الفصل الثاني عشر

سولون (٧)

شهادة سولون لنفسه في إصلاحه

كذلك كان كل ما قدمنا، يتفق على ذلك المؤرخون ويذكره سولون نفسه في هذه الأبيات: «لقد منحت الشعب من السلطان ما يكفي من غير أن أحرمه شيئًا من حقوقه أو أن أضيف إليه ما ليس له، أما الذين كانوا يملكون القوة وكانت ثروتهم تُعرضهم للحسد، فقد حظرت عليهم أيضًا كل إسراف، لقد وقفت أمام الحزبين محتميًا بدرقتي اتقي بها من كل جانب، ولم أسمح لأحدهما أن يتفوق ظلمًا.»

ثم هو يبين كيف يجب أن يُساس الشعب بهذه القوانين فيقول: «إنما تحسبن طاعة الشعب لرؤسائه إذا لم يشتد لينهم أو عنفهم، فهو كالفرس ينبغي أن لا يُغالي فارسه في إرسال اللجام أو قبضه، فإن إفراط الثروة يستتبع العنف حين تقع في أيدي رجال ليسوا لها أهلًا، ويقول أيضًا في مكان آخر مشيرًا إلى الذين كانوا يريدون قسمة الأرض، كان هؤلاء يقبلون قد ملأهم حب النهب، يعتقد كل منهم أنه سيجد ثروة ضخمة، ومع أني كنت أتلطف في الحديث فقد كانوا يعتقدون أن قسوتي لن تلبث أن تظهر، لقد خابت آمالهم، والآن وقد ملأهم الحقد عليَّ أراهم ينظرون إليَّ شزرًا كما ينظرون إلى عدو، ما بالهم يفعلون ذلك، لقد وعدت وأعانتني الآلهة على الوفاء، فأما ما دون ذلك فما فعلت شيئًا إلا وله علة، فما كنت أرضى أن أتخذ قهر الطغاة سبيلًا إلى تحقيق ما أريد، ولا أن أرى الأخيار والأشرار يتساوون في ملك هذه الأرض الخصبة أرض الوطن.

ثم يقول مشيرًا إلى شقاء الفقراء الذين كانوا بالأمس أرقاء وهم اليوم أحرار لما أسقط عنهم من دين: «وقد وضعت حدًّا لآلام الشعب ولِمَ، إني لأستشهد أمام الزمان هذه الأم العظيمة الخيرة أم آلهة أولمبوس، هذه الأرض السوداء التي انتزعت قديمًا ما كان يقوم عليها من حد، لقد كانت أمة بالأمس وهي اليوم حرة.

كثير عدد هؤلاء الذين رددتهم إلى أتينا هذا الوطن الذي أقامته الآلهة، لقد بيع كثير منهم، عدلًا مرة وجورًا أخرى، هؤلاء قضت عليهم الضرورة بالنفي، فهم لا يتكلمون لغة أتيكا مشردين في كل وجه، وآخرون هنا أذلاء قد أذعنوا للسطوة القاهرة، فهم يضطربون فزعًا أمام سادتهم، لقد رددتهم جميعًا أحرارًا، هذا ما فعلت بقوة القانون، لقد وفقت بين القوة والعدل فوفيت بكل وعودي، لقد شرعت القوانين للأخيار والأشرار، وضمنت لكل منهم نصيبًا من العدل، ولو أن غيري تولى هذا الأمر وكان له من سوء النية ومن الطمع ما ليس لي لما استطاع أن يحكم الشعب، فلو قد أردت أن أسمع لأحد الحزبين فأنفذ ما يريد، ثم أسمع للآخر فأحقق رجاءه لفقدت هذه المدينة كثيرًا من أبنائها، لهذا اضطرتني مقاومة الحزبين إلى أن أجدني بمكان الذئب قد حصرته الكلاب من كل وجه.»

ثم يقول معاتبًا حين وصل إليه اللوم من كل جانب: «لأقولن للشعب، فليس له بد من هذه الصراحة المؤلمة، إنه قد يملك الآن من الثروة ما لم يكن يحلم به، فأما العظماء الذين هم أشد قوة وبأسًا فخليق بهم أن يحمدوا بلائي، وأن يتخذوني لهم صديقًا، فلو أن غيري مُنح ما منحته من شرف لما استطاع أن يحكم الشعب ويهدئه دون أن يمخض اللبن١ ليستخلص منه الزبد، ولكني وقفت بين الفريقين كأني بين جيشين يقتتلان حدًّا لا سبيل إلى تجاوزه.»
١  يريد دون أن يتخذ العنف والشدة سبيلًا إلى تثبيت النظام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤