المسألة السابعة والعشرون: مسألة خلقية

لِمَ صار بعض الناس إذا سُئل عن عمره نقص في الخبر وآخر يزيد على عمره في الخبر؟

الجواب

قال أبو علي بن مسكويه، رحمه الله:

غرض الرجلين جميعًا — أعني الناقص من مدة عمره والزائد فيها — غرضٌ واحد وإن اختلفا في الخبر.

وربما فعل الرجل الواحد ذلك بحسب زمانين مختلفين أو بحسب حالين في زمان واحد.

وهو من رذائل الأخلاق لأنه يوهم بالكذب فضيلةً لنفسه ليست فيها.

وسبب هذا الفعل محبة النفس، وذاك أن الإنسان يحب أن يُعتقَد فيه من الفضل أكثر مما هو، ويحب أن يُعذَر في نقص إن وُجِد فيه.

وهو إذا كان حدثًا وظهرت منه فضيلة أو نقيصة نقص من زمان عمره؛ ليعلم غيره أن الفضيلة حصلت له في زمان قصير، وأن ذلك لم يكن ليتم له إلا بعناية كثيرة، وحرص شديد، ونفس كريمة، وانصراف عن الشهوات الغالبة على أقرانه، وترك اللعب الذي هو يستولي على لِدَاتِهِ، وكلما كان الزمان أقصر كان إلى الفضيلة أقرب، وكان التعجب منه أكثر.

وإن كانت منه نقيصة عُذِر في فعله بقلة الحِنْكة والدُّرْبة، وانتُظِر فلاحه ورُجِي تلافيه وإنابته.

وإن الإنسان مرشح طول عمره لاقتناء الفضائل والاستكثار من المعارف، ويجب أن يكون أبدًا بحال من الفضل يُستكثر في مثل سنه أن يبلغ إليها، أو يُعجب من كثرة تدربه بالزمان القصير في الأمور التي يُحتاج فيها إلى الزمان الطويل.

وأيضًا فإن المكتهل وذا السن الكثير التجربة ممن صحب الزمان، ولقي الرجال، وتصرَّف في العلوم — مهيبٌ في النفوس، جليلٌ في الصدور، موقَّرٌ في المجالس، مستشارٌ في النوائب، مرجوعٌ إليه في الرأي، وهذه حال مرغوب فيها، فإذا بلغ الإنسان من السن ما يحتمل أن يدَّعي فيه هذه الدعوى أو يشبِّه نفسه بأصحاب هذه المراتب زاد في عمره لتسلم له هذه المرتبة فتُعتقَد فيه.

فكل واحد من الرجلين أو الرجل الواحد في الزمانين أو الحالتين غايته في التكذب بما يُنقص من عمره أو يزيد من عمره التمويه بالفضل وادعاء رتبة ليست له.

وهذا شر ظاهر فمتعاطيه شرير، وأفاضل الناس لا يعتريهم هذا الشر؛ لأنهم لا يتدنسون بالكذب ولا يتكثَّرون بالباطل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤