الفصل السادس والعشرون

بعد نصف ساعة، أعطى الطبيب الشرعي رينولدز للمرأة التي تصرخ وتهذي، والتي كانت فيما سبَق تُعرف باسم ليديا كيتس، حقنة مورفين حتى يتمكَّنوا من نقلها إلى القسم بطريقة لائقة.

وقف جرانت وويليامز عند الباب، يشاهدان سيارة الإسعاف التي تختفي، ولم يجدوا أيَّ كلمات تقال.

قال جرانت بعد فترة طويلة، مستجمعًا تماسكه: «حسنًا، أظن أنه من الأفضل أن أغادر وأقابل تشينس.»

قال ويليامز بحقدٍ مفاجئ: «يجب إطلاق النار على الأشخاص الذين وضعوا قوانين هذا البلد.»

بدا جرانت مذهولًا. وقال: «هل تقصد، عقوبة الإعدام؟»

«كلا! ساعات إغلاق المتاجر.»

«أوه، فهمت. هناك قارورة في خزانتي. يمكنك أن تصب لنفسك مشروبًا.»

«شكرًا لك سيدي.» ثم وجَّه حديثه للخادمة الباكية في الخلفية. «لا تحزني، يا آنسة! إن الأمور من هذا القبيل ستظل تحدث.»

فقالت: «لقد كانت صاحبة عمل لطيفةً للغاية بالنسبة إليَّ. يؤلمني أن أراها هكذا.»

قال جرانت: «اعتني بهذا المعطف، يا ويليامز»، بينما كانا يسيران في الطريق المؤدي إلى السيارة التي أرسلت من أجلهما، وهو في غاية السعادة لمغادرة المنزل.

«أخبرني، يا سيدي، كيف اكتشفت أنها تلك المرأة من بين كل الناس؟»

أخرج جرانت الصفحات التي مزَّقها من المجلة.

«وجدت هذه في مجلة داخل صالون الحلاقة في فندق مارين. يمكنك قراءتها بنفسك.»

لقد حملت الصفحات مقالًا كتبته إحدى صحفيات ميدويست، كانت في نيويورك لقضاء إجازة. إن نيويورك مليئة بنجوم السينما الذين إمَّا هجروا دراستهم أو كانوا في طريقهم للعودة إليها، وفي نيويورك أيضًا توجد الآنسة ليديا كيتس. والشيء الذي أثار إعجاب الصحفية لم يكن مصافحة جريس مارفل، ولكن صدق نبوءات الآنسة كيتس. لقد تنبأت بثلاث نبوءات مذهلة. لقد قالت إنه في غضون ثلاثة أشهر سيتعرض لين دريك لحادث خطير؛ والجميع يعلمون أن هذا حدث بالفعل وأن لين دريك لا يزال طريحَ الفراش. وقالت إن ميلارد روبنسون سيخسر ثروة نتيجة حريق في غضون شهر؛ وكان الجميع يعلم كيف احترقت بكرات الفيلم الجديد الذي تكلَّف إنتاجه مليون دولار وتحولت إلى رماد. وتنبَّأ تصريحها الثالث بالموت غرقًا لنجمة من ممثلات الدرجة الأولى، وذكرت اسمها بالطبع، لكن الصحفية بطبيعة الحال لم تستطع الكشف عنها. «إذا تحققت هذه النبوءة الثالثة الخاضعة للظروف والقاطعة للغاية، فإن الجميع سيُقر بأن الآنسة كيتس تمتلك واحدة من أكثر المواهب الخارقة للطبيعة في العالم. وستحاصرها البشرية جمعاء. لكن لا تذهبي للسباحة مع الآنسة كيتس أيتها النجمة الشقراء الصغيرة! فقد يصبح الإغواء أكثر من اللازم بالنسبة إليها!»

قال ويليامز: «يا للعجب»، وظل صامتًا حتى أنزله جرانت في سكوتلاند يارد.

قال جرانت: «أخبر المأمور بأنني سأعود إلى الإدارة بمجرد أن أقابل اللورد إدوارد»، وأقلَّته السيارة إلى ريجنت بارك.

وأمام المدفأة الرخامية والبسط المصنوعة من جلد الغنم، انتظر جرانت نصف ساعة قبل وصول تشينس.

«كيف حالك أيها المفتش؟ سمعت من بينس أنك كنت تنتظر. آسف لتركك تنتظر لفترة أطول مما هو ضروري. أتمنى أنك تشرب الشاي؟ ولكن إذا لم ترغب فهناك ما يسميه عمي (المشروبات الروحية). كلمة ألطف بكثير من (الكحوليات)، ألا تظن ذلك؟ هل لديك أخبار؟»

«أجل، يا سيدي. أنا آسف للمجيء دون موعدٍ سابق بينما أنت عائد مباشرة من رحلة.»

«لا يمكن أن يكون الأمر أسوأ من محاضرة غرفة الاستقبال التي ألقتها عمتي الكبيرة بالأمس. لقد ذهبت فقط من أجل السيدة العجوز، لكنني وجدتها ترى أن من الأفضل أني لم أحضر. كان هذا سيصبح أكثر «ملائمة». لذا أخبرني بالأخبار السيئة.»

أخبره جرانت بما حدث، فاستمع باهتمام، وذهبت عنه لامبالاته الدفاعية الشديدة.

وسأل، عندما انتهى جرانت: «هل هي مجنونة؟»

«أجل. يعتقد رينولدز ذلك. قد تكون هستيريا، لكنه يعتقد أنه جنون. أوهام العظمة، كما تعلم.»

«بائسة مسكينة. لكن كيف عرفت أين كانت زوجتي؟»

«أخبرها أوين هيوز في رسالة من هوليوود. نسيَ أنه وعد ألا يُفشيَ سر استئجارها لكوخه. بل إنه ذكر أمر ذَهابها للسباحة في الصباح الباكر.»

«أمر بسيط للغاية. فهمت … هل كانت خبيرةً بقيادة الزورق ذي المحرك، إذن؟»

«لقد نشأت عمليًّا على واحد منها، على ما يبدو. وكانت تستخدمه عبر النهر باستمرار. لم يكن أحد ليفكر في الشك برحلاتها النهرية. ربما تكون قد قامت بمثل هذه الرحلة الليلية عبر النهر أكثر من مرة قبل أن تُتاح لها الفرصة التي تبحث عنها. أمر غريب، لكن لا أحد يفكر أبدًا في النهر على أنه طريق سريع إلى أي مكان. لقد فكرنا في إمكانية وجود قارب ذي محرك، بطبيعة الحال، ولكن ليس قاربًا ذا محرك من لندن. لا يعني ذلك أنه كان من الممكن أن يساعدنا الأمر كثيرًا لو كنا فكرنا. إذ إن معطف الرجل الذي ارتدته قد ضلَّلنا للغاية. ترتدي الكثير من النساء معاطف المطر الخاصة بالرجال، أثناء ركوبهن على اليخوت؛ لكنني لا أعتقد أن ذلك كان سيخطر على بالي.»

سادت فترة صمت قصيرة.

كان كلا الرجلين يتخيل في ذهنه رحلة القارب عبر النهر الضبابي، إلى المصب المتعدد الأضواء، وعلى طول الساحل متعدد الأضواء. بلدة صغيرة تِلو الأخرى، من أضواء الميناء المتوهجة إلى أضواء الفيلات المتلألئة فوق المنحدرات، لا بدَّ أن كل ذلك قد أضاء طريقها عبر الرحلة. ولكن لاحقًا، لا بدَّ أن الظلام قد حل؛ ظلام دامس وصمت، بينما يهبط ضباب الصيف على الماء. في أي شيء كانت تفكر أثناء انتظارها؟ وحدها، ولديها وقت طويل للتفكير. وبدون نجوم تذكرها بعظمتها. أم كان جنونها في ذلك الحين واثقًا من عدم وجود شكوك فيها؟

وبعد ذلك … تخيل كل رجل منهما ذلك أيضًا. المفاجأة. التحية الودية. قبعة كريس الخضراء تبرز بجانب الهيكل الرمادي للقارب … القبعة التي لم يُعثر عليها مطلقًا. تميل المرأة للتحدث معها. وعندئذٍ …

تذكر جرانت تلك الأظافر المكسورة على يدي كريستين. إذن، لم يقع الأمر بسهولة.

«هذا يُنهي القضية، يا سيدي، لكن هناك شيء آخر حقًّا جعلني آتي لمقابلتك. قضية مختلفة تمامًا.»

«أجل؟ ها قد جاء الشاي. لا داعيَ للانتظار، يا بينس. هل تود بعض السكر، أيها المفتش؟»

«أريد أن أعرف أين أخذت ريمنيك.»

توقف تشينس وهو يمسك بالسكر. بدا متفاجئًا ومندهشًا — وبطريقة ما — مُعجبًا.

«إنه مع أصدقاء هارمر، بالقرب من تنبريدج ويلز.»

«هل يمكنني الحصول على العنوان بدقة؟»

أعطاه تشينس العنوان، وأعطاه فنجان الشاي أيضًا. وسأل: «لماذا تريد ريمنيك؟»

«لأنه موجود في هذا البلد بدون جواز سفر … والفضل لك!»

«كان بدون جواز سفر. أصدرت وزارة الخارجية البريطانية تصريح دخول له هذا الصباح. لقد تطلَّب الأمر الكثير من البلاغة — بريطانيا محبة العدالة، المدافعة عن المضطهدين، وطن الصالحين المشردين؛ كل هذه الأشياء — لكنها نجحت. لا يزال الرجال في وزارة الخارجية يشعرون بالفخر، هل تتخيل ذلك؟ لقد كانوا مثل مجموعة من الطواويس التي نفشت ريشها عندما انتهيت.»

نظر إلى وجه المفتش المستهجن. وقال: «لم أكن أعرف أن هذا الأمر البسيط يمثل مصدر قلق لك.»

صاح جرانت: «قلق! لقد كاد يُفسد كل شيء. أنت وهارمر كلاكما كذب بشأن ما فعلتماه في تلك الليلة …» وجد أنه في موقف حساس، فكبح جماح نفسه.

لكن تشينس فهِم الأمر. وقال: «أنا آسف حقًّا، أيها المفتش. هل ستلقي القبض عليَّ؟ هل يمكن القبض على أحد بأثرٍ رجعي، إذا جاز التعبير؟»

«لا أظن ذلك. يجب أن أستفسر عن الأمر. سوف يسعدني ذلك كثيرًا.» واستعاد جرانت ثبات أعصابه.

«حسنًا. دعنا نؤجل القبض عليَّ. لكن أخبرني كيف اكتشفت الأمر؟ لقد ظننت أننا كنا بارعين للغاية.»

«ربما لم أَكُن لأكتشف ذلك أبدًا لولا التحريات الجيدة التي أجراها ضابط شاب — ريميل — في دوفر.»

«يجب أن أقابل ريميل.»

«لقد اكتشف أنك وهارمر قد تقابلتما في تلك الليلة وكنت قلقًا بشأن الجمارك.»

«أجل. كان ريمنيك في خزانة في كابينتي. وكانت نصف ساعة مثيرة. لكن رجال الجمارك والميناء بشر في نهاية الأمر.»

فهِم جرانت هذا على أنه يعني أنهم أحرجوا تشينس، ولكنهم افتقروا إلى الشجاعة الكافية لتفتيش الزورق بالكامل. «عندها بدأت أشعر أنني إذا استطعت أن أتذكر شيئًا قلته أنت قبل … أن تضللني بشأن وقت وصولك إلى دوفر، فسيصبح لدي مفتاح كل شيء. وتذكرته! لقد قلت إن أمل جاليريا الوحيد هو ريمنيك، وأن ريمينك سيظهر مرة أخرى عندما يصبح حزبه جاهزًا. لكن العقبة الكبيرة كانت في فَهْم العلاقة بينك وبين هارمر. كان الأمر بسيطًا جدًّا وواضحًا جدًّا لدرجة أني لم أستطع كشفه. لقد تبادلتما الإعجاب والتقدير فور أن عرفتك زوجتك به. يجب أن أقرَّ بأنه ضللني على نحوٍ رائع، ومثل دور الناقم … المنتمي للفئات المحرومة. كان لا بدَّ لي أن أفكر أكثر في إدراكي ﻟ…»

«إدراكك لماذا؟»

«لأنك شخص غير تقليدي.» وابتسم الرجلان. «بمجرد أن تلمست طريقي عبر هذه الصعوبة، كان الباقي سهلًا. لقد علم «الفرع الخاص» كل شيء عن اختفاء ريمينك، ورفضِ منحه جوازَ سفر، ورفضِ بريطانيا استقباله هنا. حتى إنهم كانوا يعرفون أنه من المفترض وجوده في إنجلترا، لكن لم يكن لديهم ما يؤكد ذلك. إذن، فقد عاد الزورق ذو المحرك إلى الشاطئ مرة أخرى؟»

«هل تقصد، في تلك الليلة؟ أجل. قادنا هارمر بالسيارة إلى منزل صديقه. لديه شجاعة؛ وكان خائفًا، على ما أظن، لكنه واصل المهمة. لقد علمت أن تيسدول قد ظهر»، قال بينما ينهض جرانت لينصرف. وتابع: «لا بدَّ أن هذا قد مثَّل مصدر ارتياح كبير لك. هل هو مريض؟»

«كلا، إنه يعاني من البرد، وهو مُجهَد بالطبع. لكني آمُل أن يصبح بخير.»

«في طبعة منتصف النهار التي اشتريتها في يورك، قرأت وصفًا مروعًا لمعاناته. ولمعرفتي بالصحافة، اعتقدت بثقة أنه لم تكن فيه كلمة واحدة صحيحة.»

«ولا كلمة واحدة. كان هذا جامي هوبكينز فقط.»

«من هو جامي هوبكينز؟»

«من هو …» خذلت الكلمات المفتش. ونظر بحسد إلى تشينس. وقال: «الآن عرفت لماذا يغادر الرجال إلى الأماكن النائية في كوكب الأرض!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤