المسألة السابعة والستون والمائة

لِمَ صار البحر في جانب من الأرض؟

الجواب

قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:

لولا حكمةٌ عظيمةٌ اقتضت أن ينحسر الماء عن وجه الأرض لكان الأمر الطبيعي يُوجب أن يكون لابسًا وجه الأرض أجمعه حتى تصير الأرض في وسطه شبيهةً بِمُحِّ البيض والماء حولها شبيهًا بالبياض، والهواء محيطٌ بهما على ما هو موجودٌ الآن، والنار محيطةٌ بالجميع؛ ليكون الأثقل الأول بالمركز وهو الأرض في موضعه الخاص من المركز، ويليه الماء الذي هو أخفُّ من الأرض وأثقل من الهواء، ويليه الهواء ثم النار على سوم الطباع، ولكن لو تُرِكَتْ هذه الأشياء وسَوْمَها الطبيعي لم تكن على وجه الأرض عمارةٌ من نبات وحيوانٍ وبشرٍ وبهيمةٍ وطائرٍ، وبطلت هذه الحكمة العجيبة والنظام الحسن، فلأجل ذلك خُولف بين مركز الشمس ومركز الفلك الأعلى، فتبع هذا أنْ صارت الشمس تدور على مركزٍ لها خاصٍّ بها غير الأرض، أعني أن مركزها خارجٌ من الأرض، ولما دارت على مركزها قَرُبَتْ من ناحية من الأرض وبَعُدَتْ من أخرى وصارت الناحية التي تقرُب منها تَحْمى بها، ومن شأن الماء إذا حَمِيَ أن ينجذب إلى الجهة التي يَحْمى فيها بالبخار، وإذا انجذب إلى هناك انحسر عن وجه الأرض الذي يقابله من الشِّق الذي تبعد عنه الشمس، وإذا انحسر عن وجه الأرض حدث من الجميع كرةٌ واحدةٌ أعني من الماء والأرض، إلا أن شِقَّ الكرة الجنوبي الذي تقرُب الشمس فيه من الأرض مكان الماء وهو البحر، وشِقَّ الكرة الشمالي الذي تبعُد عنه الشمس من الأرض يابسٌ تظهر فيه الأرض.

ثم وجب بعد ذلك أن تُنْصَب عليها الجبال؛ لتستقيم الحكمة وينتظم أمر العالم على ما هو به موجود.

عزَّ مُبدِئ الجميع ومُنشِئه، وناظمه ومقدِّره، وتبارك اسمه، وجلَّ جلاله، وتقدَّست أسماؤه، وتعالى عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤