الفصل الرابع

بيلبو باجنز

الهوبيت العالمي الأفق
دينيس نيب

«كوزموبوليتان»؛ إنه أكثر من مجرد اسم لمجلة، وأكثر من مجرد نوعٍ من النبيذ. إنها كلمة ذات أصل يوناني قديم، وفكرة فلسفية ملهمة. والكوزموبوليتان أو العالمي الأفق هو مواطِنٌ عالميٌّ يدرك أن الآخَرين يعيشون بطرق مختلفة ويتمنَّى الخيرَ لهم كافة. باختصار، الشخص ذو الأفق العالمي يجاهد لكي يحب كل الشعوب.

في المقابل يخشى «الشخص المحلي الأفق» كلَّ مَن يعيش بطريقة مختلفة عنه. وقد كان الهوبيت القاطنون في شاير محليي الأفق، يعتبرون حتى الهوبيت الذين يعيشون على الضفة الأخرى لنهر برانديواين غريبي الأطوار بعض الشيء.1 ولكن بيلبو يتعلَّم أن يصبح عالميَّ الأفق من خلال الشعور بالارتياح في وجود الأقزام والإعجاب بالجن. وفي تحوُّله هذا تشجيع للقارئ على خوض نفس الرحلة.

(١) الهوبيت في كنساس

على الرغم من أن معظم شعوب الأرض الوسطى كانوا متواجدين بالفعل في الميثولوجيا النوردية، فإن الهوبيت من صُنْع تولكين بالكامل. فيوضِّح توم شيبي الباحثُ في أعمال تولكين أنهم مخلوقات تعيش في غير عصرها وتنخرط في أنشطة حديثة على الرغم من موقعها العتيق.2 فهم يدخنون التبغ ويأكلون البطاطس، وكلاهما من واردات العالم الجديد وليس لهما وجود في إنجلترا الوسطى. وهم يستمتعون برفاهيات المخلوقات البرجوازية مثل ساعات المدفأة، وأباريق الشاي، والخدمة البريدية اليومية، والأزرار النحاسية، والصدريات الفاخرة الأنيقة. وكذلك يستخدمون القواعد اللغوية الحديثة بدلًا من اللكنات القديمة لمتحدِّثي الأرض الوسطى الآخَرين.

بتعبيرٍ بسيطٍ، يُعتبَر الهوبيت تجسيدًا للإنجليزية الفيكتورية القروية الحديثة. بالإضافة إلى ذلك، فهم قرويون محليون يخشون اختلافات الآخَرين، ويحبون أن يكون الهوبيت الآخرون متوقعين ويمكن التنبُّؤ بتصرفاتهم على نحوٍ موثوقٍ. فهم لا يحبون ذوي الطباع الشاذة الغريبة، ولا يخرجون في أي مغامرات خوفًا من تفويت إحدى الوجبات، وعالقون إلى حدٍّ كبير في طرائقهم وأساليبهم التقليدية.

بوسعي أن أتعاطف وجدانيًّا مع الهوبيت؛ فمثل كل الآخرين تقريبًا ممَّن نَشَئُوا في ويتشيتا، بولاية كنساس، كنتُ شخصًا محليًّا منغلقًا على مكانه، يخشى الغرباء، ويحب الحوارات ذات المسار المتوقَّع، ويزدري كل ما هو شاذٌّ، ويسخر من أهل بلدتنا الذين يعيشون على الجانب الآخَر من نهر أركنساس.3 (كان مركز التسوق التجاري الخاص بنا هو تاون إيست، بينما كان مركز التسوق «الخاص بهم» يُسمَّى تاون ويست. يا له من اسم مضحك بالنسبة لمركز تسوق!)

يظل بيلبو شخصًا عصريًّا على مدى أحداث «الهوبيت»؛ مما يمكن القارئ من التعاطُف معه. ولكن في نهاية القصة لا يظل محليًّا؛ فقد رأى العالم، وتناوَلَ طعامًا أجنبيًّا، وسمع لغات أجنبية، وعاش مع غرباء، وواجه مخاطر مدهشة، وعاش كي يحكي عن ذلك. وهكذا يصبح بيلبو هوبيت عالمي الأفق يدرك أن الآخرين لهم طرق مقبولة للعيش، ويتمنى الخير لهم جميعًا. وفي قيامه بذلك، يتوصل بيلبو إلى طريقة فلسفية على نحوٍ خاص للعيش في العالم.

(٢) طريقة جديدة قديمة للعيش في العالم

كان بعض أوائل الشخصيات العالمية الأفق المسجَّلة تاريخيًّا من المفكِّرين الإغريقيين القدماء، أمثال سقراط (حوالي ٤٧٠–٣٩٩ق.م) والفيلسوف الكلبي ديوجينيس السينوبي (٤١٢–٣٢٣ق.م)،4 وكما في العالم الحديث اليوم، كان طبيعيًّا للأشخاص العاديين في العالم القديم أن يشعروا بصِلَة قربى ورَحِم تجاه العائلة والعلاقات الممتدة. ومن الطبيعي أن تتعاطف مع عشيرتك.
بالإضافة إلى ذلك، كانت الشعوب القديمة ترزح تحت ضغطٍ متزايدٍ للتعاطُف مع شيء أكبر، مثل الإمبراطورية الفارسية، أو العالم الهيليني. فكان الأثينيون القدماء يحثون على المواطنة الوطنية في مدينتهم والمنطقة الزراعية المحيطة؛ وهي عبارة عن وحدة سياسية أطلق عليها الإغريق اسم «بوليس».5 وقد أخذ الفلاسفة هذا التطوُّر إلى نتيجته المنطقية وأعلنوا وجود ألفة ووفاق مع الجميع. وأن تكون مواطِنًا كونيًّا؛ فهذا يعني أنك «كوزموبوليتاني» أو عالميُّ الأفق.
واليوم أيضًا نَجِد ألفة طبيعية تجاه العائلة والعشيرة، ودفعة وطنية للتعاطف مع الأمة، وفلاسفة يناصرون شيئًا أكبر. ومن أحد الأمثلة على الأخيرة هو كوامي أبياه، مؤلِّف كتاب «الكوزموبوليتانية: أخلاقيات في عالم من الغرباء»؛6 فحياته أقرب إلى محاضرة مصغرة في الكوزموبوليتانية.
وفقًا لسيرته الذاتية المنشورة عَبْرَ الإنترنت، «وُلِد كوامي أنتوني أكروما أمبيم كوزي أبياه في لندن (حيث كان والده الغاني يدرس القانون)، ولكنه انتقل وهو طفل رضيع إلى غانا، حيث نشأ.»7 كان والده محاميًا وسياسيًّا ناجحًا في غانا. كانت عائلة والدته إنجليزية، ولكن والدته عاشت في غانا؛ حيث كان لها نشاط على المستوى الاجتماعي والخيري. حصل أبياه على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة كامبريدج بإنجلترا، وهو حاليًّا أستاذ في جامعة برينستون، ويؤلِّف كتبًا ذات لغة جزلة بليغة عن موضوعات تتراوح ما بين الأمثال الأفريقية وتطوير التجارب في مجال الأخلاق.
يذكرني طرح أبياه للكوزموبوليتانية برحلة بيلبو. إن بيلبو يتعلَّم أن يكون أقل انغلاقًا وأكثر تقبُّلًا للعالم الكبير الرحيب من معظم الهوبيت؛ فبيلبو يسافر ويرتحل، وينخرط في أشياء أكبر من منزله، ويتعلَّم التسامح وتقبُّل اختلافات الآخَرين. وبشكل خاص، يتعلَّم بيلبو أن لدينا التزامات تجاه الآخَرين خلاف العائلة والجيران، وأن علينا أن نقدِّر الاختلافات الثقافية. وفي هذا الصدد يشير أبياه إلى ما يلي:
يوجد خطان يتشابكان معًا في مفهوم الكوزموبوليتانية؛ أحدهما هو فكرة أن لدينا التزاماتٍ تجاه الآخَرين، التزاماتٍ تتجاوز هؤلاء الذين تربطنا بهم روابطُ القربى والدم، أو حتى الروابط الأكثر رسميةً مثل المواطنة المشتركة. أما الخط الآخَر، فيتمثَّل في كوننا لا نأخذ على محمل الجد قيمةَ حياة الإنسان فحسب، بل أيضًا حيوات بشرية معينة؛ مما يعني الاهتمام بالممارسات والمعتقدات التي تضفي عليها أهميةً ومدلولًا. إن الأشخاص العالميي الأفق يعرفون أن الناس مختلفون، وهناك الكثير لنتعلمه من اختلافاتنا … وأيًّا كانت التزاماتنا تجاه الآخرين (أو التزاماتهم تجاهنا)، فغالبًا ما يكون لهم الحق في التصرُّف كما يحلو لهم. وكما سنرى، ستكون هناك أوقات سوف يتضارب فيها هذان المبدآن الساميان؛ الاهتمام بالاختلاف المشروع واحترامه. فهناك وجه للكوزموبوليتانية لا تكون فيه اسمًا للحل، بل اسمًا للتحدي.8

يعجبني بشكل خاص اعتراف أبياه ﺑ «التحدي» الذي ينطوي عليه وجود التزامٍ ما تجاه الآخرين وتقدير اختلافاتهم. وقبل أن نبحث في قضيتين فلسفيتين أكثر عمقًا، لِنُلْقِ نظرةً على التحديات التي واجهها بيلبو.

(٣) الأقزام بوصفهم «الآخَر»

يتعلَّم بيلبو تقبُّل الأقزام وجاندالف، وإن كان التقبُّل لا يعني الاتفاق؛ فهو يختلف مع الأقزام حول مختلف أنواع الأمور الحيوية، ولكن المهم أنهم يتمكَّنون من العمل والتعاون معًا. قد يكون بيلبو يسعى وراء مخبأ كنز التنين على سبيل التسلية والمزاح، وقد يكون الأقزام يسترِدُّون كرامةَ مليكهم، وربما يكون لدى جاندالف مبرر أكثر شموليةً لخوض المغامرة. ليس مهمًّا أن كلًّا منهم لديه أسباب مختلفة للخروج في رحلة البحث، ما داموا جميعًا يخوضون التجربة معًا؛ فهم يتعلَّمون أن يحترم كلٌّ منهم طباع الآخَر من خلال الألفة، والسكنى معًا، ومشاركة الوجبات.

كان الأقزام أقصر من البشر، ولكنهم أطول من الهوبيت؛ إذ كان طولهم يزيد قليلًا على أربع أقدام. كذلك يتفوَّق الأقزام على الهوبيت من حيث امتلاء الجسم والوزن؛ فقد جعلهم العمل في المناجم الجبلية أقوياء وأصلابًا، فتجدهم يتحمَّلون مشقة العمل، ويفاخرون في المعارك، ويقاومون الألم. للأقزام الذكور لحًى طويلة تُطوى داخل أحزمتهم التي تحمل معاطف العمل حول خصورهم. وهم يصنعون العجائب في الأعمال المعدنية، والبناء، والنقش على الحجر، ويتغنَّون بقصص عن الذهب المفقود وكنوز ملوك الأقزام في الماضي السحيق. وهم يقدِّرون الجمالَ الطبيعي للكهوف وكذلك القصور التي تُبنَى بالجهد والعمل الشاق.9
تنعكس حياة الشقاء والكد التي يحياها الأقزام في «لغتهم المتحفظة»؛10 فباستخدامهم أقل القليل من المجاملات في حديثهم، لا يهدر الأقزام وقتهم في اللغو؛ فلديهم عمل للقيام به، فهلَّا تفضَّلت بالذهاب بعيدًا؟ تأمَّلْ أول لقاء لبيلبو بأحد الأقزام حين يفتح الباب متوقِّعًا لقاء جاندالف ليجد بدلًا منه «قزمًا ذا لحية زرقاء مطوية داخل حزام ذهبي، وعينين لامعتين تحت قلنسوته الخضراء الداكنة. وما إن فُتِح الباب حتى دفعه للداخل، كما لو أن حضوره كان متوقَّعًا. وراح يعلِّق معطفه ذا القلنسوة على أقرب مشجب، وقال بانحناءة بسيطة: «داولين في خدمتك!»».11

لا يتمهل القزم داولين؛ إذ يدخل إلى حفرة الهوبيت ويأخذ راحته كما لو كان في بيته. إنه لا يحاول أن يكون وَقِحًا، ولكن ردة فعل بيلبو المنزعجة تضفي كوميديا رائعة على هذا المشهد المبكر. وسرعان ما يتوافد اثنا عشر قزمًا آخَرون لينعموا بحفاوة بيلبو وكرمه.

حتى أسماء الأقزام تعكس حياة الشقاء والكد التي يحيونها: داولين، بالين، فيلي، كيلي، دوري، نوري، أوري، أوين، جلوين، بيفور، بوفور، بومبور، وثورين. يبدو الأمر كما لو كان الأقزام لا يرغبون في إهدار وقتهم مع أسماء تزيد على مقطعين، فلن تقابل مطلقًا قزمًا يُدعَى جيامباتيستا فيكو.

أثار هؤلاء الأقزامُ — الذين يلتهمون كل ما لديه من طعام ويوسخون كل صحونه — نفورَ بيلبو واشمئزازَه على نحوٍ مفهومٍ («فَلْتُرْبِكْ هؤلاء الأقزام وتجلب لهم العناء!»)12 والأقزام في المقابل لا ينبهرون — على نحوٍ مفهومٍ أيضًا — بهذا الحارس المعافى المرفَّه الذي زعم جاندالف أن بإمكانه أن يسرق من أجلهم في مغامرتهم، ما جعل جلوين يتنحنح قائلًا: «إنه يبدو أقرب لبقَّال منه إلى لص!»13
ولكن بتشجيع من جاندالف، يذهبون جميعًا على أي حال، وهذا ما أحدث كلَّ الفارق. لا يحاول بيلبو ولو مرة واحدة أن يقنع الأقزام بحلق لحاهم المضحكة والخروج من الجبال، ولا يحاول الأقزام بتاتًا أن يجعلوا بيلبو يرتدي حزامًا من الذهب ويحمل فأسًا. وعلى الرغم من أنهم يتجادلون مرارًا بشأن مزايا الخروج من القلعة في براميل («هذه فكرة مجنونة!») وسرقة سموج («بعد ذلك بالطبع التمَسَ الأقزامُ عَفْوَه»)، ومنح العطايا من أجل السلام («ماذا لديك لتقوله يا سليل الجرذان؟!») فإنهم يتعلَّمون الحياة معًا خلال فترة الرحلة،14 ويعتاد كلٌّ منهم على الآخَر.

بنهاية مغامراتهم، يتولَّد لدى الأقزام احترامٌ لبيلبو اللص، ويحترم بيلبو تقاليد الأقزام وصنوف الجمال لديهم. لم يُقنِع الأقزام بيلبو بالاستمتاع بفنهم وتقاليدهم. لم يُقْنِعه أحدٌ. فقط يكفي أنهم معًا حققوا غايتهم ونجوا من العمالقة، والأحجار العملاقة، والجوبلن، وذئاب الورج، وجن الغابة، والعناكب العملاقة، والخفافيش الماصة للدماء، والتنين. غالبًا ما نعتقد أن مَنْ تحمَّلوا معنا الكثير هم هؤلاء الذين يعرفوننا حق المعرفة؛ إذ يكون لديهم شعور «بالتعاطف»؛ فيما يعني حرفيًّا «المعاناة المشتركة».

تأمَّلْ ماذا يحدث حين يغادر بيلبو من أجل رحلة عودته:

حينئذٍ انحنى الأقزام أمام بطلهم، ولكن الكلمات احتُبِسَتْ في حناجرهم. إلى أن قال بالين في النهاية: «وداعًا وحظًّا سعيدًا أينما حللتَ! إذا عاودتَ زيارتنا مجدَّدًا حين تعود ردهاتنا جميلة مرة أخرى، فستكون الوليمة فاخرة بحق!»

فقال بيلبو: «إذا حدث ومررتم بطريقي، فلا تنتظروا حتى تطرقوا الباب! إن موعد الشاي في الرابعة، مرحبًا بأيٍّ منكم في أي وقت!»15

يُبرِز هذا الحوار مدى ما بلغوه من احترامٍ واستمتاعٍ برفقة بعضهم بعضًا، ويوضِّح أيضًا مدى الاختلاف بينهم حتى في لكناتهم؛ فلغة الأقزام قديمة ومفخمة؛ كقولهم: «سوف نحتفل في ردهتنا الفاخرة!» أما بيلبو، في المقابل، فهو رجل إنجليزي عصري يدعوهم لتناول الشاي في تمام الرابعة. والاختلافات في الأسلوب لا تهم ما دام كلاهما مضيافًا وكريمًا. فعلى الرغم مما بينهما من الاختلافات، فإن كلًّا منهما يرغب في استمرار الصداقة بينهما من خلال تناول الطعام معًا.

وكما يشير أبياه، فإن الحياة في ظل تقاليد أخرى تجعلك متقبِّلًا لها ومتسامحًا معها أكثر بكثير مما تفعل أية مجادلة فلسفية. وبوصفه فيلسوفًا متخصِّصًا، يشجِّع أبياه الحوار عَبْر التقاليد. ولكن قيمة تلك الحوارات لن تكمن في إقناع الآخرين، ولكن في التأليف والتقريب بين الناس. ويعمد أبياه لتوسيع نطاق مفهوم الحوار ليعني أي مواجهة تفاعلية مع ثقافة أخرى (كتناول طعام عرقي، أو مشاهدة أفلام أجنبية، أو ما إلى ذلك) بدلًا من كونه مجرد نقاش بين متنافسين يحرزون نقاطًا. وفي ذلك يكتب: «ليس بالضرورة أن يفضي الحوار إلى إجماعٍ بشأن أي شيء، لا سيما القيم؛ يكفي أنه يساعد الناس على اعتياد كلٍّ منهم على الآخَر.»16 في مغامرة من ثلاثمائة صفحة، اعتاد بيلبو على الأقزام. من المقبول أن لديهم أفكارًا، وتقاليد، وأساليب معيشية مختلفة؛ فكل ما يهم أنهم استطاعوا النجاة من المغامرة معًا.

(٤) الجميع يريدون قميصًا من «الميثريل»

إن التوتُّر بين الأقزام والجن أسطوري. أظن أنه من الممكن أن نعزو المشكلة جزئيًّا إلى وجود اختلافات أساسية في أسلوب معيشتهما؛ فالأقزام مخلوقات جَلِدة يعملون بأيديهم ويعيشون أسفل الجبال. أما الجن، فهم مخلوقات سحرية يحبون غناء أغنيات سخيفة تسخر من لحى الأقزام. الأقزام من ذوي الياقات الزرقاء وعمليُّون، بينما الجن مخلوقات مخلدة مهذبة روحانيًّا. من السهل أن تدرك أسباب غياب التوافق بينهما.

على الرغم من أن الجن يهزءون من بيلبو والأقزام، فإن منزل إلروند يوفِّر لهم الراحة والاستجمام اللذين هم في أشد الحاجة إليهما. يعثر المغامرون بين غنيمة العمالقة على سَيْفَين، ويتمكَّن إلروند من قراءة اللغة الأيسلندية القديمة المكتوبة عليهما ويخبرهم قائلًا: «إنهما سيفان قديمان، قديمان للغاية، كانا مِلْكًا لجِنِّ الغرب الساميين، قومي. وقد صُنِعَا في جوندولين من أجل حروب الجوبلن.»17 كان أحدهما يُسمَّى أوركريست ويُعرَف بجزار الجوبلن، والآخَر يُسمَّى جلامدرينج ويُعرَف بقاهر المطارق. يساعد إلروند المغامرين أيضًا في قراءة الحروف القمرية على خريطتهم، موفِّرًا لهم دليلًا أساسيًّا للمدخل السري إلى الجبل الوحيد وعرين سموج. وعلى الرغم من أن الحروف القمرية من ابتكارات الأقزام والكتابات الأيسلندية تدور حول الأحداث القزمية، فقد تطلَّبَ الأمر الاستعانةَ بالجني إلروند لاكتشافها وقراءتها.
بعد ذلك بكثير، يجد ثورين وسط مخبأ كنزَ التنين سموج «قميصًا مدرعًا صغيرًا، صُنِعَ من أجل أحد أمراء الجن الشبان منذ زمن طويل. كان مصنوعًا من الفولاذ الفضِّيِّ، الذي يُطلِق عليه الجن «ميثريل»، ومعه حزام من اللآلئ والكريستال».18 وبإيماءة مهيبة، يعطي إلروند القميص لبيلبو، الذي يساوره شكٌّ في أنه يبدو «مضحكًا نوعًا ما» ويتخيَّل أن الهوبيت القرويين ربما سيسخرون من لباس الجن الذي يرتديه عند عودته إلى الوطن. ولكن قميص «الميثريل» المدرع ليس بالغ القيمة فحسب، وإنما أيضًا خفيف وقوي؛ إذ يرتديه بيلبو في معركة الجيوش الخمسة، وينقذ حياة فرودو عدة مرات في «سيد الخواتم».
يُعتبَر السيفان وقميص «الميثريل» أمثلة جيدة لما يطلق عليه أبياه — دونما استنكار — «التلوث الثقافي».19 يخطئ الأصوليون الثقافيون في رغبتهم في عزل العناصر الغريبة عن ثقافتهم؛ فالجميع يتشرَّب عناصر من ثقافات أخرى ويجعلها ملكًا له. فالبطاطس وأوراق التبغ التي يستمتع بها كثيرًا مواطنو تولكين من الإنجليز المعاصرين (والهوبيت!) قادمتان من العالم الجديد كموطنهما الأصلي، وتم استيرادهما منه. فالتجارة والهجرة عملت على إحداث نوع من التهجين وخلط الأجناس في كل ثقافة. فحتى القرويُّون في كنساس يشربون الجعة الألمانية، ويتناولون البيتزا الإيطالية، ويشاهدون أفلامًا صُوِّرت في نيوزيلندا.

كذلك هو الحال مع بيلبو والأقزام؛ فرغم التاريخ المليء بعدم الثقة بين الأقزام والجن، يسعد ثورين والرفاق أيما سعادة بحمل سيفَي الجن إلى المعركة والاستعانة بمعرفة إلروند قراءة خريطتهم. وعلى الرغم من الشعور بالحماقة والسخف إلى حدٍّ ما، يسعد بيلبو بارتداء قميص من الميثريل القوي خفيف الوزن، الذي يعمل على حمايته من أي أذًى يلحق به. فحين يكون القيام بذلك منطقيًّا ومعقولًا، يستعين الأذكياء بأشياء من ثقافات أخرى، مهما بَدَتْ غريبة عن ثقافتهم.

(٥) التعلُّم من الثقافات الأخرى

تُعَدُّ الصداقة المستبعَدة بين القزم جيملي والجني ليجولاس في «سيد الخواتم» المثالَ الأكثر توثيقًا للتفاهُم والتسامح بين الثقافات لدى تولكين. في المقابل، نجد سموج والجوبلن أمثلةً مدهشة للقيود على التسامح والتعايش السلمي. فلمَ هذا الاختلاف؟

يتطلَّب تفسير الاختلافات بينهم النظر بمزيد من التعمُّق في فلسفة الكوزموبوليتانية. يناقش أبياه مبدأين أساسيين من مبادئ الكوزموبوليتانية هما: «التخطيئية»، و«التعدُّدية».20

يُعَدُّ مصطلح «التخطيئية» في الأساس من الكلمات الفخمة بالنسبة للإنسانية؛ فهو مبدأ يعني أن تتقبَّل أنك قد تكون على خطأ ولا تدري حتى ذلك، وأن تكون منفتحًا للتعلُّم من الآخرين.

أما «التعدُّدية»، فتعني تقبُّل أنه في العديد من مجالات الحياة ومناحيها قد يكون هناك أكثر من إجابة صحيحة. في علم الحساب لا توجد سوى إجابة صحيحة واحدة، ولكن في عيش الحياة، أو تربية الأطفال، أو الاستذكار من أجل اختبارٍ ما، أو طهي الطعام، قد يكون هناك أكثر من طريقة صحيحة.

يتقبَّل ليجولاس الجني وجيملي القزم أن معتقداتهما قابلة للخطأ؛ فهما يدركان أنهما قد يكونان على خطأ بشأن أمور مهمة، وأنه قد يكون هناك شيء يتعلَّمه كلٌّ منهما من الآخَر. ولذا يقبل ليجولاس دعوةَ جيملي له لاستكشاف كهوف أجلاروند اللامعة؛ إذ يدرك أنه قد يتعلَّم شيئًا من صديقه القزم عن الجمال.21 وبالمثل، يرافق جيملي ليجولاس داخل غابة فانجورن الموحشة المليئة بالذكريات.

كذلك يتقبَّل الصديقان التعدُّدية؛ إذ يدركان أن الأقزام والجن يعيشان بطرق مختلفة تمام الاختلاف، ولا بأس في ذلك. ولذلك تتمكَّن جالادريل، ملكة لوثلورين الجميلة، من التأثير على جيملي، فيما يتقبل جيملي أن الجن لديهم طريقة مختلفة وصالحة بالقَدْر نفسه للحياة؛ مما يتيح له الانفتاح على تلك الحياة.

في حياتي الخاصة غالبًا ما ألتقي بأعضاء من كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة (المعروفة بالكنيسة المورمونية). لن أصبح يومًا مورمونيًّا بتاتًا، ولكن أتقبَّل أن طريقتهم المختلفة للحياة صالحة بالقَدْر نفسه (التعدُّدية)؛ ومع كل ما أعرفه، فمن الممكن أن يكونوا على صوابٍ بشأن التساؤلات المطلقة عن كيفية العيش، ومن الممكن أن أكون مُخطِئًا (التخطيئية).22 لا أتفق معهم؛ ولو فعلتُ لأصبحتُ مورمونيًّا! ولكني وزوجتي نستمتع باصطحاب أطفالنا لمشاهدة أعمالهم الفنية عن ميلاد المسيح في فترة أعياد رأس السنة. إن التخطيئية والتعددية لا يستلزمان اتفاقًا كاملًا، بل مجرد التقبُّل، والتسامح، وربما حتى التقدير.
يرفض الجوبلن، في المقابل، التخطيئية والتعددية. فالجوبلن — الذين سُمُّوا فيما بعدُ الأورك — مخلوقاتٌ قاسيةٌ ذات دم أسود ومخالب، مسلَّحة بالسياط والسيوف المعقوفة. أجسادهم القصيرة البدينة تكتسي بدرعٍ فولاذية، وأذرعهم الطويلة تحمل خناجر وسهامًا مسمومة. ولكونهم يعيشون تحت الأرض، فإنهم يفضِّلون الظلام ويتجنَّبون ضوءَ الشمس ما أمكنهم ذلك.23 يؤمن الجوبلن بأنهم يملكون الطريقة الوحيدة الصحيحة للعيش، وأنه لا يوجد ما يمكن تعلُّمه من الآخَرين؛ فهم يعيشون في ظل الخوف ويتمنَّون فرض خوفهم هذا على الجميع.
أما التنين سموج، فلا يملك أي تواضُعٍ على الإطلاق («أنا أقتلُ حيثما أشاء، ولا يجرؤ أحد على المقاومة.»)24 وهو يعتقد أنه لا يوجد شيء يستطيع تعلُّمه من الهوبيت أو الأقزام؛ فحياة الآخَرين ليست ذات قيمة أو محل اعتبار.
إن الجوبلن وسموج معادون للكوزموبوليتانية؛ إذ لا يملكون أيَّ تسامُح تجاه الآخرين. ويستخدم أبياه المسلمين المتطرفين المعاصرين كنموذج للمعادين للكوزموبوليتانية، أولئك الأشخاص الذين يعتقدون أن لديهم الطريقة الوحيدة الصحيحة للعيش، وأن الثقافات الأخرى ما هي إلا نتاجات بائسة للانحراف والفساد الإنساني.25 قد يسمح المسلمون المتطرفون ببعض التسامُح مع الاختلاف حول أمورٍ ليس لها أهمية (مثل نوع القماش الذي تستخدمه المرأة كغطاء للرأس)، ولكنهم لا يتسامحون مطلقًا بشأن العديد من الأمور المهمة (مثل المطالَبة بضرورة ارتداء المرأة غطاءً للرأس).

علاوة على ذلك، لا يتردَّد هؤلاء في استخدام العنف لفرض آرائهم على الآخَرين؛ تمامًا مثل سموج والجوبلن. إن الهوبيت القرويين (شأنهم شأن الكنساسيين القرويين) يخشون الآخَرين، ولكن لا يزال بإمكانهم أن يكونوا مسالمين. أما الجوبلن المحدودي الأفق (شأنهم شأن جميع المتطرفين)، عادةً ما يضيفون العنفَ إلى كراهيتهم.

(٦) أيمكننا حقًّا أن نعيش مثل بيلبو؟

يشير الفيلسوفان بولين كلاينجيلد وإريك براون إلى وجود عدة صور مختلفة من الكوزموبوليتانية. على سبيل المثال، يؤيِّد بعض أنصار الكوزموبوليتانية وجودَ حكومة عالمية، فيما يزعم مناصرون آخَرون لها، مثل فيلسوف برينستون بيتر سينجر، أن جميع الكائنات مرهفة العواطف تنتمي لمجتمع واحد من المتساوين أخلاقيًّا، وأن الواجبات تجاه الغرباء يمكن أن تكون ملزمة أخلاقيًّا شأنها شأن الواجبات تجاه أفراد الأسرة، والجيران، وأبناء البلد الواحد.26
من الواضح أن بيلبو ليس عالمي الأفق في أيٍّ من هذين الصعيدين. إن بيلبو هو ما يُطلَق عليه كلاينجيلد وبراون «كوزموبوليتاني أخلاقي وثقافي معتدل»،27 فيما يعني أنه يدرك أنه على الرغم من أهمية الروابط المحلية والولاءات، فإن جميع شعوب الأرض الوسطى الحرة — الجن، والأقزام، والبشر، والهوبيت، وما إلى ذلك — تنتمي إلى مجتمع واحد، ولا بد من تقدير التنوُّع الثقافي وتشجيعه. لنفكر لحظةً في قيمة التنوع الثقافي.

تأمَّل إعداد وجبة الفطور، أحد الأشياء المفضَّلة لدى الهوبيت. يمكنني أن أتناول الفطائر مع الزبد وشراب القيقب مع شريحةٍ من اللحم وفنجانٍ من القهوة الساخنة بالحليب. هذا ما كان والداي يتناولانه؛ لذا ربما يكون فطورًا محليًّا أكثر من اللازم. ولكي أكون عالميًّا؛ فلا بد أن أتقبَّل أن الآخَرين لديهم وجباتُ فطورٍ شهية بالقدر نفسه، وينبغي أن أجرِّبها. ربما ينبغي أن أعدَّ فطورًا إنجليزيًّا كاملًا يحتوي على البيض المقلي، والنقانق، والفاصوليا المطبوخة (أحد الأصناف الواردة حديثًا من الولايات المتحدة وتحظى بشعبية ضخمة)، والخبز المحمص ومربى النارنج مع فنجان من الشاي الساخن بالحليب. ربما ينبغي أن أدخل على شبكة الإنترنت وأتعرَّف على الفطور التقليدي في جنوب الهند، أو سنغافورة، أو الأرجنتين. كيف يمكن أن أقرِّرَ ما أتناوله على الإفطار؟

يستحيل أن أتخيَّل أحدَ الهوبيت يغفل وجبة الإفطار بينما يشكو بشأن مجموعة الأشياء الجيِّدة بالقَدْر نفسه المتاحة لتناولها. ويبدو أن تولكين نفسه يحتفي بطرائق الهوبيت الريفية المقيَّدة بالتقاليد؛ فتجده لا يسخر منهم بوصفهم قرويين جهلاء. فالهوبيت سعداء بحقٍّ في حياتهم البسيطة؛ فهم يطهون الوجبات بثقةٍ، ويُخمِّرون الجعة، ويبنون أنفاقًا في الأرض دون القلق إزاء كيفية قيام الآخَرين بذلك. فهم ثابتون على طرائقهم ويرفضون معظم التجديدات وعمليات الميكنة، ولكنهم سعداء بحق؛ فنرى سام وميري الهوبيتَيْن التقليديَّيْن اللذين ينتهي بهما المطاف بزواج سعيد والاحتفاء بهما. في المقابل، نجد بيلبو بعد عودته إلى الوطن وقد «فقَدَ سمعته» و«لم يَعُدْ يحظى بالاحترام».28

ولكن تظل مغامرة بيلبو ضروريةً؛ لأنها قادَتْ إلى اكتشاف الخاتم، وهو ما قاد بدوره إلى سقوط سيد الخواتم وعودة الملك. فالحقيقة تَفُوق التكلفة؛ إذ تنقذ عالميةُ بيلبو السيئةُ السمعة الأرضَ الوسطى.

والمرور بلحظة صعوبة الاستقرار على فطورٍ مُعَيَّنٍ يُعَدُّ ثمنًا زهيدًا تدفعه مقابل أن تكون مواطنًا تشارُكيًّا في عالمنا المتنامي، المتمدد، الذي يزداد تلاحمًا واتصالًا. وفي ذلك يكتب أبياه: «وفقًا للظروف، يمكن للحوارات عَبْرَ الحدود والحواجز أن تكون مبهجةً، أو مزعجة تمامًا؛ ولكن السمة الأساسية لها هي أنها حتمية.»29 ويقول الجني جيلدور لفرودو: «العالم الرحيب أنت محوره بالكامل؛ إذ يمكنك أن تحبس نفسك بداخله، ولكن لا يمكنك أن تحبس نفسك خارجه للأبد.»30 لا يمكن أن تختبئ من تأثيرات العالم الخارجي. والادعاء أن ثقافة واحدة هي الأفضل على الإطلاق يضعك حقًّا في خندقٍ واحدٍ مع بعضِ أسوأ طغاة التاريخ الإنساني.31
أقول «يعيش الاختلاف»؛ فلا يكفي أن تكون سمحًا رءوفًا مع أصدقائك وأسرتك. فلكَيْ نحيا معًا، لا بد أن نتعلم جميعًا الرفق بالغرباء.32

هوامش

(1) J. R. R. Tolkien, The Lord of the Rings: The Fellowship of the Ring (New York: Del Rey/Ballantine Books, 2001), 23.
(2) Tom Shippey, J. R. R. Tolkien: Author of the Century (Boston: Houghton Mifflin, 2001), 5–11.
(3) It is pronounced as it is spelled. We mocked anyone who called it the Arkansaw River.
(4) Diogenes considered himself a citizen of the world and spurned local customs and mores, such as rules against having sex in public. He lived in a barrel on the beach, disdaining “unnatural” things such as houses and preferring to live “naturally,” as the animals do. I suppose nobody ever asked him why he thought barrels were natural.
(5) Polis gives us words like “politics” and “politician”.
(6) Kwame Anthony Appiah, Cosmopolitanism: Ethics in a World of Strangers (New York: W. W. Norton, 2006).
(7) “Kwame Anthony Appiah,” http://www.appiah.net.
(8) Appiah, Cosmopolitanism, xv.
(9) David Day, Guide to Tolkien’s World: A Bestiary (San Diego: Thunder Bay Press, 1979), 60–75.
(10) Shippey, J. R. R. Tolkien, 70-71.
(11) J. R. R. Tolkien, The Hobbit: or, There and Back Again (New York: Del Rey/Ballantine Books, 2001), 7.
(12) Ibid., 11.
(13) Ibid., 18.
(14) Ibid., 179, 220, 277.
(15) Ibid., 294.
(16) Appiah, Cosmopolitanism, 85.
(17) Tolkien, The Hobbit, 52.
(18) Ibid., 240.
(19) Appiah, Cosmopolitanism, 101.
(20) Ibid., 144.
(21) J. R. R. Tolkien, The Two Towers (New York: Del Rey/Ballantine Books, 2001), 166.
(22) For example, Mormons do not drink coffee, whereas I drink at least three cups a day. I accept that these are different ways of living and acknowledge that the Mormons may be right, given the negative health effects of drinking so much coffee.
(23) Day, Guide to Tolkien’s World, 198–203.
(24) Tolkien, The Hobbit, 226.
(25) Appiah, Cosmopolitanism, 137–40.
(26) Peter Singer, One World: The Ethics of Globalization (New Haven, CT: Yale University Press, 2002).
(27) Pauline Kleingeld and Eric Brown, “Cosmopolitanism,” Stanford Encyclopedia of Philosophy, Stanford University, http://plato.stanford.edu/entries/cosmopolitanism/.
(28) Tolkien, The Hobbit, 303, 304.
(29) Appiah, Cosmopolitanism, xxi.
(30) Tolkien, The Fellowship of the Ring, 93.
(31) Appiah, Cosmopolitanism, xvi, notes that both Adolf Hitler and Joseph Stalin were vocal opponents of cosmopolitanism.
(32) “Kindness to Strangers” is the title of the last chapter of Appiah’s Cosmopolitanism: Ethics in a World of Strangers. I thank Dean Rachel Anderson and Librarian Carolyn Riddle of Big Bend Community College, my lovely wife, Jennifer McCarthy, and editors Eric Bronson and Greg Bassham.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤