الفصل الثاني عشر

خطاب من دكتور لانيون

حالما عاد أترسون إلى منزله كتب خطابًا إلى دكتور جيكل يعبر فيه عن استيائه بسبب صرفه مرارًا وتكرارًا وعن قلقه بشأن صحة جيكل. وسأل أيضًا عن سبب النهاية المأساوية لعلاقته بلانيون. وشعر المحامي بالإحباط الشديد وكان في حيرة شديدة من أمره.

جاء الرد في اليوم التالي في خطاب مطول ومحير في بعض من أجزائه. استهل جيكل خطابه بقوله إن القطيعة بينه وبين لانيون هي للأبد، كتب جيكل: «لا ألومه بالطبع. لكنني أوافق على أننا لا يجدر بنا أن نتحدث إلى الأبد. في واقع الأمر، أنوي أن أعيش حياة العزلة من اليوم فصاعدًا. أرجوك لا تنجرح أو تنزعج إذا أُغلق بابي حتى في وجهك أنت يا أترسون. هكذا لا بد أن يكون الأمر. لقد جلبت هذا العقاب على نفسي. إذا كنت أكبر الخطائين، فأنا أيضًا أكبر المُعذَّبين؛ فحتى ذلك الحين لم يكن لدي أدنى فكرة أن الحياة يمكنها أن تحمل مثل هذا الشجن. يا أترسون إذا كنت تأمل أن تخفف من ألمي بأي شكل من الأشكال، فأرجوك احترم صمتي.»

ذُهل أترسون، فلقد ولى وزال شر مستر هايد وتأثيره منذ زمن طويل. فقبل أسبوع فحسب، كان جيكل سليمًا وسعيدًا وفي طريقه إلى قضاء فترة شيخوخة هانئة. فلقد عادا إلى عادتهما في تناول العشاء وقضاء الأمسيات معًا إلى جانب المدفأة. وقد علق أصدقاء آخرون على معنويات جيكل المرتفعة. وكان أترسون قد اعتقد أن خطر هايد قد ولى وزال. ما الذي عساه أن يحدث خلال فترة وجيزة؟ وبعد مرور فترة لم تتجاوز الأسبوعين، قضى دكتور لانيون نحبه.

كانت الكنيسة مليئة بالمُعزين إذ كان للدكتور لانيون العديد من الأصدقاء. وكان الجميع مذهولًا من السرعة التي مات بها. وحده أترسون هو الذي رأى قرب النهاية. لكن بالطبع لم يخبر المعزين الآخرين؛ فكيف يمكنه أن يشرح صلة جيكل بالأمر، ولا سيما وهو يشعر أنه هو أيضًا قد أخفيت عنه أشياء كثيرة.

في الليلة التالية للجنازة مكث أترسون وحده في غرفته. جلس إلى جانب ضوء شمعة واحدة، وأخرج مظروفًا من جيبه، كان قد سلمه إياه محامي لانيون بعد الجنازة، وكان مكتوبًا عليه: «يُسلم إلى جي جيه أترسون وحده. إذا عشت أنا دكتور لانيون إلى ما بعد مستر أترسون، يجب تدمير هذا الخطاب «دون أن يقرأه أحد».» فضّ أترسون ختم المظروف بكل ثقة، وبالداخل وجد مظروفًا آخر مختومًا ومكتوبًا عليه: «لا يُفتح حتى يموت دكتور هنري جيكل أو يختفي.» صدمت هذه الكلمات أترسون، فهي نفس الكلمات التي استخدمها جيكل في وصيته الغريبة بشأن مستر هايد. كانت الكلمات المكتوبة على المظروف بخط يد دكتور لانيون. لماذا يهتم لانيون باختفاء جيكل؟ ولماذا ارتاب لانيون من الأساس في أن جيكل قد يختفي يومًا ما؟ ولمّا كان أترسون صديقًا جديرًا بالثقة ومحاميًا، وضع المظروف المختوم في أبعد ركن في خزنته. وتمنى ألا يأتي أبدًا اليوم الذي يضطر فيه أن يفتحه. فقد خشي أن تكون الحقيقة صادمة للغاية على أن يتحملها.

استمر أترسون يتردد على جيكل لكن على فترات متباعدة. وكان لا بد أن يقر المحامي لنفسه أنه عادة كان يشعر بالراحة عندما كان بول يصرفه. فقد استكن أترسون في نمط حياة جديد ووجد فيه الراحة؛ إذ علم أترسون أن قلقه بشأن جيكل سيقل إذا انشغل على الدوام.

في واحدة من زياراته إلى منزل جيكل، سأل بول هل الطبيب يشعر بأي تحسن. فأخبره الخادم أن ظهور سيده حتى في داخل المنزل بدأ يقل باطراد. لاحظ أترسون أمارات القلق على بول.

قال بول: «إنه يقضي معظم وقته في الغرفة التي تعلو المختبر. بل عادة ما ينام دكتور جيكل هناك. أنا أترك له الطعام على باب الغرفة ثم أعود في وقت لاحق كي آخذ الأواني الفارغة.» وبدا على بول أنه يريد أن يفصح عن المزيد، إذ تلجلج في بعض الكلمات، ثم توقف، لكنه قال في النهاية: «سأخبر سيدي أنك كنت هنا.»

شكر أترسون بول وغادر. وكان واضحًا أن القلق استبد به بشأن صحة جيكل وكم الوقت الذي يقضيه جيكل في عزلة. وقد اندهش أترسون لدى علمه بأنه حتى خدم الطبيب نادرًا ما يرونه. وتساءل أترسون: هل فقد صديقه الطيب إلى الأبد؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤