المسألة الثامنة عشرة والمائة

لِمَ كان اليتم في الناس من قِبَل الأب وفي سائر الحيوان من قِبَل الأم؟

فإن قلت: لأن الأم ها هنا كافلةٌ؛ فإن الأمر في الناس كذلك، وفيه سرٌّ غير هذا ونظرٌ فوقه.

الجواب

قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:

إن الإنسان من حيث هو حيوانٌ مشاركٌ للبهائم في هذا المعنى محتاجٌ إلى ما يُقيمه من الأقوات التي تحفظ عليه حيوانيته.

ومن حيث هو إنسانٌ مشاركٌ للفلك في هذا المعنى يحتاج إلى ما يُبلِّغه هذه الدرجة بالتعليم والتأديب؛ لأن الأدب يجري من النفس مجرى القوت من البدن.

والذي يقوم بالحال الأولى هي الأم، والذي يقوم له بالحال الثانية هو الأب.

ولما كانت الحالة الثانية أشرف أحواله، وهي التي بها يصير هو ما هو، أعني أن يصير إنسانًا، وجب أن يكون يُتْمُه من قِبَل أبيه.

ولما كان سائر الحيوانات كمال حيوانيتها في القوت البدني وجب أن يكون يُتْمُها من قِبَل الأم.

ولعل الإنسان قبل أن يبلغ حد التعلم من الأب وفي حال حاجته إلى الرضاع إذا فقدَ أُمَّه سُمِّي يتيمًا من قِبَل الأم ولم يمتنع إطلاق ذلك عليه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤