تمهيد

تمثِّل الأفكار والأساليب الإحصائية أساس كل جوانب الحياة الحديثة تقريبًا. في بعض الأحيان يكون دَوْر الإحصاء واضحًا، ولكنْ في كثير من الأحيان تكون الأفكار والأدوات الإحصائية مختفية في الخلفية. وفي كلتا الحالتين، بسبب الوجود الشامل للأفكار الإحصائية، من الواضح أنه من المُفِيد للغاية أن نمتلك بعض الفهْم لها. والهدف من هذا الكتاب هو تقديم مثل هذا الفهم.

يُعاني الإحصاء من سوء فهْم جوهري مؤسِف يُضلِّل الناس عن طبيعته الأساسية. وهذا الاعتقاد الخاطئ هو أنه يتطلب مهارة حسابية كبيرة مُمِلَّة، وأنه، نتيجة لذلك، مجال جافٌّ ومملٌّ يخلو من الخيال أو الإبداع أو الإثارة. بَيْدَ أن هذه صورة خاطئة تمامًا لمجال علم الإحصاء الحديث؛ إذ إنها مبنية على تصور يرجع تاريخه إلى أكثر من نصف قرن. تحديدًا، تتجاهل هذه الصورة تمامًا حقيقة أن أجهزة الكمبيوتر قد غيرت وجه المجال تمامًا؛ إذ حوَّلتْه من مجال معتمِد على الحساب إلى نظام قائم على استخدام أدوات برمجية متطورة لسَبْر البيانات بحثًا عن الفهم والتنوير. هذا هو ما يتمحور حوله مجال علم الإحصاء الحديث؛ استخدام الأدوات لمساعدة الإدراك وتوفير كلٍّ من وسائل تسليط الضوء، وسُبُل الفهْم، وأدوات الرصد والتوجيه، ونُظُم المساعدة في عملية صنع القرار. كل هذا — وأكثر — يمثِّل جوانب مجال علم الإحصاء الحديث.

يهدف هذا الكتاب إلى منْح القارئ قدْرًا من الفهْم لمجال علم الإحصاء الحديث. من الواضح أنه في كتاب قصير مثل هذا الكتاب لا أستطيع الخوض في التفاصيل؛ لذا بدلًا من التفصيل، فضَّلتُ إلْقاءَ نظرة عامة على المجال بأسْره، في محاولة للتعبير عن طبيعة الفلسفة والأفكار والأدوات والأساليب الإحصائية. وآمُلُ أنْ يَمنَح الكتابُ القارئَ فهمًا لكيفية عمل مجال علم الإحصاء الحديث، ومدى أهميته، وأن يُعرِّفه — بالطبع — السبب في أهميته.

يعرض الفصل الأول بعض التعريفات الأساسية، مع توضيحات تهدف للتعريف ببعضٍ من قوة الإحصاء وأهميته وإثارته. ويقدم الفصل الثاني بعضًا من أبسط الأفكار الإحصائية؛ الأفكار التي ربما قابلها القارئ بالفعل، والمعنية بالملخَّصات الأساسية للبيانات. ويحذرنا الفصل الثالث من أن صحة أي استنتاجات نستَقِيها تعتمِد كثيرًا على جودة البيانات الخام، ويوضح أيضًا استراتيجيات لجمع البيانات على نحو أكثر كفاءة. وإذا كانت البيانات إحدى ساقَيِ الإحصاء، فإن ساقها الأخرى هي الاحتمال. ويقدم الفصل الرابع المفاهيم الأساسية للاحتمال. واستنادًا على ساقَيِ البيانات والاحتمالات، يبدأ الإحصاء في الفصل الخامس المشي، مع وصف كيفية استقاء المرء للاستنتاجات والتوصل لاستدلالات من البيانات. ويعرض الفصل السادس لَمْحة خاطفة لبعض الأساليب الإحصائية المهمة، مبيِّنًا كيف أنها تشكِّل جزءًا من شبكة مترابطة من الأفكار والطرق لاستخراج الفهم من البيانات. وأخيرًا، يتناول الفصل السابع بعض الطرق التي أثَّر بها الكمبيوتر على الإحصاء.

أودُّ أنْ أشكر إميلي كينواي، وشيلي شانون، ومارتن كرودر، وقارئًا مجهولًا؛ على التعليق على مسوَّدات هذا الكتاب؛ إذ حسَّنت تعليقاتُهم هذا الكتابَ كثيرًا، وساعدَت على تسوية الغموض في التفسيرات. وبالطبع، أي غموض باقٍ هو خطئي أنا وحدي.

ديفيد جيه هاند
إمبريال كوليدج، لندن

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤