الفصل الخامس

النزعة الصوفية في المنطق الأوروبي الحديث

تمهيد

لقد بيَّنا في الفصل الثاني من موضوع البحث: المنطق وعلاقته بنظرية المعرفة الصوفية عند السُّهرَورْدي، «حيث اتَّضح أن المنطق عند السُّهرَورْدي يعني سياقًا آخر وطريقًا أقرب من تلك الطريقة وأضبط وأنظم وأقل إتعابًا في التحصيل»؛ كما يعني أيضًا «الآلة الواقية للفِكر مختصرة مضبوطة بضوابط قليلة العدد كثيرة الفوائد.»

ويرجع السُّهرَورْدي مصدر هذا التعريف إلى الذوق مصداقًا لقوله: «ولم يحصل لي أولًا بالفكر، بل كان حصوله بأمر آخر مثلًا ما كان يُشكِّكني فيه مشكك.» وهذا التعريف للمنطق عند السُّهرَورْدي يتَّفق مع مذهبه العام الذي يؤمن به ويَعتقده.

والموضوعية العِلمية تجعلنا نحاول أن نثبت أن هذه المحاولة جديدة من نوعها في المنطق العربي، ويُمكن تلمُّسها في المنطق الأوروبي الحديث، وذلك على النحو التالي:

أولًا: تعريف المنطق وربطه بالمعرفة

ليست المشكلة المنطقية بحثًا نظريًّا مجردًا، وإنما هي إشكالية الواقع في ذاته، من حيث هي إمكان إدراكه على ما هو عليه، ووسائل هذا الإدراك. وذلك مرتبط بمعنى الوجود ذاته؛ إذ إنَّ تحديد هذا المعنى سيصوغ الآلية التي يُمكن من خلالها التعامل معه؛ فمسألة الوجود هي المحور الذي تدور حوله نظرية المعرفة، من حيث طبيعة المعرفة البشرية وآلياتها ومداها؛ فهي تتعلَّق بمسألة الحقيقة وقدرة العقل على الوصول إلى اليقين. فهل مجال العقل يَنحصِر في إطار الوجود الطبيعي أو يتجاوَز ذلك إلى ما بعد الطبيعة؟ أوليس للعقل قدرة على الوصول إلى اليقين ويجب تعليق الحكم؟! وإذا كان المنطق بالمعنى العام يشير إلى العمليات العقلية الهادفة إلى معرفة الحقيقة أو الشروط التي نَنتقل بها من حقيقة ثابتة لدينا إلى حقيقة أخرى، أو الانتقال من المعلوم إلى المجهول، أو رد ما هو مشكوك فيه إلى ما يعد يقينًا، فإن الخلاف سيتركَّز في تحديد نقطة البداية؛ أي ما الذي يعد يقينًا.١
هنا نجد أن الأمر لم يَعُد يستند إلى رؤية منطقية نسقية موضوعية، وإنما إلى رؤية فكرية وفلسفية يتحدَّد من خلالها مفهوم العقل ودوره في المعرفة؛ وذلك ما تجلَّى واضحًا من خلال النظريات المنطقية التي طُرحت، والتي تعكس بوضوح رُؤى فلسفية وميتافيزيقية. فمن خلال نقدها لطبيعة أو قيمة نوع ما من المعرفة، فإنَّها لا تفعل ذلك إلا لتعارُضها مع معرفة أخرى تُعدُّ معرفة يقينية بذاتها؛ فهي نقد لنوع محدد من المعرفة لا نقد للمعرفة على العموم؛ فالجانب المنطقي لدى أي مفكر أو فيلسوف هو جزء من نسق فكري عام يتَّسم بالشمول والاتساق، ونظرية المنطق بارتباطها الوثيق مع نظرية المعرفة تسعى لبيان قدرة العقل على إدراك الواقع ومعرفته، ووسائل هذه المعرفة وحدودها، ليتمَّ بعد ذلك صياغة هذه الوسائل على هيئة نسق مُترابط من الآراء المنطقية يطرح تصورًا عامًّا عن المعرفة من حيث طبيعتها وأصلها وقيمتها ووسائلها وحدودها.٢ وهذا ما شكَّل محور هذا البحث من خلال تتبُّع النزعة الصوفية في المنطق عند السُّهرَورْدي في ضوء المنطق الحديث، وأجد لزامًا عليَّ أن أُقدم نماذج من المناطقة المحدثين لتتبُّع تلك النزعة لديهم على سبيل المثال لا الحصر على النحو التالي:

(١) برنارد بوزانكيت

نجد دعاة المثالية الذاتية، وعلى رأسهم «برنارد بوزانكيت» B. Bosanquet يعدُّون المنطق: «علم صوري وأن العلوم كلها صورية»؛٣ وهذا التعريف يُحاول دعاة المثالية الذاتية دمجه داخل نظريتهم في المعرفة، حيث يقول بوزانكيت: «إنَّ طالب المنطق الذي لا يعرف المثالية الذاتية Subjective idealism لا يُمكن أن يتبيَّن مشكلة المنطق الحقيقية بغير استيعاب المثالية الذاتية.»٤
فدعاة المثالية يرون أنه إذا كان المنطق علمًا صوريًّا؛ بمعنى أنه يعالج صورة المعرفة لا محتواها أو مادتها، وصورة أي موضوع هي ما يبدو عليه هذا الموضوع، وما يُمكن للعقل أن يحتويه، بينما يبقى الموضوع كحقيقة فيزيقية كما هو.٥

(٢) الوضعية المناطقة

كما نجد دعاة الوضعية المنطقية يعرفون بأنه «علم يبحث في صورة الفكر»؛٦ هذا التعريف للمنطق حاول دعاة الوضعية المنطقية فهمه داخل نظريتهم في المعرفة التي تقول إن صور الفكر انطباعات تقع على الحواس؛ فكل فكرة أو تصور يصدر عن الحواس، وليست الأفكار التي تَعتبرها أولية إلا أفكارًا مركبة من تلك الأفكار الحسية. وهذه المعرفة يمكن تحليلها — من وجهة نظر «راسل» و«فيتجنشتين» بصفة خاصة — إلى ذرات أولية، والذرة الواردة عنها هي قضية أولية يكون موضوعها فردًا واحدًا أو جماعة من أفراد.٧
إنَّ أبرز ما يطرحه دعاة الوضعية المنطقية، هو تأكيد أن معرفتنا عن العالم تأتي عن طريق «التجربة» وحدها، وأن الفلسفة تقوم بالتحليل المنطقي، شأنها شأن بقية العلوم، مُعتمِدين في ذلك على المنطق الرياضي المعاصر آنذاك (نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين)، فقد ظهر في تلك الفترة ما سُمي ﺑ «المنطق الرياضي أو الرمزي». يقول برتراند راسل: «بإمكان إرجاع جميع المفاهيم الرياضية إلى علاقات تقوم بين الأعداد الطبيعية، وأن هذه العلاقات ذات طبيعة منطقية بحتة.» ونتيجة لذلك افترض راسل أنه يمكن استنباط الرياضيات كلها من المنطق. أمام هذه التصورات (فعالية المنهج التحليلي المنطقي) راح راسل بعيدًا ليقول أيضًا بإمكان حل المسائل الفلسفية، وأن المنطق هو لب الفلسفة. بينما أعلن تلميذه فيتجنشتين أن الفلسفة ليست نظرية، وإنما هي فعالية، وهذه الفعالية تكمن في نقد اللغة؛ أي التحليل المنطقي لها؛ فالفلسفة التقليدية برأيه تقود إلى الاستعمال غير الصحيح للغة، لذلك قال بضرورة وضع لغة كاملة تنص عباراتها إما على أحكام بخصوص الوقائع (العلوم التجريبية)، أو على تحصيل حاصل كما في الرياضيات والمنطق.٨
إن ما يجمع أصحاب التيار الوضعي هو:
  • (١)

    إيمانهم بأن مهمة الفلسفة هي تحليل لما يقوله العلماء، لا التفكير التأمُّلي الذي ينتهي بالفيلسوف إلى نتائج يصف بها الكون ونتائجه.

  • (٢)

    ضرورة حذف الميتافيزيقا من مجال الكلام المشروع؛ لأنَّ تحليل عباراتها الرئيسية تحليلًا منطقيًّا بيَّن أن عبارات مثل: «الضرورة – الجوهر – الضمير … إلخ» لا معنى لها، وبالتالي لا يُمكن وصفها بالصواب.

  • (٣)

    ضرورة الاتفاق على أنَّ العلاقة بين السبب والمسبب هي علاقة ارتباط في التجربة، لا علاقة ضرورة عقلية.

  • (٤)

    ضرورة اعتبار القضايا الرياضية وقضايا المنطق الصوري تحصيل حاصل لا تُضيف إلى العلم الخارجي علمًا جديدًا؛ فالقضية الرياضية مثل: ٢ + ٢ = ٤، ما هي إلا تكرار لحقيقة واحدة، أو لرمزَين مختلفَين.

  • (٥)

    كل شيء لا يَخضع للتجربة والتحليل غير مُفكر به.

  • (٦)

    ضرورة تأكيد أنَّ وظيفة الفلسفة وعملها هو تحليل المعرفة، وبخاصة المتعلِّقة بالعلم، وأن المنهج المُتبع هو تحليل لغة العلم.

(٣) الواقعية الجديدة

كما نجد أيضًا أنصار الواقعية الجديدة يعدون المنطق علم البرهان، «بمعنى أنه جزء من نظرية المعرفة بالمعنى الفلسفي، ومعنى ذلك أن المنطق ليس علمًا مُستقلًّا، بل هو جزء من مباحث الفلسفة وهو نظرية المعرفة»؛ وهذه النظرية تقول بوجود عالم خارجي مُستقلٍّ عن أي عقل يدركه وعن جميع أفكار أو أحوال ذلك العقل، وليست الأمور المدركة في التجربة سوى رموز في العقل، ولكنها رموز تدل على حقائق خارجية واقعية.٩
وكما تختلف النظرية المنطقية باختلاف الأساس الذي يذهب إليه الفيلسوف في نظريته في المعرفة، فكذلك تختلف النظرية المنطقية باختلاف الأساس الذي يُبْتَنَى عليه العلم في العصر المعين، فكلما غيَّر العلم عن أساسه تغيرت معه نظرية المنطق؛ وذلك لأن المنطق إن هو إلا تحليل لمفاهيم العلم وطرائقه تحليلًا يبرز صورها؛ فقد كان العلم عند اليونان قائمًا على فلسفة بعينها هي الوجود، وجاء المنطق الأرسطي صورة أمينة تبعًا لذلك، وكما تختلف النظرية المنطقية باختلاف الأساس الذي يبنى عليه العلم في عصر معين، كذلك تختلف باختلاف المذهب الفلسفي الذي يذهب إليه صاحب تلك النظرية، فقد يعيش في العصر العلمي الواحد أكثر من فيلسوف ينتمون إلى أكثر من مذهب فلسفي واحد. من ثم تراهم يختلفون في تحليل الأساس العلمي الذي يجعلونه هدفهم ومدار بحثهم، ففي عصرنا هذا مثاليون وواقعيون وبراجماتيون ومنطقيون ووضعيون، ولكلٍّ من هؤلاء وجهة للنظر تنعكس على النظرية المنطقية عندهم.١٠

ومن ثمَّ فقد أوَّل كثير من المناطقة المُحدَثين وضع تعريفات خاصة من هذا القبيل للمنطق القديم، وهي تثبت فيه اعتبارات ميتافيزيقية ونفسانية وبيولوجية ولغوية.

ولكن الأكثر دلالة هو مُحاولة بعض المناطقة المحدثين ربط المنطق بالرياضة، ومحاولة تعريفه على هذا النحو.

ومن هذه التعريفات تعريف «جيوسيب بيانو» Peano للمنطق الرياضي بأنه المنطق «الذي يدرس خصائص الإجراءات والعلاقات الخاصة بالمنطق، وأن موضوعه هو صياغة أبسط نسق من المفاهيم المنطقية صياغة تجعل منه شيئًا ضروريًّا وكافيًا لتمثيل الحقائق الرياضية وبراهينها تمثيلًا رمزيًّا.»١١
ويُعبِّر كلٌّ من هلبرت Hilbert وأكرمان Ackermann عن المعنى نفسه بطريقة مختلفة إلى حد ما بقولهما: «إن المنطق الرياضي — وليُسمَّ كذلك المنطق الرمزي — امتداد للمناهج الصورية الخاصة بالرياضيات إلى مجال المنطق.»١٢
كما يعرف راسل Russell المنطق الرمزي الحديث بأنه «العلم الذي يبحث في القواعد العامة التي تجرى الاستدلال عليها.»١٣
وهنا يتَّضح أن هذه التعريفات للمنطق تنبع من وجهات نظر خاصة، والسُّهرَورْدي قد قام بهذه المحاولة حين عرف المنطق تعريفًا خاصًّا يتَّفق مع مذهبه العام القائم على الإشراق، وهو بهذا يعتبر إلى حد ما سابقًا للمناطقة المُحدَثين؛ حيث يحظى المنطق الأوروبي الحديث بمناطقة حاولوا وضع تعريفات خاصة للمنطق. ومِن هذه التعاريف على سبيل المثال:
  • (أ)
    تعريف جيفونز Jevons الذي يرى أن المنطق هو علم قوانين الفكر The Lows of Thought.١٤ هذا التعريف للمنطق يَنطوي على بعد ميتافيزيقي؛ لأنه يُحاول أن يجعل من المنطق قوانين عامة تخضع لها كل الكائنات.
  • (ب)
    أما كينز Keynes فيعرف المنطق بأنه العلم الذي يبحث في المبادئ العامة للتفكير الصحيح، وموضوعه البحث في خواص الأحكام، لا بوصفها ظواهر نفسية، بل من حيث دلالتها على معارفنا ومعتقداتنا، ويعنى على الأخص بتحديد الشروط التي بها تُبرز انتقالنا من أحكام معلومة إلى أخرى لازمة عنها.١٥

هذا التعريف للمنطق يَنطوي على بعد مثالي يختصُّ أساسًا بما ينبغي أن نفكر فيه، ولا يبحث فيما يكون عليه تفكيرنا إلا عن طريق مباشر، كوسيلة فحسب. ومن ثم ينبغي أن يوصف بأنه علم معياري أو منظم، وهو يَشترك مع علم الأخلاق وعلم الجمال في هذه الناحية، فإذا كان المنطق يبحث في القواعد العامة للسلوك الصحيح؛ فالجمال يبحث في القواعد العامة للذوق الصحيح.

ثانيًا: أبعاد الحكمة البحثية والذوقية لدى مُفكري العصر الحديث

إذا كان برتراند راسل قد أشار في كتابه المنطق والتصوف إلى أن أعظم الرجال في تاريخ الفكر الإنساني هم الذين قد جمعوا بين عناصر المعرفة العقلية وعناصر الإدراك الصوفي؛ فقد تلمَّس الباحث هذه المحاولة لدى السُّهرَورْدي على أنه فيلسوف إسلامي قام بهذه المحاولة على الوجه الأكمل.١٦

ويرى الباحث أن هناك من مُفكري العصر الحديث في أوروبا استطاعوا أن يجمعوا في فلسفتهم بين الحكمة البحثية والحكمة الذوقية، وإن كانوا عبروا عنها في صور مختلفة تتَّفق مع فلسفتهم الخاصة، فنجد مثلًا:

(١) باسكال Pascal (١٦٢٣–١٦٦٢م)

جمع باسكال بين الحكمة البحثية والحكمة الذوقية، وذلك في بيان حديثه عن نوعين من العقل العلمي Scientific reason والعقل الشعوري Reason of the heart، الأول مصدره البرهان، والثاني مصدره القلب. ولقد عرف باسكال أهمية العقلين للمعرفة؛ فالمعرفة المنطقية المبنية على الإثبات والبرهان المنطقي هي المعرفة العلمية لها قيمتها عند باسكال، ولكن لا يَعتقد أن معرفة الأشياء جميعًا تأتي عن طريق البرهان. لقد بحث باسكال عن أبعاد أخرى للمعرفة ووجدها في القلب؛ لأن العقل العلمي بطيء في عمله، وأحيانًا كثيرة تنقض الأدلة البرهانية والمنطقية، بينما العقل الشعوري معرفته مباشرة، كما أنه يشعر بوجود الله. لقد اكتشف باسكال العقل العلمي، وأراد أن يذهب إلى أبعد من إيضاحاته، والأمثلة المهمة في حياتنا في نظره لا تُجاب بالفروضات العلمية.١٧

(٢) اسبينوزا Spinoza (١٦٣٢–١٦٧٧م)

كما يمكن تلمُّس أبعاد للحكمة البحثية والحكمة الذوقية عند اسبينوزا، وذلك في محاولته التوفيق بين النزعة العقلية الخالصة، التي تتمثَّل في منهجه الهندسي، وفي ميتافيزيقا الجوهر الواحد، وتعريفه لهذا الجوهر وصفاته وأحواله، وبين النزعة الصوفية التي تتمثَّل في الأخلاق القائمة على محبة الإنسان لله حبًّا يصل إلى درجة القداسة والعبادة.١٨
وقد تمخَّض عن ذلك قوله بنظرية وحدة الوجود التي نادى بها من قبل «ابن عربي»، والذي يرى أن الوجود واحد في ذاته وحقيقة أمره، أي مُتواصِل ومُتلاحم — وإنْ هو تكثَّر في أجزائه وأسمائه وما فيه من الصفات والمحمولات. وفضلًا عن ذلك، فإن الوجود، عند مستوى اللبِّ أو الماهية، هو الحق إيَّاه وليس سواه؛ ولكنه يصير الخلق عندما يُنظَر إليه في «أعيانه» وممكناته المضمرة؛ أي في جزئياته وصوره الكثيرة التي لا تُحصى. وهذا يعني أن الشيخ قد استعار فكرة «الصورة» و«الهيولى» من أرسطو، فحذف الهيولى، وأحلَّ محلَّها مقولة الحق الذي هو الاسم الآخر للماهوي أو الكلِّي؛ بل قُلْ إنه الشارط اللامشروط؛ فأصبح كلُّ شيء يتركَّب من الصورة التي تخصُّه وحده، والتي يستتب الحق فيها استتبابًا شاملًا. يقول الشيخ في فصوص الحكم: فإن للحقِّ في كلِّ خلق ظهورًا. فهو الظاهر في كلِّ مفهوم، وهو الباطن عن كلِّ فهم، إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته.١٩

ويُعلِّق أستاذنا الدكتور إبراهيم مدكور رحمه الله على ذلك قائلًا: «ونستطيع أن نقرر أن ابن عربي واسبينوزا كانا مؤمنين إيمانًا عميقًا، وإن اتهما بالإلحاد. كانا مؤمنين إيمانًا عميقًا يملأ قلبيهما، فكانا يريان الله في كل شيء، ولا يكادان يريان شيئًا سواه — كانا يعتدان بأخوة الحب والإيمان، فلا يُفرقان بين موسوي ومسيحي، ولا بين مسلم وغير مسلم.»

ويستطرد قائلًا: «ولا نزاع في أن فكرة وحدة الوجود في أساسها وليدة فرط إيمان، تدفع إليها عاطفة قوية وشعور فياض، وهي لهذا تُلائم الصوفية والروحانيِّين. ترد كل شيء إلى الله، ولا تدع لغيره مكانًا في العالم. ولكنها لا تسلم من نقد واعتراض، فهي تكاد تلغي الكون، ولا تفسر التغير، ولا تحل مشكلة الواحد والمتعدِّد — وصعابها الدينية لا تقل عن صعابها الفلسفية؛ فهي تقول بإله مُطلق مجرد لا نهائي، في غِنى عن البرهنة عليه وإثبات وجوده، ولكن أين الإنسان؟ وأين مسئولياته وواجباته؟ إن في القول بوحدة الوجود ما يقضي على الأخلاق والتكاليف.»٢٠

(٣) ليبنتز Leibniz (١٦٤٦–١٧١٦م)

كما يُمكن تلمس أبعاد للحكمة البحثية والحكمة الذوقية عند ليبنتز، وذلك في محاولته الجمع بين الآلية الحسية الذرية عند ديموقريطس وأبيقور، والاتجاه الروحي عند أفلاطون، بل وربما الاتجاه العقلي عند ديكارت.٢١ وقد تمخَّض عن ذلك قوله بنظرية الكمال الإلهي التي نادى بها من قبل «ابن عربي»، والذي يرى أن الوحدة في الوجود بين الموجد والموجود (الله والعالم)؛ فالوجود كله حقيقة واحدة، وإدراك ذلك لا يكون بالعقل لقصوره، ولا للحواس لعجزها، وإنَّما بالذوق الصوفي، ولقد ذهب إلى أنه قد تكشف له من أسرار الوجود ما تقطع دونه الرقاب. ولآرائه الصادمة للفكر الإسلامي في ذلك الحين، فقد اتُّهمَ الرجل في دينه، ورماه الشيوخ بالكفر والزندقة.٢٢
ذهب ابن عربي إلى أن العالم الذي نعيش فيه هو أفضل عالم ممكن، وإذا خُيِّل لأحد أن بالعالم نقصًا أو اعوجاجًا فإنه لا يعرف سر الخلق والحكمة الإلهية؛ فهذا الاعوجاج هو من كمال الخلق، كما أن اعوجاج القوس هو عين استقامته؛ فإذا أردت أن تُقيمه على الاستقامة كسر، والعلماء وحدهم هم من يدركون الكمال في خلق الله.٢٣
  • «النقص في العالم من كمال وجوده»، وإن شئت قلت من كمال العالم؛ إذ لو نقص النقص من العالم لكان (هذا العالم) ناقصًا، والكمال المطلق لله وحده.٢٤
  • العالم غاية في الكمال؛ لأنه من صنع الله الذي له الكمال وحده، ولا يصدر من الكمال شيء إلا كان على درجة محددة من الكمال تليق به؛ إذ لابد أن تبدو صفة الصانع في صنعته.٢٥
  • الكمال ذاتي في الأشياء، والنقص عرَضي.٢٦
  • العالم جميل وهو جدير بالحب رغم ما قد يوقعنا عليه الحس من بعض ضروب النقص.٢٧
  • ذلك أن العارفين قد تكشف لهم أن هذا العالم بأسره غاية في الجمال وليس فيه شيء من القبح، بل قد جمع له الحسن كله والجمال كله؛ فليس في الإمكان أبدع ولا أجمل ولا أحسن من هذا العالم؛ ذلك لأن هذا العالم مرآة يَنعكِس عليها المعاني الإلهية، والله جميل، والجمال محبوب لذاته. لهذا يَنبغي أن نرضى بالواقع فلا نحقر شيئًا فيه، فهذا التحقير لا يَصدُر عن امرئ يتقي الله.٢٨
ومن يقرأ للفيلسوف الألماني ليبنتز Leibniz يفاجأ بنظرية تكاد تكون صدى لنظرية الإمام الأكبر ابن عربي؛ فيرى ليبنتز أنه قد كان في مقدور الله أن يخلق عددًا لا نهاية له من العوالم، فلماذا اختار الله هذا العالم بالذات ليُخرجه إلى الوجود؟ لا بدَّ أنه — سبحانه — قد اختار — كما يقول ليبنتز — أكثرها تجانسًا وأرقاها في درجة الكمال؛ حيث تتحقَّق من جراء ذلك أكمل الغايات. ويقول ليبنتز: «السبب في وجود أفضل عالم مُمكن يَنحصِر في أن الحكمة الإلهية هي التي تكشف للعلم الإلهي أن رحمة الله هي التي تُحدِّد اختياره لهذا العالم، وأن قُدرته هي التي تخلقه (كتاب المونادولوجي لليبنتز)؛ فالحكم الإلهية هي السبب في خلق أفضل عالم مُمكن، وليس في الإمكان أن يُوجد شيء أفضل مما اختاره الله برحمته، وخلقه بقدرته، وحدد غاياته بحكمته.»٢٩

(٤) تيلش Tillich (١٨٨٦–١٩٦٥م)

كما يُمكن تلمس أبعاد للحكمة البحثية والذَّوقية لدى الفيلسوف الوجودي تيلش؛ حيث إن الحقيقة في نظره ثنائية؛ حيث يرى أن الحقيقة ذات مُستويين؛ المستوى الأول وهو ما يُمكن أن يسمى بالعقل الأنطولوجي Ontological Reason، والمستوى الثاني وهو ما يُمكن أن يُسمَّى بالعقل الآلي Technical Reason؛ فالأول ذو عناصر ميتافيزيقية، وهو يعدُّ الممثل الأعلى للحقيقة، لا العقل الآلي الذي يحمل خصائص التفكير. ويتميَّز العقل الأنطولوجي بتفهُّمه للوجود الحقيقي Actual Existence، كما أنه فعال في المجال العاطفي؛ بينما العقل الآلي لا يهتمُّ بالوجود، بل هو نمط من المعرفة التي يُمكن الحصول عليها بطريق الملاحظة.٣٠
ويرى تيلش أن الفلسفة الوضعية خير مثال لهذا التفكير الذي ساد عصرنا وضاعت بسببِه كثير من العناصر الإنسانية. ورغم نقد تيلش للعقل الآلي وخصائصه المبنية على الملاحظة والمنطق والموضوعية، إلا أنه — كما يُخبرنا — يبقى لا غنى لنا عنه في سعينا نحو الحقيقة المتكاملة التي لا تفهم إلا بوجود نوعي العقل معًا؛ الآلي والأنطولوجي، مع الاحتفاظ بالعقل الأنطولوجي بأنه «العقل الأسمى أو الأعلى».٣١

وهنا يتَّضح أن السُّهرَورْدي سبق المُفكِّرين والفلاسفة في العصر الحديث في الجمع بين الحكمة البحثية والحكمة الذوقية.

ثالثًا: خصائص المنطق الحديث

إذا كان من خصائص النظرية المنطقية عند السُّهرَورْدي أنها تقوم على النظر والذوق كما وضح آنفًا، فإنَّ من خصائص المنطق الحديث أنه يقسم إلى نوعين من المنطق:
  • (١)

    منطق مادِّي وهو الاستقراء.

  • (٢)

    منطق صوري وهو الاستدلال.

وهذا التقسيم اعتاد المناطقة عليه منذ أرسطو، ولكن وضح أكثر في العصر الحديث، وإن كانت الناحية الصورية أغلب ظهورًا أو وضوحًا؛ وذلك عندما أراد المنطق الصوري الرمزي أن يتحرَّر من رقبة العلوم الأخرى، ارتد إلى الصورة الأرسطية لهذا السبب ملتمسًا صوريته من تاريخه. وكان من الضروري على الدوام فهم معنى الصورية الأرسطية فهمًا وثيقًا قبل الإقبال على دراسة المنطق الرمزي.٣٢
ويمكن عقد مقارنة بين خصائص المنطق المادي والمنطق الصوري؛ وذلك على النحو التالي:
  • أولًا: المنطق المادِّي هو المنطق المتعلِّق بالتجربة الخارجية، وهو لذلك يتضمَّن إخراج واستحداث معرفة جديدة؛ فمِن المستحيل بلوغ أي تقدم من وراء الاستدلال الصوري؛ أي إن الاستقراء جسر يعبر من الوقائع إلى القوانين، وهو عملية تستخدم في اكتشاف وتكوين القضايا العامة. أما الاستدلال فتحليل قائم على أساس تفريغ العبارات من أية إشارات إلى جزئيات من أجل تحويلها إلى قضايا رمزية، لا يهمنا فيها إلا سلامة الانتقال من البداية إلى النتيجة. ولا يهتم هنا إلا التجريد التام للعلاقة بين التصوُّرات والوقائع، ولهذا يؤدي تقسيم المنطق إلى صوري ومادي إلى ظهور شيء جديد نُسميه بالتحليل والتركيب. والتحليل دائمًا صوري؛ لأنه لا يأتي في النتائج إطلاقًا بأكثر ممَّا في المقدمات، في حين لا بد أن يولد التركيب شيئًا جديدًا في نهاية الاستقراء. والاستقراء تركيبي في حين أن الاستدلال تحليلي.٣٣
  • ثانيًا: المنطق المادي يعتمد على استنباط عقلي، ولكنه يلتمس برهانه في الظواهر الجزئية — أي الوقائع الحسية، بينما المنطق الصوري يَعتمِد على الاستنباط في العلوم الرياضية، وهو يبدأ من بديهيات — لا جزئيات محسوسة، ويلتمس البرهان عن طريق الإثبات المحض؛٣٤ بمعنى أنه يبدأ من مسلمات، وهي إما بديهيات أو مُصادرات، فأما البديهيات أو الأوليات فهي قضايا بديهية واضحة بذاتها لا تقبل برهانًا؛ لأن مَن يَعرف معاني حدودها يسلم بصحتها دون حاجة إلى دليل، وهي تُدرك برؤية مباشرة أي بالحدس، ولا تجيء عن طريق خبرة حسية، ولا عن تفكير استنباطي عقلي؛ لأنها أولية فِطرية لا تستنبط من أخرى سابقة عليها بالبديهيات المنطقية التي تقول إن الشيء لا يُمكن أن يكون موجودًا وغير موجود في آنٍ واحد. أما المصادرات فهي قضايا يفترض العالم صحتها منذ البداية مجرَّد افتراض، بشرط ألا يعود فيفترض صدق نقيضها؛ لأنَّ النقيضَين لا يصدقان معًا.٣٥
  • ثالثًا: المنطق المادي يَعتمد على قوانين طبيعية احتمالية ترجيحية وليست يقينية كقوانين المنطق والرياضة البحتة؛ وذلك لأنَّ القوانين الطبيعية تقال تفسيرًا لمجموعة من الظواهر المتشابهة لم يخضع الكثير منها لما تجريه من ملاحظات وتجارب.
  • رابعًا: المنطق المادِّي إذا كان يعتمد على الاستقراء الذي يرقى إلى المقدمات الكلية بمُشاهَدة الجزئيات؛ فهو بهذا يضمن صحة هذه المقدَّمات ولا يفترض صدقها مجرَّد افتراض. في حين أن المنطق الصوري يعتمد على الاستنباط الذي يجعل المقدمات أفكارًا بسيطة تدرك بالحدس وتؤمن الزلل من معرفتها، ومنها يتوصَّل الباحث إلى نظرياته.٣٦
  • خامسًا: المنطق المادِّي يبحث في المناهج التي تقدم عليها العلوم المختلفة، كل على حدة، وعلى هيئة مجموعات عامة، ويضع القواعد وفقًا للعلوم الخاصة، فهو نِسبي، خاص، مادِّي، ولكنه يقوم بهذا كله واضعًا نصب عينَيه القواعد التي وضعها المنطق الصوري؛ لأنها قواعد عامة يخضع لها كل تفكير عقلي. أما المنطق الصوري فيعني البحث في المبادئ العامة للتفكير المجرَّد، وفي العقل، وفي القواعد الضرورية التي يسير عليها الفكر في بحثه في جميع الموضوعات بلا تمييز، ويضع القواعد ناظرًا إلى الشكل فحسب، بصرف النظر عن مضمون المعرفة وموضوعاتها، فهي قواعد تتعلَّق بصورة الأحكام والاستدلالات، وترمي إلى اتفاق الفكر مع نفسه فحسب.٣٧
  • سادسًا: إذا كان المنطق الصُّوري منطقًا شكليًّا يعتمد على الرموز؛ فذلك لأن هذه الرموز تدعو إلى الدقة في التعبير. تقول سوزان ستيبنج إن استخدام اللغة العادية أحيانًا ما يؤدي إلى الوقوع في الخطأ، أما إذا استخدمنا رموزًا معينة، فإننا نتحاشى الخلط أو اللبس الذي قد ينشأ عن استخدام الألفاظ.٣٨
وتستطرد ستيبنج فتقول: «إن استخدام الرموز يعني الاقتصاد في الجهد والفكر، فضلًا عن البساطة والدقة والاتساق والنسقية.»٣٩

وهنا يتَّضح الفرق بين المنطق المادي والمنطق الصوري من حيث خصائص كلٍّ منهما، إلا أن هذه الخصائص مُرتبطة بنظرية المعرفة؛ فدعاة المنطق يُحاولون فهم المنطق داخل نظريتهم في المعرفة، هذه المعرفة تَعتمِد على الإحساس وحده دون العقل؛ حيث رفضوا التسليم بالأفكار الفِطرية الموروثة والمبادئ العقلية البديهية، والقواعد الخلقية الأولية التي تجيء اكتسابًا، وأنكروا هذا الحدس الذي يدرك الأوليات الرياضية والبديهيات المنطقية، وراموا بأن هناك حدوسًا متعدِّدة تختلف باختلاف أصحابها، وردوا المعرفة في كل صورها إلى التجربة — مع خلاف بينهم في تعبيرها.

أما دعاة المنطق الصوري فقد حاولوا فهم داخل نظريتهم في المعرفة، هذه المعرفة قائمة على أن في العقل أفكارًا ليست آتية من التجربة. وهذه المعرفة العقلية صادقة، وتوجب صدقها ضرورة عقلية أن أحكامها وقضاياها صادقة على الدوام صدقًا ضروريًّا محتويًا؛ إذ لا يُمكن أن تصدق وتكذب أخرى، كقولك: إذا كانت «أ» أكبر مِن «ب»، «ب» أكبر من «ج»، كانت «أ» أكبر من «ج»، وهذا الحكم صادق دومًا، وتوجب صدقه ضرورة عقلية لا خبرة حسية، ومثل هذا يقال في قوانين المنطق وأوليات الرياضة.٤٠

رابعًا: أقسام المنطق عند المحدثين

لقد ذكر الباحث في الفصل الثاني من هذا البحث أقسام المنطق عند السُّهرَورْدي؛ حيث اتَّضح أن السُّهرَورْدي يُجاري عادة المناطقة العرب في تقسيم المنطق، وبالتالي فهو يسير في اتجاه مضاد لبعض المناطقة المُحدثين الذين يرون أن اهتمام المنطق ينصبُّ على التفكير، ولما كانت القضايا هي وحدات التفكير، فلا بد أن يكون مبحث القضايا هو أول ما يجب دراسته، بل إن بعض المناطقة المحدثين نادى بحذف مبحث التصورات أو الحدود من مباحث المنطق؛ لأن البحث في القضايا يتضمَّن البحث في ألفاظها المؤلَّفة لها، ومن هؤلاء على سبيل المثال:

(١) بوزانكيت Bosonquet

الذي ذهب في كتابه The essentials of logic إلى أن المنطق ينقسم إلى قسمين: قسم يَبحث في نظرية الأحكام، وقسم يبحث في نظرية الاستدلال. وفي هذا يقول: «إنه لا حقيقة للاسم أو التصوُّر في لغة حية أو تفكير حي إلا عندما يَشير إلى مكانه في قضية أو كم»؛٤١ بمعنى أنه لا يفهم الصور ولا يتحقَّق تحقيقًا منطقيًّا، إلا إذا كان موضوعًا أو محمولًا في قضية؛ فهو حالة ناقصة من حالات العقل، ولا يُمكن أن نقوم بذاتها، وإنما يكملها وجودها في قضية أو حكم.

(٢) برادلي Bradley

يذهب برادلي في كتابه The Principles of Logic إلى مهاجمة المنطق الأرسطي والمنطق التجريبي؛ حيث يعدُّ الحكم لا التصوُّر في منطقه؛ هو الوحدة الحقيقية للفكر؛ الصورة المنطقية الأولى. وأن هذا الحكم متصل بالوعي الكامل، وأننا حين نحكم إنما نقتطف من هذا الوعي أو الشعور المتَّصل جزءًا منه، بينما هذا الجزء لا يمكن فصله على الحقيقة من هذا التيار المتصل.٤٢

(٣) جوبلو Goblot

أما جوبلو فقد أخذ إنكار مبحث التصوُّر على يديه صورة أخرى؛ حيث عبر عن ذلك بتقسيمه المنطق إلى:
  • (أ)

    نظرية الحكم: وفيها ندرس الأحكام التي إما أن تقوم مباشرة على التجريد، وهذه تسمى بأحكام التجربة، وإما لا تقوم مباشرة مع التجربة، بل تصدر عن غيرها من الأحكام. وهذه تسمى بأحكام البرهان.

  • (ب)
    نظرية الاستدلال: وفيها ندرس الانتقال من حكم أو أحكام إلى حكم آخر، ويسمى حكمًا برهانيًّا يكون صادقًا إذا كانت المقدمات صادقة.٤٣

وإذا كان بعض المناطقة المحدثين قد رأوا أن التقسيم الأرسطي الثلاثي للمنطق لم يعد قائمًا الآن، وإنما أصبح المنطق منقسمًا إلى قسمين فقط هما: الأحكام والقضايا.

ولعلَّ المشكلة تقسيم المنطق على هذا النحو أو ذاك لم تَعُد شاغل المفكرين والمناطقة المحدثين الذين اهتموا بالمنطق الرياضي؛ فإذا ما تأملنا المذاهب المختلفة التي تعرضت لمثل هذا في المنطق الرياضي، فإننا لن نجد عند أي منهم أي اتجاه لهذا التقسيم.

إن ما اهتم به المنطق الرياضي هو فكرة الاستنباط من المسلَّمات والتعريفات لكل قضايا المنطق، أو محاولة إقامة نسق استنباطي، برهن فيه على كل القضايا ابتداءً مِن مجموعتين من المسلمات والتعريفات.

إنَّ المنطق الرياضي هذا استبعد تمامًا العمليات السيكولوجية من مباحثه، فهو لم يَبحث فيما إذا كان التصوُّر يأتي إلى الذهن أولًا بمُفرده أم لا، كما أنه لم يبحث في ارتباط تصوراتنا سواء أردنا أم لم نرد بأحكامنا، بحيث تصح هذه الأحكام هي البقية المنطقية الأولية، إنه منطق آلي رمزي صرف، واستنباطي صرف لا يتَّصل بالمعرفة ولا بكيف نعرف، وما إذا كانت معارفنا متصلة أو منفصلة.٤٤
١  ناصر محمد يحيى ضميرية: نقد المنطق الأرسطي بين السُّهرَورْدي وابن تيمية، ص٨.
٢  المرجع السابق، ص٨، ٩.
٣  B. Bosanquet: Logic or the morphology of knowledge, Book 1, Ch. 1, Ed. 2, London, 1911, p. 21.
٤  B. Bosanquet: The Essentials of Logic, London, 1895, p. 87.
٥  علي عبد المعطي: بوزانكيت … قمة المثالية في إنجلترا، الهيئة العامة للكتاب، الإسكندرية، ١٩٧٢م، ص١.
٦  زكي نجيب محمود، نحو فلسفة علمية، الأنجلو المصرية، ١٩٨٠م، ص٢٠.
٧  المرجع السابق، ص٢١.
٨  برتراند راسل: أصول الرياضيات، الجزء الأول، ترجمة: محمد مرسي وأحمد فؤاد الأهواني، دار المعارف، القاهرة، ١٩٥٨م، ص٨٩.
٩  يحيى هويدي: منطق البرهان، مكتبة القاهرة الحديثة، القاهرة، ١٩٦٨م، المقدمة، ص٥–٨.
١٠  جون ديوي: المنطق نظرية البحث، ترجمة: د. زكي نجيب محمود، مقدمة المترجم، دار المعارف، القاهرة، ١٩٦٩م، ص١١، ١٢.
١١  E. Carruccio: Mathematics and Logic in History and in Contemporary Thought, Faber & Faber, London, p. 339.
١٢  Hilbert, D. and Ackermann, W.: Principles of mathematical logic, New York, 1950, p. 1–2.
١٣  برتراند راسل: أصول الرياضيات، ج١، ص٤١، ٤٢.
١٤  Jevons: Elementary Lessons in Logic, Macmillan, London, 1918, p. 1.
١٥  J. M. Keynes: Studies and exercises in formal logic, Macmillan, London, 1906, p. 1–2.
١٦  انظر الفصل الثاني.
١٧  د. نوال الصراف الصايغ: المرجع السابق في الفكر الفلسفي، نحو فلسفة توازن بين التفكير الميتافيزيقي والتفكير العلمي، دار الفكر العربي، القاهرة، ١٩٨٣م، ص١٨.
١٨  د. نجاح موسى علي أحمد: فكرة الإرادة عند اسبينوزا، بحث ماجستير (غير منشور)، جامعة أسيوط، ١٩٨٤م.
١٩  انظر: محمود محمود غراب: شرح فصوص الحكم من كلام الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، القاهرة، ١٩٨٥م، ص٤١٥. وانظر أيضًا إبراهيم مدكور: وحدة الوجود بين ابن عربي واسبينوزا، الكتاب الذهبي لابن عربي، القاهرة، ١٩٦٩م، ص٢٨٠–٣٧٩.
٢٠  إبراهيم مدكور: في الفلسفة الإسلامية … منهج وتطبيقه، ج٢، دار المعارف، القاهرة، ١٩٨٣م، ص٧٣–٧٥.
٢١  راجع مقدمة علي أبو ريان لكتاب علي عبد المعطي: ليبنتز فيلسوف الذرة الرُّوحية، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، ١٩٨٠م، ص١، ٢.
٢٢  أسين بلاثيوس: ابن عربي … حياته ومذهبه، ترجمه عن الإسبانية د. عبد الرحمن بدوي، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ١٩٦٥م، ص١٧–١٩.
٢٣  المرجع السابق، ص٢٥١ وما بعدها.
٢٤  ابن عربي: الفتوحات المكية، القاهرة، ١٨٧٦م، ج١، ص٣٦٣.
٢٥  ابن عربي: الفتوحات المكية، القاهرة، ١٩٤٦م، نص إدريسي.
٢٦  محمود محمود غراب: شرح فصوص الحكم من كلام الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، ص٤٥٥.
٢٧  أسين بلاثيوس: ابن عربي … حياته ومذهبه، ص١٥٥ وما بعدها.
٢٨  المرجع نفسه، ص١٧٦ وما بعدها.
٢٩  راجع مقدمة علي أبو ريان لكتاب علي عبد المعطي: ليبنتز فيلسوف الذرة الروحية، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، ١٩٨٠م، ص٣.
٣٠  د. نوال الصراف الصايغ: المدخل في الفكر الفلسفي، ص٢١.
٣١  المرجع السابق، ص٢٢.
٣٢  أليس أمبروز وموريس لازيروفيش: أوَّليات المنطق الرمزي، ترجمة عبد الفتاح الريدي، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٨٣م، ص١٧.
٣٣  المرجع السابق، ص١٨.
٣٤  توفيق الطويل: أسس الفلسفة، ص١٥٦.
٣٥  المرجع السابق، ص١٤٦.
٣٦  المرجع نفسه، ص٤١٥.
٣٧  د. عبد الرحمن بدوي: المنطق الصوري والرياضي، ص١٤٠.
٣٨  S. Stebbing: A modern introduction to logic, p. 2.
٣٩  Ibid, p. 3.
٤٠  Ibid, p. 3.
٤١  Bosanquet: The essentials of logic, p. 87.
٤٢  F. H. Bradley: The Principles of Logic, part 1, London, 1876, p. 287–288.
٤٣  E. Goblot: Traité de logique, Paris, 1925, p. 87.
٤٤  علي عبد المعطي، وماهر عبد القادر: المنطق الصوري، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، ١٩٨٢م، ص١٠٦، ١٠٧. وانظر أيضًا: علي عبد المعطي: المنطق الرياضي … أسسه ونظرياته، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، بدون تاريخ طبع، ص٣–٥.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤