اختطاف «جلجل»

أسرع «جلجل» في الصباح لمقابلة «تختخ» والاعتذار له؛ لأنه لم يذهب إلى الطاحونة، ويُحضر المسروقات، ولكنه لم يجد أحدًا سوى «لوزة» فروى لها كلَّ ما حدث، خاصةً موضوع الشعر الوقح الذي كان فخورًا به جدًّا، حتى إنه قال ﻟ «لوزة»: إنني سعيدٌ جدًّا لأنني كتبت هذا الشعر يا «لوزة»، برغم أنني لا أذكر أنني كتبتُه أبدًا.

وتألَّمت «لوزة» لأن «جلجل» وقع في هذا المقلب، وقررت أن تطلب من «تختخ» الاعتراف.

ودَّع «جلجل» «لوزة» وخرج عائدًا إلى منزله، ولكنه قرر أن يتنزه قليلًا ليُكملَ كتابة الشعر الذي بدأه أمس، فاختار طريقًا بعيدًا ليُمضيَ أطول وقت مُمكن بعيدًا عن البيت.

كان «جلجل» يسير مُستغرقًا في أفكاره، عندما سمع صوت سيارة مُقبلة خلفه، فوقف على جانب الطريق حتى تمر، مرت السيارة وشاهد «جلجل» مَن في السيارة، كان هناك السائق، ورجلٌ آخر بجواره أخذ يَنظر إلى «جلجل» بحدَّة، ثم أمر السائق بإيقاف السيارة.

استأنف «جلجل» السير حتى وصل إلى السيارة، ففتح السائق النافذة وسأله: من فضلك يا بُني، هل تعرف الطريق إلى مكتب البريد؟

جلجل: نعم إنه في آخر هذا الطريق، بعد أن تدور شمالًا مرةً واحدة!

السائق: ما دمت في طريقنا فتعالَ معنا، وهذه القروش العشرة مكافأة لك على إرشادنا.

قفز «جلجل» إلى السيارة، وقد أسعده أن يركب سيارةً فاخرة مثلها، ثم يحصل على عشرة قروش أيضًا، وكان الرجل الآخر الذي في السيارة يقرأ في جريدةٍ أمسكها بيديه وأخفى بها وجهه.

مضت السيارة في طريقها، وبدلًا من أن تستدير شمالًا لتصل إلى مكتب البريد، استدارت يمينًا ثم مضت في سرعةٍ كبيرة خارجة عن المساكن.

انتظر «جلجل» دقائق ثم سأل السائق: إلى أين أنتم ذاهبون؟! هذا ليس طريق مكتب البريد! ردَّ الرجلُ الذي كان يخفي وجهه في الجريدة قائلًا: سوف ترى أين نذهب، إننا سنَأخُذُك إلى المكان الذي يختفي فيه الأولاد الذين يتدخَّلون في غير شئونهم.

جلجل: ماذا تقصد، وهل تدخلتُ في شئونكم؟

الرجل: ستعرف حالًا، ألستَ أنت «توفيق خليل» الشهير ﺑ «تختخ» الذي حضر إلى الجراج يسأل عن «عشماوي»؟ هل تظنُّ أنك ذكي؟

لم يفهم «جلجل» شيئًا مما قاله الرجل، وبالطبع كان الرجل يقصد «تختخ» الذي ذهب متنكرًا في شكل «جلجل» إلى الجراج …

قال «جلجل»: ولكنِّي لستُ «توفيق خليل»، أنا «جلال» وشهرتي «جلجل» وعمي شاويش الشرطة في هذه المنطقة!

قال الرجل: هل تضحك علينا أيضًا؟ هل تظن أننا أطفال؟ إننا نفهم كل شيءٍ.

وأدرك «جلجل» أنه قد اختُطف، وعندما جاءت كلمة الاختطاف في ذهنه تذكَّر حديث «تختخ» عن عصابة الاختطاف … وارتعَشَ وأحسَّ أنه قد قُضيَ عليه.

وصلت السيارة إلى جراجٍ آخر يَملكه «عشماوي».

وحمل الرجلان «جلجل» إلى غرفةٍ صغيرة داخل الجراج، ثم فتحا بابها وألقيا به فيها وقال «عشماوي»: ستَقضي هنا النهار كله، وإذا كنتَ ولدًا عاقلًا فسنُقدِّم لك الطعام والشراب، وفي الليل سوف ننقلك إلى مكانٍ آخر، حتى نُقرِّر ماذا سنفعل بك!

وجد «جلجل» نفسه وحيدًا في غرفةٍ ضيقة قذرة، ولم يكن في الغرفة نافذة واحدة، والضوء القليل الذي يدخل كان يأتي من فتحةٍ صغيرة في السقف.

أحسَّ «جلجل» بالوحدة والخوف، فبكى، وأخذَت دموعُه تتساقط على خدَّيه، وهو يرتعش، وبعد فترةٍ كفَّ عن البكاء؛ فقد أحس بالجوع وأصبح كل ما يفكر فيه أن يحصل على لقمة.

وفي الساعة الثانية تقريبًا سمع صوت الباب يُفتح، وامتدت يدٌ حملت إليه رغيفًا وقطعة من الجبن، وزجاجة بها ماء، أسرع «جلجل» إلى الطعام فتناوله بنفسٍ مفتوحة، وبعد لحظات غلبه التعب فنام.

عندما استيقظ «جلجل» كان الظلام قد هبط، وسمع صوتًا يقول له: اخرج!

قال «جلجل» متسائلًا: إلى أين؟

لم يرد عليه أحد، بل امتدَّت يدان جذبتاه خارج الغرفة، وبعد لحظاتٍ كان في الكرسي الخلفي للسيارة التي انطلقت به في الظلام.

كان النوم قد ساعد «جلجل» على استعادة تفكيره، فأخذ يفكر: ماذا أفعل الآن؟ كيف أخبر الأصدقاء بما حدث لي!

تذكَّر «جلجل» الأدلة العشرة التي جمعها من التل، وفكَّر لو أنه استطاع أن يلقيها في الطريق، فقد يعثر عليها أحدٌ من الأصدقاء، وهم جميعًا يَعرفونها، ويستطيعون عن طريقها الوصول إليه.

رفع «جلجل» رأسه بهدوء، وأخذ ينظر من النافذة، كانت السيارة تمضي في وسط «المعادي» حتى إنه استطاع مشاهدة منزل «عاطف».

مدَّ «جلجل» يده في هدوءٍ شديد، وأخذ يفتح زجاج السيارة دون أن يشعر الرجلان بشيء، وأخرج الأدلة من جيبه، وأخذ يُلقيها واحدًا وراء الآخر إلى الطريق.

الزرار … قطعة القماش … عقب السيجارة … وظل يرمي كل مسافة بدليلٍ حتى انتهت كلها.

أعاد «جلجل» إغلاق زجاج النافذة بهدوء، ثم استلقى على ظهره سعيدًا، فقد استطاع أن يصنع شيئًا هامًّا، وسوف يجد أحد المغامرين الخمسة دليلًا أو أكثر، ويعرفون الطريق الذي سارت فيه العربة.

أحس «جلجل» بالإعجاب بنفسه، حتى إنه نسيَ الاختطاف، وابتسم في سعادة، وشعر بالعربة وقد خرجت من المعادي، ثم سارت في طريقٍ ضيق غير مرصوف، ثم توقفت، وسمع صوت بوابات حديد تُفتح ثم سارت العربة قليلًا ووقفت، ولم ينزل أحد، وبدلًا من أن تسير العربة مرةً أخرى شعر بها تنزل إلى أسفل … تنزل في الأرض … وكأن مصعدًا يحملها من فوق إلى تحت.

شعر «جلجل» بالخوف مرةً أخرى، ثم سمع صوت «عشماوي» وهو يقول له: والآن اخرج يا «تختخ»، لقد وصلت إلى المكان الذي كنتَ تبحث عنه، ولكنك ستتمنَّى حالًا لو أنك لم تسمع باسمه في حياتك … مرحبًا بك في المنزل الغامض الخفي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤