الفصل الخامس والثلاثون

الثلاثون (١)

اعتدالهم في أول الأمر ثم قسوتهم

إليك كيف أقيمت حكومة الثلاثين حين كان بوثودوروس أركونًا، لم يكادوا يستأثرون بالسلطان في المدينة حتى أعرضوا عما قرر الشعب بشأن النظام السياسي، وألفوا مجلس الشورى من خمسمائة عضو وانتخبوا غيرهم من عمال الحكومة، ولم يكن أهلًا للانتخاب إلا الخمسة آلاف الذين عُينوا من قبل، ثم انتخبوا عشرة يشغلون منصب الأركون في بيرا، وأحد عشر سجانًا وثلاثمائة من الحرس الذين اتخذوا السياط، وبهذه القوة استطاعوا أن يخضعوا المدينة.

ومع ذلك فقد أظهروا في أول الأمر ميلًا إلى العدل بين أعضاء المدينة، وليظهروا أنهم إنما يحتفظون بسنة آبائهم في السياسة خلصوا الأريوس باجوس من قوانين أفيالتيس وأركستراتوس وألغوا من قوانين سولون ما لم يكن يتفق الناس على تفسيره، وسلبوا القضاة حق القضاء الذي ليس له مرد، وعلى الجملة كان يخيل أنهم إنما كانوا يريدون تقويم النظام وتبرئته من كل ظلمة وغموض.

وكذلك نُفذ القانون الذي كان يبيح لكل أتيني أن يوصي بما له لمن يشاء من غير تقييد، وألغيت كل القيود التي كانت مصدر كثير من المصاعب، وهي حظر هذا الإيصاء على من لم يملك عقله أو من أضعفته الشيخوخة أو من تصرَّف خاضعًا لتأثير السم أو المرض أو من أثرت في تصرفه المرأة، ألغيت هذه القيود حتى لا يكون هناك سبيل إلى مساعي السوكوفانتس،١ واتخذوا هذه السنة نفسها في إصلاح القوانين الأخرى.

هذه سيرتهم أول الأمر، وقد قضوا على السوكوفانتس وعلى أولئك الخطباء المفسدين الدساسين الذين كانوا يتملقون الشعب فيجورون به عن قصد السبيل، وكانت المدينة تستبشر بهذا كله، وكان الناس يعتقدون أن الثلاثين لم يكونوا يسيرون هذه السيرة إلا رغبة في الخير وحسن التدبير، ولكنهم لم يكادوا يشعرون بأن سلطانهم قد أصبح ثابتًا مؤيدًا في المدينة حتى أظهروا سوء نيتهم، فلم يرعوا لمواطن حرمة وقتلوا من أعضاء المدينة كل من كانت تظهره ثروة أو مولد أو شهرة ليتقوا شرهم من جهة، وليستأثروا بثروتهم من جهة أخرى، وقد أُحصي من قتلوا في آن قصير فكانوا لا يقلون عن خمسمائة وألف.

١  كانت هذه الكلمة تُطلق على الذين يبلغون الحكومة أن بعض الناس قد أصدر التين إلى الخارج، وكان إصدار التين محظورًا، ثم أصبحت تُطلق بشيء من المجاز على كل واشٍ يتهم غيره سرًّا أمام القضاة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤