الفصل السادس

في ملابس الفرنسيس
من المعروف عندنا أن غطاء رأس الإفرنج (البرنيطة)، وأن نعالهم في الأكثر الصرم السوداء، و(التاسومات): وأن لباسهم في الغالب هو الجوخ الأسود، وأما الفرنساوية فإنها في الغالب أيضًا على هذا الملبس إلا أنهم لا يلزمون ملبسًا خاصًا، بل كل إنسان يلبس باختياره ما تأذن له العادة بلبسه، والغالب أن لبسهم ليس زينة، وإنما هو في غاية النظافة، ومن العوائد العظيمة: انتشر لبس القمصان والألبسة والصديريات تحت ملابسهم، فإن الموسر يغير في الأسبوع عدة مرات، وبهذا يستعينون على قطع عرق (الواغش)١ فلذلك كان لا أثر للقمل ونحوه إلا عند من اشتد به الفقر.

وملابس النساء ببلاد الفرنسيس لطيفة بها نوع من الخلاعة، خصوصًا إذا تزيَّنّ بأغلى ما عليهن، ولكن ليس لهن كثير من الحلي فإن حليَّهن هو الحلق المذهب في آذانهن، ونوع من الأساور الذهب يلبسنه في أيديهن خارج الأكمام، وعقد خفيف في أجيادهن، وأما الخلاخل فلا يعرفنها أبدًا، ولبسهن في العادة الأقمشة الرقيقة من الحرير أو (الشيت) أو (البفت) الخفيف، ولهن في البرد شريط فروة فيضعنه على رقابهن، ويرخين طرفيه كالمآزر؛ حتى يصل بطرفيه إلى قرب القدمين.

ومن عوائدهن أن يحتزمن بحزام رفيع فوق أثوابهن، حتى يظهر الخصر نحيفًا ويبرز الردف كثيفًا، ومما أنشده الحاجري في ديوانه، وإن كان فيه خروج قوله:

ومزنر ياليتني أستاذه
كيما أفوز بضمة من خصره
القس يسقيه شبيهة خده
والمسلمون بأسرهم في أسره
فوحقه لولا رشاقة قدِّه
ما رقَّ إسلامي لشدة كفره

ومن خصال النساء أن يشبكن بالحزام قضيبًا من صفيح من البطن إلى آخر الصدر؛ حتى يكون قوامهن دائمًا معتدلاً لا اعوجاج به، ولهن كثير من الحيل.

ومن خصالهن التي لا يمكن للإنسان أن لا يستحسنها منهن عدم إرخائهن الشعور؛ كعادة نساء العرب، فإن الفرنسيس يجمعن الشعور في وسط رءوسهن، ويضعن فيه دائمًا مشطًا ونحوه، ومن عوائدهن في أيام الحر كشف الأشياء الظاهرية من البدن؛ فيكشفن من الرأس إلى ما فوق الثدي، حتى إنه يمكن أن يظهر ذلك من الأمور المخلة عند أهل هذه البلاد، ولكن لا يمكن لهن أبدًا كشف شيء من الرجلين، بل هن دائمًا لابسات للشرابات، الساترة للساقين، خصوصًا في الخروج على الطرق، وفي الحقيقة سيقانهن غير عظيمة أصلاً، فلا يصلح لهن قول الشاعر:

لم أنسه إذ قام يكشف عامدًا
عن ساقه كاللؤلؤ البراق
لا تعجبوا إن قام فيه قيامتي
إن القيامة يوم كشف الساق

وملابس الحزن عند الفرنسيس هي علامة حزن تلبس مدة معلومة، ولها محل معلوم؛ فالرجل يضع علامة الحزن في (برنيطته) مدة معلومة، والمرأة في ثيابها والولد على فقد أبيه أو أمه يلبس علامة الحزن ستة أشهر، وعلى فقد الجدة أربعة أشهر ونصفًا والزوجة على فقد الزوج سنة وستة أسابيع، وعلى فقد الزوجة ستة أشهر، وعلى فقد الأخ أو الأخت شهرين، وعلى فقد الخال، والخالة، والعم، والعمة ثلاثة أسابيع، وعلى فقد أولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات أسبوعين.

ثم إن ما يباع في باريس من الجوخ كل سنة بنحو مليون من الفرنكات تقريبًا ومن الحرير بثلاثة ملايين من الفرنكات، ومن الفراوي بمليون من الفرنكات، ولعل السبب في ذلك هو أن الفراوي تشتري من خصوص باريس، لأهل باريس.

ومن المتداول عند الفرنساوية استعمال الشعور العارية لنحو الأقرع ورديء الشعر، بل قد يستعملونها في اللحى والشارب للتقليد، وقد شاعت عندهم تلك العادة من زمن «لويز الرابع عشر» ملك فرانسا؛ حيث إن هذا الملك كان يلبسها، ولا يخلعها من رأسه أصلاً إلا عند النوم، وما زالت إلى الآن مستعملة، لكن للأقرع أو رديء الشعر، ومن الغريب أنها تستعمل الآن في مصر بين نساء القاهرة.

١  يريد: الحشرات.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤