الفصل السابع

في برودة الصباح الساطع ليوم الإثنين قاد جرانت سيارته في شارع ويجمور. كان الوقت لا يزال مبكرًا والشارع هادئًا؛ حيث لا يقيم مرتادو شارع ويجمور في المدينة خلال عطلات نهاية الأسبوع. وقد انشغل أصحاب محلات الزهور في تنسيق باقات ورود يوم السبت بأسلوب العصر الفيكتوري حيث يمكن شد بتلاتها الشاردة برفق. وأبعدت متاجر التحف تلك الستارة المثيرة للفضول إلى الجانب الآخر من واجهة العرض بعيدًا عن أشعة شمس الصباح شديدة التطفل. وقدمت المقاهي الصغيرة كعكاتها غير الطازجة مع قهوة الصباح بينما ينتابها الجزع وتضايقها العجرفة من المتغطرسين الذين يطلبون كعكات طازجة. وسحبت متاجر الملابس عروض يوم السبت مخفضة الأسعار من واجهة العرض وأعادت الأسعار الأصلية.

وقد شعر جرانت، الذي كان في طريقه لمقابلة خياط تيسدول، بالسخط بعض الشيء من فساد الأمور. لو أن مِعطف تيسدول قد صنعه خياط في لندن، لكان من السهل أن يتعرف على الزر ويؤكد أنه من نفس نوع الأزرار الذي يستخدمه في صنع المعاطف، وفي معطف تيسدول على وجه الخصوص. هذا لن يحسم الأمر ولكنه سيجعل الحسم أقرب بشكل ملحوظ. لكن معطف تيسدول صنع، من بين جميع الأماكن، في لوس أنجلوس. وقال تيسدول لتوضيح الأمر: «إن المعطف الذي أمتلكه كان ثقيلًا جدًّا بالنسبة إلى ذلك المناخ، ومن ثم حصلت على مِعطف جديد.»

أمر منطقي، لكنه مضنٍ. لو أن ذلك المعطف قد صُنع مِن قِبل شركة في لندن، يمكن للمرء أن يذهب إلى متجرها في أي وقت خلال الخمسين عامًا القادمة وسيخبرونه بكل بساطة وبأدب جم (بشرط أن يعرفوا من أنت) أي نوع من الأزرار كان يُستخدم. ولكن من يدري ما إذا كانت شركة في لوس أنجلوس ستعرف الأزرار التي وضعتها على المعطف منذ ستة أشهر! إلى جانب ذلك، فالزر المعني مطلوب هنا. ولا يمكن بالقطع إرساله إلى لوس أنجلوس. وأفضل ما يمكن فعله هو أن يطلب منهم تقديم عينة من الأزرار المستخدمة. إذا تذكروا!

كان أمل جرانت الرئيسي هو أن يظهر المعطف نفسه. سيصبح المعطف الذي جرى التخلص منه والذي يمكن تحديده على أنه يخص تيسدول، مع وجود زر مفقود، هو الحل الأمثل. كان تيسدول يرتدي المعطف عندما ابتعد بالسيارة. هذه هي مساهمة السيرجنت ويليامز في مسألة العدالة والتشجيع الواجب. حيث وجد مزارعًا رأى السيارة عند مفترق طرق ويدمارش بعد الساعة السادسة بقليل من صباح الخميس. نحو السادسة وعشرين دقيقة، حسب تقديره، لكنه لم يكن لديه ساعة. ولا يحتاج واحدة. فهو يعلم الوقت في أي وقت من اليوم، سواء أكانت الشمس ساطعة أم لا. كان يقتاد الأغنام، فتباطأت السيارة بسببها. وهو على يقين من أن الرجل الذي يقود السيارة كان شابًّا ويرتدي مِعطفًا داكنًا. وهو يعتقد أنه لن يتمكن من التعرف على الرجل، ليس بعد أن أقسم على أن يقول الحقيقة، لن يستطيع … لكنه تعرَّف على السيارة. كانت السيارة الوحيدة التي رآها ذلك الصباح.

لم تكن مساهمة ويليامز الأخرى مبهجةً أيضًا. حيث ذكر في تقريره أن جيسون هارمر لم ينزل في الفندق الذي ذكر أنه يقيم فيه في ساندويتش. بل إنه لم يُقِم في ساندويتش على الإطلاق.

ترك جرانت وجبة يوم الأحد المكونة من الكلاوي واللحم المُقدَّد دون أن يمسَّها وخرج دون ضجة لمقابلة السيد هارمر. حيث وجده في شقته شديدة الأناقة في مبنى ديفونشير هاوس، يرتدي مبذلًا أرجوانيًّا من الحرير، ولحيته كثيفة سوداء، ومعه نوتة موسيقية.

قال وهو يدفع بقطع من الورق المكرمش عن الكرسي لإفساح المكان لجرانت: «أنا لا أستيقظ عادةً في هذه الساعة.» وتابع: «لكنني مستاء نوعًا ما بشأن كريس. لقد كنا صديقين مقربين للغاية، أيها المفتش. ظن بعض الناس أنها امرأة يَصعُب التعامل معها، أمَّا أنا، فلا. لماذا؟ هل تعرف لماذا؟ لأننا أنا وهي شعَرنا بأننا عديما القيمة وكنا خائفَين من اكتشاف الناس لهذا الأمر. إن البشر متنمرون مروعون، كما تعلم. فإذا بدوت ثريًّا، فسيلعقون حذاءك. لكن لو تركتهم يظنون أنك لا تعتد بنفسك فسينهشونك مثلما ينهش النمل دبورًا يُحتضَر. لقد علمت أن كريس تخادع منذ أول مرة رأيتها. أنا أعلم كل شيء عن الخداع. لقد خادعت كي أصل إلى الولايات المتحدة وخادعت الناشرين لطباعة أغنيتي الأولى. لم يكتشفوا ذلك إلا بعد النجاح المبهر للأغنية، ثم اعتقدوا أنه قد يكون من الجيد نسيان أني خدعتهم. هل تود تناول مشروب؟ نعم، إن الوقت مبكر بعض الشيء. أنا لا أشرب عادةً قبل وقت الغداء، لكن الشرب هو ثاني أفضل شيء بعد النوم. وعندي أغنيتان تعاقدت عليهما يجب الانتهاء منهما. من أجل … من أجل …» وتلاشى صوتُه، ثم تابع باندفاع «من أجل فيلم كوين الجديد.» وأضاف: «هل حاولت يومًا كتابة أغنية بدون فكرة في رأسك؟ كلا، كلا، أظن أنك لم تفعل ذلك. حسنًا، إنه محض تعذيب واضح. ومن التي ستغنيهما على أي حال؟ تلك السيدة هالارد لا تستطيع الغناء. هل سمعت كريس تغني: «غنِّ لي أحيانًا»؟»

لقد سمعها جرانت بالفعل.

«الآن هذا ما أسميه الإبداع في غناء أغنية. لقد كتبتُ أغاني أفضل، أعترفُ بذلك. لكنها جعلتها تبدو وكأنها أفضل أغنية كُتبت على الإطلاق. ما فائدة كتابة الأغاني على أي حال، كي تؤديها تلك المرأة المتغطرسة هالارد على نحو سيئ؟»

كان يتحرك في الغرفة، ويلتقط كومةً من الأوراق من هنا ليضعها في مكان غير مناسب بنفس القدر هناك. راقبه جرانت باهتمام. كانت مارتا تظن أنه «شخص واضح» وجودي تظنه «غامضًا». لكنه لم يَبدُ أيًّا منهما في نظر جرانت. إنه مجرد واحد من تلك النماذج البشرية العادية إلى حد ما من بعض المناطق الفقيرة في أوروبا الذي يظن أنه يتعرض للاستغلال والاضطهاد باستمرار من قبل بني البشر، وهو شخص يُشفق على نفسه، ذو تعليم رديء، وعاطفي، وشرس. وهو ليس حسن المظهر، لكنه جذاب للنساء، بلا شك. تذكر جرانت أن نوعين مختلفين للغاية من النساء مثل مارتا هالارد وجودي سلرز تجدانه مميزًا؛ كل منهما وفقًا لوجهة نظرها. من الواضح أن لديه القدرة على الجمع بين العديد من صفات الرجال. لقد كان ودودًا مع مارتا المكروهة، وهذا أمر مؤكد؛ لم تدافع مارتا بشدة عن المعجبين غير المبالين بها. لقد أمضى حياته، بعبارة أخرى، «يخادع.» لقد اعترف بذلك عن نفسه منذ لحظة. فهل هو يخادع الآن؟ يخادع جرانت؟

«أنا آسف لإزعاجك في وقت مبكر كهذا، لكنها زيارة عمل. أنت تعلم أننا نحقق في وفاة الآنسة كلاي. وأثناء التحقيق، من الضروري التحقق من تحركات كل من يعرفها، بغض النظر عن الأشخاص أو الاحتمالات. والآن، لقد أخبرت السيرجنت في شرطة المقاطعة، عندما تحدثت إليه يوم الخميس، أنك قضيت الليلة في فندق في ساندويتش. وعند التحري عن ذلك في المسار العادي للتحقيقات، تبيَّن أنك لم تنزل هناك.»

تخبَّط هارمر بينما يتفحص نوتات الموسيقى دون أن يرفع نظره عنها.

«أين أقمت يا سيد هارمر؟»

رفع هارمر نظره مع ضحكة صغيرة. ثم قال: «كما تعلم، إنه لأمر مضحك للغاية! أن يزورك رجل محترم مهذب بطريقة ودية تمامًا في وقت الإفطار، ويعتذر عن إزعاجك ويأمُل ألا تسبب زيارته مشكلة لك ولكنه مفتش للشرطة ويطلب منك أن تتكرم وتقدم بعض المعلومات لأنه في المرة الأخيرة لم تكن معلوماتك دقيقة كما ينبغي. إنه تصرف رائع، في حقيقة الأمر. وتحصل على نتائج منه، أيضًا. ربما ينهار من تحقق معه ويبكي، من فرط الود. ما أود أن أعرفه هو ما إذا كان هذا الأسلوب يُستخدَم في بيمليكو أم أنك تحتفظ به من أجل بارك لين.»

«ما أود أن أعرفه هو المكان الذي قضيت فيه ليلة الأربعاء الماضي، يا سيد هارمر.»

«أظن أن استخدام كلمة السيد، أيضًا، هو من سمات أسلوب بارك لين أيضًا. في الواقع، إذا كنت تتحدث إلى جيسون غير المشهور قبل عشر سنوات، لاقتدتني إلى قسم الشرطة وأرهبتني تمامًا مثل رجال الشرطة في أي بلد آخر. جميعهم متشابهون؛ عبدة المال.»

«ليست لديَّ خبرتك في التعامل مع قوات الشرطة في العالم، للأسف، يا سيد هارمر.»

ابتسم هارمر. وقال: «أزعجتك! إن الشخص الإنجليزي يجب أن ينزعج كثيرًا ليتعلم كيف يرد بهذا التهذيب الفظ. لا تفهمني خطأ، مع ذلك، أيها المفتش. لا توجد أي علامات للشرطة علي. أمَّا بالنسبة إلى ليلة الأربعاء الماضي، فقد قضيتها في سيارتي.»

«هل تعني أنك لم تذهب إلى الفراش على الإطلاق؟»

«هذا ما أعنيه.»

«وأين كانت السيارة؟»

«في ممر به سياج من الأشجار بارتفاع المنازل على كلا الجانبين، وأوقفتها على حافة العشب. إن الكثير من مساحة الأراضي في إنجلترا تهدر في هذه الحواف. وتلك الموجودة في هذا الممر يبلغ عرضها نحو أربعين قدمًا.»

«وأنت تقول إنك نمت في السيارة؟ هل هناك شخص يمكن أن يشهد على ذلك؟»

«لا. إنه ليس هذا النوع من توقف السيارات. كنت فقط نعسان وتائهًا ولم أستطع أن أتحرك أكثر من ذلك.»

«تائه! في شرق كنت!»

«نعم، وفي أي مكان في كنت، إذا أردت الحقيقة. هل سبق لك أن حاولت العثور على قرية في إنجلترا بعد حلول الظلام؟ إن قضاء الليل في الصَّحْراء هو أمر أسهل من ذلك. ترى أخيرًا لافتة تقول (قرية كذا على بعد ميلَين ونصف) فتقول لنفسك: قرية كذا الجميلة! لقد اقتربنا! تحية لإنجلترا والعلامات الإرشادية! ثم بعد نصف ميل تصل إلى مكان به مفترق لثلاث طرق، وتجد هناك علامة إرشادية جميلة مرتبة على مساحة بسيطة خضراء اللون في المنتصف وكل ذراع ملعونة من أذرع تلك العلامة يحمل ثلاثة أسماء على الأقل، لكن هل تعتقد أن أحدهم يذكر قرية كذا؟ أوه، لا! هذا من شأنه أن يجعل الأمر سهلًا للغاية! ومن ثم تقرؤهم كلهم عدة مرات وتأمل أن يمر أحد ليرشدك قبل أن تقرر، لكن لا أحد يأتي. إذ إن آخر شخص مر هناك منذ أسبوع يوم الثلاثاء الماضي. ولا توجد منازل؛ لا شيء سوى الحقول، وإعلان عن سيرك كان هناك في أبريل الماضي. لذا تضطر أن تسلك إحدى الطرق الثلاث، وبعد اجتياز علامتين أُخريَين ليس عليهما اسم قرية كذا، تجد لافتة تقول: كذا، على بعد ستة أميال وثلاثة أرباع الميل. لذا تبدأ من جديد، أربعة أميال سيئة، ثم يحدث الأمر من جديد. ومرة أخرى! ويستمر البحث عن قرية كذا وتتكرر المتاهة بضع مرات، حتى لا تهتم بما يحدث ما دام يمكنك التوقف عن القيادة في المنعطفات والنوم. لذلك توقفت حيث كنت وذهبت للنوم. كان الوقت قد تأخر جدًّا على زيارة كريس في ذلك الوقت، على أي حال.»

«ولكنه لم يكن قد تأخَّر جدًّا على أن تحصل على غرفة في فندق صغير.»

«هذا إذا كنت تعرف مكان الفندق. إلى جانب أنه، بناءً على مستوى بعض الفنادق التي رأيتها هنا، فأنا أُفضِّل النوم في السيارة.»

أومأ جرانت برأسه مشيرًا إلى ذقن هارمر غير المحلوقة وقال: «لقد لاحظت أن لحيتك كثيفة.»

«أجل، يجب أن أحلق مرتين في اليوم، أحيانًا. إذا كنت سأخرج متأخرًا. لماذا؟»

«لقد كانت ذقنك محلوقة عندما وصلت إلى كوخ الآنسة كلاي. كيف حدث ذلك؟»

«أحمل أدوات الحلاقة الخاصة بي في السيارة. يجب أن تفعل ذلك، عندما يكون لديك لحية مثل لحيتي.»

«إذن لم تتناول وجبة الإفطار في ذلك الصباح؟»

«لا، كنت أخطط للحصول على الإفطار من كريس. وأنا لا أتناول وجبة الإفطار على أي حال. فقط القهوة، أو عصير البرتقال. وعادة ما أتناول عصير البرتقال في إنجلترا. يا إلهي، إن قهوتكم في إنجلترا سيئة … ماذا تظن أنهم يفعلون بها؟ أعني، النساء. إنها …»

«اترك القهوة جانبًا للحظة، هل نتطرق إلى النقطة الرئيسية؟ لماذا أخبرت السيرجنت المناوب بأنك نمت في ساندويتش؟»

تغير وجه الرجل على نحوٍ طفيف. حتى ذلك الحين كان يجيب بسهولة، وبتلقائية؛ منحنيات وجهه العريض ذي الملامح الطيبة عادة ما تكون متراخية وودية. الآن ذهب التراخي؛ وأصبح الوجه حذرًا، و… هل هو هكذا بالفعل؟ … هل هو عدائي.

«لأنني شعرت بأن هناك شيئًا خاطئًا، ولم أرغب في التورط فيه.»

«هذا أمر غير عادي للغاية، أليس كذلك؟ أعني، أن تكون مدركًا للشر قبل أن يعرف أيُّ شخص بوجوده.»

«هذا ليس غريبًا. أخبروني أن كريس قد غرقت. وأنا أعرف أن كريس تجيد السباحة مثل ثعبان البحر. كما أعرف أنني كنت بالخارج طَوال الليل. وكان السيرجنت ينظر إليَّ في تشكك مع تعبير كما لو كان يسأل من أنت وماذا تفعل هنا؟»

«لكن السيرجنت لم يكن لديه معلومات تُفيد بأن الغرق هو مجرد حادث عادي. لم يكن لديه سبب للنظر إليك بهذه الطريقة.»

ثم قرر التغاضي عن موضوع كذب هارمر على السيرجنت.

«كيف عرفت، بالمناسبة، أين تجد الآنسة كلاي؟ لقد فهمت أنها أبقت مكان اختبائها سرًّا.»

«نعم، لقد هربت بعيدًا. وضللتنا جميعًا، في الواقع، بما في ذلك أنا. لقد كانت متعبةً وغير سعيدة بالمرة بالطريقة التي ظهر عليها فيلمها الأخير. في العرض الخاص، أعني؛ حيث إنه لم يُعرض في دُور عرض السينما بعد. لم يعرف كوين كيف يهدئها. كان يخاف منها بعضَ الشيء، وفي الوقت نفسه يخشى أن تفضِّل عليه شخصًا آخر. كما تعلم. لو أنه كان يدللها ﺑ «طفلتي» أو «شوكولاتة» بالطريقة التي اعتاد عليها جو مايرز في الولايات المتحدة، لكانت ستضحك وتعمل كل ما في وُسعها لإرضائه. لكن كوين معتد بكرامته، وباعتباره «المخرج الكبير»؛ ولذا لم يتوافقا معًا. لذلك شعَرت بالملل، والإرهاق، وأرادها الجميع أن تذهب إلى أماكن مختلفة لقضاء الإجازات، وبدا أنها لم تستطع اتخاذ قرار، وبعد ذلك ذات يوم استيقظنا فلم نجدها. قالت بَندل — وهي مديرة منزلها — إنها لا تعرف مكانها، ولكنها لم تترك أي رسائل لأي شخص، وقالت إنها ستظهر مرة أخرى في غضون شهر، لذلك لا داعي للقلق. حسنًا، لمدة أسبوعين تقريبًا لم يسمع عنها أحد، ثم قابلت يوم الثلاثاء الماضي مارتا هالارد في حفل غداء في منزل ليبي سيمون — حيث ستشارك في مسرحيته الجديدة — وقالت إنها قابلت كريس يوم السبت وهي تشتري الشوكولاتة من متجرٍ ما في بيكر ستريت — حيث إن كريس كانت تعجز تمامًا عن مقاومة تناول الشوكولاتة في الفترات التي لا تنشغل فيها بتصوير أفلامها! — وحاولت استدراج كريس لتعلم مكان اختبائها. لكن كريس لم تُفصح عن مكان وجودها. على الأقل اعتقدت أنها لن تفصح. وقالت: «ربما لن أعود أبدًا. أنت تعرفين ذلك الروماني العجوز الذي يزرع الخضار بيديه وكان منشغلًا جدًّا بالنتيجة لدرجة أنه قرَّر أن يستمر في هذا الوضع على الدوام. حسنًا، بالأمس ساعدت في جمع أول حبات الكرز إلى سوق كوفنت جاردن، وصدقيني، فإن الشعور بالحصول على جائزة الأوسكار عن فيلم ما لا يعني شيئًا مقارنةً بشعوري وأنا أجمع الكرز!»»

ثم كتم هارمر ضحكته. وقال بمودة: «يمكنني سماع صوتها.» وأضاف: «حسنًا، ذهبت مباشرة من حفل سيمون إلى كوفنت جاردن واكتشفت من أين أتى الكرز. من بستان في مكان يُسمى بيردز جرين. وفي صباح يوم الأربعاء المشرق وفي وقت مبكر انطلقت إلى بيردز جرين. استغرق ذلك القليل من الوقت للعثور عليه، لكنني وصلت إلى هناك نحو الساعة الثالثة. ثم كان عليَّ أن أجد البستان والأشخاص الذين كانوا يعملون فيه يوم الجمعة. كنت أتوقع أن أعثر على كريس بسرعة، لكن يبدو أنهم لم يعرفوها. قالوا إنهم عندما كانوا يجمعون المحصول، في وقت مبكر من صباح يوم الجمعة، توقفت سيدة تمر في سيارة لتشاهدهم ثم سألت عما إذا كان بإمكانها المساعدة. فقال العجوز الذي يملك المكان إنهم لا يحتاجون إلى مساعدة مدفوعة الأجر، ولكن إذا كانت تحب تسلية نفسها فلتتفضل. وقال: «لقد كانت تجيد الجمع. ولا مانع لديَّ من إعطائها أجرًا في مرة أخرى.» ثم قال حفيده إنه رأى السيدة — أو اعتقد أنه رآها — في اليوم التالي في مكتب البريد في ليدلستون — على بعد نحو ستة أميال. ومن ثم ذهبتُ إلى ليدلستون، لكن الموظفة المعتادة في مكتب البريد لم تكن هناك حيث «عادت إلى المنزل لتناول الشاي»، وكان عليَّ الانتظار حتى تعود. ومن ثم قالت إن السيدة التي أرسلت «جميع البرقيات» — إذ يبدو أنها لم ترَ في حياتها عددًا أكبر من تلك التي أرسلتها كريس — تعيش في ميدلي. لذلك انطلقت بينما يحل الظلام للعثور على ميدلي، وانتهى بي الأمر بالنوم في ممر. وسواء انتهى الأمر بالنوم بالخارج أو عدم النوم بالخارج، كان ذلك عملَ تحرٍّ أفضل مما تفعله هذا الصباح، أيها المفتش جرانت!»

ابتسم جرانت على نحوٍ ودي. وقال: «حقًّا؟ حسنًا، لقد أوشكت على الانتهاء.» ونهض لينصرف. ثم قال: «أفترض أنه كان معك معطف في السيارة؟»

«بالتأكيد.»

«ما هي الخامة التي صنع منها؟»

«صوف التويد البني. لماذا؟»

«هل هو معك هنا؟»

«بالتأكيد.» واتجه إلى خزانة الملابس، التي بُنيت في الممر المؤدي من غرفة الجلوس إلى غرفة النوم، وسحب الباب المنزلق لفتحها. ثم استأنف: «ألقِ نظرة على خزانة ملابسي بالكامل. أنت أذكى مني إذا كان بإمكانك العثور على الزر.»

سأل جرانت، بسرعة أكبر مما كان ينوي: «أي زر؟»

قال هارمر: «إن البحث في الملابس له علاقة دائمًا بزر، أليس كذلك؟»، وقد انتبهت عيناه الصغيرتان ذات اللون البني الفاتح، متيقظة تحت جفنيها الكسولَين، بينما يبتسم بثقة إلى جرانت.

لم يجد جرانت شيئًا مهمًّا في خزانة الملابس. فانصرف وهو لا يعرف مدى إمكانية تصديقه لقصة جيسون هارمر، لكنه متأكد من أنه «لا يوجد ما يدينه.» ولذا تنعقد آمال الشرطة، إذا جاز التعبير، على تيسدول.

الآن، بينما يتوقف بالقرب من الرصيف في الصباح المشرق البارد، تذكر خزانة ملابس جيسون، وابتسم في عقله. إذ إن جيسون لا يشتري ملابسه من متجر ستايسي آند براكيت. وبينما كان يتفحص الخزانة المظلمة الصغيرة المتهالكة عندما فتح بابها، كاد أن يسمع جيسون يضحك. عجبًا للإنجليز! لقد بدأت تجارتهم منذ مائة وخمسين عامًا وكان هذا كل ما يمكنهم فعله لتطويرها. من المحتمل أن مناضد البيع أصلية. وبالتأكيد الإضاءة أصلية. لكن قلب جرانت مبتهج. كانت هذه إنجلترا التي يعرفها ويحبها. قد تتغير الموضات، وقد تسقط سلالات حاكمة، وتتحول أصوات سنابك الخيول في الشارع الهادئ إلى أصوات آلاف من أبواق سيارات الأجرة، لكن ستايسي وبراكيت مستمرون في صنع الملابس بكفاءة ورقي من أجل السادة الأكفاء الراقين.

لم يَعُد هناك الآن لا ستايسي ولا براكيت، ولكن السيد تريملي — السيد ستيفن تريملي (في مقابل السيد روبرت والسيد توماس!) — شاهد المفتش جرانت وأصبح بالكامل في خدمة المفتش جرانت. أجل، لقد صنعوا ملابس للسيد روبرت تيسدول. أجل، تضمنت الملابس مِعطفًا داكنًا لارتدائه مع ملابس السهرة. لا، هذا بالتأكيد ليس زرًّا من المعطف الذي يجري التحري عنه. لم يستخدموا هذا الزر على الإطلاق. لم يكن من فئة الأزرار التي اعتادوا على استخدامها. وإذا سمح المفتش للسيد تريملي (السيد ستيفن تريملي)، فإن الزر الذي يجري التحري عنه هو في رأيه من نوعٍ رديء للغاية، ولن يستخدمه أيُّ خياط من أي مكانة. ولن يتفاجأ، في الواقع، إذا اكتشف أن الزر من أصل أجنبي.

سأل جرانت: «هل تظن أنه أمريكي؟»

ربما. على الرغم من أنه في وجهة نظر السيد تريملي ربما أوروبي. لا، بالتأكيد لم يكن لديه سبب لمثل هذا التخمين. إنه محض حدس. وربما يكون خاطئًا. وأعرب عن أمله في ألا يعطي المفتش أي وزن لرأيه. كما أعرب عن أمله في ألا يتعرض السيد تيسدول لأي مشكلات. إنه شاب مهذب للغاية، في الواقع. إن مدارس القواعد — وخاصة مدارس القواعد العريقة في البلاد — قد أخرجت فتًى مهذبًا للغاية. أفضل في كثير من الأحيان من المدارس العامة الثانوية. ألا يعتقد المفتش ذلك؟ كان هناك نوع من الاستمرارية بالنسبة إلى العائلات التي ترتاد مدارس القواعد — جيل بعد جيل يذهبون إلى نفس المدرسة — لا تقارن خارج المدارس العامة الكبيرة.

في رأي جرانت، ليس هناك نوع من الاستمرارية أيًّا كانت بالنسبة إلى تيسدول؛ لذا لم يجادل، وأرضى نفسه من خلال التأكيد للسيد تريملي أنه بقدر ما يعرف فإن السيد تيسدول ليس في مشكلة حتى الآن.

شعَر السيد تريملي بالسعادة لسماع ذلك. فهو يتقدَّم في السن، وأصبح إيمانه بجيل الشباب الحالي يتزعزع، للأسف، في كثير من الأحيان. ربما اعتقد كل جيل أن الجيل الصاعد يفتقر إلى معايير السلوك والروح الواجبة، ولكن بدا له أن هذا الشاب … آه، حسنًا، لقد كان يتقدم في السن، وأصبحت مآسي الشباب تثقله أكثر من ذي قبل. لقد اسودَّ صباح هذا الإثنين أمام عينيه، نعم، اسودَّ للغاية، عندما فكر أن كل ذلك البريق الذي كان يشع من كريستين كلاي في سبيله للتحول إلى رماد في هذه الساعة. سوف تمر سنوات عديدة، وربما أجيال (يتعامل عقل السيد تريملي مع الزمن بمعيار الجيل؛ ويرجع ذلك لامتلاكه شركة عمرها مائة وخمسون عامًا) قبل أن يظهر مثلها مرة أخرى. كانت تتمتع بالرقي، ألم يظن المفتش ذلك؟ رقي هائل. لقد قيل إن أصلها متواضع للغاية، لكن لا بدَّ أن لها جذورًا تتسم بالرقي والتهذيب. فشخصية مثل كريستين كلاي لم تكن لتنشأ من فراغ، كما يقولون. لا بدَّ أن الطبيعة قد خطَّطت لذلك. وهو لم يكن، من وجهة نظره، كما كان معروفًا عنه، من المعجبين بالأفلام السينمائية، ولكن ليس هناك فيلم للآنسة كلاي لم يشاهده منذ أن أخذته ابنة أخته لمشاهدة محاولة كلاي الأولى في دور درامي. لقد نسيَ في تلك المناسبة تمامًا أنه في السينما. كان منبهرًا من فرط المتعة. بالتأكيد إذا كانت هذه الوسيلة الترفيهية الجديدة قادرة على إنتاج مادة بهذه القوة والثراء، فلا داعيَ للاستمرار في التأسي على سارة برنار وإليونورا دوزي.

نزل جرانت إلى الشارع، متفاجئًا من عبقرية كريستين كلاي الواسعة الانتشار. بدا أن عقل العالم كله منصبٌّ على مبنى حرق الجثث في جولدرز جرين. نهاية غريبة لعاملة مصنع الدانتيل الصغيرة من نوتينجهام. ونهاية غريبة أيضًا بالنسبة إلى محبوبة العالم. «ثم يضعونها في الفرن كما لو كانت …» أوه، يجب ألَّا يفكر في ذلك. كم يبدو هذا بغيضًا. لماذا يكون هذا بغيضًا؟ لم يكن يعلم. ربما لأنه يتم في ضاحية، حسبما يظن. ربما كان أمرًا عقلانيًّا حقًّا. وربما أقل ترويعًا للجميع. لكن الشخص الذي تألق بريقه عبر السماء البشرية مثل كلاي يجب أن يُحرق في محرقة بارتفاع مائة قدم. شيء مذهل. جنازة مَهيبة مثل ملوك الفايكينج. وليس في أفران في الضاحية. يا إلهي، لقد أصبح كئيبًا، إن لم يكن عاطفيًّا. ومن ثم أدار المحرك، وانطلق مع حركة المرور.

كان قد غيَّر رأيه بالأمس بشأن الذَّهاب إلى جِنازة كلاي. فبما أن دليل تيسدول يتقدم بشكل طبيعي، لم يرَ أي حاجة إلى إزعاج نفسه إذا كان بإمكانه تجنُّب ذلك. لكن الآن فقط أدرك مدى سعادته الشديدة بالنجاة منها، و(لكونه جرانت) بدأ على الفور في التساؤل هل كان يفترض به أن يذهب بعد كل ذلك. ثم تساءل ما إذا كانت رغبته اللاواعية في الهروب من هذه الجنازة قد أثرت في قراره. وقرَّر أن هذا لم يحدث. لم تكن هناك حاجة إليه الآن لدراسة سيكولوجية أصدقاء كريستين المجهولين. لقد شاهد عينة مقطعية كافية منهم في منزل مارتا، ولم يجمع سوى القليل من المعلومات، في نهاية الأمر. حيث رفض مرتادو الحفل بعناد أن يتخاصموا. بدأ جامي في الحديث مرة أخرى، على أمل أن يرقصوا على أنغامه. لكن مارتا اعترضت على أي حديث آخر عن كريستين، وعلى الرغم من أنهم تحدثوا عنها ثانية عدة مرات، فإن عبقرية جامي في استحضار موضوع كريستين لم تتمكن أن تُبقيَهم في هذا الموضوع. ليديا، التي لم تستطع البقاء بعيدًا عن موضوعها الخاص لفترة طويلة، أخذت تقرأ لهم الكف، حيث تعتبر قراءة الكف خطًّا جانبيًّا لها عندما تصبح الأبراج غير متاحة (وقد أعطت قراءة ذكية لشخصية جرانت وحذرته من اتخاذ قرار خاطئ في المستقبل القريب: «إنه شيء جميل وآمِن لتقوله لأي شخص»، حسبما قال لنفسه) ولم ينتهِ الحفل حتى الساعة الواحدة صباحًا عندما صحبتهم المضيفة جميعهم نحو الباب. وقد تباطأ جرانت، والغريب أن ذلك لم يكن لأن لديه أسئلة يطرحها عليها (فقد أعطته المحادثة ما يريد من إجابات)، ولكن لأنها كانت حريصة على استجوابه. هل جرى استدعاء سكوتلاند يارد للتحقيق في وفاة كريستين؟ ما المشكلة؟ وماذا وجدوا؟ وفيمَ كانوا يشتبهون؟

قال جرانت نعم، لقد جرى استدعاؤهم (وهو أمر يعلمه الجميع الآن)، ولكن حتى اللحظة ليس هناك سوى اشتباه. ومن ثم بكت قليلًا، على نحو مناسب، مع تأثيرٍ غير كارثي على الماسكارا، مُعرِبة عن تقديرها لكريستين كفنانة وامرأة. «إنها شخص متميز. لا بدَّ أنها قد بذلت جهودًا هائلة للتغلب على العوائق التي واجهتها في البداية.» وذكرت تلك العوائق.

ومن ثم خرج جرانت إلى الليل الدافئ وهو يتنهَّد عجبًا من الطبيعة البشرية … ويهز كتفيه مع التنهيدة.

ولكن هناك أيضًا نقاط مضيئة حتى في الطبيعة البشرية. تقدم جرانت نحو الرصيف، وتوقَّف، ووجهه الأسمر سعيد ومرحب.

رفع صوته مُحيِّيًا الفتاة الضئيلة ذات الملابس الرمادية: «صباح الخير!»

قالت إريكا وهي تعبر الرصيف باتجاهه: «صباح الخير، يا سيد جرانت.» أعطته ابتسامة قصيرة، لكنها بدت سعيدةً برؤيته؛ الكثير كان واضحًا من خلال مظهرها العملي الصبياني. لاحظ أنها كانت ترتدي ملابس «المدينة» الخاصة بها؛ لكنها لم تبد أكثر أناقة من ملابسها الريفية. كانت نظيفة، بالتأكيد، لكن مظهرها غير معتاد؛ والبدلة الرمادية التي ترتديها، رغم أنها بلا شك «جيدة»، فقد كانت عتيقة الطراز. وتتماشى معها قبعتها، وتتوافق أيضًا في الطراز القديم.

«لم أكن أعلم أنك تقيمين في المدينة من قبل.»

«أنا لا أقيم في المدينة. جئت للحصول على جسر.»

«جسر؟»

«لكن يبدو أنه لا يمكنك الحصول عليه بسهولة. يجب أن يُصنع وَفق قياساتك. لذلك يجب أن أعود في يوم آخر. كل ما فعله اليوم هو وضع الكثير من الصلصال في فمي.»

«أوه، طبيب الأسنان. فهمت. ظننت أن السيدات المسنات فقط هن من يضعنَ جسورًا.»

«حسنًا، الشيء السخيف الذي وضعه في المرة الأخيرة لم يصمد. أنا دائمًا ألتقطه من قطع التوفي. لقد فقدت الكثير من الأسنان الجانبية عندما تشاجرت مع فلايت في الشتاء الماضي. كان وجهي مثل ثمرة لفت. لذلك كان يجب تركيب جسر في فمي، كما يقول.»

«اسم خاطئ، فلايت.»

«بطريقة ما. ولكنه في الحقيقة مناسب له. كان تقريبًا عند الطرف الآخر من كِنت قبل أن يُمسكوا به.»

«إلى أين أنت ذاهبة الآن؟ هل يمكنني أن أوصلك إلى أي مكان؟»

«أظن أنك لا ترغب في أن تريني سكوتلاند يارد؟»

«بل أرغب. للغاية. لكن بعد عشرين دقيقة لديَّ موعد مع محامٍ في تيمبل.»

«أوه. في هذه الحالة يمكن أن توصلني إلى شارع كوكسبور. لديَّ مهمة أقوم بها من أجل مربيتي.»

عندما ولجت إلى السيارة بجانبه، فكر قائلًا في نفسه، أجل، لا بدَّ أنها مربية. إن الملابس التي ترتديها ليست من اختيار أم. لقد طُلبت من الخياط تمامًا مثل ملابس مَدرستها. «بدلة رمادية من صوف الفلانيل وقبعة لتناسبها.» وعلى الرغم من استقلاليتها وثقتها في نفسها، كان هناك شيء بائس فيها، حسبما شعر.

قالت: «إنه لطيف.» وتابعت: «وليس مرتفعًا للغاية، لكني أكره السير به.»

«ما هو؟»

«حذائي.» رفعت قدمها وأظهرت حذاءها ذا الكعب المتوسط الارتفاع. ثم استأنفت: «تظن مربيتي أنه مناسب لارتدائه في المدينة، لكنني لا أستطيع المشي به. حيث يجعلني أتمايل.»

«أظن أن المرء يعتاد عليه بمرور الوقت. يجب على المرء أن يمتثل لعادات مجتمعه.»

«لماذا يجب على المرء ذلك؟»

«لأن الحياة غير الهادئة أكثر بؤسًا من ارتداء شارة الامتثال.»

«أوه، حسنًا. أنا لا آتي إلى المدينة كثيرًا. أظن أنه ليس لديك وقت لتناول المثلجات معي؟»

«لا يمكنني للأسف. دعينا نؤجل الأمر حتى أعود إلى ويستوفر، هل يمكنك ذلك؟»

«بالطبع، ستعود. لقد نسيت ذلك.» وأضافت كي تفتح معه حوارًا: «رأيت ضحيتك بالأمس.»

«ضحيتي؟»

«أجل، الرجل الذي فقد الوعي.»

«رأيته! أين؟»

«والدي أخذني لتناول الغداء في مطعم مارين.»

«لكنني ظننت أن والدك يكره مطعم مارين.»

«هذا صحيح. قال إنه لم يرَ مثل هذه المجموعة من الأسماك المملحة السامة في حياته. أعتقد أن (الأسماك المُملَّحة) قوية بعض الشيء. لم تكن سيئة للغاية. والبطيخ كان جيدًا جدًّا.»

«هل أخبرك والدك أن تيسدول يعمل نادلًا هناك؟»

«لا، لقد أخبرني السيرجنت. إنه لا يبدو محترفًا للغاية. أعني السيد تيسدول، وليس السيرجنت. فهو ودود للغاية ومهتم. لا يوجد نادل محترف يبدو مهتمًّا. في الواقع لا يوجد. وقد نسي ملاعق المثلجات. لكنني أظن أنك أزعجته للغاية في اليوم السابق.»

«أنا أزعجته!» أخذ جرانت نفَسًا عميقا وأعربَ عن أمله في أن إريكا لن تسمح لمحنة شاب حسن المظهر أن تُحطِّم قلبها.

«أوه لا. لا شيء من هذا القبيل. إن أنفه طويل جدًّا. بالإضافة إلى ذلك، أنا مغرمة بتوجاريه.»

«من هو توجاريه؟»

«مروِّض الأسود، بالطبع.» والتفتت لتنظر إليه بريبة. «هل تقصد حقًّا أنك لم تسمع عن توجاريه؟»

شعَر جرانت بالأسف لأنه لم يسمع عنه من قبل حقًّا.

«ألا تذهب إلى أوليمبيا في عيد الميلاد؟ لكن يجب عليك ذلك! سأجعل السيد ميلز يرسل إليك تذاكر للدخول.»

«شكرًا لك. ومنذ متى وأنت مغرمة بتوجاريه هذا؟»

«منذ أربع سنوات. أنا مخلصة للغاية.»

أقرَّ جرانت بأنها لا بدَّ أن تكون كذلك.

قالت بنفس اللهجة التي أعلنت بها إخلاصها: «أوصلني إلى مقر أورينت أوفيسز، هلا فعلت؟» فأنزلها جرانت بجوار سفينة الركاب ذات المدخنة الصفراء.

وسأل: «هل ستذهبين في نزهة بحرية؟»

«أوه، لا. سأتجول هناك لأجمع كتيبات من أجل مربيتي. إنها تحبها. لم تسافر أبدًا خارج إنجلترا لأنها تخشى البحر، لكنها تحب الجلوس بأمان وتتخيل. لقد حصلت لها على بعض الكتيبات المليئة بالجبال الرائعة من المقر النمساوي في ريجنت ستريت في الربيع. وهي على دراية كبيرة بالمنتجعات الألمانية. وداعًا. شكرًا لك على توصيلي إلى هنا. كيف لي أن أعرف عندما تأتي إلى ويستوفر؟ أعني، كي نذهب لتناول المثلجات.»

«سأخبرك من خلال والدك. هل هذا مناسب؟»

«أجل. إلى اللقاء.» واختفت داخل المبنى.

وذهب جرانت في طريقه للقاء محامي كريستين كلاي وزوج كريستين كلاي، وقد تحسَّن مزاجه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤