المسألة الخامسة والثلاثون والمائة

لِمَ صار بعض الأشياء تمامه أن يكون غضًّا طريًّا ولا يُستحسَن ولا يُستطاب إلا كذلك؟
وبعض الأشياء لا يُختار ولا يُستحسَن إلا إذا كان عتيقًا قديمًا قد مر عليه الزمان؟
ولِمَ لَمْ تكن الأشياء كلها على وجه واحدٍ عند الناس؟
وما السبب في انقسامها على هذين الوجهين، ففيه سِرٌّ؟

الجواب

قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:

لما كانت كمالات الأشياء مختلفةً، أعني أن بعضها تتم صورته التي هي كماله في زمان قصير وبعضها تتم صورته في زمان طويل، كان انتظار الإنسان للكمال منها وتفضيله إياها بحسبه.

ولما كان الشيء يبتدئ وينتهي إلى الكمال، ثم ينحطُّ حتى يتلاشى ويعود إلى ما منه بدأ، كان أفضل أحواله وقت انتهائه إلى الكمال، فأما حين صعوده إليه أو انحطاطه عنه فحالان ناقصان، وإن كانت الأولى أفضل من الثانية.

ولما كانت هذه القضية مستمرةً فيما كان في عالمنا هذا، أعني عالم الكون والفساد، وجب من ذلك أن تكون استطابة الناس واستحسانهم لصورة الكمال في واحدٍ واحدٍ من الأشياء المختلفة أيضًا مختلفًا لأجل ما ذكرناه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤