مقدمة الطبعة الأولى

قارئي!

أيها الصديق الرائع!

بك أمتلئ وأشعر صادقًا أني كثير وقويٌّ.

لقد قَدَّر زماننا أن يفرزَنا، فنحن فرزُ حِراكٍ واقع تلك الأيام؛ لذلك كان حتميًّا أن نلتقيَ هذه الحِقبة تحديدًا، وهو الفرز المطمئن الذي يدفع إلى التفاؤل، رغم الفرز غير المطمئن على الجانب الآخر؛ لذلك أؤكد لك أنك وراء استمرار هذا المشروع، وبك، وبأصدقائنا — أنا وأنت — من المهمومين بقضايا الأمة والحاضر والمستقبل، الذين يتابعون معك ومعي خطواتِنا الثابتةَ الواثقة، أقول: بكُم جميعًا يستمرُّ العمل على دأبه دءوبًا.

أصدقاؤك رفاق تلك السطور، يلتقون بي في كل موطن؛ في الندوة، في الشارع، في عواصم عربية متعددة، كثيرًا ما تحدَّثْنا، واستمعتُ بالشغف ذاته لما يطرحونه، لكنهم كانوا جميعًا يحملون لي سؤالَك: أين كتاب النبي موسى؟ وماذا تمَّ بشأنه؟ بعدما انصرمتْ سبعُ سنوات على الإعلان عن بدء البحث فيه، ولمَّا يظهر بعد؟

نعم أيها الصديق، لقد طالت الشُّقَّة، لكني أصدقُك القول أن العمل لم يتوقفْ فيه لحظة، إلا عندما سقط الجسدُ صريعًا منهوكَ القلب، ورغم الظروف الصحية التي تُلابسني دون رحمة، فقد عدتُ إلى النبي موسى متابعًا العملَ لأوفِّيك وعدًا تواعدناه، ومع تلك المصارحة، يجب إحاطتُك علمًا أن هناك عددًا من المشاكل لم تُحلَّ بعد، ويحتاج كشفُ آلياتها واكتشافُ حلولها بعضَ الوقت، وبعضَ الصبر من جانبك.

ومن هنا — وكي أحافظَ على حرارة التواصل بيني وبينك — فقد ارتأيتُ أن أواصلَك بكتابَين، أولهما هو الجزء الثاني من «حروب دولة الرسول»، والكتاب الذي تحمله بين يديك الآن ويحمل عنوان «رب الزمان».

و«رب الزمان» هو عنوان لواحدة من الدراسات التي تضمُّها دفتا هذا العمل، حيث يحتوي كتابُنا هذا على أقسام ثلاثة: القسم الأول منها مجموعة دراسات يمكن أن تحمل جميعًا عنوان «إسرائيليات»؛ لتعاملها مع المنظومة الإسرائيلية وثقافتها وخطابها المعلن، أما القسم الثاني فيضمُّ بعضَ المعارك الفكرية، ارتأيتُ أن أجعلها متاحةً لك من باب التوثيق ليس إلا، حيث انتهيتُ مؤخرًا إلى قرار بعد الدخول في ذلك النوع من المعارك الذي يُثيره أصحابُ الأدلوجة السلفية، مستفيدين في ذلك مما آذى رفاقًا لنا كبارًا، فاكتمال المشروع أو المحاولة المستمرة في الإضافة إليه، هدفٌ يجب ألا يضيعَ في صراعات قد تُقبر الأمرَ كلَّه.

وما دمنا بصدد التوثيق، فقد غامرنا بنشر بعض الدراسات الأولى الابتدائية هنا، وهي من محاولاتنا المبكرة التي لا شك تحمل سماتِ الحالة الأولية، ونماذج لها دراسة «منذ فجر التاريخ والحج فريضة دينية»، ودراسة «رب الزمان»، وغيرهما.

ثم قسم ثالث يضم مقالات ودراسات تتضافر مع منهجنا وخطواتنا التي ارتسمناها وتوافقْنا عليها منذ البدء.

وغنيٌّ عن التنويه، أن بعض ما ستقرأه هنا قد سبق نشرُه في دوريات عربية متباينة، وبعضه الآخر لم يُسبقْ نشرُه، وقد كتبتُه إبَّان تواجدي في جناح القلب بمستشفى الهرم، واعتمدتُ في معلوماته على ذاكرتي وحدها؛ لذلك لن تجد لمثل تلك النماذج هوامشَ أو مراجعَ مدونة.

أضع هذا الحشد بين يديك أيها الصديق، من أجل مزيد من التلاحم بيننا، راجيًا أن أكون قد عوضتُك عن انتظارك — ظهور كتاب «النبي موسى» — بوقت مشحون بالقضايا التي يُثيرها هذا الكتاب.

سيد القمني

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤