المسألة السادسة والعشرون والمائة

لِمَ صارت بلاغة اللسان أعسر من بلاغة القلم؟ وما القلم واللسان إلا آلتان وما مُسْتَقَاهما إلا واحدٌ، فلِمَ نرى عشرةً يكتبون ويُجِيدون ويَبْلُغُون، وثلاثة منهم إذا نطقوا لا يجيدون ولا يبلغون؟ والذي يدلك على قلة بلاغة اللسان إكبار الناس البليغ باللسان أكثر من إكبارهم البليغ بالقلم.

الجواب

قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:

ذاك لأن البلاغة التي تكون بالقلم تكون مع رويةٍ وفكرةٍ وزمانٍ متسعٍ للانتقاد والتخيُّر والضرب والإلحاق وإجالة الروية لإبدال الكلمة بالكلمة، ومن يُبَادَه بالكلام متى لم يكن لفظه ومعناه مُتَوَافِيَين عَرَضَ له التَّتَعْتُعُ والتَّلَجْلُج وتَمَضُّغُ الكلام، وهذا هو العِيُّ المكروه المستعاذ منه.

فأما البليغ فهو حاضر الذهن، سريع حركة اللسان بالألفاظ التي لا يقتصر منها أن يُبَلِّغَ ما في نفسه من المعنى حتى تتفرَّغ له قطعةٌ من ذلك الزمان السريع إلى توشيح عبارته، وترتيبها باختيار الأعذب فالأعذب، وطلب المُشَاكَلَة والموازَنة والسَّجْع، وكثيرٍ مما يُحتَاج في مثله إلى الزمان الكثير والفكر الطويل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤