الفصل الثاني

أخبار جرائد القاهرة من سنة ١٨٧٨ إلى ١٨٨٢

(١) بستان الأخبار

جريدةٌ وطنيةٌ طبيةٌ أدبيةٌ علميةٌ سياسية ظهرت في شهر تشرين الأول ١٨٧٨ لمديرها صالح رضوان ومحررها حسن البليهي، واشتهرت بالترغيب في العلم والطب وخدمت الوطن خدمةً صادقة، وقد احتجبت في العام الثاني من تاريخ نشأتها.

(٢) روضة الأخبار

في عام ١٨٧٨ برزت لعالم الصحافة هذه الجريدة السياسية الأسبوعية في مدينة القاهرة لمنشئها محمد أنسي، وقد عاشت عمرًا قصيرًا بحيث ألغتها الحكومة المصرية قبل بلوغ تمام الحول من ظهورها لتهورها في المسائل السياسية المخالفة للمصالح الوطنية.

(٣) مرآة الشرق

figure
الشيخ علي يوسف؛ المحرر في جريدة «مرآة الشرق» ومؤسس جريدتَي «الآداب» و«المؤيد».
صحيفةٌ سياسيةٌ أدبيةٌ نصف أسبوعية أنشأها باقتراح من الخديو إسماعيل في ٢٤ شباط ١٨٧٩ شاعر دمشق الفيحاء سليم بك عنحوري، وكان قد قدم للخديو كتابه «كنز الناظم» الذي هو نسيج وحده في مرادف اللغة العربية وفقهها وجمع أوابدها، فجعل خطة الجريدة معتدلة ترمي إلى مناهضة النفوذ الأجنبي في مصر، وكانت عباراتها رشيقة طلية، تدل على اقتدار منشئها في أساليب البلاغة، وقد زين العدد الأول منها بمقالة عن الجرائد جاء في مطلعها ما نصه:

تنفس صبح التمدن في أفق الممالك الغربية بعد أن عسعس ليل التوحش فيه أمدًا طويلًا، فيا ابن الغرب:

عهدناك تفري القاع والوهد والربى
حثيثًا لكي تصطاد وحشًا فتغتذي
فأصبحت هذا الحين تصطاد لبنًا
بما نلت من علم ومال فما الذي

وبعدما أصدر ١٧ عددًا منها عاد إلى دمشق لانحرافٍ طرأ على صحته، وكان قد استدعاه إليها مدحت باشا والي سوريا، وله في صدر العدد الثاني منها مقالة عنوانها «نفثة مصدور» كان لها في مصر رنَّةٌ ودويٌّ إذ أتى بها على بيان ما ينال الوطنيين من الغبن والحيف بسبب تحكم الغربيين وتبسطهم في أحكام البلاد ومرافقها، وقد ضمَّن مقالته هذا البيت:

ولم أرَ ظلمًا مثل ظلمٍ ينالنا
يُساء إلينا ثم نُؤمر بالشكر
وقد تنازل سليم بك عنحوري عن حقوقه في «مرآة الشرق» إلى مديرها أمين بك ناصيف الذي عهد بتحريرها إلى الشيخ محمد عبده وإبراهيم بك اللقاني، فنجحت نجاحًا باهرًا؛ لأنه جعلها لسان حال الشيخ جمال الدين الأفغاني وتحت رعاية سليمان باشا أباظة، وقد نددت حينئذٍ بولاية سوريا وتحاملت على بعض مأموريها في أيام واليها أحمد حمدي باشا، فلما قُضي على السيد جمال الدين بالنفي من وادي النيل أوعز الخديو توفيق الأول بتعطيلها فتوقفت عن الظهور نصف سنة، فحولها أمين بك ناصيف في ٦ نيسان ١٨٨٢ إلى مجلةٍ أسبوعية، وكان يحررها الشيخ خليل ابن الشيخ ناصيف اليازجي، وبعد شهرين من ذلك التاريخ حدثت الفتنة العرابية وقُضي على المجلة بالاحتجاب. وفي ١٤ نيسان ١٨٨٣ عادت إلى مظهرها الأول فصدرت بشكل جريدة يومية يحررها صاحب امتيازها الثاني، وفي ٩ آيار للسنة المذكورة تولى تحريرها فقيد المحامين نقولا بك توما مشتركًا فيها مع أمين بك ناصيف. وإليك ما ورد عنها بقلم سليم سركيس١ بالحرف الواحد:

وفي سنة ١٨٨٤ صدر قرار مجلس النظار بتعطيل هذه الجريدة مدة ثلاثة أشهر، فأخذ يناصرها جماعة من رجال البرلمان الإنكليزي اهتمامًا منهم بحرية المطبوعات وعلى الخصوص المستر أوبراين العضو الأيرلندي، ونشرت جريدة التيمس ما دار من الجدال بهذا الشأن في دار الندوة الإنكليزية، ثم صدر قرارٌ وزاريٌّ آخر بالعفو عن هذه الجريدة فعادت إلى الظهور بعد احتجابها مدةً قليلة.

ولبثت كذلك حتى انطفأ سراج حياتها في السنة الثامنة من عمرها، وبعد نقولا بك توما استلم تحريرها سليم بن عباس الشلفون ثم إسكندر نحاس ثم سعيد البستاني ثم الشيخ علي يوسف، وانتشرت حينئذٍ انتشارًا عظيمًا فأقبل الناس على قراءتها إقبال الجياع على القصاع؛ لأن سياستها كانت مخالفة لسياسة الاحتلال الإنكليزي في وادي النيل، وبيانًا لأهمية هذه الجريدة نقول: إن عدد النسخ اليومية التي كانت تُطبع منها بلغ نيفًا وستة آلاف نسخة رغمًا عن انحطاط شأن المعارف حينذاك بين عامة الشعب المصري، ومن مميزاتها أنها كانت أول جريدةٍ يومية برزت في مدينة القاهرة.

أما سبب إلغائها فهو أن سليم فارس الشدياق الذي أتى مصر لإنشاء صحيفة «القاهرة» بلَّغ الباب العالي زورًا أن «مرآة الشرق» تنشر الفصول المهيجة ضد السلطان عبد الحميد والدولة العثمانية؛ فطلب الباب العالي تلغرافيًّا من الحكومة المصرية إلغاءها، وللحال قرر مجلس النظار برئاسة نوبار باشا تعطيلها مؤبدًا في شهر نيسان ١٨٨٦.

(٤) الكوكب المصري

هو عنوان لصحيفةٍ سياسيةٍ علميةٍ أدبيةٍ تجاريةٍ أسبوعية تأسست في أوائل عام ١٨٧٩ لمنشئها الكاولير موسى كاستلي صاحب المطبعة المشهورة باسمه في القاهرة، وقد تولى تحريرها في سنتيها الأوليين «وفا محمد» حارس المكتبة الخديوية ومن علماء الأزهر، ثم كتب فيها محمد الطموني إلى نهاية أجلها في السنة الرابعة، وكانت هذه الجريدة أقل انتشارًا وشهرةً من رصيفاتها في وادي النيل حينذاك كالأهرام والمحروسة ومصر والطائف ومرآة الشرق والزمان والتنكيت والتبكيت والمفيد، وسبب ذلك أنها كانت قليلة الجرأة ولم تكن لها خطةٌ معروفة كسائر الصحف.

(٥) البوصفور المصري LE BOSPHORE EGYPTIEN

ظهرت هذه الجريدة في أواخر أيام الخديو إسماعيل باشا باللغة الإفرنسية فقط، وكان صاحبها الكاتب الإفرنسي الشهير المسيو بارير كما أخبرنا خليل أفندي زينية، ولما حدث الاحتلال البريطاني في مصر وتباينت فيها المصالح الإنكليزية والفرنسية نشرت هذه الجريدة على صفحاتها قسمًا باللسان العربي، وكان القصد من ذلك اكتساب أميال المصريين إلى فرنسا وترغيبهم في محبتها والانتصار لسياستها بتقبيح سياسة الإنكليز وأعمالهم في وادي النيل، وقد عطلتها الحكومة الخديوية في نواحي سنة ١٨٨٥ بالاتفاق مع قنصلية فرنسا.

(٦) الحجاز

بين الجرائد المصرية التي تستحق الثناء لاعتدال مشربها في هذه المدة جريدة «الحجاز» التي نكتب أخبارها، وهي أسبوعيةٌ وطنيةٌ سياسيةٌ أدبية أنشأها في ٢٤ تموز ١٨٨١ صاحبها ومحررها الشيخ إبراهيم سراج الدين المدني من علماء الأزهر، وكانت خطتها شريفة لا سيما في آداب المناظرة كما ورد في عددها الثاني عشر تحت عنوان «نفثة مصدور» بتاريخ ١٦ تشرين الأول ١٨٨١ وهذا نصه بالحرف:

ادَّعى بعض الناس أن جريدتنا حادة القول منحرفة المزاج، وما هي فيما أعلم إلا مسلمة تدعو إلى الإصلاح الحقيقي على يد أي مصلح كان، ومن أهم الإصلاحات وأحسنها حفظ العهود والعلاقات مع الأجانب الذين لا ينكر جريان بعض المحسنات على أيديهم، ومن العجب أن هذا المدعي يغالط ويزعم أني إذا ذكرت الأروباويين إنما أريد بهم مواطنينا من الإفرنج الذين لهم في بلادنا ما لنا وعليهم ما علينا، وهذا لا شك خطأٌ واضح فإني لا أعتبر الأروباويين المقيمين في مصر إلا من جملة المصريين، والأروباويون الذين ذكرتهم بحسب المناسبة مرة أو مرتين هم أهل المجامع السياسية في العواصم الأروباوية لا هؤلاء الذين ألفنا بهم وألفوا بنا. وخلاصة الأمر أن من أراد أن يغالط فليغالط غيرنا أو ليخبرنا متى حصل من العرب نقص في حق جارهم في المشارق والمغارب، ولله در قائلنا:

وما ضرنا أنا قليل وجارنا
عزيز وجار الأكثرين ذليل

وليعلم من لم يعلم أن العرب ليس في كتابهم ولا سنتهم ولا عاداتهم ولا أخلاقهم أن ينظروا إلى جارهم بعين المقت، فهم يضعونه على رءوسهم إن لم تسعه الأرض، فعلى العرب ونزلائهم أن ينشدوا قول القائل:

الحمد لله أني في جوار فتًى
حامي الحقيقة نفاع وضرار
لا يرفع الطرف إلا عند مكرمةٍ
من الحياء ولا يغضي على عار

وكان الشيخ إبراهيم سراج الدين من أفضل العلماء والشعراء في زمانه، وقد بعث بقصيدة إلى الشيخ ناصيف اليازجي، فأجابه عليها اليازجي بهذه الأبيات التي تدل على علو كعب الاثنين في صناعة النظم وسمو منزلتهما في عالم الأدب:

هل للذي في حشاه حزن يعقوب
من حسن يوسف يُرجى صبر أيوب
وكيف صبر بلا قلبٍ يقوم به
فقلب كل محب عند محبوب
مضى الزمان على أهل الهوى عبثًا
فلم يكفُّوا ولا فازوا بمطلوب
تطيب أنفسهم تحت الظلام على
وعد الخيال وتنسى وعد عرقوب
كل الملاح فدى خودٍ ظفرتُ بها
تخلو عذوبتها من كل تعذيب
يزينها الحبر فوق الطرس لا حبر
تحت الحلى وطراز في الجلابيب
محجوبة تحت أستارٍ تغيب بها
ونورها كالدراري غير محجوب
علمت أن عروسًا ضمن هودجها
لما تنسمتُ منه نفحة الطيب
هدية جاد مهديها عليَّ كما
تُهدى عطاش الربى قطر الشآبيب
جاءت على غير ميعادٍ لزورتها
وأعذب الوفد وفد غير محسوب
كريمة من كريم عزَّ جانبه
يا حبذا كاتب منه كمكتوب
أثنى عليَّ بما لا أستطيع له
شكرًا فألقي إليه عذر مغلوب
حيا الصبا أرض مصر والذين بها
وجادها كل هتان الأساكيب
في أرضها غابة العلم التي سمحت
لغيرها بالشظايا والأنابيب
على الخليل سلام الله تقرؤه
ملائك العرش من أعلى المحاريب
ومن لنا بسلام نلتقيه به
وبرد شوق كتلك النار مشبوب
هو الأديب الذي رقت شمائله
وصانه الله من لوم وتثريب
مُنزَّهٌ عن فضول القول منطقه
في النظم والنثر مقبول الأساليب
وأحسن الشعر ما راقت موارده
مستوفيًا حق تهذيب وتأديب
ومن أقام على ألفاظه حرسًا
مثل الشكائم للجرد السراحيب
ومن إذا عرضت في الناس تجربة
أغنته عن شق نفس في التجاريب
إليك يا ابن سراج الدين قد وفدت
تبغي الضياء فتاة للأعاريب
خطارة في سخيف البرد عاطلة
مدَّت إليك بنانًا غير مخضوب
رفعتَ قدري بمدحٍ قد خفضتُ له
رأسي فناظره سمعي بمنصوب
عليَّ شكرك مفروض أقوم به
يا من عليه مديحي غير مندوب

(٧) الميمون

جريدةٌ يوميةٌ جديةٌ أدبيةٌ فكاهية أصدرتها إدارة جريدة «الكوكب المصري» في القاهرة في شهر أيلول ١٨٨٩ لصاحبها الكاولير موسى كاستلي، وكان قسم منها مكتوبًا بعبارةٍ صحيحة والقسم الآخر بلسان العامة ليوافق هزلها الغرض المقصود منها ولا يفوت نواله القراء، وكان احتجابها عند احتجاب جريدة «الكوكب المصري».

(٨) المفيد

لا نظن أن جريدةً قبل هذا العهد نفخت روح الفوضى في الأمة العربية مثل جريدة «المفيد» التي نحن بصددها، فإنها حملت حملةً عشواء على سلطة الخديو الشرعية في وادي النيل وتجاوزت حدود المعقول بسياستها الخرقاء وكتاباتها المضرة، وكانت نتيجة ذلك أنها مع بعض رصيفاتها ضلت عن سواء السبيل فأوقعت القطر المصري في حبائل الثورة الداخلية التي جرت عليه الاحتلال الإنكليزي. وقد ظهرت في ١٢ تشرين الأول ١٨٨١م/سنة ١٢٩٨ﻫ لصاحب امتيازها مصطفى ثاقب ومحررها حسن الشمسي اللذين أصدراها مرتَين في الأسبوع، فقرظها حينئذٍ عبد الله فريج بقصيدة ختمها بهذه الأبيات:

يا من تروم الفضل قد
وفِّقت للخير العتيد
إن رُمتَ منه تجتني
أو شئت منه تستفيد
فهَلُمَّ صاح مؤرخًا
واقرأ بنا خبرًا مفيد
سنة ١٢٩٨ هجرية

وما كادت تظهر لعالم الوجود حتى جردت سيف الطعن على الأجانب، وأخذت تبث روح الثورة ضدهم بين الوطنيين، فتأثر العقلاء من خطتها المتطرفة وأصدرت الحكومة أمرًا بتعطيلها لئلا تسري جراثيم مبادئها، ثم صدر العفو عنها في أوائل شهر نيسان ١٨٨٢ إلى أن تعطلت نهائيًّا في أثناء الفتنة العرابية. وإليك ما كتبه جرجي زيدان في مقالته «تاريخ النهضة الصحافية» بالحرف الواحد: «فلما تولى الخديو توفيق وكان سهلًا هينًا يحب الوطن المصري وأهله اندفعت الصحف في الحرية وحدثت ثورة أفكارٍ وطنية، وظهرت جرائدُ ثوريةٌ نقادة كالتنكيت والطائف والمفيد خافتها الحكومة، فعمدت إلى تقييد الصحافة فسنَّت قانون المطبوعات سنة ١٨٨١ فلم يُجدِها ذلك نفعًا؛ لأن الثورة كانت قد أخذت مجراها فأفضت إلى الحوادث العرابية المشهورة التي انتهت باحتلال الإنكليز مصر سنة ١٨٨٢.»

(٩) النجاح

هي صحيفةٌ سياسية ظهرت لعالم الوجود في شهر محرم سنة ١٢٩٩ﻫ/تشرين الثاني ١٨٨١م لصاحبيها مصطفى ثاقب وحسن شمسي، وقد قامت على أنقاض جريدة «المفيد» التي أُلغيت بأمر الحكومة الخديوية لما كانت تنشره من الكتابات الداعية إلى تهييج الأفكار وإثارة الفتن بين سكان وادي النيل على اختلاف أديانهم وأميالهم، وما لبثت الصحيفة الثانية بعد ظهورها بزمنٍ قليل حتى لحقت بالأولى وصدر الأمر بإلغائها أيضًا.

(١٠) السفير

هو عنوان لجريدةٍ متوسطة الحجم ذات أربعة صفحات نشرها حسن شمسي مرتين في الأسبوع بعد تعطيل جريدة «النجاح» التي كان قد أنشأها بالشركة مع مصطفى ثاقب، صدر عددها الأول بتاريخ غرة شوال سنة ١٢٩٩ﻫ/١٦ آب ١٨٨٢م في القاهرة، وهي أدبيةٌ سياسية ترمي إلى تعزيز مبادئ حزب «مصر للمصريين» بلهجةٍ عنيفة وأسلوب يُخالف مصالح الحكومة؛ ولذلك كان مصيرها الانقراض السريع كشقيقتها «المفيد» و«النجاح» اللتين سبق ذكرهما.

(١١) التيمس المصري

تأسست هذه الجريدة السياسية الأسبوعية على يد المستر بيمين قبل عهد الاحتلال البريطاني في وادي النيل بوقتٍ قصير، وكان نصفها يُنشر باللسان العربي والنصف الآخر باللسان الإنكليزي، وقد توخَّى فيها صاحبها خدمة مصالح بني جنسه المحتلين وإفهام سكان مصر الوطنيين منافع الاحتلال لتوفير أسباب نجاحهم وتأييد الأمن في بلادهم، وقد عاشت هذه الجريدة مدة لا تتجاوز الأربعة أعوام كما أخبرنا سليم بن عباس الشلفون الذي كان متوليًا كتابة قسمها العربي.

figure
أحمد عرابي باشا؛ زعيم الثورة الشهيرة التي جرَّت الاحتلال البريطاني على مصر سنة ١٨٨٢.

(١٢) الزمان

هي صحيفةٌ سياسية ظهرت في ٦ آذار ١٨٨٢م/١٦ ربيع الثاني ١٢٩٩ﻫ مرتين في الأسبوع لصاحب امتيازها علكسان صرافيان ومحررها حسن حسني باشا الطويراني، فنهجت في سياستها خطة الاعتدال والحرية في القول بحيث إنها كانت تذبُّ عن حقوق مصر وتبين للشعب طرق الوصول إلى الإصلاح الحقيقي، وكانت تظهر للملأ مفاخر أرض الفراعنة إذ وصفتها بهذين البيتَين:

تحقق أن صدر الأرض مصر
ونهداها من الهرمين شاهد
فيا عجبًا فكم أفنت قرونًا
على شرفٍ وذاك الثدي ناهد

وفي أول عدد صدر منها نشرت مقالًا عنوانه «الحاكم روح الحكمة» فقسمت فيه الحكومات إلى ثلاثة أقسام، وروت أن الأمة الإسلامية مختصة بالقسم المطلق منها وأن الإطلاق شرط من شروط الإسلام، فأخطرها محمود سامي باشا ناظر الداخلية في ١٩ ربيع الآخر ١٢٩٩ بألا تعود إلى نسبة هذا النوع من الحكم إلى دين الإسلام الذي يعتبر الحاكم والمحكوم مقيدَين بالشريعة في جميع الأعمال. واشتهرت مقالاتها كلها بالمباحث المفيدة التي جعلت القراء يتهافتون على مطالعتها والاشتراك في الجريدة. وكانت فصولها الافتتاحية بعنوان «مستقبل مصر» تبحث في شئون وادي النيل العمرانية كالمعارف والزراعة والتجارة والاقتصاد والأمن العام والأخلاق وغير ذلك، وفي ١٣ نيسان للسنة ذاتها أُلغيت إلغاءً مؤبدًا بأمر محمود سامي باشا لما نشرته من المطاعن الشخصية ومخالفة أوامر الحكومة.

ثم عادت إلى الظهور بعد الاحتلال البريطاني فكانت أول جريدةٍ عربية أخذت بناصر الإنكليز؛ لأنها توسَّمت فيهم خيرًا لمصلحة البلاد وتأمين العباد، وقد تولى تحريرها حينئذٍ ميخائيل بن جرجس عورا مدةً من الزمان فكان إقبال الناس عليها عظيمًا، ثم خلفه في رئاسة التحرير أمين بن إبراهيم خلاط الطرابلسي الذي تُوفي على أثر عمليةٍ جراحية أجراها له الدكتور سالم باشا، وعام ١٨٨٨ تولى تحريرها جرجي بك زيدان صاحب مجلة «الهلال» فزادت شهرتها في عالم الصحافة، وبعد سنة تركها وسار بصفة مترجم مع الحملة الإنكليزية لإنقاذ غردون باشا، وكان احتجابها على أثر ذلك بوقتٍ قصير فألغتها الحكومة الخديوية بطلب من مختار باشا الغازي؛ لأنها طعنت في الدولة العثمانية، ثم سافر مؤسسها إلى جزيرة قبرص حيث أنشأ جريدة «ديك الشرق» التي سبق ذكرها في الجزء الثاني من هذا الكتاب.

(١٣) الفسطاط

من جملة الصحف التي استخدمها الثوار المصريون لبلوغ مآربهم السافلة ضد السلطة الحاكمة جريدة «الفسطاط»، وهي أسبوعيةٌ وطنيةٌ سياسيةٌ أدبية صدرت في ٢٠ نيسان ١٨٨٢ لمنشئها عبد الغني المدني ومديرها محمد عبد الله، فكانت خطتها متطرفة ولهجتها شديدة في حق الأجانب لا سيما الفرنسيس منهم، فتطعن فيهم طعنًا موجعًا ومتجاوزًا حدود اللياقة؛ ولذلك أنذرها محمود سامي باشا البارودي ناظر الداخلية مرارًا بالكفِّ عن الطعن والتنديد بدون برهانٍ حقيقي، ومن جهةٍ أخرى كانت كتاباتها تضرب على وتيرة «المفيد» فتثير الخواطر ضد الخديو بل تحرض الأهالي على الانتصار لعرابي زعيم الثورة ضد مولاه. وبعد ضرب الإسكندرية على يد الإنكليز صارت تنشر ملحقًا يوميًّا عن أخبار الحرب العرابية وتذيعه بين قرائها في العاصمة وسائر أنحاء مصر، ثم تعطلت هذه الصحيفة في السنة الأولى من ظهورها.

١  كتاب «مرآة العصر» صفحة ٤٠٦ لمؤلفه إلياس زخورا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤