دنيا يا غرامي

زعموا أن الضبَّ يعيش بالنسيم، وأنا أزعم أن اللبناني يعيش بالسياسة وأن الحزبية عنده بنت عم الطعام والشراب والكساء، إن لم تكن ست الإخوة … ففلان على «الغرض» هي الكلمة التي تدور على لساننا، الدالة على انقسامنا، إذ لا بد لنا — في كل شأن — من انقسام العرب عربين. ففي المدينة حيث الطوائف المختلفة تقوم الفتنة الكبرى بين الحيَّين، وفي القرية تكشر الحزبية عن أنيابها بين الحارتين، حتى تراهم في الكنائس حزب يسار وحزب يمين، وكل منهما يردد آمين … وإذا كانت الضيعة عائلة واحدة فالمخاصمة واقعة — لا محالة — بين أبناء العم والإخوة.

يتلهون بالمختار ورئيس البلدية والناطور، ومتى حانت «زفة» النيابة تقف الحية على ذنبها، تلتف الأحزاب حول تلك العروس المكحولة العين، رجال تهدر كالجمال، وقرود تزمجر كالأسود، ولا تخلو المعمعة من أبطال يستحيلون حميرًا يركب عليها بلا جلال …

لا أتعجب من هذا، فكذلك كنا أيام «مجلس الإدارة»، كانوا يخطفون «مشايخ الصلح» كما يخطف الشباب العرائس، ويأخذون منهم «الأختام» عربون الخطبة، ثم يخفونهم في مكان ما حتى يوم الاقتراع، ومهما نسيت من ذيول حزبيتنا الهوجاء فلا أنسى معركة انتخابية انجلت عن مصرع ضابطين كبيرين فأطلقت الصحف على المنتخب اسم «العضو الأحمر».

كل هذا مر وحدث، أما الشيء الذي ما مر مثله على رأسي، فهو الاتهام بجريمة قبل وقوعها، فعلى هذا القياس لو استوزر وزير حربية الرب، الملاك ميخائيل، ونصب ذاك الميزان على عيني وعينك يا مرشح لا نُعدم من يتهمه التزوير.

كان دعبل الخزاعي يتهم أبا تمام بسرقة شعره، فروى له محمد بن صابر الأزدي شعرًا وقال له: كيف ترى هذا الشعر يا دعبل؟ فصاح دعبل: أحسن من عافية بعد يأس، فقال له الأزدي: هذا لأبي تمام، فأجاب دعبل: ولعله سرقه.

ما أصح قول الإنجيل في الوزارتين:

جاء يوحنا لا يأكل ولا يشرب فقالوا فيه شيطان. وجاء يسوع يأكل ويشرب فقالوا: هو ذا إنسان أكول، شرِّيب خمر، محب للخطأة والعشَّارين.

يقول المثل: امسك الجمل وخذ باجه، أما أن نشرب على ذكر «الحبيب» مدامة ونسكر بها من قبل أن تخلق الكرم، فهذا كثير …

كثيرون هم المتعطشون لخدمة الشعب، ولكن بعضهم يخشون فوت هذا الأجر، فما عساه يعمل لتطمئن قلوب المغرمين الصابين إلى خلق جمهورية أفلاطونية؟!

أنا أقول: إن هذه الغيوم المسودة المتلبدة في آفاق الانتخابات هي من صنع الناخبين الذين يقولون لكل فريق: نحن معكم. فلو قطعت الطريق على هؤلاء الذين يلعبون على الحبلين، ثم لا يعلم أحد لأي «قديس» يصوِّتون، لعرفت كل عنزة قطيعها، وعرفنا القرعاء من أم القرون …

٢٢  /  ٢  /  ٥١

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤