الفصل الثاني

المناسبة بين الآيات والسور

إذا كان علم «أسباب النزول» يَربط الآية أو المجموعة من الآيات بسياقها التاريخي، فإنَّ علم المناسبة بين الآيات والسور يتجاوز الترتيب التاريخي لأجزاء النص ليبحث في أوجه الترابط بين الآيات والسور في الترتيب الحالي للنص وهو ما يُطْلَق عليه «ترتيب التلاوة» في مقابل «ترتيب التنزيل». وإذا كان فهم علماء القرآن قد انتهى إلى أن ترتيب الآيات داخل السورة ترتيب «توقيفي» فإنهم اختلفوا في ترتيب السور داخل المصحف، هل هو توقيفي أم توفيقي١ ولكن العلماء المتأخِّرين يميلون إلى جعل ترتيب السور داخل المصحف توقيفيًّا أيضًا؛ وذلك لاتِّساق هذا الفهم مع تصور الوجود الأزلي السابق للنص في اللوح المحفوظ. إن الفارق بين ترتيب «التنزيل، وبين ترتيب «التلاوة» فارق في النظم والتأليف يمكن أن يجعل الكشف عن «المناسبة» بين الآيات داخل السورة الواحدة، وبين السور المختلفة كشفًا عن وجه آخر من وجوه الإعجاز:
«فالمصحف كالصحف الكريمة على وفق ما في الكتاب المكنون مرتَّبة سورُه كلها وآياته بالتوقيف. وحافظ القرآن العظيم لو استُفْتِيَ في أحكام متعدِّدة أو ناظر فيها، أو أملاها لذَكر آية كل حكم على ما سُئل. وإذا رجع إلى التلاوة لم يَقُل كما أفتى، ولا كما نزل مُفرَّقًا، بل کما أُنزِل جملة إلى بيت العزة. ومن المعجز البين أسلوبه ونَظمُه الباهر، فإنه كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ. وقال: والذي يَنبغي في كل آية أن يبحث أول كل شيء عن كونها مُكمِّلة لما قبلها أو مُستقلة. ثم المستقلة، ما وجه مناسبتها لما قبلها، ففي ذلك علم جم، وهكذا في السور يطلب وجه اتصالها بما قبلها وما سيقت له.»٢

من هذه الزاوية يَرتبط علم «المناسبة» بقضية الإعجاز من حيث هي في حقيقتِها بحث في آليات النص الخاصة التي تُميزه عن غيره من النصوص داخل الثقافة. إنَّ الفارق بين علم «المناسبة» وعلم «أسباب النزول» فارق بين درس علاقات النص في صورتها الأخيرة النهائية، وبين درس أجزاء النص من حيث علاقاتها بالظروف الخارجية، أو بالسياق الخارجي لتكوُّن النص وتشكُّله. إنه بعبارة أخرى فارق بين البحث عن جماليات النص وبين البحث عن دلالة النص على الوقائع الخارجية. من هنا نفهم إصرار القُدماء على أن علم أسباب النزول علم «تاريخي»، في حين أن علم المناسبة علم «أسلوبي»؛ بمعنى أنه يهتمُّ بأساليب الارتباط بين الآيات والسور:

«واعلم أنَّ المناسبة علم شريف تَحزر به العقول، ويعرف به قدر القائل فيما يقول. والمناسبة في اللغة: المقاربة، وفلانٌ يُناسب فلانًا؛ أي يقرب منه ويشاكله. ومنه النسيب الذي هو القريب المتَّصل؛ كالأخوين وابن العم ونحوه، وإن كانا مُتناسبَين بمعنى رابط بينهما، وهو القرابة. ومنه المناسبة في العلة في باب القياس: الوصف المُقارب للحكم؛ لأنه إذا حصلت مقاربته له ظنَّ عند وجود ذلك الوصف وجود الحكم، ولهذا قيل: المناسبة أمر معقول، إذا عُرض على العقول تلقَّته بالقبول. وكذلك المناسبة في فواتح الآي وخواتمها، ومرجعها — والله أعلم — إلى معنًى ما رابط بينهما: عام أو خاص، عقلي أو حسِّي أو خيالي، وغير ذلك من أنواع العلاقات. أو التلازم الذهني كالسبب والمسبب، والعلَّة والمعلول، والنظيرَين، والضدَّين ونحوه. أو التلازم الخارجي كالمرتب على ترتيب الوجود الواقع في باب الخبر. وفائدته جعل أجزاء الكلام بعضها آخذًا بأعناق بعض، فيَقوى بذلك الارتباط، ويصير التأليف حاله حال البناء المحكم المتلائم الأجزاء.»٣

إن «المناسبة» بين الآيات والسور تقوم على أساس أن النص وحدة بنائية مُترابطة الأجزاء. ومهمة المفسر محاولة اكتشاف هذه العلاقات أو «المناسبات» الرابطة بين الآية والآية من جهة، وبين السورة والسورة من جهة أخرى. وبديهي أن اكتشاف هذه العلاقات يَعتمِد على قدرة المفسر وعلى نفاذ بصيرته في اقتحام آفاق النص. إن المناسبة قد تكون عامة وقد تكون خاصة، قد تكون عقلية ذهنية أو حسية أو خيالية، وقد تعتمد العلاقات على التلازم سواء كان تلازمًا ذهنيًّا أم حسيًّا خارجيًّا. ومعنى ذلك أن «العلاقات» و«المناسبات» احتمالات مُمكنة على المفسر أن يحاول اكتشافها وتحديدها في كل جزء من أجزاء النص. إن اكتشاف علاقات الآيات والسور ليس معناه بيان علاقات مستقرة كائنة ثابتة في النص، بل معناه تأسيس علاقة بين عقل المفسر وبين النص، من خلالها يتم اکتشاف علاقات أجزاء النص. من هنا قد يَعتمِد مُفسِّر على بعض معطيات النص ليكتشف من خلالها علاقات خاصة، بينما يعتمد مفسر آخر على معطيات أخرى فيكشف عن نمط آخر من العلاقات. إن العلاقات أو «المناسبات» بين أجزاء النص ليسَت في حقيقتها إلا وجهًا آخر للعلاقة بين عقل المفسِّر أو القارئ وبين معطيات النص. أو لنقل بعبارة أخرى إن المفسر يكتشف جدلية أجزاء النص من خلال جدله هو مع النص. ولعلَّ ذلك هو الذي دعا بعض العلماء إلى الاعتراض على علم «المناسبة»، وذلك انطلاقًا من البُعد «التاريخي» للنص وهو بعد ارتباط الآية بسبب خاص:

«وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: المُناسبة علم حسن ولكن يُشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقَع في أمر مُتَّحِدٍ مُرتبط أوله بآخره. فإن وقع على أسباب مُختلفة لم يُشترط فيه ارتباط أحدهما بالآخر. قال: ومن ربط ذلك فهو مُتكلف بما لا يَقدر عليه إلا برباط ركيك يُصان عنه حسن الحديث فضلًا عن أحسنِه، فإنَّ القرآن نزل في نَيِّف وعشرين سنة في أحكام مختلفة ولأسباب مختلفة، وما كان كذلك لا يتأتَّى ربط بعضِه ببعض، مع اختلاف العلل والأسباب، كتصرف الملوك والحكام والمُفتين، وتصرُّف الإنسان نفسه بأمور مُتوافِقة ومتخالفة ومتضادة. وليس لأحد أن يطلب ربط بعض تلك التصرفات مع بعض، مع اختلافها في نفسها، واختلاف أوقاتها.»٤

وقد وهمَ عز الدين بن عبد السلام كما يقول القدماء لا لأن القرآن «على حسب الحكمة ترتيبًا» فحسب، بل لأنه خلط بين التصرُّف العام وبين التصرُّف اللغوي. إنَّ للغة آلياتها الخاصة التي بها تمثل الواقع، فهي لا تُمثل الوقائع تمثيلًا حرفيًّا بل تصوغها صياغة رمزية وفق آليات وقوانين خاصة. من هنا قد تكون العلاقات بين «الوقائع» الخارجية مُفتقَدة، ولكن اللغة تصوغ هذه «الوقائع» في علاقات لغوية. والنص القرآني وإن كانت أجزاؤه تعبيرات عن وقائع متفرِّقة نصٌّ لُغوي له قدرة على تنمية وإبداع علاقات خاصة بين الأجزاء، وهي العلاقات أو المناسبات التي يبحث فيها هذا العلم. إن الوقائع الخارجية في النص القرآني يمكن أن تتماثَل مع «الأغراض» المتعدِّدة أو «الموضوعات» الخارجية المختلفة للقصيدة الجاهلية. وإذا كانت هذه الأغراض والموضوعات لم تمنع كون القصيدة «وحدة» من العلاقات التي يتحتَّم أن يكشفها الناقد أو القارئ، فإن «وحدة» النص القرآني بوصفه «بناءً مترابط الأجزاء» — على حد تعبير القدماء — هي الغاية التي يبحث عنها «علم المناسبة».

(١) المناسبة بين السور

كان من الطبيعي وقد انطلَق العلماء إلى البحث في «المناسبة» بين السور والآيات، من منطلق التساؤل عن الحكمة في جعل آية إلى جنب آية، وفي جعل سورة إلى جنب السورة؛ أن يُحاولوا إيجاد روابط عامة بين السور من حيث المضمون أولًا. وكان من الضروري أن تحتلَّ سورة «الفاتحة» مكانة خاصة من حيث إنها تُمثِّل المدخل الأساسي للنص كما يتبيَّن من اسمها «الفاتحة» أو «أم الكتاب». إنَّ الفاتحة لا بد إذن أن تتضمَّن — ولو على سبيل الإشارة — كل أقسام القرآن. إنها بمثابة الافتتاحية، أو الحركة الأولى في القصيدة السيمفونية، لا بد أن تُومئ إلى باقي الحركات. وعلى ذلك يُمكن حصر علوم القرآن في ثلاثة أقسام، تُشير سورة الفاتحة إلى كل قسم منها على سبيل التمهيد والافتتاح، وبذلك تكتسب مكانتها بوصفها «أم الكتاب».

أم علوم القرآن، ثلاثة أقسام: توحيد وتذكير وأحكام؛ فالتوحيد تدخل فيه معرفة المخلوقات ومعرفة الخالق بأسمائه وصفاته وأفعاله. والتذكير ومنه الوعد والوعيد والجنة والنار وتصفية الظاهر والباطن. والأحكام ومنها التكاليف وتَبْيين المنافع والمضار، والأمر والنَّهي والنَّدب … ولهذا المعنى صارت فاتحة الكتاب أم الكتاب؛ لأنَّه فيها الأقسام الثلاثة: فأما التوحيد فمِن أولها إلى قوله: يَوْمِ الدِّينِ، وأما الأحكام ﻓ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وأما التذكير فمن قوله اهْدِنَا إلى آخرها، فصارت بهذا أمًّا لأنه يتفرَّع عنها كل نبت.٥

وإذا كان انحصار أقسام القرآن في هذه العلوم الثلاثة — التوحيد والتذكير والأحكام — قد أدَّى إلى كشف العلاقات بين الفاتحة والقرآن كله، فإنه يُفسر أيضًا ما قيل عن سورة الإخلاص من أنها تَعدل «ثلث» القرآن:

«لذلك قيل في معنى قوله قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ تعدل ثلث القرآن، يعني في الأجر؛ وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وقيل ثلثُه في المعنى. لأنَّ القرآن ثلاثة أقسام كما ذكرنا. وهذه السورة اشتملَت على التوحيد.»٦

ولكن علينا أن نُلاحظ أن هذه العلاقات العامة ليست بديلًا عن العلاقات الخاصة التي تُوجد بين السورة — سورة الفاتحة — وبين السورة التالية لها وهي سورة البقرة. والعلاقة الخاصة أقرب إلى أن تكون علاقة أسلوبية لُغوية في حين تكون العلاقات العامة علاقات في المضمون والمُحتوى. هذه العلاقة الأسلوبية اللغوية تتمثَّل في أن سورة «الفاتحة» تنتهي بالدعاء: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ. وهذا الدعاء يجد الإجابة عليه في أول سورة «البقرة» الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ. ويكون النص على ذلك متَّصلًا.

كأنهم لما سألوا الهداية إلى الصراط المستقيم قيل لهم: ذلك الصراط الذي سألتم الهداية إليه هو الكتاب.٧

وإذا كان الارتباط بين سورة الفاتحة وسورة البقرة ارتباطًا أسلوبيًّا فإن العلاقة بين سورة البقرة وسورة آل عمران أشبه بالعلاقة بين «الدليل» و«شبهات الدليل» من حيث إن سورة البقرة «بمنزلة إقامة الدليل على الحكم»؛ وذلك لأنها «تضمَّنت قواعد الدين» أما سورة آل عمران «بمنزلة الجواب عن شبهات الخصوم».

ولهذا قرن فيها ذكر المتشابه منها بظهور الحجة والبيان فإنه نزل أولها في آخر الأمر لما قدم وفد نجران النَّصارى وآخرها يتعلَّق بيوم أُحُد، والنَّصارى تمسَّكوا بالمتشابه فأجيبوا عن شُبَههم بالبيان. ويوم أُحُد تمسَّك الكفار بالقتال فقوبلوا بالبيان. وبه يُعلَم الجواب لمن تتبَّع المتشابه من القول والفعل. وأوجب الحجَّ في آل عمران، وأما في البقرة فذكر أنه مشروع وأمر بتمامه بعد الشروع فيه، ولهذا ذكر البيت والصفا والمروة.٨

وإذا كان هذا الترابط بين «البقرة» و«آل عمران» ترابطًا يعتمد على نوع من التأويل يكاد يقصر محتوى سورة «آل عمران» على الآية السابعة منها، فإن علينا أن نُلاحظ كيف اعتمد المفسِّر في هذا التأويل على «سبب النزول» أولًا، ثم كيف أعاد تفسير آخر السورة اعتمادًا على سبب نزوله أيضًا — موقعة أحد — ليربطه بمفهوم «التشابه» وقد أدَّى هذا التأويل إلى اختصار محتوى سورة «آل عمران» في «الجواب على شبهات الخصوم»؛ وذلك لتكون مكملة لسورة البقرة المتضمنة «إقامة الدليل على الحكم». وإذا تساءلنا: ما هو الحكم الذي تتضمن سورة البقرة «إقامة الدليل» عليه، وتتضمَّن سورة «آل عمران» الجواب عن «شبهات» الخصوم عليه؟ كان جواب المفسِّر القديم أن الحكم هو المتضمن في سورة الفاتحة ويَشتمل على:

«الإقرار بالربوبية، والالتجاء إليه في دين الإسلام، والصيانة عن دين اليهودية والنصرانية.»٩

ومعنى ذلك أن الأحكام التي تدل عليها سورة الفاتحة تتضمَّن سورة البقرة «الدليل» عليها، وتتضمَّن سورة آل عمران «الجواب على شبهات الخصوم» الخاصة بهذا الدليل. ولما كانت شبهات الخصوم على الدليل الإسلامي تأتي من جانب اليهود أو من جانب النصارى؛ فقد كان من الطبيعي أن تسبق سورة البقرة سورة آل عمران، بحكم أسبقية علاقة الإسلام باليهود من جهة بحكم التجاور المكاني، وبحكم أسبقية التوراة للإنجيل من جهة أخرى من الناحية التاريخية:

«وكان خطاب النصارى في آل عمران أكثر، كما أن خطاب اليهود في البقرة أكثر؛ لأنَّ التوراة أصل والإنجيل فرع لها، والنبي لما هاجر إلى المدينة دعا اليهود وجاهدهم، وكان جهاده للنصارى في آخر الأمر، كما كان دعاؤه لأهل الشرك قبل أهل الكتاب. ولهذا كانت السور المكية فيها الدِّين الذي اتفق عليه الأنبياء، فخوطب بها جميع الناس، والسور المدنية فيها خطاب مَن أقر بالأنبياء من أهل الكتاب، فخُوطبوا يا أهل الكتاب، يا بني إسرائيل.»١٠

ومن الطبيعي بعد ذلك كله أن تكون سورتا «النساء» و«المائدة» مُتضمنتَين لتفاصيل الأحكام والشرائع؛ حيث تتضمَّن السورة الأولى أحكام العلاقات الاجتماعية بين البشر، بينما تتضمَّن السورة الثانية أحكام العلاقات التجارية والاقتصادية. وإذا كانت الأحكام التشريعية — سواء على مستوى العلاقات الاجتماعية أو على مستوى العلاقات الاقتصادية — مجرَّد وسائل لغايات ومقاصد أخرى هي حماية المجتمع والحفاظ على سلامته، فإن هذه المقاصد تتكفَّل بها سورتا الأنعام والأعراف. وبذلك يكون ترتيب السور داخل المصحف قائمًا على أساس البدء بالكليات التي تصُوغها أولًا سورة الفاتحة، ثم تتكفل سورة البقرة بالكشف عن الأحكام. وعلى حين تمثل سورة آل عمران «الجواب على شبهات الخصوم» الخاصة بهذه الأحكام، تكون سورتا النساء والمائدة بمثابة تفصيلٍ تشريعيٍّ للحدود في مجال العلاقات، ثم تتكفَّل السورتان التاليتان ببيان مقاصد الشريعة وغاياتها من هذه الأحكام التفصيلية.

وأما سورة النساء فتتضمَّن جميع أحكام الأسباب التي بين الناس، وهي نوعان: مخلوقة لله تعالى، ومقدورة لهم، كالنسَب والصهر، ولهذا افتتحها الله بقوله: رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ثم قال: وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ، وبيَّن الذين يتعاهَدُون ويتعاقَدُون فيما بينهم، وما تعلَّق بذلك من أحكام الأموال والفروج والمواريث. ومنها العهود التي حصَلَت بالرسالة، والتي أخذها الله على الرسل.

وأما المائدة فسورة العُقود وبهن تمام الشرائع، قالوا: وبها تمَّ الدين، فهي سورة التكميل. بها ذكر الوسائل كما في الأنعام والأعراف ذكر المقاصد، كالتحليل والتحريم، كتحريم الدماء والأموال وعقوبة المعتدين. وتحريم الخمر من تمام حفظ العقل والدِّين. وتحريم الميتة والدم والمُنخنقة، وتحريم الصيد على المُحْرِم من تمام الإحرام. وإحلال الطيبات من تمام عبادة الله. ولها ذكر فيها ما يختصُّ بشريعة محمد کالوضوء والحكم بالقرآن فقال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وذكر أنه من ارتدَّ عوَّض الله بخير منه ولا يزال هذا الدين كاملًا، ولهذا قيل: إنها آخر القرآن نزولًا، فأحلُّوا حلالها وحرَّموا حرامها.١١

ولكن هذه العلاقات المضمونية كلها لا تنفي وجود علاقات لُغوية وأسلوبية أخرى كما سبقت لنا الإشارة في العلاقة الخاصة بين سورة الفاتحة وسورة البقرة. ومن الطبيعي أن يكون اكتشاف هذه العلاقات اللغوية والأسلوبية مُعتمدًا بدوره أيضًا على نوع من التأويل لا يَختلف كثيرًا عن التأويل الذي يتمُّ على أساسه اكتشاف العلاقات المضمونية. من هذا التأويل الذي يتم به اكتشاف العلاقة بين آخر سورة «المائدة» وأول سورة «الأنعام». تَنتهي سورة المائدة بقوله تعالى: قَالَ اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِلهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وتبدأ سورة «الأنعام» بقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ. وقد يَذهب الباحث المعاصر إلى الاكتفاء بتكرار ألفاظ «السموات والأرض» في نهاية السورة الأولى وبداية السورة الثانية لإقامة «المناسبة» أو «العلاقة» اللغوية بينهما. لكن الاعتماد على مجرد ظاهرة التكرار لا يكفي عالم القرآن الذي يريد أن يجد للعلاقة التي يكتشفها سندًا من النص ذاته، ولو من جزء ثالث منه.

لذلك يتجاوز عالم القرآن مجرد الوقوف عند الآية الأخيرة ليتأمل الموقف في الآيات الخمس الأخيرة كلها من سورة المائدة حيث يَفصل الله بين عيسى ابن مريم وبين قومه يوم القيامة في شأن ادِّعائهم ألوهيته. وإذا كان الموقف العام لنهاية السورة موقف «الفصل»، فإن علاقته ببداية سورة الأنعام التي تبدأ «الحمد لله» علاقة يمكن اكتشافها استنادًا إلى جزء ثالث في النص هو قوله تعالى: وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.١٢
إنَّ الارتباط الذي يُؤسِّسه النص بين «القضاء والفصل» وبين «الحمد» يتحوَّل إلى قانون عام يفسر علاقات بعض السور. وإذا كانت سورة «فاطر» أيضًا تبدأ بالحمد فإن المناسبة بينها وبين السورة السابقة عليها هي العلاقة بين الحمد والفصل والقضاء؛ حيث تنتهي سورة «سبأ» السابقة عليها بقوله تعالى: وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ. ومع ذلك فيُمكن الاستئناس هنا بنص آخر إن قال قائل إن موقف «فصل القضاء» لا يُشبه الموقف في نهاية سورة «سبأ»، وهو موقف «الحيلولة» بين الكافر وبين ما يُريد، ذلك النص هو قوله تعالى: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ١٣ ولا شك أن «قطع الدابر» أشد دلالة على «الحيلولة» من حيث هو قضاء على الوجود ذاته.

وثمَّة علاقات بين السور لا تحتاج لهذا القدر من التأويل، بل تعتمد على وجود نوع من الترابط اللغوي أو تعتمد على التكرار اللغوي بين لفظ في آخر السورة ولفظ في أول السورة التي تليها. من النمط الثاني انتهاء سورة «الواقعة» بالأمر بالتسبيح وافتتاح سورة «الحديد» بالتسبيح. ومن النمط الأول العلاقة بين سورتي «الكهف» و«الإسراء»، ورغم أن العلاقة بين هاتين السورتين تُكتشف من خلال بدايتهما لا من خلال نهاية الأولى وبداية الثانية كما في الأمثلة السابقة، فإن اقتران التسبيح بالحمد في الصيغة الدعائية «سبحان الله والحمد لله» هو الذي يُقيم الرابطة بين السورتَين؛ حيث تبدأ سورة الإسراء بقوله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا بينما تبدأ سورة «الكهف» بقوله: الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ.

لأنَّ التسبيح حيث جاء مُقدَّمٌ على التحميد، يقال: سبحان الله والحمد لله.١٤
وبناءً على فكرة التشابه بين بدايات السور يستطيع عالم القرآن أن يُفسر ترتيب السور التي تبدأ بحروف متشابهة مثل «حَم»، وهي السور التي أُطلق عليها اسم «الحواميم»،١٥ ولكن المناسبة بين السور القصيرة يمكن أن تدخلنا في علاقات لغوية أكثر تحديدًا. إن العلاقة بين سورة «الفيل» وسورة «قريش» علاقة ارتباط لغوي تُحوِّلهما إلى سورة واحدة لو تقبَّلنا منظور القدماء لهما. وإذا كانت السورة الأولى تَنتهي بقوله تعالى: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ فإنَّ السورة الثانية تبدأ باللام لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ وبدلًا من أن تكون هذه اللام مُتعلِّقة بالمحذوف العامل في رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ تكون متعلِّقة بنهاية السورة الأولى فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ. وبذلك تكون السورتان سورة واحدة، ويكون المعنى: إنَّ الله قضى على أصحاب الفيل وكان ثمرة ذلك وعاقبته أن قريشًا تآلَفَت. وتكون هذه اللام في أول سورة «قريش» لام العاقبة استنادًا إلى الأخفش الذي ذهب. إلى أن اتِّصالهما من باب قوله فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا.١٦
وإذا كان الاتصال بين سورتي «الفيل» و«قريش» اتصالًا لغويًّا دلاليًّا، فإن الاتصال بين سورتي «المسد» و«الإخلاص» اتصال إيقاعي يعتمد على تناغم الفاصلة الأخيرة في سورة «المسد» مع فواصل سورة «الإخلاص». ولعلَّ مما يُقوِّي هذا الترابط أن الفاصلة الأخيرة من سورة «المسد» تخالف فواصل السورة نفسها؛ فهي على حرف الدال وفواصل السورة كلها على حرف الباء. وإذا كانت فواصل سورة «الإخلاص» كلها على حرف الدال فإن هذا من شأنه أن يخلق ترابطًا إيقاعيًّا بين السورتين.١٧

والنمط الأخير من العلاقات بين السور القصيرة هو علاقة «التقابل» وهو نمط نجده بين سورتي «الماعون» و«الكوثر» من جهة، وبين سورتي «الضحى» و«الشرح» من جهة أخرى. في سورة الماعون صفات أربع يقابلها في سورة «الكوثر» صفات أربع نقيضة.

«لأنَّ السابقة قد وصف الله فيها المنافق بأمور أربعة: البُخل وترك الصلاة، والرياء فيها، ومنع الزكاة. فذكر هنا في مقابلة البخل: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ أي الكثير. وفي مقابلة ترك الصلاة «فَصَلِّ» أي دُم عليها. وفي مقابلة الرياء «لِرَبِّك» أي لرضاه لا للناس، وفي مقابلة منع الماعون «وانْحَر»، وأراد به التصدُّق بلحم الأضاحي. فاعتبر هذه المناسبة العجيبة.»١٨

ومثل هذا التقابُل نجده بين سورتي «الضحى» و«الشرح» من حيث إن السورة الأولى تسعى إلى نفي ما أشاعه المشركون من هجر رب محمد له ثم تُعدِّد لمحمد المواقف التي سانَدَه فيها الله، والسورة الثانية — من هذه الزاوية — تمثل استمرارًا للسورة الأولى، وهو استمرار يؤكده التشابه الأسلوبي المعتمد على الاستفهام والنفي «ألم …» المتكرِّر في السورتين معًا مع ما يلي ذلك في السورتَين من العطف بصيغة الماضي وانتهاء كل سورة منها بصيغ التأكيد التي تتمثَّل في أسلوب الاختصاص المعتمد على التقديم في السورة الأولى، وتتمثل في أسلوب التكرار وتقديم المفعول في السورة الثانية.

(٢) المناسبة بين الآيات

إذا كان البحث عن المناسبة بين السور قد حاول کما رأينا أن يقيم للنص وحدة عامة تَعتمِد على تأسيس علاقات متعدِّدة ومختلفة ذات طابع «تأويلي» في أغلب الأحيان، فإن البحث عن المناسبة بين الآيات يدخلنا مباشرة في صميم الدرس اللغوي لآليات النص. ومن المهم أن نلاحظ هنا أن علم «المناسبة» لا يَبحث عن علاقات خارجية، ولا يستند إلى شواهد من خارج النص؛ فالنص في هذا العلم هو شاهد ذاته، وهو الذي يُؤسِّس معايير علاقاته بناءً على طريقة تركيبه اللغوي أو العقلي أو الحِسِّي. وليس معنى ذلك أن هذه العلاقات علاقات «موضوعية» مفارقة لحركة عقل القارئ والمفسر، بل هي علاقات ناتجة عن جدل القارئ مع النص في عملية القراءة.

إنَّ مفهوم «وحدة» النص مفهوم يرتد إلى قضية الإعجاز، وهي قضية ترتد في جانب كبير منها — کما سبقت الإشارة في الفصل السابق — إلى مغايرة قائل النص — الله — لغيره من المتكلمين. لذلك يتجنب العلماء في علم «المناسبة» الحديث عن المناسبة بين الآيات التي يكون وجه الارتباط بينها واضحًا مثل:

«إذا كانت الثانية للأولى على جهة التأكيد والتفسير أو الاعتراض والتشديد.»١٩
كما يتجنَّبون مُناقشة النماذج التي تكون الآية فيها معطوفة على الآية السابقة عليها، ويكون وجه العطف بين الآيتين قائمًا على أساس من جهة جامعة كالنظيرَين والشريكَين. وقد تكون العلاقة بينهما المضادة، وهذا كمناسبة ذكر الرحمة بعد ذكر العذاب، والرغبة بعد الرهبة. وعادة القرآن العظيم إذا ذكر أحكامًا ذكر بعدها وعدًا ووعيدًا، ليكون ذلك باعثًا على العمل بما سبق، ثم يذكر آيات التوحيد والتنزيه، ليعلم عِظَم الآمر والناهي.٢٠

وإنما يكون التركيز على تلك الآيات المعطوفة على بعضها دون أن يكون للعطف وجه واضح من الوجوه المعروفة التي أسهب عبد القاهر في شرحها وتحليلها في باب «الفصل والوصل». وهو باب يُؤكِّد على أهميته قائلًا:

«اعلم أن العلم بما يَنبغي أن يُصنع في الجمل من عطف بعضها على بعض أو ترك العطف فيها والمجيء بها منثورة تستأنف واحدة منها بعد الأخرى من أسرار البلاغة، وممَّا لا يتأتى تمام الصواب فيه إلا للأعراب الخلص. والأقوام طبعوا على البلاغة، وأوتوا فنًّا من المعرفة في ذوق الكلام هم بها أفراد. وقد بلغ من قوة الأمر في ذلك أنهم جعلوه حدًّا للبلاغة؛ فقد جاء عن بعضهم أنه سُئل عنها فقال: معرفة الفصل من الوصل، ذاك لغموضه ودقَّة مسلكِه وأنه لا يُكمل لإحراز الفضيلة فيه أحد إلا كمل لسائر معاني البلاغة.»٢١

ويبدو أنَّ الآيات الأولى من سورة «الإسراء» كان لها في مبحث «المناسبة» مكانة خاصة من حيث إن العلاقات بينها تحتاج إلى الكشف عنها بعيدًا عن علاقات العطف المألوفة. إنَّ الآية الأولى تتحدَّث عن «الإسراء»، وتَنتقِل الآية الثانية إلى الحديث عن موسى وبني إسرائيل والآيتان معطوفتان بالواو. وتصف الآية الثالثة بني إسرائيل وصفًا خاصًّا بأنهم ذرية من حملنا مع نوح وتستطرد في وصف نوح بأنه «كان عبدًا شكورًا»، ثم تأتي الآية الرابعة إلى ذكر وعد الله لبني إسرائيل ويستمر ذلك إلى الآية الثامنة. وفي الآية التاسعة ينتقل النص للحديث عن القرآن. ونلاحظ في هذه الآيات كلها اختلاف الفواصل؛ فالفاصلة في الآية الأولى الراء، وفي الآية الثانية اللام الممدودة. وفي الآيات من الثالثة إلى التاسعة تكون الفاصلة هي الراء الممدودة. ويكون السؤال ما هي العلاقة بين الإسراء وبين ذكر بني إسرائيل، ولماذا التركيز على كونهم من ذرية من حُمِل مع نوح مع أن التصور أن البشر جميعًا من هذه الذرية لبني إسرائيل وحدهم؟ ثم ما دلالة الانتقال إلى ذكر القرآن بعد ذلك؟

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ * وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي ‎وَكِيلًا * ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا * وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا * عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا * إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا.

وفي محاولة الباقلاني الكشف عن وجه الارتباط بين هذه الآي بوصفِه وجهًا من وجوه الإعجاز يرى أن ما يبدو «فصلًا» بين الآية الأولى والآية الثانية هو في حقيقته «وصل» يرتدُّ إلى النَّظم الذي يبرأ منه الكلام العادي — كلام البشر — وهو نظم أدَّى إلى الانتقال إلى ذكر نوح. ووصفه بأنه «شكور» وصفًا يَربط الكلام بعضه ببعض لمناسبته للفاصلة من جهة، وللإيماء إلى ما يجب على بني إسرائيل — المُعاصرين للنص — من الشكر اقتداءً بنوح من جهة أخرى. وفي كل ذلك يكون تركيز الباقلاني على مُفارقة النص لغيره من النصوص وذلك دون أن يحدد بالضبط وجه العلاقة بين الآية الأولى والآية الثانية. إنه يكتفي بالقول:

«هذا خروج لو كان في غير هذا الكلام لتُصوِّر في صورة المنقطع. وقد تمثَّل في هذا النَّظم لبراعته وعجيب أمره موقعَ ما لا ينفك منه القول. وقد يتبرَّأ الكلام المتصل بعضه من بعض، ويَظهر عليه التثبيج والتباين للخلل الواقع في النظم. وقد تصور هذا الفصل للُطفه وصلًا، ولم يبنِ عليه تميز الخروج، ثم انظر كيف أجرى هذا الخطاب إلى ذِكر نوح وكيف أثنى عليه، وكيف يليق صفته بالفاصلة، ويتمُّ النظم بها مع خروجها مخرج البروز من الكلام الأول إلى ذكره وإجرائه إلى مدحه بشكره، وكونهم من ذريته يوجب عليهم أن يسيروا بسيرته وأن يستنوا بسنته في أن يشكروا كشكره ولا يتخذوا من دون الله وكيلًا، وأن يَعتقدُوا تعظيم تخليصه إياهم من الطوفان لما حملهم عليه ونجاهم فيه حين أهلك من عداهم به. وقد عرفهم أنه إنما يُؤاخدهم بذنوبهم وفسادهم فيما سلط عليهم من قبلهم وعاقبهم، ثم عاد عليهم بالإفضال والإحسان حتى يتذكَّروا ويعرفوا قدر نعمة الله عليهم وعلى نوح الذي ولدهم وهم مِن ذُريته، فلمَّا عادُوا إلى جهالتهم وتمرَّدوا في طغيانهم عاد عليهم بالتعذيب.»٢٢

وإذا كان الباقلاني يَكتفي بهذه التعميمات، فإنَّ الزركشي الذي ينقل عن الباقلاني كثيرًا ويعتمد عليه في كثير من الآراء يستطيع أن يلمح وجهًا من أوجه المناسبة بين ذكر الإسراء في الآية الأولى وبين الحديث عن بني إسرائيل في الآيات التالية. ويستطيع كذلك أن يكشف عن وجه المناسبة بين قصة بني إسرائيل وبين ذكر القرآن في الآية التاسعة. إن العلاقة بين ذكر الإسراء وذكر قصة بني إسرائيل:

«التقدير: أطلعناه على الغيب عيانًا، وأخبرناه بوقائع من سلف بيانًا، لتقوم أخباره على مُعجزته برهانًا؛ أي سبحان الذي أطلعك على بعض آياته لتقصَّها ذكرًا، وأخبرك بما جرى لموسى وقومه في الكرَّتين، لتكون قصتهما آية أخرى. أو أنه أسرى بمحمد إلى ربه كما أسرى بموسى من مصر حين خرَج منها خائفًا يترقَّب.»٢٣
ويكون الانتقال من قصة بني إسرائيل إلى ذكر القرآن. خروجًا آخر إلى حكمة القرآن؛ لأنه الآية الكبرى. وعلى هذا فَقِس الانتقال من مقام إلى مقام.٢٤

إنَّ المناسبة بين الإسراء وبين قصة بني إسرائيل يمكن أن تُكتشَف من زاويتين: الزاوية الأولى أن حدث الإسراء كان الهدف منه مُعاينة الغيب، وهو هدف يُمكن أن يتحقَّق بالقصص القرآني. والفارق بين الإسراء والقصص أن الإسراء يعتمد على «العيان» بينما يعتمد القصص على «البيان». لقد كان حدث الإسراء معاينة للغيب الميتافيزيقي، والقصص بمثابة إخبار أو «بيان» للغيب التاريخي. الزاوية الثانية التي يُمكن من خلالها اكتشاف «المناسبة» التشابُه بين «إسراء» محمد ليلًا وبين خروج موسى من مصر خائفًا يترقَّب بعد أن وكز المصري فقتله.

والانتقال بعد ذلك إلى ذكر «نوح» يُعطي للقصة كلها دلالتها في سياق علاقة النص بالواقع، فليس الغرض من القصص القرآني مجرَّد التسلية أو المُتعة، بل الهدف منه — إلى جانب دلالته على إطلاع محمد على الغيب التاريخي — يَرتبط بمجمل هدف النص وغايته، وهو تغيير الواقع من خلال الجدل معه، لذلك يعدُّ ذكر نوح نوعًا من التذكير لبني إسرائيل المُعاصرين بتلك النعمة التي أنعم الله بها عليهم حين نَجَّاهم مع نوح. لذلك كان وصف نوح بأنه عبد شكور وصفًا على سبيل الرمز والإيماء لما يجب عليهم من شكر نعمة إرسال محمد، هذا بالطبع إلى جانب ما يُحقِّقه الوصف من قيمة إيقاعية تربط الآية بالآيات التالية.

ويكون الانتقال إلى ذكر القرآن في الآية التاسعة انتقالًا للحديث عن آية ثالثة هي الآية الكبرى، وذلك بعد الحديث عن آية الإسراء وعن آية الإنباء عن الغيب بما تتضمَّنه داخليًّا من آيات الإنقاذ من الغرق والوعد الذي وعده الله لبني إسرائيل. وهكذا تترابط الآيات على مستوى المضمون وعلى مستوى الشَّكل كما تترابط من حيث دلالتها على الواقع الذي يَتجادَل معه النص، وهو الواقع الذي يضم النبي ويضم بني إسرائيل.

وإذا كانت الآيات السابقة لم تحتَجْ في بيان «المناسبة» بينها إلى معرفة «سبب النزول» فإنَّ اكتشاف «المناسبة» يحتاج في بعض الآيات إلى معرفة «سبب النزول» من أجل اكتشاف المعنى والدلالة الذي يُساعد المفسر على اكتشاف وجه الترابط أو «المناسبة» مثال ذلك قوله تعالى:

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.٢٥

فما هي العلاقة أو «المناسبة» بين ذكر الأهلة وبين حكم إتيان البيوت؟ ويكتسب السؤال أهميته من أن «الموضوعَين» تتضمَّنهما آية واحدة، ولا بد من ثم أن يكون وجه «الترابط» قويًّا. ويحصر علماء القرآن وجه الارتباط بين جزأي الآية في أحد احتمالَين: الاحتمال الأول أن يكون ذكر إتيان البيوت من ظهورها نوعًا من «التمثيل» الرمزي لسؤالهم عن «الأهلَّة». وفي هذا الاحتمال يُفهَم السؤال استنادًا إلى سبب النزول على أنه لم يكن سؤالًا استفهاميًّا بل كان سؤالًا على سبيل التهكُّم والسخرية؛ فقد تساءلوا: «ما بال الهلال يبدأ صغيرًا ثم يكتمل بدرًا ثم يعود هلالًا صغيرًا؟ وما الحكمة في ذلك؟» واستنادًا إلى هذا «السبب» يكون النص في إجابته عن هذا السؤال قد تجاهله، وأجاب عن سؤال آخر كان هو الذي يجب أن يسألوه — وذلك ما عُرِف بعد ذلك باسم «أسلوب الحكيم» — ثم سخر النص منهم ببيان أنَّهم في سؤالهم المعكوس هذا شأن من يأتي البيوت من ظهورها. وبناءً على هذا الفهم تكون العلاقة بين جزأي الآية هي علاقة الممثول بالمثل. ويكون الجزء الثاني من الآية:

«من قبيل التمثيل لما هم عليه، من تعكيسهم في سؤالهم، وأن مثلهم كمثَل مَن يترك بابًا ويدخل من ظَهر البيت، فقيل لهم: ليس البر ما أنتم عليه من تعكيس الأسئلة، ولكن البرَّ من اتَّقى ذلك. ثم قال سبحانه: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا؛ أي باشروا الأمور من وجوهها التي يجب أن تُباشَر عليها، ولا تعكسوا.»٢٦

إن النص في مثل هذا الفهم يُحوِّل الحدث الخارجي — سبب النزول — إلى صورة رمزية تمثيلية، فهو لا يعكس الحدث عكسًا آليًّا ولا يُعبر عنه بطريقة ميكانيكية، إنه يعكسه ويتجاوَزُه في نفس الوقت بتحويله إلى صورة مجازية. ولكن علينا أن نلاحظ أن هذا فهم يعتمد على ضرب من التأويل وإن كان مُعتمدًا على سبب النزول. ويَعتمد التأويل هنا على «التقابل» بين المعنى الناتج عن معرفة سبب النزول وبين «الصورة» المجازية المُنتزعة من إتيان البيوت من ظهورها.

والاحتمال الثاني في وجه ارتباط جزأي الآية يتباعَد عن هذا الفهم «التمثيلي» لصور إتيان البيوت من ظهورها، ويَكتفي بالتركيز على علاقة النص بالواقع، فيذهب إلى أن إتيان البيوت من ظهورها نوع من الاستطراد بعد ذكر «الحجِّ» ردًّا على سؤالهم عن الهلال.

إنه من باب الاستطراد، لما ذكر أنها مواقيت للحج، وكان هذا من أفعالهم في الحج؛ ففي الحديث أن أُناسًا من الأنصار كانوا إذا أحرموا لم يَدخُل أحد منهم حائطًا ولا دارًا ولا فسطاطًا من باب، فإن كان من أهل المدر نقَب نقبًا في ظهر بيته، منه يدخل ويخرج، أو يتَّخذ سلمًا يصعد به، وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخباء، فقيل لهم: ليس البر بتحرُّجكم من دخول الباب، لكن البر من اتقى ما حرم الله، وكان من حقهم السؤال عن هذا وتركهم السؤال عن الأهلة. ونظيره في الزيادة على الجواب قوله لما سُئِل عن المُتوضئ بماء البحر فقال: «هو الطهور ماؤه، الحِلُّ ميتَتُه.»٢٧

وهو احتمال ينقلنا إلى مناقشة العلاقة بين «المناسبة» و«السبب». وإذا كان السبب هو الحادثة أو الواقعة التي ينزل النص استجابةً لها رفضًا أو تأييدًا أو تعديلًا، فهي الأساس الذي يَستند إليه الفقيه في استخراج الحكم الشرعي الذي تتضمَّنه الآية، وإذا كانت الآيات المختلفة تتجاوَر بناءً على علاقات «تَناسُب» غير «أسباب» نزولها، ألا يؤدي ذلك في بعض النصوص إلى نوع من الغموض يعوق الفقيه عن استخراج الحُكم؟

إنَّ المعضلة هنا مُعضلة فقهية يطرحها علماء القرآن على الوجه التالي:

«وقد تنزل الآيات على الأسباب خاصة، وتُوضَع كل واحدة منها مع ما يُناسبها من الآي رعايةً لنَظم القرآن وحسن السياق، فذلك الذي وُضِعَت معه الآية نازلة على سبب خاص للمناسبة؛ إذ كان مسوقًا لما نزل في معنى يدخل تحت ذلك اللفظ العام، أو كان من جملة الأفراد وضعًا تحت اللفظ العام؛ فدلالة اللفظ عليه: هل هي كالسبب فلا يخرج ويكون مُرادًا من الآيات قطعًا؟ أو لا ينتهي في القوة إلى ذلك؟ لأنه قد يُراد غيره وتكون المناسبة مشبهة به؟»٢٨

والسؤال المطروح هنا: إذا تجاورت آيتان لكل منهما سبب خاص هل يُمكن أن يدخل حكم إحداهما في حكم الأخرى اعتمادًا على عموم اللفظ في هذه الأخرى؟ وهل يُعدُّ اللفظ المعبِّر عن الحكم في الآية الأولى — والمندرج تحت حكم عموم اللفظ في الآية الأخرى — بمثابة سبب أم إنه لا يَقوى هذه القوة؟ ويتَّضح السؤال أكثر إذا عرضنا للآيتين محور الإشكال. الآية الأولى قوله تعالى:

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا.

والآية الثانية قوله تعالى:

إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا.٢٩

وسبب نزول الآية الأولى أن كعب بن الأشرف:

«كان قدمَ إلى مكة وشاهَدَ قتلى بدر وحرَّض الكفار على الأخذ بثأرهم وغزو النبي ، فسألوه: من أهدى سبيلًا النبي ، أو هم؟ فقال: أنتم — كذبًا منه وضلالة — لعنه الله، فتلك الآية في حقه وحق مَن شاركه في تلك المقالة، وهم أهل كتاب يجدون عندهم في كتابهم بعث النبي وصفته، وقد أُخذت عليهم المواثيق ألا يكتموا ذلك وأن يَنصروه، وكان ذلك أمانةً لازمةً لهم فلم يُؤدُّوها وخانوا فيها.»٣٠
وقد نزلت الآية الثانية في شأن «مفاتيح الكعبة» «في الفتح أو قريبًا منها، وبينهما ست سنين.»٣١ إنَّ وجه المناسبة بين الآيتَين هنا لا ينكشف إلَّا بمعرفة أسباب النزول.
قال ابن العربي: وجه النَّظم أنه أخبر عن كتمان أهل الكتاب صفة محمد وقولهم: إنَّ المشركين أهدى سبيلًا. فكان ذلك خيانة منهم، فانجرَّ ذلك إلى ذكر جميع الأمانات.٣٢

لكن السؤال الفقهي يظلُّ: أي الآيتين تدخل في حكم الأخرى؟ وأيتهما العامة وأيتهما الخاصة؟ أيتهما تمثل «الأصل» الذي يستثمر منه الحكم وأيتهما تمثل «الفرع» الذي يَنطبق عليه حكم الأصل. إن الإجابة هنا واضحة فالآية الثانية تدلُّ بصيغتها على «وجوب» رد الأمانة وذلك باستخدام صيغة التأكيد «إن» واستخدام لفظ «يأمر»، في حين أن الآية الثانية ورَدَت مورد الخبر، وما جاء على صيغة الأمر لا يَرقى في دلالته على الحكم إلى ما جاء على صيغة الخبر. إنَّ دلالة الآية الأولى على «خيانة الأمانة» دلالة نابعة من إدراك المفسر لعلاقة «التناسُب»، وليسَت نابعة من «سبب النزول» وحده. ومعنى ذلك أن «السبب» و«المناسبة» يتعاونان في الكشف عن دلالة النص، ولا يؤديان إلى أي غموض في دلالته. إن اكتشاف المناسبة هو الذي يسهل على السيوطي القول بأن معنى الآية الثانية:

«عام في كل أمانة، وذاك خاص بأمانة هي صفة النبي ، والعام تالٍ للخاص في الرسم متراخ عنه في النزول. والمناسبة تَقتضي دخول ما دلَّ عليه الخاص في العام.»٣٣

إنَّ «المناسبة» بين الآيتَين السابقتَين مناسبة نابعة من تشابُه سياق نزولهما من حيث الإطار العام — إطار الكذب في الأولى ورد الأمانة في الثانية — دون الوقائع الجزئية. وإذا كانت النصوص لا تصوغ الوقائع صياغة حرفية كما سبقت الإشارة فإن تجاورهما لا يعني تعارُضًا، ولا يُؤدي إلى غموض حتى لو كانت أسباب نزولهما مُتباعدة أو مُختلفة. لذلك يحرص العلماء على الفصل بين علم «المناسبة» وعلم «الأسباب» من حيث إن كلَّ واحد منهما ينظر للنص من زاوية خاصة. ينظر علم «الأسباب» للنصوص من حيث دلالتها على الوقائع وارتباطها بها، ويُنظر علم «الأسباب» للنصوص من حيث علاقاتها اللغوية والأسلوبية أو العقلية أو الذهنية. إنه العلم الذي يدرس «العلاقات» داخل النص، في حين يدرس علم «الأسباب» علاقات النص بما هو خارجه في الواقع. وإذا كان العِلمان يُمثلان زاويتين من درس النصوص، فأحيانًا ما تلتقي الزاويتان للكشف عن دلالة جزء من النص. وإذا كانت آلية النصِّ تتبدَّى من خلال علاقات أجزائه فإنها يُمكن أيضًا أن تتبدَّى من خلال جدلية الغموض والوضوح داخل النص وهذا موضوع الفصل التالي.

١  انظر هذا الخلاف في السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، الجزء الأول، ص٦٠–٦٣.
والزركشي، البرهان في علوم القرآن، الجزء الأول، ص٢٥٦–٢٦٢.
٢  الزركشي، البرهان في علوم القرآن، الجزء الأول، ص٣٧.
٣  الزركشي، البرهان في علوم القرآن، الجزء الأول، ص٣٥-٣٦.
٤  الزركشي، البرهان في علوم القرآن، الجزء الأول، ص٣٧.
٥  الزركشي، البرهان في علوم القرآن، الجزء الأول، ص١٧.
٦  الزركشي، البرهان في علوم القرآن، الجزء الأول، ص١٧.
٧  المصدر السابق، ص٣٨.
٨  الزركشي، البرهان في علوم القرآن، الجزء الأول، ص٢٦١.
٩  المصدر السابق، ص٢٦٠.
١٠  الزركشي، البرهان في علوم القرآن، الجزء الأول، ص٢٦١.
١١  الزركشي، البرهان في علوم القرآن، الجزء الأول، ص٢٦٢.
١٢  سورة الزمر: الآية ٧٥، وانظر: الزركشي، البرهان في علوم القرآن، الجزء الأول، ص٣٨.
١٣  سورة الأنعام: الآية ٢٤٥، وانظر سورة الزمر: الآية ٧٥.
١٤  الزركشي، البرهان في علوم القرآن، الجزء الأول، ص٣٩.
١٥  المصدر السابق، ص٢٦٠.
١٦  الزركشي، البرهان في علوم القرآن، الجزء الأول، ص٣٨.
١٧  انظر المصدر السابق، ص٢٦٠.
١٨  الزركشي، البرهان في علوم القرآن، الجزء الأول، ص٣٦.
١٩  الزركشي، البرهان في علوم القرآن، الجزء الأول، ص٤٠.
٢٠  المصدر السابق نفسه.
٢١  دلائل الإعجاز، ص٢٣٠.
٢٢  إعجاز القرآن، الجزء الثاني، ص٩١-٩٢.
٢٣  البرهان في علوم القرآن، الجزء الأول، ص٤٢.
٢٤  البرهان في علوم القرآن، الجزء الأول، ص٤٣.
٢٥  سورة البقرة: الآية ١٨٩.
٢٦  الزركشي، البرهان في علوم القرآن، الجزء الأول، ص٤١.
٢٧  الزركشي، البرهان في علوم القرآن، الجزء الأول، ص٤١.
٢٨  الزركشي، البرهان في علوم القرآن، الجزء الأول، ص٢٥.
٢٩  سورة النساء: الآيتان: ٥١، ٥٨.
٣٠  الزركشي، البرهان في علوم القرآن، الجزء الأول، ص٢٦.
٣١  المصدر السابق نفسه.
٣٢  المصدر السابق نفسه.
٣٣  الإتقان في علوم القرآن، الجزء الأول، ص٣٠.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤