الفصل الحادي والعشرون

نظرية كرة الشعر تحل مشكلة كيميائية

جسيمات النانو عبارة عن ذرات متناهية الصِّغَر من المادة يُقاس كلٌّ منها ببضعة أجزاء من المليون من الملِّيمتر، وهي جسيمات فردية مستديرة في العادة، لدرجة أنه من الصعب إشراكها في أي تفاعلات تعتمد على التفضيلات البنيوية. وقد أعلن باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في كامبريدج بولاية ماساتشوستس، في يناير ٢٠٠٧؛ أنهم قد نجحوا في فكِّ تناظر جسيمات النانو باستخدام قاعدة حسابية تُعرَف باسم نظرية كرة الشعر، وهو ما أعتبره طريقة رائعة للغاية لإدخال علم الطوبولوجيا النظري إلى حدٍّ ما والغريب غالبًا (الذي يخبرك بأن قدح القهوة وكعكة الدونت المُحلَّاة لهما نفس الشكل؛ أيْ متكافئين طوبولوجيًّا!) إلى حيِّز التطبيق العملي.

تنص نظرية كرة الشعر على أن المرء لا يستطيع تمشيط كلِّ الشعر الموجود فوق جسم كروي مغطًّى بالوبر كي يصبح أملس من دون أن يكوِّن ما لا يقل عن كرتين وبريَّتَيْن، فيما يُعرَف علميًّا باسم التفرُّدات. وعلى النقيض من ذلك، يمكن تمشيط جسمٍ مكسوٍّ بالشعر على شكل كعكة الدونت (حلقة مستديرة) ليصبح أملسَ من دون أية مشاكل.

يطلق علماء الرياضيات المتحدثين بالألمانية على هذه النظرية اسمَ نظرية القنفذ؛ لأنها تدل أيضًا على أن القنفذ إذا التفَّ حول نفسه فسيكون ضعيفًا في بعض المناطق. وتفيد النظرية كثيرًا من الأشخاص بطرق عدة. على سبيل المثال، بالنسبة إلى علماء الأرصاد الجوية فإنها تتنبَّأ بأنه ما دامت توجد رياح على كوكبنا فلا بد من وجود إعصار أو مرتفع جوي في مكانٍ ما. وعلى العكس من ذلك، إذا هبطتَ على كوكب به رياح من دون أعاصير، فستعرف فورًا أنه أشبه بكعكة الدونت الكبيرة. من البديهي أن تكون هذه النظرية مهمة لمصفِّفي الشعر، ولكن ماذا عن علماء الكيمياء؟

قرَّرَ فريق بقيادة فرانسيسكو ستيلاتشي من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، خلال سعيهم لاستخدام جسيمات النانو في بناء بنًى معقَّدة؛ أن يصقلوا مهاراتهم الحسابية ويطبِّقوا النظرية على علم الكيمياء. وبناءً على ذلك، فقد حوَّلوا جسيمات النانو الذهبية إلى كرات فراء متناهية الصِّغَر، عن طريق ترسيب طبقات أحادية ذاتية التكوين من الثيول على أسطحها، وباستخدام الميكروسكوب الإلكتروني النافِذ، استطاع الباحثون إثبات أن مركبات الثيول قد رتَّبَتْ نفسها في حلقات متوازية، مثل الدبابيس المثبتة في مجسَّم الكرة الأرضية على امتداد دوائر العرض. وتظهر التفردات في صورة جزيئات فردية من الثيول بارزة من كلِّ قطب. وعلى عكس الجزيئات الموجودة في الحلقات، فإن الجزيئات القطبية لا يتحقَّق لها الاستقرار من خلال الجزيئات المجاورة، وبالتالي من السهل إزاحتها مقارَنةً بالجزيئات الأخرى.

fig27
شكل ٢١-١: تتنبَّأ نظرية كرة الشعر — من بين أمور أخرى — بأن الكوكب الذي تهبُّ فيه الرياح لا بد أن يشهد دائمًا إعصارًا واحدًا على الأقل، ما لم يكن هذا الكوكب حلقيَّ الشكل (على شكل كعكة الدونت)، حيث تظل الرياح في حالة دوران مستمر دون أن تكوِّن أي أعاصير.

استطاع فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن يستبدل بالثيول القطبي «مقابض» سلسلية تحمل مجموعات من حمض الكربوكسيل في الطرف الآخر. وعلاوة على ذلك، قاموا ببلمرة هذه البِنى عن طريق تعريضها للتفاعل المعروف على نطاقٍ واسعٍ والمُستخدَم في إنتاج النايلون؛ فأذابوا جسيمات النانو المغطَّاة في التولوين، وجمعوها معًا بواسطة محلول مائي يحتوي على مركب أحادي وسداسي الهكسين الثنائي الأمين، واستطاعوا بعد ذلك جمعَ بوليمر جسيمات النانو من الحد الفاصل بين هذين السائلين غير القابلين للامتزاج، تمامًا مثلما يحدث في حالة النايلون.

يعتقد ستيلاتشي، رئيس الفريق، أن هذا البحث سيفيد كلًّا من مجال العلوم الأساسية والتطبيقات الحديثة، ويشرح ذلك قائلًا: «لقد صنعنا مقابلًا نانويًّا للبوليمرات، ونتوقع أن تُثبِت هذه المواد صحةَ بعض الافتراضات الجوهرية حول فيزياء البوليمرات، وأن تقدِّم وفرة من الخواص الجديدة.»

يقول رائد تكنولوجيا النانو كيس ديكر، من جامعة دلفت للتكنولوجيا بهولندا، المتحمِّس بشدة للتطور الجديد: «هذا عمل مبتكر للغاية قد يفتح آفاقًا جديدة لاستخدام جسيمات النانو.» ويتابع قائلًا: «إنه يضيف وظيفةً جديدةً لها، وتحديدًا القدرة على الارتباط بجسيمات أخرى في اتجاهات محدَّدة، تمامًا مثلما تكوِّن الذرات الجزيئات.»

وبالتالي، فالنظرية التي لا تسبِّب سوى المتاعب للقنافذ ومصفِّفي الشعر وعلماء الأرصاد الجوية قد أثبتَتْ فعلًا فائدتَها الهائلة بالنسبة إلى علماء الكيمياء.

(٢٠٠٦)

قراءات إضافية

  • G. A. DeVries, et al., Science, 2007, 315, 358.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤