الفصل الثاني عشر

مشكلة التمييز بين العلم والعلم الزائف

حالما تعانقَ الفُرَقاءُ النظريون في ساحة التطبيق فثَم (مفارقةٌ) تُنادِي بمزيدٍ من العمل الفلسفي، وتهيب بنا أن ننظر في عقلنا الاستدلالي قدرَ ما ننظر في المشكلة.

ع. م.
مشكلة التمييز بين العلم والعلم الزائف هي جزءٌ من مهمة أكبر هي مهمة تحديد أي الاعتقادات هي المبررة إبستيميًّا.١ وقد أدلى الكثيرُ من الفلاسفة بِدَلوه فيها وبقيت المشكلةُ بلا حل نهائي حاسم؛ فقد انعقد الاتفاقُ على بعض جزئيات التمييز أكثرَ مما انعقد على المعايير العامة التي ينبغي أن تتأسسَ عليها مثلُ هذه الأحكام، الأمر الذي يشير إلى أننا لا نزال بحاجةٍ إلى مزيدٍ من العمل الفلسفي في مسألة التمييز بين العلم والعلم الزائف.
وقد بَيَّن لودان (١٩٨٣م) أنه لا أمل في العثور على معيار «ضروري» necessary و«كافٍ» sufficient٢ لِشَيءٍ غير متجانس مثل المنهج العلمي.٣ ومنذ ذلك الحين وَهَنَ العملُ الفلسفي في مسألة التمييز فيما يبدو، ثم أُعِيدت إثارةُ المشكلة فيما بعد، وذهب البعضُ ممن يدركون أهميتَها إلى أن المفهوم يمكن إيضاحُه بوسائلَ أخرى غير التعريف بالشروط الضرورية والكافية، أو إلى أن مثل هذا التعريف هو في الحقيقة ممكن وإن كان بحاجةٍ إلى إكمالِه بمعاييرَ خاصةٍ بكل مَبحَث discipline-specific criteria.

(١) مفهوم العلم

رغم أن معظمَنا لديه فكرةٌ تقريبيةٌ عَمَّا يكونُه العلم، بل وبِوُسعِه أن يقدم لنا توصيفًا فيما يشبه القائمة: «أشياءُ مثل الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا بالإضافة — ربما — إلى أشياء من قبيل علم النفس والاقتصاد والاجتماع.» رغم ذلك لا توجد طريقةٌ بسيطةٌ لتعريف العلم؛ فمن المؤكد أنه لا توجد سمةٌ واحدةٌ، ولا حتى مجموعةٌ صغيرةٌ من السمات، تشترك فيها جميعُ العلوم. لقد حاول فلاسفة العلم منذ بداية القرن العشرين وحتى نهاية الخمسينيات منه أن يستخلصوا مفهومًا مجردًا للعلم يضم كلَّ العلوم، غير أنهم اليوم يميلون إلى اعتبار مفهوم العلم «مفهوم تشابه عائلي» family-resemblance concept٤ ينطبق بفضل عديد من مجالات التشابه المتداخلة جزئيًّا.
يحملُ مفهومُ العلم جانبًا معياريًّا normative (المعرفة المنهجية المبرَّرة إبستيميًّا)، وجانبًا وصفيًّا descriptive (مفهوم العلم قد تَكَوَّنَ عبرَ عمليةٍ تاريخية، وكثيرٌ من «العوارض» contingencies تؤثِّر فيما نطلق عليه — أو لا نطلق — كلمة «علم»).

كانت فلسفةُ العلمِ في السابق تنظر إلى العلم بوصفِه مجموعةَ معارف علينا أن نبحث لها عن تعريفٍ (مجردٍ قدرَ الإمكان) في حدودٍ من مفردات اللغة أو مادة الموضوعات التي يتناولها. أما الآن فَتُرَكِّز المداخلُ المعاصرةُ على العلم بوصفه شيئًا «يفعله» (يعمله) البشر ممارسةً بشرية، قد يبدو هذا تعريفًا دائريًّا خالِصًا ما دام علينا أن نمضي ونعرِّف العالِمَ بأنه «شخصٌ يفعل العلم»، غير أن الأمرَ خلاف ذلك؛ فليس هناك في الحقيقة صعوبةٌ تُذكَر في تَبَيُّنِ العلماء وتمييزهِم من بين عامة البشر، وبِوُسعِنا إذا تَبَيَّنَّاهم أن نقوم بدراساتٍ مفصَّلةٍ حول ما يفعلونه.

وللعِلم تاريخٌ طويلٌ ومعقد، وينعقد الاتفاقُ اليومَ على أننا لا يمكن أن نفهم طبيعةَ العلمِ المعاصرِ دون دراسة تاريخِه، مما يتضمن عمليًّا دراسةَ تاريخ علومٍ جزئيةٍ كثيرة، فالورقة الرابحة لِفَهمِ العلم المعاصر هي أن ننظر في نموه التاريخي، وبالمثل فهم العلاقة بين علمَين من العلوم، فخَيرُ مدخلٍ لذلك هو النظرُ في صِلاتِهما التاريخية. ومن المهم على كل حال أن نضع في اعتبارِنا أن الفلاسفة عندما يتحدثون عن فهم علمٍ من العلوم، فإنما يتحدثون عَما يفهمه شخصٌ غيرُ متخصص وغير مساهِم فيه، مما يتضمن النظرَ في مكان ذلك العلم في المجال الكلي للأنشطة الفكرية البشرية، أي إنهم لا يتحدثون عن ذلك النوع من الفهم الكائن لدى المساهِم في العلم والداخل في حلقتِه، فذلك شيءٌ مقصورٌ على العلماءِ ذاتِهم.

وإذا كانت كلمة science الإنجليزية تشير إلى العلوم الطبيعية وما نَحا نحوها (ومن ثم لا تشمل الدراسات الأدبية والتاريخية) فإن كلمة Wissenschaft الألمانية تشمل كل ذلك وكل ما هو معرفةٌ منهجية؛ ولذا فإن هذا المفهوم للعلم هو أنسبُ في مَقامِنا هذا؛ فالحق أن الإنسانيات والعلومَ الاجتماعية والعلومَ الطبيعية جميعَها أطرافٌ لِنَفس المَسعَى البشري: أي الفحص المنهجي والنقدي الذي يهدف إلى اكتساب أفضل فهمٍ ممكن لتشغيلاتِ الطبيعة والبشر والمجتمع الإنساني، ومنذ النصف الثاني من القرن العشرين تنامت المباحثُ التكاملية (مثل البيولوجيا التطورية، الفيزياء الفلكية، العلوم العصبية ونظرية اللعب، كيمياء الكوانتم، الإيكولوجيا (علم البيئة)، الكيمياء الحيوية … إلخ) بسرعةٍ مشهودة، وأسهمت في ربط أفرعٍ كانت من قبل غير مرتبطة، وقد أدى هذا إلى تقارب العلوم الطبيعية والإنسانيات وارتباطها، يَتَبَدَّى ذلك على سبيل المثال حين ننظر كيف تعتمد المعرفةُ التاريخيةُ اليوم بشكلٍ متزايدٍ على التحليل العلمي المتقدم للكشوف الأركيولوجية (الأثرية).

إن المفهومَ الأعرضَ للعلم هو الأفضلُ لنا حين نكون بصدد مشكلة التمييز؛ إذ إن هذه المشكلة مَعنِيَّةٌ بما هو أعمقُ من مجرد تحديد ما أسميناه — لأسبابٍ متعددة — عِلمًا؛ فنحن بعد كل شيء نريد أن نحدد أي الاعتقادات هي المُسَوَّغة إبستيميًّا.

(٢) على أي شيءٍ يقع التمييز؟

أي جانبٍ أو عنصر في العلم ينبغي أن تُطَبَّق عليه معايير التمييز؟

تَعَدَّدَت الآراءُ في ذلك؛ فهناك مَن ذهب إلى أن التمييز يجب أن يشير إلى برنامج البحث (لاكاتوش)، وهناك مَن قال: إنه يُطَبَّق على «الحقل الإبستيمي» أو المبحث المعرفي، أي مجموعةِ أشخاصٍ لديهم أهدافٌ معرفية مشتركة ومُمارَسات هذه المجموعة، وهناك مَن قال إنه يَسرِي على النظرية الفردة (بوبر)، أو على الممارسة (لوج، موريس)، أو على مشكلةٍ علمية (سيتونِن)، أو على بحث معين (كون). وربما يكون من الإنصاف أن نقول: إن معايير التمييز يمكن تطبيقها على كل مستوى من هذه المستويات الوصفية. أما السؤال الأصعب حقًّا فهو: أَيٌّ من هذه المستويات هو المستوى الأساسي الذي يمكن أن تُرَدَّ إليه التقييمات الواقعة على المستويات الأخرى؟

وقد شَذَّ ديركسِن (١٩٩٣م) عن أغلب الكاتبين في هذا الموضوع، فجعل التوكيد في عملية التمييز على الشخص نفسِه الذي يمارس العلمَ الزائفَ، على أساس أن العلمَ الزائف لديه ادِّعاءاتٌ علمية، ومثل هذه الادعاءات ترتبط بشخصٍ وليس بنظرية أو ممارسة أو حقلٍ بِأَسرِه،٥ غير أن هذا الرأي قد يجانبه الصواب؛ لأن العبرة بعلميةِ المؤسسة لا الشخص؛ إن العقلانية والموقف النقدي المُبَيَّت في المؤسسات — لا السمات الفكرية الشخصية للأفراد — هي ما يميز العلمَ عن الممارسات غير العلمية كالسحر؛ فالشخص الممارس للسحر في مجتمعٍ بدائي ليس بالضرورة أقل عقلانيةً من العالِم الفرد في المجتمع الغربي الحديث. إن ما يَنقُصه هو بيئةٌ فكريةٌ حاضنةٌ من العقلانية الجمعية والنقد المتبادل، وإن التركيز على العالِم الفرد من حيث امتلاكُه عقلًا نقديًّا، يكاد يكون من قبيل مغالطة التقسيم fallacy of division.٦

وقد نَزَعَت جميع العلوم إلى أن تكون «مؤسسة»، فرجل العلم رغم كل شيءٍ ليس مفكرًا منعزِلًا، بل هو مشارك في قسمٍ علمي بجامعة أو كلية، أو في مركز أبحاث، وله زملاء في التخصص يتبادل معهم المعلومات بشكلٍ رسمي وغير رسمي، ويشترك معهم في التجريب والبحث، ولكل فرع علمي أيضًا ما يُسمى «الكلية المحجوبة» أو «المَجمَع المحجوب»، وهو مجموع العلماء — أينما كان موقعهم — الذين يعتبرون أنفسَهم مضطلِعين بنفس النوع من العلم، يبقى أعضاء هذا المجمع غير المنظور على صلة من خلال الهاتف والرسائل وتبادل النسخ التمهيدية لمقالاتهم، والمشاركة في نفس الدوريات العلمية وقراءتها.

والأوراق العلمية scientific papers هي الناتج الأخير الأعَم للنشاط العلمي مهما تكن نواتجه الأخرى، فبالإضافة إلى التداول غير الرسمي السابق على النشر، تُرسَل هذه المقالات إلى الدوريات المناسبة الخاصة، لكي تمر بعملية تقييم تُسمَّى «مراجعة النظراء» peer review، ثم يتم نشر ما تحكم الدوريةُ بقيمتِه، وتتحدد أهمية المقال بمدى تواتره بعد ذلك في أعمال زملاء التخصص مستشهدين به وراجعين إليه.

يعتمد الحكم بما يُعَد ذا قيمة علمية على الموافقة أو الإجماع، غير أن العلماء لا يصلون إلى هذا الإجماع إلا بتقديم حجج مقنِعة لدعم وجهات نظرهم. وعلينا أن نُسَلِّم بأن في كل حقل علمي هناك دائمًا قلة من الشخصيات البارزة القوية تقوم بدور حارس البوابة وتتحكم في منافذ الدوريات والوظائف والاعتمادات المالية الخاصة بالبحث العلمي.

من الحق أن رجال العلم يميلون — كقاعدة عامة — إلى إعلاء شأن البارزين منهم وأخذهم بكثير من الجِد والاهتمام، وأن العلم ليس أكثر من غيره من الأنشطة البشرية حصانةً ضد «سماسرة النفوذ» الذين يتلذذون ببسط سلطانِهم. ومع ذلك فحين ننظر في الطريقة التي تقوم عليها المؤسسة العلمية، ندرك أنه ما من فردٍ أو جماعة بِمُكنتِها أن تعزز أو ترعى نتاجَ علمٍ رديء حتى لو شاء هذا الفردُ أو هذه الجماعةُ ذلك (حقًّا لقد استخدمت الحكومات الشمولية نفوذَها أحيانًا لِتغيير المَسار الطبيعي لعملية البحث العلمي أو التدخل فيها إن لزم الأمر، ولكن هذا لا يجب أن يبعث الشك في العلم وهو قائم في مؤسساته المعتادة). إن الأثر العلمي لا بد أن يُنشَر؛ وبالتالي لا بد أن يُعرَض للفحص والتمحيص من قِبَل أفرادٍ يهمهم ويعزز وظيفتَهم أن يكشفوا أيَّ أخطاءٍ فيه أو أوجه قصور. هكذا تكون الأشكال المؤسساتية للعلم هي التي تضمن أمانةَ ممارسيه، وهي تحقق ذلك بأن تعتمد على التنافس البشري المعتاد، وألا تسمح لأي دافعٍ آخر بأن يعلو عليه (بل لا يدفعنا كل هذا أن ننكر أن كثيرًا من العلماء ليس لهم من دوافع غير الاستطلاع المنزه عن الغرض والتكريس المخلص لحل المشكلات من أجل حل المشكلات).

(٣) معايير التمييز

(٣-١) معيار قابلية التحقيق verifiability

وهو المعيار الذي ارتكزت عليه الوضعية المنطقية (حلقة فينا)، وينص على أن العبارة العلمية تتميز عن العبارة الميتافيزيقية بأنها قابلة للتحقق التجريبي على الأقل من حيث المبدأ، فمعنى العبارة — عند الوضعيين المناطقة — هو طريقة تحقيقها؛ ومن ثم فليس هناك معنى لأي عبارة إلا إذا كان بإمكان المرء من حيث المبدأ أن يتحقق منها (تحققًا تجريبيًّا حِسيًّا بطبيعة الحال) أو يؤيدها بشهادة الخبرة والحواس. وكثيرًا ما كان يُسحَب هذا الرأي على التمييز أيضًا بين العلم والعلم الزائف، غير أن هذا الحديث غير دقيق من الوجهة التاريخية، فالحق أن معيار التحقيق في الوضعية المنطقية كان يهدف إلى حل مشكلةٍ مختلفةٍ تمامًا، هي مشكلة التمييز بين العلم والميتافيزيقا.

(٣-٢) كارل بوبر: معيار قابلية التكذيب falsifiability

لم يَرُق مبدأُ التحقيق لكارل بوبر، فقام بتفنيده تفنيدًا منطقيًّا مفصَّلًا، واستبدل به مبدأً جديدًا، هو مبدأ «قابلية التكذيب»، ومُفادُه — ببساطة — أن من صفة العبارة العلمية الأصيلة أن تشير إلى أمثلةٍ لِمَا تكون عليه حال الأشياء لو أنها كانت كاذبة، أي تخبرنا بشيءٍ محدد يُكذِّب النظرية إذا ما لاحظناه.

النظرية العلمية الأصيلة لديها القدرة على تقديم تنبؤات يمكن من حيث المبدأ in principle أن يتبين كذبُها. أما التحقيق فإنه لا يُثبِت شيئًا، فإن بوسع أي نظرية أن تجد لها ما شاءت من الأمثلة التي تتسق معها وتحققها، ومهما استقرَأَ العالِم من أمثلةٍ مؤيدة لنظريته سيظل ممكنًا أبدًا أن يأتي المثالُ القادم في رتل الملاحظة مُكَذِّبًا.
وتزعم مثل هذه النظريات أنها مشيدة أصلًا على أساس من التفكير الاستقرائي، أي استقراء كل الحالات المعروفة واستخلاص تعميم يشملها جميعًا، وماذا يكون التحقيق هنا سوى مجرد الإتيان بمزيد من نفس الصنف من الحالات؟! إن هذا من الوجهة المنطقية هو عُقمٌ لم يأتِ بجديد، أما المنهج المجدِي عند بوبر فهو أن نفكر استنباطيًّا deductively ونفتش بهِمة عن حالاتٍ مفنِّدة للنظرية؛ لأن العثور على مثال مضاد واحد سيكون كافيًا للإجهاز عليها، أما إذا صمدت النظرية للتفنيد فإنها ستُعَد قويةً وأهلًا لاستمرار الدعم.
ويوجز بوبر تعريف النظرية التجريبية الأصيلة في كتابه «منطق الكشف العلمي» بقوله:
يقال للنظرية: إنها «إمبيريقية» أو قابلة للتكذيب إذا قَسَّمَت فئةَ كل القضايا الأساسية الممكنة بغير غموض إلى الفئتين الفرعيتين غير الفارغتين الآتيتين:
  • الأولى: فئة كل القضايا الأساسية التي لا تتسق معها (أي التي تمنعها النظرية من الحدوث)، ونحن نطلق عليها فئة «المكذِّبات بالقوة» potential falsifiers.
  • الثانية: فئة كل القضايا الأساسية التي لا تناقضها (أو التي تسمح بها)، ويمكننا أن نضع هذه بصورة أكثر إيجازًا بالقول: تكون النظريةُ قابلةً للتكذيب إذا كانت فئة مكذِّباتها بالقوة غير فارغة.
(بوبر: منطق الكشف العلمي، الفحص المنطقي لقابلية التكذيب)
وقد كشف بوبر النقاب عن مشكلة أخرى بشأن النظرة الوضعية المنطقية، وهي أن بإمكان النظرية أن تقدم تنبؤاتٍ شديدةَ الحذر والتحَوُّط (وهو ما يمكن أن تفعله أيضًا العديد من النظريات الأخرى حول نفس الموضوع) والتي لا يكون تحقيقها مستغرَبًا أو مثيرًا، ولا تسهم بشيء في تقدم العلم، أما التنبؤات التي تسهم حقًّا في تقدم العلم فهي التنبؤات الجديدة المخاطِرة غير المتوقعة والتي يسميها بوبر «الحدوس الافتراضية الجريئة» bold conjectures.

ذلك أن كل نظرية علمية أصيلة هي نوع من «المنع» أو «الحظر»: إنها تمنع أشياء معينة من أن تحدث، وكلما زاد ما تمنعه النظرية زاد نصيبها من الأصالة العلمية، أما النظرية التي تسمح بكل شيء و«تمرِّر» كل شيء وتفسر كل شيء فهي لا تقول شيئًا، ولن تكون نهايتُها المنطقية سوى أن تلحق بتحصيلات الحاصل.

وكذلك الشأن بالنسبة لدرجة «احتمالية» الفرضية باصطلاح بوبر: يذهب بوبر — وهو ما يبدو مفارقة للنظرة الأولى — إلى أن النظرية الأكثر احتمالًا هي الأقل في المحتوى المعلوماتي، والعكس بالعكس؛ ومن هنا كانت الفرضيات غير المحتملة هي الأفضل من الوجهة العلمية والأكثر إثارة لاهتمام العلماء الحقيقيين، فمثل هذه الفرضيات الجريئة البعيدة الاحتمال تملك قوةً تنبؤيةً عالية، وهي بالتالي أكثرُ قابلية للدحض، وبالطبع يُشغَف العلماءُ بالفرضيات البعيدة الاحتمال القريبة رغم ذلك من الحقيقة، أي التي صمدت لأَعتَى اختبارات التكذيب، مثل نظرية أينشتين عن «التواء المكان» بفعل الكتل الكبيرة.

تُوجِز باتريشيا تشرشلند فكرة التكذيب عند بوبر بصياغةٍ محكمة إذ تقول: «كان بوبر مناوئًا لفكرة أن المعرفة العلمية تتراكم عن طريق تأييد الفرضيات أو تحقيقها. وفي تصورٍ شديد الاختلاف والجِدَّة لدينامية العلم ذهب بوبر إلى أن الفرضيات لا تكون جديرة بالقبول ما لم تكن قابلةً للتكذيب. كانت فكرتُه مدمِّرة وبسيطة: من السهل أن تجد أمثلةً مؤيِّدة للفرضيات سهولة تجعل من المستبعد أن يكون هذا هو طريق العلم الصحيح، تأمل مثلًا فرضية بسيطة مثل: «جميع النباتات تتكاثر جنسيًّا.» فإذا كان كل ما يلزمني هو الشواهد المؤيدة لذلك، فإن بِمَيْسوري أن أُهرَع إلى الحديقة وأكتشف أن جميع الزنابق الستمائة وأربع وستين تتكاثر جنسيًّا، وجميع البنفسجات التسعمائة وثلاث وخمسين تتكاثر جنسيًّا، وهلم جرًّا، وسرعان ما يجتمع لديَّ عددٌ هائل من الأمثلة الموجبة. ومع ذلك فلو اطَّلَع أيُّ عالم نبات على عملي فلن يأبه له؛ لأنني لم أحاول أن أجد مثالًا مفنِّدًا، لم أنظر إلى حالات يمكن أن تكون أمثلةً مضادة counter-examples، فقبل تبني أي فرضية ينبغي علىَّ أن أفحص كثيرًا من الأنواع المختلفة من النباتات المزهرة، وأن أفحص الأعشاب والسراخس، وبعامةٍ يجب علىَّ أن أحاول جهدَ ما أستطيع أن أُكَذِّب فرضيتي.

تأمَّلْ فرضيةً أخرى، وهي الفرضية القائلة بأن «منطقة بروكا» هي التي تتحكم في إنتاج الكلام، فلكي يبرهن المرءُ على هذه الفرضية فلن يكفيه أن يعثر على ارتباط موجب بين حالات تلَفِ منطقة بروكا وبين فقدان الكلام، فلا بد للمرء أن يكشف ما إذا كان هناك مرضى بتلفٍ في منطقة بروكا بدون فقدان للنطق، وأن يكشف ما إذا كانت هناك حالات فقدان نطق مع تلف في مناطق أخرى، عندئذ سيكون الفشل في التكذيب ذا دلالة، بعكس تجميع الحالات المؤيِّدة. تفيد دعوى بوبر أن العالِم إذا قبِل الفرضيات عن طريق إيجاد أمثلة مؤيدة فسوف ينتهي به المطاف إلى قبول ما لا يُحصى من الفرضيات الكاذبة والسير فيما لا يُحصى من الطرق المسدودة. أما إذا ظفر بفرضيةٍ صمدت لمحاولات عنيفة لتكذيبها، فعندئذ يمكنه قبول هذه الفرضية، لا باعتبارها صادقة، ولا باعتبارها مؤيَّدة، بل باعتبارها أفضلَ فرضيةٍ متاحة حتى الآن. لقد أتى بوبر بتصور للتبرير مختلف عمن قبله، وخلص من ثم إلى آراء مختلفة تمامًا حول ديناميات العلم وبنيته وديناميات المعرفة وبنيتها على وجه العموم.

وفضلًا عن ذلك رفض بوبر الافتراض القائل بأن على العلم أن يحاول صياغة فروضٍ شارحةٍ عاليةِ الاحتمال، وقال — على العكس — بأن الفروض لا تكون مثيرة للاهتمام ما لم تكن جريئة، أي غير محتملة، أي الأرجح لها أن تُكَذَّب؛ ذلك أنها إذا صمدت عندئذ للتكذيب باختبار عنيف يكون ذلك نصرًا وتكون هذه الفرضية ذات دلالة كبيرة. إن الفروض الآمنة (أي المحتملة) رخيصة لا تساوي شيئًا (العشرة بقرش) وآمَنُ الفروضِ هي الحقائق المنطقية. وإذا كان مَرامُ العلمِ الأولُ هو مجموعة من الحقائق اليقينية فإن عليه بغزل المبرهنات المنطقية لا يبرحها، غير أن عيب هذا الأمان هو أنه لا يوصلنا لشيء. لقد كانت فرضية أينشتين بأن هندسة المكان «تنحني» بفعل الكتل الكبيرة فرضيةً بعيدةَ الاحتمال جدًّا باعتبار النظرية السائدة في ذلك الوقت، فإذا أصاب أينشتين لَوَجَب أن يُرَى نجمٌ معين أثناء كسوف الشمس في موضع معين، وإذا أخطأ لوجب أن يُرَى في موضع آخر، فلما صمدت الفرضية لاختبار التكذيب (مشاهدات إدنجتون) كان هذا أمرًا بالغ الدلالة.»٧

في كتابه «الحدوس الافتراضية والتفنيدات» يروي بوبر رحلةَ عقلِه مع الأفكار العلمية، يقول بوبر: «في صيف عام ١٩١٩م بدأ يداخلني شعورٌ بعدم الارتياح لهذه النظريات، وبدأ يخامرني شك حول ادعاءاتها للمنزلة العلمية. ربما أخذت مشكلتي في البداية شكلًا بسيطًا: «ما خَطْبُ هذه النظريات؟ ولماذا تبدو مختلفةً عن النظريات الفيزيائية، عن نظرية نيوتن، وبصفة خاصة عن نظرية النسبية؟» ولكي تتضح هذه المقارنة لا بد أن أُفضي بأن أغلبنا في ذلك الوقت ما كان يمكن أن يقول: إنه يعتقد في «صدق» نظرية أينشتين في الجاذبية. من هذا يتبين أن ما كان يؤرقني ليس هو الشك في «صدق» تلك النظريات، بل هو شيء آخر، ولا كان ما يؤرقني هو مجرد الشعور بأن الفيزياء الرياضية أكثر دقة من الصنف الاجتماعي أو النفسي من النظريات. لم يكن همي إذن هو مشكلة الصدق (في هذه المرحلة على الأقل)، ولا مشكلة الدقة والقابلية للقياس، بل هو بالأحرى شعوري بأن هذه النظريات، وإن اتشحت بوشاح العلم، تشبه الأساطير البدائية أكثر مما تشبه العلم، تشبه التنجيم أكثر مما تشبه علم الفلك.

وقد اكتشفتُ أن أولئك المعجبين بماركس وفرويد وأدلر من أصدقائي كانوا مأخوذين بعدد من الخصال المشتركة بين هذه النظريات، ولاسيما ما تتمتع به من قوة تفسيرية واضحة. لقد بدت هذه النظرياتُ قادرةً فعلًا على تفسير كل شيء يحدث ضمن نطاقها الخاص، وبدا أن دراسة أي واحدة منها تقع منك موقع التحول الفكري الحاسم أو موقع الوحي، فاتحةً عينيك على حقيقةٍ جديدة محجوبة عن أولئك الذين لم يهتدوا بعدُ. وما إن تنفتح عيناك هكذا حتى يتسنى لك أن ترى شواهدَ مؤيِّدة لها حيثما نظرْتَ. كان العالَم يعج ﺑ «تحقيقات» verifications للنظرية، وما من شيء يحدث إلا هو تأييد لها. بذلك بدا صدقُها أمرًا ظاهرًا وبدا أيُّ منكر لها مكابِرًا مبينًا لا يريد أن يرى الحقيقة الواضحة: إما لأنها مضادة لمصالحه الطبقية، وإما بسبب ما يضمره من ألوان «الكبت» التي لم تُحلَّل بعدُ والتي تصرخ طلبًا للعلاج.»

هكذا بدأت الشرارة الأولى في ثورة بوبر المنطقية على العلم الزائف. لقد استوقفه التباين الشديد بين الماركسية والفرويدية من جهة، ونظرية أينشتين من جهة أخرى. كان الماركسيون والفرويديون يرون أينما نظروا تأييدات لنظرياتهم، «بينما جهد أينشتين غايةَ الجهد لكي يصوغ تنبؤًا بالغَ الدقة والتحديد وقابلًا للملاحظة ومن شأنه إذا كذبته الملاحظةُ أن يدحض النظريةَ ويأتي عليها.» لم يكن الفارق الذي استرعى انتباه بوبر في هذا الأمر فارقًا سيكولوجيًّا يتعلق بالنزاهة العلمية في مقابل العناد والمكابرة وعدم الرغبة في الاعتراف بوجود حالات لا تؤيد النظرية، وإنما الفارقُ منطقيٌّ محض يتعلق بطبيعة البنية المنطقية للنظرية الماركسية والفرويدية ذاتها والتي تجعلها «محصنة» من التكذيب. يقول بوبر في «منطق الكشف العلمي»: «إن النسق الذي ينتمي إلى العلم التجريبي ينبغي أن يكون في إمكان التجربة أن تكذبه، وهكذا فعبارة «قد تمطر السماء هنا غدًا أو لا تمطر» لن تُعتبر عبارة تجريبية؛ لسببٍ بسيط وهو أنها لا يمكن تفنيدها، على العكس من عبارة «ستمطر السماء هنا غدًا» التي ستُؤخذ على أنها عبارة تجريبية. أما العلم الزائف فهو يرفض من حيث المبدأ السماح بإجراء عملية التكذيب على قضاياه؛ فقضايا التحليل النفسي مثلًا لا تعدو أن تفسر الأوضاع الممكنة للأشياء دون أن تشير إلى حالة الأشياء الملاحَظة، ومن ثم لا يمكن تكذيبها بالملاحظة. إن النسق النظري للتحليل النفسي كله نسق لا وصفي، فهو يتساوق مع كل ملاحظة ممكنة، ويلائم الشيءَ ونقيضَه، ولا يقدم لنا ما عسى أن تكون عليه الأشياءُ الملاحَظة لو أن قضاياه كانت كاذبة. إن الفارقَ يجب أن يُحدِثَ فارقًا، ولو كانت قضايا التحليل النفسي تقول شيئًا محددًا عن عالم الواقع لتسنى لها أن تحدد مشاهدات ممكنة كانت حَرِيةً أن تقع لو أنها كانت كاذبة، أي أن تحدد لنا أي فارق كان يحيق بعالَم الشهادة لو أن ما تُنْبِئنا به النظريةُ كان مجانبًا للحق وكانت الأمورُ تسير في حقيقة الأمر على وتيرةٍ أخرى.»

لم يكن مصدرُ النظرية مما يعني بوبر من قريب أو بعيد، فلتأتِ النظريةُ من حيث تأتي، المهم أن تكون علمًا، أي قولًا يحمل نبأً عن العالم المحدد الذي وُجِدنا فيه، ويحمل في تضاعيفه تنبؤاتٍ محددةً قابلة للاختبار أي الدحض. وليس التحليل النفسي من ذلك في شيء. «إنه نظرية لا تؤدي إلى أي توقعات أو تنبؤات محددة، ولو صح ذلك لكانت لها «مكذِّبات بالقوة» potential falsifiers (كل ما هو خارج التنبؤ)، ولكن أين هي هذه المكذِّبات؟ أين المشاهدات المحدَّدة التي «تمنعها» النظريةُ من الحدوث. إنها تسمح بكلِّ شيء وتمرِّر كلَّ شيء، ثم تُرخِي عليه تصوراتها الفضفاضة الغامضة التي تشمل كل شيء وتفسر كل شيء وتقبل الشيءَ ونقيضَه.»

توماس كون

هذه الطبيعة المعيارية لنظرية بوبر في التكذيب لم تُقابَل بارتياح من جانب الكثير من الفلاسفة؛ ذلك أن رفض نظريةٍ علمية ما بناءً على تنبؤ كاذب، هذا الرفضُ من شأنه أن يؤدي إلى استبعاد أغلب النظريات العلمية الأصيلة، ففي الأيام الأولى لنشأة أي نظرية علمية قد تكون هناك كثير من التجارب التي تناقض النظرية، غير أن النظرية قد تُطوَّر لتفسر هذه الدحوضات المبكرة بطريقة علمية.

وفي مقاله «منطق الكشف أو سيكولوجية البحث» يذهب توماس كون إلى أن بوبر قد ركز أكثر من اللازم على البنية المثالية للكشف العلمي، وأغفل الواقع التاريخي للكشف العلمي؛ فقلما يرفض العلماء نظريةً ما من أجل مثالٍ كاذبٍ وحيد؛ وعليه فإن مبدأ التكذيب لا يصف ما يعمله العلماءُ في واقع الحال.٨ وعلى فلسفة العلم أن تُعنَى بالبنية الفعلية للبحث العلمي والبنية الفعلية للمجتمع العلمي.
وتوماس كون Thomas Kuhn هو واحد من فلاسفةٍ كثيرين كان رأي بوبر في مشكلة التمييز هو منطلَقُهم لتطوير آرائهم الخاصة. ذهب كون إلى أن توصيف بوبر للعلم لا ينطبق إلا على أجزائه الثورية العرَضية، وأن تركيزه على تكذيب النظريات أدى إلى التركيز على حالاتٍ نادرة تكون فيها نظريةٌ بأسرها محل نظر، وموقف العلم في مثل هذه الحالات لا يمكن أن يُستخدَم لكي يعبر عن خصائص المشروع العلمي كله.
يقسِّم كون العلم إلى شكلَين متمايزَين: العلم القياسي (العادي) normal science والعلم الثوري (غير العادي) revolutionary science. ويرى كون أن العلم القياسي (العلم الذي يجري فيما بين اللحظات الاستثنائية للثورات العلمية) هو ما ينبغي أن نلتمس فيه الخصائص التي تميز العلم عن بقية المشروعات. في العلم القياسي يتمثل النشاطُ العلمي في حل الألغاز لا في امتحان النظريات الأساسية، وفي عملية حل لغزٍ يتم التسليم بالنظرية الراهنة، ويتم في الحقيقة تعريف اللغز في حدودها. يرى كون أنه إنما في العلم القياسي (الذي لا يجري فيه صنف الاختبار الذي اقترحه بوبر)، وليس في العلم الاستثنائي، يتميز العلمُ عن بقية المشروعات؛ ومن ثم فإن معيار التمييز يجب أن يشير إلى آليات العلم القياسي، ومعيار التمييز الخاص يكون هو القدرة على حل الألغاز الذي يراه خصيصةً جوهريةً للعلم.

في أزمنة العلم العادي يسلِّم العلماءُ تسليمًا بالنظريات التي تعمل بها تجاربُهم. في هذه الفترات فإن العلماء الأفراد لا يقومون بتفحص صواب القوانين المسلَّم بها (الفيزيائيون مثلًا لا يحاولون تكذيب قوانين الديناميكا الحرارية) وإنما ينصرفون إلى الألغاز التي يطرحها النموذج الإرشادي (البرادايم) العلمي الراهن، أي إنهم يركزون على استخدام النظريات المقبولة والمتاحة كوسيلةٍ لحل الألغاز، وليس على الشك في تلك النظريات وامتحانها، كما أن فشل النظرية في تقديم تفسير لحل لغزٍ ما لا يُعَد فشلًا للنظرية بل للعالِم.

أما عملية إعادة تقييم النظريات ورفض النماذج الإرشادية فهي لا تحدث إلا في مراحل الثورات العلمية، عندما تفشل محاولاتٌ عديدة لتفسير لغزٍ ما في ظل البرادايم الراهن، وكون يُطلِق على مثل هذه الألغاز «الشذوذات» anomalies.
هكذا يتجلى الفرقُ بين معيار بوبر ومعيار كون في تمييز العلم الزائف: فبينما يرى بوبر أن التمييز يرتكز على واقعة أن أنصار العلم الزائف يلتفتون إلى التأييدات confirmations ويجتنبون التكذيبات falsifications الممكنة، فإن كون يذهب إلى أن التمييز يرتكز على خاصية حل المشكلات التي تميز العلم. إن صفة العلم الزائف عند كون أنه يفتقر إلى النظريات الأساسية والمعايير والتقنيات المرعية وتعاليم حل المشكلات التي تميز العلم القياسي، وبين هذه الخصائص يَعُد تعاليم حل المشكلات أهمها جميعًا في التمييز.

وأوضح مثال تمييزي يقدمه كون هو مقارنته بين علم الفلك والتنجيم: فالفلك منذ القدم كان نشاطَ حل ألغاز، وكان من ثَم علمًا، فإذا ما فشل فلكيٌّ في تنبؤ كان هذا يُعَد لغزًا بِوُسعه أن يحله بمزيدٍ من القياسات — مثلًا — أو بإجراء تعديلاتٍ في النظرية. أما المنجِّم فليس لديه مثل هذه الألغاز؛ إذ إن أي فشل معين — في مجال التنجيم — لا يُفضِي إلى بحث ألغاز؛ إذ لا يمكن لأي إنسان — مهما بلغت مهارتُه — أن يستخدم هذا الفشل في محاولةٍ بنَّاءةٍ لِمراجعةِ تعاليم التنجيم؛ لذا فإن التنجيم — وفقًا لتوماس كون — لم يكن قَط علمًا.

لم يقتنع بوبر بمعيار التمييز الذي قدمه كون، فالمنجمون في رأيه ينخرطون في حل ألغاز، وبالتالي فإن معيار كون يُلزِمه باعتبار التنجيم علمًا، (الحق أن بوبر يُعَرِّف الألغازَ — بخلاف كون — على أنها مشكلاتٌ صغرى لا تؤثر في وتيرة البحث)، ومن هنا فإن بوبر يرى أن معيار كون يؤدي إلى الكارثة الكبرى: كارثة استبدال معيار سوسيولوجي بالمعيار العقلاني للعلم.٩

وقد استُهدِفت وجهة رأي توماس كون للنقد الشديد من جانب فلاسفة العلم (وإن كانت — ربما — الرأي الأكثر قبولًا بين العلماء اليوم)؛ فهي ترتكز على مجتمع من العلماء قد يكون عُرضةً لقيمٍ وتوقعات اجتماعية، والكثيرون يرون ذلك أمرًا مفرِطًا في الذاتية. على أن هذا مردودٌ عليه بأن عضوية هذا المجتمع لا تتم كيفما اتفق بل تتطلب تعليمًا طويلًا وممارسةً مكثفة، كما ذهب آخرون إلى أن تعريف كون للعلم يكاد يكون «هو ذلك الذي يفعله العلماء»، وهو عندهم تعريف دائري غير مريح (انظر ردنا على ذلك فيما سبق).

إمري لاكاتوش

قلنا: إن معيار التمييز عند بوبر مَعْنِيٌّ بالبِنية المنطقية للنظريات، وقد وصف إمري لاكاتوش Imre Lakatos هذا المعيار بأنه معيارٌ مربِك: فالنظرية قد تكون علميةً وإن لم يكن هناك أدنَى دليل في صالحها، وقد تكون غير علمية وإن أطبَقَت جميعُ الأدلة على صوابها؛ أي إن الخاصية العلمية أو غير العلمية للنظرية قد تتحدد بمعزِل عن الوقائع.١٠
وعليه قدَّم لاكاتوش تعديلًا على معيار بوبر أَطلَق عليه «مذهب التكذيب المُطَوَّر (الميثودولوجي)» sophisticated (methodological) falsificationism. وفقًا لهذا الرأي فإن معيار التمييز ينبغي ألا يُطبَّق على فرضيةٍ أو نظريةٍ معزولة، بل على برنامج بحثٍ بأكمله، والذي يشمل سلسلةً من النظريات تحل إحداها محل الأخرى تِباعًا، ويُوصف برنامجُ البحث بأنه متقدم إذا كانت النظريات الجديدة تُحدِث تنبؤات مدهشة تم تأييدُها، بينما يُوصف بأنه متدهور إذا كانت النظريات فيه تُلَفَّق من أجل استيعاب الوقائع المعلومة لا أكثر. ولا يكون التقدم في العلم ممكنًا إلا إذا كان البرنامج البحثي يَفِي بالحد الأدنى من المتطلبات، وهو أن تكون كل نظرية جديدة تنشأ فيه لديها محتوى إمبيريقي أكبر من سابقتها، فإذا لم يَفِ البرنامجُ بهذا المُتَطَلَب فهو إذن علمٌ زائف.

يتألف برنامج البحث وفقًا لإمري لاكاتوش من: نواة صلبة وحزامٍ واقٍ ومساعِد كشف (مختصَر ذهني).

  • (١)
    أما النواة الصلبة hard core فهي القوانين الأساسية جدًّا للبرنامج البحثي، مثل:
    • في فلك كوبرنيقوس: دوران الأرض حول الشمس الثابتة، دوران الأرض حول محورها مرةً في اليوم.

    • في الفيزياء النيوتونية: قوانين الحركة، قانون الجاذبية.

    • في المادية التاريخية عند ماركس: فرضية أن التغير الاجتماعي يفسره صراع الطبقات، والطبقات تتحدد طبيعتها وصراعها بالبناء التحتى (الاقتصادي).

  • (٢)
    وأما الحِزام الواقي protective belt فيتكون من فرضياتٍ مساعدة auxiliary hypotheses تساعد على تدعيم قوانين النواة الصلبة. هذه الفرضيات المساعِدة هي التي يقع عليها العبءُ وتُحَمَّل التبِعةَ عند تعارض برنامج البحث مع معطيات الملاحظة، فهي تمتص محاولات تكذيب النواة الصلبة، وهي لذلك عُرضةٌ للتغيير أو التعديل لكي تستوعب الشذوذات وتَفدِي النواةَ الصلبة.
  • (٣)
    وأما مساعِد الكشف heuristic — بإيجازٍ شديد — فيعمل كمرشِدٍ يساعد العلماءَ في تحديد التجارب الممكنة وفحص الشذوذات، وتطوير دعم إضافي لكلٍّ من الحزام الواقي والنواة الصلبة.
وبينما يتفق لاكاتوش مع بوبر في رفض مذهب التحقق فإنه يخالفه في معيار قابلية التكذيب. ذهب لاكاتوش إلى أن ما يميز العلمَ هو أنه قادرٌ على إنتاج تنبؤات مثيرة وغير متوقعة ومذهِلة، وأنه يظل متقدمًا داخل برنامجه، هذا معيارٌ مثير غير أنه لا يميز العلمَ عن العلم الزائف؛ فالحق أن البرنامج العلمي الزائف قد يتنبأ بملاحظات مستقبلية على نحوٍ دقيق، وذلك بطريقِ الصدفة (رَميةٌ مِن غير رامٍ).١١
وترتكز نظرية التمييز عند بوبر ارتكازًا أساسيًّا على وجود أشياء من قبيل «الاختبارات الحاسمة» critical tests التي إما أن تُكَذِّب النظريةَ تكذيبًا حاسمًا، وإما أن تمنحها درجةً عالية من التعزيز. وبوبر نفسه مُغرَم بذكر مثالٍ معين على هذه الاختبارات الحاسمة: وهو الحل الذي جاء به آدمز وليفرير Adams and Leverrier للمشكلة التي فرضها المسارُ الفلكي الشاذ لكوكب أورانوس على فلكيي القرن التاسع عشر؛ فقد توصل هذان العالمان — كلٌّ على حِدة — إلى تفسير هذا الانحراف الفلكي لمسار أورانوس بحتميةِ وجود كوكبٍ سابعٍ غيرِ مكتشَف، وقد تمكنا من حساب الموقع الدقيق لهذا الكوكب الجديد. وهكذا عندما تمكَّن جول Galle في مرصد برلين من اكتشاف هذا الكوكب فيما بعد (كوكب نبتون) وتبين أنه موجودٌ في الموضع الذي حدَّدَه آدمز ولفرير بالضبط، استُقبِل هذا الكشفُ بالتهليل، واعتُبِر نصرًا مؤَزَّرًا للفيزياء النيوتونية. وبحسب مصطلح بوبر فإن نظرية نيوتن كانت قد تعَرَّضَت «لاختبارٍ فاصل» critical test وخرجت منه بنصرٍ عظيم، وقد اعتَبَرَ بوبر نفسُه هذا التعزيزَ القوي للفيزياء النيوتونية «أروعَ نجاحٍ يمكن أن يظفر به أيُّ إنجازٍ فكري بشري».
غير أن لاكاتوش ينكر بصريح العبارة وجودَ اختباراتٍ فاصلة — بالمعنى البوبري — في العلم، ويثبت رأيَه بشكل مُقْنِع؛ إذ يَقْلب المثالَ السابق (الذي يزعم بوبر أنه اختبار فاصل) رأسًا على عقب، يقول لاكاتوش:
ماذا كان يمكن أن يحدث لو أن جول لم يجد كوكب نبتون؟ أكنا سنهجر الفيزياءَ النيوتونية أو نَعُد نظريةَ نيوتن قد كُذِّبَت؟ الجواب هو: بالطبع لا؛ لأن فشل جول كان من الممكن عندئذ أن يُعزَى إلى أسبابٍ كثيرة غير كذب نظرية نيوتن (مثل: تدخل الغلاف الهوائي للأرض مع التلسكوب، وجود حزام شبه نجمي يحجب الكوكبَ عن الأرض … إلخ.) المشكلة هنا هي أن الفصلَ الذي قدمه بوبر بين التكذيب والتعزيز دقيقٌ منطقيًّا بدرجة مفرطة: إن عدم التعزيز لا يعني التكذيبَ بالضرورة، وتكذيب النظريات العالية المستوى لا يمكن أن يتأتى بملاحظاتٍ معزولةٍ أو بمجموعةٍ من الملاحظات، ومن المتفق عليه الآن أن هذه النظريات عصيةٌ جدًّا على التكذيب. إنها إن أمكن أن تُكذَّبَ على الإطلاق فإنما يتم ذلك لا باختباراتِ بوبر الفاصلة، بل داخلَ السياق المعقَّد ﻟ «برامجِ البحثِ» research programmes المرتبطة بها؛ إذ يُلاحظ أنها تتحرك بِعُسرٍ حتى تتوقف، الأمر الذي يخلق فجوةً تتسع باستمرار بين الوقائعِ المطلوبِ تفسيرُها وبين برامج البحث نفسها.١٢
إن تمييز بوبر بين منطق التكذيب ومنهجه لا يقدم في نهاية المطاف تفسيرًا شافيًا لحقيقة أن جميع النظريات العالية المستوى تنمو وتعيش برغم وجود شذوذات anomalies (أي وجود أحداث أو ظواهر غير متفقة مع النظريات)، وإن وجود مثل هذه الشذوذات لا يُؤخذ عادةً من جانب العلماء كدليلٍ على كذب النظرية، بل على العكس، إنهم سيفترضون دائمًا وبالضرورة أن الفروض المساعدة auxiliary hypotheses المقترنة بالنظرية يمكن أن تُعَدَّل بحيث تَستوعِب الشذوذات الموجودة وتفسرها.

بول ثاجارد

وفقًا لبول ثاجارد Paul Thagard تُعَد النظرية أو المبحث علمًا زائفًا إذا انطبق عليه معياران (معًا):
  • الأول: أن النظرية لا تتقدم.
  • والثاني: أن رابطة الممارِسين له لا يحاولون أن يطوروا النظرية في اتجاه حل المشكلات، ولا يهتمون بمحاولة تقييم النظرية في علاقتها بالنظريات الأخرى، وهم انتقائيون في التفاتهم إلى التأييدات والتفنيدات.

والفارق الكبير بين مقاربة ثاجارد ومقاربة لاكاتوش هو أن لاكاتوش حَرِيٌّ أن يَعُد المبحثَ الذي لا يتقدم مبحثًا زائفًا حتى لو كان ممارسوه يعملون بجِد لتحسينه وتحويله إلى مبحث متقدم.

لم يسلَم مبدأ التمييز عند ثاجارد من النقد: فشروطُه لا تحدد العلمَ الزائفَ إلا بمقارنته بالنظريات الأخرى وليس بمحتوَى النظرية، بحيث لا يمكن أن تُعتبَر نظريةٌ ما علمًا زائفًا إلا إذا وُجِدت نظريةٌ منافِسة. وقد أضاف ثاجارد لاحقًا أن النظرية تكون علمًا زائفًا إذا كان أنصارها يعتمدون على فرضياتٍ احتيالية غرضية ad hoc معقدة ولا يكترثون بالارتباطات الإحصائية في محاولاتهم تصديق النظرية، ولكن حتى هذه الشروط الإضافية لم تقدم المعايير الضرورية والكافية لتمييز العلم من العلم الزائف. إن محاولة ثاجارد تسمح فعلًا باحتمالية وجود «مُتَّصَل» فيه نظريات معينة زائفة تمامًا، وأخرى علمية تمامًا، ونظريات أخرى بعدُ تحتل مواقعَ في المنتصف، ولكن حتى على هذا المتصل لن يكون بوسع المرء أن يحدد النقطة التي عندها يصبح شيءٌ ما علميًّا أو علميًّا زائفًا.

جورج رايش

أما المعيار الذي اقترحه جورج رايش George Reisch فهو قابلية المبحث العلمي الأصيل للاندماج في بقية العلوم. إن بين شتى العلوم الأصيلة ترابطات قوية قائمة على المنهج والنظرية وتَماثُل النماذج … إلخ. إن مذهب الخَلق مثلًا ليس مذهبًا علميًّا عند رايش؛ لأن مبادئه واعتقاداته الأساسية غير متوافقة مع تلك التي تربط العلومَ وتوحِّدها، وبنظرةٍ أَعَم فإن الحقل الإبستيمي يُعَد عند رايش علمًا زائفًا إذا كان غيرَ قادر على الاندماج في شبكة العلوم المستتِبة القائمة.١٣

مِرتون

ثمة مقاربة مختلفة تقيم معيار التمييز على الأساس القِيَمي للعلم، قدمها عالِم الاجتماع روبرت مِرتون Robert K. Merton. يتميز العلمُ — وفقًا لِمِرتون — ﺑ «روح» ethos يمكن أن تتلخص في أربعة أوامر مؤسساتية:
  • العمومية/العالمية universalism يفيد هذا المعيار أن دعاوى الصدق — أَيًّا كان مصدرُها — يجب أن تخضع لمعاييرَ لا شخصية مسبقة. يتضمن ذلك أن قبول الدعاوى أو رفضها يجب ألا يستند إلى الصفات الشخصية أو الاجتماعية لأنصارها.
  • الشيوعية communism (وهو تعبير ربما غير موفَّق، ولعل تعبير «المشاعية» communality هو أحصَرُ لِما عَناه مِرتون)، يفيد هذا المعيار أن الكشوف الجوهرية للعلم هي منتوجات التعاون الاجتماعي، ومن ثَم فهي تنتمي للمجتمع وليست مملوكة لأفراد أو جماعات. وهذا — كما بَيَّنَ مِرتون — لا يتفق مع نظام البراءات الذي يقصر حقوقَ الاستخدام على المخترعين والمكتشفين.
  • الارتيابية المنظَّمة organized skepticism ويتضمن هذا المعيار أن العلم يسمح بتمحيصٍ مستقل للاعتقادات التي تُكِنُّها المؤسساتُ الأخرى باعتزاز، وهذا ما يضع العلمَ أحيانًا في صراعٍ مع الأديان أو الأيديولوجيات الأخرى.

وقد عَرَضَ مِرتون هذه المعايير بوصفِها تنتمي إلى سوسيولوجيا العلم، وبالتالي على أنها بيانات إمبيريقية حول ما هو كائن في العلم الفعلي لا ما ينبغي أن يكون، غير أن معاييره كثيرًا ما يرفضها السوسيولوجيون بوصفها مفرطةً في التبسيط، وليس لها تأثير يُذكَر في السجالات الفلسفية حول مسألة التمييز، ويبدو أن فاعليتها في هذا السياق الأخير لم تُستكشَف بما فيه الكفاية.

(٣-٣) مقاربات المعايير المتعددة

رغم أن المعايير التي ذكرناها حتى الآن — باستثناء مِرتون — هي معايير أُحادية، فإن معظم الذين تَصَدوا لمسألة التمييز قد اقترحوا معاييرَ متعددة تُستخدَم مجتمعةً لتحديد العلم الزائف أو الممارسة العلمية الزائفة. وقد تقدم عددٌ كبير من الباحثين بقوائمَ مقترحة لهذه المعايير، يعود ذلك في رأي البعض — مثل ماريو بَنج — إلى فشل المعيار الأحادي في تمييز العلم الزائف، ويعود في رأي البعض الآخر، مثل دوبري،١٤ إلى أن العلم ينبغي أن نأخذه على أنه «مفهوم تشابه عائلي» على طريقة فتجنشتين، يعني ذلك أن هناك مجموعة من الملامح التي تميز العلم، ورغم أن كل جزء من العلم لديه بعضُ هذه الملامح، فلا ينبغي أن نتوقع أن يحوز أي جزء من العلم عليها جميعًا.
وأيًّا ما يكون تعريف العلم، وحيدَ المعيار أو متعددَ المعايير، فإن من الحق أن العلم الزائف يَحِيد عن العلم بطرائق متعددة، وفيما يلي قائمة بأهم ملامح العلم الزائف:
  • الاعتقاد في «السلطة»: ثمة «كبيرٌ» عارفٌ (أو كبراءُ عارفون) لديه قدرة خاصة على تحديد ما هو حق وما هو باطل، وعلى الآخرين أن يتقبلوا أحكامَه، عليهم السمع والطاعة.

  • تجارب غير قابلة للتكرار: يُعَوِّل العلمُ الزائفُ على تجارب لا يمكن أن يُعيد الآخرون إجراءَها والخروج منها بنفس النتائج

  • أمثلة معطوبة تُستخدَم رغم أنها لا تمثل الفئة العامة التي يشير إليها البحث.

  • عدم الرغبة في الاختبار، فلا تُختبَر النظرية رغم أن من الممكن اختبارَها.

  • عدم الاكتراث بالمعلومات المفنِّدة: إغفال الملاحظات أو التجارب التي تخالف النظرية.

  • حيلة مُبَيَّتة built-in subterfuge: يتم إعداد الاختبار بحيث لا يَسمح إلا بتأييد النظرية (لا تسمح النتائجُ بتفنيد النظرية على الإطلاق).
  • التخلي عن التفسيرات القائمة دون القيام مقامها: يتم التخلي عن تفسيراتٍ وجيهةٍ للأمر دون إحلال شيءٍ محلها، بحيث إن النظرية الجديدة لَأَعجزُ من سابقتِها على التفسير.

المفارَقة paradox

سَبَقَ أن لاحظ توماس كون أنه رغم أن معيارَه ومعيار بوبر مختلفان للغاية فإنهما يؤديان إلى نفس الاستنتاجات فيما يجب أن يُعَد علمًا أو يُعَد علمًا زائفًا!

والحق أن هذه الظاهرة — ظاهرة التقاء الفُرَقاء النظريين في ساحة التطبيق — هي ظاهرةٌ عامة للغاية. إن فلاسفة العلم لَيختلفون اختلافًا بعيدًا حول ماهية العلم، غير أنهم متفقون جميعًا في أن التنجيم والعلاج المثلِي واستنباء الآبار والأطباق الطائرة، والذين هبطوا من السماء … إلخ، هي علوم زائفة. هذه مفارقة١٥ واضحة: كيف نكون مختلفين في الفكرة ومتفقين في تطبيقها؟! مفارقة تدل على أن المسألة بحاجةٍ إلى مزيد من العمل الفلسفي.
نعم، يختلف الفلاسفةُ فيما بينهم حول معيار التمييز، غير أنهم — لِلعَجَب — يتفقون لدى تطبيقه على مبحثٍ معين. إنهم يتفقون على زيف نظريةٍ ما ولكن يختلفون في أسباب رفضها، أي يتفقون في رفضها ولكن أسبابهم في الرفض تتفاوت! وما من محاولة للتمييز قد سَلِمَت من النقد المدمِّر، وثمة احتمالان في تفسير ذلك:
  • (١)

    إما أن هناك تمييزًا مطلقًا ولكن لم يُكتشَف بعدُ، والأمرُ مسألة وقت.

  • (٢)

    وإما أن التمييز المطلق لا وجود له.

فيربند

قلنا: إن ثمة خلافًا حول إمكان التمييز بطريقة موضوعية، غير أن هناك من يشكك — إضافة إلى ذلك — فيما إذا كانت محاولة التمييز ذاتها مفيدة. يحاج الفيلسوف بول فيربند Paul Feyerabend بأن جميع محاولات التمييز بين العلم واللاعلم هي محاولات مغلوطة، وبأن فكرة أن العلم يمكن — أو ينبغي — أن يمضي وفقًا لقواعد ثابتة هي فكرة غير واقعة بل ومؤذية؛ لأنها تجعل علمَنا أقلَّ مرونة وأكثرَ دوجماطيقية.
يذهب فيربند إلى أنه ليس ثمة منهج واحد من شأنه أن يُفضِي بنا إلى اكتشاف الحقائق، بل هناك مناهج شتى تفوق الحصر كل منها مُهَيَّأ لمجاله الخاص. هو إذن يدعو إلى «فوضوية منهجية» methodological anarchy إن صح التعبير؛ ذلك أن تاريخ العلم أعقد من أن نحصره في بعض القواعد المنهجية البسيطة. إن كل نظرية وكل افتراض وكل إجراء إنما يحمل في داخله معاييرَه الخاصة ومِحَكَّاتِه التي تلائم الأصقاعَ التي يبحث فيها. إن علينا أن نمارس العلمَ دون ضمانةٍ مسبقة ودون الركون التام إلى «منهج» مسبق محدد تحديدًا نهائيًّا. ثمة معايير بطبيعة الحال، ولكنها لا تأتي بشكل مسبق، إنما تأتي من عملية البحث ذاتها، تأتي بالبحث وفي البحث، لا من ضوابط صورية مسبقة.

ماكنالي

ماكنالي McNally١٦ هو أستاذ علم النفس بجامعة هارفرد، وله في هذه القضية رأي خاص يستحق الالتفات. رغم أن ماكنالي يناوئ العلم الزائف ويسعى إلى فضحه والتحذير منه إلا أنه يقول بأن مصطلح pseudoscience لا يعدو أن يكون تعبيرًا ازدرائيًّا ولفظةً طنانة ملتهبة يستخدمها المرءُ لتسفيه خصومِه تسفيهًا محفليًّا مُعفَى من أي مجهودٍ جدلي وأية معايير موضوعية، ويوصي مكنالي — بدلًا من ذلك — إلى أن ينصرف المرءُ إلى صاحب الدعوى ويسأله: «ما دليلُك؟»

يقول ماكنالي: إن المقاولين الدهاة قد طوروا وسوَّقوا طرائق علاجية جديدة يُوصَف بعضها بأنها معجزات علاجية حقيقية لشكاوى متنوعة. وقد كانت هذه الظاهرة آسرةً لانتباه ممارسي العلم في مجال السيكولوجيا، الذين عمد كثير منهم إلى نقد هذه المقاربات بوصفها «علمًا زائفًا»، غير أن هناك مقاربة بديلة أبسط من ذلك لفضح الطرائق المريبة في علم النفس الإكلينيكي. إن علينا حين نصادف دعاوى هؤلاء المقاولين ألا نضيع وقتنا في محاولة تحديد ما إذا كانت تُصنَّف كعلمٍ زائف، بل نسألهم: كيف تعرف أن هذا التدخل العلاجي الذي تقوم به يؤتي أثره ويفعل فعلَه، ما «دليلك؟»

إن العلم الزائف شأنه شأن البورنو: لا نستطيع تعريفه ولكننا نعرفه متى صادفناه، أو هكذا يبدو الأمر، ولكن على أي أساسٍ يحدد العلماءُ العلمَ الزائفَ في مجال علم النفس الإكلينيكي؟ إنه حتى لو لم يكن ثمة معيار حاد يميز العلم الزائف عن العلم الأصيل فما نزال بحاجة إلى طريقةٍ لتحديده إذا كنا نفترض أن مفهوم العلم الزائف ذو معنى، وعليه فقد عَرَّف الباحثون العلم الزائف بإحدى ثلاث:
  • بممارسيه.

  • أو بنظرياته.

  • أو بطرق بحثه.

  • (١)
    غير أن العلم الزائف لا يُعَرَّف بممارسيه الأفراد،١٧ فكثير من العلماء العظام في تاريخ العلم كانوا يعتنقون بعض الأفكار الواضحة الزيف (على الأقل بمقاييسنا الحالية). لقد بدأ الفلكيون الأوائل كمنجمين، بل إن روادًا علميين — مثل بويل وليبنتز ونيوتن — كانوا يبتلعون بسذاجة كل أصناف الحكايا العجيبة عن العالم الطبيعي التي تشبه تلك التي نراها في الأقراص التي تُباع اليوم في السوبر ماركت.
    ومن الأمثلة الرائعة لعالِمٍ أمريكي جمع بين العلم الأصيل والزائف كوتون ماثر Cotton Mather. كان لهذا العالِم إنجازات علمية مُقَدَّرة، غير أن له مئات الإصدارات التي احتوت على كثير من الدعاوى الغرائبية (ثعابين ذات رأسين، أطفال مسحورين طاروا كالإوز برفرفة أذرعهم مثل أجنحة الطير … إلخ).

    إذن تعريف العلم بممارسيه لا يفي بالغرض؛ لأن العالِم الحقيقي والعالِم الزائف قد يكونان نفس الشخص!

  • (٢)
    والعلم لا يُعَرَّف بالنظريات الفردة (على طريقة بوبر)؛ ذلك أن قابلية التكذيب falsifiability معيارٌ متساهلٌ جدًّا؛ لأن بوسع أي نظرية دجلية أن تُعَدِّل من حالها وتستعين بفروض مساعدة لِتَجَنُّب التكذيب، وبوسعها أن تحدد ما يمكن أن يُعَد ملاحظةً مكذِّبة.
  • (٣)
    ولا طرق البحث يمكن أن تُعَرِّف الدجل؛ فقد تكون النظرية قابلة للتكذيب ولكن أنصارها ينخرطون في محاولات احتيالية (أد هوك) ad hoc للتخريج المتخلِّص من الملاحظات المضادة. والحق أن العلماء ينخرطون في المناورة التحايلية طوال الوقت، وقد تكون مناورتهم مثمرةً كما في حالة اكتشاف كوكب نبتون بفضل فرضية تحايلية بَعدِية قُدَّت لِتَرُمَّ خللًا حسابيًّا وتفسر ملاحظاتٍ شاذة. قد يُرَد على ذلك بأن هناك فرقًا بين الأدهوك المشروع وغير المشروع، ولكن هذه المقاربة تجرد مِحَك الأدهوك من قوته وفعاليته في رأي ماكنالي.
حتى معايير ماريو بنج السبعة للتمييز بين العلم والعلم الزائف غير حاسمة (هي باختصار: (١) الإفراط في استخدام الفرضيات التحايلية لتفادي التكذيب. (٢) التركيز على التأييد دون التفنيد. (٣) غياب التصحيح الذاتي. (٤) عكس عبء البرهان. (٥) الإفراط في الاعتماد على شهادات الآحاد testimonials والنوادر الفردية anecdotes. (٦) استخدام لغة غامضة مُعَمَّاة. (٧) انعدام الترابط مع الأفرع العلمية الأخرى.) قلنا حتى هذه المعايير هي أيضًا غائمة غير حادة: (متى يكون استخدام الفروض الاحتيالية «مفرِطًا»، ومتى يكون الاعتماد على النوادر الفردية «اعتمادًا زائدًا»، ومتى تصبح المفاهيم المعقدة «مُعَمَّاة»؟) وإذا كان العامةُ لا يفهمون معيار قابلية التكذيب عند بوبر على بساطته فكيف يتذكرون ويطبقون معايير ماريو بنج السبعة المعقدة؟!
الحق أن لفظة «علم زائف» pseudoscience لم تعد أكثر من كلمة طنانة ملتهبة ذات تأثير انفعالي لا أكثر، لفظة نستخدمها لإرهاب خصومنا وإسكاتهم في المناظرات المشهودة، لفظة تبعث من الحرارة أكثر مما تبعث من الضوء، ومن الأجدى أن نتخذ لنا سبيلًا آخر.
ليس يعني ذلك أن ماكنالي لا ينتقد الممارسات الدجلية من مثل حركة العين (EMDR)، وعلاج حقل الفكر … إلخ، غير أنه ينتقدها على أسس أخرى غير أسس «العلم الزائف»، وهذه الأسس التي يستند إليها هي أكثر صرامة ومباشرة من معايير العلم الزائف التي استند إليها غيرُه؛ فبدلًا من أن نسأل «هل هذا علمٌ زائف أم علم أصيل؟» علينا أن نسأل «ما الحجج والأدلة evidence التي تدعم هذه الدعوى الإكلينيكية؟» إن ما يعنينا هو «المسوِّغ الإبستيمي» أو «الدليل المؤسِّس» أو «السند الإمبيريقي» … حسبما تفضل من تعبير، وليس محاولة تحديد ما إذا كانت النظرية أو الممارسة تقع على الجانب الصحيح من معيارٍ للتمييز يفصل بين العلم والعلم الزائف، فالمشكلة في اﻟ EMDR ليست أن فرانسين شابيرو عالِم زائف، أو أن هذا العلاج غير قابل للتكذيب، أو أنه يلوذ بالنقلات التحايلية (أد هوك) كلما واجهته بياناتٌ محرِجة، المشكلة هي أن الدعوى المركزية عن القوى العلاجية ﻟﻠ EMDR تعدم أي سند إمبيريقي مقنِع.
وصفوة القول: أن علينا بدلًا من أن نشدَخ أصحابَ هذه الدعاوى بلفظة pseudoscience أن نسألهم، ببساطة وصرامة ومباشَرة: «كيف تعرف ذلك؟» «أَرِنا بياناتِك.» «ما دليلُك؟»

إليزابيث سبري

في مقال «العلم الزائف والعلم»١٨ تذهب د. إليزابيث سبري إلى أن المشكلة ذاتها لا تبدو مشكلةً يمكن حلها، وبوصفنا فلاسفةً فنحن — ببساطة — لا نمتلك الأدوات الضرورية لتحديدِ تمييزٍ مطلق بين العلم والعلم الزائف. إن السؤال نفسه ملغوم!
  • يُصادِر بأن التمييز موجود.

  • ويصادر بأن العلم في جميع الأزمان صحيح والعلم الزائف في جميع الأزمان غير صحيح.

  • ويصادر بأن المجتمع العلمي دائمًا لديه أساسٌ جيد لاعتقاداته ومجتمع العلم الزائف لا أساس لاعتقاداته.

  • ويصادر بأن هناك تمييزًا مطلقًا بين أعضاء المجتمع العلمي وأعضاء مجتمع العلم الزائف، بل بأن هذين المجتمعين موجودان بالتمام والكمال.

إن كلًّا من هذه المتضمنات عُرضةٌ لأمثلةٍ مضادة وانتقاداتٍ وتناقضات أساسية: فهناك أزمنة يكون فيه ما نسميه اعتقادات «علمية» غيرَ مبرَّر جيدًا، ويكون فيه المجتمعُ العلمي غيرَ موجود وجودًا مكتملًا، وكذلك هناك أمثلة تكون فيها الاعتقادات «العلمية الزائفة» صحيحة ومبَرَّرة نسبيًّا، ويكون المجتمع موجودًا وجودًا مكتملًا. يتضح ذلك في التحليل التاريخي الذي قدمه توماس كون. مثال ذلك أنه قد أتى حينٌ من الدهر كان المجتمعُ فيه ينظر إلى التفسير البطلمي للسموات على أنه علمي، بينما نرفض اليوم هذه الدعوى (أي إن ما يَعُده المجتمعُ علمًا في يومٍ ما قد يتغير بتغير المجتمع).

لقد أدلَى كلُّ فيلسوفٍ بِدَلوِه في مشكل التمييز، فماذا قدَّموا؟

  • إن نظرية بوبر كانت قمينةً أن تُقصِي معظمَ البرامج العلمية الناشئة قبل النضج!

  • ونظرية كون — إذا قبلنا نقد لاكاتوش لها — لا تقدم تمييزًا قويًّا على الإطلاق.

  • ونظرية لاكاتوش لها أثرٌ جانبي غيرُ موفَّق إذ قد تَصِمُ بالزيف مشروعًا علميًّا جديرًا بِنَعت «علمي» لا لِشَيءٍ إلا لأنه توقف عن التقدم.

  • أما نظرية ثاجارد فهي في أفضل الأحوال تقدم لنا «متَّصَلًا» continuum أو «طيفًا» spectrum ولا يمكنها أن تقدم تمييزًا مطلقًا.

نخلص من ذلك إلى أنه لا داعي للقلق حول مشكلة التمييز؛ فنحن كفلاسفةٍ ينبغي أن ننصرف إلى بحث صواب الحجة، وليس إلى ما إذا كانت هذه الحجة نابعةً من علمٍ أو من علمٍ زائف. نحن حُرَّاس بوابة «المعرفة السليمة» لا بوابة العلم.

هل يوجد تمييزٌ «بين العلم والعلم الزائف»؟ ذاك حديثٌ يلائم السياسة/ الاقتصاد/الاجتماع، ولكنه غير ذي صلة بالفلسفة! إن التمييز لا يقدم بذاتِه دليلًا على صحة أو صواب دعوى، وعلى الفلسفة أن تركز سعيَها في التمييز بين الاعتقادات الصائبة والاعتقادات غير الصائبة، أي في مَد خط بين الدليل المقبول والدليل غير المقبول، والتفريق بين الدعاوى الغامضة والدعاوى المُحكَمة … إلخ. هذه هي الأسئلة التي تحمل دلالةً فلسفيةً وإبستمولوجيةً حقيقية، وهذه هي الحَلبة الصحيحة لِصَولَةِ الفلسفة وجَولتِها. وإذا كان إمري لاكاتوش قد خَلَصَ في مقاله «العلم والعلم الزائف» إلى أن التمييز بينهما هو مشكلة فلسفية حقيقية، فقد خَلَصنا إلى أنها مشكلة حقيقية، ولكنها مشكلة اقتصادية/اجتماعية/سياسية، وليست مشكلةً فلسفية. أما البديل الذي ندعو إليه فهو أن يُعنَى فلاسفةُ العلم بتأسيس المعايير التي يُقَيَّم بها صوابُ الاعتقاد، وقوة الدليل الداعم لهذا الاعتقاد، ومدى الإحكام والضبط والدقة التي يتعين أن يتصف بها لكي يكون اعتقادًا صائبًا. هذه هي الأسئلة التي تُعَد الفلسفةُ مؤهَّلةً لِتناولِها، ويُعَد الفيلسوفُ مُهَيَّأ للإجابة عنها.

١  Hansson, Sven Ove: Sience and Pseudo-science., In Stanford Encyclopedia of Philosophy, 2017.
٢  «الشرط الضروري» necessary condition هو شرطٌ يتعيَّن توافرُه في شيءٍ ما إذا كان لهذا الشيء أن ينسلِك في فئةٍ ما أو يندرج تحت مفهومٍ ما، كونُ المرءِ ذَكَرًا — مثلًا — هو شرطٌ ضروري لإدراجِه في فئة العُزَّاب، و«الشرط الكافي» sufficient condition هو شرطٌ إذا استوفاه الشيءُ ضَمِنَ له أن يكون عضوًا في فئةٍ ما، أو أن يندرج تحت مفهومٍ ما، وكثيرًا ما يكون «الشرط الكافي» مركبًّا من مجموعةٍ من الشروط الضرورية، مثال ذلك أن خاصةَ كون المرء إنسانًا وغير متزوج وذكرًا وبالغًا حين تُؤخذ مجتمعةً تكون شرطًا كافيًا لأن يندرج في فئة العزاب.
٣  Laudan, Larry, 1983. “The demise of the demarcation problem”, pp. 111–127 in R. S. Cohan and L. Laudan (eds.), Physics, Philosophy, and Psychoanalysis, Dordrecht: Reidel.
٤  «التشابه العائلي» هو المفهوم الذي أكده فتجنشتين في كتاباتِه المتأخرة، ومُفادُه: أن الأشياء التي يشير إليها حَدٌّ من الحدود قد ترتبط معًا لا بِخاصيةٍ مشتركةٍ واحدةٍ، بل بشبكةٍ من التشابهات، كشأن الأشخاص الذين تشترك وجوهُهم في ملامح مميزة لأسرة معينة. وقد أصبح مفهوم التشابه العائلي (الأُسَري) يَعنِي كلَّ مفهومٍ يضم مجموعةً من الأشياء أو الموضوعات وينطبق عليها لا بفضلِ سمةٍ فريدةٍ عامة بل لِوجود تشابهاتٍ بينها عديدةٍ ومتداخلة جزئيًّا بعضها مع بعض.
٥  Derksen, A. A., 1993. “The seven sins of pseudoscience”, Journal for General Philosophy of Science, 24: 17–42.
٦  تتمثل مغالطة التركيب والتقسيم في الانتقال غير المشروع من خصائص الكل إلى خصائص أجزائه المُكَوِّنة (تقسيم division)، أو الانتقال — على العكس — من خصائص المكونات إلى الكل (تركيب composition)، إنها ﻟ «نَقْلةٌ خاطئةٌ» تخرق قواعدَ الاستخدامِ اللغوي والمنطقي السليم أن تَنْسِبَ صفات الكل إلى الأجزاء، أو — في الاتجاه المقابل — أن تنسب صفات الأجزاء إلى الكل بوصفه كلًّا؛ ذلك أن خصائص الكل (بوصفه كلًّا) وخصائص الجزء (إذ يُفرَد على حِدة) ليست دائمًا بالشيء الواحد، ولا ينبغي أن نتوقع تطابقها في جميع الأحوال، ولتفصيل ذلك انظر كتابنا «المغالطات المنطقية»، دار رؤية للنشر، ط٢، ٢٠١٣م، ص٢٥٩–٢٧١.
٧  Churchland, P. S., Neurophilosophy, ninth edition, A Bradford book, The MIT Press, 1996, pp. 259-260.
٨  Kuhn, T. (2013). Logic of Discovery or Psychology of Research. In M. Curd, J. A. Cover, & C. Pincock (Comps.), Philosophy of Science: The Central Issues (2nd ed., pp. 11–19). New York, NY: W. W. Norton & Company. (Original work published 1970).
٩  Popper, Karl, 1974 “Reply to my critics”, in P. A. Schilpp, The Philosophy of Karl Popper (The Library of Living Philosophers, Volume XIV, Book 2), La Salle: Open Court, pp. 1146-1147.
١٠  Lakatos, Imre, 1981. Science and pseudoscience, p. 117, in S. Brown et al. (eds.) conceptions of Inquiry: A Reader Londo: Methuen.
١١  أشار بول ثاجارد أيضًا إلى أن عدم التقدم لا يجعل البرنامج غير علمي بالضرورة، انظر:
Thagard, P. (2–13). Why Astrology Is a Pseudoscience. In M. Curd, J. A. Cover & C. Pincock (comps.), Philosophy of Science: The Central Issues (2nd ed. pp. 27–36). New York, NY: W. W. Norton & company. (Original work published 1978).
١٢  Lakatos, I. The Methodology of Scientific Research Programmes, (ed. J. worrall & G. Currie Cambridge University press, 1978).
١٣  Reisch, George A. 1998. “Pluralism, Logical Empiricism, and the Problem of Pseudoscience”, Philosophy of Science, 65: 333–348.
١٤  Dupre, John, 1993. The Disorder of Things: Metaphysical Foundations of the Disunity of Science, Harvard: Harvard University Press, p. 242.
١٥  تنشأ «المفارقة» paradox عندما تؤدي مقدماتٌ معينةٌ تبدو واضحةً لا خلاف عليها إلى نتائج متناقضة أو غير مقبولة، ولكي نحل مفارقةً ما فإن علينا أن نُبَيِّن أن هناك غلطةً خفيةً في المقدمات، أو أن الاستدلال مغلوط، أو أن النتيجة التي تبدو غيرَ مقبولةٍ هي في الحقيقة صوابٌ يمكن تقبلُه. وتكمن أهميةُ المفارقات في الفلسفة في أنها تضطرنا إلى مراجعة مفاهيمنا، وفي أن كل مفارقة منها يتطلب حلُّها جهدًا لا نَفرُغ منه إلا وقد تَكَشَّفَ لنا شيءٌ في تفكيرنا الاستدلالي لا نفهمه.
١٦  Richard J. McNally, Department of Psychology. Harvard University. Is The Pseudoscience Concept Useful For Clinical Psychology? SRMHP Home, Winter 2003 Volume 2 No. 2.
١٧  راجِع أيضًا ما سبق أن قلناه عن «مغالطة التقسيم» fallacy of division.
١٨  Elizabeth Sperry. Pseudoscience & Science, Analysis Paper 1, Philosophy of Science: Capstone. Spencer Allen, academia, 2017.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤