الفصل السابع

الفشل بعد الفوز

عندما استفاقت سينتيا من إغمائها لم تكن في تلك الغرفة التي سمعت الحديث منها؛ فإن الهندية كانت قد أخرجتها إلى القاعة وعالجتها حتى استفاقت، فقالت لها: هل تستطيعين الإنكار أنه ولدك؟

ولكنها عادت إليها قواها فقالت بصوت أجش: لقد قلت لك إنه ليس لي ولد.

– إذا كان ذلك، فلماذا أغمي عليك حين سمعته يتكلم عن أمه؟

– لأني تذكرت ولدًا لي مات. والآن ألا تطلقين سراحي؟

– كلا.

– لماذا؟

– لأنه يجب أن تريْ مس ألن.

– من هي هذه الفتاة؟

– هي تلك الحسناء التي تحب ولدك.

– وأنت تقولين إنها تريد أن تراني؟

– نعم. فإنها تريد أن تجمعك بولدك.

– لقد قلت لك إنه ليس لي ولد، فكيف أكون أنا الفقيرة أمَّ هذا السيد العظيم، ثم إذا كانت تريد أن تراني فلماذا ذهبت؟

– إنها ستعود غدًا. والآن أنصحك أن تنامي على هذا المقعد؛ فإن الليل قد انتصف، وأنت في حاجة إلى الراحة.

فامتثلت، وغطتها الهندية بغطاء، ثم اضطجعت على مقعد آخر كأنها تريد أن تنام أيضًا، فقالت سينتيا في نفسها: إني سأصبر عليها حتى تنام فأخنقها قبل أن تتمكن من الصياح وأهرب.

ولكن حدث عند ذلك ما لم تكن تتوقعه؛ فإن الباب فتح فجأة ودخل منه الخادمان فقالا للهندية: أسرعي فإنهم في أثرنا وقد رأيناهم في النهر.

فقالت سينتيا: هذا أخي قادم لإنقاذنا، ثم صاحت قائلة: إليَّ إليَّ.

فأسرع الخادمان إليها فكمَّمَاها. وقالت لهما الهندية: اقبضا على يديها، فسأعمل لها عملية تمنعها عن الصراخ.

فقبضا عليها، وأخرجت الهندية زجاجة فيها رشاش أصفر فأدنته من أنفها وأكرهتها على تنشقه حتى تلاشت قواها وسقطت يداها، فحملوها إلى الغرفة السرية، واختبَئوا جميعهم فيها، فجعلت الهندية تنظر إليها وتقول: ليأتوا الآن، وليبحثوا عنك قدر ما يشاءون، إني أدعى داني ناتها، وما زلتِ أخت جان دي فرانس، ذلك اللص الذي سرق كنز إلهي، فاعلمي أني شمَّمتك رائحة تفقدين بعدها كل حس ما عدا النظر والسمع بحيث تصبحين حية شبه ميتة.

وبعد هنيهة دخل جان وشمشون فقد كانا علما باختطاف سينتيا؛ فإن شمشون كان قد رأى عن بعد رجلين يحملان امرأة إلى مركبة، وكانت المركبة بعيدة عنه فلم يستطع إدراكها، فأيقن جان أن ألن قد اختطفتها، وأسرع مع شمشون إلى منزلها الصيفي، فبحثا فيه بحثًا دقيقًا فلم يجدا لها أثرًا، فاقترح شمشون أن يحرق المنزل فمنعه جان قائلًا: لا أريد مداخلة البوليس، ولا بد لي الآن أن أبحث عنها في منزل السير روبرت، فهلمَّ بنا نعد إلى لندرا.

ولما ابتعدا قال أحد الخادمين لرفيقه: إنهما لن يظفرا بالأسيرة هذه الليلة، وما راعني إلا خوفي أن يحرقا المنزل.

أما جان فإنه عاد مع شمشون بطريق النهر وهو ينذر ويتوعد ويقول إني سأقتل هذه الماكرة جلدًا بالسياط.

فقال له شمشون: إني عينت رجلًا كما أمرتني لمراقبة منزل السير روبرت، ولا بد أن يكون رأى ألن ليلة أمس.

– من هذا الذي عينته؟

– جولد.

– إنه من الأذكياء، فلماذا لم تره اليوم؟

– لقد كنت عازمًا على الذهاب إليه في الساعة الثامنة، ولكن عرفت ما جرى.

– سنراه الآن.

وقد ذهبا إلى منزل السير روبرت، ولقيا جولد، فسأله جان قائلًا: ماذا رأيت؟

قال: إن مس ألن خرجت أمس في مركبتها، ولكنكم لم تأمروني أن أتبعها، فلم أعلم إلى أين ذهبت.

– متى عادت؟

– عند انتصاف الليل.

– ألم تخرج بعد ذلك؟

– كلا. فقد زارها في تلك الساعة فتى لم أتبين وجهه إذ كان ملتفًّا بوشاحه، وقد دخل من باب الحديقة بمفتاح كان معه.

فقال جان في نفسه: إنه ليونيل، ثم سأله قائلًا: كم أقام معها؟

– نحو ساعة. فقد كنت ملتصقًا بالباب وسمعتها تقول له حين خروجه: إلى اللقاء غدًا.

– واليوم، أَخَرَجَت من المنزل؟

– نعم عند الظهر.

– ومتى عادت؟

– منذ ساعة.

– أعادت وحدها؟

– نعم.

– حسنًا. فعد إلى منزلك.

وقد نظر جان في ساعته وقال: إن السير روبرت لا يعود من النادي قبل انتصاف الليل، ولا يزال الوقت فسيحًا لديَّ.

ثم ذهب إلى شمشون وقال: اذهب واكمن عند باب المنزل؛ فإذا رأيت السير روبرت عاد فأسرع وأخبرني، وإذا لم تجدني في هذا الزقاق فنادني بصفيرنا الخاص.

قال: ألعلك تريد الدخول إلى الحديقة يا سيدي؟

– ربما.

– أتريد أن أكسر بابها؟

– كلا، فسأدخل إليها بطريقة أخرى.

فذهب شمشون فكمن بجانب الباب، ولبث جان واقفًا حيث كان الرقيب، وهو يقول في نفسه: إن ألن تريد أن تتزوج بروجر، ومع ذلك فإنها تنتظر ليونيل، فلماذا تحتفظ بحب هذا الفتى أيضًا؟

وكان جان قد عرف كثيرًا من الأسرار، ولكنه لم يتوصل إلى معرفة سر ولادة ليونيل.

وفيما هو واقف ينتظر سمع خطوات ليونيل، ثم رآه وصل إلى باب الحديقة فالتفت يمنة ويسرة، ثم أخرج مفتاحًا من جيبه وحاول فتح الباب، فأسرع جان فحال بينه وبين الباب وقال له وقد وضع قناعًا على وجهه: لي كلمة أقولها لك أيها النبيل.

وكان ليونيل باسلًا جريئًا، فدهش لهذه المفاجأة، وحسب جان من اللصوص فانتهره قائلًا: سر في سبيلك أيها الرجل.

فلبث جان في موقفه وقال له: ألم أقل لك لي كلمة أقولها؟

– لي أنا؟

– نعم. لك أنت الضابط ليونيل.

– إذا كنت في حاجة إلى كيسي فليس فيه الليلة ما يذكر، وليس لي وقت للدفاع عنه فخذه.

ثم أخذ كيسه من جيبه وألقاه إلى الأرض، فقال له جان بلهجة الساخر: لا بأس من أن تنتظرك مس ألن ربع ساعة.

فاضطرب وقال له معصبًا: من أنت فتكلمني بهذه اللهجة؟

– إني رجل يريد أن يسدي إليك نصيحة.

– ما تعودت أن أسمع نصائح من يبرقعون وجوههم.

– إنك مخطئ، فالعاقل لا يحتقر النصيحة كيف كان مصدرها.

فسئم ليونيل من الجدال وقال له: ما هي نصيحتك؟

قال: هي أن تعطيني مفتاح هذه الحديقة وتعود إلى منزلك فتنام، وإني أعدك أن أرده إليك مع خادمي في الصباح.

قال: يعز عليَّ أن أخترق صدرك بحسامي؛ لأنك غير مسلح، ولكن …

وكان مع جان عصا حشوها حربة طويلة كالحسام فجردها وقال له: إذا كان لديك حسام فإني أشرفك بالمبارزة تحت هذا المصباح المعلق في الطريق. أليس هذا الذي تريده؟

– هو ذاك. فتفضل بكشف برقعك كي أراك.

يسوءني أني لا أستطيع إجابة سؤالك.

وقد اشتبك القتال بينهما، فقال له جان: إني غير حاقد عليك. وشهد الله أني لو لم أكن في أشد الاحتياج إلى هذا المفتاح الموجود في جيبك لما قاتلتك. ولذلك لا أقتلك بل أصيبك إصابة بسيطة لا يعرف سرها سواي، فستسقط مغميًّا عليك نصف ساعة، وهذا كل ما أحتاج إليه من الوقت.

فهاج ثائر ليونيل لهذا الكلام وانقضَّ على خصمه انقضاض الصاعقة، ولكنه لم يكد يتم هجمته حتى شعر أن سيفه سقط من يده وسقط هو على الأرض لا يعي.

فقاده جان إشفاقًا عليه، ثم أخذ مفتاح الحديقة من جيبه وسار إلى بابها وهو يقول: لقد جاء الآن دور مس ألن فَلْنَرَ ما يكون.

•••

كانت مس ألن قد عادت مع المركيز روجر في طريق النهر، فلما وصلا إلى لندرا أركبها مركبة وفارقها بعد أن واعدها على اللقاء، فعادت إلى منزلها قبل انتصاف الليل بنصف ساعة.

وهناك غيَّرَت ملابسها وتقلدت خنجرًا صغيرًا كانت الهندية أهدته إليها، فكانت تتقلده دائمًا بعد أن شهرت حربها على جان.

ثم نزلت إلى الحديقة لتجتمع بليونيل فيها حسب عادتها في كل ليلة، فسارت بين الأشجار حتى انتهت إلى مغارة في وسط الحديقة يوجد تحتها دهليز خفي.

وحكاية هذه المغارة أن القصر الذي كان يقيم فيه السير روبرت كان قديمًا يتصل بعهد كرمويل والثورة الإنجليزية، وهو في ذلك العهد للورد شافستبوري من المتشيعين للملك، فبنى هذه المغارة وبنى تحتها الدهليز، فكان يخفي فيه الأسلحة والأوراق ويختبئ هو فيه أحيانًا حين تشتد به المخاوف.

وكان يفصل بين المغارة والدهليز حجر كبير كان له شبه باب، فلما مرت ألن بهذه المغارة قالت في نفسها: إني سأسجن سينتيا في هذا الدهليز؛ فأكون آمنة عليها فيه.

ثم تجاوزت المغارة وسارت إلى حيث كانت تلتقي بليونيل، فلم تكد تجلس على كرسي هناك حتى رأت رجلًا يدنو منها، فقالت له بصوت منخفض: أهذا أنت يا ليونيل؟

فدنا منها وقال لها: بل هذا أنا.

فصاحت صيحة ذعر؛ إذ عرفت جان من صوته، وحاولت أن تهرب وتستغيث، ولكن خطر لها خاطر سريع فلبثت في مكانها وقالت له: تعالَ فإني أنتظرك.

وكان جان بعيدًا عنها ثلاث خطوات، فدنا حتى وصل إليها؛ فقالت له بلهجة الهازئ: إنك إذا كنت قادمًا لتقتلني فقد عرفت أن تنتهز الفرص؛ فإن السير روبرت لم يعد بعدُ وكلُّ من في القصر نيام.

وكان جان يتوقع أن تنذعر فإذا بها تهزأ به؛ فأجابها قائلًا: لا أعلم. فإن حياتك وموتك منوطان بك.

قالت: إذا كنت مترددًا فهلم نتباحث، فهل جئتني بأنباء عن اليبسي تلك المصرية الحسناء؟

فاتقدت عيناه ببارق من الغضب لهذه الذكرى وقال لها: إني عاهدت نفسي على أن لا أقتلك لأنك امرأة، ولكن موتك منوط بك، فإذا شئت حللت نفسي من هذا العهد.

فقالت ألن في نفسها: إن ليونيل لا يلبث أن يحضر فينقذني منه فلأماطل في الحديث، ثم أجابته قائلة: إني عرضت عليك الصلح فأبيت إلا الحرب.

وقد قالت هذا القول ونظرت إلى باب الحديقة، فأدرك جان معنى هذه النظرة وقال لها: إنك إذا كنت تنتظرين ليونيل فسيطول انتظارك لأني دخلت إلى هنا بمفتاحه.

فسال العرق البارد من جبينها وقالت: ألعلك قتلته؟

– كلا. ولكني أقسم لك إنه لا يحضر، فلا تعتمدي عليه.

– والآن ماذا تريد مني؟

– أن تردي سينتيا.

– من هي سينتيا؟

– لا يفيدك الإنكار؛ فإني مستعجل.

– إذن وضِّح ما تقول.

– إنكِ اختطفتِ أختي في هذه الليلة.

– أنا؟

– نعم أنت، وإن المركبة التي حملتْها وقفت عند باب منزلك الصيفي. وقد فتشت هذا المنزل.

– أوجدت فيه أختك؟

– كلا فهي هنا.

– لا أفهم ما تقول؟

فقبض جان على عنقها بيديه وقال لها: سيان عندي أكنت مخطئًا أم مصيبًا؛ فإن موتك لا يستحق الندم.

ثم ضغط على عنقها؛ فحاولت أن تجرد خنجرها فلم تستطع، فقالت بصوت مختنق: كفى كفى ارحمني.

– أتعترفين؟

– نعم.

فأفلت عنقها وقال: تكلمي.

فقالت له بلهجة المتوسل: إن العفو جميل عند المقدرة، وأنا الآن في قبضة يدك يا جان، وسأخبرك أين هي أختك.

– إذن أنت تعترفين أنك اختطفتِها.

– لست أنا، بل السير روبرت.

– وأنت شريكته؟

– نعم.

– أتعلمين أين هي؟

– نعم.

– قولي.

– بشرط أن تنقذني من غضب السير روبرت.

فدهش جان وقال لها: كيف ذلك؟

قالت: أصغ إليَّ. فقد كنت مصممة أن أحاربكم جميعكم، ولكني أجد الآن أن ذلك فوق مقدرتي، وأعترف أني مغلوبة، غير أني أسأت إلى نفسي بقصد الإساءة إليك، فأخبرت السير روبرت بكل الأمر وقلت له: إنك نَوَرِي مثلي وإن روجر من النَّوَر أيضًا، فجعلني آلة لكشف هذه الأسرار؛ فإذا أخبرتك أين هي غضب عليَّ وطردني لا محالة.

وكانت تتكلم والدموع تسيل من عينيها بحيث خدع جان بدموعها بالرغم عن حذقه واختباره، فهاجت في صدره عوامل المروءة وقال لها: إنه إذا طردك أقمت بيننا وكنت على خير حال.

فهزت رأسها وقالت: إنك لا تعلم ما ألقاه من اليأس لهذا التبديل؛ فقد تعودت أن أعيش عيش الترف والنعيم، وأن أكون من شريفات الإنكليز، ولذلك قاومتك وأردت أن أكون زوجة المركيز، غير أني ندمت لما بدا مني، فلا تقذف بي إلى الحضيض. دعني أعيش مع الذي جعلني وريثته فلا أقاومك بعد الآن.

قال: سوف نرى، فقولي لي الآن أين هي أختي؟

– إنها هنا، وأنت لديك كثير من الجواسيس، فاجمعهم وتسلقوا الجدران، بل هاجموا القصر؛ فإنك تجدها ولا يتهمني السير روبرت أني بحت بسره.

– أين هي أختي …؟ قولي … والويل لكِ إذا ماطلتِ.

فتكلفت هيئة الرعب الشديد وقالت: خير لي أن أعيش شقية مترددة من أن أموت في العشرين من عمري، وسأرشدك إلى المكان المسجونة فيه.

– إذن سيري أمامي، وثقي أنك إذا صحتِ أقل صيحة أغمدت خنجري بين كتفيك قبل أن تصيحي صيحة ثانية.

فقالت بصوت يتهدَّج بالدموع: إن الله عاقبني بآثامي فلا أعود إلى المقاومة. وقد مشت إلى المغارة ومشى جان في أثرها على قيد خطوة، حتى إذ وصلت إلى باب المغارة وقفت وقالت له: إني لا ألتمس منك غير أمر واحد.

– ما هو؟

– هو أن تقيد يدي ورجلي حين تنقذ أختك وتضع كمامة في فمي كي يثق السير روبرت أني ما خنته.

– إني أعدك بذلك، والآن إلى أين أنت ذاهبة بي؟

– اعلم أنه يوجد تحت هذه المغارة قاعة سرية لا يعلم سرها إلا أنا والسير روبرت، فخذ بيدي ولندخل إليها وهناك نضيئها. ألديك كبريت شمعي؟

– قال: نعم. ثم أخذ بيدها ولبث خنجره بيده الأخرى، حتى إذا دخلا المغارة أنار جان الكبريت فرأى مغارة متسعة لم يجد فيها بابًا فقال لها: أين الغرفة السرية؟ ألعلك هزأت بي؟

قالت: كلا. فانظر إلى هذا الحجر الكبير فإنه يحجب بابها، فإذا أزحته عن موضعه ظهر لك من تحته لولب صغير تضغط عليه فينكشف الباب، ولكني لا أستطيع إزاحة الحجر فهو ضخم كما تراه.

قال: أنا أزيحه. ثم انحنى وجعل يعالج ذلك الحجر الكبير حتى أزاحه وظهر له اللولب كما قالت.

فقالت له: اضغط عليه بقوة فوضع يده عليه وضغط بعنف شديد فوثبت ألن مسرعة إلى الوراء، وانشقت الأرض حيث كان جان، فهوى إلى جوف تلك الهوة وصاح صيحة هائلة سمعتها ألن فضحكت ضحك الهازئ وهي تقول: إذا لم يمت من السقطة فسيموت من الجوع.

•••

أما شمشون فإنه انتظر إلى أن عاد المسيو روبرت فجاء إلى باب الحديقة كي يخبر جان فلم يجده، فصفر الصفير الخاص وصبر فلم يأتِ؛ فمشى إلى الزقاق باحثًا عنه فلقي ليونيل صريعًا والدم يسيل منه، فحمله إلى أقرب مخفر وعاد إلى موقفه، فصبر إلى أن أشرق الصباح دون أن يحضر جان، فقال في نفسه: لا شك أنه عاد إلى المنزل بينما كنت أوصل ليونيل إلى المخفر.

وقد ذهب إلى المنزل فوجد الطبيب بولتون يعالج اليبسي، فسأل عن جان فقالوا له: إنه لم يعد، فأخبرهم بأمره واشتد قلق الطبيب عليه.

وفيما هم يتداولون دخل أحد الخدم برسالة وقال: إن أحد الخدم جاء بها وانصرف ففضها شمشون وعرف خط جان. قرأها على مسمع من الطبيب واليبسي، وهي تتضمن جملة واحدة وهي:

لا تقلقوا لغيابي فسأغيب عنكم خمسة أيام فقط.

وحكاية هذه الرسالة أن ألن حين ألقت جان في الهاوية عادت إلى الموقف الذي كانت فيه على رجاء أن تجد ليونيل؛ فعثرت رجلها بدفتر فالتقطته وهي موقنة أنه سقط من جيب جان حين كان يحاول خنقها.

وعند ذلك ذكرت ما قاله لها جان أن ليونيل لا يحضر وأنه دخل إلى الحديقة بمفتاحه، فذهبت إلى غرفتها وهي تطمع أن تقف على أسرار جان من هذا الدفتر، فلم تجد فيه غير مذكرات لا علاقة لها بالمركيز.

ولكنها استفادت من ذلك أنها مرنت يدها على خط جان، ثم نزعت ورقة من هذا الدفتر كتبت عليها تلك الجملة مقلدة خطه أتمَّ التقليد، وعند الصباح أرسلت تلك الرسالة مع أحد خدمها إلى منزل جان كي يطمئن رجاله عليه فلا يبحثون عنه.

وكانت قد لبثت في غرفتها إلى أن جاء السير روبرت فسألها قائلًا: ماذا فعلت؟

قالت: لقد قبضت على المركيز. وأنت ماذا فعلت؟

قال: إني دعوت الأشراف الثلاثة الذين ذكرتِهم لي للغداء عندي غدًا، ولقيت المركيز روجر في نادي الحسان ففعلت أيضًا ما أوصيتني به، وجعلت المحادثة تدور على نادي هرمين السري.

قالت: ماذا قال المركيز؟

قال: إنه أنكر وجود مثل هذا النادي في لندرا، ثم قال تأييدًا لحجته: إنه إذا كان هذا النادي موجودًا كما تدعون فإني أتعهد أن أكون من أعضائه.

قالت: إذن لقد تم لنا النصر.

قال: وأنا قد فعلت كل ما أوصيتني به. فهل تريدين أن تخبريني الآن بماذا يكون؟

قالت: كلا. ولكني وعدتك أن أبرهن لك على أن المركيز روجر هو ابن النورية سينتيا، وستقف غدًا على هذا البرهان أنت وأشراف الإنكليز.

قال: ألا يجمل بنا اتقاء هذه الفضيحة؟

قالت: كلا. فإن روجر لا يتنازل لأخيه إلا إذا افتضح الأمر لدى جميع الأشراف.

•••

وفي الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي ذهب الطبيب بولتون إلى المركيز ليتم عملية إزالة الوشم فأخبره المركيز بأمر هذه الجمعية السرية، وبما كان من تعهده بالانتظام فيها، وأن غرض هذه الجمعية معاقبة كل شريف يُقدم على أعمال منكرة، وأنه ينتظر أن يأتوا إليه في هذه الليلة فيدخلوه في سلك هذه الجمعية.

فأطرق الطبيب مفكرًا وقال: أرى أنك اندفعت اندفاعًا غير محمود، وأنك مخطئ في ذهابك إلى هذه الجمعية.

قال: ربما. ولكن لم يبقَ سبيل إلى الرجوع حذرًا من أن أُتَّهَم بالخوف.

وبعد هنيهة خرج الطبيب وهو يقول في نفسه: لقد أشغلت بالي هذه الجمعية، ولا شك أن هناك مكيدة تكيدها ألن.

أما المركيز فقد جاءه في ذلك اليوم رسول مقنع من قبل الجمعية، واتفق وإياه على أن يأتي إليه في اليوم التالي للذهاب به إليها.

وفي اليوم التالي جاءه ذلك الرسول عند انتصاف الليل فخرج وإياه وركبا مركبة، حتى إذا سارت بهما قال له الرجل: إني سأعصب عينيك حسب قواعد جمعيتنا، فهل تقسم لي أنك لا تنزع العصابة؟

قال: أقسم.

فعصب عينيه، وسارت بهما المركبة إلى أن وقفت؛ فخرج الرجل مع المركيز ودخلا من باب، فمشى وإياه بضع خطوات ثم قال له: لك الآن أن ترفع العصابة.

فرفع المركيز العصابة ونظر إلى ما حواليه، فرأى على نور القمر أنه في مقبرة، فقال له: أهنا تجتمعون؟

قال: ألعلك تخاف الأموات؟

قال: لا أخاف الأموات ولا الأحياء.

قال: إذن اتبعني.

وسار الاثنان بين القبور حتى وصلا إلى ضريح كبير من الرخام، ففتح الرجل باب الضريح وقال له: إلى مغارتك الآن. فادخل من هذا الباب تجد سلمًا، فانزل عليه حتى تبلغ الدرجة الأخيرة فتسير في رواق صغير تجد في آخره بابًا، فتقرعه ثلاث مرات وتذكر اسمك. والآن أعطني حسامك.

فأعطاه حسامه، ودخل المركيز غير هيَّاب، ونزل السلم حتى انتهى إلى الباب فقرعه، فأجابه صوت من الداخل قائلًا: من أنت؟

قال: أنا الذي تنتظرونه.

قال: من أنت؟

قال: أنا المركيز روجر دي إسبرتهون.

قال: ادخل.

ثم فتح الباب واتَّقدت الأنوار عند ذلك فأنارت المكان.

•••

ولنعد إلى سينتيا؛ فإنها بعد ساعة ذهب عنها تأثير المخدر وحُلت عقدة لسانها، فأخرجوها إلى القاعة بعد وثوقهم من انصراف جان، وأقاموا يتناوبون الحراسة عليها.

وفي اليوم التالي جاءت ألن فخفق قلب سينتيا، ولم تعلم أتثق بهذه الفتاة بعد ما رأته من حبها لولدها أم تحذر منها وقد قال لها أخوها: إنها عدوتهم اللدودة.

أما ألن فإنها دنت منها فأخذت يدها بين يديها وقالت: آه لو تعلمين كم يسوءني أن أراك جازعة وأنت أم روجر الذي لا أحب سواه في هذا الوجود.

قالت: إنك واهمة؛ فليس لي ولد.

قالت: إنك تحذرين مني وحقك أن تحذري في الظاهر؛ لأنهم لا بد أن يكونوا قد أخبروك بأني عدوة ولدك، والله يشهد أني أحبه.

قالت: لقد قلت لك إنه ليس لي ولد، ولا علاقة لي بهذا الفتى الذي تذكرينه، ولكن لنفترض أني أمه فكيف لا أحذر من امرأة اختطفتني في الطريق، وعهدت بحراستي إلى امرأة سافلة تعذبني؟

قالت: ومن أنبأك أن الذي حدث هنا قد جرى بأمري، بل من أنبأك أني لا أتعذَّب أشد مما تتعذبين، ولكني لا أحاول إقناعك فإن ذلك محال كما يظهر، ولم يبقَ لي إلا أن أقول بأنك حرة.

فصاحت سينتيا صيحة فرح، ومشت إلى الباب، ثم رجعت وقالت لها: ولكن لماذا حبستني يومين ثم أطلقت سراحي اليوم؟

فأجابتها قائلة: إذا أردت أن تعرفي السبب فلا بد من أن تدعيني أفترض أنك أم روجر، إن روجر يحبني وأنا أحبه، ولكنَّ رجلًا تعرفينه حال بيننا، وهذا الرجل هو جان دي فرانس؛ فإنه يحبني حبًّا فاسدًا، ويتعقبني منذ ثلاثة أعوام، وقد آلى على نفسه إهلاك خصمه؛ إذ بات ألد عدو له فهو يخدعك ويخدع المركيز إسبرتهون، ويمثل هذه الرواية الشائنة أقبح تمثيل، والآن فاذهبي إلى أخيك الذي تحبينه وتآمري وإياه — دون أن تعلمي — على إهلاك ولدك روجر. أما أنا فسأقاومكم بجملتكم وحدي لأني أحبه.

إني أحبه أسمعت؟ وسأجد من حبي قوة تعينني على إنقاذه من مخالبكم، ولكن إذا كنت تحبين أخاك حقيقة فاجتهدي أن تهديه سواء السبيل.

وعند ذلك دخل خادم من خدم المركيز روجر وهو يلهث من التعب فناول مس ألن رسالة وقال لها: هذه رسالة من سيدي المركيز.

فأخذت الرسالة، ولم تلبث أن قرأتها حتى شهقت وسقطت مغميًّا عليها بين يدي سينتيا، وأسرعت الهندية إليها فاغتنمت سينتيا هذه الفرصة ونظرت إلى الرسالة فقرأت فيها ما يأتي:

حبيبتي ألن،

إني سقطت في كمين، وسأموت بعد ساعة إذا لم تسرعي إلى نجدتي، فإني في قبضة جمعية هرمين السرية.

وعند ذلك فتحت ألن عينيها وقالت: هلموا إلى إنقاذه إنهم سيقتلونه، وصاحت سينتيا قائلة: ولدي ولدي.

فقبضت ألن على يدها وقالت لها: هلمي … أسرعي؛ فإن كل دقيقة نفقدها تقربه من الموت.

ثم خرجتا راكضتين إلى المركبة فصعدتا إليها، وأمرت ألن السائق أن ينهب الأرض إلى سانت حيل.

•••

والآن لندخل إلى نادي تلك الجمعية السرية قبل وصول المركيز روجر إليها ببضع دقائق، وذلك في قاعة مستديرة مفروشة بالحرير، وفي وسطها مائدة من البلاط الأبيض عليها نعش مكشوف وبجانبه مطرقة ومسامير، وقد وقف رجل بالقرب من تلك المائدة مقنع الوجه مرتديًا بملابس حمراء وهو مستند إلى حسام مجرد، وكان وقوفه في إناء كبير مملوء بالنخالة.

وأمام هذه المائدة منصة من الخشب كان جالسًا عليها اثنا عشر رجلًا يلبسون فرو السمور، وعلى وجوههم براقع من الحرير الأبيض، وهم جالسون دون حراك كالأصنام.

وكان بينهم رجل واقفًا في الوسط وراء منضدة من البلور، وهو يلبس مثل رفاقه، ولكنه كان يمتاز عنهم بعقد من الكهرباء في عنقه.

وكان على تلك المنضدة كثير من الأوراق وقضيب قصير من العاج، فقرع المنضدة بالقضيب استرعاءً للأسماع وقال: أيها اللوردية إني جمعتكم الليلة للاحتفال بدخول عضو جديد بيننا مشهود ببسالته وآدابه.

وقال له أحد الأعضاء: لقد علمنا بأمر هذا العضو، ولكننا لم نعرف اسمه.

قال: إنه يدعى المركيز روجر دي إسبرتهون.

فقال سواه: إذا كان ذلك فلا فائدة من إضاعة الوقت في امتحان بسالته فإنها مشهورة.

فقال الرئيس: لا أجد بدًّا قبل أن نخوض في الحديث من أن أذكركم بغايتنا من تأليف هذه الجمعية، وهي معاقبة كل شريف إنكليزي يسيء، وكل جريء يجسر على انتحال ألقاب الأشراف. إذن فاعلموا أنه حدثت جريمة عظيمة من هذا القبيل أبسطها لكم بكلمتين، وهي أن جريئًا من طائفة النَّوَر تجاسر على انتحال لقب لورد.

فظهرت علائم الاشمئزاز على الجميع، ومضى الرئيس في حديثه فقال: إني بينما كنت أعد اليوم دعوة اجتماعكم لإدخال المركيز إسبرتهون في جمعيتنا وردتني هذه الرسالة التي أتلوها عليكم وهي:

إن نادي هرمين لم يهتم إلى الآن إلا بأمور ثانوية، مثل كشف حيلة نبيل يحتال في سباق الخيل كي يجعل السبق لجواده، ومثل منع زواج الشريف من غنية من عامة الشعب طمعًا بمالها، إلى غير ذلك من الأمور التافهة التي لا تذكر بالقياس إلى الجريمة التي بسطتها لكم.

وإني أسأل جمعيتكم السرية أي عقاب يستحق من يخدع شعبًا بأسره وينتحل لقب سيد عظيم مات وهو في المهد، ويجسر على الجلوس في مجلس اللوردية؟

فضج الأعضاء لما سمعوه، وقال لهم الرئيس: إني ألقي عليكم هذا السؤال الذي سأله صاحب هذه الرسالة، فأي عقاب يستحقه هذا الرجل؟

فوقف أحد الأعضاء وأجاب قائلًا: يجب أن ينزع عن كرسيه وهو في مجلس اللوردية، وأن يجره الكناسون على الطرقات.

وقال آخر: وأنا أقترح نفيه إلى إحدى الجزر.

وقال سواه: أما أنا فأرتئي غير هذا الرأي.

فقال الرئيس: ماذا ترتئي؟

قال: إن أول شرط من شروط جمعيتنا أن يكون أعضاؤها من النبلاء، وأن يكون جميع الأعضاء متضامنين، فإذا دخل ذئب إلى قطيع يقتلونه، وكذلك إذا دخل ذئب مزوَّر بين النبلاء فقد وجب عليهم أنفسهم أن يقتلوه، وعلى ذلك فإذا ثبتت التهمة على المتهم أقترح أن يموت؛ فارتعش الحاضرون وجعلوا ينظرون إلى النعش الموضوع على المائدة وإلى الجلاد.

فقال الرئيس: إن البرهان موجود، إنما يجب قبل الحكم أن نعرض هذه الجريمة على العضو الجديد، أي على المركيز روجر، فمتى أبدى رأيه فتحت هذا الكتاب الثاني الذي ورد لي اليوم أيضًا؛ فإنه يتضمن اسم هذا المزور، وهو موجود بين أعضائنا.

فصاح الجميع قائلين: هذا محال؛ فإننا نعرف أنفسنا.

قال: لا تعجبوا فقد أنبَئوني بوجود براهين.

قالوا: إذن ليصدر الحكم في هذه الجلسة، وليتأهب الجلاد لإعدام الجاني، وعند ذلك طرق الباب ثلاث مرات، وذكر الطارق اسمه ففتح الباب، وكان هذا الداخل المركيز روجر نفسه؛ فوقف ينظر إلى تلك الوجوه المقنعة، وابتسم حين رأى النعش والجلاد.

فسأله الرئيس قائلًا: من أنت؟

قال المركيز دي إسبرتهون: وإني قائد فرقة الفرسان.

– ماذا تريد؟

– أريد التشرف بالانتظام في سلك جمعيتكم.

– هل أنت نبيل؟

– نعم.

– ألم تُقدم في حياتك على ما يمس الشرف؟

– على الإطلاق.

– حسنًا فأجب الآن على هذا السؤال، وهو: ما يستحق الرجل الذي ينتحل لقب سواه ويعبث بأشراف الإنكليز؟

– إن هذا الرجل لا يمكن أن يوجد.

– بل هو موجود. وتلا عليه الرسالة، فلما أتمها قال له روجر: إن هذا الرجل يستحق الموت.

قال: هو ذاك؛ فإن هذا النعش معد له، وهذا الجلاد الذي تراه سيقطع رأسه، والآن فاسمعوا الرسالة الثانية كي تعلموا اسم هذا المزور الذي حكمتم عليه:

منذ ثلاثة أيام عرضت امرأة نورية تدعى سينتيا شكواها إلى مدير البوليس، وادعت أنها بدلت طفلها بطفل ابن لورد إنكليزي ذكرت اسمه، فأصبح طفلها النوري ابن اللورد، وهو اليوم يعد من كبار النبلاء.

وهنا أوقف الرئيس التلاوة، وسأل روجر قائلًا: ألا تزال مصرًّا أيها المركيز أن هذا المزور يستحق الموت؟

قال: كل الإصرار.

فعاد الرئيس إلى تلاوة الكتاب وقال:

أما هذا الطفل الذي أبدل بابن اللورد، أي ابن سينتيا النورية، فهو يدعى اليوم المركيز روجر دي إسبرتهون.

فصاح روجر قائلًا: هذا زُور وبهتان.

وعند ذلك سمع الأعضاء صيحة أخرى وهي صيحة أُمٍّ، ثم فتح باب ودخلت منه امرأة منبوشة الشعر وقد جحظت عيناها فركضت إلى روجر فطوقته بذراعيها وقالت للرئيس: رحماك رحماك أشفق على ولدي. ارحم شبابه، ولا تحكم عليه بالموت، فهو بريء وأنا المجرمة. أتقتلون ولدي …؟ ولدي أميري الذي لا أحب غيره في الوجود. انظروا إليه ما أجمله!

أما روجر فإنه أبعدها عنه بعنف وخاطبهم قائلًا: أيها اللوردية إن هذه المرأة إذا كانت قالت الحق وأثبتت أني لست ابن اللورد إسبرتهون. أرجوكم أن تنفذوا بي حكم الإعدام في الحال.

ثم مشى إلى النعش فركع أمامه وقال لسينتيا: أنت يا من تدعين أنك أمي، هاتي برهانك إن كنت صادقة، وأنت أيها الجلاد تأهب.

ولكنه قبل أن يتم حديثه سُمع ضجيج في الخارج، ثم طرق الباب بعنف، وسمعوا صوتًا يقول: افتحوا باسم الشرع.

فأمر الرئيس بفتح الباب، فدخل رجل بملابس البوليس كان يتبعه رجل بالملابس المدنية واثنان بملابس عمال المستشفيات، فانحنى البوليس مسلمًا وقال لهم: أسألكم المعذرة أيها الأسياد لإزعاجكم، ولكنني ما أتيت إلا بمهمة سلمية، ولا أسألكم عن هذا النعش فما أتيت إلا لأساعد الطبيب ملتون وهو طبيب مستشفى المجانين في بلدام؛ فإن مجنونة هربت من المستشفى وجنونها ينحصر في كونها تدعي أنها أم فخامة اللورد إسبرتهون.

فكان لهذا الكلام أشد وقع على الحاضرين، ونظرت سينتيا إلى ما حواليها، وقد كاد يذهب صوابها، ولكنها فهمت كل ما جرى؛ فدنا الطبيب من الرئيس وقال له: إني كنت طبيب اللورد إسبرتهون الخاص حين كان حاكم الهند، وقد شهدت ولادة ابنه، ورأيته يترعرع حتى بلغ مبالغ الشباب، فلما جاءوني بهذه المنكودة وسمعتها تدعي أنها أم المركيز أيقنت من فوري أنها مجنونة، وأدخلتها إلى المستشفى.

ثم التفت إلى أحد العاملين وقال: احملها يا نيلي.

فدنا العامل منها، وعرفت سينتيا أنه شمشون، فتكلفت الجنون إثباتًا لقول الطبيب، وجعلت تضحك حين حملها شمشون وتقول: يا لورد إسبرتهون خير لك أن تعود من عالم الأموات كي تقنع هؤلاء المجانين أن روجر ولدنا.

فلم يبق سبيل للريب بأنها مجنونة، فلما انصرفوا بها اعتذر الرئيس إلى المركيز وقال: لقد ثبتت لنا شجاعتك أيها المركيز. وإننا نعترف بأنك جدير أن تكون منا، فقد رضيناك عضوًا عاملًا في جمعيتنا.

وعند ذلك أشار الرئيس إشارة؛ فأزيلت البراقع عن الوجوه، ودهش روجر دهشًا عظيمًا؛ إذ رأى أن جميع هؤلاء الأعضاء أصحابه في نادي الحسان، فقال: يخال لي أني حالم.

فقال الرئيس: لقد كاد حلمك يكون كابوسًا لو لم يحضر الطبيب ملتون. والآن فإني أقترح كتمان هذه الحادثة، وموعد الجلسة القادمة بعد ثلاثة أيام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤