اسرق حبكاتك … شكسبير فعلها

تعالَ نتمرَّن

فيما يلي بعضُ تمارين الكتابة التي يمكنكَ ممارستها بهدف استيعاب مفهوم الحبكة والتمرُّن على تصميمها مبدئيًّا، حتى بالانطلاق من حبكات الآخرين.

  • (١)
    عناصرها الأولية: الحبكة التقليدية — وبحسب الفهم الأرسطي المسرحي القديم لها — تتكوَّن من ثلاثة أركان متوالية: بداية، ووسط، ونهاية. لنقُلْ إنها ثلاث عبارات؛ في الأولى: تُقَدِّم الوضعيةَ العامة للشخصية والموقف. وفي الثانية: تُقَدِّم العقدةَ أو الأزمة. وفي الثالثة والأخيرة: تَعْرِض حلَّ الصراع، على هذا النحو أو ذاك. إنه تحويل الحكاية إلى ثلاثة عناصر أوَّلية بسيطة، الهيكل العظمي المجرد للرواية في ثلاث خطوات.
    الآن، فكِّرْ في رواية تحبها أو فيلم شاهدتَه كثيرًا، وفَكِّكْ قصتَه إلى عناصرها الأولية في ثلاث جُمَلٍ مفيدة، تُمثِّل كلٌّ منها مرحلةً من تلك المراحل الثلاث: التمهيد، والذروة، والحل أو نهاية الصراع. كمثال، تعالَ نتذكَّرْ معًا قصةَ نجيب محفوظ «الحب فوق هضبة الهرم»، وأيضًا فيلم عاطف الطيِّب الجميل المقتبَس عنها. يمكننا أن نقول:
    • (أ)

      «علي» و«رجاء» موظَّفان حكوميَّان شابَّان، تجمعهما مشاعِرُ الحب، يواجهان ظروفًا مادية واجتماعية معاكسة.

    • (ب)

      يقرِّران عقْدَ خطبتهما، لكن دون أيِّ أملٍ في حلِّ مشكلتهما الأساسية، وتتكاثر عليهما الضغوط؛ نفسية وخارجية.

    • (جـ)

      في لحظة عبثٍ وجنونٍ يقرِّران الزواجَ سرًّا والنوم معًا، رغم أنف الأهل والمجتمع والتقاليد. يُقبَض عليهما معًا عند هضبة الهرم.

    حاوِلْ تَكرار هذه الآلية مع أكبر عددٍ ممكنٍ من القصص والروايات والأفلام؛ الغرض هو أن تألَف تلك التركيبة الثلاثية، وأن تعتاد صياغتها. ثم جرِّبْ تطبيقَها على بعض نصوصِك، سواءٌ المكتوبة بالفعل أم تلك التي ما زالت مشاريعَ تدور في ذهنك.

  • (٢)
    ماذا لو؟ مرةً أخرى: أتمنَّى ألَّا تنسى هذا السؤال الصغير: «ماذا لو؟» فهو أداة سحرية، من المستحسن أن تكون في متناوَل يدك، على طول رحلتك مع نصِّكَ الإبداعي، وسوف تجدها نافعة للغاية، في كل مرحلة من مراحل تطوير عملك، وبالخصوص في بدايات تطوير قصتك، أو العمل على حبكتك.

    من أجل اكتشاف الإمكانيات العديدة المتضمَّنة في حدثٍ واحد بسيط، اطرَحْ ذلك السؤال السحري، محوِّلًا ومبدِّلًا في الاحتمالات كلَّ مرة؛ فَلْتكتُبْ أقاصيصَ (ملخَّصَات دون أية تفاصيل) حول موقف واحد، ولكن بسيناريوهات مختلفة. تعالَ نتخيَّل رجلًا وامرأة يقِفان في الشارع، كلٌّ منهما على حدة، في وقتٍ متأخِّر من الليل، يحاوِلان إيقاف سيارة تاكسي. اطرح السؤالَ السحري، واكتب حبكات صغيرة (من ٥٠ إلى ٢٠٠ كلمة مثلًا) بناء على احتمالات مختلفة: هل يكتشفان أن طريقهما واحد؟ هل تأتي سيارة لاصطحاب أحدهما فيَعرض توصيلة على الآخَر؟ هل سيُقَرِّران السَّيْرَ معًا؟ هل يمضي أحدهما ويترك الآخَر وحده. الغرض هنا أن تتبيَّن عددًا معقولًا من الحبكات المختلفة التي يمكن أن تنطلق من موقف واحد بسيط، وأن تبني عليها الهيكلَ العظمي المبدئي لقصتك.

  • (٣)
    اسرق حبكتك: كتب شكسبير أغلب مسرحياته بالاعتماد على نصوص حكايات أو حتى مسرحيات سابقة قديمة. لم يكُن ينسخ، لم يكن يسرق العبارات، كان فقط يستعير الحبكة؛ ليصنع بها شيئًا مختلفًا، خاصًّا به وحده، واشترَى بتلك الحبكات القديمة تذكرتَه للخلود. يمكنكَ أن تفعل مثله — وكما يفعل كثيرون من صنَّاع السينما — باستلهام مسرحيات شكسبير نفسها، في عدد كبير من النُّسَخ التي تتناول الخطَّ الأساسي للأحداث، وتلعب به كيفما تشاء. ستجد خطوطًا كثيرة تربط ما بين روميو وجولييت وقصة الحي الغربي. «جيمس جويس» في روايته الشهيرة «عوليس» تناوَلَ ملحمةَ الأوديسة ليصنع منها ملحمةَ الحداثة التي تدور في يومٍ واحد فقط لترصد الحياة الداخلية لبطله. اسرق حبكةً واصنَعْ منها شيئًا آخَر؛ شيئًا خاصًّا بكَ أنتَ وحدك، فَلْتعتمد على مسرحية قديمة أو فيلم شهير أو عمل كلاسيكي أو حكاية شعبية، واكتب الخطَّ الأساسي لتلك الحبكة وفَكِّكْهُ إلى عناصره الأولية، ثم تأمَّلْ كيف يمكن تغذيته بالتفاصيل والواقع والحياة الخاصة بكَ أنت. كيف يمكن إعادة كتابة رواية «الكونت دي مونت كريستو» اليوم؟ ما الذي ستفعله إذا وضعتَ حكايةَ «حسن ونعيمة» في مدينة صاخبة في مطلع القرن الحادي والعشرين، أو إذا كانت حكاية «شفيقة ومتولي» تدور في أوروبا ستينيات القرن العشرين بين أخٍ وأختٍ عربيَّيْن؟

    على الرغم من أن هذا مجرَّد تمرينٍ للاستلهام، فإن هناك الكثير من الأعمال الأدبية والفنية التي اعتمدَتْ على حبكاتٍ سابقة؛ لتقدِّم إبداعًا فارقًا، دون أن يُعَدَّ هذا سرقةً، ولا تنسَ مثالَ شكسبير.

  • (٤)
    ومصادر أخرى: العبْ. هذه هي كلمة السر، يمكنكَ استلهامُ حبكتكَ من خبرٍ في صفحة الحوادث، من عبارةٍ في أغنية، من فيلم قديم؛ سوف تَجِد على الدوام مظلَّاتٍ عريضةً، تندرج تحتها عشراتُ الحبكات ولكن بتفاصيل مختلفة. إنَّ وصول شخصٍ غريب إلى بلدة صغيرة ذات يوم قد يكون المحرِّكَ الأول لعشرات الحكايات، فمَنْ هو غريبُك؟ وما الذي أتى به إلى هذه البلدة؟ وماذا سيترتَّب على وصوله؟ محاولةُ بلوغِ مقصد أو هدف — عظيمًا كان أم تافهًا — هي أيضًا نواة جوهرية لآلاف الحبكات في الأدب والسينما، فما الذي تسعى إليه شخصيتُك أو شخصياتُك؟ وكيف ستحاول تحقيقه؟ وهل ستنجح أم لا؟ بمجرَّد إجابتك عن تلك الأسئلة البسيطة تَجِد بين يدَيْك الخيوطَ الأوَّلِيَّة للحبكة الخاصة بك، وما عليك إلا تطويرها بأن تكسو عظامها لحمًا، وتمدَّ فيها الأعصاب، وأن تنفخ فيها من رُوحك بحيث تنتزعها بعيدًا — مع الوقت والعمل عليها — عن ملايين الحبكات المشابهة.

    •••

    هل يمكننا الانطلاق في الكتابة من أفكار عامة ومجرَّدة، على الرغم من كل النصائح التي تُشَجِّعنا على عدم فعل ذلك؟ تعالوا نستكشِفْ هذا السؤال في الفصل التالي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤