المستفزون الخمسة!

ظهر «أدهم» قادمًا بدراجته، وأسرع «تختخ» يعترض طريقه، ويُوقفه بإشارة من يده … كان كلُّ شيء عاديًّا في هذه اللحظة … ولكن فجأة ظهر خمسة تلاميذ يركبون الموتوسيكلات، وأسرعوا إلى حيث وقف «تختخ»، وفوجئ «تختخ» بأنَّ أحدهم قد اقتحم دراجتَه بالموتوسيكل، ولولا أنَّ «تختخ» أسرع ينحرف بالدراجة بعيدًا لتحطمت!

صاح «تختخ»: ما هذا؟

رد راكب الموتوسيكل: إنَّك غريب عن هذا المكان … ماذا تفعل هنا؟ وماذا تريد من «أدهم»؟

تختخ: إنني صديقه!

الولد: هذه أول مرة نراك هنا!

تختخ: لقد جئت للحديث في موضوع هام مع «أدهم»!

الولد: أي موضوع؟

تختخ: إنَّ هذا ليس من اختصاصك.

الولد: أي شيء يحدث في هذه المدرسة أو لأي طالب فيها هو من اختصاصنا!

ونظر راكب الموتوسيكل إلى بقية زملائه، فهزوا رءوسهم موافقين، وقال أحدهم: من الأفضل لك أن تنصرف فورًا، وإلا …

تختخ: وإلا ماذا؟

الولد: وإلا أصبحت أنت ودراجتك عجينة واحدة!

تختخ: إنَّ ما جئتُ من أجله يخص صديقًا لكم … أو زميلًا لكم في المدرسة.

الولد: تقصد أدهم!

تختخ: لا … إنَّه «هشام».

تبادل الأولاد النظرات … وقال أحدهم: «هشام» الولد الكفيف؟

تختخ: نعم!

الولد: وماذا تريد من «هشام»؟

تختخ: لقد اختفى أمس … والشرطة تبحث عنه!

تبادل الأولاد الخمسة النظرات مرة أخرى … وساد صمتٌ قطعه جرس المدرسة وهو يُعلن بدء اليوم الدراسي … وقال «أدهم»: يجب أن أذهب الآن!

وأسرع يقفز إلى دراجته … كان واضحًا أنَّه خائف من شيءٍ ما … وقال «تختخ» بهدوء: ما هي معلوماتكم عن «هشام»؟

ردَّ أحد الأولاد باستهتار: إنَّك تقوم بدور الشرطة … وأنت لست شرطيًّا، من الأفضل أن تذهب إلى مدرستك!

كان رأي «تختخ» مثل رأي هذا الولد … فهو وحده لن يستطيع مواجهة هؤلاء الأولاد … وكلٌّ منهم يركب «موتوسيكل» أقوى من دراجته عشرات المرات.

قال «تختخ»: إنَّها نصيحة طيبة أيها الصديق.

عاد الولد يقول: وسأنصحك نصيحة أخرى … من الأفضل لك أن تنسى حكاية «هشام» تمامًا!

تختخ: دعك من هذا الموضوع الآن.

قفز «تختخ» إلى دراجته … ثم اتجه إلى الطريق العام … ومن خلفه انطلقت الموتوسيكلات … وأخذ الأولاد يدورون حوله في عملية استفزاز واضحة … ولكنَّه ظل محتفظًا بهدوئه وهو يفكر في أنَّ مسألة «هشام» تزداد تعقيدًا، وأحسَّ أنَّ ثمة أشياء كثيرة تدور في هذه المدرسة وخارجها لها علاقة باختفاء صديقه الضرير.

ازداد قرب راكبي الموتوسيكلات من «تختخ»، وخطرت على باله فكرة نفَّذها فورًا … كان قد اقترب من مقهًى لاحظَ أنَّ به جهاز تليفون، فأوقف دراجته أمام المقهى، ثم دخل واتجه إلى التليفون، وطلب المفتش «سامي»، الذي ردَّ عليه فورًا، فقال «تختخ»: سيادة المفتش … إنني في المعادي الآن … وهناك ظواهر غريبة تحدث من حولي، أفضل لو سمحت أن تراقب ما يحدث بنفسك!

المفتش: أين أنت الآن بالضبط؟

سأل «تختخ» أحد الجالسين عن العنوان، ثم أملاه للمفتش قائلًا: سأنتظر سيادتك في المقهى.

عندما خرج «تختخ» من المقهى وجد الأولاد الخمسة الذين يركبون الموتوسيكلات يقفون على الناصية ينتظرون خروجه، فجلس على كرسي وطلب زجاجة مياه غازية، ثم وضع ساقًا على ساق في شكل استفزازي، ودار الأولاد دورة واسعة ثم عادوا. وكان «تختخ» ينظر إلى ساعته خلسة … فالمفتش لن يصل قبل نصف ساعة … وفي هذه الفترة يمكن أن يحدث الكثير … نزل أطول الأولاد وأكثرهم ضخامة من الموتوسيكل وتقدَّم إلى «تختخ»، وقال له: أنزل ساقك هذه قبل أن أكسرها.

كانت خطة «تختخ» كسب الوقت لحين حضور المفتش «سامي»، فقال في رقة: هل يضايقك أن أضع ساقًا على ساق؟

الولد: يضايقني جدًّا … وأكثر من هذا أنت لست من هذا المكان، ومن الأفضل أن تغادره فورًا!

تختخ: إنني في انتظار صديق، وأدعوك أنت وبقية زملائك إلى تناول بعض المرطبات.

الولد: هل تريد أن تقول إنَّك غني؟

تختخ: مطلقًا، فليس معي إلا ثلاثمائة جنيه لا غير!

صاح الولد: ثلاثمائة جنيه.

تختخ: هل هذا مبلغ كبير؟

الولد: مع ولد مثلك يصبح مبلغًا كبيرًا … من أين لك هذا المبلغ؟

تختخ: إنني أقوم بتوزيع بضائع، وأتقاضى عمولة عن هذا العمل.

كان «تختخ» يتعمد شدَّ انتباه الولد … وكسْبَ مزيد من الوقت حتى يصل المفتش «سامي»، وبالفعل استطاع أن يشد انتباه الولد، الذي سأله: أي نوع من البضائع؟

تختخ: لا أستطيع أن أقول لك!

الولد: لماذا؟

مال «تختخ» على أُذن الولد، وقال: إنَّها بضاعة محرَّمة قانونًا.

بلع الولدُ ريقَه، ثم قال: سأعود إليك.

اتجه الولد إلى بقية المجموعة وأخذ يتحدث إليهم … بفراسة «تختخ» المغامر شعر أنَّ حديثه مع هذا الولد حول البضاعة المحرمة قانونًا الذي يقوم بتوزيعها قد أثمرت وأثَّرت في الولد … وهو الآن — كما يخمن «تختخ» — يقترح على أصحابه أن يضم «تختخ» إلى صحبتهم.

وعندما بدأ عائدًا … قام «تختخ» من مكانه، واتجه إلى التليفون، وأخذ يتظاهر بأنَّه يطلب رقمًا مشغولًا … فيُدير القرص ثم يضع السماعة على أُذنه … ويضعها مكانها … ثم يعاود الاتصال والمحاولة … والولد يقف خارج المقهى في انتظار أن ينتهيَ «تختخ» من المكالمة … على حين ظلَّ «تختخ» ممسكًا بجهاز التليفون مكررًا محاولاته وهو ينظر إلى ساعته خلسة، كانت الدقائق تمر بطيئة … وكأنَّ الساعة توقفت عن الدوران … وجاء أحد الزبائن يريد التحدث في التليفون، وتنحَّى «تختخ» جانبًا، وأخذ الرجل يتصل بالتليفون … وأشار الولد إلى «تختخ» أن يخرج. ولكن «تختخ» أشار إليه أنَّه لا بد أن يتحدث تليفونيًّا.

نظر «تختخ» إلى ساعته … كان قد بقيَ نحو خمس دقائق على وصول المفتش … وجاءت اللحظة التي يريدها … خرج من المقهى واتجه إلى الولد، وقال له: هل تملكون هذه الموتوسيكلات التي تركبونها؟

ردَّ الولد: لماذا تسأل؟

تختخ: لأنَّ منظركم يدل على أنَّكم مجرد متشردين!

ذهل الولد، وقال: هل أنت تجرؤ …

رفع «تختخ» يدَه بكل ما يملك من قوة، ثم وجَّه لكمة صاعقة إلى الولد أسقطَته أرضًا … وارتفع صوت الموتوسيكلات وهي تتجه نحو «تختخ» الذي وقف مكانه يبتسم في هدوء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤