الفصل السادس عشر

جَزِيرَةُ الِاكْتِشَافِ

عِنْدَمَا بَدَأْتُ فِي الشُّعُورِ بِالتَّحَسُّنِ قَرَّرْتُ اسْتِكْشَافَ الْجَزِيرَةِ كَمَا يَنْبَغِي، وَأَرَدْتُ التَّعَرُّفَ عَلَى مَا يُحِيطُ بِي، فَرُبَّمَا يُسَاعِدُنِي التَّفْكِيرُ فِي الْجَزِيرَةِ عَلَى أَنَّهَا بَيْتِي وَلَيْسَ مَكَانًا عَلِقْتُ فِيهِ. وَحَلَّ الْآنَ مَوْسِمُ الْجَفَافِ، وَعَزَمْتُ عَلَى الذَّهَابِ لِلْجَدْوَلِ حَيْثُ أَبْحَرْتُ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ فِي الطَّوْفِ وَمَعِي مُؤَنِي مِنَ السَّفِينَةِ. وَبِمُجَرَّدِ وُصُولِي إِلَى هُنَاكَ، سِرْتُ بِطُولِ الْجَدْوَلِ حَتَّى تَمَلَّكَنِيَ التَّعَبُ وَعُدْتُ أَدْرَاجِي. وَكَانَ هناك الْعَدِيدُ مِنَ النَّبَاتَاتِ الَّتِي لَمْ أَعْرِفْهَا؛ لِذَا أَخَذْتُ مَعِي عَيِّنَاتٍ لِأَعُودَ بِهَا إِلَى الْمُخَيَّمِ، وَوَجَدْتُ أَيْضًا نَبَاتَاتٍ أَعْرِفُهَا، مِثْلَ الأَلَوَةِ. وَكُنْتُ فَخُورًا جِدًّا بِاكْتِشَافَاتِي!

وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، سِرْتُ لِمَسَافَةٍ أَبْعَدَ، وَتَحَوَّلَتِ الْأَرْضُ الْخَضْرَاءُ الْمُزْدَهِرَةُ إِلَى غَابَةٍ خَشَبِيَّةٍ كَثِيفَةٍ. فَكَانَ يُوجَدُ أَشْجَارٌ كَبِيرَةٌ مُثْقَلَةٌ بِالْفَاكِهَةِ النَّاضِجَةِ، منها الشَّمَّامُ وَالْكَرْمةُ! وَلَمْ أَكُنْ أُصَدِّقُ مَدَى وَفْرَةِ الْأَشْجَارِ وَالْكَرْمَةِ، فَقَرَّرْتُ التَّخْيِيمَ فِي الْبُسْتَانِ لِقَضَاءِ اللَّيْلِ؛ لِذَا صَعِدْتُ إِلَى أَعْلَى شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ وَمَتِينَةٍ وَغَرِقْتُ فِي النَّوْمِ.

كَانَ الصَّبَاحُ مُشْرِقًا وَصَافِيًا. اتَّبَعْتُ نَفْسَ الْمَسَارِ وَأَكْمَلْتُ سَيْرًا جِهَةَ الشَّمَالِ، وَهُنَاكَ وَجَدْتُ فَتْحَةً لِمَسَاحَةٍ نَضِرَةٍ، وَخْضَرَاءَ، وَمُزْدَهِرَةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَكَانَتْ رَائِعَةً، وَبَدَتْ كَأَنَّهَا حَدِيقَةٌ مَزْرُوعَةٌ. وَكَانَتْ أَشْجَارُ اللِّيمِ وَاللَّيْمُونِ مُزْدَهِرَةً، مِثْلُهَا مِثْلُ شَجَرِ الشَّمَّامِ وَالْعِنَبِ. وَكَانَ هُنَاكَ أَيْضًا أَشْجَارُ الْكَاكَاوِ وَالْبُرْتُقَالِ، لَكِنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُثْمِرَةً. وَقَطَفْتُ مِنَ الْفَاكِهَةِ الطَّازَجَةِ قَدْرَ مَا أَمْكَنَنِي حَمْلُهُ.

عُدْتُ بِاتِّجَاهِ أَوَّلِ بُسْتَانٍ وَجَدْتُهُ، وَقَرَّرْتُ أَخْذَ بَعْضِ الْعِنَبِ لِلْبَيْتِ أَيْضًا. وَأَخَذْتُ وَقْتًا طَوِيلًا جِدًّا كَيْ أَرْجِعَ لِلْمُخَيَّمِ. وَعِنْدَ وُصُولِي، أَخَذَ شيبي يَنْبَحُ؛ فَكَانَ مَسْرُورًا جِدًّا لِرُؤْيَتِي. فَإِجْمَالًا، كُنْتُ غَائِبًا لِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ!

شَعَرْتُ بِخَيْبَةِ أَمَلٍ حِينَ اكْتَشَفْتُ أَنَّ الْعِنَبَ انْسَحَقَ فِي طَرِيقِي إِلَى الْبَيْتِ، إِلَّا أَنَّ اللِّيمَ وَاللَّيْمُونَ كَانَا صَالِحَيْنِ، فَصَبَبْتُ مَاءً حَسَنًا وَبَارِدًا فِي إِنَاءٍ، ثُمَّ أَضَفْتُ الْفَاكِهَةَ، فَكَانَ رَائِعًا بِحَقٍّ.

وَعِنْدَمَا انْطَلَقْتُ فِي الْيَوْمِ التَّالِي، حَمَلْتُ مَعِي حَقِيبَتَيْنِ كَيْ أَتْمَكَّنَ مِنْ جَمْعِ الْمَزِيدِ مِنَ الْفَاكِهَةِ. وَبَدَلًا مِنْ أَخْذِ الْعِنَبِ لِلْبَيْتِ، قَطَفْتُ الْعِنَبَ وَعَلَّقْتُهُ عَلَى أَغْصَانِ الْأَشْجَارِ الْأُخْرَى حَتَّى يَجِفَّ لِيُصْبِحَ زَبِيبًا، ثُمَّ مَلَأْتُ حَقِيبَتِي بِالْمَزِيدِ مِنَ الْفَاكِهَةِ وَاتَّجَهْتُ عَائِدًا إِلَى مُخَيَّمِي.

وَنَضِجَ زَبِيبِي فَأَصْبَحَ رَائِعًا وَلَذِيذَ الْمَذَاقِ. وَأَقَمْتُ مَأْوًى صَغِيرًا فِي الْوَادِي، وَأَسْمَيْتُهُ مَنْزِلِي الصَّيْفِيَّ!

وَمَضَى الْآنَ عَلَى وُجُودِي فِي الْجَزِيرَةِ سَنَةٌ كَامِلَةٌ. وَكَانَ يَوْمُ الذِّكْرَى السَّنَوِيَّةِ تَعِيسًا فِي رَأْيِي. وَقَضَيْتُ مُعْظَمَهُ مُفَكِّرًا فِي كُلِّ مَا حَدَثَ. وَآخِرُ جُمْلَةٍ كَتبْتُهَا فِي يَوْمِيَّاتِي لِهَذِهِ السَّنَةِ كَانَتْ: «لِكَمْ مِنَ الْوَقْتِ سَأَظَلُّ بَاقِيًا هُنَا؟»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤