١٩٣٨

وُلدتُ في السابعة صباح الخميس ١٧ فبراير عام ١٩٣٨م. قال لي أبي إني تبوَّلتُ — لحظة ولادتي — في يدَي الطبيب. اسمه الأول أنطون، ولا أذكر بقية الاسم. وكانت ولادتي في البيت نفسه الذي شهد طفولتي وصباي وشبابي الباكر (٥٤ شارع إسماعيل صبري) حتى غادرتُ الإسكندرية في نهاية الخمسينيات بحثًا عن فرصة عمل بصحف القاهرة.

كان قد مضى عامان على إنشاء كورنيش الإسكندرية. أنشأه إسماعيل صدقي عام ١٩٣٦م بامتداد ٢٦ كيلومترًا من رأس التين إلى المنتزه.

وقبل مولدي بستة وعشرين يومًا، بالتحديد في ٢٠ يناير ١٩٣٨م، تزوَّج الملك فاروق من فريدة ذو الفقار. وصف العقاد ذلك بأنه تعبيرٌ عن ديمقراطية الملك. وكان «حضرة صاحب الجلالة الملك الصالح فاروق الأول — أعزه الله — قد تولَّى عرشَ مُلْكِه السعيد» في ١٥ مايو ١٩٣٧م، وإن أدار الحكمَ — منذ وفاة الملك فؤاد، حتى بلوغ فاروق السنَّ القانونية — مجلسُ وصاية مؤلَّف من الأمير محمد علي، وعبد العزيز عزت باشا، ومحمد شريف صبري باشا.

وُلد فاروق في الحادي عشر من فبراير ١٩٢٠م. أتذكَّر أغنيةً مطلعُها: أهو جانا حداشر فبراير. ظلَّت تُؤدَّى في مناسبة عيد ميلاد الملك، حتى قيام ثورة يوليو. وارتقى عرش مصر — عقب وفاة أبيه الملك فؤاد — في ٢٨ أبريل ١٩٣٦م. وأمُّه هي صاحبة الجلالة الملكة المعظَّمة نازلي. وُلدت بالإسكندرية في ٢٥ يونيو ١٨٩٤م، واقترن عزُّها — يعني تزوَّجت — بالمغفور له حضرة صاحب الجلالة الملك فؤاد المعظَّم في ٢٤ مايو ١٩١٩م. وأخواته حضرات أصحاب السمو الملكي الأميرة فوقية (ابنة الملك فؤاد من الأميرة شويكار، زوجته الأولى)، والأميرة فوزية وُلدت في ٥ نوفمبر ١٩٢١م، والأميرة فايزة وُلدت في ٨ نوفمبر ١٩٢٣م، والأميرة فائقة في ٨ يونيو ١٩٢٦م، والأميرة فتحية في ١٧ ديسمبر ١٩٣٠م. في العام نفسه، أُعلنت خطبةُ صاحبة السمو الملكي الأميرة فوزية إلى حضرة صاحب السمو الإمبراطوري شاهبور محمد رضا ولي عهد الإمبراطورية الإيرانية. وتعطَّف جلالةُ الملك؛ فأمر بأن تُوضع سيارة جلالته الخاصة من طراز مرسيدس، والمهداة إليه من الهر هتلر، تحت تصرُّف رئيس البعثة السامية الإيرانية، في سفره إلى القاهرة، وتنقلاته فيها. وأُجريت عمليةُ ترميم كاملة في قصر أنطونيادس بالإسكندرية، حتى يستقبل الوفد الإيراني المرافق صاحب السمو الإمبراطوري ولي عهد إيران، في حفل عقد خطبته على صاحبة السمو الملكي الأميرة فوزية. ووُلدت في السابع عشر من نوفمبر: فريال، كُبرَى كريمات الملك فاروق. واحتفاءً بهذه المناسبة، وزَّع السيد محمد بدراوي عاشور كسوةً على ثلاثة آلاف فقير، فضلًا عن إطعامهم.

في اليوم السابق لمولدي (١٦ فبراير ١٩٣٨م) نشرَت مجلة «ماتش» الفرنسية تحقيقًا عن قناة السويس، بمناسبة انتقال القوات البريطانية من القاهرة والإسكندرية إلى القناة. قالت: يبدو لنا أنه انتقالٌ لا رحيل. وتوصَّل رئيس وزراء مصر محمد محمود باشا — في مباحثات أجراها في لندن — إلى اتفاقٍ تامٍّ مع الحكومة البريطانية على مسألة إنشاء الثكنات. كما أعلن «بقوة كلَّ ما يُساور المصريين من قلق بشأن الحالة في فلسطين». وجاوز حضرة الصاغ محمد نجيب (أول رئيس للجمهورية فيما بعد) امتحانَ كلية أركان الحرب. وتخرَّج جمال عبد الناصر، والعدد الأكبر من قيادات الضباط الأحرار من الكلية الحربية، جيل جديد من الضباط ينتمي إلى الطبقتين المتوسطة والدنيا كأثر إيجابي لتوقيع معاهدة ١٩٣٦م. وكان الجيش المصري يتألَّف من نحو ستمائة ضابط و٢٥٠٠ جندي. يُعفَى من الجندية مستخدمو الحكومة الداخلون في هيئة الحكومة، وبعضُ مستخدمي الحكومة الآخرين، وأولاد الضباط، وأولاد العُمَد، والمشايخ العاملون والمتقاعدون، بشرط أن يكونوا قد خدموا عشر سنوات، ولم يُفصَلوا لسببٍ ما. كذلك إخوة الضباط، الموجودون بالخدمة، والمحالون على الاستيداع، والأبناء الوحيدون، وأكبر أبناء الأب الميت أو العاجز عن التكسُّب، وأكبر أبناء الأرملة أو المطلقة، وكل مَن يساعد في نفقة واحد أو أكثر من أجداده، والأخ التالي لأخيه المجند بالقرعة، وطلبة المعاهد الدينية، وخريجو الجامعات، وبعض المدارس الصناعية، وبعض الموظفين الدينيِّين، فضلًا عن وسيلة أخرى، غريبة، للإعفاء من التجنيد، وهي دفع بدل نقدي يتراوح بين ٢٠ إلى مائة جنيه لكل مطلوب للتجنيد. وكانت المحصلة النهائية لتلك الإعفاءات أنه لم يكن يدخل الجيش إلَّا أبناءُ الأُسَر المُعدَمة، بما يشكِّل جيشًا لمرافقة كسوة المحمل، لكنه أبعد ما يكون صلاحيةً للقتال. ومن بين استعدادات القوات المسلحة المصرية للحرب، صدرت الأوامر إلى الأورطة الثانية مشاة بتوزيع قواتها على خزانات ومنشآت وكباري الوجه القبلي. كما رابطت قوات عند خزان أسوان، وتمَّ تحصين السد، ومنع مرور الأفراد والمركبات والسيارات على الخزان، فيما عدا موظفي إدارة الخزان الذين حصلوا على تراخيص تُخوِّل لهم المرور إلى مكاتبهم. واستوردت حكومة محمد محمود باشا مليون كمامة للوقاية من الغازات، تحسُّبًا لتطورات الأحداث المقبلة. وفي ١٤ سبتمبر تفقَّد الملك خطوط الدفاع في الصحراء الغربية.

في العام نفسه، رفعت أسرة الزعيم أحمد عرابي مذكرةً إلى رئيس الوزراء محمد محمود، تُطالب بردِّ أملاك عرابي التي صادرَتها الحكومة في عام ١٨٨٢م. وأُزيح الستار — في أغسطس — عن تمثال سعد زغلول المطل على الميناء الشرقية، والذي أصبح — فيما بعد — من أهم معالم المدينة (أذكِّرك بالسمان والخريف وميرامار لأستاذنا نجيب محفوظ). وأصدر حزب الوفد قرارًا بفصل الدكتور أحمد ماهر لتضامنه مع النقراشي، وعدم اعترافه بقرار فصله. وحدثَت محاولةُ اعتداء على مصطفى النحاس، وخرجت المظاهرات تهتف بحياة زعيم الوفد، وتتَّهم محمد محمود بمحاولة اغتياله. وأعلنت جماعة الأخوان المسلمين أهدافها السياسية، بعد أن كان نشاطها مقصورًا على الاجتهاد الديني. وبدأت الحكومة في إعداد مشروع قانون لهيئة الصحافة «ينظِّم ما لها ولرجالها من حقوق وامتيازات، وما عليها من تكاليف وواجبات». وفي الأول من مارس ١٩٣٨م أعلن تأسيس الاتحاد العام لنقابات عمال المملكة المصرية من ٣٢ نقابة، برئاسة عباس الحليم. ثم أُسندت رئاسة الاتحاد — بعد شهر واحد — إلى محمد الدمرداش الشندي، وهو عامل فني من عمال النسيج بالإسكندرية. ونظَّم الاتحاد العام للعمال في مايو مظاهرةً هائلة طافَت شوارع القاهرة، مارة بقصر عابدين ورئاسة مجلس الوزراء ووزارة التجارة والصناعة ومجلس النواب ودور الصحف إلخ. وتظاهر الطلبةُ كي تكفل لهم الحكومةُ فرصَ العمل. وشهد العام إنشاء الكليات الأولى بجامعة فاروق الأول: الآداب والتجارة والحقوق. وكان عدد المتعلمين — مَن يعرفون القراءة والكتابة — ١٠٪ من مجموع المواطنين. أما عدد حملة الشهادات — بما فيها الشهادة الابتدائية — فكان نصفًا في المائة. وأدرج في ميزانية الأزهر مبلغ خمسة آلاف جنيه لنشر الثقافة الإسلامية في البلاد النائية، والعناية بالبعثات الوافدة إلى الأزهر، ومنح مسلمو نيويورك ٨٠٠ جنيه من هذا الاعتماد لإعانتهم على إنشاء مسجد. وكان شيخ الجامع الأزهر هو فضيلة الإمام الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي. أما رأس طائفة الأقباط الأرثوذكس فهو حضرة صاحب الغبطة الأنبا يؤانس التاسع عشر بابا وبطريرك الإسكندرية والحبشة والنوبة والخمس المدن الغربية «بنتا بوليس» وسائر أفريقيا والشام.

وارتفع فيضان النيل — في أغسطس — إلى حدٍّ الخطر. وصدرَت الأوامر إلى مهندسي الري بالمبيت على جسور النيل، وأن يكون كلُّ مهندس مسئولًا عن مسافة قصيرة من الجسر، فضلًا عن أعمال تقوية الجسور ووقايتها. وفي سبتمبر بلغ فيضان النيل مرحلةَ الخطر. سجَّل مقياس الروضة ٢٤ ذراعًا وعشرة قراريط. أما الحد الأقصى — قبل تحقق الخطر — فهو ٢٤ ذراعًا. أما الدخل القومي، فقد بلغ حوالي مائتي مليون جنيه، أي حوالي ١٢جنيهًا للفرد في السنة. وأوردت الإحصاءات أن سبعةَ ملايين ونصفَ مليون مصري يَحْيَون — في المتوسط — بجنيه أو نصف الجنيه في الشهر، وأن عدد باعة اليانصيب في القاهرة وحدها جاوز الثلاثةَ آلاف. وتعدَّدَت إضراباتُ طلبة الكليات والمعاهد العليا طلبًا للتوظف أو تحسين الرواتب. كان عدد سكان مصر ١٦٫٣ مليون نسمة، منهم ١٤ مليونًا ونصف المليون مصابون بالتراكوما، وحوالي ١٢ ألفًا من المكفوفين، وبلغ عددُ مرضى السل حوالي نصف مليون مريض، مات منهم أثناء العام ٤٠ ألفًا. وأدلى وزير المعارف ببيان، أكَّد فيه أن ٧٠٪ من تلاميذ المدارس الأولية مصابون بأمراض صدرية، نتيجة الجوع. وكان أكثر من ١٠ ملايين مصابين بالبلهارسيا والأنكلستوما، وبلغَت نسبة الوفيات ٣١ في الألف، واعتمدت وزارة الصحة مبلغَ ٩٠٠ جنيه لإنشاء ١٥ حنفية مجانية للمياه بمدينة القاهرة. وأصدرت وزارة المالية — لأول مرة — قرارًا بمنع تصدير الذهب من مصر إلى الخارج. وأعلنت سكك حديد الحكومة المصرية عن امتيازات موسم الأقطان (١٩٣٨-١٩٣٩م) تضمن: الأمان، السرعة، رخص الأجور، لمواجهة الطلبات، وتَعِد بأغطية جديدة من المشمع لوقاية الأقطان من الحريق والأمطار أثناء النقل. وكان ثمن الجريدة خمسةَ مليمات، وصفحاتها من أربع إلى ثماني صفحات، وموادها — حتى العناوين — بالجمع اليدوي. ولأن عربات الحانطور كانت وسيلةَ ركوب رئيسية في المدن الكبرى كالقاهرة والإسكندرية؛ فقد كان لها تعريفة ركوب تبدأ بثلاثة قروش ونصف قرش للكيلومتر الواحد، وتَصِل إلى ٨٥ قرشًا لليوم الكامل. أما أجور الحمير فكانت ١٢ قرشًا لليوم، من شروق الشمس إلى غروبها. وأما التوجه إلى خارج المدينة — مع عدم العودة — فكانت قيمته ١٨ قرشًا. وأعلنت محلات سمعان صيدناوي عن بيع القميص البوبلين الرجالي بستة عشر قرشًا، وحذاء السيدات ماركة «درمانا» بخمسة وخمسين قرشًا، والمايوه — كان اسمه بدلة البحر! — بثمانية عشر قرشًا. ونشرت الصحف إعلانات قضائية، من مثل بيع منقولات منزلية ملك فلان الفلاني وفاءً لمبلغ ٨٠ قرشًا كطلب فلان أفندي علَّان التاجر، فعلى راغب الشراء الحضور. واخترع المجاهد الغيور حضرة عباس أفندي عبد الرحمن وسيلةً ناجعة لمحاربة المنكر؛ فعمد إلى تصوير نواحي المنكر في لوحات خاصة، يُصدرها تباعًا، ويوزِّعها على الجمهور بثمن زهيد، لا يكاد يعدل شيئًا من قيمتها العملية في تهذيبِ النفوس، وبثِّ مكارم الأخلاق. وكانت لوحته الأولى في مكافحة الخمر، وعنوانها «من الحانة إلى المسجد»، وقد تشرَّف برفعها إلى الأعتاب الملكية فحازت القبول السامي. وأُقيم — لأول مرة في تاريخ الحركة النسائية — مؤتمرٌ نسائيٌّ عربيٌّ لمساندة الشعب الفلسطيني، حضره وفودٌ من عدة أقطار عربية، من بينها فلسطين. ولعله يكفي للتدليل على فقدان الإحساس الحقيقي بفداحة المأساة، أن برنامج المؤتمر كان يشتمل على بعض المحاضرات التي تعبِّر عن تعاطف النساء العربيات مع القضية الفلسطينية بعامة، والمرأة الفلسطينية على وجه الخصوص. وكان يشتمل — في الوقت نفسه — على زيارة لأهرام الجيزة وحديقة الحيوان واستديو مصر للتمثيل والسينما والمتحف المصري ودار الآثار المصرية والقناطر الخيرية وبعض المصانع، وتناول الغداء بمطعم الحاتي، وحضور حفلات شاي وحفلات ساهرة، اختتمت بحفلة غنائية أحيَتها بلبلة الشرق الآنسة أم كلثوم بدار جمعية الاتحاد النسائي المصري، لصالح منكوبي فلسطين. وتقدمت ثالث فتاة مصرية — زهرة رجب — لأداء امتحان الحصول على إجازة الطيران من مدرسة شركة مصر للطيران. وأُعيد ترميم قلعة قايتباي بالإسكندرية، وصدرَت رواية العقاد اليتيمة «سارة»، ورواية الحكيم «عصفور من الشرق»، وكتاب حسين فوزي «سندباد عصري». وأصدر طه حسين كتابه المهم «مستقبل الثقافة في مصر» دعا فيه إلى تواصل الثقافة المصرية بثقافات دول البحر المتوسط. كان رأْي طه حسين أن مشروعنا المستقبلي للثقافة يجب أن يرتبط بالحضارة الغربية، يتجه إليها، يتلاحم في نسيجها، وأن تلك كانت هي الصورة الأوضح من ارتباطه بصور أخرى، مع حضارات أخرى، وإنما كانت مصر دائمًا جزءًا من أوروبا في كلِّ ما يتصل بالحياة العقلية والثقافية. وأصدر محمد فريد وجدي دائرة معارف القرن العشرين، وبدأ أحمد أمين تأليفَ كتابه «قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية»، واعتزل عبد الرحمن شكري وظائف الحكومة، وولدت مجموعة ممتازة من المبدعين المصريين — ضياء الشرقاوي، الذي اختطفه الموت قبل أن يهبَنا كلَّ ما لديه — ومحمد مستجاب ومجيد طوبيا والدسوقي فهمي ومحمود بقشيش. وتوفي والد عميد الرواية العربية نجيب محفوظ، وقد استمد منه — فيما بعد — الملامح الأساسية لشخصية أحمد عبد الجواد. ومات الكاتب الروسي العظيم مكسيم جوركي، والموسيقي المصري الرائد كامل الخلعي.

كان العالم يواجه ردَّة رجعية، تمثَّلت — في بعض أبعادها — في كبت الطاقات الفنية الخلاقة، وتحطيم تماثيل باروخ، وتمزيق صور رينوار وماكس أرنست، وحظر مؤلفات فرويد، وتسمية معظم الفنون باسم واحد، هو الفن المنحط. وفي مواجهة تلك الردة، وجَّه أندريه بريتون — رائد الحركة السوريالية — نداءَه الثوريَّ «من أجل فن حر مستقل». وكان رد فعل جماعة من الفنانين المصريين الشبان لنداء بريتون، إصدار بيان في ٢٢ ديسمبر، وقَّع عليه رمسيس يونان، وفؤاد كامل، وكامل التلمساني، وأنور كامل، وآخرون. وكان عنوان البيان: «يحيا الفن المنحط»! وكان البيان نواة تكوين جماعة «الفن والحرية» في التاسع من يناير ١٩٣٩م. وفي ٨ فبراير أقامت الجماعة أول معارضها الفنية. وقالت نشرة المعرض: «في الوقت الذي لا يهتم فيه الناس في العالم أجمع إلَّا بأصوات المدافع، نجد أنه من الواجب علينا أن نُعطيَ لتيارٍ فنيٍّ معين فرصتَه، ليعبِّر عن حريته وحيويته.» وقد التزمت الجماعة بالوقوف ضد الحرب، في محاولات عضو الجماعة ألبير قوصيري القصصية، واشتراك عضو الجماعة جورج حنين في مؤتمرات السلام ببروكسل في ١٩٣٧م، ومهاجمة رمسيس يونان قوَى الفاشية على صفحات «المجلة الجديدة». كما أصدر جورج حنين أول دواوينه «لامعقولية الوجود». وكتب سلامة موسى ينتقد حياتنا الموسيقية والغنائية، ويطالب بموسيقى وغناء ورقص تبعث فينا النشاط والتحفز والمرح. وعاد العظيم بيرم التونسي — خلسة — من منفاه. وأذاعت محافظة العاصمة نشرةً على أقسام البوليس التابعة لها، تطلب فيها مواصلةَ البحث عن الأستاذ محمود بيرم التونسي، الزجال المعروف، الذي تمكَّن من دخول المملكة المصرية. ومنحت الحكومة الفرنسية الكاتب الكبير توفيق الحكيم وسامَ «أوفيسيه دي كايمي» تقديرًا للنجاح الذي لقيَته الترجمة الفرنسية لعودة الروح وشهرزاد. وأنعمت الحكومة اللبنانية على الموسيقار محمد عبد الوهاب بنيشان الاستحقاق اللبناني «تقديرًا لخدماته المتوالية للنهوض بالموسيقى الشرقية، وصناعة السينما في الشرق». واحتفل طلبة كلية الآداب (لم تكن هناك سوى جامعة واحدة هي فؤاد الأول) بالدكتور طه حسين، لحصوله على الدكتوراه الفخرية من جامعة ليون بفرنسا. وصوَّر كمال سليم فيلمه الأشهر «العزيمة» بطولة فاطمة رشدي وحسين صدقي. وبدأ تصوير فيلم «وداد» لأم كلثوم. وعرضت سينما استديو مصر فيلم «لاشين» الذي يعالج إحدى فترات العصر المملوكي. ومن الأفلام العربية «سلامة في خير» بطولة نجيب الريحاني وروحية خالد وحسين رياض وراقية إبراهيم وشرفنطح، و«يحيا الحب» لعبد الوهاب وليلى مراد، و«أنا طبعي كده» بطولة فؤاد شفيق وزوزو شكيب، و«ساعة التنفيذ» بطولة يوسف وهبي وأمينة رزق. وعرضت سينما الكوزوموجراف بالإسكندرية روايةَ علي الكسار «عثمان وعلي». ومن أغنيات العام: يامين يجيب لي حبيبي وياخد من عينيه عين. وقدَّمت الراقصة تحية محمد (كاريوكا) بعض رقصاتها في مسارح أوروبا. كما رقصت في حضرة كمال أتاتورك، فتعاقدَت بعضُ الفرق الأجنبية معها كراقصة أولى.

ومن الأحداث الثقافية العالمية: كتب جان بول سارتر أولى رواياته «الغثيان»، وأصدر صمويل بيكيت مجموعتَه القصصية «مورفي»، وكتب ألبير كامي رائعته «كاليجولا»، وفازت الأمريكية بيرل باك بجائزة نوبل في الآداب، لتصبح رابع امرأة تنال الجائزة العالمية، وانتُخب أندريه موروا عضوًا في الأكاديمية الفرنسية، وعرضت سينما النصر (تريامف) فيلم «سباق برودواي» بطولة وارنر باكستر وميرنا لوي، وهو فيلم تجعلك مناظرُه «ترتجف وتقشعر، وتجعل أسنانك تصطك»، وقام كاري جرانت وكاترين هيبورن ببطولة الفيلم الجديد «الأجازة»، ومن نجوم السينما العالمية: مارلين ديتريش وجاري كوبر وجورج برانت وكاي فرانيس وبول موني وآن ديفوراك.

أما المواسم والأعياد الرسمية التي عُطِّلت فيها مصالح الدولة المصرية، وأخذ الناس إجازات، فهي الاحتفال بالكسوة الشريفة (النصف الأول من ذي القعدة ١٣٥٦م)، وميلاد الملك فاروق (١١ فبراير)، والاحتفال بسفر المحمل الشريف إلى الأقطار الحجازية (النصف الثاني من ذي القعدة). وكانت الكسوة المصرية تُنقَل إلى الحجاز في موكب رسمي، تزفُّه كتائب من الجيش المصري، حتى سُمِّيَ الجيش إلى قيام ثورة يوليو: جيش المحمل! … والوقوف بعرفات، وقفة العيد الكبير (٩ ذي الحجة) تليها أيام عيد الأضحى (من ١٠ إلى ١٣ ذي الحجة)، ثم الاحتفال بعيد رأس السنة الهجرية (أول محرم ١٣٥٧م)، أما ١٥ مارس فيتضمن مناسبتَين، الأولى يوم استقلال مصر في ١٩٢٢م، ويوم افتتاح البرلمان المصري في ١٩٢٤م. واحتفل بعودة المحمل الشريف من الأقطار الحجازية في النصف الأول من محرم ١٣٥٧م. كما احتفل بذكرى ارتقاء الملك فاروق في ٢٨ أبريل، وبيوم شم النسيم في ٢ مايو، وبالمولد النبوي الشريف في ١٢ ربيع الأول، وبوفاء النيل — جبر البحر — في النصف الثاني من أغسطس. أما وقفة العيد الصغير ففي ٣٠ رمضان، تليها أيام عيد الفطر الثلاثة. أما المواسم الإسلامية الخاصة، والتي احتفلت بها وزارة الأوقاف العمومية، فضلًا عن الأغلبية المسلمة من المصريين، فهي: ليلة عاشوراء (١٠ محرم)، وليلة الإسراء والمعراج (٢٧ رجب)، وليلة النصف من شعبان (١٥ شعبان)، وليلة أول صوم رمضان (أول رمضان)، وليلة القدر (ليلة نزول القرآن الكريم في ٢٧ رمضان). وأما المواسم والأعياد غير الرسمية، والتي تُعَد أعيادًا خاصة، فلم تُعَطل فيها مصالح الدولة، فهي: عيد الختان (رأس السنة للغربيِّين في أول يناير)، وعيد الغطاس للشرقيِّين والأحباش (٧ يناير)، وعيد رأس السنة «جوليانة» للشرقيِّين (١٤ يناير)، وعيد الغطاس للشرقيِّين، وعيد الميلاد للأرمن الشرقيِّين (١٩ يناير)، وثلاثاء الزفر — رفاع الصوم الكبير للغربيِّين (٩ فبراير) وأربعاء الرماد — الصوم الكبير (١٠ فبراير)، وتذكار القديس داود للغربيِّين (أول مارس)، وتذكار القديس باتريك للغربيِّين (١٧ مارس)، والشعانين الكبرى للغربيِّين (٢٦ مارس)، وعيد الفصح لليهود (٢٧ مارس)، وللغربيِّين (٢٨ مارس)، وثاني عيد الفصح للغربيِّين (٢٩ مارس). والفارق هنا أن أول عيد الفصح تُعطَّل فيه المحاكم المختلطة، أما الثاني فهو يوم عطلة في البنوك، وعيد البشارة للشرقيِّين (١٧ أبريل)، والشعانين الكبرى للشرقيِّين (٢٥ أبريل)، وخميس العهد الجديد للشرقيِّين (٩ أبريل)، والجمعة المقدسة (٣٠ أبريل)، وعيد الورد للأروام (أول مايو) — لم يكن قد بدأ الاحتفال بالعيد العالمي للعمال في الأول من مايو — وعيد الفصح للشرقيِّين والأحباش (٢ مايو)، وخميس الصعود للغربيِّين (٦ مايو)، والسبوعات، عيد العنصرة لليهود (١٦ مايو)، وعيد العنصرة للغربيِّين (١٦ مايو)، وثاني يوم العنصرة للغربيِّين (١٧ مايو)، وخميس الصعود للشرقيين (١٠ يونيو)، وعيد العنصرة، وآخر الخماسين للشرقيِّين (٢٠ يونيو)، وثاني يوم العنصرة (٢١ يونيو). والفارق أن اليوم الثاني إجازة في البنوك، وتذكار القديس يوحنا الرسول الإنجيلي للغربيين (٢٤ يونيو)، وعيد انتقال العذراء للغربيين (١٥ أغسطس)، وعيد انتقال العذراء للشرقيِّين (٨ أغسطس)، وعيد رأس السنة لليهود (تشري ٥٦٩٨)، وعيد رأس السنة للقبط (توت ١٦٤٥)، وصوم الكبور عاشوراء لليهود (١٥ سبتمبر)، وعيد سكوت «المظلة» لليهود (٢٠ سبتمبر)، وليلة الإسراء للمسلمين (٢٧ رجب)، وليلة النصف من شعبان للمسلمين (١٥ شعبان)، وتذكار جميع القديسين للغربيِّين (أول نوفمبر)، والاحتفال برؤية هلال رمضان للمسلمين (٢٩ شعبان)، وأول صوم رمضان (أول رمضان)، وميلاد سمو ولي الأمير محمد علي ولي عهد المملكة المصرية (٩ نوفمبر)، ويوم الهدنة للحرب العظمى (١١ نوفمبر)، وليلة القدر (٢٧ رمضان)، وعيد الميلاد للغربيِّين (٢٥ ديسمبر)، وثاني يوم عيد الميلاد «بوكسنج» (٢٦ مارس).

أما خريطة العالَمَين العربي والإسلامي فكانت تشتمل على: مصر وملكها هو فاروق الأول، والعراق وملكها غازي الأول، وجمهورية تركيا التي يرأسها عصمت إينونو، وإيران وإمبراطورها رضا شاه بهلوي، والدولة السعودية وملكها عبد العزيز آل سعود، واليمن وإمامها يحيى حميد الدين، وجمهورية لبنان ويرأسها إميل إدة، وجمهورية سوريا ويرأسها هاشم الأتاسي، وفلسطين وكانت خاضعةً للاحتلال البريطاني، وإمارة شرق الأردن وأميرها عبد الله بن الحسين، وتونس وسلطانها أحمد بن علي، ومراكش وسلطانها محمد بن يوسف، وطرابلس وبرقة — ليبيا — وكانت مستعمرةً إيطالية، والأفغان وملكها محمد ظاهر شاه، وألبانيا وملكها أحمد زوغو، وزنجبار وسلطانها خليفة بن حرب البوسعيدي، وإمارات الهند الإسلامية: حيدر أباد، بهابور، بهوبال، رامبور. أما في جنوب اليمن، فثمة سلطنة لحج ويتولَّى حكمَها عبد الكريم الفضل العبدلي، والشحر والمكلا ويتولاها صالح القعيطي، وحضرموت ويتولَّاها جعفر الكثيري. وفي خليج العرب: سلطنة مسقط وعمان ويتولاها سعيد بن تيمور، ومشيخة دبي وأميرها سعيد بن مكتوم، ومشيخة قطر وأميرها ابن ثاني، ومشيخة البحرين وأميرها حمد آل خليفة، ومشيخة الكويت وأميرها أحمد الجابر، بالإضافة إلى جاوة، وجزر الهند الشرقية، والملايو، وعدد من الإمارات الإسلامية الخاضعة لإنجلترا وهولندا.

وبلغ عددُ المصريين الذين أمضَوا إجازة الصيف في لبنان سبعةَ آلاف شخص. وكتبت مجلة إسلامية أن «المصريين قد انتبهوا أخيرًا إلى قضية فلسطين بعد طول تهادُن.» بعث الفكرة فيهم أبناء الأزهر الشريف، وهم — كما قال شوقي رحمه الله — قطب السياسة المصرية ومحورها منذ دخلها نابليون. وألقى حاييم وايزمان رئيس الوكالة اليهودية العالمية خطابًا في القدس أكَّد فيه أن اليهود يفضلون الاستقلال على قسم من فلسطين، على أن يكونوا أقليةً فيها كلها، «أما الوصول إلى أكثرية يهودية في فلسطين كلها، فهذا لا يمكن التفكير فيه». وظهر البترول — للمرة الأولى — في الكويت، وأعلنت المملكة العربية السعودية عن اكتشاف البترول — بكميات تجارية — في منطقة الأحساء، واتخذت تركيا خطوات فعلية لضم لواء الإسكندرونة السوري، ومات — في العاشر من نوفمبر — مصطفى كمال أتاتورك منشئ تركيا الحديثة، ومات الشاعر الإسلامي إقبال، وتكررت المصادمات — في الهند — بين السنَّة والشيعة، بينما الهندوس يسفكون دماء المسلمين، لا يفرِّقون بين سنِّي وشيعي.

وفي الثلث الأخير من العام، بدأت نذر الحرب العالمية الثانية. آلاف من جنود الاحتياط الفرنسيِّين اتجهوا إلى خط ماجينو ومناطق الحدود. هتلر يُعلن في بساطة: «فليعطِ السيد بنيش الحرية لمقاطعات السوفييت، وإلَّا ذهبنا نحن وأعطيناهم إياها.» وفرنسا وإنجلترا والاتحاد السوفييتي تُهدد بدخول الحرب إذا تعرَّضت تشيكوسلوفاكيا للغزو النازي. وفي العام التالي، بدأت الحرب، واستمرت لأعوام ستة متتالية.

لقد شاهدت نهايات الحرب العالمية الثانية، وخروج قوات الإنجليز من مصر، وانتخابات الأحزاب، ومظاهرات الطلبة ضد السراي والحكومة، وتأثيرات إلغاء معاهدة ١٩٣٦م، ومحاصرة قوات الجيش سراي رأس التين حتى غادر الملك فاروق البلاد مساء السادس والعشرين من يوليو ١٩٥٢م، وكنت مع الواقفين في ميدان المنشية وعبد الناصر يواجه طلقات الرصاص في ١٩٥٤م، ثم وهو يُعلن تأميم القناة في ١٩٥٦م. وعشتُ عدوان ١٩٥٦م، وهزيمة ١٩٦٧م، وانتصار ١٩٧٣م، وصلح ١٩٧٩م.

والأيام تمضي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤