الفصل الثاني والثلاثون

وما قولنا في هذه الأغنية، وهي عتاب غريب في بابه، عجيب في مآله:

ذلك هو نداؤك من جديد؟ لقد خيَّم الظلام. وقد تعلَّق بي الونى وأخذني من تلابيبي، فكأنما يدا حبٍّ ممدودتان للسؤال والتوسُّل. أتلك دعوتكِ من جديد؟

وكنت قد وهبتُ لك نهاري بطوله، أيتها الحبيبة الظالمة، فما بالك تشائين أن تسلبيني ليلي أيضًا؟ لكل شيءٍ حدٌّ، ولكل بدءٍ ختام، ووحدة الظلام ملك لا يُنتزع.

ألم يكن هنالك بدٌّ لصوتك من اختراق حجاب الظلام والانتهاء إليَّ؟

ألا يُسمع للمساء شيءٌ من أنغام الوسن على باب داركم؟ أو ليست النجوم التي لا صوت لأجنحتها تحلق في السماء فوق برجكم الشامخ المتعالي؟ ثم أولا تتساقط الأزهار مائتةً في حديقتكم؟

ألم يكن لك بدٌّ من أن تناديني، أنتِ يا من لا يقرُّ لك قرار؟ إذن، فلتسهرْ عبثًا عينا الحب ولتبكيا. وليضطرم السراج في ذلك البيت المنفرد الموحش. وليرجع الزورق بالعمال إلى بيوتهم. ثم إنني مخلِّف أحلامي ورائي وقادمٌ إليكِ تلبيةً لندائكِ.

قد دجى الليل والأنام نيام
أنا وحدي نومي عليَّ حرامُ
أنتِ ذات العذاب عين العنا لي
أَفبعد الوداع فورًا سلام
الونى هام بي وضيَّع عزمي
بعد ما ضيَّع الفؤَاد الهيام
ما كفاك الصباح والظهر والعصـ
ـرُ وصالًا حتى يزاد الظلام
كلُّ شيء له ختام ولكن
بدءُ حبَّيكِ ضلَّ عنهُ الختام
وحدة الليل للفتى ملك عين
وهو وقْفٌ في شرعنا لا يُسام
أو لا يعرف الكرى لك جفنًا
أم عيونٌ تلك التي لا تنام
أو لا تذبل النراجس يومًا
في مغانيك أَو يموت الخزامُ
لا أردُّ الرسول مثل حنين
خائبًا إنني كمثلي الكرام
فالبثي في انتظار خلِّكِ حتى
تتهامى من مقلتيكِ السجِّام
وتسلِّيْ عني بنور سراج
مثل قلبي له عليكِ اضطرام
إنني عائد إليك بشوقي
وفداك الهجوع والأحلام

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤