الفصل الثاني

وقفوا حول الجثة في مجموعة صغيرة متجهمة: بوتيكاري، وبيل، والسيرجنت، وشرطي، ورجلا الإسعاف. كان رجل الإسعاف الأصغر سنًّا خشية أن تتسبب معدته في إحراجه إذا تقيأ، لكنَّ الآخرين انشغلوا بممارسة العمل فقط.

سأل السيرجنت: «هل تعرفها؟»

قال بوتيكاري: «كلا.» وتابع: «لم أرها من قبل.»

لم يرَها أحد منهم من قبل.

«إنها ليست من ويستوفر. لن يخرج أحد من المدينة في وجود شاطئ جيد للغاية بالقرب من منازلهم. لا بدَّ أنها قد جاءت من الداخل في مكان ما.»

قال الشرطي: «ربما نزلت إلى الماء في ويستوفر وانجرفت جثتها إلى هنا.»

اعترض بوتيكاري على ذلك قائلًا: «لم يكن هناك وقت لذلك.» وتابع: «إنها لم تُمضِ وقتًا طويلًا في الماء. لا بدَّ أنها غرقت على مقربة من هنا.»

سأل السيرجنت: «إذن كيف وصلت إلى هنا؟»

قال بيل: «بالسيارة، بالطبع.»

«وأين السيارة الآن؟»

«حيث يترك الجميع سيارتهم؛ حيث ينتهي الدرب عند الأشجار.»

قال السيرجنت: «هل تظن ذلك؟» وتابع: «حسنًا، لا توجد سيارة هناك.»

وافقه رجلا الإسعاف. لقد جاءا عبر ذلك الدرب مع الشرطة — وسيارة الإسعاف تنتظر هناك الآن — لكن ليس هناك أي علامة على وجود أي سيارة أخرى.

قال بوتيكاري: «هذا غريب.» ثم أضاف: «لا يوجد مكان قريب بما فيه الكفاية يصلح لركن السيارة ثم السير إلى الشاطئ سوى هذا. ليس في هذا الوقت من الصباح.»

قال رجل الإسعاف الأكبر سنًّا: «لا أظن أنها سارت على أي حال.» وأضاف، حيث بدا أنهم يستجوبونه: «إنها مُرفَّهة ومعتنية بجسدها.»

نظروا إلى الجثة للحظة في صمت. أجل، كان رجل الإسعاف على حق؛ إذ بدا عليها أنها مرفهة ومعتنية بجسدها.

قال السيرجنت بقلق: «وأين ملابسها على أي حال؟»

شرح بوتيكاري نظريته حول الملابس؛ أنها تركتها تحت علامة المياه العالية وأنها الآن في مكانٍ ما في البحر.

قال السيرجنت: «أجل، هذا ممكن.» وأضاف: «لكن كيف وصلت إلى هنا؟»

غامر رجل الإسعاف الشاب بتجربة معدته والحديث قائلًا: «من الغريب أنها تستحم وحدها، أليس كذلك؟»

قال بيل بصوت عميق: «لا يوجد شيء غريب، في الوقت الحاضر.» ثم أضاف: «إنه لأمر عجيب أنها لم تكن تلعب لُعبة القفز من الجُرف بطائرة شراعية. فالسباحة على معدة فارغة، دون رفقاء، أمر عادي للغاية. إن هؤلاء الحمقى الصغار يُضجرونني.»

سأل الشرطي: «أهذا سوار حول كاحلها، أم ماذا؟»

أجل، لقد كان سوارًا. سلسلة من الحلقات البلاتينية. حلقات غريبة، بالفعل. كل منها على شكل حرف «سي».

شد السيرجنت قامته وقال: «حسنًا، أظن أنه لا يوجد شيء يجب فعله سوى نقل الجثة إلى المشرحة، ثم معرفة من تكون. بالحكم على المظاهر الواضحة، هذا لن يكون صعبًا. هذه المرأة ليست مفقودة أو مسروقة أو تائهة.»

قال رجل الإسعاف: «أجل.» ثم أضاف: «من المحتمل أن كبير الخدم الذي يعمل لديها سيتصل بالقسم الآن في حالة قلق وانفعال كبير.»

قال السيرجنت في تأمل: «أجل.» وتابع: «ما زلت أتساءل كيف أتت إلى هنا، وماذا …»

التفتت عيناه نحو حافة الجرف، وتوقف.

ثم قال: «حسنًا! لدينا صحبة!»

التفتوا ليروا هيئة رجل على قمة الجُرف في الجاب. كان يقف مراقبًا إياهم، وقد بدا عليه الانفعال الشديد. وعندما التفتوا تجاهه استدار بسرعة واختفى.

قال السيرجنت: «إن الوقت مبكر قليلًا لوصول هواة المشي على الشاطئ.» ثم أضاف: «ولماذا يهرب؟ من الأفضل أن نتحدث معه.»

ولكن قبل أن يتحرك هو والشرطي بأكثر من خطوة أو اثنتين أصبح من الواضح أن الرجل لم يكن ينوي الهرب، بل كان يحاول فقط الدخول إلى الجاب. ومن ثم ظهرت هيئته النحيلة الداكنة الآن من مدخل الجاب واتجه نحوهم وهو يعدو بصعوبة، حيث ينزلق ويتعثر، ويعطي المجموعة الصغيرة التي تراقب وصوله انطباعًا بالجنون. وكان بإمكانهم أن يسمعوا لُهاث أنفاسه من خلال فمه المفتوح وهو يقترب، على الرغم من أن المسافة من الجاب لم تكن طويلةً ولم يكن هو كبير السن.

تعثَّر في دائرتهم الصغيرة دون النظر إليهم، دافعًا الشرطيين جانبًا اللذين أقحما نفسَيهما دون وعي بينه وبين الجثة.

صرخ، وهو يجلس دون سابق إنذار وينفجر في البكاء بصوتٍ عالٍ: «أوه، أجل، إنه كذلك! أوه، إنه كذلك، إنه كذلك!»

نظر ستة رجال مذهولين نحوه في صمت للحظة. ثم ربَّت السيرجنت على ظهره بلطف، وقال بلا مبالاة: «هوِّن على نفسك، يا بني!»

لكن الشاب كان يرتجف ويبكي بحرقة أكثر.

هدأه الشرطي قائلًا: «لا بأس، لا بأس.» (في الحقيقة، عرض مروع في صباح جميل ومشرق). وأضاف، وقد لاحظ جودة المنديل الذي أخرجه الشاب: «هذا لن يفيد أي أحد، كما تعلم. من الأفضل أن تتمالك نفسك … يا سيدي.»

سأل السيرجنت، وقد عدَّل صوته بشكل مناسب بدلًا من النبرة الرسمية السابقة: «هل هي قريبة لك؟»

فهزَّ الشاب رأسه.

«أوه، مجرد صديقة؟»

«لقد كانت طيبة للغاية معي، طيبة للغاية!»

«حسنًا، على الأقل ستتمكن من مساعدتنا. لقد كنا في بداية تحريَّاتنا عنها. يمكنك إخبارنا من هي.»

«إنها … مضيفتي.»

«أجل، ولكن أنا قصدت، ما اسمها؟»

«أنا لا أعرف.»

«أنت … لا … تعرف! انظر هنا، يا سيدي، تمالك نفسك. أنت الوحيد الذي يمكنه مساعدتنا. يجب أن تعرف اسم السيدة التي كنت تقيم معها.»

«كلا، كلا، أنا لا أعرف.»

«بماذا كنت تناديها، إذن؟»

«كريس.»

«كريس، ماذا؟»

«فقط كريس.»

«وبماذا كانت تناديك؟»

«روبين.»

«هل هذا هو اسمك؟»

«أجل، اسمي روبرت ستاناواي. كلا، تيسدول. لقد كان ستاناواي سابقًا»، أضاف، وقد لمح نظرة عين السيرجنت وشعَر على ما يبدو أن التفسير ضروري.

كان ما قالته عين السيرجنت: «اللهم هبني الصبر!» أمَّا ما قاله لسانه هو، «كل شيء يبدو غريبًا بعض الشيء بالنسبة إليَّ، يا سيد …»

«تيسدول.»

«تيسدول. هل يمكنك إخباري كيف وصلت السيدة إلى هنا هذا الصباح؟»

«أوه، أجل. بالسيارة.»

«بالسيارة، أليس كذلك؟ أتعرف ماذا حدث للسيارة؟»

«أجل، لقد سرقتها.»

«فعلت ماذا؟»

«سرقتها. ثم أعدتُها للتو. لقد كانت فعلةً قذرة. وقد شعرت بأني نذل لذا عدت. وعندما وجدت أنها ليست في أي مكان على الطريق، ظننت أنني سأجدها تتجول هنا. ثم رأيتكم جميعًا واقفين حول شيءٍ ما — أوه، يا عزيزتي، أوه يا عزيزتي!» وبدأ ينشج مرة أخرى.

سأل السيرجنت بنبرة رسمية للغاية: «أين كنت تقيم مع هذه السيدة؟» ثم تابع: «في ويستوفر؟»

«أوه، كلا. إنها تمتلك … كانت تمتلك، … أعني … أوه يا عزيزتي! … كوخًا. يُطلق عليه: برايارز. خارج ميدلي بالضبط.»

أكمل بوتيكاري، حيث بدا على السيرجنت، الذي لم يكن من سكان البلدة، التساؤل: «إنه مكان على بُعد حوالي ميل ونصف من هنا.»

«هل كنتما هناك وحدكما، أم كان هناك خدم في الكوخ؟»

«هناك فقط امرأة من القرية … السيدة بيتس … كانت تأتي لتطبخ.»

«حسنًا.»

ساد الصمت لبرهة.

ثم قال السيرجنت: «حسنًا، يا رجال.» وأومأ برأسه لرجلَي الإسعاف، فانحنيا للقيام بعملهما، ووضعا الجثة على النقالة. والتقط الشاب أنفاسه بصعوبة وغطَّى وجهه بيديه مرة أخرى.

«هل ننقلها إلى المشرحة أيها السيرجنت؟»

«أجل.»

أنزل الرجل يديه عن وجهه فجأة.

«أوه، لا! بالتأكيد لا! إن لديها منزلًا. ألا يأخذون الناس إلى منازلهم؟»

«لا يمكننا نقل جثة امرأة مجهولة إلى عشة غير مأهولة.»

صحح الرجل المعلومة تلقائيًّا: «إنه ليس عشة.» وتابع: «كلا، كلا، لا أظن ذلك. لكن يبدو الأمر مُروِّعًا … المشرحة. أوه، يا إلهي!» ثم صرخ، «لماذا يحدث هذا!»

قال السيرجنت للشرطي: «ديفيس، عد مع الآخرين وأبلغ. أنا ذاهب إلى … ما اسمه؟ … برايارز؟ مع السيد تيسدول.»

شق رجلا الإسعاف طريقهما الوعر فوق الحصى، وتبعهما بوتيكاري وبيل. وأصبح ضجيج تقدُّمهم بعيدًا قبل أن يتكلم السيرجنت مرة أخرى.

«أظن أنه لم يَخطُر ببالك الذَّهاب للسباحة مع مضيفتك؟»

تشنج وجه تيسدول من الإحراج على ما يبدو. وتردَّد.

«كلا. أنا … ليس من عاداتي، للأسف السباحة قبل الإفطار. أنا … غير جيد في الرياضة والأشياء من هذا القبيل.»

أومأ السيرجنت، دون أن يُبديَ اقتناعه. ثم قال: «ومتى غادرَت للسباحة؟»

«لا أعرف. لقد أخبرَتني الليلةَ الماضية أنها ستذهب إلى الجاب للسباحة إذا استيقظَت مبكرًا. وقد استيقظت أنا نفسي مبكرًا، لكنها كانت قد غادرَت.»

«فهمت. حسنًا، يا سيد تيسدول، إذا كنت قد تمالكت نفسك، فأعتقد أن علينا أن نمضيَ قُدمًا.»

«أجل. أجل، بالتأكيد. أنا بخير.» ووقف على قدمَيه واجتازا معًا الشاطئ في صمت، وصعِدا درجات السُّلَّم في الجاب، واتجها إلى السيارة حيث قال تيسدول إنه تركها في ظل الأشجار حيث ينتهي الدرب. كانت سيارة جميلة، وفخمة للغاية. بها مقعدان لونهما كريمي ويفصل بينهما مساحة لتخزين الطرود عليها غطاء، أو عند الضرورة، يمكن استخدامها لجلوس راكب إضافي. وتفحَّص السيرجنت تلك المساحة، فأخرج منها مِعطفًا نسائيًّا وزوجًا من الأحذية المصنوعة من جلد الغنم الذي ينتشر ارتداؤه بين النساء في اجتماعات السباق الشتوية.

«هذا ما كانت ترتديه عند النزول إلى الشاطئ. فقط المعطف والحذاء فوق ثوب الاستحمام. وهناك منشفة أيضًا.»

كانت هناك بالفعل منشفة. وقد أخرجها السيرجنت؛ وكانت أنيقة باللونين الأخضر والبرتقالي.

قال: «من الغريب أنها لم تأخذها معها إلى الشاطئ.»

«كانت تحب أن تجفف نفسها تحت أشعة الشمس عادة.»

«يبدو أنك تعرف الكثير عن عادات سيدة لا تعرف اسمها.» وجلس السيرجنت على المقعد الثاني في السيارة. ثم أضاف: «منذ متى وأنت تعيش معها؟»

صحَّح تيسدول السؤال، وقد احتدَّ صوته للمرة الأولى: «أمكث معها.» ثم تابع: «عليك فَهْم الأمر بشكل واضح، أيها السيرجنت، وقد يوفر هذا عليك الكثير من الإزعاج: كانت كريس مضيفتي. لا أكثر ولا أقل. لقد نزلنا في كوخها بدون خدم، لكن وجود الخدم من عدمه لم يكن ليغير من نوع العلاقة بيننا. هل يبدو لك هذا أمرًا بالغ الغرابة؟»

قال السيرجنت بصراحة: «للغاية.» ثم أضاف: «ماذا يفعل هذا هنا؟»

كان يحدق في كيس ورقي يحتوي على كعكتين يابستين إلى حدٍّ ما.

«أوه، لقد جلبت هاتين الكعكتين معي من أجلها كي تتناولهما. كان هذا كل ما أمكنني العثور عليه. فدائمًا ما كنا نتناول كعكة عندما نخرج من الماء عندما كنا أطفالًا. ظننت أنها ربما ستُسَر لو أحضرت لها شيئًا ما.»

كانت السيارة تنزلق على الدرب الشديد الانحدار إلى طريق ويستوفر-ستونجيت الرئيسي. ثم عبرا الطريق السريع ودخلا ممرًّا عميقًا على الجانب الآخر. كان ثمة لافتة كُتب عليها: «ميدلي ١، ليدلستون ٣.»

«إذن لم يكن لديك نية لسرقة السيارة عندما انطلقت لتتبعها إلى الشاطئ؟»

قال تيسدول بامتعاض كما لو كان ذلك سيُحدث فرقًا: «بلى، بالتأكيد!» ثم أضاف: «لم يخطر الأمر ببالي إلى أن صعِدت التل ورأيت السيارة تنتظر هناك. وحتى الآن لا أصدق أنني فعلت ذلك حقًّا. لقد كنت أحمق، لكنني لم أفعل شيئًا كهذا أبدًا من قبل.»

«هل كانت في البحر آنذاك؟»

«لا أعرف. لم أذهب لأنظر. وإذا كنت قد رأيتها حتى من مسافة بعيدة، لما فعلت ذلك. لقد رميت الكعك داخل السيارة وغادرت. وعندما وعيت كنت في منتصف الطريق إلى كانتربري. فاستدرت بالسيارة دون توقف، وعدت مباشرة.»

ولم يعلق السيرجنت.

«ما زلت لم تخبرني منذ متى وأنت تقيم في الكوخ.»

«منذ منتصف ليل السبت.»

كان اليوم هو الخميس.

«وما زلت تطلب مني أن أصدق أنك لا تعرف اسم عائلة مضيفتك؟»

«كلا. إنه أمر غريب بعض الشيء، أعلم. فأنا نفسي اعتقدت ذلك في البداية. لقد نشأت نشأةً تقليدية. لكنها جعلَت الأمر يبدو طبيعيًّا. إذ بعد اليوم الأول، تقبل كلٌّ منا الآخر ببساطة. كان الأمر كما لو كنت أعرفها لسنوات.» وبينما لم يَقُل السيرجنت شيئًا، لكنه جلس يشعُّ شكًّا كما يشعُّ المَوقد حرارةً، أضاف هو بانفعال: «لماذا لا أخبرك باسمها إذا كنت أعرفه؟»

قال السيرجنت بأسلوب فظ: «كيف يمكنني أن أعرف؟» وتأمل وجه الشاب خلسةً، فوجده شاحبًا، وإن كان قد تمالك نفسه. ويبدو أنه قد تحسَّن بسرعة ملحوظة بعد أن أبدى توتره وحزنه. لا يتسمون بالثقل والرزانة، شباب هذه الأيام. وليس لديهم عاطفة حقيقية تجاه أي شيء. فقط هستيريا. ما أسمَوه الحب كان مجرد إباحية، وظنوا أن أي شيء آخر «عاطفي». لا انضباط. ولا تحمل مسئولية. في كل مرة تصبح فيها الأمور صعبة، فإنهم يهربون. لم يُصفعوا بما فيه الكفاية في شبابهم. كل تلك الأفكار الحديثة حول إعطاء الأطفال حرية اختيار طرقهم الخاصة. انظر إلى ما أدَّت إليه. الولولة على الشاطئ لدقيقة والهدوء والثبات في الدقيقة التالية.

ثم لاحظ السيرجنت ارتجاف اليدين الناعمتين على عجلة القيادة. كلا، إن روبرت تيسدول لم يكن هادئًا بأي حال من الأحوال.

سأل السيرجنت، وهما يبطئان سرعتهما بجوار حديقة يحيط بها سور من الشجيرات: «هل هذا هو المكان؟»

«هذا هو المكان.»

كان كوخًا نصف خشبي من نحو خمس غرف؛ محجوبًا عن الطريق بسياج ارتفاعه سبعة أقدام من شجيرات الورد البري التي تتدلى منها الورود. هبة من السماء للأمريكيين، ومحبي قضاء عطلات نهاية الأسبوع، والمصورين. كانت النوافذ الصغيرة تتثاءب وسط هذا الهدوء، والباب الأزرق اللامع مفتوحًا بتَرحاب، كاشفًا في الظل عن بريق وعاء تدفئة نُحاسي ذي يد طويلة كان معلقًا على الحائط. لقد «انكشف» الكوخ.

وبينما كانا يسيران عبر المَمشى المُغطَّى بالقرميد، ظهرَت امرأة ضئيلة نحيفة على عتبة الباب، تضع مئزرًا أبيض للمطبخ؛ وشعرها الخفيف معقود عند مؤخرة رأسها، بينما ثبتت بغير إحكام على أعلى رأسها اللامع عُقدة مستديرة من الساتان الأسود.

تباطأ تيسدول عندما شاهدها، بحيث يُنْبئ مجيء السيرجنت بمظهره الرسمي الكبير عن وقوع متاعب بشكل واضح.

لكن السيدة بيتس كانت أرملة شرطي، ولم يظهر أيُّ تخوف على وجهها الضئيل النحيف. كان مجيء شرطي لا يعني لها سوى تحضير وجبة إضافية؛ وتصرف عقلها وَفقًا لذلك.

«لقد كنت أخبز بعض البانكيك للإفطار. وسوف تزداد حرارة الجو لاحقًا. لذا من الأفضل إطفاء نار المَوقد. هلَّا أخبرت الآنسة روبنسون عندما تأتي، يا سيدي؟» ثم، بعد إدراكها أن الشرطي برتبة سيرجنت، أضافت: «لا تقل إنك كنت تقود السيارة بدون رخصة، يا سيدي!»

قال السيرجنت: «الآنسة … روبنسون، أليس هذا هو اسمها؟ قد تعرضت لحادث.»

«بالسيارة! أوه، يا إلهي! إنها دائمًا ما تقود بتهور. هل إصابتها خطيرة؟»

«ليس بالسيارة. حادث في الماء.»

قالت ببطء: «أوه.» ثم أضافت: «هذا سيئ!»

«ماذا تقصدين بقولك: هذا سيئ؟»

«الحوادث في الماء تعني شيئًا واحدًا فقط.»

قال السيرجنت: «أجل.»

قالت، متأملة في حزن: «حسنًا، حسنًا.» ومن ثم، تغيَّر أسلوبها فجأة، وأضافت في لهجةٍ زاجرة: «وأين كنت؟» وهي تنظر إلى تيسدول ناكس الرأس كما لو كانت تنظر إلى سمكة ليلة السبت على لوح تاجر سمك في ويستوفر. وقد تلاشى احترامها السطحي تجاه «طبقة النبلاء» في ظل الكارثة. ظهر تيسدول على أنه «شخص عديم الجدوى» مثلما كانت تَعدُّه في قرارة نفسها.

كان السيرجنت مهتمًّا، ولكنه ادَّعى تجاهل ما تقوله. وقال: «السيد لم يكن هناك.»

«كان يفترض أن يكون هناك. لقد غادر بعدها بقليل.»

«كيف علمت ذلك؟»

«لقد رأيته. فأنا أعيش في الكوخ الواقع بنهاية الطريق.»

«هل تعرفين العنوان الآخر للآنسة روبنسون؟ أنا واثق بأن هذا ليس منزلها الدائم.»

«أجل، بالطبع ليس كذلك. لقد حصلت على هذا المكان لمدة شهر فقط. إنه ملك أوين هيوز.» وصمتت برهة، بهدف إحداث تأثير، لتجعله يشعر بأهمية الاسم. ثم تابعت: «لكنه يصور فيلمًا في هوليوود. فيلمًا عن كونت إسباني، حسبما أخبرني. لقد قال إنه مثَّل دور كونت إيطالي وفرنسي وهو يعتقد أنها ستصبح تجربة جديدة بالنسبة إليه أن يمثل دور كونت إسباني. إن السيد هيوز، لطيف للغاية. ليس فاسدًا على الإطلاق رغم كل الجلَبة التي تُثار حوله. لن تصدق ذلك، لكن ذات مرة جاءت فتاة وعرضت عليَّ خمسة جنيهات إذا أعطيتها المُلاءات التي ينام عليها. فلم أعطها سوى التوبيخ واللوم. لكنها لم تخجل مطلقًا. وعرضت عليَّ خمسةً وعشرين شلنًا للحصول على كيس وسادة. لا أعرف إلى أين يتجه العالم، لا أعرف، وماذا دهى …»

«ما هو العنوان الآخر للآنسة روبنسون؟»

«لا أعرف أيًّا من عناوينها إلَّا هذا العنوان.»

«ألم ترسل إليك رسالة لتخبرك عندما كانت قادمة؟»

«رسالة! كلا! إنها ترسل برقيات. أظن أنها تستطيع كتابة الرسائل، لكنني أقسم أنها لم تفعل ذلك مطلقًا. كانت نحو ست برقيات يوميًّا تذهب إلى مكتب البريد في ليدلستون. اعتاد ولدي ألبرت على أخذها، في الغالب؛ بين أوقات المدرسة. استخدمت في بعضها ثلاثة أو أربعة نماذج، كانت طويلة للغاية.»

«هل تعرفين أيًّا من الأشخاص الذين استضافتهم هنا، إذن؟»

«لم تستضف أي أشخاص هنا. عدا السيد ستاناواي، فقط.»

«لا أحد!»

«لا أحد. ذات مرة — عندما كنت أريها طريقة تنظيف المرحاض؛ عليك أن تسحب بقوة ثم تتركه ببساطة — قالت: «هل سبق لك، يا سيدة بيتس، أن سئمت من رؤية وجوه الناس؟» فقلت إنني سئمت من البعض، فقالت: «ليس البعض، يا سيدة بيتس. جميعهم. لقد سئمت من جميع الناس.» قلت عندما أشعر بذلك أتناول جرعة من زيت الخروع. فضحكت وقالت إنها ليست فكرة سيئة. كل ما هنالك هو أن الجميع يجب أن يتناولوه، ومن ثم سيصبح العالم جديدًا ورائعًا في غضون يومين. ثم قالت: «لم يفكر موسوليني مطلقًا في ذلك.»»

«هل جاءت من لندن؟»

«أجل. لقد ذهبت إلى هناك مرة واحدة أو مرتين فقط في الأسابيع الثلاثة التي أقامت فيها هنا. آخر مرة كانت في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، عندما جلبت معها السيد ستاناواي.» ومرة أخرى، نظرت باحتقار نحو تيسدول كما لو كان في مرتبةٍ أدنى من الإنسان. ثم سألت: «ألا يعرف عنوانها؟»

قال السيرجنت: «لا أحد يعرفه.» وتابع: «سأفتش في أوراقها وأرى ما يمكنني العثور عليه.»

قادته السيدة بيتس إلى غرفة المعيشة؛ وكانت غرفة لطيفة، منخفضة الإضاءة، ورائحتها مثل زهور البازلاء.

وسألت: «ماذا فعلتم بها … أقصد بالجثة؟»

«أودعناها المشرحة.»

يبدو أن هذا جلب الحزن إلى المنزل لأول مرة.

«أوه، يا لَلأسى.» حركت نهاية مئزرها فوق طاولة مصقولة، ببطء. «وأنا أصنع البانكيك.»

لم يكن هذا ندمًا على البانكيك المهدر، بل اعترافًا بغرابة الحياة.

قالت لتيسدول، وقد رقَّت مشاعرها من خلال اعترافها اللاواعي بحقيقة أن الأفضل ما هم إلا دُمى: «أتوقع أنك ستحتاج إلى وجبة إفطار.»

لكن تيسدول لم يرغب في تناول الإفطار. إذ هزَّ رأسه واستدار بعيدًا إلى النافذة، بينما يفتش السيرجنت في المكتب.

قال السيرجنت وهو يفتش في الأوراق: «لا أمانع في الحصول على واحدة من البانكيك.»

«لن تحصل على أفضل منها في كنت، رغم أنني من أقول ذلك. وربما يحتسي السيد ستاناواي بعض الشاي.»

ومن ثم غادرت إلى المطبخ.

فقال السيرجنت، وهو يرفع عينه عن الأوراق ويُلقي نظرة خاطفة على تيسدول: «إذن أنت لم تكن تعرف أن اسمها هو روبنسون؟»

«السيدة بيتس كانت تخاطبها دائمًا بكلمة (آنسة). وعلى أي حال، هل بدت وكأن اسمها روبنسون؟»

لم يُصدق السيرجنت، أيضًا، للحظة أن اسمها روبنسون، لذلك ترك الموضوع يمر.

قال تيسدول بعد برهة: «إذا لم تكن بحاجة إليَّ، أعتقد أنني سأذهب إلى الحديقة. إن الجو خانق هنا.»

«حسنًا. لا تنسَ أنني بحاجة إلى السيارة للعودة إلى ويستوفر.»

«لقد أخبرتك. لقد كان رغبة متهورة مفاجئة. على أي حال، لم أكن لأستطيع سرقتها الآن وآمُل أن أُفلت من العقاب.»

قرَّر السيرجنت أنه ليس غبيًّا لهذه الدرجة. كما أنه عصبي المزاج بعض الشيء. ليس مجرد شخص تافه عديم الأهلية، على أي حال.

كان المكتب مليئًا بالمجلات، والصحف، وعلب سجائر نصف فارغة، وقطع من أُحجيَّة الصور المقطوعة، ومبرد أظافر وملمع أظافر، وأنماط من الحرير، وعشرات الأغراض والأشياء المتنوعة الأخرى؛ كل شيء، في الواقع، ما عدا ورق الملاحظات. كانت الوثائق الوحيدة عبارة عن فواتير من التجار المحليين، تم دفع معظمها. إذا كانت المرأة غير مرتبة وغير منظمة، فقد كان لديها على الأقل مستوًى من مستويات الحذر. قد تكون الإيصالات مجعدة ويَصعُب العثور عليها عند الرغبة في ذلك، ولكنها على الأقل لم يتم التخلص منها تمامًا.

بدأ السيرجنت، الذي تأثر بهدوء الصباح الباكر، وبالأصوات المبهجة للسيدة بيتس وهي تحضر الشاي في المطبخ، وباحتمال وصول البانكيك، ينغمس في نقيصته الوحيدة وهو يفتش في المكتب. فأطلق صفيرًا. كان صوت صفير السيرجنت منخفضًا وصافيًا ولطيفًا للغاية، لكنه، لا يزال … صفيرًا. وأخذ يدندن: «غنِّ لي في بعض الأحيان»، دون أن ينسى نوتات النغمة، واستمد عقله الباطن رضاء كبيرًا من الأداء. كانت زوجته قد أطلعته ذات مرة على مقال في صحيفة «ميل» قال إن الصفير هو علامة على عقل فارغ. لكن هذا لم يشفه منه.

وبعد ذلك، فجأة، تحطم الانسجام اللحظي. إذ بدون سابق إنذار جاءت نغمات محاكية ساخرة من باب غرفة الجلوس نصف المفتوح — تم-تي-تا-تم-تمتا-تا! وقال صوت رجل: «إذن هذا هو المكان الذي تختبئين فيه!» وفُتح الباب على مصراعيه بحركة استعراضية ووقف أمامه شخص قصير أسمر اللون.

وقال بصوت ممطوط مقسمًا الكلمة إلى مقاطع: «حسنًا.» ووقف يحدق في السيرجنت باندهاش وهو يبتسم ابتسامة عريضة. «ظننت أنك كريس! ماذا تفعل الشرطة هنا؟ هل وقع حادث سطو؟»

«كلا، لم يقع حادث سطو.» كان السيرجنت يحاول جمع أفكاره.

«لا تقل إن كريس كانت تقيم حفلة صاخبة! لقد اعتقدت أنها تخلت عن تلك الحفلات منذ سنوات. إنها لا تتماشى مع كل تلك الأدوار المثقفة.»

«كلا، في واقع الأمر، هناك …»

فقال: «أين هي، على أي حال؟» ورفع صوته في صيحة مرحة موجهة إلى الطابق العلوي. «يو هوو! كريس. تعالي إلى الأسفل، أيتها الشقية! تختبئين مني!» ثم وجَّه حديثه إلى السيرجنت: «لقد هربت منا جميعًا منذ ثلاثة أسابيع تقريبًا الآن. بسبب الأضواء، حسبما أظن. فالأضواء تسبب لهم جميعًا هياجًا عصبيًّا إن عاجلًا أو آجلًا. ولكن مع ذلك، لقد نجح الفيلم الأخير للغاية وهم يريدون بطبيعة الحال الاستفادة من نجاحه.» ودندن جزءًا من أغنية «غنِّ لي في بعض الأحيان» محاكيًا صوتها بطريقة احتفالية. ثم أضاف: «لهذا السبب ظننت أنك كريس؛ لقد كنتَ تُصدر صفيرًا على لحن أغنيتها. وصفيرك جيد للغاية، أيضًا.»

«أغنيتها … ماذا تقصد؟» وتمنى السيرجنت في تلك اللحظة أن يتعطَّف القدر عليه ويمنحه بصيصًا من الضوء.

«أقصد أغنيتها. ومن غيرها؟ أنت لم تظن أنها أغنيتي، أيها الرجل الطيب العزيز، أليس كذلك؟ مطلقًا. لقد كتبت الأغنية، بالتأكيد. لكن هذا لا يهم. إنها أغنيتها. وربما هي لم تُفصح عن ذلك! أليس كذلك؟ ألم يكن هذا أداءً؟»

«لا أستطيع أن أقرر بالفعل.» إذا توقَّف الرجل عن الكلام، فقد يمكنه تفسير الأمور.

«ربما أنت لم تشاهد فيلم «بارز أوف أيرن» (قضبان الحديد) بعد؟»

«كلا، لا أستطيع أن أقول إنني شاهدته.»

«هذا هو أسوأ ما في التسجيلات اللاسلكية وتسجيلات الجراموفون وما إلى ذلك؛ فهي تأخذ كل الحماسة من الفيلم. ربما بحلول الوقت الذي تسمع فيه كريس تغني تلك الأغنية ستكون قد سئمت من الصوت لدرجة أنك ستتقيأ عند عزف الموسيقى التمهيدية. هذا ليس عدلًا بالنسبة إلى فيلم. قد يناسب كتاب الأغاني وهذا النوع من الغوغاء، لكنه صعب بالنسبة إلى فيلم، صعب للغاية. يجب أن يكون هناك نوع من الاتفاق. يا كريس، كريس! أليست هنا، بعد كل عنائي في اللحاق بها؟» وتجهَّم وجهه مثل طفل محبط. «إن قدومها من الخارج لتجدني هنا ليس في نفس متعة قدومي أنا كي أفاجئها. هل تعتقد …»

«انتظر لحظة، يا سيد … إممممم … أنا لا أعرف اسمك.»

«أنا جاي هارمر. جيسون في شهادة الميلاد. أنا من كتبت أغنية «إن لم يكن في يونيو». من المحتمل أنك تصفر لحنها ﮐ…»

«سيد هارمر. هل أفهم من كلامك أن السيدة التي تقيم … كانت تقيم … هنا هي ممثلة سينمائية؟»

«هل هي ممثلة سينمائية؟!» الاستغراب البطيء حرم السيد هارمر هذه المرة من الكلام. ثم بدأ يدرك أنه لا بدَّ قد أخطأ. «قل لي، إن كريس تقيم هنا، أليس كذلك؟»

«اسم السيدة هو كريس، أجل. لكن … حسنًا، ربما ستتمكن من مساعدتنا. لقد وقع حادث — للأسف — ويبدو أنها قالت إن اسمها هو روبنسون.»

ضحك الرجل في متعة غنية. «روبنسون! هذه مزحة جيدة. لطالما قلت إنها لا تتمتع بخيال خصب. لا يمكنها أن تكتب مزحة. وهل صدقت أنها من عائلة روبنسون؟»

«حسنًا، كلا؛ بدا الأمر غير مرجح.»

«ألم أقل لك! حسنًا، فقط لأعاقبها على معاملتي مثل فتات على أرضية غرفة التقطيع، سأشي عن سرها. من المحتمل أنها ستضعني في صندوق الثلج لمدة أربع وعشرين ساعة، لكن الأمر يستحق العناء. أنا لست رجلًا نبيلًا، على أي حال، لذلك لن أهين شرفي لو وشيت. إن اسم السيدة، أيها السيرجنت، هو كريستين كلاي.»

قال السيرجنت: «كريستين كلاي!» وفغَر فاه من الدهشة، بشكل خارج عن إرادته تمامًا.

شهقت السيدة بيتس، وهي تقف في الطرقة، حاملة في يديها صينية منسية من البانكيك وقالت: «كريستين كلاي!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤