الفصل السادس

الفخر والتواضع في «الهوبيت»

لورا جارسيا

في بداية «الهوبيت»، يبرز بيلبو بفضل شخصيته العادية للغاية؛ فهو ميسور الحال بشكلٍ مريحٍ، ويعيش حياةً هادئةً وروتينيةً، ويُقال لنا إنه لم يكن أحدٌ ليصفه بالمغامر، على الرغم من الهراءات المشاعة بين بعض أقاربه لوالدته (عشيرة التوك). إنه رجل إنجليزي حقيقي من عدة نواحٍ، يملك فضائلَ كرم الضيافة، والعزة، والكياسة.

يبدو بيلبو في البداية صورةً للتواضع أيضًا؛ إذ يفتح مخزنَ اللحوم خاصته لجاندالف والغرباء الثلاثة عشر الذين يحتشدون بمنزله في باج إند. ويقدِّم القهوة، والشاي، والنبيذ، والجعة، إلى جانب الكعك البذري، وفطائر اللحم المفروم والفواكه، وفطائر لحم الخنازير، والسلاطة، وكعك التفاح، وكعك السكونز بالزبد، والبيض، والدجاج البارد، والمخللات. ولكننا نجد أيضًا أنه أينما وقع بيلبو في مشكلة خطيرة، يكون ذلك بسبب خروج إحدى صفاته الحميدة عن نطاق السيطرة بعض الشيء؛ مما يهدِّد بتحوُّل إحدى الفضائل إلى رذيلة.

فإحساسه بالعزة والشموخ — على سبيل المثال — يجعله يشتعل غضبًا حين يسترق السمع للقزم جلوين وهو يشكو من أن بيلبو «يبدو أقرب لبقَّالٍ منه إلى لصٍّ». ويتم إخبارنا بأنه «فجأة يخطر له أن يستغني عن النوم والإفطار حتى يُعتقَد أنه عتيٌّ»، وهو ما يُعَدُّ شرارةَ سخط واستياء لا يُستهَان بها من شخص كان يكره أن تَفُوته وجبةٌ مثلما كان بيلبو يفعل. ويحذِّر جاندالف الأقزامَ قائلًا: «إن بداخل هذا الهوبيت أكثرَ بكثير مما تعتقدون، وأكثر بكثير مما يعرفه هو ذاته.»1

(١) الفضيلة في الأرض الوسطى

إن أهمية الفضيلة، أو الشخصية الأخلاقية، تجري كخيطٍ عَبْر قصة مغامرة تولكين. من الواضح أن مقصد الكاتب لا يقتصر على التسلية والإمتاع فحسب، بل يمتد للتعليم والتوجيه، وبصفة خاصة دعم الادِّعَاء القديم قِدَم سقراط (حوالي ٤٧٠–٣٩٩ق.م) على الأقل بأن الفضيلة تفضي إلى الازدهار، بينما تفضي الرذيلة إلى التدهور والانحدار. ويمكن تمييز النظريات الأخلاقية من خلال إجاباته على ثلاثة أسئلة جوهرية: (١) أي أنواع من الأحكام الأخلاقية هي الأكثر بساطةً وجوهريةً؟ (٢) لِمَ ينبغي أن أكونَ خلوقًا؟ (٣) ما الذي يجعل تصرُّفًا ما صائبًا أو خاطئًا؟

فيما يتعلَّق بالسؤال الأول، سانَدَ الفلاسفة اليونانيون نظريةً أخلاقيةً تُعرَف الآن باسم «أخلاقيات الفضيلة»، التي جعلت الأحكام بشأن الشخصية الفاضلة أو الأفعال الفاضلة أساسية. ثمة مزاعم أخلاقية أخرى، بشأن ما هو جيِّد (أو قيِّم) والقوانين والواجبات الأخلاقية، يرجع أصلها إلى الأحكام المتعلقة بالفضيلة. فإذا كان على بيلبو واجب يُلزمه بمحاولة حماية أصدقائه، على سبيل المثال، فهذا يُعزى إلى كون الوفاء فضيلةً. أما الغش في مسابقة ألغاز فهي أمر سيئ؛ لأن من الإثم أن تحاول أن تخدع شخصًا ما.

فيما يتعلَّق بالسؤال الثاني، فقد ادَّعَى أرسطو (حوالي ٣٨٤–٣٢٢ق.م) أن الحياة الفاضلة، بطبيعتها، هي الحياة التي تمكِّن أي شخص من بلوغ أقصى إمكاناته الكامنة. فالفضائل الأخلاقية هي سماتٌ شخصيةٌ تؤدِّي إلى التحقيق الكامل للذات كحيوان عقلاني اجتماعي، وكل البشر بطبيعتهم يبحثون عن السعادة أو تحقيق الذات. ويرى أرسطو من وجهة نظره أنه ينبغي علينا أن نتصرَّف بشكل أخلاقي؛ لأن هذه هي الوسيلة الوحيدة لبلوغ تحقيق الذات، والرغبةُ في هذا النوع من الإشباع تقف وراء كل رغباتنا الأخرى.

وليس من قبيل المصادفة أن يعكس وصفُ تولكين لمنزل بيلبو الهانئ في باج إند، ولمملكة إلروند الأنيقة في ريفيندل؛ شخصيةَ مَن يعيشون هناك. فحين ينزل أبطالنا إلى داخل الوادي في اتجاه منزل إلروند، يمكننا أن نسمع صوتَ المياه المتسارعة على الصخور الواقعة بالأسفل، ونشمَّ رائحةَ أشجار الصنوبر والبلوط. ثمة وهج دافئ منبعث من النيران المشتعلة بالأسفل وغناء الجن بين الأشجار. وأخيرًا نلتقي إلروند، ولا نندهش حين نعلم أنه «كان نبيلًا وجميلَ المُحَيَّا كسادة الجن، وقويًّا كالمحاربين، وحكيمًا كالسحرة، ومهيبًا كملوك الأقزام، ولطيفًا كالصيف».2

وأخيرًا، وفيما يتعلَّق بالسؤال الثالث، تعتبِر نظريةُ أرسطو عن الفضيلة أن الأفعال تستحق المدح أو اللوم الأخلاقي فقط بناءً على النوايا والتوجُّهات التي تحفِّزها؛ فالحكم على أفعال الآخَرين بأنها صحيحة أو خاطئة أخلاقيًّا يتطلَّب معرفةَ ما كانت «تحاوِل» فعله، حتى لو لم تنجح. والتصرف من منطلق دوافع فاضلة هو من قبيل التصرف الصائب، بينما التصرف من منطلق أي دافع فاسد، فهو تصرُّف خاطئ أخلاقيًّا.

في قصتنا، حين يُطلَق سراح الأقزام من البراميل التي كانوا يختبئون بداخلها، يواجهون صعوبةً في العفو عن بيلبو لإتيانه بمثل هذه الخطة المزعجة للهروب، ويشعر قائدُهم ثورين بالضيق بشكل خاص؛ حيث: «كانت هناك قشَّة مبتلَّة داخل لحيته المبتلَّة المترهلة، وكان يعاني من تقرُّح وتيبُّس بالغين، وتعرَّض لكدمات وضربات بالغة حتى إنه كان يستطيع بالكاد الوقوفَ أو المشي بتعثُّر عبر المياه الضحلة ليرقد على الشاطئ يَئِنُّ ويتأوَّه.» ولكن بيلبو يرفض قبول اللوم على هذه النتيجة، وهو مُحِقٌّ في ذلك؛ إذ إنه بالتأكيد لم يكن يقصد أن يُشْقِي الأقزام؛ ومن ثَمَّ كانت إجابته المقتضبة على ثورين هي: «حسنًا؛ هل أنتَ على قيد الحياة أم ميت؟»3

يبدو واضحًا أن تولكين، شأنه شأن أرسطو، يعمل من منطلق نظريةٍ للفضيلة الأخلاقية؛ فأسمى إشادة لديه مدَّخرة للخلوقين، للشخصيات ذات الخلق، إذا جاز التعبير، وهؤلاء الأقوام يتخذون قراراتهم بالتفكير فيما إذا كانت الأفعال التي سيقومون بها أفعالًا مخلصة، أو شجاعة، أم مجرد أفعال عادية للقيام بها. وغالبًا ما يختار أبطالنا في رواية «الهوبيت» طريقًا يعتقد الجميع حتى هم أنه من غير المحتمل أن يُسفِر عن نتيجة إيجابية؛ فهو فقط الشيء الأخلاقي الذي يجب القيام به.

على سبيل المثال، حين يهرب بيلبو من كهوف الجوبلن، لا يكون لديه أدنى فكرة عمَّا حدث لجاندالف والأقزام؛ لذا فمع تردُّده في العودة إلى داخل الأنفاق الجبلية المظلمة، نعلم أنه «قد حسم أمره بأن ذلك هو واجبه، وأنه لا بد أن يعود — وكم شعر بتعاسة وبؤس إزاء ذلك — حين سمع أصواتًا».4 ويسهل تعريف واجب بيلبو في هذا الموقف في إطار الفضائل؛ فالشيء الشجاع والمخلص الذي يجب القيام به في حالته هو القدوم لمساعدة أصدقائه.5
إن شيئًا مثل نظرية الفضيلة الأخلاقية لأرسطو من شأنها أن تبثَّ الحياة في قدرٍ كبيرٍ من قصة بيلبو، وحتى تولكين يصف المخلوقات المتعددة التي تسكن الأرض الوسطى عن طريق سرد سماتهم الأخلاقية إلى جانب صفاتهم الجسمانية. فحين نلتقي العمالقة، نجد أن «لغتهم … لم تكن لغة الصالونات الرسمية التي لا تعرِفُ الجدلَ مطلقًا، مطلقًا»، ويتبين أنهم فوضويون، ومولعون بالجدل، وليسوا أذكياء للدرجة الكافية. أما الجوبلن، على الجانب الآخَر، فهم بارعون إلى حدٍّ ما، ولكننا نجدهم مقزِّزين من البداية؛ إذ كانوا يجلدون ويقرصون الأقزام ويخطِّطون لالتهام أحصنة الأقزام. ويخبرنا تولكين أن «الجوبلن قساة القلوب، وأشرار، وذوو قلوب حقودة»؛ ومن ثَمَّ يستغلون مهاراتهم لصنع أسلحة الدمار الشامل، مرغِمين الكثيرين من أسراهم على العمل عبيدًا حتى يموتوا من نقص الهواء والماء.6 وليس ذئاب الورج الكبيرة الشريرة والذكية أفضل حالًا، بل إنهم يتحالفون مع الجوبلن للتخطيط للهجوم على مستعمرات البشر القليلة التي لا تزال متبقيةً في ظلال الجبال الضبابية.7
ولحسن الحظ، يوجد بالأرض الوسطى سكان أكثر نبلًا، وأبطالنا يُنتزَعون — بمعنى الكلمة — من النار في مرحلةٍ ما على يد ملك النسور وأصدقائه، على الرغم من أن «النسور ليست بالطيور الطيبة، والبعضُ منها جبناء وقساة، ولكنَّ الجنسَ القديم بالجبال الشمالية كان أعظمَ الطيور أجمع؛ فقد كانوا فخورين بأنفسهم وأقوياء ونبلاء القلوب».8 لقد التقينا إلروند بالفعل، الذي يُعَدُّ نموذجًا يجسِّد فكرة أرسطو عن «الرجل ذي الروح العظيمة»، ونثق بشكلٍ غريزيٍّ وفطريٍّ في جاندالف أيضًا، على الرغم من أن شخصيته ينبغي أن تُدرَك من أفعاله أكثر من الوصف المباشِر له.

(٢) فخور أني هوبيت

تلعب الفضائل الأخلاقية بشكلٍ جليٍّ دورًا مهمًّا في رواية «الهوبيت»، وبشكل عام يُقَدَّم التواضُع بوصفه فضيلةً والفخر بوصفه رذيلةً. ولكن ثمة استثناءات لذلك؛ فملك النسور يُوصَف بأنه شخصية متفاخرة، ومن الواضح أن هذا الوصف كان القصد منه في هذا السياق هو الإطراء (إذ تصاحبه صفات؛ مثل: «قوي»، و«كريم»). وقربَ نهاية القصة، نلتقي بارد، وهو رجل ذو مهارة وشجاعة عظيمة يسقط سموج التنين بآخِر سهم لديه، معلنًا على مسامع الجميع: «أنا بارد سليل جيريون، أنا ذابح التنين!»9 هذه ليست بالضبط صورةَ التواضع، على الرغم من أن بارد يستحقُّ المدحَ والثناءَ بالتأكيد لبطولته.

غير أن الفخر، بعيدًا عن هذه الأمثلة، يُجسَّد بوصفه رذيلة، بل وباعتباره خللَ الشخصيةِ الفتَّاكَ الذي يؤدِّي إلى تدمير الأشرار؛ فنجد العناكبَ العملاقة تترك فريستها لملاحقة بيلبو الخفي؛ لما اعتراها من غضب وحنق بفعل تهكُّماته وإهاناته اللفظية، ويتمكَّن بيلبو من اكتشاف نقطة ضعف سموج من خلال مخاطبة غروره والثناء على حصانته الصلفة.

علاوة على ذلك، حين يصبح أبطالُ القصة على مقربة من الأَسْر أو القتل، فغالبًا ما يكون هذا بسبب وقوعهم في قبضة الفخر والغرور بطريقة أو أخرى. فعندما يتحدَّث بيلبو إلى سموج، لا يستطيع مقاومةَ إغراء إبداء ملاحظة لاذعة لدى انصرافه بشأن سرقة بعضٍ من كنز التنين. «لقد كانت ملحوظة غير موفَّقة؛ إذ دفعَتِ التنينَ لنفثِ ألسنةِ لهب رهيبة وراءه»، وهذا الحدث هو ما أوجد المثلَ القائلَ: «لا تسخَرْ أبدًا من التنانين الأحياء.»10
في النهاية، تتجدَّد شرارة الفخر لدى ثورين القزمي بعودته إلى موطن آبائه في الجبال، وهو ما يؤدِّي به إلى الدخول في نزاعٍ لا داعِيَ له مع قرويِّي مدينة البحيرة وجنِّ الغابة على تقسيمِ كنز التنين؛ فيبدأ في الإشارة إلى نفسه بوصفه «ثورين بن ثراين، ملك أسفل الجبال»، ويمنعه مزيجٌ من الفخر والطمع من إدراك عدالة مطالب الآخرين، بل إنه يخبر بيلبو قائلًا: «إنك متَّشِحٌ بدرعٍ من صُنْع قَوْمِي، وهذا كثير عليك.»11
في الواقع، يشير جون ريتليف، الباحثُ في أعمال تولكين، إلى أن «الفخرَ هو الخطيئة الأساسية في مبادئ تولكين الأخلاقية».12 فإدخال النشاز على موسيقى إينور، وتمرُّد جن النولدور ضد الفالار، ووقوع جالادريل في الخطيئة، والمنفى الذي فرضَتْه على نفسها في الجزيرة الوسطى، ومحاولة النيومينوريين التغلُّبَ على الموت بغزو المملكة المباركة، ورفض إيسيلدور الكارثي تدمير الخاتم بعد نزعه من يد السورون، ومحاولة سورون السيطرة على العالم وأن يُعبَد كمَلِكٍ إلهٍ، وفساد سارومان ورفضه الرحمة، ووقوع دينيثور في شَرَك الجنون واليأس الدافع للانتحار؛ كلها أمور عزاها تولكين لخطيئة الفخر.13

على النقيض، دائمًا ما يكون التواضُع فضيلةً رئيسيةً في كتابات تولكين الخيالية. فعلى سبيل المثال، كان تواضُع فرودو وسام الاستثنائي — قدرتهما النادرة الوجود على مقاومة إغراءات الخاتم للقوة والمجد — هو الشيء الوحيد الذي أدَّى إلى هزيمة سورون في «سيد الخواتم».

كان تولكين كاثوليكيًّا وَرِعًا مخلصًا، وتأثَّرَتْ تجسيداته للفخر والتواضُع بقوةٍ بالرؤى المسيحية الكلاسيكية للفضائل والرذائل الأخلاقية. ففي الأخلاقيات المسيحية الكلاسيكية، يُنظَر إلى الفخر باعتباره واحدًا من الخطايا السبع المميتة؛ بل يُعتبَر أكثرَ الخطايا السبع إهلاكًا.

وقد كتب سي إس لويس، صديقُ تولكين وزميله في أكسفورد، أن الفخر هو «الخطيئة الكبرى»؛ لأنها تفصل المرءَ عن كلٍّ من الله وجيرانه من خلال خَلْقِ رؤيةٍ زائفةٍ لمزايا المرء أمام الله، وتدنيسِ عمل الخير والبر من خلال دفع المرء لازدراء مَن هم أقل منه. وأضاف: «لا توجد خطيئة تجعل إنسانًا مكروهًا بشكل أكبر، ولا توجد خطيئة نَعِي وجودَها بشكل أقل في أنفسنا.»14
ويعرِّف جون هاردون الفخرَ في «القاموس الكاثوليكي للجيب» بأنه «تقديرٌ غير عاديٍّ للذات»، قد يتجلَّى بطرقٍ عدَّة: «من خلال التباهي بالإنجازات وكأنها لم تكن في الأساس نتيجةَ الكرم والنعماء الإلهيين، ومن خلال التقليل من عيوب المرء أو ادِّعَاء صفاتٍ لا يمتلكها بالفعل، ومن خلال التعالي على الآخَرين أو ازدرائهم لافتقارهم ما يملكه الشخص المتكبِّر، وعن طريق تضخيم عيوب الآخَرين أو التركيز عليها.»15
ولكن مثلما رأينا، لا يتحدَّث تولكين دومًا عن الفخر بتعابير سلبية. وقد أشار لويس إلى أننا غالبًا ما نمتدح الناسَ للشعور ﺑ «فخرٍ» له ما يبرِّره بالعائلة، أو الإنجازات، أو الإرث، أو المدرسة.16 إذن هل يكون الفخر فضيلةً تارة، ورذيلةً تارة؟ إذا كان الأمر كذلك، فيبدو أننا نستخدم الكلمة بمعنيين مختلفين؛17 فقد تعاملَتْ نظريةُ أرسطو الأخلاقية مع الفخر باعتباره فضيلةً، ولكن القديس توما الأكويني (١٢٢٥–١٢٧٤)، وهو فيلسوف كاثوليكي تبنَّى نظريةَ أرسطو باعتبارها صحيحةً إلى حدٍّ كبير، اعتبَرَ الفخرَ رذيلةً.

لعل إحدى طرق حلِّ هذا النزاع هي القول بأن الفخر فضيلة علمانية، ولكنه رذيلة دينية. ولكن الأكويني رفض هذا الخيار، بل ادَّعَى أيضًا أن هذا التعامُل مع الفخر يتوافق مع نظرية أرسطو. ولكي نرى إذا ما كان ذلك صوابًا أم لا، فإننا نحتاج لإلقاء نظرة عن كثب أكثر على المناقشات الأساسية لكلا المفكِّرين بشأن الفخر.

تعامَلَ أرسطو مع الفخر في الكتاب الرابع، الفصل الثالث، من كتاب «الأخلاقيات النيقوماخوسية»، حيث رأى أنه فضيلة مرتبطة «بأمور عظيمة وجليلة» وترتبط بشكل خاص بمآثر عظيمة أو سمعة بالعظمة «الأخلاقية». يطلق بعض المترجمين على هذه الفضيلة «الفخر»، بينما يستخدم آخَرون مصطلحَي «النبل» أو «الشهامة». في ترجمةٍ لدبليو دي روس، قال أرسطو: «إن الرجل الذي يُنظَر إليه الآن بوصفه متفاخرًا هو ذلك الذي يظن نفسه جديرًا بالأشياء العظيمة، جديرًا بها حقًّا؛ لأن مَن يفعل ذلك مع عدم جدارته فهو أحمق، ولكن ما من رجل فاضل يتَّسِم بالحماقة أو السخافة.»18
إن الرجلَ المتفاخِرَ على نحوٍ من الفضيلة والعفة (وهو دائمًا رجل بالنسبة لأرسطو) يستحق أشياء عظيمة؛ ومن ثَمَّ يظن نفسه مستحقًّا لها. والأشياء العظيمة التي يقصدها أرسطو ليسَتْ أشياء مادية، ولكنها العزة والإباء، والعزة في حدِّ ذاتها ليست مسألةَ شهرةٍ أو سمعةٍ سيئتين، ولكنها إدراكٌ لقيمةٍ حقيقيةٍ:
إذا تأمَّلناه بشكل مفصَّل ومدروس، فسنرى السخافة المطلقة للرجل المتفاخر غير الصالح. ومرة أخرى لن يكون مستحِقًّا للعزة والشرف لو كان شريرًا؛ لأن العزة هي جزاء الفضيلة، وهي تَئُول للأخيار الصالحين. وهكذا يبدو الفخر أقرب لتاج يكلِّل الفضائل؛ إذ إنه يجعلها أعظم، ولا يكون له وجود دونها؛ لذلك من الصعب أن تكون متفاخِرًا بحقٍّ؛ لأن ذلك يكون مستحيلًا من دون نبل الخُلُق وصلاحه.19

عادةً كان أرسطو يصف الفضيلةَ الأخلاقية باعتبارها نوعًا من القِيَم المتوسطة بين قيمتين قُصْوَيين، حيث الطريق المعتدل، أو المتوسط، هو الفضيلة، بينما «الأكثرُ من اللازم» و«الأقلُّ من اللازم» هما الرذيلتان المتناقضتان. في حالة الفخر، ثمة رذيلة واحدة تتخلَّل التفكيرَ في إعطاء المرءِ نفسَه تقديرًا أعلى بكثيرٍ مما يستحق في الواقع؛ وقد أطلق أرسطو عليها «الصَّلَف» أو «الحماقة». أما الرذيلة المضادة، فهي تقدير الذات بأقل مما تستحق، والتي يُطلَق عليها في ترجمة روس «التواضُع المفرط».

أطلقَتْ ترجمةُ مارتن أوستوالد لكتاب «الأخلاقيات النيقوماخوسية» على الفضيلة موضع النقاش «النبلَ» عوضًا عن «الفخر»، بينما تُطلِق على الرذائل الموازية «الغطرسةَ» (أي تقدير النفس بأكثر مما يستحق المرء)، و«التصاغُرَ» (أي تقدير النفس بأقل مما يستحق المرء). ويدافع أوستوالد في إحدى الحواشي عن استخدامه لكلمة «سموٍّ» بدلًا من الاختيار الشائع الآخَر «نخوة»؛ لأن الكلمة الأخيرة لها معنًى ضيِّق في اللغة الإنجليزية المعاصرة. ويشير إلى أن مصطلح أرسطو اليوناني megalopsychia يعني حرفيًّا «عظمةَ الروح»، وأن أرسطو قد استخدمه، مثلما رأينا، لوصف تاج من نوعٍ ما يكلِّل الفضيلةَ المثالية.20
كان أرسطو مقتنعًا بأنه إذا كان شخص ما، في الواقع، يتَّسِم بالفضيلة على نحوٍ مثاليٍّ، فمن الملائم أن «نعتقد» أن هذا الشخص جديرٌ بالعزة والشرف. وعلى الرغم مما قد يبدو من أن أرسطو كان يوصي بشيء قريب إلى الغرور لمَن يتَّسمون بالنبل بحق، فقد كان سيصر على أنه «ما من عزة يمكن أن تكون جديرة بالفضيلة المثالية»؛ لذا من المستحيل لشخص صالح حقًّا (إذا كان له وجود) أن يبالغ في تقدير العزة المستحقة له.21 ومع الاحترام للأشياء الخارجية من المتعة والثروة وما إلى ذلك، يتخذ الرجل ذو الروح العظيمة لدى أرسطو موقفًا معتدلًا تجاه هذه الأشياء؛ نظرًا لقدرته على الاستمتاع بها، وقدرته في ذات الوقت أيضًا على الاستغناء عنها.

(٣) الاعتذار وغذاء الروح

ما الذي فهمه الأكويني من رواية أرسطو؟ لقد صعَّبَ الأمرَ على نفسه؛ إذ بَدَا في بعض التراجم أن أرسطو يتعامَل مع الفخر بوصفه فضيلة والتواضع بوصفه رذيلة، بينما كانت الأمورُ تسير في الاتجاه المضاد تمامًا بالنسبة للأكويني. ولكن الأكويني اعتبر رواية أرسطو صحيحة بشكل عام، وحذا حذو «الفيلسوف» في التعامل مع الشهامة أو الفخر المستحقَّين تحت فئة الاعتدال العامة.

يغطي الاعتدال مجموعةً من الفضائل الأكثر تحديدًا، واعتبره اليونانيون واحدًا من الفضائل الأساسية الأربع، إلى جانب الشجاعة والعدل والحكمة. ويتمثَّل دور الاعتدال في تنظيم الشهوات الطبيعية، التي من ضمنها الرغبة في الطعام، والشراب، والجنس، والعزة، والأفعال النبيلة.

وهكذا، وصف الأكويني — شأنه شأن أرسطو — التوجُّهَ الفاضل فيما يتعلَّق بالأفعال النبيلة بوصفه كفاحًا مناسبًا أو معقولًا في سبيل أشياء عظيمة، وتقبَّلَ عظمةَ الروح باعتباره وصفًا مناسبًا لهذه الفضيلة. وأوضح الأكويني أن «الخير الصعب [ذلك الذي يصعب بلوغه] به شيء جذاب للشهوة، وهو تحديدًا الجانب الخيِّر، وبه كذلك شيء مُنَفِّر للشهوة، المتمثِّل تحديدًا في صعوبة الحصول عليه.»22
والخير الصعب في هذه الحالة هو الفضيلة، أو الكمال الأخلاقي، وقد أضاف الأكويني أنَّ رَدَّيِ الفعل المعتادين اللذين نبديهما إزاء هذا الخير يتمثَّلان في فضيلتين متمايزتين نحتاج إليهما من أجل بلوغ هذا الخير؛ إحداهما تحضُّنَا على مواصلة الكفاح من أجل نيل الخير، وهذه هي فضيلة عظمة الروح التي تحدَّث عنها أرسطو، والتي يمكن أن يُطلَق عليها أيضًا نوع من الفخر المعقول بتحقيق هذه العظمة. أما الفضيلة الأخرى، فتمنعنا من الكفاح من أجل بلوغ نوع من التميُّز أو الكمال يتجاوز حدود قدراتنا، وتلك هي فضيلة التواضع.23

ومثلما رأينا، وصفت نظرية الأكويني الأخلاقية إغراءَيْن يمكن أن يختبرهما المرء حين يُواجَه بمهام صعبة، وهما: الاستسلام دون محاولة، والمغالاة في تقدير قدراته. ويساعد التواضع على منع الخطأ الأخير، وتزخر كلٌّ من الحياة العادية وقصص تولكين بأدلة على أهميته. ولكن أرسطو شدَّد بشكل أكبر على خطر التقليل من قدرة المرء على بلوغ عظمة الروح، ويتفق تولكين بشكل واضح مع أرسطو في هذه النقطة أيضًا.

على سبيل المثال، على الرغم من أن الأقزام لم ينبهروا ببيلبو في لقائهم الأول، فإن رأيهم يتحسَّن بشأنه بشكلٍ مثيرٍ بعد مواجهتهم غير الموفَّقة مع العناكب العملاقة؛ فحين يجد بيلبو أصدقاءه أخيرًا بعد أن تفرَّقوا في ظلمات غابة ميركوود الحالكة، يجدهم مقيدين إلى رَجُل (أو قزم) بأنشوطات متشابكة كبيرة، تتدلَّى من الأشجار في منتصف عرين العناكب الشريرة. وبفضل ذكائه والخاتم السحري، يتوصَّل بيلبو إلى خطةٍ لاستدراج العناكب بعيدًا، ثم العودة مجدَّدًا لتحرير أصدقائه.

غير أن الجزء الأول من الخطة يسير على نحوٍ رديءٍ للغاية؛ إذ «عادوا بسرعةِ البرق يركضون نحو الهوبيت، مُلقين خيوطَهم الطويلة في كل الاتجاهات، حتى بَدَا الهواء وكأنه قد امتلأ بشِراكٍ متموِّجة.»24 وسرعان ما فرض العناكب حصارًا كاملًا على بيلبو، إلا أنه يستجمع شجاعته للسخرية منهم بأغنية مُهِينة:
ها أنا ذا، ذبابة صغيرة مشاغبة،
وأنتم بدناء وكسالى.
لا يمكنكم الإيقاع بي مهما حاولتم،
في شباككم المجنونة.25
يتمكَّن بيلبو من إحداث قَطْعٍ في جزءٍ ضعيفٍ من دائرة الخيوط العنكبوتية بمساعدة سيفه. ومع أنه يتعرَّض للسعة، فإن معركة ضارية وطويلة تدور قبل أن يخرج مع الأقزام سالمين في النهاية؛ وبالطبع يشعر الأقزام بامتنانٍ بالغ له، ويبدءون في تعليق آمالهم عليه من أجل قيادتهم. «في الواقع، راحوا يمتدحونه كثيرًا حتى إن بيلبو بدأ في الشعور بأن به لمحة من مغامِر جريء برغم كل شيء.»26 ويبدو أن تولكين يقصد أن يجعلنا نتفق مع هذا الشعور وأن نفخر ببيلبو (بالمعنى الإيجابي لكلمة «نفخر») لكونه قد تأهَّلَ للدور الذي يتوقَّعه منه جاندالف.

(٤) الأبطال المتواضعون

نرى في بعضٍ من الشخصيات الثانوية في القصة نماذجَ متشابهة لأبطال في طور التكوين؛ فحين يشنُّ التنين سموج هجومَه الناريَّ العنيفَ على القرية، يبدأ الجميع تقريبًا في الهرب من ألسنة اللهب، بالقفز في الماء الذي يحيط بالبلدة الجزيرية. حتى حاكم البلدة يترك المعركة من أجل البحث عن قاربه المطليِّ بالذهب؛ حتى يستطيع الهروب إلى مكان آمِنٍ.

ولكن رفقة من الرماة يصمدون. «كان قائدهم هو بارد … أحد المنحدرين من السلالة الطويلة لجيروين، حاكم ديل … كان يصوِّب آنذاك بواسطة قوس كبير من خشب الطقسوس حتى نفدت كلُّ سهامه عدا واحد فقط. كانت ألسنة اللهب قريبة منه، وكان رفاقه يغادرونه تاركين إياه، فعقف قوسه للمرة الأخيرة.»27 وعلى الرغم من أن أصدقاءه كانوا بالفعل «يعرفون قَدْرَه وشجاعته»، فقد كانت هذه الوقفة الأخيرة ضد التنين هي التي ينال فيها بارد المكانةَ التي يستحقها باعتباره يحوز مكانًا مستحقًّا بين عظماء الروح. وحين يعلم الناس أنه ذبح التنين، يرغبون في تنصيبه ملكًا عليهم، وعلى الرغم من أن بارد ليس لديه أدنى رغبة في أن يحلَّ محلَّ سيد مدينة البحيرة، فإننا نجده يضع خطة لكي يقود مجموعةً من الرجال نحو الشمال ويعيد بناء مدينة ديل المتوارثة عن أجداده.
لعل القزمين المفضَّلين لديَّ بين جميع الأقزام هما فيلي وكيلي؛ لكونهما الأصغر بينهم، ولأنهما ليسا عرضةً للافتتان بكنز التنين. فحين يرفض ثورين اقتسامَ الكنز مع أهل المدينة وجنِّ الغابة، «لم يكن الآخَرون ليجرءوا على انتقاده؛ ولكن معظمهم في الواقع كانوا يشاركونه الرأي، فيما عدا بومبر العجوز البدين (قزمي المفضَّل الآخَر) وفيلي وكيلي».28 وحين يُصاب ثورين إصابةً قاتلةً في المعركة، نعلم أن «فيلي وكيلي هُرِعا للدفاع عنه بكلِّ ما أُوتوا من قوة؛ لأنه كان الأخَ الأكبر لوالدتهما».29
لا يُذكر أي شيء آخَر سوى ذلك عن ذلكما الاثنين، ولكننا نتأثَّر بشجاعتهما وإخلاصهما، وبشكلٍ ما لا نتعجَّب من أنهما قد تحوَّلَا إلى أبطال حربٍ الآن. غير أن موتهما يُعِيد أيضًا إلى الأذهان وصفًا سابقًا للمعركة الدامية: «خلف ثورين يرقد بين الجوبلن الكثيرُ من القتلى من البشر والأقزام، والعديدُ من الجن الذين لا بد أنهم عاشوا لأزمنةٍ طويلةٍ في سعادةٍ بين جنبات الغابة.»30

حتى ثورين ذاته — الذي كان شخصيةً أكبر سنًّا وأكثر تعقيدًا — يستسلم لإغراء لإظهار الفخر الزائف؛ إذ يُقدِم على الاعتقاد بأنه ورفاقه لهم الحق في امتلاك كنز التنين بأكمله، ويرفض الاستماعَ للجن والبشر الذين يرغبون في المطالبة بنصيبهم العادل من الغنائم، بل يفكِّر في الحنث بوعده بإعطاء بيلبو نصيبًا من الكنز قدره واحد على أربعة عشر. وينجو ثورين من هذه الدوامة الأخلاقية الانحدارية بفضل هجوم جيش الجوبلن الذي يوحِّد الأقزامَ والبشرَ والجنَّ في معركة يائسة ضد أعدائهم المشتركين.

كان الجن والبشر هم أول مَن ينخرطون في الهجوم، ويحقِّقون بعض النجاح المبدئي في صدِّ هجوم الجوبلن، ولكن في وقتٍ لاحق من اليوم تشنُّ موجةٌ جديدة من الجوبلن هجومًا، بمشاركة مجموعة من الذئاب و«الحرس الشخصي للبلوج، وهم جوبلن ضخام الحجم بسيوف محدبة من الفولاذ».31 ومع اقتراب الظلام، بدأ بارد وقواته يخسرون المعركة، حين «انطلقَتْ فجأةً صيحةٌ كبيرة وجاء من البوابة صوتُ نفيرٍ. لقد نسوا ثورين! … ووسط الظلام الدامس تألَّقَ القزم العظيم مثل الذهب في نيران محتضرة».32
دون أن يعبأ بالخطر الذي يواجهه، «انهال ثورين ببلطته بضربات قوية، وبَدَا أن لا شيء يضيره، وراح يصيح بصوتٍ مرتعشٍ كصوتِ بوقٍ في الوادي:33 «إليَّ! إليَّ! أيها الجن والبشر! آهٍ يا قومي»!» يقود ثورين حشدًا قويًّا ضد الجوبلن والذئاب، ولكن تأتي النجاةُ لأبطالنا في النهاية فقط بعونٍ قادمٍ من أعلى في شكل النسور، وهي نفس المخلوقات النبيلة التي أنقذَتْ جاندالف والرفقةَ من النيران التي أشعلها الجوبلن في الغابة. ولا ننسَ أن طائرًا حكيمًا عجوزًا آخَر — وهو طائر الدج — هو مَن يأتي لبارد بسرِّ نقطة الضعف الوحيدة للتنين. غير أن قصة تولكين تجعلنا نشعر أن الأمر يستحق أن ندافع عن الصواب والخير حتى عندما يكون بلوغُ هذا الخير صعبًا، مثلما قال الأكويني؛ بل حتى عندما يشكِّل تهديدًا لحياة المرء.
غير أن الدراما الرئيسية في القصة تتعلَّق ببيلبو وتحوُّله من شخص بيتيٍّ متشبِّث بالروتينِ وأسبابِ الراحة المادية، إلى بطلٍ ينطلق في رحلةِ بحثٍ (ليس بمفرده بالطبع) لذبح تنين شرير يأكل البشر. ففي بداية الكتاب، حين يخبر جاندالف بيلبو قائلًا: «أنا أبحث عن شخصٍ ما ليشارك في مغامرة أُعِدَّ لها، ومن الصعوبة بمكان أن أجد أي شخص»، يسارع بيلبو بالرد عليه قائلًا: «أعتقد ذلك، خاصةً في هذه المناطق! فنحن قوم بسطاء هادئون لا حاجةَ لنا في المغامرات؛ فتلك أشياء قميئة ومزعجة وغير مريحة!»34
ولكنه يسمح لنفسه في النهاية بأن يُغرَق في المغامرة ويعود إلى باج إند هوبيت مختلفًا تمامًا، بعد أن حارَبَ في سبيل حياته وحياة أصدقائه ضد العناكب العملاقة، والعمالقة، والجوبلن، والذئاب، والتنين القوي. وبالإضافة إلى هذه الأعمال البطولية التي تنمُّ عن الشجاعة والمهارة، فقد واجَهَ حنقَ رفاقه الأقزام في محاولةٍ لم يُكتَب لها النجاح للتوسُّط لإحلال السلام بينهم وبين رجال داين، وهو عمل شجاع حظي بثناء وإشادة جاندالف: «أحسنْتَ يا سيد باجنز! … دائمًا ما تتَّضِح لديك أشياء أكثر مما يتوقَّعها أي شخص.»35 وعلى الأرجح تشمل كلمةُ «أي شخص» هنا بيلبو نفسَه!
بالنظر إلى تحفُّظ بيلبو في البداية، قد يبدو أنه متهم بالغطرسة والغرور في محاولته الإقدامَ على أعمال عظيمة تتجاوز قدراته، ولكن بيلبو يمثِّل الغالبية العظمى من الأشخاص العاديين الذين قد لا يبحثون عن الإثارة، ولكن غالبًا ما يتصدَّون لأعمال تنمُّ عن البطولة والإيثار في مواجهة خطر أو كارثة. ولعلنا جميعًا نملك في داخلنا أشياءَ تَفُوق توقعاتِ أي أحدٍ. غير أن بيلبو يُعتبَر بطلًا على مضضٍ، على أقصى تقدير، وحين يعود إلى وطنه يعلِّق سيفه فوق المدفأة ويُسعِد نفسه بعد ذلك ﺑ «كتابة الشعر وزيارة الجن».36 وخوفًا من عودة بيلبو للتقدير المبالغ لنفسه، يأتي جاندالف في زيارةٍ له، مثلما فعل في بداية القصة، ويتساءل بتأكيدٍ نوعًا ما: «أنت لا تفترض حقًّا أن كلَّ مغامراتك ومهاربك كانت بفعل الحظِّ لا أكثر، ولمصلحتك أنت فقط، أليس كذلك؟»37
إنَّ نَسَبَ مثلِ هذا النجاح البارز للحظ أو (ما هو أسوأ) لعظمة المرء، من شأنه أن يبرز نوعَ الفخر المعرَّف أعلاه بأنه «التباهي بالإنجازات، وكأنها لم تكن في الأساس نتيجةَ الكرم والنعماء الإلهيين». وافتراض أن الأمور قد آلت إلى هذا المسار الجيِّد بفضل أهمية المرء الشخصية سيكون علامةً واضحةً على الفخر، فخرٍ من النوع الذي قد يقع فيه المرء دون وعي كامل منه. وكما يتبيَّن، لا يحتاج جاندالف للقلق بشأن بيلبو على أي حال؛ فالقصة تنتهي مثلما بدأت، بمحادثة بين صديقين قديمين. وحين يواصل جاندالف حديثه قائلًا: «أنت شخص في غاية الروعة يا سيد باجنز، وأنا في غاية الإعجاب بك، ولكنك في النهاية مجرد شخص ضئيل الحجم في عالم رحيب.» يرد بيلبو ضاحكًا: «شكرًا لله.» ويناوله برطمان التبغ.38

هوامش

(1) J. R. R. Tolkien, The Hobbit: or, There and Back Again (New York: Del Rey/Ballantine Books, 2001), 18, 19.
(2) Ibid., 51.
(3) Ibid., 193.
(4) Ibid., 91.
(5) The same virtue-centered approach is apparent in Bilbo’s courageous decision to return to the dwarves and face the music after giving the Arkenstone to the Elvenking and the Lake-men in an attempt to broker peace: “I don’t think I ought to leave my friends like this, after all we have gone through together. And I promised to wake up old Bombur at midnight, too!” Ibid., 273. The same approach to moral decision making is evident in Sam’s decision to attempt to rescue Frodo from Minas Ithil rather than attempting the “greater good” of destroying the Ring in Mount Doom. J. R. R. Tolkien, The Lord of the Rings: The Two Towers (New York: Del Rey/Ballantine Books, 2001), 389-90.
(6) Tolkien, The Hobbit, 62.
(7) Ibid., 102. The wargs are actually demonic, not merely evil. Humphrey Carpenter, ed., The Letters of J. R. R. Tolkien (Boston: Houghton Mifflin, 1981), 381; and John D. Rateliff, The History of The Hobbit (Boston: Houghton Mifflin, 2007), 1:216–19.
(8) Tolkien, The Hobbit, 104.
(9) Ibid., 252.
(10) Ibid., 227.
(11) Ibid., 278. Thorin displayed a supercilious pride even before he set out on the Quest to recover the dragon’s treasure. When Gandalf tried to convince him to take Bilbo along on the Quest, Thorin exhibited a “haughty disregard” of hobbits, dismissing them as “simpletons” and “food-growers.” J. R. R. Tolkien, “The Quest of Erebor,” in Unfinished Tales of Númenor and Middle-Earth, ed. Christopher Tolkien (Boston: Houghton Mifflin, 1980), 332-33.
(12) Rateliff, The History of The Hobbit, 2:565.
(13) J. R. R. Tolkien, The Silmarillion, ed. Christopher Tolkien (Boston: Houghton Mifflin, 1977), 16, 68–70, 278, 289; Tolkien, “The Quest of Erebor,” 230, 274, 283, 390, 404; J. R. R. Tolkien, The Return of the King (New York: Del Rey/Ballantine Books, 2001), 283, 369; and Carpenter, Letters, 243.
(14) C. S. Lewis, Mere Christianity (San Francisco: HarperSanFrancisco, 2001), 121–25.
(15) John A. Hardon, Pocket Catholic Dictionary (New York: Image Books, 1985), 342.
(16) Lewis, Mere Christianity, 127.
(17) For a helpful discussion of the various senses of pride, see Richard Taylor, Restoring Pride: The Lost Virtue of Our Age (Amherst, NY: Prometheus Books, 1996), 30–39. Psychologists who study pride commonly distinguish between “authentic pride,” which flows from real accomplishments, and “hubristic pride,” which does not. Benedict Carey, “When All You Have Left Is Your Pride,” New York Times, April 7, 2009.
(18) Aristotle, Nicomachean Ethics, trans. W. D. Ross, Internet Classics Archive, http://classics.mit.edu/Aristotle/nicomachaen.4.iv.html.
(19) Aristotle, Nicomachean Ethics, trans. Martin Ostwald (Englewood Cliffs, NJ: Prentice-Hall, 1969), IV.3, 1123b30–1124a4. All subsequent citations of the Nicomachean Ethics will be from this translation.
(20) Ibid., 1124a.
(21) Ibid., 1124a9.
(22) Thomas Aquinas, Summa Theologica, trans. Fathers of the English Dominican Province (Notre Dame, IN: Ave Maria Press, 1948), II-II, Q. 161, a. 1, sed contra.
(23) An obvious objection arises here, since there seems to be no mention of humility in Aristotle’s theory. In fact, the correct estimation of one’s own moral worth is what Aristotle called proper pride (or greatness of soul). The vices opposed to pride are smallmindedness, which underestimates one’s value, and vanity, which overestimates it. But Aristotle left an opening here, devoting one sentence to the person who is not capable of moral greatness: “A man who deserves and thinks he deserves little is not high-minded, but is a man who knows his limitations.” Aristotle, Nicomachean Ethics, IV.3, 1123b5). Ostwald notes that Aristotle here used the Greek term sōphrōn, defined in the glossary as “a person aware of his limitations in a positive as well as a negative sense: he knows what his abilities and nature do and do not permit him to do. He is a self-controlled man in the sense that he will never want to do what he knows he cannot or should not do.” Ibid., 313-14. Although Aristotle did not use the term “humility” here, his description of this virtue seems to match Aquinas’s account of humility as a virtue opposed to (improper) pride or vanity.
(24) Tolkien, The Hobbit, 159.
(25) Ibid., 160.
(26) Ibid., 166.
(27) Ibid., 250.
(28) Ibid., 267.
(29) Ibid., 292-93.
(30) Ibid., 285.
(31) Ibid., 284.
(32) Ibid., 285.
(33) Ibid.
(34) Ibid., 4.
(35) Ibid., 273-74.
(36) Ibid., 304.
(37) Ibid., 305.
(38) Ibid.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤