المسألة السادسة والستون والمائة

لِمَ صارت الأنْفُسُ ثلاثًا في العدد؟
وهل يجوز أن تكون اثنتين؟
أو هل يستحيل أن تكون أربعًا؟

الجواب

قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:

النفس في الحقيقة واحدةٌ، وإنما يظهر أثرها — كما قلنا فيها فيما تقدَّم — بحَسَب قبول القابل، وإنما قيل إنها ثلاثٌ؛ لأن من شأن الشيء الذي يبدأ أثره ضعيفًا ثم يقوى غاية القوة أن ينقسم ثلاثة أقسام، أعني الابتداء والتوسط والنهاية، ولما كان مبدأ أثر النفس في النبات، أعني أنه يظهر فيه معنًى يقبل الغذاء الموافق وينفض الفضلة وما ليس بموافقٍ ويحفظ صورته بالنوع، سُمِّي هذا الطرف الأول نفسًا نباتية.

ثم لما قَوِيَ هذا الأمر حتى صار ينتقل المتنفس لتناول غذائه وصارت له حواسُّ وإرادةٌ سُمِّيت هذه المرتبة: المتوسطة والحيوانية.

ولما قَوِيَ هذا الأثر حتى صار — مع هذه الأحوال — يرتئي ويفكر ويستعمل التمييز بتقديم المقدمات واستنتاج النتائج ثم يعمل أعماله بحسبها سُمِّي ناطقًا وعاقلًا وما أشبه ذلك.

ولكل واحدة من هذه المراتب لو قُسِّمت مراتب كثيرةٌ، إلا أن الأَوْلى في كل ما جرى هذا المجرى أن يُقْسم إلى: المبدأ والوسط والنهاية، كما فُعِلَ ذلك بقُوَى الطبيعة؛ فإن الحرارة والبرودة وما جرى مجراهما إنما تُقْسم إلى ثلاث مراتب، أعني الابتداء والوسط والنهاية، وإن كانت كل واحدة من هذه المراتب تنقسم أيضًا، وإذا ما تأمَّلتَ جميع القوى وجدتَ الأمر فيها جاريًا هذا المجرى.

فأما قولك: هل يجوز أن تكون اثنتين؟ فهي إنما تكون واحدة أولًا ثم اثنتين ثم تستكمل فتصير ثلاثًا، وقد مضى شرح هذا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤