الفصل الثامن عشر

لا غريب في هذه القصيدة إلا حسنها. وإليك ترجمتها النثرية زيادة بيان لذلك الحسن: وقد أذكرتني قصيدة عمر بن أبي ربيعة التي مطلعها:

وناهدة الثديين قلت لها اتكي
على الرمل في ديمومة لم تُوسَّدِ

حدثني، يا حبيبي، أعدْ لي بالكلام ما غنَّيتَ. الليل مظلم. وقد ضلَّت النجوم بين الغيوم، والريح تتنهد من خلال الأوراق.

أحلُّ شعري. ويعلوني قبائي الأزرق كالليل. وأضمُّ رأسك إلى صدري. وفي تلك الوحدة الحلوة أثرثر لقلبك. وأغمض عينيَّ وأقبل عليك بسمعي. ولا أنظر إلى وجهك.

وإذا فرغت من الكلام جلسنا صامتين. إلا الأشجار فإنها تتهامس في الظلام.

ثم (ينصل الليل من خضابه). ويبزغ الفجر. فننظر كلٌّ في عين صاحبه ونمضي كلٌّ في طريق. حدِّثني، يا حبيب، واعد لي بالكلام ما غنَّيت.

أشجيتَ قلبيَ شاديًا مترنِّما
أقْبِلْ وطارحنِي الهوى متكلِّما

•••

فالليلُ داجٍ والعواذلُ هُجَّعٌ
والسحب تحجب بدرَها والأنجما
ناهيكَ بالنَّسم اللِّطاف نواحبا
وحفيفِ أوراقِ الأَراكِ مرخِّما

•••

هذي الغدائر لا أحرِّم حَلَّها
رفقًا بعينك أن تحاذر أرقما
وأُقيمُ من هذا الرداء سرادقًا
فأريك تحت الليلِ ليلًا أبهما
وأُجيل رأسَكَ بين نَهدَيْ كاعِبٍ
أتريدُ من نَهدَي كَعَابٍ أنعما
أُصغي وأُلزم مقلتيَّ تعفُّفًا
لا أجتلي من حسن وجهك مبسما
أُصغي وقلبكَ بالخُفُوق مثرثِرٌ
ويجيبُه قلبي الخفوقُ مُتمتما

•••

وإذا قضيتَ من الحديث لِبانتي
رمتُ السكينة من وصالك مغنما
فإذا تحرَّكتِ الغصون فعذرها
أنَّ النسيم لها حديثَك ترجما
والليل يُدبِرُ خالعًا جلبابَه
والفجرُ يُقبِل بالشقيقِ مُلَثَّما
إذ ذاك تُودعني الشجون مودِّعًا
أختًا تفضِّل أن تراك مُسلِّما

•••

أشجيتَ قلبيَ شاديًا مترنِّما
أقبل وطارحني الهوى متكلِّما

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤