دسائس ومخاوف

كانت سياسة توفيق — إن كان ثمة له من سياسة — عقب حادث قصر النيل أهم العوامل في تطور الحوادث على النحو الذي سوف نراه، فلقد أجاب الضباط إلى مطالبهم وفي نيته أن يغدر بهم متى حانت الفرصة …

وأدرك الضبّاط لا ريب أنه أجابهم إلى ما طلبوا لأنه لم يكن له من ذلك بد، ولذلك أحسوا أنه لابد متربِّص بهم فتربصوا هم كذلك به …

وكان توفيق من ناحية أخرى يكره رياضًا ويعمل على التخلص منه، لذلك وضع نفسه في موضع عجيب حقًّا، فبينما هو يسخط على الضباط ويمقت حركتهم إذا به يتّخذ منهم كما سنرى أداة للكيد لوزيره بغية إقصائه عن منصبه.

وهكذا تشاء الظروف النكدة أن يكون رجل كتوفيق هو الذي يحرك دفة الأمور في مثل ذلك الزمن العاصف.

لم يكن أمام توفيق كما أسلفنا إلا أن يتخذ سبيله إلى قلوب الوطنيين، فيجعل من نواب الأمة سندًا له كما فعل أبوه في أواخر أيامه …

ولكن توفيقًا لم يلجأ إلى ذلك الحل، وما نشكّ في أنه كان يفطن إليه، ولكنه كان يقتضيه أن ينزل عن سلطانه إلى نواب الأمة، وهو ما نشك كل الشك في أنه كان يستطيع أن يحمل نفسه عليه، ومن هنا أحدقت به وبمصر الأخطار، في وقت نشطت فيه دسائس الأجانب الذين أحكموا شباكهم لاقتناص الفريسة الغالية في تلك الأيام الكدرة.

وقع حادث قصر النيل في فبراير سنة ١٨٨١، وفي أعقاب الحادث مرّت على مصر بضعة أشهر ما نظن أنه مرّ على البلاد فترة مثلها في كثرة ما حيك فيها من الدسائس على قِصَر أمدها …

أمر الخديو فأقيم حفل بعد حادث قصر النيل دُعِيَ إليه كبار رجال الجيش، وخطب الخديو فأعلن عفوه عما حدث وأنه لا يضمر لأحد سوءًا، وحث الجند على الطاعة والنظام، وأكد لهم أن الحكومة تهتمّ بأمرهم كلَّ الاهتمام.

وقابل الضباط خطاب الخديو بالابتهاج والشكر، وهتفوا به معبِّرين عن ولائهم له معلنين بين يديه أنه لن يرى منهم إلا الطاعة والولاء.

ونظر البارودي وزير الجهادية الجديد في مطالب الجيش فأجابهم إلى أكثرها، وكانت تدور حول زيادة المرتبات، وإصلاح قانون الترقية وقانون الإجازات، والعناية بمأكل الجيش وملبسه، كما طلب الضباط إعادة أحمد بك عبد الغفار قائمقام السواري إلى الخدمة، وتم لهم ما أرادوا، فعاد هذا الضابط إلى حيث كان قبل أن يعزله رفقي.

وأقام البارودي حفلًا للضباط بعد إصلاح حالهم، شهده الوزراء، وخطب البارودي كما خطب رياض، وأثنى رياض على الجند، وحثهم على النظام، وسألهم أن يقابلوا ما لقوا من إصلاح بالطاعة وأداء الواجب، وخطب عرابي فأثنى على الخديو، وأعرب عن ولاء الجيش لسموِّه.

سمع الضباط أول ما سمعوا أن أعوان الخديو يغرون بالمال والمناصب بعض رجال الآلايات ليكونوا في الوقت الموعود إلى جانب الخديو، ونمى إليهم فيما نمى أن رياضًا يفكر في طرق إجرامية للفتك بهم، ومن ذلك ما علموه من أنه كان يدبّر مشاجرة في أحد الشوارع يندس فيها من يقتل عرابيًّا أو من يحضر من زميليه …

وحدث في آلاي طره وهو الآلاي السوداني الذي كان يرأسه عبد العال حلمي، أن كتب ثمانية من صف الضباط السودانيين يتنصّلون من حادث قصر النيل، ويعلنون ولاءهم للخديو، ويبدون اعتذارهم، ويتهمون رؤساءهم، وأمر عبد العال بإجراء تحقيق ثبت منه أن باشجاويشًا شركسيًّا هو الذي حرَّضهم على ذلك، وأن الذي حرض هذا الباشجاويش هو يوسف كمال باشا ناظر دائرة الخديو الذي دفع لكل من هؤلاء الثمانية، جنيهات ثمانية. وغضب عبد العال واشتكى إلى رياض، ورفع رياض الأمر إلى الخديو، ونصح بعزل يوسف كمال باشا تهدئة للخواطر وقتلًا للفتنة في مهدها، وأجابه الخديو إلى ما طلب، وعاقب عبد العال ذلك الشركسي المحرض بالحبس ستة أشهر … وكشف عبد العال دسيسة أخرى كان يدبرها سوداني في الاستيداع هو الأميرالاي فرج بك الزيني، وكان مسكنه على مقربة من مقر آلاي طره، وأثبت التحقيق أنه كان على صلة بيوسف كمال باشا، وقد ضبطه عبد العال بنفسه في حقل قمح يحرض بعض الجند على كتابة المطاعن في رؤسائهم، وقد أُبعِد الزيني إلى السودان، ويقول عرابي في مذكراته: «إن دسيسة فرج بك الزيني كانت أيضًا من يوسف كمال باشا، وإن الخديو أراد أن يعوضه عما فاته في مصر من رعايته، فلما نُفي إلى السودان أرسل إلى رؤوف باشا حكمدار السودان وقتئذ ليلحقه بخدمة الحكومة السودانية ومنحه رتبة لواء، فصار يُعرف بفرج باشا الزيني.»

واتّهم تسعة عشر ضابطًا أحد رؤسائهم بأمور نسبوها إليه أثبت التحقيق بطلانها، فأبعدتهم الوزارة عن مناصبهم، فبادر الخديو بإعادتهم، الأمر الذي حنق له زعماء الجيش، إذ رأوا فيه أن الخديو إنما يعضد حركة التمرد في صفوف صغار الضباط ويستميلهم إليه ضد رؤسائهم.

وكذلك سمع الضباط أن الحكومة تنوي أن ترسل الآلاي السوداني بقيادة عبد العال بك إلى السودان، بحجة أن القوة الموجودة هناك غير كافية لحفظ النظام، فأحسّ الضباط من ذلك أن النية متجهة إلى تشتيتهم للقضاء عليهم متفرِّقين …

وترامى إليهم أن الخديو يمرِّن حرسه في الإسكندرية على إطلاق النار، وأنه يشهد ذلك بنفسه وينثر الذهب على الجند متظاهرًا بمكافأة المجيدين في إصابة المرمى، ولا يفسر مثل هذا العمل في ظروف كهذه إلا بأنه استعداد من جانب الخديو لما كان مقبلًا عليه من قمع وبطش …

وأرادت الحكومة أن تسخر الجند في حفر الرياح التوفيقي، وكان عليهم أن يسلموا أسلحتهم إلى مخازن الجهادية قبل ذهابهم إلى ذلك العمل، ورفض عرابي أن يوافق على ذلك وأيّده في رفضه البارودي …

وحدث في الإسكندرية أن دهمت عربة أحد التجار وكان سائقها أجنبيًّا أحد الجنود فنقل إلى المستشفى حيث قضى نحبه، واستشاط تسعة من الجند غضبًا، وأملت عليهم سذاجتهم أن يحملوا زميلهم القتيل إلى سراي رأس التين فيقتحموا أبوابها على الرغم من مقاومة الحرس، ويتصايحوا داخل السراي شاكين من الأجانب، راجين أن يتدخل الخديو بنفسه لمعاقبة هذا السائق الأجنبي. وسمع الخديو هذا الصخب فنهر الجند بنفسه وصرفهم من حديقة قصره، ويدلّ هذا الحادث فضلًا عن سذاجة الجند على مبلغ ما كان يتصوره الناس من عظم نفوذ الأجانب، فما يجرؤ أن ينالهم بالعقاب أحد إلا الخديو نفسه، ولهؤلاء الجند بعض العذر فيما تخيَّلوا وإن كان ذلك لا يبرر اقتحامهم القصر على هذه الصورة …

ولكن العقاب الذي عوقبوا به على فعلتهم كان بالغ الصرامة والقسوة. فقد عوقب الجندي الذي حرضهم على ذلك بالحبس المؤبد مع الأشغال الشاقة، وعوقب الثمانية الباقون بالحبس في ليمان الخرطوم ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة كذلك …

ولما ذاع النبأ في الجيش استاء الضباط والجنود أعظم الاستياء من فداحة الحكم، وكتب عبد العال تقريرًا للبارودي يتظلَّم منه ويقارن بين هذا الحكم وبين ما عومل به الضباط التسعة عشر المتمردون، وأظهر البارودي ميلًا إلى قول عبد العال، ونمى ذلك إلى الخديو فغضب أشد الغضب على البارودي، وقد كان يكرهه ويظهر السخط منه منذ أن أشار بأخذ الجند بالرفق وإجابة ملتمسهم عقب حادث قصر النيل، ومنذ أن اختاره الجند وزيرًا للجهادية، فقد داخلَ توفيقًا الشك فيه، ثم أصبح يعتقد أنه من رؤوس الفتنة، وأنه هو الذي يثير الجند لأغراض يسعى لتحقيقها …

واستدعى الخديو وزراءه إلى الإسكندرية، وصارحهم بأن وجود البارودي في الوزارة هو سبب ما في الجيش من فوضى، ولم يَسَعِ البارودي إلا الاستقالة، وقد كان الخلاف كذلك شديدًا بينه وبين رياض، ثم أبلغ البارودي أن عليه أن يرحل فورًا فيقيم بضيعة من ضياعه كيلا يتصل بأحد من الجند أو يتصل به أحد.

وعين داود يكن باشا صهر الخديو وزيرًا للجهادية، وهو شركسي لا يقل فظاظة وحمقًا عن عثمان رفقي، وعزل الخديو محافظ القاهرة أحمد باشا الدرمللي لاتهامه بالعطف على الجند، وأحل محله عبد القادر حلمي باشا.

ولقد كان البارودي في الوزارة على صلة برجال الجيش فعلًا، وكان ينبئهم بكل ما تريد الحكومة بهم، وقد اتّفق معه أن يكون خروجه من الوزارة علامة اقتراب الخطر.

وما لبث أن اتبع داود يكن منتهى الصرامة في معاملة رجال الجيش، فحظر عليهم الاجتماع بالمنازل أو ترك مراكزهم ليلًا أو نهارًا، أو التحدث في السياسة، وأنذرهم بأشد العقاب إن هم خالفوا أمره، ومع أن عرابيًّا وأنصاره قد هنّأوه بمنصبه وطلبوا إليه أن يعمل على إجابة مطالب الجيش التي كان يسعى البارودي في إجابتها، فإنه اكتفى بالوعود ولم يفعل شيئًا … قال عرابي معلقًا على أمر وزير الجهادية الجديد: «ولما كانت تلك الأوامر مخالفة للقوانين العسكرية. ومهينة للشرف العسكري، فقد ردت إليه من طرف أمراء الآلايات.»

ولا يقل رد هذه الأوامر إلى الوزير مغزى عن حادث قصر النيل، إن لم يكن أشدّ منه خطرًا، فمعنى ذلك أن الجند يعصون ما يُلْقَى إليهم من أمر لا يقرونه، وفي ذلك الثورة أبلغ ما تكون الثورة …

وبث حكمدار القاهرة الجديد عيونه وأرصاده على الضباط، وكان داود يكن يطوف بنفسه على مراكزهم ليوقع الخوف في نفوسهم.

وأحيط بيت عرابي وعبد العال بالجواسيس، وجرت الشائعات بالنذر فملأ القاهرة نبأ عجيب مؤداه أن الخديو قد استصدر فتوى سرية من شيخ الإسلام بقتل عرابي، وكانت الظروف يومئذ تساعد على تصديق هذا النبأ الكاذب أكبر المساعدة.

•••

وطلب مجهول الإذن على عرابي في منزله فلم يؤذن له، وشوهد أنه عاد عقب ذلك إلى أحد مخافر الشرطة، وذهب عرابي إلى منزل زميله عبد العال فعلم أنه حدث هناك مثل ما حدث عنده، فأيقنا أن حياتهما يتهدّدها الخطر، ومما يذكره عرابي في مذكراته أن أحد الغلمان الشراكسة في منزل عبد العال، وهو ابن زوج حرمه المتوفى قد دسّ له السم في اللبن بإيعاز غلام آخر شركسي من غلمان الخديو، ولولا أن تنبّهت الخادم لذهب عبد العال ضحية هذا الغدر الأثيم …

وكان للخديو في تلك الظروف مسلك عجيب، لولا أن قام عليه الدليل ما استطاع المرء أن يصدِّقه، وذلك هو محاولة الاتصال بعرابي وزملائه ليستعين بهم على إخراج البارودي من الوزارة، وكان رسوله إلى عرابي هو علي فهمي ثالث الثلاثة في حادث قصر النيل، ولقد أظهر له الخديو مودتَه منذ أن عاد إلى آلاي حرسه لكي يستعين به إذا لزم الأمر في تحقيق مآربه …

أرسل الخديو من الإسكندرية قبل استقالة البارودي — أو إقالته على الأصح — علي فهمي بك رئيس الحرس إلى زميليه في القاهرة، كما يقول عرابي في مذكراته، ليقول لهما إن الخديو يرغب في عزل البارودي لما رأى من ذبذبته وسوء سياسته، وأن الخديو يعطف على مطالبهم «فهم ثلاثة وهو رابعهم»، وإن سموه يطلب ألا يعلم أحد بإيفاد علي بك إليهم …

وترجع صلة الخديو بالضباط إلى ما قبل ذلك، فإنه كان يريد الاستناد إليهم ليحرج رياضًا الذي كان يستند إلى الأجانب. وقد ذكر عرابي أمر هذه الصلة سنة ١٩٠٤ بعد عودته من المنفى لبلنت في حوار بينهما؛ إذ سأله بلنت عن مبدأ صلة الخديو بهم، فقرر أنها بدأت قبل حادث قصر النيل. وقد ظن عرابي يومذاك أن علي فهمي يتجسس عليه، ولم يطمئن إلى إخلاصه إلا حين انضم إليه في الشكوى إلى رياض، وقد سأل بلنت الشيخ محمد عبده عن ذلك فأيده. قال الشيخ محمد عبده: «إن ما ذكره عرابي عن رسالة الخديو التي ذكر للضباط أنهم ثلاثة وهو رابعهم صحيح، وهو يصور أدق تصوير الحال بينه وبينهم يومئذ.»

ولا يخفى ما في مسلك الخديو من خطورة؛ فأقل ما يوصف به أنه جعل الضباط يشعرون أن الجو كله جو دسائس ومخاوف، وأنه لا يمكن بأية حال الاطمئنان إلى موقف الخديو تجاه أحد.

•••

هذه هي الحال في الأشهر السبعة التي أعقبت حادث قصر النيل؛ دسائس ومخاوف تحيط برجال الجيش، وتوقع للانتقام في كل وقت …

أما عن الوطنيين فقد أسلفنا القول إن صلتهم بعرابي لم تنقطع طول الصيف، وكان أكثرهم نشاطًا في الاتصال به سلطان باشا، وكذلك كان يعمل شريف على توثيق أواصر المودة بينه وبينه، وأيقن الجميع وطنيين وعسكريين أن لا منجاة لمصر من سوء الحال إلا بإزاحة رياض عدو الدستور عن الحكم، وإجبار توفيق على أن يسلِّم بالحكم الدستوري الذي أظهر استعداده لقبوله عند توليته ثم ما لبث أن تنكَّر له …

ولا سبيل لإزاحة رياض وإجبار توفيق إلا الاستعانة بالجيش أو بعبارة أخرى بزعماء الجيش، وما كان زعماء الجيش إلا نفرًا من المصريين يحسون ما يحسه أبناء مصر جميعًا من مبادئ العهد. يقول عرابي في مذكراته: «ولما كثرت دسائس الحكومة وبان ختلها وعزمها على اغتيالنا، أخذنا حذرنا منها، وسهرنا على إحباط تلك الدسائس المنكرة، وكان السير مالت قنصل إنجلترا بمصر كثير التردد على الخديو ليلًا ونهارًا دون غيره من وكلاء الدول الأوربية، فأوجسنا من ذلك خيفة على مصير بلادنا، وخشينا من مطامع إنجلترا التي كانت ترمي إلى التهام وادي النيل أسوة بما فعلته فرنسا بتونس؛ حتى يتم التوازن الذي تدّعيه أوربا، فعرضنا مخاوفنا على جلالة أمير المؤمنين ليحيط علمًا بما كان جاريًا في مصر، ولكيلا يتورط في تصديق ما قد يصل إليه من دسائس أعداء البلاد، وذيَّلنا العريضة المذكورة بإمضائي وإمضاءات إخواني علي بك فهمي وعبد العال بك حلمي وأحمد بك عبد الغفار بالنيابة عن الجيش، وأحمد بك أبو مصطفى، وأحمد بك الصباحي، وعثمان باشا فوزي، وغيرهم من وجهاء الأمة بالنيابة عن جميع المصريين.»

•••

ونقل مؤلف كتاب المسألة المصرية عن كتاب بلنت العبارة الآتية١ «ثم إن الأمة بأسرها، وبعبارة أدق إن طبقاتها المستنيرة الدستورية النزعة قد تبيَّنت فجأة أنها ليست من الضعف بحيث ظنَّت نفسها، وأن لها في الجيش قوةً كبيرة متجمعة لا يُستهان بها، فإذا ما استطاعت أن تضمه إلى جانبها في قضية الإصلاح الدستوري فإنه لابد قاضٍ على ما حاق بالأمة من شدة وهوانٍ طال عهدهما، وسرعان ما أصبح عرابي وأصحابه بجرأتهم وحركتهم الناجحة معقد آمال الأمة وموضع إعجابها، واستحال في نظر الوطنيين ما كان يقصد به أن يكون مجرّد احتجاج عسكري إلى فعلة مدنية وطنية، وأصبح عرابي رجل مصر المشار إليه بالبنان، ولقِّب بالرجل الوحيد، وما هو إلا قليل من الزمن حتى توثقت العلاقات بينه وبين أكثر الزعماء السياسيين في ذلك الزمن.»

وقال مؤلف ذلك الكتاب أيضًا: «كان في وسع كل إنسان إذ ذاك أن يخبر بأن الجيش إن سنحت — أو عندما تسنح — له فرصة للظهور في ميدان العمل مرة أخرى فإن ذلك لن يكون من أجل مصالح أفراده أو وظيفته، ولكن من أجل مصالح الأمة السياسية العامة.»

•••

أعد أحمد عرابي بيانًا أرسله إلى أعيان البلاد، يبيِّن فيه أخطاء الحكومة واستبدادها، ويدعو الناس إلى معاونته لانتشال البلاد مما هي فيه، وقد جاء في مذكراته وصف استعداده لهذا العمل. قال: «ثم أخذت في نشر أفكاري بين علماء الأمة وأعيانها وعمد البلاد ومشايخ العربان طالبًا منهم مساعدتي في حفظ الأمن والراحة العمومية، حتى نتفرغ للنظر في مصالح البلاد ونتوفر على انتشالها من وهدة الاضمحلال …» إلى أن قال: «وسَيَلِي ذلك إسقاط الوزارة الحاضرة التي لا تريد بالبلاد خيرًا، وتشكيل مجلس نواب يعهد إليه في الوصول بنا إلى الحرية المنشودة، وختمتُ المنشور بطلب مساعدة أبناء البلاد وتأييدهم، وبناءً على ذلك وفدتْ علينا الوفود من جميع أنحاء القطر، وسلَّمتْ عرائض النيابة عنها، وفوضتْ إلينا العمل لما فيه سعي البلاد وخلاصها من براثن رجال الاستبداد، معلنة تضامنها معنا في كل ما نقوم به من أعمال الإصلاح وما ينتج عنه من النتائج.»

هذا ما أعده عرابي لوثبته الثانية في سبيل حرية وطنه، أو هذا ما يعتزمه من إقدام الرجل الذي وصفه خصومه فيما وصفوه به بالجبن والخوف والرغبة في الخلاص والهرب … ألا ليت كل شجاعة تكون كهذا الجبن الذي يصفون، وليت كل شجاع مستطيع أن ينهض لما نهض له أحمد عرابي …

١  المسألة المصرية لرولستين: تعريب الأستاذين العبادي وبدران.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤