المفاجأة!
استيقظ الشياطين — كالعادة — مبكرًا، وسرعان ما انتهوا من تمارين الصباح ليتناولوا طعام الإفطار، ثم يبدءون في إعداد حقائب السفر للشياطين الخمسة «أحمد» و«بو عمير» و«عثمان» و«فهد» و«إلهام» … ثم قضوا بقية الوقت في مشاهدة أحد الأفلام البوليسية، حتى حانت الخامسة مساءً حين انفتحَتْ بوابة المقر السري العملاقة، ودلفت بداخلها السيارة الميكروباص المجهزة التي ستنقل الشياطين الخمسة إلى المطار.
لم يمضِ من الوقت سوى دقائق معدودة حتى غادر الشياطين الخمسة المقر السري باتجاه المطار. كانت السيارة الميكروباص الزرقاء المُخصَّصة لنقل الشياطين تسير بأقصى سرعة لها، فوصلت إلى مشارف المطار في تمام السادسة إلا ربع … وسرعان ما أنهى الشياطين إجراءات السفر، وأقلعَتِ الطائرة «الكونكورد» العملاقة في تمام السادسة، وعلى متنها الشياطين الخمسة.
كان «أحمد» يجلس بجانب النافذة، وقد جلس بجانبه «عثمان»، وصاح «أحمد» وهو ينظر إلى السُّحب الكثيرة التي راحَتْ تركض بخفة على صفحة السماء الواسعة، وقد بدَتِ الطائرة «الكونكورد» العملاقة وكأنها واقفة في الفضاء: يا له من مشهد جميل!
قال «عثمان»: نعم … ثم أكمل: وهذا المشهد يُذكِّرني دائمًا بقانون النسبية ﻟ «أينشتين».
قال «أحمد»: صحيح ما تقوله يا «عثمان»، إن سرعة الطائرة التي تتجاوز الخمسمائة ميل في الساعة تبدو وكأنها واقفة، لأنه ليس أمامها أشياء ثابتة لقياس سرعتها.
قال «عثمان»: ويحدث هذا أيضًا عندما تكون هناك سيارتان تسيران بسرعة واحدة، فلو نظرتَ من نافذة سيارتك إلى السيارة التي بجانبك وتسير بنفس سرعتك ستشك بأنهما لا تسيران!
قال «أحمد»: إن «أينشتين» هذا عبقري بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ.
انهمك «أحمد» و«عثمان» في نقاش طويل حول قانون النسبية ﻟ «أينشتين»، فلم يشعرا بالوقت ولا بقية الشياطين الذين راحوا في سُبات عميق.
ساعتين ونصف قضتها الطائرة «الكونكورد» المريحة سمع بعدها «أحمد» و«عثمان» نداء المُضيفة وهي تقول: السادة الركاب، أهنئكم بسلامة الوصول … نحن الآن فوق البحر «الأدرياتيكي»، وقريبًا سنكون فوق «روما» … ثم أعادت نفس الكلمات باللغة العربية قبل أن تقولها أيضًا بالإيطالية.
ثم أكملت قائلةً بنفس اللغات الثلاث؛ الإنجليزية والفرنسية والعربية: الرجاء ربط الأحزمة للاستعداد للهبوط، ثم ابتسمَتْ في الوقت نفسه الذي أُضيئَت فيه الشاشة الفسفورية وقد كُتب عليها: «نحن الآن فوق «روما» … شركة «مصر للطيران» تهنئكم بسلامة الوصول.»
انخفضت الطائرة فجأةً … فعلم الشياطين بأنها تستعد للهبوط، فأسرعوا بمشاهدة منظر «روما» من الطائرة، كانت أضواء عاصمة «إيطاليا» «روما» تغمر المكان وقد كست الشوارع بلونها الأخضر، وقد ظهرت أيضًا الإعلانات الضوئية المُلوَّنة والتماثيل المنتشرة في شوارع «روما».
قال «أحمد» موجِّهًا حديثه للشياطين: إن «روما» من أجمل مدن العالم، وخاصة من الناحية الأثرية.
قال «بو عمير»: ولعلنا جميعًا لا ننسى كلما جئنا إلى «إيطاليا» رسَّامها العبقري الشهير جدًّا «ليوناردو دافنشي» صاحب أشهر لوحة في العالم «الموناليزا» الفتاة الباكية المبتسمة … ولم يكد «بو عمير» ينتهي من جملته حتى اصطكت عجلات الطائرة بأرض المطار، واندفعت بأقصى سرعتها، ثم بدأت حركتها تقل شيئًا فشيئًا حتى توقفَتْ تمامًا أمام الصالة الثانية المُحدَّدة لتوقُّفها، هبط الشياطين بالتسلسُل المُتَّفَق عليه، «إلهام» ثم «أحمد» و«بو عمير» ثم «عثمان» و«فهد» واتجهوا إلى صالة الاستقبال.
كانت «إلهام» تنظر في جميع الاتجاهات في محاولةٍ لرؤية «ساندرا»، لكنها لم تكن موجودة.
شارك الشياطين «إلهام» في النظر إلى جميع الاتجاهات دون جدوى، فسرعان ما تلاقَتْ أعينُهم وقد تعلَّقَتِ الدهشة فوقها!
فهذه المفاجأة الأولى التي لم تكن بالحسبان … بل لعلها المرة الوحيدة طوال مغامراتهم الكثيرة التي لا يجدون فيها مَن يستقبلهم، أو العميل الذي في انتظارهم، وطال البحث عن «ساندرا» دون جدوى.
قال «بو عمير» مخاطبًا «أحمد»: وما العمل الآن؟ ثم أكمل: هل هناك تطوُّر مُعيَّن قد حدث مما جعل «ساندرا» تتغيَّبُ عن لقائنا؟!
قال «أحمد»: ربما قد يكون حدث هذا! ثم أكمل: فلنتوجَّهِ الآن إلى أحد الفنادق ونحاول الاتصال بالزعيم، عسى أن يكون هناك جديد.
قالت «إلهام»: إن حاستي السادسة تنبئني بوجود «ساندرا» … ربما تكون في انتظارنا في الصالة الأخرى مثلًا.
قال «عثمان»: ولكنها على علم بكل تأكيد بمكان استقبالنا.
فتدخَّل «فهد» في الحديث قائلًا: «فلنُنهِ أولًا إجراءات الخروج حتى لا نلفت الأنظار، على أن تتوجه «إلهام» بصحبة «أحمد» إلى الصالة رقم «١» فربما كانت «ساندرا» هناك بانتظارنا.
وما إن انتهى «فهد» من حديثه حتى توجَّهَ «عثمان» و«بو عمير»، وهو صوب الصالة المُعَدَّة لمراجعة جوازات السفر، بينما توجَّهَ «أحمد» وبصحبته «إلهام» إلى الصالة رقم «١» للبحث عن «ساندرا».
كان الزحام شديدًا في الصالة رقم «١»، لاستقبالها أكثر من رحلة في توقيت واحد … ودارَتْ عينا «أحمد» و«إلهام» وهو يشير ﻟ «إلهام» باتجاه فتاة متوسطة العمر سمراء اللون ترتدي ملابس بيضاء وتضع فوق عينها نظارة طبية: هذه هي «ساندرا».
فقالت «إلهام»: ولكن الوردة الحمراء ليست بيدها.
قال «أحمد»: اقتربي منها وقولي لها كلمة السر، وهي شكرًا بالإنجليزية، وسنعرف على الفور إذا كانت هي «ساندرا» أم شبيهة لها.
أسرعت «إلهام» باتجاه «ساندرا»، وما إن اقتربت منها حتى فوجئت بوجود الوردة الحمراء بيدها الأخرى … قالت «إلهام» وهي تسير بمحاذاتها: «شكرًا» فسارعت الفتاة بتقريب الوردة الحمراء إلى أنفها، ثم ابتسمَتْ وهي تستدير وتغادر المكان، ومن خلفها «إلهام» و«أحمد».
اتجهَتْ «ساندرا» إلى خارج المطار، وخلفها «أحمد» و«إلهام» … وما إن ظهرَتْ خارجةً حتى اندفعَتْ إليها عربة «ميني باص» بيضاء، مكتوب عليها: «شركة «إنترناشيونال» للسياحة»، وعليها صعدت «ساندرا»، وتبعها بقية الشياطين الذين كانوا منتظرِينَ خارج المطار، وهم في غاية القلق.
انطلقَتِ العربة «الميني باص» السياحية، لتشق شوارع «روما» المزدحمة بالناس والفسقيات والتماثيل، لم يكن «أحمد» يحسب أنهم يستغرقون كل هذا الوقت لمقابلة «ساندرا» التي لم تتحدث معهم حتى الآن، واكتفَتْ بكلمات الترحيب العادية باللغة الإنجليزية: «مرحبًا بكم في بلدكم «إيطاليا».»
ابتسم الشياطين لها … فهي برغم صمتها، إلا أن جمالها الهادئ ولونها الأسمر كانا يضيفان عليها كثيرًا من السحر والغموض.
توقَّفَتِ السيارة «الميني باص» أمام أحد الفنادق الفاخرة، ولحسن حظ الشياطين أنه كان فندقَ «إنترناشيونالي»، وهو الفندق نفسه الذي نزلوا فيه أكثر من مرة.
انتهَتْ «ساندرا» من إجراءات السكن، في ثوانٍ معدودة، صعدوا بعدها جميعًا إلى حجراتهم، وقد صحبتهم «ساندرا»، وقالت — بعد أن صارت وحدها معهم: معذرة! تأخَّرتُ عليكم في اللقاء، وغيَّرتُ مكان اللقاء لأسباب ستعرفونها في حينها … أما الآن فمستر «رودجر» على استعداد تامٍّ لسماع الرقم الذي ستدفعونه مقابل العروسة.
وضحكت «ساندرا» وهي تنظر باتجاه «عثمان» الأسمر البشرة مثلها، ثم قالت: إن مهر العروسة يجب ألا يقل عن مليون ونصف المليون دولار لدخول المنافسة التي بدأت تشتد عليها جدًّا.
قال «أحمد» مخاطبًا «ساندرا»: متى نتصل بوالد الفتاة؟
أجابت «ساندرا»: ليس والدها بالتحديد … يمكنك الاتصال به الآن، فهناك رجال كثيرون ستأخذ رأيهم أولًا … ثم يدرسون عرض الزواج … وهل أنتَ جادٌّ فيه أم لا؟
ابتسمَتْ «إلهام» وهي تستمع إلى كلمات «ساندرا»، وتأمَّلَها «بو عمير» قبل أن ينفجروا جميعًا في الضحك مع قفشة «عثمان» حين قال: لقد جئنا اليوم إلى «إيطاليا» للزواج — للأسف — من أموات!
غادر «أحمد» الفندق بصحبته «ساندرا» التي توجَّهَتْ به إلى حيث وقفَتْ عربتها «الستروين» الفاخرة … ومن داخلها تم الاتصال تليفونيًّا بالعميل.
وكان من الواضح أن «ساندرا» تعرف الكثير عن الرجل الذي أخذ يُحدِّثها لبضع دقائقَ أنهاها قائلًا: أعطيني إياه.
جاء صوت الرجل غليظًا قويًّا … قال ﻟ «أحمد»: إن سعر العروسة قد وصل إلى مليونَينِ من الدولارات دكتور «مارك»، ثم أكمل: ألا تعرف هذا؟ فأجاب «أحمد» بلغة الواثق: لا بأس … ولكن متى سنشاهدها قبل أن نتفق؟
قال الرجل: إن آخِر إجراء تتخذه هو رؤية العروسة … ثم ضحك ضحكة مُخيفة ظهرَتْ من خلال نبرات صوته المتوحشة عَبْر الهاتف، ثم أكمل: ليس لدينا وقت لنضيعه … متى سنلتقي؟
قال «أحمد»: وقتما تريدون … إنني على أهبة الاستعداد، ونقودي جاهزة … فقط أريد رؤية العروسة.
فقال الرجل: ستراها … دكتور «مارك»، إلى اللقاء قريبًا. … ووضع سماعة التليفون.
قالت «ساندرا» وهي تأخذ الهاتف اللاسلكي من «أحمد»: ما عليك يا دكتور «مارك» أن السيد «رودجر» يسوق الدهاء والمكر … ثم أكملت «ساندرا»: وسيكون اللقاء معه غدًا، فكونوا في حالة استعداد كاملة لذلك.
انطلقت «ساندرا» بعربتها «الستروين» باتجاه الفندق، وهناك ودَّعَتْ «أحمد» وهي تقول: إلى اللقاء.
استدارت لتنصرف في نفس الوقت الذي صعد فيه «أحمد» إلى الفندق، ورأسه يمتلئ بالأفكار.