الفصل الثاني والعشرون

كليستينيس

الصفة الديموقراطية لنظامه، الأوستراكيسموس
أصبح النظام الأتيني بعد هذا الإصلاح أشد قربًا إلى الديموقراطية منه في عصر سولون؛ ذلك أن الطغاة لما أهملوا١ قوانين سولون كانوا كأنهم قد نسخوها، وكان كليستينيس كأنه قد وضع نظمًا جديدة مال فيها إلى إرضاء الشعب، ومن بين هذه النظم الأوستراكيسموس.٢
ولم تمض على هذه القوانين أربع سنين حتى أُخذ مجلس الشورى بأن يقسم أعضاؤه اليمين التي لا يزالون يقسمونها إلى الآن وذلك حين كان أرموكريون أركونًا، ثم تقرر بعد ذلك أن ينتخب لمنصب الاستراتيجوس عشرة٣ واحد عن كل قبيلة، وكان للبوليماركوس قيادة الجيش كله.
ومضت على ذلك إحدى عشرة سنة، ثم كانت واقعة ماراثون٤ التي انتصر فيها الأتينيون حين كان فاينيبوس أركونًا، ومع أن هذا الانتصار كان قد شجع الشعب وجرأه فقد بقي قانون الأوستراكسموس سنتين من غير أن يحاول تنفيذه لأول مرة، وإنما شرع هذا القانون لاتقاء رؤساء الأحزاب إذا عظمت قوتهم، فقد كان الأتينيون يذكرون أن بيزيستراتوس كان رئيس الحزب الديموقراطي حين اغتصب السلطان، وكان أول من أصابه هذا القانون أحد أقارب الطاغية وهو هيباركوس بن كارموس الكولوتي، كان كليستينيس قد أراده حين شرع هذا القانون وكان يريد نفيه.

وذلك أن الأتينيين لِما فُطِروا عليه من اللين وحسن الشيمة كانوا قد تركوا أصحاب الطغاة في المدينة من غير أن يعرضوا لهم بسوء، ولا سيما الذين لم يعينوا الطغاة إبان الاضطراب، وكان زعيم هذا النفر هيباركوس.

وفي السنة التالية حين كان تيليسينوس أركونًا انتخب لمنصب الأركون تسعة بواسطة الاقتراع، وقد انتخبوا من طبقة الذين يملكون خمسمائة مديمنوس والذين كان الشعب قد عينهم من قبل، وهذه أول مرة منذ عصر الطغاة اصطنع فيها الاقتراع، وكانت قد جرت العادة أن ينتخب الأركون بواسطة التصويت، وفي هذه السنة نفسها قُضي بالأوستراكيسموس على ميجاكليس بن إيبوكراتيس الألوبيكي ومكثوا ثلاث سنين أيضًا لا ينفذون هذا القانون إلا على أصحاب الطغاة، ثم بدءوا في السنة الرابعة ينفذونه على كل عضو عظمت قوته من أعضاء الأحزاب الأخرى، وكان أول من أصابه القانون من غير حزب الطغاة كسانتيبوس٥ بن أريفرون.

مضت على ذلك سنتان واستكشفت مناجم مارونيا حين كان نيكوميديس أركونًا، وأخرجت هذه المناجم في زمن قليل مائة تالانتون، فعرض بعضهم أن تقسم هذه الفضة على الشعب، ولكن تيميستكليس أبى ذلك، ومع أنه لم يبين الوجه الذي كان يريد أن ينفق فيه هذا المال، فقد عرض أن يُقرض للمائة الذين هم أكثر أهل المدينة ثروة لكل واحد منهم تالانتون، فإن أقر الشعب إنفاق هذا المال فيما أُنفق فيه أضيفت هذه النفقات إلى حساب الدولة، وإلا اضطر المقترضون إلى أداء دينهم، وعلى هذا الشرط أذن له أن يتصرف في المال، فأمر كل واحد من هؤلاء المائة أن يصطنع سفينة ذات ثلاثة صفوف من المقاذيف، وإنما حارب الأتينيون أعداءهم من البرابرة في سلامين بهذا الأسطول، وفي نحو هذا الوقت قُضي بالأوستراكيسموس على أرستيديس بن لوسيماكوس.

ولثلاث سنين مضين من هذا كانت غارة كسرسيس٦ حين كان هوبسيكيديس أركونًا، فقرر الأتينيون إرجاع كل من قُضي عليهم بالأوستراكيسموس وقرروا أن ليس لمن قُضي عليهم بالأوستراكيسموس أن يتجاوزوا بمنازلهم ما بين رأس جيرايستوس وإسكولايون، فإن فعلوا عرضوا أنفسهم لفقد حقوقهم السياسية جميعًا.
١  ذكر أرسطاطاليس أن بيزيستراتوس قد احتفظ بقوانين سولون، فلعل أبناءه هم الذين أهملوها، ومهما يكن من شيء فلا شك في أن الطغاة لم يحتفظوا بالقوانين الديموقراطية كل الاحتفاظ.
٢  قانون أتيني كان يُقصد به اتقاء من عظم أثره من زعماء الأحزاب وأصبح خطرًا على الديموقراطية، وقد اشتق اسمه هذا من أوستراكون وهي قطعة من الفخار كان يُكتب عليها اسم من يُراد القضاء عليه، وكان الأتينيون إذا أقروا تنفيذ هذا القانون على أحد أبعدوه عشر سنين من غير أن يحرموه حقًّا ما من حقوقه.
٣  كانوا أربعة من قبل.
٤  أول وقعة من وقعات الحروب الميدية في أوروبا، انتصر فيها الأتينيون وحدهم سنة تسعين وأربعمائة قبل المسيح.
٥  هو أبو بيريكليس.
٦  سنة ثمانين وأربعمائة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤