الفصل الرابع

أخبار مجلات القاهرة من سنة ١٨٩٠ إلى ١٨٩١

(١) كنز الزراعة

هي ثالثة الصحف الزراعية التي ظهرت في اللسان العربي، كانت ذات ست عشرة صفحة وصدرت مرتين في الشهر لمديرها كريستيان بوجاد ورئيس تحريرها حبيب فارس اللبناني، وهما اللذان أسسا جريدة «صدى الشرق» المار ذكرها، وقد ظهر أول أعدادها في ١٥ نيسان ١٨٩١ وشعارها «اطلبوا الرزق في خبايا الأرض»، وكانت مباحثها تتناول المواد النباتية والحيوانية والمعدنية والاختراعات وأحوال الري وسائر ما تفيد معرفته الزارع والصانع والتاجر، واحتجبت عند احتجاب جريدة «صدى الشرق» المشار إليها، وهاك ما ورد في فاتحة الجزء الأول منها ننقله بالحرف الواحد:

أما بعدُ فإن القصد من جريدتنا هذه هو خدمة نقدمها لهذا القطر العزيز، نبحث فيها عن الزراعة ومتعلقاتها لعلمنا بأن هذا المطلب من أهم المطالب التي تفيد مباحثها وتنفع مطالعتها؛ لأن الزراعة من أهم الكنوز المادية التي خصَّ الله بها الأرض وجعلها واسطة لقيام حياة من عليها، وبالحقيقة أن الزراعة كنزٌ لا يفنى ولا يفرغ ولا يمنع نواله عن طالبه إذا ما قصده بطريق الجهد والكد والاجتهاد والصبر والعلم بقواعده وأحواله، وقد ورد «اطلبوا الرزق في خبايا الأرض» والحق يقال إن الزراعة كانت كافية الإنسان سادَّةً حاجته في بداية أمره أوان بساطة حاله، وما زالت مصدرًا لقوام حياته ومدار معاشه بعد أن بلغ بالمدنية شأنًا عليًّا، وعليه نرى الإنسان معتنيًا بها خادمًا لها في كل أدواره، ومن غالى في خدمتها وعرف طرق تدبيرها نال منها خيرًا ورزقًا أوسع. ومن البديهي أن توافر المادة الموجبة للشيء تكثر من نتائجه إذا تدبرت بحسب ناموسه وطبق مقتضياته، وإذ كان أهم مواجب توافر نتاج الزراعة تربةٌ جيدة وماءٌ غزير وفصولٌ موافقة كانت أرض مصر من أغنى الكنوز الزراعية، فإن الله سبحانه جعل تربتها حسنة وماءها غزيرًا بأن أجرى إليها نيلها المبارك، فزاد تربتها خصبًا وأرضها غنًى وجعل لها فصولًا مرتبة وحرارةً كافية لنمو نباتها، وما ذلك إلا فضل الله يؤتيه من يشاء فلم ينقصها والحالة هذه إلا إتقان العمل لتزيد خيرًا على خيرها، فهذا وما يتعلق به سيكون قاعدة مباحثنا في جريدتنا هذه إن شاء الله واضعين بأفكارنا وإزاء أعيننا خدمة هذا القطر السعيد على قدر استطاعتنا مدققين البحث بكل ما نرى منه وفيه فائدة لأصحاب الأطيان وللفلاح موضِّحين ما أمكننا الوصول لمعرفته من الطرق السهلة والأقرب مأخذًا لأجل الحصول على أثمار الأرض وغلَّاتها، فإن في زراعة الأرض ونتاجها البركة ممن سطر على جبهة الإنسان هذه الآية الشريفة: بعرق جبينك تأكل خبزك.

(٢) الزراعة – الزراعة المصرية

figure
أيوب صبري؛ صاحب جريدة «الوطنية» ومحرر جريدتَي «الوطن» و«مصر» ومراسل جريدة «المؤيد» سابقًا.

أنشئت مجلة «الزراعة» في ٢٣ نيسان ١٨٩١ لصاحبها أيوب عون اللبناني، وهي أسبوعية تبحث في المواد الزراعية والصناعية والتجارية والاقتصادية والفكاهية، وغايتها ترقية شأن الفنون المذكورة في القطر المصري والسلطنة العثمانية وتنوير أفكار الفلاحين فيهما لمعرفة الطرق التي تمكنهم من زيادة قدر محاصيلهم وبيعها بأغلى الأسعار وكيفية اجتنائهم للأرباح المضاعفة باستصناع قسم منها بدلًا من البيع، وقد لاقت هذه المجلة من الإقبال فوق ما كان يؤمِّله العارفون بأحوال البلاد في ذاك العهد، لا سيما أن الحكومة الخديوية عضدتها واشتركت في نُسخٍ خاصة منها، ولبث أيوب عون ينشرها حتى أدركته الوفاة بتاريخ ١٥ تموز ١٨٩٤ في جبل لبنان، وكان قد بدأ بترجمة إلياذة هوميرس نثرًا وأخذ ينشر منها ملحقًا بثماني صفحات في كل جزء من أجزائها الأخيرة.

وقد نشطه إلى إنشاء هذه المجلة الأمير حسين باشا كامل ثاني أنجال الخديو إسماعيل باشا، وأمدَّه بالمساعدة المعنوية المستر ولس الإنكليزي مدير المدرسة الزراعية في الجيزة فكانت المجلة لسان حال المدرسة المشار إليها. ولأيوب عون فضلٌ كبير في ارتقاء الزراعة المصرية واستعمالها على الطرق العلمية الحديثة؛ لأن ذلك كان في بدء النهضة إلى درس مكروب النبات ومقاتلة العلة بواسطة العلم.

وبعد ذلك تحولت المجلة لعهدة إسكندر كركور فسماها «الزراعة المصرية» وعاشت بإدارته حتى بلغت العام العاشر من عمرها واحتجبت. وتسهيلًا للمشتركين ولا سيما الفلاحين منهم الذين تمنعهم أشغالهم عن قضاء مصالحهم أمام دوائر الحكومة وسائر الإدارات الكبرى فقد وقفت إدارة هذه المجلة نفسها لخدمتهم مجانًا، وكانت تتوسط لهم لدى المصارف المالية وتقوم بكل حاجاتهم رهنًا وشراءً وبيعًا، وكانت تقوم مقامهم لدى التجار وأصحاب مخازن الآلات الزراعية في كل ما يلزمهم منها، وكانت تُهدى للمزارعين الفقراء الذين لا مقدرة لهم على تأدية بدل الاشتراك، وقد أخطأ إسكندر كركور بنشره في صدر مجلته «الزراعة المصرية» أن أيوب عون كان منشئًا لأول مجلةٍ زراعيةٍ عربية، والحال أنها رابعة المجلات من نوعها كما رأيت.

(٣) الإعلان

أنشئت هذه المجلة الأسبوعية في ١٥ تشرين الثاني ١٨٩١ بعناية إبراهيم جمال المحامي بالاشتراك مع ابن عمته غنطوس مصوبع، وهي جديدة في أسلوبها وموضوعها لخدمة التجارة والصناعة، وكانت توزع مجانًا بلا ثمن وتنشر الإعلانات باللغة العربية وسائر اللغات الإفرنجية الشائعة في الشرق، وقد ضمَّنها صاحباها الأخبار التجارية كأسعار المحاصيل والكنتراتات والأسهم والسندات وغيرها، وتشتمل على قسمٍ روائي في ملزمة ذات ثماني صفحات تُجمع عند انتهائها كتابًا، وفي أول كل شهر كان يطرح سؤال في أحد الفنون يعطى لمن يحله جائزةٌ نقدية أو خلافها. وكان المعول على القيام بنفقات هذه المجلة وجني الربح منها أجرة الإعلانات، إلا أن البلاد الشرقية لم تكن، بل ليست حتى الآن، مستعدة لمثل هذا المشروع فنشرها صاحباها مدة نصف سنة ثم تركاها.

(٤) الفوائد الصحية

إن منزلة الصحف في عالم الأدب تتفاوت مراتبها كمنزلة الإنسان في الهيئة الاجتماعية، فبينما نرى مركز بعض الصحف الراقية مساويًا لقدر فوائدها نرى البعض الآخر منها حائزًا إما على شهرة تفوق على استحقاقها وإما على منزلة دون الواجب لها، فمجلة «الفوائد الصحية» الشهرية وإن تكن قليلة الشهرة فهي من الصحف التي تستحق الاعتبار المخصوص للمباحث الجديدة التي تفردت وامتازت واستقلَّت بها بل لم يطرق أبوابها غيرها من المجلات قبلها، وقد أنشئت في غرة كانون الأول ١٨٩١ بعناية الدكتور شلهوب بك المتخرج في المدرسة الطبية العليا بباريس، وكانت أبحاثها منطبقة على ما جاء مسطرًا في مقدمة العدد الأول وهو:

وسأجعل من أبحاث هذه المجلة الإفاضة في طرق الطب المنعي وهو اتخاذ الاحتياطات المانعة لوقوع الداء قبل وقوعه، فإن في ذلك نجاةً من مقاساة الآلام واقتصارًا في إنفاق الدرهم الرنان، وما المقصد من مشروعي هذا إفادة حضرات الأطباء وإنما غرضي الأول إفادة من لم يتم لهم الاطلاع على هذه الصناعة؛ ما يؤخذ منه تجنب العوامل المؤدية إلى العلل، واتخاذ الوسائل الحافظة لنظام الجسم ووظائفه مما يتعلق معظمه بالنظافة في البيوت وخارجها وما يتطرق إليه من المأكل والمشرب واللباس؛ إذ قد تكون آفة الأجسام. واحتجبت في سنتها الثانية ثم عادت في أوائل سنة ١٩٠٢ بإدارة الصيدلي نصري شلهوب شقيق الدكتور شلهوب بك مؤسسها، وقد زاد عليها من الأبحاث المفيدة ما جعلها في عداد المجلات الراقية من نوعها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤