يوم فلسطِين

فلسطينُ لا راعتْكِ صيحةُ مُغتالِ
سَلِمْتِ لأجيالٍ وعِشْتِ لأبطالِ
ولا عَزَّكِ الجيلُ المُفدَّى ولا خبتْ
لقومكِ نارٌ في ذوائب أجبالِ
صَحَتْ بادياتُ الشرق تحت غبارهم
على خلجات الرُّوح من تُرْبِكِ الغالي
فوارسُ يَسْتَهْدِي أعِنَّةَ خيلهم
دَمُ العرب الفادين والسؤددُ العالي
بكلِّ طريقٍ منه صخرٌ مُنَضَّرٌ
وكلِّ سماءٍ جمرةٌ ذاتُ إشعالِ
هو الشرقُ لم يهدأْ بصبحٍ ولم يَطِبْ
رقادًا على ليلٍ رماكِ بزلزالِ
غداةَ أذاعوا أنَّكِ اليوم قِسْمةٌ
لكلِّ غريبٍ دائم التِّيهِ جوَّال
قَضى عمره، جَمَّ المواطن — واسمُهُ
مواطنُها — ما بين حلٍّ وترحالِ
وما حلَّ دارًا فيكِ يومًا، ولا هفتْ
على قلبه ذكراكِ من عهد إسْرالِ
محا اللهُ وعدًا خَطَّهُ الظلمُ لم يَكنْ
سوى حُلْمٍ من عالم الوهم ختَّالِ
حَمَتْهُ القنا كيما يكون حقيقةً
فكان نذيرًا من خطوبٍ وأهوالِ
وفَتَّحَ بين القوم أبوابَ فتنةٍ
تُطِلُّ بأحداثٍ وتُومِي بأوجالِ
أراد ليمحو آيَةَ الله مثلَما
أراد ليمحو الليلُ نُورَ الضحى العالي
فيا شمسُ كُفِّي عن مداركِ واخمدي
ويا شهب غُورِي في دياجير آجالِ
ويا أرضُ شُقِّي من أديمكِ وارجعي
كما كنتِ قبل الرُّسْل في ليلكِ الخالي
ضلالًا رأوا أن يسلوَ الشرقُ مجدهُ
وما هو بالغافي، وما هو بالسَّالي
ألا يا ابنةَ الفتح الذي نَوَّرَ الثرى
وطهَّرَ دنيا من طُغاةٍ وضُلَّال
وأكرمَ قومًا فيكِ كانوا أذِلَّةً
فحرَّرهم من بعد رِقٍّ وإذلالِ
لكِ الشرقُ، يا مهد القداسة والهُدَى،
قلوبًا تُلَبِّي في خشوعٍ وإجلالِ
لكِ الشرقُ، يا أرضَ العروبة والعُلا،
شعوبًا تُفدِّي فيك ميراثَ أجيالِ
وما هو منْ مستعمرٍ جاءَ بالهوى
وَلَا هُو من مستثمرٍ جاءَ بالمالِ
هو الشرقُ أَلقى عن يديهِ قيودَه
فَلا تَحسبيهِ في قيودٍ وأغلالِ
سَلِيهِ، تَهِجْ ما بين عينيكِ أرضُهُ
مخالبَ نَسْرٍ أو براثنَ رئبالِ
سَلِيهِ، يَمُجْ ما بين سمعيكِ أُفْقُهُ
زئيرَ أسودٍ أو زماجرَ أشبالِ
سَلِيهِ الدَّمَ المهراقَ يَبْذُلْهُ غاليًا
ويضربْ به في الحقِّ أروعَ أمثالِ

•••

ألا أيُّها الشادي الذي أطربَ الورى
بحلْو حديثٍ عن حقوقٍ وآمالِ
وقال لنا: في عالَمِ الغدِ جَنَّةٌ
غزيرةُ أنهارٍ وريفةُ أظلالِ
سَمعْنا، خُدِعْنا، وانتبهنا، فحسْبُنا
لقد مَلَّتِ الأسماعُ قيثارَك البالي
ويا أيُّها الغربُ المواعدُ لا تَزِدْ
كفى الشرقَ زادًا من وعودٍ وأقوال
شبعنا وجعنا من خيال مُنَمَّقٍ
ومنه اكتسينا، ثم عُدْنا بأسمالِ
فلا تَنْدبِ الضَّعْفَى وتغصبْ حقوقَهم
فتلْكَ إذًا كانت، شريعةُ أدغال!!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤