المحصَناتُ

قصة تمثيلية بقلم الكاتب الفرنسي «هنري بيك»

لست اليوم ملخصًا ولا ناقدًا، وإنما أنا مترجم، وذلك أني كنت أنتظر أن تحمل إلينا «الألوستراسيون» هذه القصة الجيدة التي وضعها «برنستين»، والتي أطراها النقاد إطراءً شديدًا، ولكن «الألوستراسيون» حملت إلينا هذا الأسبوع مذكرات «بييرلوتي»، وقد كتب إليَّ ناس وتحدث إليَّ ناسٌ آخرون، وكلهم يلاحظ أن في القصص التي حدثتك عنها منذ حين شيئًا من الخفة قد لا يحبونه، فلهؤلاء أترجم هذه القصة الصغيرة، وأنا أعلم أن ناسًا سيكتبون إليَّ، وأن آخرين سيتحدثون إليَّ بأن في هذه القصة شيئًا من الجد يسأمونه، ولكني أريد أن أجتهد في إرضاء أولئك وهؤلاء.

الأشخاص: لمبير – مدام شيفاليه – جنفياف – لويز.

يمثل المسرح حجرة استقبال تشرف على الحديقة.

فإذا رفع السِّتَار فمدام شيفاليه جالسة بالقرب من منظدة وقد وضعت رجليها على كرسي وهي تعمل.

المنظرُ الأول

لويز (تدخل وتَدْنُو قائلةً) : مسيو لمبير يا سيدتي.
مدام شيفاليه : فليدخل (ثم تدعوها): هل الأولاد بخير؟
لويز : نعم يا سيدتي!
مدام شيفاليه : ماذا يعملون؟
لويز : يلعبون.
مدام شيفاليه : أنت ترينهم دائمًا؟
لويز : نعم يا سيدتي.
مدام شيفاليه : أدخلي الزائر.

المنظر الثاني

(مدام شيفاليه ولمبير)
لمبير (مصافحًا) : كيف أنت يا سيدتي؟
مدام شيفاليه (هادئة) : كما ترى.
لمبير : ألم أزعجك؟
مدام شيفاليه : يسرني أن أراك (ثم تسأل مشيرة إلى كرسي) ماذا على هذا الكرسي؟
لمبير : عليه فوط.
مدام شيفاليه : معلمة؟
لمبير : نعم.
مدام شيفاليه : ضعها هنا … هنا … هنا واجلس. أراك تنظر إليَّ، وما أظن إلا أنك تضحك مني وسط هذه الأخلاق البالية.
لمبير : أنت إذن تشتغلين أحيانًا؟
مدام شيفاليه : أحيانًا! بل دائمًا. أثني وأُعلِّم وأرقع، أعمل كل شيء إلا فوط المطبخ، ولِمَ لا أصلح فوط المطبخ كغيرها من الأشياء؟ وهم قديم، ولو لم أصطنع هذا الحزم لساءت حال بيتي، ولا سيما إذا لاحظت أن لي صبيين يشغلان الخادم من الصباح إلى المساء. ما أكثر ما يبلي هذان الصبيان! فإذا أخذني الجهد فسقطت ذراعي وانكمش رأسي وأحسست أني أوشك أن أنام، صببت من هذا النبيذ الأبيض وغمست فيه كسرة، وهذا النبيذ هو الشراب الوحيد الذي يعجبني. على أنك ستذوقه معي.
لمبير : أشكرك.
مدام شيفاليه : أطعني!
لمبير : بعد حين.
مدام شيفاليه : متى أردتَ فقل لي.
لمبير : أنا سعيدٌ يا سيدتي.
مدام شيفاليه : بماذا؟
لمبير : بأني حيث أنا الآن. ما أحسن المقام عندك! إني لأتنفس!
مدام شيفاليه : تعال متى شئت، فلست أغلق بابي.
لمبير : ما كان أحسن حظي حين أتيت أصطاف هنا، وحين لقيت امرأة مثلك؛ فإن الحياة هنا مريحة! ألست ترين هذا؟ (مدام شيفاليه لا تجيب) ليس من شك في أنك وحدك حملتني على البقاء.
مدام شيفاليه : أهنئ نفسي بذلك، فلم يكن من حقك أن تتركنا.
لمبير : لست تتكلفين شيئًا لتعجبيني، ومع ذلك فالإعجاب بك شديد.
مدام شيفاليه : أنا طبيعية، ومن الناس من لا يزالون وهم قليلون يحبون هذه النغمة.
لمبير : ومع ذلك فالمفتونون بك كثيرون.
مدام شيفاليه : أعرف منهم واحدًا هو الجنرال. نحن صديقان لا نختلف في شيء، إنه ليقص عليَّ أحيانًا أحاديث من الحق عليه أن يحتفظ بها لنفسه، ولكنه شيخ، وهو يرى أني أستمع له، فإذا أراد سوء الحظ أن أضحك فهو يمضي في حديثه، يمضي حتى لا سبيل إلى وقفه. أرأيت أسرة «لانجلوا» منذ عيدها؟
لمبير : أكره زيارتها.
مدام شيفاليه : آه؟ وهل رأيت أسرة «روسلان»؟
لمبير : أستثقل هذه الأسرة.
مدام شيفاليه : آه! مدام «بابيليون»؟
لمبير : لا أحبها الآن.
مدام شيفاليه : حسن! وما تقول عمتك في هذا كله؟
لمبير : لسنا نتحدث الآن!
مدام شيفاليه : هذا تمام الشر. الحذر. الحذر، فكأني بك قد بقيت أعزب.
لمبير : ليكن! فليست حياة الأعزب شرًّا من غيرها.
مدام شيفاليه : وليست خيرًا من غيرها. إني أخطئك. ماذا تنقم من جماعتنا هذه الصغيرة في «فونتنبلو»؟ هي ساذجة فرحة سعيدة، وقد لقيتك أحسن لقاء، ولكن إذا تعود الإنسان عِشرة طائفة من الناس ضاقت به الحياة في غيرها.
لمبير : كلا!
مدام شيفاليه : بلى! نرفض في ازدراء تكاليف لذيذة مع أننا نقبل في مَواطن أخرى أشنع الاستعباد!
لمبير : كلا!
مدام شيفاليه : بلى! لننتظر يا مسيو لمبير شيئًا من الصراحة، فلن أخونك، أترى أن مومساتك ممتازات حقًّا؟
لمبير : ممتازات؟ نعم يا سيدتي!
مدام شيفاليه : كان زوجي يصطحبني في الشتاء الماضي إلى ملعب «باليه رويال» وكانت إحداهن في اللوج المجاور لنا. لست أغلو، لقد زارها عشرون شابًّا، والشبان يظهرون في هذه الأيام مع هذا النوع من النساء، وكان بعضهم يحمل إليها الحلوى، وآخر يحمل إليها مروحة، وكانت تتلقاها وتقبل هداياهم، وكأنها «الإمبراطورة»! وكانوا يسمونها «أستير»، أتعرفها؟
لمبير : أستير، طويلة شديدة الجفاء مسرفة في الزينة، لها شعر فاتن، لا قيمة لها!
مدام شيفاليه : لا قيمة لها! يظهر أن بعضهن من بعض. وما بال الآنسة «أستير» لا قيمة لها؟ قل لا بأس عليك (يدنو منها ويهمس في أذنها) حقًّا؟ كل الناس؟ أنا أرثى لها إذن هذه المسكينة!
لمبير : أنت إذن تحدثتِ إلى عمتي؟
مدام شيفاليه : نعم!
لمبير : ماذا قالت لك؟
مدام شيفاليه : هذا يعنيك؟
لمبير : هي تسخر مني وتسئ إليَّ في كل مكان.
مدام شيفاليه : كلا! هذا غير معقول من امرأة لا تفكر إلا في أن تجد لك زوجًا.
لمبير : أترين رأيها؟
مدام شيفاليه : طبعًا! لم لا تُرضِي عمتك؟ وأنت إن فعلتَ أديتَ إلى نفسك أحسن خدمة.
لمبير : أنا أتردد وأسأل نفسي (ثم ينظر إليها) ولعل لهذا التردد سرًّا.
مدام شيفاليه : ما هو؟
لمبير : ألا تتوهمينه بعض الشيء؟
مدام شيفاليه : مهلًا!
لمبير : قد أصادف امرأة حقًّا تطمح إلى حياة خير من حياتها وبيئة خير من بيئتها وتتمنى لو وجدت حُبًّا.
مدام شيفاليه : المومسات دائمًا! ألا تريد أن تدعهنَّ!
لمبير : إن رأيك فيَّ لسيئٌ … لستُ ناسكًا، ولكني لست مسرفًا. لقد أسرفت حين كنت حديث السن، ولقد كلفني هذا كثيرًا، وأصبحت قليل الميل إلى استئنافه. وأنا أعرف باريس معرفةً ما، من طريق أصحابي، ومن طريق الصحف، ومن طريق النادي المتواضع الذي أختلفُ إليه وأُفضِّلُ العشاءَ فيه دون أن ألعب. وأنا أختلفُ إلى الملاعب، وأنظر في الصور وأشتري بعض الكتب، وما أظن سيرة أرشد من هذه. وهذه الحياة قد تشتمل على أيام مشرقة وأخرى لا تخلو من العواصف …
مدام شيفاليه (مقاطعة) : اسكت قليلًا!
لمبير : ماذا؟
مدام شيفاليه : ألم تسمع شيئًا؟
لمبير : لا!
مدام شيفاليه : إذن فقد أخطأتُ، ظننت أن ابنيَّ يدعوانني. استمر!
لمبير : قلت إن هذه حياة لا تخلو من أيام مشرقة (يسمع صوت طفلين يبكيان ويدعوان أمهما).
مدام شيفاليه : أترى؟ لقد كنت أعلم أن هذين الطفلين في حاجة إلى أمهما (ثم تنهض) أتأذن لي؟ أريد أن أرى ثم أعود.

المنظر الثالث

(لمبير وحده)

أمحصنةٌ هي؟ هذا راجح. أغير محصنة هي؟ هذا ممكن. إنَّا لنرى اليوم نساءً طائشاتٍ ونساءً راجحاتٍ، وكلهن تخدع الناس عن نفسها. إني لمتردد لا أتقدم. أتحدث إليها بما يحملها على الظن دون أن يتيح لها الكلام، وهل من سبيل إلى الجرأة مع امرأة كهذه تستقبلك لا بين أدوات الزينة، بل بين الفوط؟ على يمينها الفوط المعلَّمة وعلى شمالها ما لم يُعلَّم بعدُ. ظريفة، ظريفةٌ جدًّا، ولكنها لا تتكلف الظرف. لديها ما شئت من مودة، ولكنها لا تزيد على ذلك. لا تريد أو لا تعرف أن تستصبي. وبينا نحن في الحديث إذ هذان الوحشان يصيحان حين تسنح الفرصة للإلحاح في المهاجمة. ها هي ذي!

المنظر الرابع

(لمبير ومدام شيفاليه)
لمبير : ما شأن هذين الطفلين؟
مدام شيفاليه : لا تحدثني عنهما! أراهما يتعمدان هذا لإزعاجي. هما صغيران فلا سبيل إلى عقابهما، فأما زجرهما فلا آخر له. لقد حملتهما الخادم إلى سريرهما. فنستطيع جميعًا أن نطمئن حينًا (وهي أثناء الحديث قد عمدت إلى زجاجة النبيذ فملأت منها كأسين) أما هذه المرة فلن ترفض!
لمبير : أما وقد أردت! …
مدام شيفاليه : جيد هذا النبيذ. أليس كذلك؟!
لمبير : ولا سيما حين تقدمينه …
مدام شيفاليه : أشكرك (ثم تقدم إليه الحلوى) بعض هذا؟
لمبير : لا!
مدام شيفاليه : هلم لنقرع كأسينا على العادة القديمة. يقولون كثيرًا إني ورثتُ جدتي. وفي الحق أني آسفة على غير عادة من عاداتها.
لمبير : إنما أنت الظرف!
مدام شيفاليه : أي مزاح؟
لمبير : نعم! نعم! أنا بهذا خبير.
مدام شيفاليه (لنفسها) : إذن فأنا راضية!
لمبير : كل شيءٍ هنا ظريفٌ في جملته وتفصيله.
مدام شيفاليه : دع هذا. ألا تستطيع أن تقضي حينًا مع امرأة دون أن تصلَ إلى الإطراء!
لمبير : لا أصل إليه وإنما أقف عنده.
مدام شيفاليه : هذا يكفي الآن. على أننا لسنا في وقت الإطراء. انتظر حتى نرقص عند عمتك. وحينئذ أسمع منك ما تشاء بين الرقص (ثم تعود إلى المنضدة وترتب بعض الأشياء).
لمبير (وقد جاء فوقف خلفها) : لو رآنا أحد نقرع الكأسين …!
مدام شيفاليه (وقد دهشت) : كان ذلك ممكنًا؟!
لمبير : ماذا كان يظن؟!
مدام شيفاليه : لعله كان يضحك ويقول: هذان شخصان لا همَّ لهما، فهما يلهوان وسط النهار.
لمبير : أتظنين هذا مع امرأة شابة جميلة؟
مدام شيفاليه : أنا ربة بيت!
لمبير : تحسن استقبال رجل حسن الهيئة.
مدام شيفاليه : أنت صديق!
لمبير : ألم يكن يتخيل بينهما قصة؟
مدام شيفاليه (قاسية) : إذن يخطئ.

(يدعها مظهرًا الضجر ثم يظهر العزم ويدنو منها.)

لمبير : إني لأسائل: أيجب أن أجثو بين يديك لتفهمي شيئًا؟
مدام شيفاليه : لا تفعل! فقد فهمت فيم تفكر إذن، أنا متزوجة، متزوجة منذ ست سنين، ولم يحتج أحد أن ألفته إلى ذلك. أنت تطمع في امرأة رجلٍ غيرك، وتريد أن تفسد الأمر على أمٍّ. أنا مخطئة فقد كان من الحق أن أقدر هذا كله. كان يجب عليَّ ألا أستقبلك إلا متحفظة، وكان يجب عليَّ أن أفهم زيارتك وألا أخطئ في فهم ثنائك الذي كنت أراه أثرًا من آثار الغرور والفتنة. إلى هنا تنتهي الصلة بيننا. فأنا حريصة على أن أعيش مع الناس جميعًا عيشة براءة وطهر، وأريد ألا يكون في سيرتهم ولا في سيرتي شيء يدعو إلى الظن أو التردد.

(لمبير مضطربًا لا يدري كيف يقول يدنو منها فتشير إليه أن ينصرف.)

(لمبير ذاهبًا نحو المنضدة التي وضع عليها قلنسوته.)

(وهنا تدخل الخادم، فتعلن قدوم فتاة زائرة هي «جنفياف». نفهم نحن أن أمها صديقة لصاحبة البيت، فلا تكاد تدخل هذه الفتاة حتى تقدم كتابًا من أمها إلى مدام شيفاليه فتقرؤه، فإذا صديقتها تطلب إليها أن تضيف الفتاة أيامًا، وتظهر الرغبة في أن تجد لها خطيبًا. ولم تكد تفرغ من قراءة الكتاب حتى يخطر لها خاطر هو أن تسعى في الزواج بين هذه الفتاة وهذا الفتى، وإذا هي تنزع قلنسوة الفتاة وتصلح من شعرها، والفتاة تسألها همسًا: من هذا الرجل؟ فتجيبها: إنه أحد الجيران. وتسألها عن رأيها فيه، فتسأل الفتاة: أمتزوجٌ هو؟ فتجيبها: نعم، فتقول: هو عادي. فإذا علمت أنه لم يتزوج بعدُ قالت: لا بأس به. وقد تركتها صاحبة البيت حينًا وانصرفت لتهيئ لها غرفتها، فمرت في طريقها بلمبير فتأمره مبتسمة أن يبقى، ويظن هو أنها قد جنحت إلى السَّلم وأنها قد تسمح له. ويخلو الفتيان فيتحدثان حديثًا قصيرًا عن صاحبة البيت، ثم عن أهوائهما وأذواقهما وآرائهما في الحياة الزوجية، فإذا هما متقاربان. ثم تعود مدام شيفاليه فتصرف الفتاة إلى غرفتها، وتأمرها أن تهيئ نفسها وأن تأتي بعد حينٍ مع الطفلين للنزهة.)

المنظر الخامس

(لمبير ومدام شيفاليه)
مدام شيفاليه : لقد كنتُ حمقاء آنفًا، غضبتُ في غير موضعٍ للغضب … فليس ما يدعو إلى السخط حين تشعر المرأة بأنها أعجبت شابًّا خفيف الروح خليقًا بالإكبار.
لمبير (لنفسه) : حسن!
مدام شيفاليه : إن زوجي يحبك كثيرًا.
لمبير (لنفسه) : خير! خير!
مدام شيفاليه : كل الناس يحبونك! وهذا يحملني على أن أرتاح إليك، وإن كنتُ لا أعرفك حق المعرفة.
لمبير (لنفسه) : لقد هوت.
مدام شيفاليه : اجلس (فيجلس على دكةٍ وتدنو منه) افْسَحْ لي قليلًا (فلا يكاد يفعل) أوسع من هذا!
لمبير (لنفسه) : أنا أتعجل القضاء.
مدام شيفاليه : ما سنك؟
لمبير (دهشًا مبتسمًا) : ثلاثون سنة.
مدام شيفاليه : ليس غير؟
لمبير : لا أكثر!
مدام شيفاليه : ثلاثون سنة؟ سن ملائمة، وصحتك جيدة؟
لمبير : جيدة جدًّا!
مدام شيفاليه : ألا تخدعني؟
لمبير : أنا قوي جدًّا!
مدام شيفاليه : وما ثروتك؟ (فيظهر لمبير الدهش) أسألك عن ثروتك وأريد رقمًا صحيحًا.
لمبير : مائة ألف فرنك وأشياء صغيرة.
مدام شيفاليه : لنقل مائة ألف فرنك سندات مضمونة ممكنة البيع.
لمبير : مضمونة ممكنة البيع.
مدام شيفاليه : هذا حسن، ولا أذكر ميراث عمتك فسيجئ حين يجئ (تدنو منه متلطفة، فيبعد عنها منزعجًا) يا مسيو لمبير لقد وجدت لك زوجًا.
لمبير (ذاهلًا مبهوتًا) : كيف يا سيدتي؟ إذن فقد استبقيتني.
مدام شيفاليه : نعم لأزوِّجك. ويظهر أن أسئلتي كانت واضحة.
لمبير : واضحة جدًّا من غير شك!
مدام شيفاليه : طبيعية بعد أن تحدثت إلى هذه الفتاة.
لمبير : ولكن يا سيدتي …
مدام شيفاليه : استمع إليَّ، ألستَ مُتعبًا خجلًا من هذه الحياة التي أنت فيها مع هذه السن، تجري كما تجري الأطفال؟ ألستَ تألم حين توازن بين حياتك هذه وحياة أصدقائك في أهلهم وأبنائهم وبيوتهم المنظمة؟ أليس الزواج هو النهاية الطبيعية لمن لا يريد أن يتورط في صلات آثمة شرها لا يُحصى وليس فيها خير؟! …
لمبير : إن صوتك يشبه الآن صوت عمتي.
مدام شيفاليه : وأي أمن يشعر به المرء حين يتخذ له امرأة من طبقته تلائمه في السن والثروة والأسرة؟
لمبير : صوت عمتي!
مدام شيفاليه : لستُ أحدثك الآن عن فتاة ما تعيش في «بوردو» أو «أمستردام» وتعرض عليك مع بعد الشقة، فأنت تعرف خطيبتك وقد رأيتها وتحدثت إليها، ومن المستحيل أن يسوء رأيك فيها، أجب!
لمبير : لا يا سيدتي! لم أرض عن هذه الفتاة ولم أسخط عليها!
مدام شيفاليه : هذا كثير! كثير!
لمبير : أما الأثر الذي تركته في نفسها؟ …
مدام شيفاليه : لقد بهرتها!
لمبير : آه؟
مدام شيفاليه : نعم بهرتها!
لمبير : أقالت لكِ هذا؟
مدام شيفاليه : كلا! إن الفتيات لا يتحدثن بهذا، ولكن إما أن أكون مخدوعة جدًّا. وإما أن قد بهرتها حقًّا. لا تقل هذا؟
لمبير : لا يا سيدتي!
مدام شيفاليه : ولاحظ أني حين أعرض عليك جنفياف، جنفياف. ما أجمل هذا الاسم! إنما أجد في مصلحتك لا في مصلحتها. فليست بلبلًا أريد أن أجد له مستقرًّا. كلا! لقد طلبها كثيرون فرفضت، وكان بين الذين رفضتهم من أستأذنك في أن أقول إنهم خير منك!
لمبير : فيم؟!
مدام شيفاليه : في كل شيء لا أُخفي عليك.
لمبير : ما مهرها؟
مدام شيفاليه : ستدخل بهذا الزواج في أسرةٍ شريفة.
لمبير : نعم هذا قيم. ما مهرها؟
مدام شيفاليه : وأي تربية؟ أحسن تربية، تربية الأقاليم!
لمبير : هذا أدعى إلى الراحة. ما مهرها؟
مدام شيفاليه : مهرها مائتا ألف فرنك. ألم أقل لك هذا؟!
لمبير : مائتا ألف فرنك؟
مدام شيفاليه : مائتا ألف فرنك!
لمبير : سندات مضمونة ممكنة البيع.
مدام شيفاليه : سندات مضمونة ممكنة البيع (ينهض كالمتردد).
مدام شيفاليه (وقد نهضت) : إذن هل تم هذا الزواج؟
لمبير : لم يتم بعدُ يا سيدتي!
مدام شيفاليه : أنت بطئ. لماذا؟
لمبير : أنا أُرَوِّي!
مدام شيفاليه : لن تستطيع أن تروِّي طول حياتك.
لمبير : الفتاة ظريفة، وقد أراها الآن أحسن مما رأيتها آنفًا تمتاز بشيء كثير، ولكني إن تزوجتها أصبحتُ زوجًا، أليس كذلك!
مدام شيفاليه : طبعًا؛ ولم تجر العادة برفض زواج يحمل مائتي ألف فرنك، ولم أحدثك عن الميراث المنتظر.
لمبير : أنا أفكر فيه وقد قدرته تقديرًا مقاربًا.
مدام شيفاليه : إذن لنتفق.

وما تزال به حتى تكاد تقنعه، ولكنه متردد، وهو خجلٌ، آسفٌ للهزيمة بنوعٍ خاص؛ فقد كان أقبل يبتغي الحب، فلم يجد إلا الزواج، وهو غير منشرح الصدر له، ولكنه غير منصرف النفس عنه، وإذا الفتاة قد أقبلت، تبدو من بعيد رشيقة حسنة الزينة، عليها مظاهر الجِد، قد احتملت أحد الصبيين وأخذت بيد الآخر. فتنتهز صاحبة البيت هذه الفرصة وتبالغ في ترغيب الفتى حتى تستوثق منه أو تكاد. وقد دخلت الفتاة فتقدمها إلى الفتى وتأمرها أن تتحدث إليه حين تكتب هي إلى أمها وهي تجلس إلى المنضدة، وتكتب إلى صديقتها هذا الكتاب: «صديقتي العزيزة. سطرين ليس غير. لأنبئكِ بقدوم جنفياف وبقرب زواجها إذا استطعت أن تتمي ما بدأته مهارتي الغريبة. كان عندي شاب متردد في مستقبله، يضطرب بين سيرة العاشق وحياة الزوج، وهو خفيف الروح، (ثم تنقطع عن الكتابة لتنظر إلى الفتى وتقول لنفسها: ليس خلابًا. وتكتب) لا بأس به، (ثم تنقطع عن الكتابة مرة أخرى وتقول لنفسها: ليست له بهجة. ثم تكتب)، فيه خصالٌ كريمة ينميها الزواج، (ثم تنقطع عن الكتابة ثالثة قائلة لنفسها: هذا الذي كان يريد أن يصرفني عن الواجب. ثم تعود إلى الكتابة)، وسيكفل لامرأته سعادةً تامَّة.»

ديسمبر سنة ١٩٢٤

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤