بحري

مع أن الإسكندرية كانت هي الميلاد والطفولة والنشأة، فإني لم أجاوز «الموطن» — في أيام الصبا — إلَّا نادرًا …

الموطن هو منطقة بحري التي تبدأ بما يلي ميدان المنشية، وتتجه إلى ميادينَ وشوارعَ وحوارٍ وعالمِ حياة، في الموازيني، وأبو العباس، والبوصيري، والسيالة، وحلقة السمك، والمسافرخانة، والمغاوري، والحلوجي، والعدوي، وقبو الملاح، والتمرازية، والكورنيش، وسراي رأس التين. سُميت بقسم — أو حي — الجمرك، لوجود أبواب المنطقة الجمركية بها، فضلًا عن العديد من شركات النقل والتوكيلات الملاحية والمستودعات، وعمل عدد كبير من أبناء الحي في الأنشطة المتعلقة بالميناء من نقل وتخزين واستيراد وتصدير وتفريغ للسفن. وثمة فئات يرتبط عملُها بالبحر الذي تُطل عليه المنطقة من ثلاث جهات، كالحمالين والصيادين والبحارة والعاملين في الدائرة الجمركية، ودكاكين بيع أدوات الصيد، وتجار الأدوات البحرية.

تلقيت تعليمي الباكر في كُتَّاب الشيخ أحمد، المجاور لبيتنا. تغيب تفصيلاتُ الذكرى في الأعوام الثلاثة، أو الأربعة التي لم أكن جاوزتها، وإن انثالَت إلى ذاكرتي — فيما يُشبه الأطياف — صورة الشيخ أحمد — هذا هو اسمه — صاحب الكُتَّاب، وعصاه التي لم تُؤذِ أحدًا، والتلاميذ في مثل سنِّي، والبناية القديمة في شارع فرنسا، ردهتها الواسعة في الطابق الأول، تُفضي إلى طابق علوي شغل كُتَّاب الشيخ أحمد إحدى غُرَفه …

قال لي أبي — فيما بعد — (ماتت أمي قبل أن أبلغ العاشرة، فلم تُتَح لنا فرصة أحاديث الصداقة، التي يتبادلها الآباء والأبناء، بعد أن يجاوز الأبناء سِنِي الطفولة): كنتَ كثيرَ الاستئذان من الشيخ أحمد للعودة إلى البيت حتى تأكل فولًا! …

أضاف أبي ضاحكًا: كم كنتَ — وما زلت — تعشق الفول المدمس! …

لكن أبي ما لبث أن نقلنا — واﻟ «نا» تعني شقيقي الأكبر وكاتب هذه الكلمات — إلى روضة مدرسة مصر الفتاة، التي ما تزال — حتى الآن — في موقعها، وإن تغيَّر اسمها، بأول شارع صفر باشا، المُفضي إلى شاطئ الأنفوشي.

كانت شكوى المدرِّسة، فالناظرة (اسمها — فيما أذكر — فاطمة هانم. وكانت تركية في سحنتها وكلماتها وزيِّها، حتى النقاب الأبيض الشهير كانت تحرص على ارتدائه) من تبولنا اللاإرادي — شقيقي وأنا — في الفصل. كنت طفلًا، لكنني ما زلت أذكر حجرة الفئران التي أودعَتني فيها المدرِّسة لحظات، لم أحسَّ بها. انشغلت بصراخ هستيري، دفع المدرِّسة إلى فتح الغرفة. وأذكر الحريق الذي شبَّ — لحظات — أعلى المدرسة، وكانت من طابقين مرتفعين للغاية — بنايات زمان! — واختلط الصراخ والهرج وحالات الإغماء بين فتيات المرحلة الابتدائية. أذكر كذلك — لا أدري لمَ؟ — أظافر المدرِّسة الطويلة المطلية بالمانيكير. ثمة شعور بالنشوة كان يلفُّني وأنا أتأمل أظافرها، عندما تستند بأصابعها إلى الدرج، تحاول تَلْقِيني نشيدًا، أو آيات قرآنية. لا أذكر ملامح وجهها، ولا نبرات صوتها، ولا حتى ما كانت تُوجِّهه لي — أو لنا — من كلمات … لكنني أذكر جيدًا تلك الأظافر التي كانت تبعث في نفسي مشاعرَ مبهمة، وإن انطوَت على لذة مؤكدة!

•••

ظل الدرس الأول في مدرسة البوصيري الأولية — بعد أن نقلني أبي إليها — في بالي طويلًا. طالبنا بألَّا نستجيبَ لإغراء ذبابة، تُعطينا قرشًا لتضعَ المرض في عيوننا. وتمنيتُ — بيني وبين نفسي — أن أُصادف تلك الذبابة، فأُيسِّر لها ما تريد!

والحق أن مدرسة البوصيري استطاعت أن تحفر في ذاكرتي العديدَ من الصور والأحداث، تُعاني التوزع واختلاف درجات الوضوح، وانعدامه أحيانًا، لكنها تركت في داخلي تأثيرات، ما زلت أخضع لها إلى الآن: مدخل المدرسة يُطلُّ على شارع الكناني المتفرع عن اليمين من شارع أبو العباس المرسي، وعن اليسار من شارع الموازيني. أما جزؤها الخلفي فيُطِل على سوق صغيرة تشغي بالحياة (قرأت — فيما بعد — رأيَ لويس عوض في المدارس الأولية، وأنها كانت أقرب إلى كتاتيب القرون الوسطى — الحرية ونقد الحرية ص٤٣ — وهو رأيٌ لا يخلو من عمومية، ومن تعسُّف. أزعم أني أفدتُ جيدًا من مدرسة البوصيري الأولية، ما تلقيته فيها كان هو الأساس الذي أُقيم فوقه كل ما تعلمته بعد ذلك). كان مدرسي جميل أفندي أول مَن تنبه إلى موهبتي الأدبية — أسمح لنفسي بادعاء هذه الصفة — وكان يُعاير بقية التلاميذ بجمال خطي (لأن خواطري — حين أخلو للكتابة — أسرع من تلبية القلم، فقد ضاع جمال الخط الذي كان يعجب به جميل أفندي!) ويثني على موضوعات الإنشاء التي أكتبها، ويطالبني بقراءتها أمام التلاميذ. وكان يناديني — أحيانًا — بالأمير جبريل. حاولت أن أذكر تأثيرًا محددًا لجاد أفندي، مدرِّس الرسم، فلم أُوَفَّق. صورة الرجل في ذاكرتي كأني فارقتُه بالأمس: قامتُه الطويلة، الأقرب إلى النحافة، وبشرتُه السمراء، وطبيعته الهادئة … ذلك كلُّه يرتسم في ذاكرتي جيدًا؛ ربما لأن الرجل كان دائمَ التردد على فصلنا، ولعله كان مشرفًا على الفصل حسب التعبير الذي تعرفه مدارسُنا الآن. الحوار المتبادل — بيني وبينه — في أمر يخصُّني، جرى مرة واحدة، لما أصدرت مجلة بخط اليد، عرضتُها عليه، فضحك لنكتةٍ سأل فيها أحدهم رجلًا أسمر البشرة: أنت سوداني؟ … فقال الأسمر: لأ … أنا حمص!

نكتة ساذجة كما ترى. لكن جاد أفندي ضحك — دون أن يغادر هدوءه المألوف — وقال في حماسة حقيقية: الواد لطفي — كانوا ينادونني أحيانًا باسم أبي — عنده أفكار كويسة!

أما بقية المدرِّسين فقد سقطوا من ذاكرتي تمامًا. لا أذكر إلَّا أنَّ أحدهم كان اسمه عطية أفندي، وآخر اسمه الزنكلوني، وآخرين لا أذكر حتى المواد التي كانوا يُدرِّسونها لنا، وإن كان من المستحيل أن أُهمل التأثير الباطش لعاطف أفندي نافع، ناظر المدرسة، إلى حدِّ أني كرهت الدراسة، وتمنيت الموت. كان قاسيًا بلا مناسبة، ويُعاقب بخيزرانة لا تُفارقه، لمجرد التلعثم في الإجابة — وكان التلعثم بدهيًّا في ظل صوته الزاعق، وعينَيه اللتين يُطل منهما غضبٌ دائم، وعصاه الملوحة أبدًا — وأتصور أن العيب الخلقي الذي كانت تُعانيه قدماه، فهو يستعين على السير بعصا، العصا لليد اليمنى، والخيزرانة لليد اليسرى … ذلك العيب كان له تأثيره المباشر في عدوانيته الواضحة — وكانت مشاداته الكلامية كثيرة مع أولياء الأمور والمدرِّسين، ومع فراش المدرسة أيضًا …

أحببتُ لعبةَ تنس الطاولة، وحققت فيها تفوقًا لا بأس به، فضمَّني جاد أفندي إلى فريق المدرسة، واستطعنا أن نُحرز المركز الأول على مدارس الإسكندرية — وإن اكتفيت بلبس المزيكا، فأنا لم أشارك في أية مباراة — لكننا انشغلنا بالمباريات، فأهملنا المذاكرة. فلما طلب الأستاذ نافع — ذات يوم — أن أتلوَ سورة تبارك، أدركني التعلثم، للخوف أولًا، ولأني لم أكن ذاكرتُها جيدًا.

قال بلهجة متوعدة: انطق!

– نسيتُ حفْظَها.

– لماذا؟

– كنت مشغولًا بمباريات البنج بنج.

تلازمَت صيحةُ الرجل مع خيزرانته التي هوَت على غير موضع محدد: بنج بنج — الجيم معطَّشة — إيه يا ابن الكلب؟!

بعدها، أسقطتُ تنس الطاولة من اهتماماتي، وإن لم أنسَ — في الحقيقة — ذلك الصبي الضامر الذي كان يقود الفريق — أذكر اسمه الأول: عبد العزيز — وكنت أنظر إليه آنذاك كأسطورة أو معجزة، وربما هي نفس نظرتي إليه الآن؛ فقد كان يسحق خصومه — كنت واحدًا منهم! — دون أن يُحرزوا أمامه نقطةً واحدة. وكان بوسعه أن يردَّ الكرة إلى الطاولة من وراء ظهره، وتنبأت له — تنبؤ صبي! — بأن يُحرز بطولة العالم في تنس الطاولة. نال فريق مدرستنا كلَّ جوائز الإسكندرية في تنس الطاولة، وزادت جرأتنا، فشاركنا في مباريات غير رسمية، كنَّا نضمن فيها الجائزة الأولى — ينالها عبد العزيز — ويتشارك بقية أفراد الفريق في الجوائز التالية. ثم انقطع نجمنا عبد العزيز فجأةً (كنت قد اعتزلت قبله بعلقة الناظر)، وذهب زملاؤه للسؤال عن بواعث مرضه، فالتقينا بوالده — وكان صيادًا يُعاني الكبر والفقر — فقال: عبد العزيز لن يعود إلى المدرسة.

– لماذا؟

– لأسباب أسرية.

وكان لغياب «الكابتن» عبد العزيز تأثيرُه المؤكد على تفوُّق الفريق أضعاف ما خلفه اعتزالي. أصبح حصول الزملاء على البطولات الثالثة أو الرابعة مطلبًا غاليًا، ثم عانقوا اليأس، وانصرفوا شيئًا فشيئًا عن المشاركة في المباريات. ثم حل الفريق نفسه.

ويومًا، كنت أمرُّ في أحد أزقَّة بحري. رأيت عبد العزيز على باب دكان نجار، يقلب الغراء الساخن في «الكوز». وعرفت أن الفقر هو الأسباب الأسرية التي حرمت تنس الطاولة من أنبغ لاعبيها.

•••

غادرتُ مدرسة البوصيري دون أن أعرف سرَّ ذلك الضريح الذي كان يُطلُّ على فنائها. لم يكن يتوسط الفناء، أو يشغل جانبًا منه، وإنما شيد في ممر مرتفع نسبيًا، وثمة سور حديدي يفصل بينه — الممر — وفناء المدرسة. أثار فضولي موضعُه، وغموضه المثير، وتحوُّله — في معظم الأحيان — إلى جزء من حركة اللعب بين الأولاد. كانوا يقفون ويجلسون ويلعبون فوقه وحوله، دون أن يشغلَهم الجثمان الذي لا بد أنه كان يرقد تحته.

مَن الميت؟ …

حاولت — بيني وبين نفسي — أن أُجيبَ على السؤال. الغريب أن المحاولة لم تجاوز التكهُّن بالإجابة، وضمَّنت إجابتي روايتي «ياقوت العرش» الجزء الثاني من «رباعية بحري». قلت إن الضريح قد يكون لسيدي الأنفوشي الذي سُمِّيَ الحيُّ العتيقُ باسمه. أما في رواية «قاضي البهار ينزل البحر» فإن الجسد المسجَّى في القبر لشخصية مجهولة، أو غير ذات شأن!

•••

كان البيت الذي قضيت فيه أعوامَ طفولتي وصباي الباكر، يُطل — من جانبه الأيسر — على كورنيش الميناء الشرقية، ومجموعة القهاوي المتقاربة: المطري، وفاروق، وثالثة لا أذكر اسمها الآن، وترام رقم ٤ بين رأس التين ومحرم بك، وتُطل نوافذها الأمامية على شارع إسماعيل صبري، الذي ينتهي إلى أبواب الميناء الغربية. شاهدت — من النافذة المطلَّة عليه — خروج قوات الإنجليز من معسكراتها في رأس التين، والمظاهرات الصاخبة التي كانت تهتف ضد حكومات الأقلية والسراي، وتغنِّي: بلادي بلادي. صفوف متراصة، متشابكة الأيدي، كانت عيناي سريعتَي الاستجابة، تدمعان لها، ومواكب الطرق الصوفية احتفالًا بالمولد النبوي، أو مولد المرسي أبو العباس، وعربات الكارو التي تحمل جهاز العرائس في طريقها من المنشية وشارع فرنسا، إلى الأنفوشي ورأس التين. كلما زاد عدد العربات، زاد إحساس أهل العروس بالزهو، وربما وضعت على عربة واحدة ثلاث أو أربع «حلل»، واحتل «الطشت» — بمفرده — عربة ثانية، والكنبة عربة ثالثة، وهكذا. والنقرزان بلباسه السكندري: السروال الواسع، المنفوخ، الصديري الصغير فوق القميص ذي الكمَّين، يمشي أمام مواكب الزفاف والختان والموالد، يلعب بعصًا طويلة، يتلقاها على جبهته، أو أرنبة أنفه — وكانت فطساء — وربما وضع في نهايتها كوبًا ممتلئًا بالماء، فلا تسقط منه قطرة. ومن خلفه فرقة موسيقية قوامها ثلاثة رجال، أهمهم طبال يُحسن ضبط الإيقاع. الغريب أني طالما التقيتُ بالنقرزان أعوام صباي في شوارع الإسكندرية. فلما سافرت إلى القاهرة تكرر لقائي به أمام قهاويها، وفي شوارعها. وكان عفريت الليل يحمل عصاه المشتعلة، ويتنقل بين مصابيح الغاز، يتولَّى إشعالها الواحد بعد الآخر، نحيل الجسد — لا أذكره ربعةً أو سمينًا! — خطواته أقرب إلى الهرولة؛ فالشوارع كثيرة، وعليه أن يُضيءَ كلَّ الفوانيس قبل أن يحلَّ الظلام. كان الرجل جزءًا من حركة الطريق. لم يستلفت انتباهي، بل لم أفطن لغيابه إلَّا بعد سنوات، عندما تجدَّدت الأحاديث عن «عفريت الليل»، وذلك النداء الذي لم أُردِّده يومًا: عفريت الليل بسبع رجلين! … وثمة النسوة اللائي كنَّ يرتدينَ «التوب» والطرحة، يُنادينَ على بضاعتهن: أقرا الودع، وادق واطاهر! … والمعنى بالنسبة لقراءة الودع واضح. أما الدق فهو دقُّ الوشم على الصدور والأذرع، وبالذات بين الأقباط الذين كانوا يحرصون على وشم باطن الرسغ بعلامة الصليب. وأما الطهارة فإن النسوة كنَّ صنوَ حلاق الصحة في إجرائها، وإن كانت طهارة الحلاق للصبية، أما طهارة النسوة فللفتيات الصغيرات. وأذكر أن امرأة أجرَت عملية الختان لخادمة في حوالي السابعة، كانت تعمل عند جيران الشقة المقابلة، وأصاب الطفلةَ نزيف، لم تملك المرأة إزاءه إلَّا أن تضعَ «غلقها» على رأسها، وتمضي مسرعة. ثم تعالى صوت الإسعاف بعد أن استغاث الجيران بها لإنقاذ الطفلة من الموت نزفًا! … وبالإضافة إلى الأنشطة المعلنة لهؤلاء النسوة، فقد كان لهن أنشطة أخرى، كنت — وأصدقاء مراهقتي — نُفيد منها. كنَّا نمارس ألعابنا في حدائق الشلالات: أولها إسكندراني والاستغماية وعنكب يا عنكب والبلي والنحل والطائرات الورقية. تقترب منَّا إحداهن قائلةً في لهجة إغراء: تتفرج بتعريفة؟ … وتتقاضى التعريفة، وتجلس القرفصاء على بُعد مترين أو أقل، وترفع ثوبها قليلًا، ويتحول الولد إلى عينَين تُطيلان التحديق، ثم يترك مكانه لزميل، وآخر … و«التعريفة» دائمًا تسبق المشاهدة. وتمضي المرأة، ونعود إلى بيوتنا، نحاول استرجاع ما رأيناه في ممارستنا المجنونة للعادة السرية، داخل الأسرَّة، أو في دورات المياه.

أما البلكونة والنوافذ الخلفية، فكانت تُطل على ميدان الخمس فوانيس وجامع سيدي علي تمراز. شهدت في الميدان آخرَ معارك فتوات بحري، تطايرَت فيها كراسٍ، وتناطحَت شوم ونبابيت، وسالَت دماء، وسقط صرعى وجرحى، وشال البوليس الباقين إلى حيث غابوا عن شوارع بحري. وحين بدأتُ في كتابة «رباعية بحري» حاولتُ أن أقدم عالم الفتوات، تعرفت إليه من خلال روايات قديمة لأبي، وقريبة لأبناء بحري الذين عاشوا فترة ما بين الحربين. وكان فتوات نجيب محفوظ دافعًا لأن أكتب عن فتوات الإسكندرية، رغم اختلاف المكان والزمان، وطبيعة الشخصيات، ومهنهم أيضًا! كانت «الفتونة» هي العمل الوحيد الذي مارسه فتوات نجيب محفوظ. عاشوا على البلطجة، وفَرْض الإتاوات، وافتعال المشاجرات، وخوضها لحساب الآخرين، في حين أنه كان لغالبية فتوات الإسكندرية مهنُهم التي تكسَّبوا منها، أما الفتونة فلم تكن سوى هواية، وسيلة لإثبات الشهامة والنخوة والمروءة والجدعنة. وكان عمل فتوات نجيب محفوظ في غيبة من السلطة، شغلهم الهرب والتخفِّي واللواذ بالأماكن النائية. أما فتوات الإسكندرية فقد كان تحدِّي السلطة حرصَهم الأول. وكانت معاركهم في الساحات والميادين وعلى القهاوي، وأعلنوا الاحتقار لمن جعل الفتونة مهنته. وكان أبلغ ما يعتزُّ به حميدو فارس — مثلًا — ورواه الذين فوجئوا بالمشهد، أنه كبس طربوش المحافظ على رأسه، لسبب تصوَّر أنه يمسُّ كرامته. وأفدت من الحادثة في روايتي «الأسوار»، بيومي الدكر الذي كبس طربوش مدير المديرية على رأسه. وروى لي أبي كذلك، الكثيرَ عن فتوات الإسكندرية. غالبيتهم — أو أكثرهم شهرة — من بحري؛ حيث قضيت طفولتي وصباي: حميدو فارس وأبو خطوة والسكران، وغيرهم ممن تغيرَت بغيابهم في أعقاب الحرب العالمية الثانية صورة الحياة في الإسكندرية، وبالذات في أحيائها الوطنية.

•••

كنت أتابع — من النافذة الخلفية أيضًا — خطبة الجمعة التي يُلقيها الشيخ عبد الحفيظ، أشهر خطباء الإسكندرية وقتذاك. وكان المصلون يَفِدون إليه من كل أنحاء الإسكندرية، ومن المدن القريبة مثل كفر الدوار ودمنهور؛ لأن الرجل كان يتناول في خُطَبه موضوعاتٍ سياسية، تعيب على الملك فسادَه، وعلى الحكومة سوءَ إدارتها، وتأخذ على المجتمعِ كلِّه أنه يتجه إلى الهاوية. وقد توضَّح عمقُ تأثير الشيخ عبد الحفيظ في أداء الملك فاروق صلاة الجمعة مرتين أو ثلاثًا في جامع سيدي علي تمراز. وكما روى أبناء الحي، فقد خلع الملك على الشيخ عبد الحفيظ بُردة، وعانقه بعد أداء الصلاة … لكن الرجل لم يغيِّر لهجته الرافضة العنيفة المتوعدة …

وأقبل الناس — ذات جمعة — ليُفاجَئوا بأن الشيخ قد نُقل إلى مسجد القائد إبراهيم في ميدان محطة الرمل. ولم تتغيَّر هناك طبيعة الخطب التي كان يُلقيها الرجل. وشكَت القنصلية البريطانية — القريبة من المسجد — أن المصلين يفترشون ساحةَ القنصلية، ومارسَت السلطات ضغطًا على الرجل، آثر معه أن يسافر إلى السعودية، ولم أَعُد أسمع — أو يسمع عنه أحد — شيئًا.

أما ميدان «الخمس فوانيس» فقد كان أهم ما يميزه سوق العيد الذي يمتدُّ طيلةَ شهر رمضان، وعيدَي الفطر والأضحى. كنت — وإخوتي — لا نملُّ الوقوف في البلكونة المطلَّة على الميدان. نشاهد المراجيح وألعاب النشان والحظ والقوة وباعة الحلوى والبالونات، تمضي الساعات بنا ونحن في أماكننا، لا نمل. بانوراما الحياة في سوق العيد متجددة التفصيلات، ربح وخسارة ونقاش وفصال ومشادات كلامية وبالأيدي. وشهدتُ في طفولتي القرداتي والسقا والكواليني والسنان الجوال ونبوت الغفير والعهد الذهبي لعربات الحانطور والكارو، وطوابير التاكسي — في انتظار الزبائن — على نواصي الشوارع، واستمعت إلى التعبيرات والأمثال المغسولة بمياه البحر، وإلى نداءات الباعة المنغَّمة والمنظومة الكلمات. وأشهد لو أن عمَّ محمد الفكهاني ذي العربة الصغيرة المجاورة لجامع علي تمراز، والذي كانت تُطلُّ عليه نوافذ بيتنا الخلفية، لو أنه اختار في الحياة سبيلًا آخر، فأغلب الظن أنه كان سيصبح مطربًا. لا أستطيع أن أصنِّف صوته، أو أتحدَّث عن أبعاده ومقاماته ودرجاته ومدى عذوبته. يقصر وَعْيِي القاصر — آنذاك — عن تلمُّس ذلك أو مناقشته أو القطع فيه برأيٍ … لكن ما أذكره أن صوتَ عمِّ محمد الفكهاني كان يُطربني للغاية. وكنت أتعمد الجلوس في الغرفة البحرية المطلة على الشارع الخلفي، لأتابع نداءات عم محمد التي يُجيد انتقاء كلماتها، وإلباسها ثوبًا من العذوبة اللحنية والصوتية.

وأذكر أني ترددتُ — وإخوتي — كثيرًا على سرادق أحمد المسيري بشارع التتويج. لا أذكرُ المناسبات التي كان يُقيم فيها سرادقَه، لكنها — بالتأكيد — كانت كثيرةً، أهمُّها عيدَا الفطر والأضحى. يبدأ الحفل بأغنية عبد الوهاب الشهيرة: ياللي زرعتوا البرتقان … يالله اجمعوه … آن الأوان … وينتهي بالأغنية نفسها. ويشارك في أدائها كلُّ أفراد الفرقة. أما فقرات الحفل فقد أهملَتها الذاكرة تمامًا. لا أذكر منها سوى أغنيات ورقصات واسكتشات غائبة الملامح، وبلا تفصيلات.

والحق أن الفرق الفنية كانت معلمًا مهمًّا في بحري، بدءًا بسرادق المسيري، وانتهاءً بقهوة العوالم في نهاية شارع إسماعيل صبري، مرورًا بالعشرات من الفرق الفنية.

•••

كنت أتعرَّف إلى الجياد الملكية من وَقْع خطواتها، قادمةً من، أو متجهةً إلى، سراي رأس التين. خطوات منتظمة، تذكِّرني بها — الآن — موسيقى الصورة الغنائية «نزهة»: تك تك تك … تك تك تك … دول جوز الخيل والعربية … أنغامهم كلها حنية! … أما سيارات السراي فقد كنَّا نتعرف إليها باللون الأحمر الذي اقتصر عليها، فلا يؤذن لغيرها بذلك اللون. وعرفت — فيما بعد — أن الملك فاروق أمر باللون الأحمر طلاءً لسياراته، حتى يسهل على رجال البوليس معرفتها، فلا يحاولون إيقافها وهي تنطلق — بسرعتها المجنونة — في طريق الكورنيش.

•••

تبقى ملاحظة يهمُّني أن أُشير إليها: أني أحبُّ التعرف إلى حياة الشعوب من خلال ما أقرؤه من قصص وروايات، أو أشاهده من أعمال درامية، فإن أُتيح لي زيارة بلد ما، استدعيتُ إلى الذهن ما كنت قرأتُه أو شاهدته. هوايتي تغيب — بالطبع — في بحري، الحي الذي نشأتُ فيه، وأستلهم منه معظم كتاباتي، وإن كنت أشاهد الأفلام التي تعرض — أحيانًا — للحياة في الأنفوشي، وتطرح المقارنة نفسها، بين الواقع الذي أحياه ومشاهد أفلام السينما: لا يخلو أيُّ فيلم عن بحري من بار وراقصة. فتشتُ الحيَّ بحثًا عن أيِّ بار، فلم أجد، وأرجعتُ ذلك إلى حرص السينما على اجتذاب المشاهد بالإكثار من التوابل المستوردة! …

أيووووه، ونحبووووه، ونضربووووه، وغيرها من الكلمات التي تحاول محاكاةَ لهجة أبناء بحري، تبدو غريبةً لأبناء بحري أنفسهم؛ فهم لا يتحدثون بهذه اللهجة على الإطلاق، وإن كانوا يُدخلون «النون» في لهجتهم، بحيث يُنسب الفعل إلى الجماعة. عبَّرت الأعمال الفنية والأدبية عن الواقع الأوروبي والأمريكي: دي سيكا وإيطاليا، فوكنر والجنوب الأمريكي، ديستويفسكي والحياة الروسية، لوركا وإسبانيا ما قبل فرانكو، كازان وشتاينبك والطبقات الأدنى في المجتمع الأمريكي … إلخ. لكن ذلك ما نفتقده في أفلامنا العربية — المثل أوضحته — لحرص غريب على إضافة تلك التوابل التي لا تستهدف الواقع بقدر ما يهمُّها تملُّق مشاعر المتلقِّي!

وإذا كانت مقولةُ الفن تؤكد أن العمل الفني لا يحتمل الواقع في إطلاقه، فإن مقولة المعايشة تؤكد أن العمل الفني قد يُسيء إلى الواقع، بهدف ينأَى عن الواقع والعمل الفني معًا.

•••

العلاقات بين أبناء البيت الواحد، والشارع الواحد، والحي الواحد، تختلف — في مطالع الأربعينيات — عن الصورة القائمة الآن. المثل الذي كان يلجأ إليه آباؤنا في لحظات خصامهم مع الجيران والأقربين: صباح الخير يا جاري … إنت ف حالك وانا ف حالي … هذا المثل الذي لم يكن — في أغلب الأحوال — سوى أمنية، يفرضها خصامٌ طارئ، أصبح الصورةَ المألوفة في حياتنا المصرية، وفي المدن الكبيرة على وجه التحديد.

وعندما أتذكر كيف كان يحيا بيتُنا وشارعنا — المنزل رقم ٥٤، والشارع إسماعيل صبري — في مطالع الأربعينيات، فإن الصلة تكاد تَسِم الجميع — سكان البيت والحي، موظفيه وتجَّاره وحرفيِّيه وباعته الجائلين — بما يُشبه رباط العائلة الواحدة، أو الأصدقاء الحميمين في أقل تقدير.

كان أبي ذو المكانة الاجتماعية المتفوقة، والثقافة التي ترتفع — بالطبع — عن ثقافة عم محمد الفكهاني؛ صديقًا حميمًا للرجل، يقضي غالبيةَ فراغ وقته في الجلوس إليه، وتبادُل الأحاديث التي تتناول أمورًا شتى. وكنت وشقيقي نتشارك مع فتحي، ابن عم محمد، فيما كنَّا نُسمِّيه «الغدِّيوة»: نُحضر طعامًا من بيتنا، ويفعل فتحي الشيء نفسه، ونفرش «المائدة» تحت مقدمة عربة عم محمد. وعلى الرغم من الاحترام الذي كان يحظَى به أبي بين جيرانه — لاعتبارات الوظيفة، وأنه كان الوحيد الذي يحمل في يده صحفًا أجنبية — فإن شعور العائلة الواحدة كان يلفُّ الجميع. حتى الشجار — ولم تكن الحياة في شارعنا تخلو منه — كان أشبهَ بسُحُب طارئة، تُبدِّدها دعابة، أو نكتة، أو تدخُّلٌ من الأصدقاء. وفي المرة التي تصور فيها جار الطابق الثاني، أن لبعض سكان الشارع من الحرفيِّين صلةً بمداعبات الأطفال الثقيلة لنجله الغالي — وكان يعاني البله — فاجأهم بسيل من الشتائم المنتقاة. وبعكس المتوقع، قابل أصحاب الدكاكين شتائم الرجل بابتسامات وقهقهات، وتجمَّعوا أمام دكان الرويعي الترزي، يُردِّدون على إيقاع التصفيق: العوض على الله … الراجل اتجن! … الراجل اتجن! … وواجه الرجلُ الأمرَ بغضب في البداية، ثم شاركهم — بتأثير ابتساماتهم المحرِّضة — التصفيق والترديد: العوض على الله … الراجل اتجن!

أذكر من بين المعالم الإنسانية لبيتنا وشارعنا، وهؤلاء الذين كانوا يَفِدون من الحي، فيتركون تأثيراتٍ دائمةً أو طارئة: رشاد الحلاق، دكانه أسفل بيتنا، وشقته أعلى سطح البيت المقابل. كان هادئًا وطيبًا بلا حدود، شاغله الأول أن يكون له ولد، وأسلمت الزوجةُ نفسَها لعلاج الأطباء والوصفات الشعبية، حتى علا — في النهاية — صراخُ المولود المرتقب. لكن الطفل رحل قبل أن يبلغ العام. بدا لي الموتُ مأساةً قاسية، وأنا أشاهد الرجل من نافذة بيتنا، يجهش بالبكاء، ويلطم وجهه، ويعض أصبعه، ويرفض — في إصرار — محاولات الرجال بأن ينهض من الأرض التي افترشها، فلا يغادر مكانه. أما محمود أفندي الموظف بوزارة الداخلية، والذي كان يسكن الشقة الموازية لشقتنا في البيت المقابل — جسد ضئيل، وياقة منشاة، ومذبَّة، وطربوش معتدل الزر، وخطوات ثابتة — فقد تركَت وفاتُه في نفسي تأثيرًا صاخبًا، لم أُفلح — أعترف — في تجاوزه حتى الآن. حان موعد بدء الجنازة، فأدرك الحانوتي صعوبةَ الهبوط بالنعش — لضيق السلَّم — من الطابق الثالث. وحمل الجثةَ رجلان، هبطَا بها إلى الطابق الأرضي، فأوسداها النعش، ومضَت الجنازة. كانت تلك أول مرة أشاهد فيها ميتًا التفَّ بكفنه. بدا لي ما رأيت — داخل خيمة البكاء والصراخ والصوات — حزينًا ومقبضًا. صارحت شقيقي الأكبر بمشاعري، فتعمَّد — من يومها — أن يُخيفَني بالجار الراحل، فهو يهتف أثناء جلستي الهادئة مع لعبي: محمود أفندي! … وأترك ما بيدي، وأجري نحو أمي حيث تكون، فألوذ بحضنها.

وإلى الآن، فإن مشهد الموت مما لا أقوى على الوقوف أمامه. أكتفي بتشييع جنازة الميت — أيًّا كانت صلتي به — إلى المسجد، فأقدِّم العزاء، أو أتقبَّل العزاء. أما السعي إلى المقابر، ومتابعة خطوات الدفن، فذلك ما لا تقوى نفسي الضعيفة عليه.

حاولت — يومًا — أن أُعالجَ الداء — كما دعا أبو نواس — فلم أُفارق جنازة الشاعر الكبير الراحل عبد الرحمن شكري، حتى غيبوا الجثمان داخل القبر. عدتُ إلى البيت، فلم أَنَم ثلاثة أيام، وظل الخوف يطاردني لأيام طويلة تالية. كنت أرى الجثمان المكفَّن ممدَّدًا في السرير جواري، فأهبُّ فزعًا، وألمحه في حنية السلَّم أثناء عودتي إلى البيت، وأتخيله مقبلًا ناحيتي أثناء جلوسي — بمفردي — في الشقة. ثم بهتت التأثيرات، وإن ظلت في داخلي كالعقدة التي يصعب حلُّها.

أما الدكتور مردروس، فهو طبيب من أرمينيا (جاء الأرمن إلى مصر في أعقاب الغزو العثماني. وبديهيٌّ أن الدكتور مردروس كان حفيدًا لواحد من هؤلاء الذين أتَوا في مراحل شتى من الوجود العثماني في مصر). عيادته في الطابق الأول من بيتنا. كان سيد — تومرجي العيادة — يدعو أطفال البيت للعب معه، وتتواصل ألعابنا في غرف العيادة، نمثِّل غارة جوية — وكانت الحرب العالمية الثانية تدنو من نهاياتها — ونلعب الاستغماية وصلح وأولها اسكندراني. وينقضي الوقت، فنُفيق على صوت جرس الباب. كنَّا نخاف الطبيب في البداية. فلما اقتصر ردُّ الفعل على وقوفه بالباب، يراقب انصرافنا الهادئ المتخاذل، تجدَّدت ألعابنا في العيادة …

مرة وحيدة، واجهنا — شقيقي وأنا — عقابَ الدكتور مردروس. أغلقنا عليه باب الشقة من الخارج — شقاوة عيال! — فلما أفلح في فك الحصار، جرى خلفنا بما أوسعَته شيخوخته، وكنَّا نسبقه بخطوات فزعة، إلى حيث كانت أمي جالسةً في صالة الشقة، فارتمينا في حضنها، وبللُ الخوف يغطِّي ثيابنا.

أُصارحك بأنَّ فهمي لمعنى الأمومة يعود إلى تلك اللحظة القاسية الباهرة في آنٍ. تحوَّلت أمي إلى قطة تدافع عن صغارها، تلاحقَت من فمها — دون أن تُدرك ما حدث — عباراتٌ قاسية، تلوم الجار الذي لم يرعَ حقوق الجيرة. وعاد الرجل إلى عيادته دون أن تكتمل على شفتيه كلمةٌ واحدة توضح ما فعلناه. ثم غاب الدكتور مردروس — فيما بعد — عن بيتنا. سافر في إجازة صيف، فلم يَعُد.

•••

الصورة التي أتخيَّلُها الآن، أن شقتنا كانت تتوسط، من أعلى وأسفل، خمسَ شقق، تسكن إحداها أسرةُ عبده فرج الصبروتي، مهنته الأساسية بناء العمارات وبيعها. وكنت وعادل الصبروتي من مواليد عام واحد، فهو إذن سببٌ كافٍ لصداقة الطفولة، فضلًا عن أنه كان — من يومه — ذا شخصية متميزة، فهو — بلغة المذاكرة — «موس» لا ينادي على اللعب قبل أن يُتمَّ واجباته، ويميل في ألعابه إلى الهدوء، وربما إلى الجديَّة، ويهبك إحساسًا دافقًا بالأخوة، وما تزال صداقتي لعادل الصبروتي، حتى بعد أن انتقلت أسرتُه إلى بيت آخر، وبعد أن كبرنا، والتحق بعمل وتزوج وأنجب أبناء. لا أكتمك أن عادل الصبروتي هو صورة طفولتي. أتذكَّره إذا تذكَّرت الأيام اللاهية: اللعب تحت الأسرَّة، أو في السطح، وعلى السلالم، مباريات كرة الشراب في الشارع الخلفي، مشاهدة السفن الضخمة في الميناء الغربية، المذاكرة داخل صحن جامع أبي العباس، متابعة صيَّادي السنارة والطراحة والجرافة في الميناء الشرقية، التسلِّي بالبلي والنحل وطائرات الورق في الساحات الخالية والأزقة، التهام أطباق المكرونة أم تعريفة من عربة عم مصطفى أول شارع المسافرخانة، النظر — من بعد — إلى الحياة المتفردة لطلاب المعهد الديني، التعليقات المعجبة بأفلام زورو وطرزان في سينما رأس التين، ملاحظة فتح وإغلاق محطة البنزين الصغيرة المقابلة لبيتنا، إذا بدا عم أحمد الخردواتي — كان يجمع بين التجارتين — على باب الدكان، عرفنا من تعليقات آبائنا، بوفرة الأفيون، وإذا ظل المكان مغلقًا، فلا بد أن الرجل يعاني مرض الحاجة إلى المخدِّر.

وأما رائف — وأستأذنك في أن أكتفيَ باسمه الأول — فقد كان يُقيم في شقة بالطابق الأول — الطابق شقتان — وكان ذا شخصية باهتة. لا أذكر أنه شاركنا لعبًا ولا جدًّا. وكان يختفي من حياتنا، ويظهر، فيشكو أمَّه التي تخشى عليه النسمة — فهو وحيدها — وأباه الذي لا يملُّ التردُّدَ على المدرسة، ليوصيَ به، فيُعايره التلاميذ بالكوسة التي لن تنفع خائبًا. ذكرى رائف ترتبط بمراهقتي. بالتحديد: تلك الأيام التي يتعرف فيها الصبي إلى جواب السؤال: كيف يمارس قِطَّا البيت علاقتَهما الجنسية، دون أن يُتاحَ لهما معرفةُ طبيعة العلاقة أصلًا؟ … فهو يتنبَّه — بوسيلةٍ ما — إلى بلوغه، وإلى الهاجس الغريب في داخله، يطلب اللذة والسكينة. وتتحرك أصابعه — غريزيًّا — بالعادة السرية، فتبدو عالمًا بهيجًا، يعاود الدخولَ إليه مرات ومرات. وصارحت الولد باكتشافي، فأبدى فضولًا للمعرفة — لم يكن قد أدرك البلوغ بعد — فرفضت، وإن توقَّدت سعادتي لأني أمارس ما يعجز عنه آخرون. ثم اختفى رائف من حياتي، فلا أراه إلَّا مصادفة. خوف الأم على الصبي من فساد البنات، أو السير في طريق خاطئة — تناثرت همسات بجنوح نوازعه الجنسية — دفعها إلى تحديد خطواته بين البيت والمدرسة، وذوَت صداقتنا الطارئة — بالإهمال، وبالبعد عن العين — وشغلَتني عنه، فيما بعد، صداقاتٌ جديدة، وثابتة.

•••

كان البحر يُطلُّ على بيتنا من ثلاث جهات. ثمة — على اليسار — الميناء الشرقية، التي تبدأ بالسلسلة، وتنتهي بقلعة قايتباي، وفي مدى الأفق، من نوافذه الخلفية، شاطئ الأنفوشي الذي يتجه إلى سراي رأس التين. أما الجانب الأيمن، فيُطل على الميناء الغربية، بدءًا بباب نمرة واحد — وكم تسللنا إليه: عادل الصبروتي وأنا، نتطلع للبواخر الضخمة الراسية فيه — إلى حيث لا أدري من الأرقام.

أستطيع القول إني أفدتُ من هذه البيئة السخية، ليس على المستوى العاطفي أو الوجداني فحسب، وإنما على مستوى الحياة اليومية، والتعامل في واقع، والإفادة من خبرات. حرصت على أن يكون البحر، والأنفوشي، في أغلب الأحيان، ولعل الحرص كان من جانبهما أيضًا! مرادفًا لغالبية ما كتبت.

بيئة الأنفوشي، أو رأس التين، أو السيالة، أو بحري — رغم اختلاف التسميات — تعني شبهَ جزيرة من شبه جزيرة الإسكندرية، بيئة لها خصوصيتها المتميزة، واختلافها لا عن بقية أحياء الإسكندرية الأخرى فحسب، وإنما عن البيئات المصرية جميعًا. الموظفين العاملين في الميناء، وضباط البحرية في المناطق التي تلي ميدان أبي العباس في الطريق إلى المنشية، وعساكر السواحل والحرفيِّين والصيادين وغازلي الشباك وصناع السفن في السيالة وما حولها، إلى سراي رأس التين.

ومع أن الوصول إلى شاطئ الأنفوشي، وشوارع السيالة وحواريها وأزقَّتها إلى رأس التين، كان يستلزم مشوارًا — في الأقل بالنسبة لمن لم يجاوزوا مرحلة الصبا آنذاك مثلي — فإني كنت أجد متعةً حقيقية في الوقوف على شاطئ الأنفوشي، ومتابعة عمليات الصيد، وصناعة البلانسات والمراكب الصغيرة، والتعرف إلى العلاقات السوية والبسيطة والمشبوهة، والصلة بين دنيانا التي نحياها، وتلك التي تشغي بالأولياء والجان والأرواح وتوقعات الغيب. وإذا كان تعرُّفي إلى الحياة المتميزة قد انعكس في العديد من أعمالي: الأسوار، وإمام آخر الزمان، والصهبة، وقاضي البهار ينزل البحر، وعشرات القصص القصيرة، فإن صور الحياة في بحري — ماضيه القريب تحديدًا — تلح في أن تكون نبض أعمال أخرى تالية.

أتاحَت لي الظروف أن أسافر خارج مصر، أتعرَّف إلى نماذج تتباين إلى حدِّ التضاد، وأفدتُ من ذلك كلِّه بصورة وبأخرى، لكن «بحري» يظل هو السيد في كلِّ ما أطمح إلى كتابته، وفيما انتهيتُ من كتابته فعلًا، وكما قلت لك، فإن خصوصية الحياة في المنطقة التي تبدأ بانحناءة الطريق من نقطة الأنفوشي إلى انحناءة الطريق في سراي رأس التين، وهبَتني تجاربَ ورؤًى وخبرات، لم ألتقِ بها في مكان آخر.

روى لي صديقي نجيب بن عياد في جلسة سمر بمدينة المينستير التونسية، عن نماذجَ أتاحَت له أيام الدراسة في باريس أن يتعرف إليها — أفدت منها في روايتي «إمام آخر الزمان» — لكنَّ الشخصيات التي قضيتُ معها سِنِي الطفولة والصِّبا في الأنفوشي — وبحري عامة — جزءٌ من حياة بانورامية، كانت أشدَّ ثراءً وتباينًا في التعبير عن الطبيعة البشرية، الغريبة والمحيرة. وأذكر هنا شخصيَّتَي «أنسية» و«حمادة بك» في «رباعية بحري» التي استغرقَت مني كتابتُها أعوامًا. فبالإضافة إلى دلالتهما الاجتماعية والنفسية، فإنهما تعبيرٌ فعليٌّ عن نماذج التقيت بها في أيام الأنفوشي، وتعرَّفت إليها بصورة مباشرة.

•••

صارحني صديق: يبدو أنك أشفقت من أن يغيب الأنفوشي عن أحد أعمالك، فأدخلته — قسرًا — في «إمام آخر الزمان»؟.

مع أن الإسكندرية — وبحري خاصة — عشقي الدائم، وطرف خيط الزمان والمكان فيما أحاول من إبداعات، فإن غياب علي عبد الحسين ورفاقه في الفصل قبل الأخير في «إمام آخر الزمان»، هؤلاء الذين لا يَعْنينا أسماؤهم بقدر ما يعنينا تواصل حلقات القهر والديكتاتورية. غياب علي عبد الحسين ورفاقه، أتاح السبيل لظهور فكر آخر جديد، يناقش الأمور من زواياها المناقضة. الإمام — في نظر أصحاب ذلك الفكر — لا يرمز إليه بعلامة «×» لكنه بداية وتطبيق ونهاية. أن يكون له اسمه، ومكانه، وزمانه أيضًا. كان الاسم ضرورة. لم يَعُد الإمام فحسب. وكان ذكر المكان والزمان ضرورة. ومثلما فرض اسمُ حسن الحفناوي نفسه، فقد فرض حي بحري نفسه كذلك مكانًا وزمانًا لأحداث الفصل الأخير في «إمام آخر الزمان». بحري هو الاختيار الطبيعي. أعرف ناسه ومساجده وبيوته وميادينه وشوارعه وأزقَّته. أستدعي الذاكرة، فترتسم بانوراما المكان بكل أبعادها …

في إحدى قصصه القصيرة، اعتذر بلزاك لقارئه أنه أسرف في وصف الشارع الذي جرَت فيه أحداث القصة، لسبب بسيط: أن ذلك الشارع هو الذي وُلد فيه بلزاك ونشأ … وأعتقد أن هذا هو الشعور نفسه الذي أكتب من خلاله الكثير من أعمالي.

أنا لا أستطيع أن أتصور شخصياتي إلَّا — نادرًا — في غير تلك المنطقة التي تبدأ بسراي رأس التين، وتنتهي بنهاية شارع الميدان. عالم يفرض نفسه في كل ما أكتب. وكما قلت لك، فقد فوجئت في آخر رواية «إمام …» بأن الإمام له اسمه، وللأماكن أسماؤها. جرَت أحداث الفصل في السيالة، بعكس بقية فصول الرواية التي جرت أحداثها في أماكن أخرى، فغاب اسم الإمام، وغابت أسماء الأماكن. والمكان الوحيد الذي أسهب القلم في وصفه في «الأسوار» هو شاطئ الأنفوشي. وأحيانًا، فإني بعد أن أضع نقطة النهاية لقصة قصيرة، أكتشف أن أحداثها تدور في ذلك البيت الذي يُطل على شارعَي إسماعيل صبري ورأس التين، ويُطل — من الخلف — على جامع سيدي علي تمراز. إنه البيت الذي قضيتُ فيه طفولتي وصباي. ولعل ابتعادي عن الإسكندرية، وإقامتي في القاهرة حيث أعمل، ثم سفري إلى منطقة الخليج في رحلة عمل استغرقَت تسع سنوات … لعل ذلك الابتعاد كان محرِّكًا لمشاعر الحنين التي أصبحت نافذة، تُطل منها غالبية أعمالي.

أحيا خارج مصر، أو في القاهرة، فتحيا في مخيلتي شوارعُ وحوارٍ ومساجدُ وبنايات الإسكندرية. أشعر بالحنين — والحب أيضًا — لمجرد أني أكتب اسم شارع ما، أو أجلس بالخيال على قهوة، أو أتعرف إلى أيِّ شيء ينتسب للإسكندرية، وحيِّ بحري على وجه التحديد. أضيف: إني كنت — وما زلت — أُشفق على أبناء الأنفوشي والسيالة ورأس التين، وبالذات تلك البيوت المتساندة التي إذا تهدَّم أحدها، فإنه ما يلبث أن يجرَّ وراءه بيوتًا ملاصقة. مع ذلك، فإن الشعور بالأسى يغمرني كلما تبدَّلت صورة المكان، وتأكدت سطوة المعاول والبلدوزروات والعمارات العالية والطابع الأوروبي. وحين أخطو في شوارعَ وحوارٍ وأزقَّة دنياي القديمة — ما أُفلح في النجاة من معاول المدنية! — فإني أخطو في الأماكن نفسها التي سار فيها من قبل آبائي وأساتذتي: عبد الله النديم، وسيد درويش، وسلامة حجازي، وكامل الحريري، وأحمد الليثي، ومحمود عيسى، وزكي مراد، ومحمود سعيد، وبيرم التونسي، وبيكار، وعشرات غيرهم، جلسوا في شاطئ الأنفوشي، وعلى قهاوي السيالة ورأس التين، صلوا في أبي العباس والبوصيري وياقوت العرش ونصر الدين والبوصيري وعلي تمراز، شاهدوا الجلوات والموالد، وشاركوا الأذكار، تحسَّبوا للنوات، اشترَوا «الشروات» من حلقة السمك، تطلَّعوا إلى قلعة قايتباي ومباني السلسلة والبواخر الضخمة في الميناء الغربية.

•••

أنا لا أطمح أن يصبح «بحري» في أعمالي، مثلما أصبحَت قرية «ماكوندو» في روايات جابرييل جارثيا ماركيث. موهبتي لا تُقارَن بموهبة ماركيث، لكن بحري يتميز عن ماكوندو أنه واقع وليس خيالًا، وإن تدخَّل الخيال أحيانًا كثيرة — وهذا بدهي! — فأعاد تقديم الواقع في إطار الفن. وأذكر أني كنت أُقبِل على كتابة رواياتي: أبو العباس، ياقوت العرش، البوصيري، علي تمراز، لا باعتبارها قصصًا لها مقومات القصة القصيرة، بل ولا حتى باعتبارها فصولًا في رواية، وإنما باعتبارها «تقارير» عن الحياة في بحري، في الفترة من نهايات الحرب العالمية الثانية إلى قيام ثورة يوليو. كان شاغلي — أحيانًا — تسجيل القيم والعادات والتقاليد، من خلال الشخصيات التي عرفتها — أو أخرى شبيهة لها — عن قرب، أعوام طفولتي وصباي. مع ذلك، فإن دافع كتابة «التقارير» لم يكن إجراءَ مسح اجتماعي، بقدر ما عنيتُ بتضفير الحقائق الموضوعية بالقيمة الجمالية. ولم يكن ذلك أمرًا يسيرًا. حرصت على تقديم صورة الحياة في بحري، عندما كان للحياة تميُّزها الذي تختلف به عن بيئات أخرى في الإسكندرية، ومدن مصر، لكني حرصت — في الوقت نفسه — على «الفن في القصة» باعتبارها كذلك، وإلَّا لكتبت دراسة سوسيولوجية!

ولعله يجدر بي أن أردَّ الفضل لذويه، فأعترف أني أفدت — بغير حدٍّ — من الخطط المصغرة — هل هذا هو التعبير الأدق؟ — التي أَلِفها الراحل خليل السيد سليمان، الموظف السابق بالسكة الحديد. أنهاها في ١٩٦٩م، ومات في العام التالي. بالتحديد في ٣ أبريل ١٩٧٠م. لم أرَ الرجل ولا التقيتُ به حتى مات. عندما بدأت في كتابة الروايات الأربع. أهداني صديقي الشاعر الراحل عبد الله أبو رواش خططَ خليل سليمان. كان الرجل قد أودعها لديه، ومات. وتصوَّر أبو رواش أني ربما أفدت منها في الرباعية، وهو ما تحقق بالفعل. تعرَّفت — في الخطط — إلى بانورامية الميادين والشوارع والحواري والأزقة في بحري. لا أدري بواعث كتابة خليل سليمان لخططه، وهل كان يُزجي فراغ الوقت، أو أنه عُنيَ بجغرافية المنطقة لدراسات كان يُعدُّها؟

أفدت من جهد الرجل، وإن لم أتعرَّف إليه شخصيًّا.

•••

يشغلني السؤال: لماذا بحري — دائمًا — هو صورة الإسكندرية؟ … بنات بحري واحدة من أجمل لوحات فناننا العظيم محمود سعيد، المطربة هدى سلطان تغنِّي: من بحري وبنحبوه. وإذا كان الفيلم عن البيئة الشعبية السكندرية، فإن أحداثه لا بد أن تدور في السيالة ورأس التين، وربما انتقلت إلى الميناء الغربية (ميناء الإسكندرية) ومحطة الركاب. حتى الأفلام التي تحاول إقناعك بأنها في الإسكندرية، تكتفي بتصوير المراكب الصغيرة المتناثرة في يسار الميناء الشرقية، بالقرب من نقطة الأنفوشي. المكس والورديان والقباري وغربال وكرموز والباب الجديد وغيرها من أحياء الإسكندرية الوطنية، غائبة — أو تكاد — في صورة المدينة. قد يأتي ميدان محطة الرمل في لفتة عابرة، وربما مست الكاميرا شاطئ الكورنيش، لكن بحري — في الأعم — هو الصورة الوحيدة للإسكندرية، الإسكندرية الحقيقية، إسكندرية ناسها الذين وُلدوا وعاشوا حياتَهم فيها. ربما يمرُّ عام أو اثنان، فلا يفكر أيٌّ من أبناء الحي في مجاوزة المدينة إلى شواطئ التصييف، بدءًا بالشاطبي إلى المعمورة. إنها إسكندرية الأولياء والصيد والتصدير والاستيراد والشحن والتفريغ والتجارة والتصنيع. تقاليد البحر هي التي تحكم العلاقات، وتُسيطر عليها.

بحري يتسم بشخصية خاصة، مذاق مختلف، بيئة مغايرة، فيبدو ملمحًا متميزًا، وإن كان أكثر تعبيرًا عن البيئة الساحلية في عمومها. ثمة الصيادون الذين يمثِّلون قطاعًا رئيسًا بين أبناء الحي (تأمل هذه الشياخات: السيالة، رأس التين، الصيادين، سوق السمك). حتى الزي التقليدي: اللاسة والصديري والسروال الفضفاض الطويل، تلتقي به في بحري، وربما في أبي قير — بيئة صيادين كذلك — وثمة عساكر السواحل والعاملون في الميناء الغربية، والذين يُعَد «البحر» محورَ حياتهم وهمومهم اليومية. وهناك شاطئ الأنفوشي الذي يتَّسم بشعبية خالصة، تختلف — بصورة مؤكدة — عمَّا نراه في شواطئ الإسكندرية الأخرى. وإذا كان بوسع الرجال أن ينزلوا البحر بالمايوهات العادية، فإن الفتيات والنساء يصعب إلَّا أن يستحمِمْنَ بثيابهن المنزلية. ومن المستحب أن يكون ذلك في الصباح الباكر، حتى لا تقع عليهن عين (أصارحك بأن هذه الثياب — عندما تبتلُّ بالمياه — تبدو في التصاقها بالجسد أشدَّ إثارة من المايوه!)

أما المرسي أبو العباس، سلطان الإسكندرية وحاميها، فإنه الرمز للإسكندرية كلها: إقروا الفاتحة لابو العباس … يااسكندرية يا أجدع ناس … الزفاف يظلُّ ناقصًا ما لم تسبقه جولةٌ للعروسين وأصدقائهما حول الميدان المواجه للجامع سبع مرات، وكرامات السلطان في حوائج الغلابة والمنكسرين من أبناء الإسكندرية والمدن المجاورة، لا تقلُّ عمَّا يعتقده أبناء القاهرة — والمترددون عليها — في أم العواجز وزين شباب أهل الجنة والشافعي والرفاعي وأولياء الله الصالحين. وأما ياقوت العرش والبوصيري ونصر الدين والعدوي والمغاوري وغيرهم من الأولياء، فإنهم — فيما يبدو — اختاروا جيرةَ أبي العباس، تحوَّل بحري به وبهم إلى منطقة جذب ديني، يَفِد إليها الناسُ من أنحاء الإسكندرية، ومن المدن والقرى المحيطة، وتتعدَّد فيه الموالد وحلقات الذكر ومواكب الصوفية.

بحري — حيُّ الجمرك كما تقول الأوراق الرسمية — يمثِّل أكبر نسبة كثافة سكانية بين أحياء المدينة. غالبيَّتهم من أصل سكندري، بعكس أبناء بعض الأحياء الأخرى كالقباري ومينا البصل وغيط العنب وباب شرقي.

بحري أصل الإسكندرية.

بحري صورة الإسكندرية، أصالتها وتفرُّدها وسماتها المميزة.

بحري: الميلاد والطفولة والنشأة، وبداية التعرف إلى كلمة: وطن.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤