاف الكل والجزء.

  • (٧)

    عدم اختلاف الشرط.

  • (٨)

    اختلاف في الإضافة.

ولكن يبدأ الاختلاف بين السُّهرَورْدي والمناطقة المشائين حين يُضيف المناطقة في القضايا المحصورة شرطًا، وهو الاختلاف في الكلية والجزئية؛ فيكون نقيض «ك م»-«ج س» ونقيض «ك س»-«ج م»، وهذا الشرط لازم عند المناطقة؛ لأنه بدونه يُمكن أن تكذب القضيتان معًا، مثل الكليتين في مادة الإمكان، كما نقول: «كل إنسان كاتب ولا واحد من الناس بكاتب-وأن يصدقا معًا.»١٠٨ مثل الجزئيتين في مادة الإمكان أيضًا. ومن الأمثلة على هذا: «بعض الناس كاتب-بعض الناس ليس بكاتب».١٠٩
  • والحالة الأولى: أي كذب القضيتين معًا يعتبر تضادًّا؛ لأن التضاد يكون بين «ك م» و«ك س». وحكم القضيتين المتضادتين أنهما لا تَصدقان معًا، ولكنهما قد تكذبان معًا.١١٠
  • والحالة الثانية: دخول تحت التضاد؛ لأنهما بين «ج م» و«ج س»، وهاتان القضيتان قد تصدقان معًا. وحكم القضيتين الداخلتين تحت التضاد أنهما لا تكذبان معًا، ولكن قد تصدقان معًا؛ فعدم اشتراط الاختلاف في الكمية يخرج هذه القضايا عن أن تكون تناقضًا، إلى أن تكون صورًا أخرى من الاستدلالات المباشرة — فلا بد إذن من إضافة هذا الشرط.١١١
ولكن السُّهرَورْدي لم يقبل إضافة هذا الشرط التاسع، كما أنه لم يقبل إضافة شرط عاشر أيضًا، هو الاختلاف في الجهات؛ فقال: «لا يَحتاج إلى زيادة شرط، بل يسلب ما أوجبناه بعينه.»١١٢
هذه هي عملية التناقُض عند السُّهرَورْدي «أن يسلب المستدل ما أوجبه بذاته بدون تغيير في الكمية.»١١٣ وهذا ما أملاه عليه مذهبه العام الذي يُقرر أن القضية المستعملة في العلوم هي القضية الكلية الموجبة الضرورية البتاتة. يقول الشارح: «كقولنا في القضية البتاتة: كل فلان بالضرورة هو ممكن أن يكون بهمانًا، نقيضه ليس بالضرورة كل فلان هو مُمكن أن يكون بهمانًا. وهكذا في غيره إذا قلنا لا شيء من الإنسان بحجر مثلًا، نقيضه ليس لا شيء من الإنسان بحجر، وقد سلب ما أوجبناه بعينه في النقيضين.»١١٤ فالتناقض إذن عند السُّهرَورْدي هو إدخال حرف السلب لا غير من غير تغيير في جهة أو في كمية؛ فالقضية الأولى التي يعتبرها المشاءون «ك م» نقيضها عندهم «ج س».
والقضية الثالثة «ك س» نقيضها «ج م»، أما السُّهرَورْدي فاعتبر «نقيض كلٍّ من تلك القضيتين إدخال حرف السلب على القضية. ولكن يلزم من القضية النقيض لوازم جزئية، فإذا قلنا بالضرورة كل إنسان حيوان فنقيضه ليس كل إنسان بالضرورة حيوانًا، ويلزم من هذا النقيض بعض الإنسان ليس بحيوان بالإمكان. فهذه القضية الجزئية لازم من لوازم القضية ليس كل إنسان حيوانًا، وإذا قلنا لا شيء من الإنسان بحجر بالضرورة، فنقيضُه ليس لا شيء من الإنسان بحجر بالضرورة، ويلزم من هذا النقيض بعض الإنسان حجر بالإمكان.»١١٥ يقول السُّهرَورْدي: «لزم من سلب الاستغراق في الإيجاب تيقن سلب مع جوار الإيجاب في البعض، ومن سلب الاستغراق في السلب تيقن سلب البعض.»١١٦
وهذه هي فائدة القضية الجزئية، وقد اعترف السُّهرَورْدي بفائدة هذه القضية في بعض نواحي التناقض والعكس المستوي فقال: «ولا ينتفع بالقضية البعضية إلا في بعض مواضع العكس والنقيض.»١١٧ ولكن هذه الفائدة هي أنها مجرد لوازم للنقيض، وليس لها بعد ذلك ثمَّة فائدة في التناقض؛ لأنه ليس لها هي نفسها نقيض. يقول السُّهرَورْدي: «القضية التي خصصت بالبعض لم يكن لها من البعض نقيض.»١١٨
أي ليس لها نقيض من جنسها؛ لأنَّنا إذا أدخلنا حرف السلب على البعضية أدَّى هذا الإدخال إلى تغاير الموضوعين، فلا يصح أن نقول: «بعض الحيوان إنسان، ليس بعض الحيوان إنسانًا»؛ لأنه مهمل التصور؛ فيجوز أن يكون البعض الذي هو إنسان غير البعض الذي ليس بإنسان. فلم يكن موضوع القضيتين في السلب والإيجاب لا غير، ولكن الطريقة التي تستطيع الحصول على نقيض الجزئية هي أن نردها إلى محيطة، والمحيطة لها نقيض من ذاتها لا يختلف معها إلا في الكيفية.١١٩ يقول السُّهرَورْدي: «إذا عيَّنَّا البعض وجعلنا له اسمًا كما ذكرنا من جعله مستغرقًا كان على ما سبق.»١٢٠
وهنا يتضح أن رد السُّهرَورْدي القضايا جميعًا إلى القضية الكلية الموجبة الضرورية له أثر على مبحث التناقض عنده؛ حيث خالف المناطقة المشائين في هذا الأمر، كما أنه لم ينكره إطلاقًا لفائدته في التناقض، كما أنه اعترف بفائدة الجزئيات في بعض مواطن التناقض؛ لذا يرى السُّهرَورْدي أن مبحث التناقض — كما يَعرضه — يُغني عن كثير من الأبحاث التي وضعها المشَّاءون، ويُخلص المنطق من كثير التطويلات التي لا فائدة لها.١٢١

وهكذا نجد السُّهرَورْدي في مبحث القضايا لم يخرج عن نطاق المنطق الأرسطي ونسقه العام، وإن قد غيَّر العديد من شروطه، وذلك بهدف توظيف المنطق في اتجاه تربوي ليجعل المنطق ممهدًا للإشراق، وإن كانت الفكرة الأساسية التي استند إليها في خروجه عن هذا المنطق الأرسطي، قد استمدَّها من هذا المنطق ذاته؛ أي فكرة العدول، فنقلها من نطاق الكيفية إلى نطاق الكمية والجهة، لتصبح القضايا كلها كلية موجبة ضرورية، وهذا ما أثر على مبحث النقض والعكس، وسيظهر أثره واضحًا على مبحث القياس أيضًا.

أما مبحث العكس المستوي

إنَّ السُّهرَورْدي يعترف أيضًا بفائدة القضية الجزئية ولزومها؛ وذلك أن العكس كما يقول: «هو جعل موضوع القضية بكُليته محمولًا، والمحمول موضوعًا، مع حفظ الكيفية، وبقاء الصدق والكذب بحالهما، فإذا أردنا أن نأتي بعكس القضية كل إنسان حيوان لم نستطع أن نقول: كل حيوان إنسان؛ وذلك لأنَّ الموضوع في القضية الأولى أخص من المحمول؛ لأنَّ المحمول أعم من الموضوع. ولكن في العكس حملنا المحمول على الموضوع؛ أو بمعنى أدق حملنا الخاص على كل أفراد العام، فخرجنا إذن على شرط أساسي من شروط العكس، وهو عدم استغراق حدٍّ في العكس لم يكن مُستغرقًا في الأصل. فحيوان لم يَستغرق في الأصل واستغرقت في الفرع.»١٢٢
ويعترف السُّهرَورْدي بهذا، ولكن يبدأ الخلاف بينه وبين المناطقة المشائين في مسألة عكس القضية الموجبة الضرورية؛ فالسُّهرَورْدي يرى أن عكس القضية الموجبة الضرورية قضية موجبة ضرورية، سواء كانت جهتها قبل أن تُرد إلى ضرورية إمكانًا أو امتناعًا أو وجوبًا؛ فالقضية: بالضرورة كل إنسان هو ممكن أن يكون حيوانًا، عكسها: بالضرورة بعض ما يمكن أن يكون كاتبًا فهو إنسان. والقضية: بالضرورة كل إنسان يجب أن يكون حيوانًا — تعكس إلى: بالضرورة بعض ما يمتنع أن يكون حجرًا فهو إنسان.١٢٣
فالسُّهرَورْدي إذن يَنقل الجهة كما هي إلى العكس لتُصبح القضايا كلها ضرورية بتاتة، وفي هذا يقول ما نصه: «عكس الضرورية البتاتة الموجبة ضرورية بتاتة موجبة، مع أي جهة كانت؛ فللمحيطة وللجزئية انعكاس على أن شيئًا من المحمول يوصف بالموضوع مهملًا.»١٢٤
ويُعلِّق قطب الدين الشيرازي على هذا؛ حيث يَذكر أن المناطقة المشائين لم يُوافِقوا على عكس الموجبة الضرورية ضرورية؛ لأنه قد يجوز أن يكون المحمول ضروريًّا للموضوع في الأصل: كل كاتب إنسان والمحمول غير ضروري للموضوع في العكس (كل إنسان كاتب)؛ لأنه يكون بالمكان لا بالضرورة، ولهذا اعتبروا عكس القضية الضرورية الموجبة قضية مُمكنة موجبة. أما السُّهرَورْدي فلم يقبل هذا؛ لأن القضية الوحيدة عنده في العلوم هي القضية البتاتة الضرورية. غير أنَّ السُّهرَورْدي لم يعكس القضية: بالضرورة كل كاتب يجب أن يكون إنسانًا إلى القضية: بالضرورة كل إنسان يجب أن يكون كاتبًا، بل إلى: بالضرورة بعض ما يجب أن يكون إنسانًا فهو كاتب.١٢٥
أما عكس السالبة الكلية الضرورية عند السُّهرَورْدي فهي سالبة كلية ضرورية؛ حيث يرى السُّهرَورْدي أنه إذا كان بالضرورة لا شيء من الإنسان بحجر. عكسها: لا شيء من الحجر بإنسان. ويُعلق الشيرازي على هذا فيقول: «إذا كان السُّهرَورْدي قرَّر من قبل أنه يلزم من سلب الاستغراق في السلب تيقن الإيجاب في البعض، وهذه القضية إذا ما عكست كانت — بعض الإنسان حجر — وينتج عن هذا كذب الأصل والعكس. أما الأصل، وهو بالضرورة لا شيء من الإنسان بحجر، فقد كذب لصدق بعض الإنسان حجر، أما العكس: وهو لا شيء من الحجر بإنسان لصدق بعض الحجر إنسان.»١٢٦
ومن ناحية أخرى يقول السُّهرَورْدي إن «الضرورية البتاتة إذا كان الإمكان جزء محمولها، فإن معها سلبًا ينقل أيضًا، كقولهم — بالضرورة كل إنسان هو ممكن ألا يكون كاتبًا، فهي بتاتة موجبة عكسها بالضرورة شيء مما يمكن ألا يكون كاتبًا فهو إنسان.»١٢٧

ويَستطرد السُّهرَورْدي فيقول: «إن السلب ينبغي أن ينقل مع الإمكان؛ لأن العكس جعل المحمول بكليته موضوعًا والموضوع بكليته محمولًا. وقد سلبنا في الكلية السالبة المحمول عن الموضوع سلبًا كليًّا؛ فيجب أن ينقل هذا السلب الكلي في العكس لأنه جعل الموضوع محمولًا بكليته لا يجزأ منه.» والسُّهرَورْدي يتَّفق مع المناطقة المشائين في أن عكس السالبة الكلية — أي «ك س» — سالبة كلية — أي «ك س».

غير أن السُّهرَورْدي يختلف معهم أيضًا في مسألة الجهة، فهم لا ينقلون الموجبة الضرورية — وهي التي تعود إليها سالبة السُّهرَورْدي الكلية — إلى موجبة ضرورية، ولكنهم ينقلونها إلى موجبة ممكنة.١٢٨ أما السالبة الجزئية، فيعلق عليها قطب الدين الشيرازي بقوله بأنها «لا تنعكس عند المناطقة المشائين.» ولكن السُّهرَورْدي يرى أنه من الممكن انعكاسها؛ فإذا قلنا ليس بعض الحيوان إنسانًا، وعيَّنَّا هذا البعض من الحيوان الذي ليس بإنسان؛ وذلك بأن نجعله فرسًا أو غيره من الحيوانات غير الإنسانية، وجعلناه كليًّا فقلنا: لا شيء من الفرس بإنسان، استطعنا ببساطة أن نعكس فنقول: لا شيء من الإنسان بفرس، ونستطيع كذلك أن نعكس الجزئية السالبة؛ وذلك بجعل السلب جزء المحمول؛ فليس بعض الحيوان إنسانًا نجعلها بعض الحيوان هو غير إنسان، ثم نعكسها إلى بعض غير الإنسان حيوان، أما في الحالة الأولى فإننا رددنا القضية الجزئية السالبة إلى قضية كلية سالبة؛ وذلك بأن نُعين النوع الذي سلب عنه المحمول، ونعتبره كليًّا ثم نسلب عنه المحمول سلبًا كليًّا. أما في الحالة الثانية؛ فرددنا القضية الجزئية الموجبة؛ وذلك بأن نجعل السلب بعد الرابطة؛ أي مرتبطًا بالمحمول، والسُّهرَورْدي يعتبر السلب الحقيقي ما كان مُرتبطة أداته بالرابطة، وتلك الحالتان هما اللتان يُمكن فيهما انعكاس الجزئية السالبة.
وأخيرًا يرى السُّهرَورْدي الأمر أن «ذكر النقيض والعكس والمهملات البعضية لا فائدة منه على الإطلاق، ولكن ينبغي ذكرها لمعرفة القوانين المنطقية اقتداءً بأصحاب تلك الصناعة من المُتقدمين، بل من المتألهين.»١٢٩

أما القياس

يُعرِّف السُّهرَورْدي القياس بأنه عند المناطقة: «قول مؤلف من قضايا إذا سلمت لزم عنه لذاته قول آخر.»١٣٠ غير أن السُّهرَورْدي لا يعرض لقواعد القياس، وأغلب الظن أنه ربما كان يعتقد أن قواعد القياس ليست هي قواعد بالمعنى الدقيق تضمَن لنا صحة الحجة القياسية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى: أن هذه القواعد تتَّضح بصورة أدق حين نَتناول أشكال القياس على حدة، لنُبيِّن القواعد اللازمة لكلٍّ من الأشكال حتى يأتي الضرب في القياس مُنتجًا. وهذا ما قام به السُّهرَورْدي بالفعل؛ حيث شرع في مبحث القياس إلى عرض أشكال القياس، وهذه الأشكال كما يقول السُّهرَورْدي: «الحد الأوسط إما أن يكون محمول الصُّغرى وموضوع الكُبرى ويُسمَّى «الشكل الأول» لظهوره في نفسه، ويتبيَّن غيره به، وهو الأشرف لإنتاجه جميع المطالب من المحصورات الأربعة، وأما موضوع الصُّغرى ومحمول الكبرى (الشكل الرابع) فهو بعيد عن الطبع لا يتفطَّن لقياسته إلا بصعوبة وكلفة، وأما محمولها جميعًا وهو الثاني (الشكل الثاني) وموضوعها وهو الثالث (الشكل الثالث)، ويكاد الطبع يتفطَّن لقياستهما دون الحاجة إلى بيان ما على ما سنذكره واشتراك الثلاثة في أن لا نتيجة فيها عن الجزئيتين، ولا عن سالبتين، ولا عن سالبة صغرى وجزئية كبرى، إلا في سوالب هي في حكم الموجبات، وأن النتيجة تتبع أخس المقدمتين في الكيف والكم، وما استُثني من الكيف قائمًا في سوالب هي في حكم الموجبات بلا حاجة إلى الاستثناء.»١٣١
من هذا النص يتضح أن السُّهرَورْدي يجاري المناطقة المشائين، وخاصة ابن سينا في أن أشكال القياس ثلاثة وهي:
  • الشكل الأول: وهو أكمل الأشكال وأكثرها صحة ومشروعية.
  • الشكل الثاني: وهو لا يُنتج إلا السوالب، ولذلك فهو يُبرهن على القضايا السالبة التي تبرهن عن استحالة انتماء للمحمول؛ فهو يستبعد كلٌّ منهما الآخر.
  • الشكل الثالث: وهو لا ينتج إلا الجزئيات، حتى إذا كانت المقدمتان قضيتين كليتين، وهو يبرهن على أمثلة جزئية مستنتجة من القضايا العامة، محتملة الصدق أو الكذب. ولذلك يعبر هذا الشكل عن العرضية والاحتمال في انتماء الموضوع للمحمول.
  • الشكل الرابع: هذا الكل يُسقطه السُّهرَورْدي من قائمة الأشكال؛ وذلك لكونه «السياق البعيد الذي لا يفطن لقياسته من نفسه ولذلك حُذف.»١٣٢

وهنا يتَّضح أن السُّهرَورْدي يخالف المناطقة المشائين في رد كل أضرب أشكال القياس إلى الضرب الأول من الشكل الأول. ويُمكن شرح ذلك بالتفصيل على النحو التالي:

الشكل الأول

ويقول السُّهرَورْدي عنه بأنه «أكمل الأشكال» — كما بينَّا آنفًا — فهو «الأول المقام في الاقترانيات ما يكون الأوسط محمول المقدمة الأولى فيه، فهو السياق التام.»١٣٣
والسُّهرَورْدي في الشكل يرد القضية السالبة إلى الموجبة، والقضية الكلية إلى القضية الجزئية. على أن يتكوَّن هذا الشكل من ضرب واحد مكون من قضيتين موجبتَين بتاتين — كل «ج ب» بتة وكل «أ ب» بتة فينتج عنهما كل «ج أ» بتة. ويقول السُّهرَورْدي: «اعلم أن الفرق بين السلب إذا كان في القضية الموجبة وبين السلب إذا كان قاطعًا للنِّسبة الإيجابية، هو أنَّ الأول لا يصحُّ على المعدوم؛ إذ لا بدَّ للإثبات من أن يكون على ثابت، بخلاف الثاني؛ فإن النفي يجوز على المنفي، ولكن على هذا الفرق يكون في الشخصيات لا في القضايا المحيطة وجملة التصورات؛ فإنك إذا قلت: «كل إنسان هو غير حجر» أو «لا شيء من الإنسان بحجر» هو حكم على كل واحد من الموصوفات بالإنسانية مُتحقِّقة حتى يصح أن تكون موصوفة بها؛ فإذا زال الفرق فيجعل السلب في المحيطة جزء المحمول أو الموضوع حتى لا يكون لنا إلا قضية موجبة، ولا يقع الخبط في نقل الأجزاء في مقدمات الأقيسة، ولأنَّ السلب له مدخل في كون القضية السالبة قضية؛ إذ هو جزء التصديق على ما سبق فنجعله جزءًا للموجبة، كيف وقد دريت أن إيجاب الامتناع يُغني عن ذكر السلب الضروري والممكن إيجابه وسلبه سواء. والسياق الأتم ضرب واحد كل «ج ب» بتة وكل «ب أ» بتة فينتج كل «ج أ». وإذا كانت المقدمة جزئية فنجعلها مستغرقة مثل «أن يكون بعض الحيوان ناطقًا» و«كل ناطق ضاحك» مثلًا — فلنجعل لذلك البعض مع قطع النظر عن الناطقية اسمًا كان معها وليكن «د» فيقال «كل د ناطق» وكل ناطق كذا على ما سبق، ثم لا يحتاج أن نقول: «بعض الحيوان د» على أنه مقدمة أخرى لأن «د» اسم ذلك الحيوان فكيف يحمل اسم حيوان، فهو غير حجر، ينتج أن كل حيوان هو غير حجر، فلا يحتاج إلى تكثير ضروب وحذف بعض واعتبار بعض.»١٣٤

من هذا النص يتَّضح أن السُّهرَورْدي يتخلَّص من السلب في المقدمة السالبة بجعله جزءًا للمحمول حتى تَنقلِب المقدمات السالبة إلى موجبة، كما يتخلَّص السُّهرَورْدي من الكمية البعضية في المقدمات الجزئية بواسطة الافتراض؛ وذلك في رده للقضية الجزئية إلى قضية كلية.

أما عن الجهات، فيرى السُّهرَورْدي أنه ينبغي أن تجعل جزء المحمول حتى تكون كلها بتاتة. وفي هذا يقول: «لما كان الطرف الأخير يتعدَّى إلى الطرف الأوسط بتوسط الأوسط؛ فالجهات في القضية الضرورية البتاتة تجعل جزء المحمول في المقدمتين أو إحداهما فيتعدى إلى الأصغر، مثل أن كل إنسان بالضرورة هو مُمكن الكتابة، وكل مُمكن الكتابة فهو بالضرورة واجب الحيوانية أو ممكن الشيء — ولا يحتاج إلى تطويل كثير من المختلطات.»١٣٥
وينتهي السُّهرَورْدي إلى القول بأن الضابط الإشراقي مقنع، والسياقان الآخران — يقصد الشكلين الثاني والثالث — ذنابتان لهذا السياق.١٣٦ وليس معنى هذا أن السُّهرَورْدي لم يبحث هذين الشكلين، بل بحثهما في ضوء مذهبه.١٣٧

وما فعله السُّهرَورْدي في الشكل الأول سيكرره في الشكلين الآخرين؛ إذ هما حسب تعبيره، كما أوردنا عنه، ذنابتان لهذا السياق، ورغم كونهما للسياق الأول، إلا أنه سيَبحثهما من خلال رأيه في القضايا.

الشكل الثاني

يرى السُّهرَورْدي أن هذا الشكل إذا كان ينتج سوالب عند المناطقة المشائين، فهو عند الإشراقيين لا ينتج إلا ضروريات بتاتات. يقول السُّهرَورْدي: «إذا كانت قضيتان محيطتان مختلفتا الموضوع يستحيل إثبات محمول على الآخر من جميع الوجوه أو من وجه واحد، فاعلم يقينًا أنه لو كان أحدهما مما يتصور أن يدخل تحت الآخر ما استحال عليه محموله. إذن أن يوصف أحدهما بالآخر أيهما جعل هو موضوعًا في النتيجة وأيهما حمل؛ فالنتيجة ضرورية بتاتة.»١٣٨
أما إذا كان هناك في مقدمات ضروب هذا الشكل مقدمة جزئية، فينبغي أن تقلب كلية. يقول السُّهرَورْدي: «إن كان في هذا السياق جزئية فلتجعل كلية.»١٣٩
والسُّهرَورْدي في هذا يردُّ الضربين الثالث والرابع baroco، festino من هذا الشكل إلى الضربين الأولين camestres، cesare. ولم يكن هذا هو الاختلاف الوحيد بين السُّهرَورْدي وأرسطو في هذا الشكل، بل حاول أن يردَّ قضايا الضربين الأول والثاني إلى قضيتين موجبتين barbara.
وأما طريقته في الرد فهو أن يجعل الجهات والسلوب جزء المحمول؛ فالمقدمة: كل إنسان بالضرورة ممكن الكتابة، جعل فيها الإمكان جزء المحمول. وكل حجة بالضرورة ممتنع الكتابة. في هذه المقدمة جعل السلب الضروري جزء المحمول؛ وذلك بأن أبدل السلب بالامتناع. ينتج من هاتين المقدمتين السالفتين غير متَّحد؛ فهو في القضية الأولى: مُمكن الكتابة، وفي القضية الثانية: ممتنع الكتابة.١٤٠
أما عند أرسطو فيَنبغي أن يكون المحمول — أي الحد الأوسط — في المقدمتين واحدًا. غير أن السُّهرَورْدي «لا يشترط اتحاد المحمول من جميع الوجوه في هذا السياق».١٤١
ويلاحظ أيضًا أن المقدمتَين غير مختلفتَين في الكيف بل هي موجبة. يقول قطب الدين الشيرازي: «إن هذا الشكل لا يشترط اختلاف مقدمتَين في الكيف عند الإشراقيين بخلاف المشائين.»١٤٢
ويعلق صدر الدين الشيرازي في صدر تعليقاته على كلام قطب الدين الشيرازي في شرحه لحكمة الإشراق، فيذكر أن الإشراقيين يُقررون اختلاف المقدمتين في الكيف بأحد الوجهين؛ أي أن تكون إحداهما موجبة محصلة والأخرى سالبة بسيطة، أو تكونا موجبتَين لكن يكون محمول إحداهما فقط مشتملًا على سلب.١٤٣
وأما عن اشتراك المحمول في المقدمتين فيقول السُّهرَورْدي: «إنما يعتبر الشركة فيما وراء الجهة المجعولة جزء المحمول.»١٤٤ فقد اشترك المحمولان المذكوران في المقدمتين الآنفتَي الذكر في الكتابة، ولكن اختلفت الجهة، فكانت إحداهما إمكانًا والأخرى امتناعًا؛ أي أن تكون الجهة التي تجعل جزء محمول المقدمة الصغرى مختلفة عن الجهة التي تجعل جزءًا من محمول المقدمة الكبرى؛ فالمحمولان إذن يتغايران في الجهة. ويقول السُّهرَورْدي: «يجوز تغايُر جهتَي القضية فيه.»١٤٥ والحد الأوسط لا ينبغي على هذا الأساس تكراره بتمامه في هذا الشكل؛ لأنه يُراعى فيه أن هناك سلبًا في إحدى المقدمتين تحت صورة الامتناع، كما أن الجهة قد تكون امتناعًا في أحدهما وإمكانًا أو إيجابًا في الآخر، يكفي إذن في الإنتاج أن يتحد المحمولان أو الحد الأوسط فيما وراء الجهة.١٤٦
إذن يختلف المنطق الإشراقي عن المنطق المشائي في الشكل الثاني؛ وذلك في ثلاثة وجوه:
  • (١)

    أنه ينقل المحمول في الشكل الثاني بتمامه من المقدمة الصغرى إلى المقدمة الكبرى بدون اختلاف في الكم أو الكيف أو الجهة.

  • (٢)

    أنه لم يبين في صورة هذا الشكل الاتحاد أو نقَل الحد الأوسط بتمامه من الصغرى إلى الكبرى.

  • (٣)

    أنه لم يُوافق في شروط هذا الشكل على اختلاف المقدمتين في الكيف، بل رد السالبة في كل حالة إلى موجبة.

والسُّهرَورْدي يرى أنه يمكن بيان هذا القياس بالشكل الأول فيقول: «ومخرجه من السياق الأول أن هذَين القولين قضيتان استحال على موضوع إحداهما ما أمكن على موضوع الأخرى؛ فموضوعاتهما بالضرورة متبائنان.» ينتج أن «هذين القولين قضيتان موضوعهما بالضرورة متبائنان.»١٤٧
ويلزم أيضًا عن تباين الموضوعين واختلافهما:
  • (أ)

    إذا كان المحمول لإحدى المقدمتين في البتاتة ممكن النسبة، مثل: «كل إنسان بالضرورة كاتب»، وأن محمول المقدمة الأخرى واجب، مثل: «كل حجر بالضرورة غير كاتب» فيلزم «أن الإنسان بالضرورة غير حجر».

  • (ب)
    إذا كان محمول إحدى المقدمتين في البتاتة ممكن النسبة، ومحمول الأخرى ممتنع النسبة: مثل كل إنسان بالضرورة ممكن الكتابة، وكل حجر بالضرورة فهو ممتنع الكتابة، فينتج أن الإنسان بالضرورة ممتنع الحجرية؛ فاختلاف النسبة في الجهة ينتج تباين الموضوعين.١٤٨

وهذا ما يؤيد النتيجة التي استخلصها السُّهرَورْدي ببيانه لهذا الشكل بواسطة الشكل الأول، وهذه النتيجة هي «أن هذين القولين قضيتان موضوعهما بالضرورة متبائنان».

وينتهي السُّهرَورْدي من هذا الشكل بقوله: «إنه ترك التطويل على أصحابه في الضروب والبيان والخلط.»١٤٩ أي يغني هذا عن تطويل المنطق الأرسطي في هذا الشكل، واعتبار ضروبه أربعة، وهي في منطق الإشراق عند السُّهرَورْدي واحدة.

أما عن الشكل الثالث

ويعرفه السُّهرَورْدي بقوله: «إذا وجدنا شيئًا واحدًا معينًا كالأوسط وصفًا لمحمولين، علمنا أن شيئًا من أحد المحمولين موصوف بالمحمول الآخر ضرورة.» وهذا التعريف للشكل الثالث يتفق مع التعريف الأرسطي له؛ فالحد الأوسط هو موضوع في المقدمتَين. والنتيجة أن شيئًا من المحمولين موصوف بالمحمول الآخر. ومعنى هذا أن النتيجة لا بدَّ أن تكون جزئية. والأمثلة التي يُعطيها السُّهرَورْدي تثبت هذا، فمثلًا «أن يكون زيد حيوانًا أو زيد إنسانًا» علمنا أن شيئًا من الحيوان إنسان، بل وشيء من الإنسان حيوان على أي طريق كان. وإذا كان هذا الشيء المعين معنًى عامًّا، فيكون مُستغرقًا كقولنا: كل إنسان حيوان وكل إنسان ناطق. فصار هذا الحصر شيئًا معينًا موصوفًا بالأمرين فيلزم أن يكون شيء من أحدهما هو الآخر.١٥٠ وهذه النتيجة هي بعض الحيوان ناطق. بل إن السُّهرَورْدي يعترف صراحة بأن النتيجة في ضروب الشكل الثالث جزئية فيقول: «يلزم اتصاف كل واحد من المحمولين بالآخر في هذا السياق، فإن المحمولين أو أحدهما، ربما يكون أعم من الموضوع الذي هو الأوسط. والطرف الآخر فلا يلزم اتصاف كل أحدهما بالآخر، بل شيء من أحدهما هو الآخر.»١٥١ وإذا كانت النتيجة جزئية، فلا بدَّ أن تكون إحدى المقدمتين جزئية؛ لأن النتيجة تتبع الأخس من المقدمات.
وعلى هذا لا يشترط في هذا الشكل كلية المقدمتين — تبعًا لمذهب السُّهرَورْدي العام الذي يقرر أن القضايا ينبغي أن تكون كلها كلية — بل تكفي فيه كلية إحدى المقدمتين: كل إنسان حيوان، وبعض الإنسان كاتب، تنتج بعض الحيوان كاتب. يقول السُّهرَورْدي: «وإن كان إحدى المقدمتين مستغرقة والأخرى غير مستغرقة بعد الشركة في الموضوع، فيجوز أن يخلو من الكل، ومن يلزم اتصاف شيء من أحد المحمولين الآخر. أما عن السلب، فيتفق السُّهرَورْدي فيه مع مذهبه العام فيقرر نقله إلى المحمول، حتى تصير القضايا كلها موجبة: كل إنسان حيوان، وكل إنسان فهو غير الحجر، لينتج بعض الحيوان هو غير الحجر. وإذا ما جعل السلب جزء المحمول، كانت القضايا في هذا السياق موجبة. ولم تَعُد ثمة حاجة إلى سالب. وكان من المُمكن حمل كلٍّ من المحمولين على الموضوع بالإيجاب — ونتج عن هذه نتيجة موجبة؛ فمثلًا كل إنسان هو طائر، وكل إنسان هو لا فرس. أنتج أن شيئًا مما يُوصف بأنه لا طائر هو لا فرس. ويرى السُّهرَورْدي أننا إذا جعلنا الجهات والسلوب أجزاء للمحمول في المقدمتين، استغنينا عن ضروب كثيرة. ثم يقول: «مدار هذا الشكل هو تيقُّن اتصاف شيء واحد بشيئين، ومخرجه عن الشكل الأول أن هذين القولين قضيتان فيهما شيء ما وُصف بكلا المحمولين، وكل قضيتَين فيهما شيء ما وصف بكلا المحمولين، فبعض موصوفات أحد المحمولين يوصف بالآخر، فهذان القولان هكذا حالهما.»١٥٢

القضايا الشرطية وقياس الخلف

يذكر السُّهرَورْدي أننا قد نُؤلِّف من الشرطيات قضايا اقترانية، مثل قولنا: كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، وكلما كان النهار موجودًا فالكواكب خفية، إذن كلما كانت الشمس طالعة فالكواكب خفية. ولا يُضيف السُّهرَورْدي شيئًا في هذا الباب وإنما يقول: «الشرايط والحدود حالها كما سبق.»١٥٣
أما قياس الخلف فيعرفه السُّهرَورْدي بقوله: «القياس الذي يتبيَّن فيه حقية المطلوب بإبطال نقيضه.»١٥٤ أي يبرهن فيه المطلوب عن طريق إبطال نقيضه، أو كما يحدده الشيرازي شارح كتاب حكمة الإشراق: «الاستدلال بامتناع أحد على حقية النقيض الثاني.»١٥٥ وتركب من قياسين؛ قياس اقتراني وقياس استثنائي، فإذا أردنا أن نثبت أن لا شيء من الإنسان جماد، فنثبت ذلك عن طريق إبطال نقيضها، وهو أن الإنسان جماد؛ وذلك عن طريق قياس شرطي، وهو أنه إذا كان بعض الإنسان جمادًا لم يكن كل الإنسان حيوانًا؛ لأنه لا شيء من الجماد بحيوان، وينتج ليس كل إنسان حيوانًا، ويلزم أن يكون بعض الإنسان جمادًا؛ أي إذا كذب لا شيء من:
«أ ب» يصدق بعض «ب أ»، وإذا أردنا أن نثبت أن لا شيء من «أ ب»، نثبت ذلك عن طريق فرض أن بعض «أ ب»، وإذا بعض «أ ب» وكان هذا باطلًا، وهي أن بعض الإنسان جماد، ونقيضها صحيح، وهو المطلوب؛ أي «لا شيء من الإنسان جماد»؛ أي أثبتنا صدق هذه القضية عن طريق إثبات بطلان نقيضها أو لازم نقيضها.»١٥٦
وما ذكرناه الآن توضيح لفكرة البرهان كما عرضها السُّهرَورْدي وشارحه، وجديد فيها، على حد تعبير السُّهرَورْدي نفسه، والذي يقول عن القياسات الشرطية بأن «شرائطها تشبه شرائط القياس الحملي. ولذلك لم يَجِدِّ السُّهرَورْدي لتكرار بحثها.»١٥٧

مواد الأقيسة البرهانية

أما من حيث مادة البراهين؛ ﻓ «السُّهرَورْدي» لا يستعمل إلا مادة يقينية، سواء أكانت فطرية أم ما يَنبني على فطري على قياس صحيح. والحدسيات عند السُّهرَورْدي تشمل المجريات، وهي مشاهدات مفيدة يقينية تحدث بالتكرار والمتواترات، وهي شهادات يقينية لكثرتها بعيدة عن التواطؤ، ومؤيدة بالقرائن. أما المشهورات والمخيلات فكلها لا تُفيد اليقين؛ فواضح أن اليقين عند السُّهرَورْدي هو الحدس، والحدس يشمل المتواترات والمشاهدات؛ أي الوحي والمعرفة الإنسانية على حد سواء.١٥٨
أما طرق الاستدلال الأخرى كقياس التمثيل، والذي يُحدده السُّهرَورْدي بقوله: «ما يُدَّعَى فيه شمول حكم لأمرين، بناء على شمول معنى واحد لهما.»١٥٩ ويعني بذلك القياس الفقهي، وهو برأيه «غير مفيد لليقين، لاحتمال أن يكون مناط الحكم وصف غفلوا عنه.» ويذكر السُّهرَورْدي العديد من الاعتراضات التي وجهت للقياس الفقهي، والتي تحفل بها كتب أصول الفقه والكلام، من كون الحكم مخصوصًا بالأصل ولا يتعدَّى، أو أنه لمجموع الأوصاف لا لعلَّة واحدة، أو كون العلة المحددة عن طريق السبر والتقسيم قابلة للانقسام، والحكم ملائم لأحدهما فقط أو غفلتهم عن وصف هم مناط الحكم … ويُضيف الشيرازي شارح حكمة الإشراق: «هذا استقراء ناقص؛ فيجوز أن يكون حال ما لم يُستقرأ يخالف حال مَن استقرئ.» والكثير من الانتقادات التي ذكرها قد طرحت للنقاش من قبل الأصوليين أنفسهم، وتجادلوا فيها، ورد بعضهم عن بعض. وكون قياس التمثيل يُفيد الظن لا اليقين، فهذا الرأي قد أخد به الكثير من الفقهاء، على اعتبار أنَّ اليقين يستند إلى النص القطعي، أما القياس فهو اجتهاد.١٦٠

هذه هي أهم الجوانب المتعلِّقة بالمنطق كما تناولها السُّهرَورْدي في نقاشه لها، وقد حاولنا أن نركز على الجانب النقدي دون الجانب الذي اتَّفق فيه مع المشائين، وإن كنا ذكرنا الكثير من آرائه التي وافقت آراء المشائين؛ فذلك بهدف توضيح فكره المنطقي بشكل كامل.

١  د. محمد السرياقوسي: النتائج الجوهرية لعدم دقة أرسطو المنطقية، الجزء الأول، ضمن بحوث ومقالات في المنطق، الدار الفنية للنشر والتوزيع، القاهرة، ١٩٨٨م، ص٣١.
٢  الفارابي: إحصاء العلوم، تحقيق د. عثمان أمين، الأنجلو المصرية، ١٩٦٨م، ص٦٧٠.
٣  ابن سينا: النجاة في الحكمة الطبيعية والإلهية، ص٤٤.
٤  ابن سهلان الساوي: البصائر النصيرية في علم المنطق، تحقيق الإمام محمد عبده، المطبعة الأميرية ببولاق، القاهرة، ١٨٩٨م، ص٤.
٥  د. محمد السرياقوسي وآخرون: أساليب البحث العلمي، مكتبة الفلاح، الكويت، ١٩٨٨م، ص٩٥.
٦  الغزالي: المُستصفى في علم الأصول، القاهرة، ١٣٣٢ﻫ، ج١، ص١٠.
٧  الغزالي: القسطاس المستقيم، ضمن مجموعة القصور العوالي من رسائل الإمام الغزالي، مكتبة الجندي، القاهرة، بدون تاريخ طبع، ج١، ص١٤.
٨  الغزالي: المنقذ من الضلال، ومعه كيمياء السعادة والقواعد العشرة والأدب في الدين، مكتبة الجندي بالقاهرة، بدون تاريخ، ص١٨.
٩  \hspace{-4pt} فتوى ابن الصلاح في تحريم المنطق مشهورة، وكان قد سئل عمن اشتغل بالمنطق والفلسفة تعلمًا وتعليمًا، وهل المنطق مما أباح الشارع تعلمه وتعليمه؟ وهل نقل عن الصحابة والتابعين والأئمة المُجتهدين إباحته أو الاشتغال به؟ وهل يجوز أن يستعمل في إثبات الأحكام الشرعية الاصطلاحات المنطقية أم لا؟ إلى آخر الفتوى؛ فأجاب رحمه الله تعالى بما مُلخَّصه: الفلسفة أس السفه والانحلال، ومادة الحيرة والضلال. ثم بالغ في ذم الفلسفة وازدرائها، ثم قال: «وأما المنطق فهو مدخل الفلسفة، ومدخل الشر شر، وليس الاشتغال بتعليمه وتعلمه مما أباحه الشارع، ولا استباحه أحد من الصحابة والتابعين، والأئمة المُجتهدين، والسلف الصالحين، وسائر من يَقتدي بهم من أعلام الأمة وسادتها» … ثم ذكر أن استعمال الاصطلاحات المنطقية في مباحث الأحكام الشرعية من الأمور المُستحدَثة والمنكرات المُستبشعة، وليس بالأحكام الشرعية — والحمد لله — افتقار إلى المنطق أصلًا إلى آخر الجواب. فهل يُقال بعد ذلك إن الصحيح المشهور جوازه بشرط المكنة من العلوم الشرعية، فضلًا عن جوازه مطلقًا، فضلًا عن وجوبه على الأعيان أو الكفاية؟ سبحانك هذا بهتان عظيم! لكن قد يُقال يجوز حكايته لبيان عوره، وإثبات فساده، وعديم فائدته، مثله في ذلك مثل الأحاديث الموضوعة، تُحكى لبيان وضعها وفسادها. انظر د. عبد الرحمن بدوي: التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، دار النهضة المصرية، القاهرة، ١٩٤٠م، ص١٢٣–١٢٥.
١٠  د. أبو الوفا التفتازاني: ابن سبعين وفلسفته الصوفية، ص٢٠٦.
١١  نيقولا ريشر: تطور المنطق العربي، ترجمة د. محمد مهران، دار المعارف، ١٩٨٥م، ص٤١٨.
١٢  د. إبراهيم مدكور: بين السُّهرَورْدي وابن سينا، ص٧٥.
١٣  السُّهرَورْدي: اللمحات في الحقائق، المقدمة، ص٢١–٢٣.
١٤  المصدر السابق، ص٢٤، ٢٥.
١٥  المصدر نفسه، ص٢٧، ٢٨.
١٦  د. محمد مصطفى حلمي: حكيم الإشراق وحياته الروحية، ص٧٦.
١٧  السُّهرَورْدي: التلويحات اللوحية والعرشية، ص٢.
١٨  المصدر السابق، ص١٢.
١٩  المصدر نفسه، ص١٧.
٢٠  المصدر نفسه، ص٣٤.
٢١  السُّهرَورْدي: المقاومات، ص١٢٤.
٢٢  السُّهرَورْدي: المشارع والمطارحات، ص١٩٤.
٢٣  المصدر السابق، ص١٩٥.
٢٤  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص٤.
٢٥  د. عبد الرحمن بدوي: المثُل العقلية الأفلاطونية، دار القلم، بيروت، بدون تاريخ، ص٩، ١٠.
٢٦  د. ماجد فخري: تاريخ الفلسفة الإسلامية، ترجمه عن الإنجليزية د. كمال اليازجي، نشرته دار المتحدة، ١٩٧٤م، ص٤٠٥، ٤٠٦.
٢٧  انظر: مقدمة الشَّهرَزُوري لكتاب حكمة الإشراق ﻟ «السُّهرَورْدي»، ص٣، ٤.
٢٨  د. علي سامي النشار: فيدون في العالم الإسلامي، ضمن كتاب الأصول الأفلاطونية، دار المعارف، الإسكندرية، ١٩٦٦م، ص٢١١.
٢٩  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص١١، ١٢.
٣٠  السُّهرَورْدي: هياكل النور، ص٢٨، ٢٩.
٣١  د. إبراهيم مدكور: الفلسفة الإسلامية … منهج وتطبيق، الجزء الأول، ط٣، دار المعارف، القاهرة، ص٥٤.
٣٢  د. محمد علي أبو ريان: أصول الفلسفة الإشراقية، ص١٤٣. وانظر أيضًا د. أبو ريان: الإشراقية مدرسة إسلامية: مناقشة قضية المصدر الإيراني، بحث نشر ضمن الكتاب التذكاري شيخ الإشراق، القاهرة، ١٩٨٠م، ص٣٥. وانظر أيضًا د. أبو ريان: تاريخ الفلسفة في الإسلام، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، ١٩٨٠م، ص٥٤٤، ٥٤٥.
٣٣  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص٢٣، ٢٤.
٣٤  قطب الدين الشيرازي: شرح حكمة الإشراق، ص٣٠.
٣٥  المصدر السابق، ص١١٥، ١١٦.
٣٦  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص١٦.
٣٧  الشيرازي: شرح حكمة الإشراق، ص٧٠، ٧١.
٣٨  د. عثمان أمين: الفلسفة الرواقية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ١٩٧١م، ص١٣١.
٣٩  السيوطي: صون المنطق، ص٣٢٣.
٤٠  المصدر السابق، ص٣٣٣.
٤١  جولد زيهر: موقف أهل السنة القدماء بإزاء علوم الأوائل، ترجمة د. عبد الرحمن بدوي، ضمن كتابه «التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية … دراسة لكبار المستشرقين»، طبع النهضة المصرية، القاهرة، ١٩٤٦م، ص١٤٨، ١٤٩.
٤٢  د. علي سامي النشار: فيدون في العالم الإسلامي، ص٢٩٢.
٤٣  د. علي سامي النشار: مناهج البحث، ص٧٠، ٧١.
٤٤  ابن سينا: الإشارات والتنبيهات، تحقيق د. سليمان دنيا، دار المعارف، القاهرة، ١٩٤٧م، ص٣٧.
٤٥  المصدر السابق، ص٤٠.
٤٦  المصدر نفسه، ص٣٠.
٤٧  المصدر نفسه، ص٩٦.
٤٨  المصدر نفسه، ص١٣٨.
٤٩  المصدر نفسه، ص١٤٧.
٥٠  المصدر نفسه، ص٣١١.
٥١  المصدر نفسه، ص٢٧٤.
٥٢  د. جعفر آل ياسين: المنطق السينوي … عرض ودراسة للنظرية المنطقية عند ابن سينا، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، ١٩٨٣م، ص٧.
٥٣  نيقولا ريشر: تطور المنطق العربي، ص٣٥٦.
٥٤  ابن سينا: المدخل (جزء المنطق من الشفاء)، وزارة المعارف العمومية، القاهرة، ١٩٥٢م، ص ١١.
٥٥  ابن سينا: منطق المشرقيين، طبعة المكتبة السلفية، القاهرة ١٣٢٨ﻫ/١٩١٠م، ص٣، ٤.
٥٦  السُّهرَورْدي: المشارع والمطارحات، ص١٩٥.
٥٧  د. محمد علي أبو ريان: الإشراقية مدرسة أفلاطونية، ص٥٨.
٥٨  د. إميل المعلوف: كتاب اللمحات ﻟ «السُّهرَورْدي»، ص٢٩.
٥٩  نللينو (كارل ألفونسو): محاولة المسلمين إيجاد فلسفة شرقية، ترجمة د. عبد الرحمن بدوي، ضمن كتاب التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، طبع النهضة المصرية، القاهرة، ١٩٦٤م.
٦٠  ناصر محمد يحيى ضميرية: نقد المنطق الأرسطي بين السُّهرَورْدي وابن تيمية، ص١٠.
٦١  ابن تيمية: الرد على المنطقيين، ص٣. وانظر أيضًا محمد إقبال: تجديد التفكير الديني في الإسلام، ترجمة عباس محمود، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، ١٩٦٨م، ص١٤٧، ١٤٨.
٦٢  ابن تيمية: نقض المنطق، دار المعرفة، دمشق، بدون تاريخ طبع، ص٨٤.
٦٣  الشيخ مصطفى عبد الرازق: فيلسوف العرب والمعلم الثاني، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، ١٣٦٤ﻫ/١٩٤٥م، ص١٢٥.
٦٤  انظر تفاصيل ذلك لدى الباحث السوري ناصر محمد يحيى ضميرية: نقد المنطق الأرسطي بين السُّهرَورْدي وابن تيمية، ص٢٥٧.
٦٥  السُّهرَورْدي: التلويحات العرشية، ص٧٤، المشارع والمطارحات، ص٧٨.
٦٦  د. سيد حسين نصر: شيخ الإشراق، ص٣٤.
٦٧  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص١٥٦.
٦٨  المصدر السابق، ص١٤.
٦٩  المصدر نفسه، ص٢٥.
٧٠  المصدر نفسه، ص٢٨.
٧١  الشيرازي: شرح حكمة الإشراق، ص٥٢–٦٥.
٧٢  المصدر السابق، ص٥٦.
٧٣  د. ماجد فخري: السُّهرَورْدي ومآخذه على المشائين العرب، بحث نشر ضمن الكتاب التذكاري شيخ الإشراق، القاهرة، ١٩٨٠م، ص١٥٩.
٧٤  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص٢١.
٧٥  المصدر السابق، ص٢١.
٧٦  الشيرازي: شرح حكمة الإشراق، ص٦١.
٧٧  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص٧٣، ٧٤.
٧٨  المصدر السابق، ص١٨.
٧٩  الشيرازي: شرح حكمة الإشراق، ص٥٣.
٨٠  المصدر السابق، ص٥٤.
٨١  المصدر نفسه، ص٥٤، ٥٥.
٨٢  المصدر نفسه، ص٥٥، ٥٦.
٨٣  ابن رشد: تلخيص كتاب المقولات، تحقيق بويج، بيروت، ١٩٣٢م، ص١٢.
٨٤  ابن سينا: الشفاء، جزء المنطق (المقولات)، القاهرة، سنة ١٩٥٩م، تعليق د. إبراهيم مدكور، ص٦، ٧.
٨٥  السُّهرَورْدي: التلويحات، ص١١، ١٢. وانظر أيضًا: المشارع والمطارحات، ص٢٨٣، ٢٨٠. وانظر كذلك ناصر محمد يحيى ضميرية: نقد المنطق الأرسطي بين السُّهرَورْدي وابن تيمية، ص ١٣٦، ١٣٧.
٨٦  السُّهرَورْدي: المشارع والمطارحات، ص٢٧٨.
٨٧  التهانوي: محمد الفاروقي، كشاف اصطلاحات الفنون، طبعة كلكتا، ١٨٩٢م، ج٢، ص٩٨٧.
٨٨  السُّهرَورْدي: التلويحات، ص١٢، المشارع والمطارحات، ص٢٨٤.
٨٩  السُّهرَورْدي: التلويحات، ص١٢.
٩٠  د. ماجد فخري: السُّهرَورْدي ومآخذه على المشَّائين العرب، بحث نشر ضمن الكتاب التذكاري ﻟ «السُّهرَورْدي»، القاهرة، ١٩٨٠م، ص١٥٨.
٩١  السُّهرَورْدي: المشارع والمطارحات، ص٢٨٤.
٩٢  الشيرازي: شرح حكمة الإشراق، ص١٠٤.
٩٣  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص٢٦، ٢٧.
٩٤  الشيرازي: المصدر السابق، ص١٠٥.
٩٥  د. حسن حنفي: بين حكمة الإشراق والفينومينولوجيا، ص٢٢٨، ٢٢٩.
٩٦  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص٢٥. وانظر أيضًا: الشيرازي: شرح حكمة الإشراق، ص٧١–٧٣.
٩٧  د. حسن حنفي: المرجع السابق، ص٢٢٩، ٢٣٠.
٩٨  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص٢٩.
٩٩  الشيرازي: شرح حكمة الإشراق، ص٨٥.
١٠٠  السُّهرَورْدي: المصدر السابق، ص٢٩، ٣٠.
١٠١  الشيرازي: شرح حكمة الإشراق، ص٨٥.
١٠٢  المصدر السابق، ص٨٥، ٨٦.
١٠٣  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص٣٠.
١٠٤  صدر الدين الشيرازي: شرح حكمة الإشراق، التعليقات، ص٨٥.
١٠٥  المصدر السابق، ص٧١.
١٠٦  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص٣٠، ٣١.
١٠٧  د. علي سامي النشار: المنطق الصوري منذ أرسطو من عصورنا الحاضرة، دار المعارف، القاهرة، ١٩٦٧م، ص٣١٥، ٣١٦.
١٠٨  الشيرازي: شرح حكمة الإشراق، ص٨٦، ٨٧.
١٠٩  المصدر السابق، ص٨٦.
١١٠  د. علي سامي النشار: مناهج البحث، ص٢٢٦.
١١١  المرجع السابق، ص٢٢٦، ٢٢٧.
١١٢  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص٣١.
١١٣  المصدر السابق، ص٣١.
١١٤  الشيرازي: شرح حكمة الإشراق، ص٨٨.
١١٥  د. علي سامي النشار: المرجع السابق، ص٢٢٧.
١١٦  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص٣١.
١١٧  المصدر السابق، ص٢٥.
١١٨  المصدر نفسه، ص٢٥.
١١٩  المصدر نفسه، ص٣١.
١٢٠  الشيرازي: شرح حكمة الإشراق، ص٨٨.
١٢١  السُّهرَورْدي: المصدر السابق، ص٣١.
١٢٢  الشيرازي: المصدر السابق، ص٨٩، ٩٠.
١٢٣  المصدر نفسه، ص٩١، ٩٢.
١٢٤  السُّهرَورْدي: المصدر السابق، ص٣٢.
١٢٥  الشيرازي: شرح حكمة الإشراق، ص٩٢.
١٢٦  المصدر السابق، ص٩٢، ٩٣.
١٢٧  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص٣٩.
١٢٨  الشيرازي: شرح حكمة الإشراق، ص٩٣، ٩٤.
١٢٩  المصدر السابق، ص٩٤، ٩٥.
١٣٠  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص٢٢.
١٣١  السُّهرَورْدي: اللمحات في الحقائق، ص٧٣، ٧٤.
١٣٢  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص٣٤.
١٣٣  المصدر السابق، ص٣٤.
١٣٤  المصدر نفسه، ص٣٤، ٣٥.
١٣٥  المصدر نفسه، ص٣٥.
١٣٦  المصدر نفسه، ص٣٥.
١٣٧  الشيرازي: شرح حكمة الإشراق، ص١٠٢.
١٣٨  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص٣٦.
١٣٩  المصدر السابق، ص٣٦.
١٤٠  المصدر نفسه، ص٣٧.
١٤١  الشيرازي: المصدر السابق، ص١٠٩، ١١٠.
١٤٢  المصدر نفسه، ص١١٠.
١٤٣  الشيرازي: شرح حكمة الإشراق، ص١١٠.
١٤٤  المصدر السابق، ص١١٠، ١١١.
١٤٥  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص٢٧.
١٤٦  المصدر السابق، ص٢٧، ٢٨.
١٤٧  المصدر نفسه، ص٣٧.
١٤٨  الشيرازي: شرح حكمة الإشراق، ص١١١، ١١٢.
١٤٩  السُّهرَورْدي: المصدر السابق، ص٣٧.
١٥٠  الشيرازي: المصدر السابق، ص١١٢، ١١٣.
١٥١  السُّهرَورْدي: حكمة الإشراق، ص٣٧.
١٥٢  المصدر السابق، ص٣٩، ٤٠.
١٥٣  المصدر نفسه، ص٣٩.
١٥٤  المصدر نفسه، ص٤٠.
١٥٥  الشيرازي: المصدر السابق، ص١١٨.
١٥٦  ناصر محمد يحيى ضميرية: نقد المنطق الأرسطي بين السُّهرَورْدي وابن تيمية، ص٢٠٨.
١٥٧  الشيرازي: شرح حكمة الإشراق، ص١١٤.
١٥٨  السُّهرَورْدي: المصدر السابق، ص٤١، ٤٢.
١٥٩  المصدر نفسه، ص٤٢، ٤٣.
١٦٠  الشيرازي: المصدر السابق، ص١٢٨. وانظر أيضًا: ناصر محمد يحيى ضميرية: المرجع السابق، ص٢٠٨.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤