غزل ومناجاة

مباراة في مزايا الشفاه

تبارت شفاه حباها الإله
بشتى المزايا، وشتى النِّحَلْ
لأيِّ الشفاه تجيب السماء
وأي الشفاه هناك الأُوَلْ

•••

فنادى جبابرة العالمين
نداء المدل بأمر جلَلْ
لنا وحدنا صولجان العلا
ومنا الرجاء، ومنا الوجَلْ
إذا ما نطقنا توالت خطوب
وصالت شعوب، ودالت دُوَلْ
وفي همسة تنجلي فتنة
وفي مثلها يتدانى أَجَلْ
ونادى العباقرة الملهمون
صحاح المعاني فصاح الجُمَلْ
لنا وحدنا جائزات الشفاه
إذا اختلفت سبلها في الجَدَلْ
فمنا الجمال، ومنا الهدى
ومنا العزاء، ومنا الجذلْ
وبالنطق يكتمل الآدمي
وفينا تكامل حتى اكتملْ

•••

وأقبل سرب الظباء الملاح
رخيم البغام١ مليح الكحلْ
فقال وفي قوله لثغة
كأنك ترشف منها العسلْ
لنا القول فيكم رجالَ الكلام
لنا القول فيكم رجالَ العملْ
لمسنا شفاهًا ففاضت سنًى
وجرنا على جائر فاعتدلْ
ومنا تذوقون طعم الحياة
وهل طعمها غير طعم القُبَلْ
تسمونها قبلة واسمها
رحيق الخلود، وريَّا الأملْ

•••

فأطرق ربهم لحظة
ونادى بأقربهم فامتثلْ
وقبل مبسمه قبلة
تضرم منها مكان الخجلْ
وقال: أجل! تلك أغلى الشفاه
فأصغوا، وقالوا جميعًا: أجلْ

•••

بذا حكموا بعد طول المطا
ل، فليسمعوا رأييَ المرتجلْ
إذا التمسوا مثلًا للشفا
ه، قلت لهم شفتاك المثلْ
لثمت الحياة بلثميهما
وعاودت بعد السلو الغزلْ

المعاني الحية

أمواج حسن زاخرهْ
تلك الوجوه الناضرهْ
فتن على فتن وغا
مرة تليها غامرهْ
طوفان نوح أنتم
ليت السفينة حاضرهْ

•••

يا جيرة البحر اقنعوا
منا بعين ناظرهْ
ودعوا القلوب كليلة
ودعوا القرائح عاثرهْ

•••

من كل وهاب لكم
نعمى هبات وافرهْ
خلع الإله عليكم
خلل الجمال الفاخرهْ
والبحر نشوة خمره
خمر البحار الكاسرهْ
والشمس ما تهدي الثما
ر الناضجات الباكرهْ
ورأيت رفرفة النسيـ
ـم على الجسوم الطائرهْ
فالآن ماذا تنظرو
نَ من النفوس الشاعرهْ
لم يبقَ في كنز الخيا
ل بقية من نادرهْ
برزت معاني الشعر في
ثوب الحياة الظاهرهْ
أنتم معانيه فما
تغني النفوس الحائرهْ
أنتم عرائسه وها
تيك المسارح عامرهْ
هيهات، ما لممثل
أو شاعر من خاطرهْ
ما الترجمان وتلك أسـ
ـرار التراجم سافرهْ
فإذا بخلنا بالقصيـ
ـيد فعاذر أو عاذرهْ

غزل فلسفي: فيك من كل شيء

فيك من شمس الضحى العين التي
ترسل اللمح مضيئًا في الظلامْ
فيك من بدر الدجى أحلامه
حين يسري نائمًا بين نيامْ

•••

فيك من كل ربيع طلعة
تنبت النضرة عامًا بعد عامْ
والشتاء الجهم لا يعدوك من
عهده العاصف برق وغمامْ

•••

ما تغنى الطير إلا بعض ما
أنت راويه، ولا ناح الحمامْ
وإذا الجدول ناغى نفسه
فهي أصداؤك من غير كلامْ!

•••

وصنوف الوحش هل ناظرتها
من نفار بينكم أو من وئامْ؟
لا انفتال الحوت تنساه ولا
سطوة النسر ولا خوف النعامْ

•••

فيك من نار الحياتين الهوى
هل حياة الحي إلا من ضرامْ؟
والذي أرهبه وا أسفًا
هجرك المدعو بالموت الزؤامْ!

•••

فيك من دنياك نقص رائق
ومن الأخرى تباشير التمامْ
ومن الأملاك طيب ورضًا
ومن الشيطان غي وأثامْ

•••

ومن الخمرة سكراها إذا
أسلست في النفس أو طاش الزمامْ
ومن القوت غذاء، ومن الـ
ـماء ري، ومن الجوع هيامْ

•••

فيك من أرضك حظ وافر
وحظوظ من سماء لا تُرامْ
أجديد؟ إي نعم. قال الصبا
أقديم؟ إي نعم. قال الوسامْ

•••

هذه الروعة هل تجمعها
في مدى يوم لحوم وعظامْ؟
لا وربي! بل دهور غبرت
قبلما تتقنها الأيدي الكرامْ

•••

قبلما تتقنها الأيدي التي
نسقت أنوالها، وهي حطامْ
من وراء اللب صفًّا ينتهي
بعد صف، بين سدي٢ ولحامْ

•••

فيك من هندسة علوية
ما استدار الخط فيه واستقامْ
ومن الفن مثال باذخ
هو للمثَّال والشادي إمامْ

•••

فيك مني ومن الناس ومن
كل موجود وموعود تؤامْ
كيف بي أعذل إن أغنيتني
أنت حتى عن شرابي والطعامْ
إن نفوني اليوم من دنياهم
وأباحوا لي من الزاد المرامْ
ثم قالوا: ما تشأ منها فخذ!
قلت هذا، وعلى الدنيا السلامْ

•••

قلت هذا، وتقدمت إلى
هوة الغيب، وفي الثغر ابتسامْ
كيف لا يبسم من قُبلته
تنظم الأوطار طرًّا في نظامْ؟!

•••

وإذا قبلته مستضحكًا
في تخوم الكون، والكون سدامْ٣
فهي سخري بالذي ودعته
واغتباطي بمقامي حيث قامْ

نضرة في الشتاء

يا نضرة في الشتاء أبصرها
أبهج من كل منظر نضِرِ
كأنها والعيون تنهبها
والنفس تروى بحسنها العطِرِ
ألف ربيع للعين مدخر
بل ألف حب للقلب مختصرِ
يا طيب ذاك الإكسير مجتمعًا
من حسن شتى الرياض والغررِ
أضمه كله وأرشفه
في قبلة كوثرية السكرِ

الشادن المتحيل

أشهدتني مكر الثعا
لب في الغزال الأكحلِ
وتركتني أرمي الشبا
ك لقى٤ وأكسر مغزلي
لا ألقينك بعدها
أبدًا بفخ أعزلِ
فخَّان أولى باقتنا
ص الشادن المتحيلِ

القبلة

هي كأس من كؤوس الخالدينْ
لم يشبها المزج من ماء وطينْ
كلما أفرغتها منتشيًا
مُلِئت من كوثر الخلد المعينْ٥
وإذا أمتعك الري بها
بدأ الشوق إليها والحنينْ
قد شربناها معًا في ليلنا
فروينا، وافترقنا ظامئينْ!

حسرة متلفة

يا له من فم
يا لها من شفَهْ!
يا لشهد بها
كدت أن أرشفَهْ
يا لزهر بها
كدت أن أقطفَهْ
حلوة ويحها!
غضة مرهفَهْ
حسرتي بعدها
حسرة متلفَهْ

الجملة والتفصيل

جُمِعتْ محاسن في صباك تفرقت
في صنعة الخلاق أي تفرقِ
في الشمس، أو في الروض، أو في الطير أو
في الجدول المترقرقِ
فإذا نعمت بها لديك فحبذا
نعماي في ظل الجمال الريقِ
وإذا ضننت بها رجعت أرودها
في حينما افترقت، ولما نلتقِ

راووق النور

لا أرى الدنيا على نور الضحى
حبذا الدنيا على نور العيونْ
هي كالراووق للنور فلا
صفو إلا صفوها العذب المصونْ

النظرات تلتقي

نظرات العين في العيْنِ
جمعت أشواق نفسيْنِ
تلك أحلى ما حلمت به
من نعيم في الحياتيْنِ

الجسم الضاحك

ثغرك الضاحك، لا بل
وجهك الضاحك، لا بل كل جسمِكْ
لا بل الدنيا التي تو
مض نورًا حول نجمِكْ
هكذا فليبسم البا
سمُ إن شاء كبسمِكْ
أو فينسى البِشْرَ حتَّى
ينقل البشر، بلثمِكْ
لا يُلام العابسُ اليا
ئسُ إلا بعد لومِكْ

إلى الغرق

دعتك العرائس في بحرها
ففيمَ الوقوف على الساحلِ؟
إلى الماء! لا بل إلى السابحيـ
ـنَ، لا بل إلى الغرق العاجلِ
فليس على البحر إلا غريقٌ
وإن لم يكن فيه بالنازلِ!
سواحره احتشدت كلها
علينا. فيا ويح للغافلِ

لست بلحم ودم

رائعٌ يخطر في مشيته
خطرة الطَّيْف لمن لم ينمِ
لم يرُعْني حينما أبصرتُهُ
حلمًا تم تمام الحلمِ
ما قضيت العمر إلا حالمًا
كيف بالروعة من ذي قدمِ
أنت وَهْمٌ لم تزل في خاطري
لستَ يا صاحُ بلحم ودمِ

مائدة

مائدة أسرف في طهيها
عشرين عامًا عبقري الزمانْ
أكرمنا الطاهي بها ساعة
فكيف بالمكرم يلقى الهوانْ
حسن وأنس وحياء معًا
وطلعة البدر ونفح الجنانْ
مدت لنا طوعًا فما عذرنا
إذا تركنا لقمة في الخوانْ٦

يوم مزيف

لك وجه كأنه طابع الصدْ
قِ على صفحة الزمان المأُوفِ٧
إن يومًا يمر بي لا أراه
هو يوم أعده في الزيوفِ

سعادة في قمقم

هنا قمقم سابح في الدمِ
أسائل عنه، ولم أعلمِ
جهلت خباياه حتى أتى
عريف الطلاسم بالمعجمِ٨
ففيه كما قيل مسجونة
سعادة بعض بني آدمِ
تجن جنونًا بنور الضحى
وتذبل في حبسها المظلمِ
وقد زعموا أن إطلاقها
رهين بهمسة ذاك الفمِ
بسر على شفتي فاتن
يُباح إلى شفتي مغرمِ
فهل أنت مطلقها منعمًا
فديتك، أم لست بالمنعمِ
وما أنا بالمشتهي قبلة
ولا بالحريص على مغنمِ
ولكنما أنا أبكي أسًى
لتلك الشهيدة في القمقمِ

خير ما فيهن

غفر الذنب من بكائي عليكِ
أنني لا أعود ما عشت أبكي
لا يساوي — وقد تعلمت منكِ —
نسل حوائكن دمعة شكِّ
خير ما في النساء ساعة ضحكِ

زهرة لا تذبل

في الصيف يزكو عند مس السمومْ
أجل، ويزكو عند مس الشتاءْ
خدك هذا أي نبت يدومْ
ريان في كل أوان سواءْ؟
يا ويلتا من نبت هذي الكرومْ
فالجوع موصول بذاك النماءْ
وهل ترانا كل يوم نصومْ؟

ليلة البدر

هاتِ لي الذكرى وجدد ما مضى،
عندك الذكرى ورُجعاها معا
هاتِ ما كان كما كان انقضى،
أو فجدد غيره مبتدعا
ليلة البدر، وقد كان الرضى
موعد الأهرام نبغي مطلعا
فقضى الله سواه غرضا

•••

قد نوينا ونوى الغيب لنا
نية أمتع للمستمتع
خسف البدر وأمسيت أنا
أدعي من نشوة ما أدعي
كلما ناديتني هيا بنا!
قلت: هيا! وأنا في موضعي
السنا عندي فما لي والسنا؟!

•••

خُسِف البدر وما كان الخسوفْ
شيمة البدر الذي بين يدَيْ
نُشِر الناس وطافوا بالدفوفْ
وأنا والبدر في نشر وطيْ
خلِّ من شاء كما شاء يطوفْ
إن بدري طالع منه إلَيْ
لا أحب البدر ترعاه الألوفْ

•••

يا سمير الليل يا نِعْمَ السميرْ
ما لنا والصبح ما دمت أراكْ
أنا في نور وروض وعبيرْ
حينما ألقاك لا ألقى سواكْ
رشفة من ثغرك العذب النضيرْ
أو من الكأس احتوتها شفتاكْ
وسلام أيها الكون المنيرْ!

•••

هاتِ لي من فيك أنفاس الغرامْ
أو فقل إن شئت أنفاس الحياةْ
واسقني الخمرة من أعذب جامْ
لا من البلور في أيدي السقاةْ
ثغرك الضاحك كأس ومدامْ
ونديم لي، وراوٍ في الرواةْ
ينشد الشعر فيشجيني الكلامْ

•••

ينشد الشعر جديدًا كالصبا
وأنا ناظمه منذ سنينْ
بث فيه من صباه عجبا
فإذا قلت ارتجال لا تمينْ
هاتِ لي الحسن وهاتِ الأدبا
واسقني الخمر من الثغر المبينْ
ذاك حسبي في زماني مطلبا!

أشعب الأهواء

كلما أمسيتُ في وكري
قلت: يأتي! كيف؟ لا أدري
أمل غطى على فكري
فهو ذنبي فيك أو عذري

•••

لم تزرني غير مصطحبِ
كيف أرجو قربة القربِ؟
أشعب الأهواء غرر بي
فرجوت الصدق في الكذبِ

حجاج وروما

آل روما لكمُ منَّا الولاءْ
وثناء عاطر بعد ثناءْ
وسلام كلما ضاء لنا
شارق الصبح، أو اظلمَّ المساءْ
في حماكم كعبة ترمقها
مهج منا وآماق ظماءْ
كعبة لا كالتي يعمرها
بينكم رهط القسوس الحنفاءْ٩
من حياة هي لا من بنية
شادها صخر ووشاها طلاءْ
كرمت روما وذكراها بها
وبنو روما، وما تحت السماءْ
نزلت ثمَّ حجيجًا داعيًا
وهي أولى بحجيج ودعاءْ

•••

قبلتي يا «حُسْنُ» من ذاك الحمى
أنت لا القبلة من ذاك البناءْ
ورجائي اليوم في مغربها
وجهك الباسم لا وجه ذُكاءْ١٠
سلمت روما التي أنت بها
وسرى يُمنًا بها ساري القضاءْ
وكساها لك نسَّاج الربى
كل يوم زينة شتى النماءْ
وجلاها لك من يجلو لنا
بشعاع منك آفاق الرجاءْ
والذي أولاك من أنعمه
بهجة النورين: حسن وذكاءْ
ليت شعري كيف ألفيت بها
سيرة العصر وذكرى القدماءْ
أترين اليوم فيها عجبًا
أم قديمًا كل يوم في رداءْ؟
وبنو الرومان هل هم بدعة
أو هم الناس رياءً في رياءْ؟
أحسب الأيام بحرًا واحدًا،
ما اختلاف الموج فيه والهواءْ؟
من يرَ النفس من الباطن لا
يحفل الظاهر في الدور القواءْ١١
من يرَ الفن خيالًا فله
بالرؤى١٢ عن نظرة العين غناءْ
بيد أن النفس من عادتها
تخلق الأشباح في كل فضاءْ
وتحب الظل حينًا والصدى،
وأصول الظل فيها والغناءْ١٣

•••

أنت في روما وفي مصر أنا
بعدت شقتنا لولا النجاءْ١٤
بيننا جيرة نور ساطع
فوق رأسينا، ونور في الخفاءْ
أرقب البدر إذا الليل سجا
فلنا فيه على البعد لقاءْ
وأورد الشعر في مثل الكرى
فإذا فيه من الطيف عزاءْ١٥
حلم الصادي!١٦ فمن يوقظه
وعلى فيه من الماء شفاءْ
أنت يا «حُسْنُ». وهل أنت سوى
حلم في يقظة القلب أضاءْ؟!

الأزاهير الآدمية

الأزاهير في الشجَرْ
لا اختلاف ولا صُوَرْ
والأزاهير في الغرَرْ١٧
حيرة القلب والبصَرْ
بينها الزهر والثمَرْ
بينها الشمس والقمَرْ
بينها التبر والدرَرْ
والمصابيح والشرَرْ
عين يا عين لا نظَرْ!
ها هنا! ها هنا الخطَرْ

عيد ميلاد

كان الأقدمون يحتفلون بانتقال الشمس في الموعد الذي اختاره المسيحيون لإحياء مولد السيد المسيح بعد ذلك، وكلا هذين الموعدين يوافقان يوم الميلاد المعنيِّ في القصيدة التالية:

أقبلت والشمس والمسيحُ
في مولد واحد، سواءْ
في وجهك المشرق الصبيحُ
هداية الحق والضياءْ

•••

تهيأ الكون من قديمِ
ليوم ميلادك السعيدْ
فعابد الكوكب العظيمِ
أحيا ببشراك يوم عيدْ
ومولد «السيد» الرحيمِ
وافقه المولد الجديدْ
يوم تهدى على المديحِ
وزفه الخلد بالثناءْ
فالدهر في عمره الفسيحِ
عوده البشر والدعاءْ

•••

النور والحسن واليقينْ
تحتفل اليوم في مكانْ
إحدى وعشرين من سنينْ
قد تم في أوجها القرانْ
ثالوثكم تم بعد حينْ
فليمضِ ما شاء في أمانْ
وليهتف المنشد الفصيحْ
بالحمد في العيد والغناءْ
كلاهما مغنم ربيحْ
لعاشق الأرض والسماءْ

لو كان إلهًا

قال الشاعر الفرنسي «دوجيرل» لحبيبته:

لو كنت إلهًا لأعطيتك الأرض والهواء وما على الأرض من بحار، ولأعطيتك الملائك والشياطين الحانية بين يدي قدرتي وقضائي، ولأعطيتك الهيولى وما في أحشائها من رحم خصيب، بل لأعطيتك الأبد والفضاء والسماوات والعالمين؛ ابتغاء قبلة واحدة.

وسُئِل صاحب هذا الديوان: «وماذا تعطيني أنت لو كنت إلهًا؟»

فقال:

أعطيكِ؟! كيف وما العطاء بخير ما
تبدي القلوب من الغرام الصادقِ؟!
بل لو غدوتُ كما اشتهيتِ وأشتهي
ربًّا، أخذتكِ أنتِ أخذ الواثقِ
فترين أنك حين فزتِ بخطوتي
أحلى وأكمل من جميع خلائقي
وتسيطرين على الصروف، وفوقها
نبضات قلبي المستهام الوامقِ
إن كان رب الكون عندكِ قلبُهُ
أهوِنْ لديك بأنجم وصواعقِ
وبكل شمس في السماء وضيئة
وبكل بحر في البسيطة دافقِ!

حرمان أو عطاء؟

مائدة كم بت أشتاقها
ألقيت في صفحتها بالذبابْ
أرحتني منها، فقد عفتها
فليس فيها مورد مستطابْ
فيا زمانًا جاد لي منعمًا
بالضن، أو أسعدني بالعذابْ
إن تطلب الشكر على راحتي
ما أجدر اللوم بذاك المصابْ!

أيعشقون؟

أيعشق الناس يا حبيبي؟
هيهات! بل تكذب العيونْ
إن لم يحبوك يا حبيبي
واعجبًا! كيف يعشقونْ
ما الحب لولا هواك إلا
رجم الأساطير والظنونْ
أحببتُ حتى حسبت غيري
إن ذكروا الحب يقتدونْ

معرفة متأخرة

بعد سبع من السنين وعشرٍ
عرف الناس فضل ذا الميلادِ
عرفوا أي نعمة زارت الأر
ضَ بأضعاف حسنها المرتادِ
عرفوه لما رأوا بينهم شمـ
ـسًا مع الشمس أشرقتْ في البلادِ
عجبوا كيف فاتهم يوم وافى
فرعَوْا عهده بذكر معادِ
ذاك ميلادك السعيد هنيئًا
للذي فاز فيه بالإسعادِ

ماذا عليه؟

ماذا عليه إذا استوى
وإذا التوى ماذا عليهْ
هذا القوام جماله
مهما تعسف، في يديهْ!
أنى تمايل عطفه
مالت جوانحنا إليهْ
أشتاق بعض نفاره
شغفًا برؤية صفحتيهْ

ملتقى الربيع

هاتِ الربيع الغض لي كله
في روضة، بل طلعة، بل شفَهْ
إن فاتني جمع أزاهيره
في قطفة، فالرأي أن أرشفَهْ

نبضات جديدة

خفقات تلك من وزن جديدْ
أيها القلب! فأسمعني صداكْ
ذلك الوجه، وما العهد بعيدْ!
أنت تهواه فلا تنكر هواكْ

•••

أنت تهواه وتسعى بي هنا
كل يوم بعد يوم كي تراهْ
لا تراوغني وقل هيا بنا
في صريح القول، نستجلي سناهْ

•••

تحسب الرقة فيه ألمًا
فإذا أنت من الوجد تذوبْ
لا يكون الحب إلا هكذا
أنا لا أجهل أسرار القلوبْ

•••

كاصفرار الشمس في ثوب الغروبْ
واصفرار العاج في ثوب القدمْ
ذلك اللون نسميه الشحوبْ
وهو في الحسن شفيع للسقمْ

•••

رحمة للقلب من ذاك الوُجَيهْ
صِيغ من ذَوْبَيْ حنان وحنينْ
كلما رفرفت بالعين علَيهْ
شبه الفرحان عندي بالحزينْ
إن أشأ قلت خيال في الكرى
أو أشأ قلت عيان لا خيالْ
جمع الأمران لي فيما أرى
حين صح الحلم في خير مثالْ

سنة جديدة

أدركنا موكب السنينْ
في موكب الحب سائرينْ
والحب من يغشَ ركبه
يساير النجم كل حينْ
راجع حساب السنين يا
نجم، فما نحن حاسبينْ
أبالألوف احتسبتَها؟
أم لم تزل تجمع المئينْ؟!

•••

يا سنة أقبلت لنا،
أقبلت ميمونة الجبينْ
وداعنا فليكن غدًا
كما التقينا … أتسمعينْ؟
في موكب الحب نلتقي
وفيه نمضي مودعينْ
١  البغاء أرخم صوت الظبي.
٢  السدي من الثوب: ما مُدَّ من خيوطه.
٣  سدام: بمعنى ضباب.
٤  اللقى: الشيء الملقى والمطروح.
٥  الماء الجاري في سهولة.
٦  الخوان: ما يُوضَع عليه الطعام.
٧  المأُوف: المصاب بآفة.
٨  المعجم الكتاب الذي يفسر الغريب والمشكل.
٩  الحنيف: المتمسك بالدين.
١٠  اسم من أسماء الشمس.
١١  الخراب والفقر.
١٢  جمع رؤيا وهي الحلم، والمعنى أن الذي يدرك جمال الفن بخياله لخليق أن يشعر بمتعة الفن دون حاجة إلى الصور التي تمثله للعين.
١٣  المعنى هنا استدراك على البيت السابق، وفحواه أن النفس تعودت إذا هي شعرت بالعاطفة أن ترى لها ظلاًّ مصورًا وتسمع لها صدًى مترددًا، ولا يغنيها عن الظل والصدى أنها هي تشتمل على أصول هذه الظلال والأصداء، وهي العواطف.
١٤  النجاء: هو المناجاة أو المسارة.
١٥  الشعر يستحضر الأطياف كما تستحضرها الأحلام، فالشعر من هنا شبيه بالكرى.
١٦  الظمآن.
١٧  جمع غرة، وهي الطلعة والوجه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤