الفصل العاشر

علوم عائلة سيمبسون

حسنًا، لا أعتقد أنني مضطر إلى تفسير سبب استمتاعي بكتابة هذا المقال. لقد خطرَتِ الفكرةُ ببالي ذاتَ صباحٍ بينما كنتُ أصطحب ابنتي المعجبة بمسلسل عائلة سيمبسون إلى مدرستها.

لم أستطِعْ أن أفهم قطُّ جدوى المسلسلات التليفزيونية؛ فقد بَدَتْ لي مثلَ الكنيسة، عبارة عن تمرينات متكرِّرة للمخلصين فقط، ولها جانب تنويري ضعيف نسبيًّا، ولكني اضطررتُ إلى مراجعة اتهامي العام لكل الأمور المرتبطة بالحلقات التليفزيونية عندما أدمنَتِ ابنتي الصغرى مسلسلَ «عائلة سيمبسون»، ووجدتُ نفسي شيئًا فشيئًا مُنجذِبًا إليه أنا أيضًا. بالنسبة إليها، كان انجذابها أساسًا تجاهَ اللون الأصفر الذي تتميَّز به الشخصيات؛ إذ تظهر الشخصيات ككائناتٍ صفراء باللون المفضَّل لها. وبالنسبة إليَّ، فلا بد أن الأمر مرتبطٌ بالرؤية الساخرة التي يقدِّمها المسلسلُ عن العلوم، التي لا تزال مع ذلك شديدةَ التعقيد.

من الواضح جدًّا أن صانعي مسلسل «عائلة سيمبسون» يعملون بمنطق علميٍّ؛ فصميم موضوع بحثهم، وهو عائلة سيمبسون نفسها، عبارة عن منظومةٍ محاصَرةٍ في توازُنٍ ديناميكي ولكنه شديد الاستقرار. وعلى مدى أكثر من ١٣ عامًا وأكثر من ٣٠٠ حلقة، لم يتغيَّر شيء فعليًّا، حتى الأبناء لم يكبروا في السن؛ فبارت وليزا ما زالَا في نفس الصف بالمدرسة، وماجي لم تزل تمص دميتها. وعلى الرغم من أن سياسة ثبات العمر شائعةٌ في عالم الأفلام الكارتونية، فوحدهم العلماء من أمثال الفريق المنتِج لعائلة سيمبسون هم مَن سيبالغون في الاهتمام ليضمنوا ثباتَ الظروف التي انطلقوا منها في كلِّ ما يفعلونه.

في كل حلقة، يغيِّر المؤلفون جانبًا واحدًا فقط كي يستكشفوا مدى استجابة النظام المتوازِن. وقد يؤثِّر التغييرُ مؤقتًا على العديد من سكان مدينة سبرينجفيلد، ويقلب عالَمَهم الصغير رأسًا على عقب، ولكن قرب نهاية الحلقة، يكون النظامُ قد عاد إلى وضعه الأول. ويتيح لنا المسار المتعرج الذي يعود به على نحوٍ مفاجِئٍ ملاحظةَ آلياتِ التفاعل بين مكونات النظام. على سبيل المثال، يكسر هومر فكَّه ويكون عليه ارتداءُ مُقوِّم لا يتيح له الكلام، ولكي يخرج من عزلته، يشجِّع الآخَرين على التحدُّث إليه عن مشكلاتهم ويتعلَّم أن ينصت إليهم؛ وبالتالي ينظر إليه جميعُ مَن حوله على أنه شخص مُراعٍ لهم ومتفهِّم. كما تتضمَّن الاضطرابات الأولية الأخرى نقل بارت وليزا إلى صفين مختلفين أو مدرستين مختلفتين، واكتشاف مارج من جديدٍ معجبيها في المدرسة الثانوية، ووقوع الجد سيمبسون في الحب. وتحفِّز كلٌّ من هذه التجارب (و٣٠٠ تجربة أخرى) تفاعلات رئيسية، ولكن يمكنك أن تطمئنَّ إلى أنه بنهاية الحلقة سيكون كلُّ شيء قد عاد إلى وضعه المتوازن الأول.

الاستثناء الجدير بالذكر لهذه القاعدة والذي يحدث مرةً واحدة في السنة هو حلقات عيد القديسين، التي تشكِّل حلقاتٍ مصغَّرةً بعنوان «بيت الشجرة المرعب الصغير». ففي إسقاطٍ تامٍّ للسياسة العامة، تعرض هذه الحلقات أحداثًا «سحرية» وغير واقعية تتراكم لتشكِّل كوارثَ كبرى، مُبتعِدةً أكثر عن الوضع الطبيعي. وبينما تعكس الحلقات العادية موقفَ «التقييم السلبي»، حيث تؤدِّي التغييرات إلى أحداثٍ ترجع في نهاية الأمر إلى وضعها الأول، فإن حلقات عيد القديسين تعكس تقييمًا إيجابيًّا، حيث يمكن أن يؤدِّي تغييرٌ صغيرٌ إلى كارثة كبرى، ليسيطر على الكوكب في نهاية المطاف الدلافين أو الموتى الأحياء أو الكائنات الفضائية.

الدليل المادي على التفكير العلمي وراء هذا المسلسل موجودٌ في العديد من النكات المبنية على العلم، التي تعرِضُ قوانينَ الديناميكا الحرارية والطاقة النووية والتطوُّر البيولوجي (التي غالبًا ما تحفِّزها التسريبات الإشعاعية الصادرة من المصنع الذي يعمل به هومر). وتتجسد التكنولوجيا الحديثة ليس فقط في محطة الطاقة النووية الموجودة دائمًا، ولكن تتجسد أيضًا في إنجازاتٍ مثل خط السكة الحديد الفردي. صحيحٌ أن المسلسل لا ينتقد التكنولوجيا في حدِّ ذاتها، إلا أنه يُرجِع فشلَها إلى غباء مُشغِّليها (على سبيل المثال: هومر سيمبسون واستجابته للانصهار النووي الوشيك بممارسته لعبة «حادي بادي» في اختياره لأزرار التحكُّم في المحطة النووية)، وجشع مالكها (السيد بيرنز)، وسذاجة مستهلكيها، مثل سكان سبرينجفيلد الذين يختارون مشروعَ خط السكة الحديد الفردي المعيب والعديم الجدوى بدلًا من التطويرات الحقيقية في بنيتهم التحتية.

يُعتبَر غياب المعرفة العلمية لدى الجمهور موضوعًا متكرِّرًا في المسلسل، ويمثِّل هومر بالطبع النموذجَ المفتقِر تمامًا إلى المعرفة العلمية. وربما تنكشف أميته في الأمور العلمية — في أكثر صورها فجاجةً — عندما تلعب الأسرة لعبةَ سكرابل فيتذمَّر شاكيًا: «لا يستطيع أحدٌ أن يكوِّنَ كلمةً بهذه الحروف.» ثم نرى الحروف مرتَّبةً أمامه: O X I D I Z E؛ أيْ «يتأكسد». ومع أن عمله في مصنع الطاقة النووية يتطلَّب من الناحية النظرية بعضَ المعرفة بعلم الفيزياء، فإن من النادر أن نجد لمحاتٍ عن فهمه. وأحيانًا يكون هومر مُضحِكًا حتى وهو يدافع عن المعتقدات العلمية القديمة أمام ليزا، المشغولة باختراع «الحركة الدائمة» من أجل مشروعٍ للمدرسة، وتصرخ: «إننا في هذا البيت نحترم قوانين الديناميكا الحرارية!» كما تتجسَّد المخاطر الجمة الناتجة عن الجهل في طالِب الطب المحتال د. نيك ريفييرا الذي لا يعرف أن الأشياء المكتوب عليها «قابل للاشتعال» يمكن أن تشتعل، والذي يُجرِي جراحةً في قلب هومر دون أن يعرف مطلقًا أيُّ شريان دموي يتصل بأية حجرة من حجرات القلب.

لكن ليزا، على العكس، هي الشخصية التي يمكن اللجوء إليها بحثًا عن إجابات علمية صحيحة عن أيِّ شيءٍ، بدءًا من علم الفلك ووصولًا إلى علم الحيوان، حتى إنها في بعض المناسبات تُجرِي تجاربَ علمية حقيقية، كحالها — على سبيل المثال — عندما تعزل الفيرومون الذي يجعل المتنمرين يهاجمون الأغبياء، وعندما تقيس ذكاءَ بارت مقارَنةً بذكاء هامستر. إلا أن براعتها العلمية لا تفيدها كثيرًا؛ إذ إن معظم الشخصيات الأخرى أغبى من أن تُقدِّر معرفتها، كما أنها تفتقر إلى القدوة، بما أن العالِم الوحيد الذي يظهر بانتظامٍ هو شخص أحمق على شاكلة «المخترعين المجانين». وهكذا، فمن خلال تطبيق مسلسل «عائلة سيمبسون» للأسلوب العلمي في التحليل التجريبي على مجال مسلسلات الكارتون، فإنه يقدِّم بعضَ الدروس التنويرية للعلماء في الحياة الواقعية.

إلا أن الخبر السار أن هذه صياغة تليفزيونيةٌ يمكنك فيها أن تذكر الديناميكا الحرارية دون تخويف الناس منك. وبما أنني وأبنائي أوشكنا على الانتهاء من مشاهدة جميع الحلقات، وتوجد احتماليةٌ بأن يتوقَّفَ عرض مسلسل «عائلة سيمبسون» في مرحلةٍ ما، فإننا في أمسِّ الحاجة إلى المزيدِ من المسلسلات التليفزيونية التي يصنعها أشخاصٌ يهتمون بالفهم العلمي، وليس بإبهار مشاهديهم بالثرثرة التكنولوجية. بعبارة أخرى: لا تقدِّموا لنا مزيدًا من الكريبتونايت ومحرك الالتواء الزمكاني، وقدِّموا لنا مزيدًا من محطات الطاقة النووية والأسماك الثلاثية العيون.

(٢٠٠٣)

أحدث التطورات

في مراتٍ لاحقة أثناء اصطحاب ابنتي إلى المدرسة، تفكَّرْتُ مليًّا في خيار توسيع هذا الموضوع في صورة كتاب، لأتبع المنهاجَ العريق الآن في كتاب «فيزياء ستار تريك» لمؤلِّفه لورانس كروس. لكني لم أستطِعْ قطُّ تنظيمَ أفكاري لتأليف هذا الكتاب، إلا أن عالِم الفيزياء والكاتب العلمي بول هالبيرن من فيلادلفيا كتَبَ بالفعل مثلَ هذا الكتاب، وقد ظهر عام ٢٠٠٧ (في توقيت عرض فيلم عائلة سيمبسون). انظر القراءات الإضافية.

قراءات إضافية

  • P. Halpern, What’s Science ever done for us? Wiley, 2007.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤