الفصل الثامن

بروتينات إشارة المرور الجزيئية

لا بد أن نعتبر استخدامَ بروتين الفلورسنت الأخضر، أو ما يُعرف أيضًا بالبروتينات الفلورية الخضراء، بصفته واسمًا جينيًّا داخل الخلايا الحية؛ أحدَ أروع الابتكارات التي ظهرت خلال العقدين الماضيين. وعلاوةً على ذلك، فقد ظهر في بداية حياتي ككاتبٍ، وبالتالي تناولْتُ العمل الأصلي ثم جلستُ أشاهده يكبر ليصبح أحدَ أكبر الموضوعات على الإطلاق في البيولوجيا الجزيئية (انظر مقال «الشُّعلة الخضراء»). وبعد ذلك ببضع سنوات، اتسعت لوحة الألوان لتشمل ألوانًا مختلفة، وهو موضوع المقال التالي.

لقد انتشرَتْ تطبيقات بروتين الفلورسنت الأخضر المأخوذ من قنديل البحر «إيكوريا فيكتوريا» انتشارَ النار في الهشيم منذ البحث الصادر عام ١٩٩٩، الذي تحدَّثَ عن إمكانية استخدام بروتينات الفلورسنت الأخضر بصفتها واسِمًا في التعبير الجيني. ويمكن دمج الجين المسئول عن إنتاج بروتين الفلورسنت الأخضر — المتاح حاليًّا كأداة تجارية — مع جين محدَّد. وإذا تمَّ إنتاجُ بروتين الفلورسنت الأخضر، فسوف تلمع الخلايا باللون الأخضر تحت مصباح الأشعة فوق البنفسجية. يحدث الأمر بهذه البساطة، دون الحاجة إلى مواد كيميائية أخرى، ودون شروط. كما أظهر علماء الفيزياء الحيوية اهتمامًا كبيرًا بالجزء الصغير من البروتين الذي يبعث الضوء (حامِل اللون) بسبب بنيته الشديدة الغرابة التي تنشأ نتيجةَ تعديلاتٍ يُجرِيها البروتين على نفسه.

في عام ٢٠٠٠، استنسَخَ الباحثون بروتينًا مماثِلًا لا يقلُّ عن بروتين الفلورسنت الأخضر إثارةً للاهتمام، هو DsRed، وحدَّدوا صفاته. هذا البروتين وثيقُ الصلة بالشِّعاب المرجانية ومأخوذ منها (من جنس «ديسكوسوما»)، ويشعُّ اللونَ الأحمر ويُعتبَر مسئولًا مسئوليةً جزئية عن المسحة الوردية اللون التي تميِّز الشِّعاب المرجانية. وفي عام ٢٠٠٠، أجرى معمل رودجر تسين من جامعة كاليفورنيا في سان دييجو دراساتٍ تفصيلية، أظهرَتْ بعضَ المزايا والعيوب التي يتَّسِم بها هذا البروتين مقارَنةً ببروتين الفلورسنت الأخضر.
مع أن تعديل بروتين الفلورسنت الأخضر يمكن أن يُنتِج العديدَ من الألوان، فإنه ما من صورة من صور بروتين الفلورسنت الأخضر تصل إلى نطاق الطول الموجي الخاص بالضوء الأحمر؛ وبالتالي فإن الانبعاث البالغ طوله ٥٨٣ نانومترًا من بروتين DsRed يُعَدُّ اكتشافًا سارًّا للغاية لأي شخصٍ يريد أن يتمكَّنَ من استخدامِ واسِمات متعدِّدة ويرصد انبعاثاتها معًا. ويمكن لاستبدال بقية واحدة من الحمض الأميني أن يزيده إلى ٦٠٢ نانومتر. ومثل بروتين الفلورسنت الأخضر، يكوِّن بروتين DsRed حامِلَ اللون الخاص به بالتحفيز الذاتي عن طريق دمج الحمض الأميني المجاور في حلقة إيميدازول، فيكوِّن في البداية بنيةً مماثِلةً لتلك التي يكوِّنها بروتينُ الفلورسنت الأخضر ثم يمددها ليحقِّق الانبعاثَ المميز ذا الطول الموجي الطويل.

يحدث التفاعل الثاني ببطء شديد، وهو ما يمثِّل عائقًا أمام بعض التطبيقات، ولكن التفكير الإيجابي يمكن أن يحوِّل هذا العيبَ إلى ميزة، مثلما أوضَحَ أليكسي تيرسكيخ وزملاؤه من جامعة ستانفورد؛ فقد أنتجوا عمدًا نسخةً طافرة بطيئة التحوُّل من بروتين الفلورسنت الأحمر المماثِل، وأثبتوا أنها قد تكون مفيدةً بصفتها «ساعةً ميقاتية» في بيولوجيا النمو. وفي هذه التجارب، يكشف الضوء الأخضر الخلايا التي نشط فيها مؤخرًا الجينُ المطلوب، كما يُظهِر اللونُ المتدرجُ من الأصفر إلى البرتقالي نشاطًا متواصِلًا، في حين يشير الوميض الأحمر إلى أن الجين قد تمَّ تثبيطه.

ثمة عيبٌ آخَر محتمَل في بروتين DsRed، وهو أنه يحبُّ الارتباطَ في رباعيات وربما حتى في بنًى عليا قليلة الوحدات. لكن بالنظر إلى حجم التجارب التي أجراها الباحثون بواسطة بروتين الفلورسنت الأخضر المتماثِل، يمكننا أن نتوقَّع بأمان أنه عمَّا قريب ستوجد نُسَخٌ معدَّلة وراثيًّا من بروتين DsRed، أحادية وتنمو أسرع، وتلمع بكل تدرُّج يمكن تخيُّله للون الأحمر. وانتبِهْ إلى ضوء إشارة المرور الجزيئية الذي يتحوَّل من الأخضر إلى الأحمر بضغطة زر.
(٢٠٠١)

أحدث التطورات

تُعتبَر واسِمات الفلورسنت على شاكلة بروتينات الفلورسنت الأخضر والأحمر مجالًا رائجًا في سوق أدوات المعامل حاليًّا، ولها العديد من النُّسَخ التي تسعى إلى جذب انتباه علماء البيولوجيا الجزيئية. وفي الواقع، فإنني لم أتابِعْ هذا التطورَ عن كثب أكثر، ولكن إذا كان ثمة أيُّ استخدامٍ لإشارات المرور الجزيئية، فأنا متأكِّد أن شخصًا يبيعها الآن بالفعل.

قراءات إضافية

  • L. A. Gross et al., Proc. Natl Acad. Sci. USA, 2000, 97, 11990.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤