خاتمة

عرضت في الفصول السابقة آراء العطار مأخوذة من أقوال شعرية متفرعة، ولا يزال هذا الشاعر العظيم في حاجة إلى التأريخ، ولا تزال منظوماته في حاجة إلى الجمع والنقد والتصحيح، فالذي قدمته هو جهد الباحث، وأختم الكتاب بهذا الإجمال:
  • (١)

    سيرة العطار مجهولة لدينا إلا قليلًا يؤخذ من كتبه وأقل منه في كتب التراجم.

  • (٢)

    وكتب العطار تحوي كل مسائل التصوف مبينة في إسهاب، مصورة بصور شتى، وقد تبع الشاعر الصوفية فيما بين، ولكنه اخترع كثيرًا من المعاني، وكثيرًا من الدقائق المتصلة بالمعاني المطروقة.

    وهو صوفي غارق في تصوفه؛ فانٍ في مطالبه يغلب على أمره أحيانًا فيغلو في معانيه، ويكثر في ألفاظه، وفي هذا عذره في الإطناب والإسهاب.

  • (٣)

    يبدو التناقض بين أقوال العطار في مواضعَ، ولا نستطيع أن نبين أيرجع هذا إلى أحوال نفسية مختلفة، أو إلى تطور فكره على الزمان؟ ولعل ترتيب كتب العطار ونقدها، وتعاون الباحثين في هذا الموضوع يهدي إلى علم بالرجل، ومذهبه أقرب إلى الصواب.

  • (٤)

    لا يبلغ الشاعر فريد الدين العطار مبلغ مولانا جلال الدين الرومي في تعدد الموضوعات وتنوعها، وفي أسلوبه في التعليم؛ ولكنه ليس دونه إدراكًا للتصوف وإبانة عنه، ولا قوة بيان وسعة خيال.

وقد بقي على مر العصور أحد أئمة الصوفية والشعراء في الفارسية، بل لا يكاد يقرن به أحد بعد جلال الدين.

وبعد، فإن التصوف من ناحيته النظرية لم يلقَ من عناية العلماء والأدباء في مصر ما هو جدير به، وقد سبقنا الأوربيون إلى نشر الكتب الصوفية، وبحث مسائل التصوف والتأليف فيه.

فلعل هذا الكتاب وكتبًا أخرى ظهرت في هذا العصر تكون فاتحة أبحاث في التصوف؛ تاريخه ومذاهبه، تنير السبيل لمن يتعرفه. ولعل هذه الأبحاث تنشر بين الناس نفحات صوفية تؤثر في قلوبهم؛ فيسموا قليلًا عن معترك الأهواء، والأضغان، والأطماع، ويجدوا أنفسهم التي فقدوها في طلب مطامعهم وشهواتهم.

واللهَ الحقَّ أسألُ أن يهديَنا الإخلاصَ في الفكر والقول والفعل، وهو حسبي ونعم الوكيل.

وكان الفراغ من تحريره ليلة الثلاثاء ثامن شهر شعبان سنة أربع وستين وثلاثمائة وألف من الهجرة، بجزيرة الروضة.

والحمد لله رب العالمين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤