المثاني

١

أيها البحر١
زاخرٌ ثائرٌ نهارًا وليلًا
أيها البحر ما هياج البحور؟
هل خلا من هديرك الدهر يومًا
أو سيخلو على مرور الدهور؟

٢

ترفع الشمس عن جمالك سترًا
ويصون الجمال ستر الظلام٢
يقرأ الناس من جمالك سطرًا
من حروف الإصباح والإظلام

٣

تختفي كالنجم في الدَّجْن اختفى
ثم تبدو ومض برق للفؤاد٣
أنت في غيب وومض ظاهرٌ
ذان للعين بياض وسواد

٤

إنما التوحيد إيجاب وسلب
فيهما للنفس عزمٌ ومضاء
لا وإلا قوة قاهرة
فهما في القلب قطبا الكهرباء٤

٥

يشغل العين والجوارح سيري
ولظى النار في الفؤاد كمين
وتثور الذكرى كقدحة زند
فإذا القلب لاعج وشجون

٦

ينبع الدمع في شئوني حينًا
وله في الفؤاد نبع جليُّ
وأراه يجيش في العين حينًا
وله في الغيوب نبع خفي٥

٧

إن يكن في الكلام صدق وكِذب
ولدى القلب سره المكنون
فعلى الصدق في العيون دليل
وعلى الوجه شاهد لا يمين٦

٨

أمنح الناس مسمعي وحديثي
وألاقي كلامهم بكلام
وسوى ذاك في الفؤاد حديث
من وراء الأسماع والأفهام

٩

ينبع الشعر والشواغل شتى
كانبجاس المياه بين الرمال
تبصر الماء صافيًا لست تدري
كم فيافٍ سرى بها وجبال٧

١٠

الوجدان
عقباتٌ تفل كل شباة
وزماعٌ يذلل العقبات
نحن لولا الوجدان يَهدي ويحدو
قهرتنا الأهوالُ في الطُّرُقات

١١ ت

كلما أظلم الطريق وأعيا
وتناجت بيأسها الركبانُ
أبصر الركب للمنازل نارًا
وهداهم إلى الديار أذان

١٢

في نور القمر
أحسب البدر ساطعًا نبع ماء
فأرجِّي لديه تطهير ذنبي
وأراه من الأشعة فيضًا
أتمنى لديه تنوير قلبي

١٣

الإباء
قد عبرنا حدائق الحسن في الأر
ض ترينا الثمار كلَّ شهيِّ
وكبُرنا عن أن نُسِفَّ إليها
فمضينا كطائر وحشيِّ

١٤

بين الحسن والقلب
يطبع الحسن شكله في فؤادي
ولقلبي على الجمال انطباع
بين نفسي والحسن أخذٌ ورد
مثل ما غازل المرايا شعاع٨

١٥

قال لي صاحب: أراك غريبًا
بين هذا الأنام دون خليل
قلت: كلا بل الأنام غريبٌ
أنا في عالمي وهذي سبيلي٩

١٦

قد تهاوى إلى الحضيض أناس
وخزُوا حين حوسبوا بالظواهر
ليت شعري فما يكون أناس؟
ما يكونون يوم تبلى السرائر؟١٠

١٧

قلت للصقر وهو في الجو عالٍ:
اهبط الأرض فالهواء جديب
قال لي الصقر: في جناحي وعزمي
وعنان السماء مرعى خصيب

١٨

في بحار الأيام موج وريح
واصطخاب الأمواج، والضوضاء
تحت هذا الضجيج في القاع تثوي
لأولي العزم درة بيضاء

١٩

قلت لليل: كم بصدرك سر
أَنْبِئَنِّي ما أروع الأسرار؟
قال: ما ضاء في ظلامي سر
كدموع المنيب في الأسحار

٢٠

أيها الليل أَسْبِلَنْ كل ستر
عَلَّنِي في حماك أخلو بنفسي
فرَّقتني ضوضاء صوت وضوء
فاجمعن بالظلام والصمت حسي

٢١

أنا وحدي، قليل ماء وطين
تائهٌ في زمانه حيران
وأراني بك السموات والأر
ض وكونًا يتيه فيه الزمان

٢٢

صاح ما اللحن شاجيًا ما الغناء؟
ما الوغى ما الضجيج ما الضوضاء؟
اتساق ووحدة وائتلاف
أو نفار وفرقة وعداء

٢٣

إنما النفس وحدها نزعاتٌ
شارداتٌ تضل فيها الحدود
وهي بالحق شرعة ونظام
وهي بالله عالم وخلود

٢٤

على ساحل بحر العرب في الليل
ذاك بحر تضيء فيه سفين
تحت بحر من الكواكب حالي
نحن بين البحرين أرباب عزم
نبتغي الشهب منهما واللآلي

٢٥ ت

في فؤادي بحران، مِلْحٌ وعذب
وبه صرصر وريح رُخاء
فهو مُرٌّ على البغاة عصوف
وهو عذب لصاحبي وصفاء

٢٦

يرتقي الفكر في العوالم حتى
يبلغ العالم الفسيح الرهيبا
ثم يعيا بما يراه فيهوي
يبتغي الأرض والمراد القريبا

٢٧

البحر في نور القمر
ذلك الماء والأشعة طهر
وصفاء يخال نورًا وبحرًا
إيه يا نفس! فاطهري وأضيئي
واشربنْ يا فؤاد صفوًا وطهرا

٢٨

الوجدان
قالت النفس: لا تسل لست أدري
في خِضَمِّ الحياة ما مقصودي
غير أني أرى شراعًا وريحًا
ومنارًا يلوح لي من بعيد

٢٩

لا يبالي الأخيار في هذه الأر
ض بباغٍ ومفترٍ وحسود
لو يبالون لم يشقوا طريقًا
بين هذي الآفات شطر الخلود

٣٠

كم سمعنا وكم رأينا عجيبًا:
في أناس طبيعة الحرباء
فهم يبدلون لونًا بلون
في غُدُوٍّ وضحوة ومساء

٣١

لا تُرَجِّ الثواب عند عباد
خاب من يرتجي ثواب العباد
كم يلاقون بالإساءة إحسا
نًا وبالكفر ما لقوا من أيادي

٣٢

لا يعادي الإنسان كلبًا عقورًا
لا ولا يستحي إذا فر منه
كم عقورٍ من الأناسي فاحذر
ه ولا تَخْزَ حين تجبن عنه

٣٣

في نور القمر بعد هدأة الليل
قالت: النفس كم تؤرق عينًا
قد حماك المنام في الليل نور
قلت: لا تعجلي لنوم ظلام
إن هذا الجمال نوم منير

٣٤ ت

قطر الدمع في شعاع من النو
ر وجاش الحنين بين الضلوع
قلت: هذي الدموع ذوب ضياء
أم ترى النور من شعاع دموعي؟

٣٥ ت

في فضاء الضياء تسبح عيني
فيَجِدُّ اليراع في التسطير
من عَنان السماء وحيٌ يُراعى
ومدادي من الشعاع المنير

٣٦

على ذكر المطالبة بدرجات مالية
علماء الزمان في درجات١١
لا من العلم بل من الأموال
أترى هذه الوظائف أثما
نًا بها قُوِّمَتْ نفوس الرجال؟

٣٧

كلمات بقين لي من صديق
من دموع تجمعت وشجون
لهف نفسي! يبقى الحنين على الطِّر
س وتفنى الصدور ذات الحنين!

٣٨

قد نثرت البيان نثر اللآلي
ونظمت البيان نظمَ فريدِ
فرَنَت أعينٌ وغضَّت عيون
ما احتيالي لجاهل وحسود؟

٣٩

قيل لي: كم ترى عَمِرْتَ سنينًا
قلت: عُمِّرْتُ أعصرًا لا تعد
أنا منذ الآزال في الدهر ماضٍ
وإلى الآباد سيرتي، لا أُحَدُّ

٤٠

إنما الخير ألفة واتصال
بينما الشر نفرة وشقاق
في جذاب وفي اتصال ونظم
تستمر النفوس والآفاق١٢

٤١

في جهاد الحياة ربح وخسر
وصروف ما بين سعد ونحس
والسعيد السعيد من قال حقًّا:
«صنت نفسي عما يدنس نفسي»١٣

٤٢

على ساحل بحر العرب
figure
أيها البحر كم محوتَ خطوطًا
وشكولًا ما بين مدٍّ وجزرِ
أكذاك الزمان مَدٌّ وجزر
غاسل من كتابنا كلَّ سطر؟

٤٣ ت

هل لهذا الضجيج يومًا سكونُ
أو بهذا النشيد تَفنَى لحون
كم تخطُّ الرياح فيك سطورًا
ألهذا الكتاب خَتم يَحين؟

٤٤ ت

ما إخال الهياج في غير شيء
ما إخال الضلوع منك خَلِيَّهْ
إن هذا هيام وجد فقل لي
أي وجد حباك رب البَرِيَّهْ

٤٥ ت

قلت: ماذا الهيام في شهوات؟
قيل: هذي حياتنا في الصميم
قلت: زيدوا حياة عقل وروح
— إن صدقتم — إلى حياة الجسوم١٤

٤٦

قبيلتان
بجريح الذئاب تسطو الذئاب
وضعيفَ الكلاب تغزو الكلاب١٥
فإذا حارب الضعيف قوي
فله في القبيلتين انتساب

٤٧

لا فراغ في النفس
املأن بالتوحيد قلبًا وإلا
ملأته معابد الأوثان
واشغل النفس بالمعالي وإلا
شغلتها وساوس الشيطان

٤٨

لذة الإباء
قيل: يا غِرُّ مَوْرِدٌ ومرَادٌ
لا تُحَلِّئْكَ هذه الخُيَلَاء١٦
قلت: إني أرى اللذاذة لكن
خير ما لذه الكريم الإباء

٤٩

شريعة القلوب
قيل هذا محلل لا تدعه
قلت: هذا الحلال عندي أثام
هو في شرعة الفقيه حلال
وهو في شرعة القلوب حرام

٥٠

صلة اللحن بالرموز أراها
بين شعري وبين ورد الربيع
لحن هذه الورود ترجيع شعري
وهي منه رموز لحين بديع١٧

٥١

لي حينًا مع الجليس حديثٌ
وإذا ما خلوت حدثت نفسي
فحديث الجليس ظن وحدس
وحديث النفوس تصحيح حدسي

٥٢

دوحة تسكنها الطير في مدينة
دوحة في الديار أسمع منها
كل ليل تشاكِي الأطيار:
نغَّص الفطرة الأناس علينا
بين هذه الضوضاء والأنوار

٥٣

قال نسر محلق لأخيه:
أي سر في خلقة الإنسان
ملأ البر والبحار فسادًا
ثم وافى مدمِّرًا في العَنان

٥٤

بُعد الزمان والمكان
قد تناءى عن الديار مكاني
ثم زاد البعاد مر الزمان
غير أن الفؤاد فيها مقيم
ما نأى بالزمان أو بالمكان

٥٥

كل يوم يجتاب ثوبًا جديدًا
ما له عن تحول من مناص
مخلص في الكلام والفعل لكن
كل يوم مبدل الإخلاص!

٥٦

على البحر بعد الغروب
أنا وحدي ضعيف حول وطول
عاجز معدم كليل جبان
وأنا منك في غنى واقتدار
وشجاع تهابه الشجعان

٥٧

قلت: للنجم كم عددت من العمـ
ـر وكم سرت في حساب الزمان
قال لي النجم سائرًا في ابتسام:
أنا فوق الزمان والحسبان

٥٨

رسائل أصدقاء
زهرات قُطفنَ منذ سنينا
ناضرات على الزمان بقينا
لم تزدها الأيام إلا ازدهارًا
وغصون قطفن منها بلينا١٨

٥٩ ت

ذلك الخط ناضر كالزهور
لم يغير شذاه مر الدهور
يملأ الأذن والفؤاد حديثًا
أين أين الصديق رب السطور

٦٠

هلال صفر سنة ١٣٧٣ﻫ
يا هلالًا على الأنام مطلًّا
كم جلتك الشهور والأعوام
غرة في جبين أدهم طرف
ما له الدهر وقفة أو جمام

٦١

يفضح الناس حين يكشف ستر
عن عيوب وخلفه أستار
كيف لو تكشف القلوب عن الخبْ
ءِ وتبلى الغيوب والأسرار؟

٦٢

أدَّعي الطهر في فعالي وقولي
وأباهي بذاك في كل نادي
لهف نفسي! من لي بتطهير نفس
دنست بالظنون والأحقاد

٦٣

قلت: للنفس ساء ظني بالنا
س وشاهت وجوههم والسمات
قالت: اصقل مرآة نفسك وانظر
رُبَّ وجهٍ تشوِّه المرآةُ

٦٤

الوجدان
كلما حارت الطريق سمعنا
صوت هادٍ مُثَوِّبٍ في المَوامِي
كلما أطبق الظلام رأينا
خفقة البرق في حنايا الظلام

٦٥ ت

راكب البحر في الظلام هدته
إبر في السفين للقطب تهدى
أيها الخابط الحياة تذكَّرْ
إبرة في الضلوع تهدي لقصد١٩

٦٦

الغنى والفقر
كم غنيٍّ إلى العباد فقير
يجمع المال ذلة في فؤادهْ
وفقير عن العباد غني
يخضع المال صاغرًا لمرادهْ

٦٧

أسرع الدهر في التقلب حتى
تعبت في حسابه الأفكار
وتدور الأيام بالناس حتى
يدرك الناسَ في مداها الدُّوارُ

٦٨

ينكر الفضل حاسد وجهول
وغوي إلى هواه يميل
أكثر الناس يُخذل الحق فيهم
ناصر الحق في الأنام قليل

٦٩

زهرات٢٠
ما الذي أحكم التشاكل فيها
وحباها بدائع التلوين؟
ما الذي أفرغ الجمال عليها
وجلاها عرائسًا في العيون

٧٠ ت

زهرات بسمن للصبح سكرى
بعدما حاطها الظلام بستر
أي عين رعتك في جنح ليل؟
أي كف جلتك في نور فجر

٧١ ت

زهرات من لَون ليل وصبحٍ
ونجومٍ ومغربٍ وشروقِ
أيُّ عين تؤلِّف الحسنَ فيها؟
أي كف تهيم بالتزويق؟

٧٢ ت

زهرات تَفَتَّحَتْ كعيون
حدَّقت أو تخالُها أُذْنَ سامِعْ
أي حسن هذي العيون رأته؟
أيُّ شِعْرٍ وَعَتْهُ هذي المسامع؟

٧٣ ت

يا زهورًا منيرة باسماتِ
سامعاتٍ مبينةً ناظراتِ
كل معنى وكل لون لديها
من معانٍ تألَّفت أم شِيَات؟٢١

٧٤

منع اليأس والتبلد علمي
أن بعد الظلام صبحًا منيرَا
ومع العسر يسره، ومع الحز
ن سرورًا وللزمان كرورَا

٧٥

التصوف في الأسواق
ليس شيئًا تصوُّف من تقيٍّ
فر من غمرة الحياة بدين
إنما يعرف التصوف في السو
ق بمال ومطمع وفتون

٧٦

الموسيقى
تعلن الصوت من ضمير الغيوب
وتلاقي الحجى بلغز عجيب
أدوات بدون صمًّا وبكمًا
كيف وافى بهن صوت الحبيب٢٢

٧٧ ت

ليت شعري رنين أوتار عود
أم أنين بصدره المحزون؟
ليت شعري بصدر عود أنين
أم بصدر حنا عليه حنون٢٣

٧٨

شعري
من حفيف النسيم والأشجار
وتناجي الغصون والأطيار
وخفوق من القلوب خفي
صاغ قلبي بدائع الأشعار

٧٩ ت

من زهور الرياض أنسج شعري
ومن الشعر أشعل الأزهارا٢٤
إن زهر الرياض ألوان نبت
بعثتها أنفاس شعري شرارا

٨٠

أي سر وعته نفسي فهامت
وطوته بين الضلوع غيوب
ملء سمعي وملء قلبي حديث
وعن الفكر سره محجوب

٨١

توكل الطير
قلت للطائر المبكر مهلًا
مسرح الطائر حاطه ألف شر
قال لكن غدوت في كل يوم
ثم قد رحت لم أُمَسَّ بضُرِّ٢٥

٨٢ ت

قلت للطير لا أرى لك رزقًا
في خفوق ما بين غرب وشرق
قالت الطير: يا جهول غدونا
كل يوم فما عيينا برزق

٨٣

أبكت تلكم الحمامة أم غنت
قلت للطائر المرجع: نوح
أم غناء؟ لقد تحير فكري
قال: أنصت ما بين ماء وزهر
لغنائي، ودع كلام المعري٢٦

٨٤

figure
قلت للبلبل المغرد مهلًا
أي وزن تخِذته للقريض؟
قال لا تلتمس لشدوي قيودًا
إن شعري محرر من عروض

٨٥

الشعر
قال لي صاحب: سكت طويلًا
ثم أبدعت هذه الزهرات
قلت: بالأمس كان شعري سكوتًا
ثم فاض السكوت في كلمات٢٧

٨٦

أعطى كل شيء خلقه ثم هدى
ما الذي حمَّل الطيور عناء
لتُقيت الفراخ في الأوكار؟
تجمع القوت ما بين خوف وكدح
ثم تحشوه في بطون الصغار

٨٧ ت

ما الذي علم السوابح في البحـ
ـر سفارًا إلى قَصِيِّ البحار
تضع السرء في مهاء دفيء
وتُغِذُّ الإياب شطر الديار٢٨

٨٨

في جوف الليل
فاض وحي من الدموع بعيني
هو سر حواه صدر الظلام
من وراء الزمان نبع خفي
يرفد العين بالدموع الهوامي

٨٩ ت

قطرات من الدموع أضاءت
في خيالي وفي ضمير الظلام
شرر الذكريات أورته زند
من وراء الخطوب والأيام

٩٠

أنا سر حواه صدر الليالي
وبصدري أسرارها وببالي
ووراء الأسرار سر خفي
كل عنه تفكري وخيالي

٩١

حجرة ملؤها الظلام حوتني
وحوتها أشعة القمراء
رب نفس تلفها ظلمات
وهي في عالم كثير الضياء

٩٢

أجد القلب كالفراش محبًّا
كل نار، ولا يهاب لهيبَا
ثم ألفيه طائرًا في الفيافي
يهجر الأهل والديار غريبَا

٩٣

كم أطافت بحُرِّ وجهي عيون
ثم عادت وسره مكنون
زجروا طائر الجوارح لكن
ما هدتهم إلى الفؤاد ظنون

٩٤

الشعر
قد تركت القريض حينًا ولكن
كان في روضه لقلبي هيام
أيسر الشعر ما وعاه بيان
رب شعر يرتاع منه الكلام

٩٥

الشوك والورد
قلت للشوك، وهو يدمي بناني
آفة أنت في الجمال البديع
قال لي الشوك ضاحكًا: لست تدري
أنا كالورد، من جمال الربيع

٩٦ ت

أي كف في الروض تحسن صنعًا
وتُجَلِّي فنونها للعيان
ليس حظ الأشواك والعشب منها
دون حظ الزهور والأغصان

٩٧

من أحل الصلاة للظُّلَّام
اسأل الظالم المُصَلِّي من ذا
قد أحل الصلاة للظُلَّامِ!
أول الطهر للصلاة اغتسال
يرحَض النفس من حقوق الأنام

٩٨ ت

طائف البيت محرمًا في خشوع
خالعًا للطواف كل مخيط!
طُهِّرَنْ للطواف قلبًا وكفًّا
ولسانًا من كل إثم محيط٢٩

٩٩ ت

صائم الدهر صم وأفطر ولكن
أدم الصوم عن حقوق العباد
هل يصح الصيام والبطن ماض
في التهام القلوب والأكباد٣٠

١٠٠

نحن ندري لذاذةَ العيش طرًّا
ونحب الجمال ملءَ القلوب
غير أنَّا نعاف كلَّ قبيح
ونريد الجمال غير مشوب

١٠١

على الشاطئ حين الغروب
قلت للشمس: كم طلعت على الدهـ
ـر وكم غبت في حجاب الغروب؟
قالت الشمس: ما طلعتُ وما غبـ
ـتُ فأنتم لمطلَع ومغيب٣١

١٠٢

اسْعَ وَأْمُلْ مذللًا كل صعب
واهجرن قولة الحكيم البصير:٣٢
«ما الذي نستفيد في هذه الدنـ
ـيا بطول الرواح والتبكير؟»

١٠٣

أيها العاكف المسبح! سبح
في عراك الحياة بالآفاق
مثلما كبر الأوائل منا
ووميض السيوف في الأعناق

١٠٤

يأخذ الناس بالظنون إذا ما
وافقت منهم هوى في الصدور
ويمارون في الحقائق إما
كذبت فيهم أماني زور

١٠٥

فراش وزهر٣٣
صاح! هذا الفراش زهر يطير
أم فراش يقر هذي الطيور
عل هذا الفراش أحلام زهر
أو أماني أرسلتها الصدور

١٠٦ ت

صنع الماء للزهور مرايا
وعلى الزهر للفراش زهور
أي هذي الفراش بل أيها الزهـ
ـر؟ وأي خيالها المنظور؟

١٠٧ ت

أيها الزهرة الجميلة ماذا
قد أَسَرَّتْ فراشة في الخطاب؟
ولماذا تطير عنك لأخرى
ثم تهفو إليك رجع الجواب؟

١٠٨ ت

أزهور تطير في الأضواء
أم فراش يريد ورد الماء
حارت العين في فراش وزهر
بين ماء وخضرة وضياء

١٠٩ ت

ما رأيت الفراش والزهر إلا
صغت منها بدائع الأشعار
صور في الحياة راقت ودقت
فهي توحي دقائق الأفكار

١١٠

في حفل للمولد النبوي٣٤
قد سمعنا من القصيد ثناء
وعلى الدف والطبول غناء
كل هذا على سناك غبار
حجبوا بالضجيج ذاك الضياء

١١١ ت

غلب الوجد مادحيك فصاحوا
وتعالى زفيرهم والأنين
ونظرنا إلى سناك حيارى
يعلن الصمت وجدنا والسكون

١١٢

ليس بالصعب أن تكبر والأصـ
ـنام صرعى وللأذان دوي
إنما الصعب أن تكبر والأصـ
ـنام ترعى وأمرها مأتي

١١٣

صاح ما الحر من يثور على الظلـ
ـم وقد ثارت لحقها الأقوام
إنما الحر من يسير إلى الظلـ
ـم فيُصميه والأنام نيام

١١٤

الحياة
ناب ليث محدد للصيال
ولِعَدْوٍ تُعَدُّ رجل الغزال
في صيال وفي فرار حياة
لظباء الفلاة والرئبال

١١٥

قد تأملت في وجوه حسان
وقباح، في الوحش والإنسان
صور الوحش والأنيس حروف
حدثتني بما حوت من معان

١١٦

زهر مصنوع٣٥
زهرات يرقن لونًا وشكلًا
تملأ العين نضرة من بعيد
أخذتها يداي لونًا مواتًا
إن حبل الخداع غير مديد

١١٧ ت

إن في الناس أوجهًا لامعات
تملأ العين زهرة ورواء
ويراها البصير صورة زهر
لم تهبها الحياة عطرًا وماء

١١٨ ت

صور الزهر ما لها من ذبول
هي أبقى من ناضرات الزهور؟
ساعة في الحياة خير وأبقى
من ممات يدوم كر الدهور

١١٩

شر القبور النسيان٣٦
عن ضريحين قد سألت كثيرًا
ما درى من ثواهما الجيران
قلت: كل إلى ممات ولكن
شر قبر نحلُّه النسيان

١٢٠ ت

رب قبر مشيد ليس يُدرى
أي ميت يطول فيه سباتهْ
وضريح من الخلود لثاوٍ
ليس يدري الزمان أين رفاتهْ

١٢١

مُلك السماء والأرض
قد سمونا على الدنايا جميعًا
وعرفنا الحياة طهرًا وبرَّا
قيل: ماذا أفاد طهر وبر؟
قلت: ملك السماء والأرض طرَّا

١٢٢

إيه يا نفس لا تطيلي كلامًا
واسألي الله رحمة للعباد
ذا زمان من الفتون وفيه
نصرة الحق مثل خرط القتاد

١٢٣

إن دنياك من نهار وليل
وهي في ذاك صفحة ومداد
فاملأنها الجميل والخير واكتب
أسطرًا يستضيء منها العباد٣٧

١٢٤

إن في الناس نقطة في محيط
أو هم مركز عليه المدار
فاثبتن والزمان بالناس ماض
والزم القطب لا يصبك الدوار

١٢٥

دعاء
بصرني إذا حواني ضياء
وأنر لي إذا حواني ظلام
واجعل الحق قبلتي وإمامي
ما لقلبي إلى سواه هيام

١٢٦

في سفينة إلى البحرين
في خضم الحياة نزجي سفينًا
ريحنا العزم والمنار الرجاء
تارة ظلمة وموج وحينًا
لجة سمحة وريح رُخاء

١٢٧ ت

مطلع الشمس قد شهدت من البحـ
ـر وفي البحر كان منها الغروب
أي بحر يا نفس أشرقت منه؟
أي بحر يا نفس فيه المغيب؟

١٢٨ ت

ظلمات ولجة وزماع
ولقصد السبيل تجري السفين
هكذا نحن في الحياة، هدانا
خافق ملهم وعقل مبين٣٨

١٢٩

من حافظ الشيرازي
لا تقل لي دع الغناء وأقصر
لا تؤمل في المرج صمت الطيور
أي صحو وفي هواك حديثي؟
أي صبر وفي اقتفاك مسيري؟٣٩

١٣٠ ت

إن هذي الحياة سير دوام
ولنا فوق سيرها تسيار
ثم للفكر والرجاء مسير
بعد هذين، عمرنا أسفار٤٠

١٣١ ت

قيل: فيم المسير؟ أين المصير؟
قلت: قصد الحياة هذا المسير
لا تَرُم غاية ولا ترج نُزْلًا
وانظر النجم في الحِباك يسير

١٣٢ ت

أفرخ الطير في الدُّجُنَّة باتت
تسأل الريح أمها وأباها٤١
ومضت ليلة ومر نهار
أي لاه من الرماة رماها؟٤٢

١٣٣

حياة الإنسان بالأعمال
لا تلفت إلى قديمك إلا
لتعد الأمور لاستقبال
لا تعد الأعمار عامًا وشهرًا
فحياة الإنسان بالأعمال

١٣٤

قيل ذا مَنْصِبٌ لغير ثبات
فاتركَنْه لمنصِب ذي ثبات
قلت: ما ذي الحياة أثبتُ منه
إنه ثابت بقدر الحياة

١٣٥

غرَّة الشمس في الصباح أراها
طُغَراء لصفحة في الزمان
فاملأنها بلاغة وجمالًا
وتَجَنَّبْ بها خسيس المعاني

١٣٦

لذة الروح
إن للروح لذة فاطلبوها
هي لا تنتهي وليست تُحدُّ
أشعروا النشء لذة الروح يصعد
بهم للسماء عزم وجِدُّ

١٣٧

هل الإنسان قرد
قال قرد لجده: قد سمعنا
أن منا سلالة الإنسان
قال: كلا والله! ما كان منا
مهلك الحي مُخْرِبُ العمران

١٣٨

كم بهذا الأنام أحسنت ظنًّا
فنهتني عواقب التجريب
ثم عاودت فيهم حسن ظني
آملًا فيهم صلاح القلوب!

١٣٩

سوف تبدي الأيام ما خبأته
وتَجَلَّى لمخطئ ومصيب
غير أن اللبيب يعرف منها
ما أكنته من وراء الغيوب

١٤٠

إن في الناس أوجهًا صادقات
هي مرآة ما تُكِنُّ القلوب
ومن الناس من يسر كتابًا
وعليه العنوان وجه كذوب

١٤١

صورة الليث
ليس ليث الأقفاص ليثًا ولكن
صورة الليث دون قلب وروح
إنما الليث وثبة وانطلاق
وزئير على مهامِهَ فِيحِ

١٤٢

طائر في قفص
تحبس الصوت والجناح ظلومًا
قائلًا: ذاك طائر غريد
إنما الطائر الذي يملأ الجو
طليقًا جناحه والنشيد

١٤٣

يوزن الوعاء لما فيه
لا تقاس الأوقات باليوم والسا
ع ولكن بصالح الأعمال٤٣
إنما يوزن الوعاء لما فيه
فدع عنك وزنه وهو خالي

١٤٤

حساب الفراغ
figure
شر ما يقتل الزمان فراغ
تتساوى به «ظروف الزمان»
إن عشرًا من السنين تساوي
في حساب الفراغ عشر ثواني

١٤٥

تسفل النفس بالصغائر حينًا
وتضيق الحدود والآماد
فأحل القيود عنها فتسمو
فإذا بي الآزال والآباد

١٤٦

الشمس والذرة
هذه الذرة الخفية فيها
عالم من صنيعك المستور
وذكاء التي تضيء علينا
نقطة من كتابك المنشور

١٤٧

إنما النور والظلام بياض
ومداد لقارئ ذي بصيرهْ
رُبَّ سطر من السواد تراه
أعين القارئين شمسًا منيرهْ

١٤٨

امض في الحق جاهدًا لا تبالي
مستقيمًا على الصراط السوي
لا تزلزلك صيحة من جهول
أو حسود، أو دعوة من غوي

١٤٩

سر هذه الحياة جذب ودفع
وكفاح، لخيفة أو رجاء
وهو في الفعل سادر لا يبالي
بصحيح الفعال أو بالسقيم

١٥٢

تاجر العلوم
يملأ الكتب حكمة وعلومًا
هو منها بمعزل في الصميم
لست والله عالمًا أو حكيمًا
إنما أنت تاجر في العلوم

١٥٣

أي سر يفشي النسيم صباحًا
فيميل الحنين بالأشجار
هل لنجوى النسيم والغصن لحن
قد وعاه مغرد الأطيار؟

١٥٤

قيل: هذي الشهور مرت سراعًا
هكذا هكذا مرور الليالي
قلت: هذي السفين مرت خفافًا
أثقلوها بصالح الأعمال

١٥٥

يثقل العيش والزمان بنفسي
مرهقًا بالقيود والأعباء
ثم تأتي ذاكراك خطفة برق
فإذا بي محلق في السماء

١٥٦

ذلك الجسم من عظام ولحم
من هواه وعمره في حدود
مسه منك نفحة أو شعاع
فتعالى يطير شطر الخلود

١٥٧

قلت للطائر المغرد: مهلًا
قد أطرت النعاس عن أجفاني٤٤
قال لي: همك النعاس فدعني
لشرار يطير في ألحاني

١٥٨

وقت السحر
كيف يخلو المنيب لاستغفار
حين يغفو العباد بالأسحار
وتعالى التسبيح من كل شيء
ورمته النجوم بالأنظار٤٥

١٥٩ ت

سكن الكون والظلام ولكن
ملء نفسي من المعاني عجيج
في سكون الظلام تبدو رموز
كرموز الألحان فيها ضجيج٤٦

١٦٠

كمثل الحمار يحمل أسفارًا
تطلب العلم جامع الأسفار
ما لها في الفؤاد من إسفار
أَوَعَيْت الأسفار في الصدر حفظًا
أم حملت الأسفار فوق حمار؟

١٦١

على شاطئ البحر
قهقه البحر إذ خطرت على الشط
ضئيلًا، أتيه في تخطاري
أيها البحر رب بحر تراءى
في ضميري كقطرة في بحار

١٦٢

في الطائرة٤٧
قد ركبنا الرياح فوق سحاب
وشققنا الفضاء جنح الظلام
قد بلغنا بالعلم أمرًا عجيبًا
أين منه عجائب الأحلام

١٦٣ ت

بلغ الناس بالعقول وبالعلـ
ـم مكانًا لم تَرجُه الأوهام
آه لو تصحب العقولَ قلوب
فيشيعَ السلام بين الأنام

١٦٤

وردة الصبح
وردة الصبح! ما الذي بلغ الطل
عن الغيب سحرة فابتسمتِ؟
والنسيم الذي أسر حديثًا
ما الذي بثه إليك فهمتِ؟

١٦٥ ت

أيها الورد هل تيقظت إذ مر
شعاع من الصباح منير
أم رأيت الحياة يقظة ساع٤٨
وحماك المنامَ عمر قصير

١٦٦

في ضوء القمر
أضياء يهب في الجو رَوحًا
أم نسيم به الفضاء يُضاء
مزج الحب والجمال بنفسي
مثل ما خالط النسيم الضياء

١٦٧

بين البسط والقبض
تارة تغلق المعاني جميعًا
فكأن الأكوان جسمي الصغيرُ
ثم تبدو من الضمير معان
فإذا الكون قد حواه الضمير

١٦٨

على الشاطئ بعد الغروب
قد تفردتُ حين أدركتُ نفسي
هذه الخلوة البعيدة أنسي
لا أبالي ضوضاء موج وريح
إن عَدَتني ضوضاء جن وإنس

١٦٩ ت

عندك البحرُ ضجَّة وزخيرُ
وهو في خُطبةٍ يعيها الخبير
وتَرى الموج ثورة وهياجًا
وهو في صفحة الزمان سطور

١٧٠

إن في ضَجَّة النهار حجابًا
ولدى الليلِ غفلة النَّوْمان
نحن يقظى وكلُّ سِرٍّ خَفِيٌّ
ونيامٌ إذا تلوح المعاني

١٧١

على الشاطئ
قال لي البحر: كم تلبَّثتَ عَنِّي!
حبستْك الديارُ عن آفاقي
أنت نعم النجي، تسمع مني
وتَلَقَّى الأسرار من أعماقي

١٧٢

في القمراء
أسمع الهمس في سنا الأزهار
ثم نجوى النسيم والأشجار
ثم أصغي إليه لحنًا جهيرًا
هام فيه مغرد الأطيار٤٩

١٧٣

الطير والزهر
قلت للطائر المغرد: مهلًا
ما نواح بسحرة وبكور؟
قال: دعني فلست أملك صمتًا
أنا أتلو سطور هذي الزهور٥٠

١٧٤ ت

قلت للروض بين طير وزهر:
هذه الطير قارئات الزهور؟
قال: كلا بل الزهور سطور
من أمالي شاديات الطيور٥١

١٧٥

قلت للقلب: كم تَعُبُّ ضياءً!
مستهامًا في هذه القمراء
قال لي القلب: بل يفيض ضيائي
فتراه ضياء َكل ضياء

١٧٦

مراجعة الشعر
أيها الشعر قد هُجرتَ زمانًا
شغلتني عن وحيك الضوضاء
وأرى في هُتافك اليوم شغلًا
عن أمور يعافها الحكماء

١٧٧ ت

قد تركت الأشعار ثورة حر
ثم راجعتها بقلب حكيم
كانت الأمس في السحاب بروقًا
وهي اليوم ديمة في نسيم٥٢

١٧٨ ت

إنما الشعر حكمة في البرايا
أخذتها النفوس بالتلوين
فهي تحمر من دماء قلوب
وهي تبيض من ضياء عيون٥٣

١٧٩

كيف نجاهد في هذه الحياة
نطلب الأمر في زَماع وجدٍّ
وإباء وعزة لا تخور
فإذا واتت الأمور، وإلا
فغنانا عن الأمور كبير

١٨٠ ت

لستُ في العيش زاهدًا غير أني
لا أُذيلُ الأخلاقَ في تأميله
ليس في العيش مطلب هو أهل
أن تُضاع النفوس في تحصيله

١٨١

في القمراء
ملأ الأرض والسماء هدوء
وأفاضت شعاعها القمراء
كل شيء لهدأة وسلام
ومن الناس هذه الضوضاء

١٨٢ ت

يملأ الكون وحدة ونظام
ولحون يحسها الشعراء
لا يخل الألحان والوزن إلا
ضجة الناس ضج منها الفضاء

١٨٣

ميلاد الرسول٥٤
قيل: نحيي ميلاد خير رسول
ولذكراه في النفوس جلال
قلت: نحيي ألفاظَها بكلام
وتُميت المعانيَ الأفعالُ

١٨٤ ت

يا رسول السلام والبر والرحـ
ـمة والعدل والسنا والسناء
إن ذكراك مولد لِمعانٍ
أبد الدهر ما لها من فناء

١٨٥ ت

إن بيني وبين ذكراك عهدًا
أن تشيع الضياء في أرجائي
وتصب الغيوث فوق مواتي
وتنير الرياض في صحرائي

١٨٦ ت

كلما أظلم الرجاء وحرنا
وادلهمت على السفين السبيل
لاح من ذكرك المنير رجاء
وضياء وغاية ودليل

١٨٧ ت

ألف داع مضلل ومناد
وظلام وَعِثْيَرٍ ودخان
ويناجي القلوبَ منك ضياء
ويشق الضوضاء منك أذان

١٨٨

يمحق الدهر كل عين وشخص
ثم يغشى التذكر النسيان
غير أن الإحسان يبقى عليه٥٥
لا يُغَشِّي على سناه الزمان

١٨٩

دعاء
رب هب لي على الزمان يقينًا
واملأنِّي من اليقين سلامَا
واجعلنِّي على التقيِّ زُلالًا
وعلى الظالم الغَوِيِّ ضِرامَا

١٩٠

الهلال٥٦
يا هلالًا يلوح بعد غياب
فيشيع السرور في الآفاق
كم تلاقٍ أُجِدَّ بعد فراق
وفراقٍ أُجِدَّ بعد تلاقِ!

١٩١

على ساحل البحر حين الغروب
فسحة البحر ملء نفسي وحسي
وبعيني أشعة من ذُكاء
فاملأنْ يا قديرُ عيني ونفسي
وفؤادي طهارة وضياء

١٩٢ ت

اجعلني كالشمس فيض حياة
كل يوم جديدة الإشراق
واجعلني كالنبع صفو زُلال
كل حين مجدد دفاق

١٩٣ ت

أيها الطائر الوحيد على الشط
أجبني فأنت مثلي وحيد
إن في الخلوة اجتماعًا لنفس
وبها جَلوة وفيها شهود

١٩٤ ت

لست أخلو لغفلة وسكون
وفرار من الورى وارتياح
إنما خلوتي لفكر وذكر
فهي زادي وعُدتي لكفاحي

١٩٥

لا يبالي الأنام من غاب عنهم
وهو فيهم على رجاء الإياب٥٧
كيف من غاب لا يُرَجِّي رجوعًا!
كيف من غاب ثاويًا في التراب!

١٩٦

قيِّدنْ فكرك الشرودَ بأمر
ذي صلاح ولا تدعه يهيم
لا يطيق السكون طرفة عين
ومريء مراده أو وخيم٥٨

١٩٧

تهبط الرغبة الدنية بالنفـ
ـس ويسمو بها عظيم الرجاء
فامنحَنْها من العظائم عزمًا
وجناحًا تجُز عَنان السماء

١٩٨

هلال رجب٥٩
رجب في السند ازدهاه هلال
بسناه أضاء مكنون سري
يا جديد الهلال! أنت قديمًا
فوق بغداد، هجت شوق المعري٦٠

١٩٩

وفاة صديق
راعني في البعاد نعي خليل
كان في غمرة الحياة شقيقي
علمتني مصيبة الدهر فيه
أن نصف الممات موت الصديق٦١

٢٠٠

على الساحل
قلت للبحر ما ضجيج ولغو
دائم؟ قال: فاتك الإلهام
ذاك في مسمع الجهول ضجيج
وهو في مسمع الحكيم كلام

٢٠١

الشعر
يهبط الشعر نَحلة في رياض
أو فراشًا يطوف حول الزهور
إن تكن روضة أتاك وإلا
لم تجئك الأشعار بالتدبير

٢٠٢

دعاء
يا ضياء العيون في كل جنح
ورجاء القلوب في كل ياسِ
املأ القلب من رجاء ونور
وَاهْدِيَنَّا في كل خطب عَماسِ

٢٠٣

أنا بالله في الحياة قويُّ
وبه في الخطوب حُرٌّ أبيُّ
إن أكن عبدَه بحق فإني
بغناه عن العباد غَنِيُّ

٢٠٤

يا حبيس البيوت! يومُك فيها
في حدود الأبواب والأسوار
مطلع الشمس كُوَّة في جدار
ولها مغرب وراء جدار٦٢

٢٠٥

طهارة الفكر
عن بذيء الكلام يسمو كلامي
وأكف الفعال عن كل ذام
كيف بالفكر وهْو ومض بروق
كيف أسمو به على الآثام؟

٢٠٦

ما مضى من العمر ربح٦٣
لا يهولَنْك ما مضى من زمان
إنه الغنم في جهاد الحياة
ما مضى كسبك المحقق فيها
وظنون من الحياة الآتي

٢٠٧ ت

ليس ما فات من حياتك خسرًا
إن ملأت السنين والأياما
قيل لي: قد خسرت خمسين عامًا
قلت: كلا ربحت خمسين عاما

٢٠٨

لا تضق بالمزاح نفسًا ففيه
تفرغ النفس من هموم الزمان
ربما تفزع النفوس إلى الهز
ل جمامًا يعدها للطعان

٢٠٩

لا يبالي الأحرار في هذه الأر
ض حدود البقاع والأوطان
ومن الناس من يحرر حتى
لا ترى نفسه حدود الزمان

٢١٠

إن للشعر ساعة هو فيها
فيض نبع مقهقه بالزلال
لا ترمه، إن غاض، بالحفر عنه
فتصبه بحمأة ورمال

٢١١

الجنايات
شُرَطٌ لا تني، وقاضٍ وسجن
والجنايات كل يوم تزيد
أيها الهانئ الجلود تمهل
بَطُن الداءُ والعلاجُ بعيد

٢١٢ ت

ينُبت الشوكَ ذلك الحقل فانظر
كيف تنفي بذوره من ثراه
قاطع الشوك! والتراب وبيء
اقطعنه ما شئت ينبت سواه

٢١٣

الحق والباطل والصلاح والفساد
يرفع الباطل العقيرة حينًا
ثم يفنى صداه في الوديان
وترى الحق يخفض الصوت حينًا
ثم يعلو مجلجلًا في الزمان

٢١٤ ت

ذِكَرُ المصلحين في الناس تبقى
كنجوم تنير في الظلمات
ولأهل الفساد هَبوةُ يوم
ثم يفنى الإعصار في الفلَوات

٢١٥

الأحرار والعبيد
تجد الحُرَّ رقة وصفاء
وزُلالًا يُسيغه الإخوان
ويُسام الهوان يومًا فيأبى
فإذا الماء مارج ودخان

٢١٦ ت

لا يغرنك فخر قوم تعالوا
وادعوا أنهم أكابر صِيدُ
هم على هامة الضعيف ملوك
وعلى سُدة القوي عبيد

٢١٧

ذا زمان لفتنة وخداع
ضاق فيه مذاهب الأحرار
فالزم النهج واسأل الله هديًا
لا تغرَّنْك دعوة الأغرار

٢١٨

التعليم والتربية
رببوا النشء جهدكم في بيوت
في ظلال الآباء والإخوان
ما ازدهار النبات وهو غريب
كازدهار النبات في الأوطان

٢١٩ ت

لا تظنوا التعليم درسًا وحفظًا
هو سقي النفوس ماء الحياة
اجعلوا عينَيِ المعلم في النش
ء شعاع الشموس فوق النبات

٢٢٠

الوحش والإنسان
قلت: يا صاحبي أتعرف وحشًا
في بني جنسه يواصل فَرْسه؟٦٤
قال لي: ما علمت في الأرض وحشًا
غير هذا الإنسان يفرِس جنسهْ

٢٢١ ت

لاصطياد الوحوش بندقُ رمي
وببعض الآلات شَقُّ الجبال
ولحرب الإنسان كل سلاح
ما وعاه الشيطان يومًا ببال

٢٢٢

إبليس يهجر الأرض
figure
قال إبليس: يا بني هلموا
نهجر الأرض خيفة الإنسان
هو يصلى بناره وستصلى
بلظاه قبائل الشيطان

٢٢٣

الأستاذ الحق
ليس أستاذنا الملقن درسًا
ومجيل الأقلام بالتصحيح
هو من يقرئ الزمان ويقفو
صفحات الأيام بالتنقيح

٢٢٤

على الشاطئ
قال لي البحر: كم تسير بشطي
وتطيل التحديق في مرآتي
قلت: أصغى إلى وغاك وأمضي
آخذًا للموات شعر الحياة

٢٢٥

سنن الله في الخلائق تمضي
لا تني ساعة وليست تحول
وخلال الأحرار منها، فليست
عن جهاد في الحق يومًا تزول

٢٢٦

اتقوا الله رُب لفظ غوي
يقذف النشء في مهاوي الفناء
أسمعوا النشء كل لفظ أبي
يرفع النفس مصعدًا في السماء

٢٢٧

ضيق الألفاظ عن المعاني
رب معنى يأبى على كل لفظ
وعلى حكم كل قيد يثور
قد جعلنا الألفاظ فيه رموزًا
وتعالى بجوه التفكير٦٥

٢٢٨

نُطقه الذكرُ، والسكوت لفكر
ومجال العينين في الإِعتبار٦٦
ذلكم في الحياة أعلى مقام
نافسوا فيه يا أولي الأبصار

٢٢٩

حرية وعبودية
هو حر يجل عن كل قيد
من تراث الآباء والأجداد
فإذا جاءه من الغرب قيد
فهو عبد يتيه بالأصفاد

٢٣٠

فلك دائر وصبح ومُسي
أخذ الناس في الزمان دوار
حرر النفس من نهار وليل
تجد الدهر ما به تكرار

٢٣١

عش غراب٦٧
رقص العُشُّ في غصون ضعاف
في مهب الرياح، فرخى غراب
أيُّ بانٍ بنى فأحكم عُشًّا
ثابت الأُسِّ فوق ذا الاضطراب!

٢٣٢ ت

طار عن عشه وفرخيه خوفًا
قد عراه من اقترابي ارتياب
جرَّب الناسَ فاستراب بقربي
لستُ منهم فلا تَخَفْ يا غراب

٢٣٣ ت

لغراب يزق فرخيه جهدًا٦٨
قلت: أنى الطعام للغربان؟
قال: أنى وأين ريبٌ وعجز
ما لدنيا وساوس الإنسان٦٩

٢٣٤

إن هذي القلوب تهدي لخير
كل حين ولا تَباَعدُ منه
إبر المغنطيس للقطب تهدي
أبد الدهر لا تَحَوَّل عنه

٢٣٥

من أذلته حاجة في معاش
هو أولى برحمتي من ملامي
الُمليم الذي يواتيه قوت
ثم يهفو إلى ذليل الطعام

٢٣٦

على شاطئ البحر
قال لي البحر: ما يروقك مني؟
كل يوم تجول في شطآني
قلت: وُسع المدى وغور بعيد
وجهاد على مرور الزمان

٢٣٧ ت

قلت للبحر: ما تضمن بحر
من حياة وقيعة وجبال؟
قال لي البحر: ما تضمن فكر
واسع من حقيقة وخيال؟

٢٣٨

الحياة والطبيعة
يا حبيسًا بالدور خدن كتاب
قارئًا من مقال كل عليم!
ابرُزن للحياة واقرأ سطورًا
ماثلات لعين كل حكيم

٢٣٩ ت

يا أسير الظلال خلف جدار
شاحب اللون مثقلًا بالهموم
ابرُزن للرياح والشمس وامرح
وتفتَّحْ تفتُّحَ البُرعوم

٢٤٠

امض في العيش لا تعُدَّ أسيفًا
ما مضى في الحياة من أعوام
لا تُبلْ أن يكون يومك جزءًا
من قليل السنين أو ألف عام

٢٤١

عاد من سَفرة فقير مُقل
حاملًا للصحاب شتى الهدايا٧٠
كم كثير قد قللته خِلال
وقليل قد كثرته السجايا!

٢٤٢

على شاطئ البحر
أنا والبحر والفضاء وهمي
أبحر بعضها لبعض نجي
بيننا في الحديث أخذ ورد
ويخال الصحاب أني خلي

٢٤٣ ت

تسكن النفس حين آوي إلى البحـ
ـر وأفضي إليه بالأسرار
أسلام البحار يدخل قلبي
أم همومي تسيل نحو البحار؟

٢٤٤

قلت للطائر المغرد ليلًا:
لا تغرد فذاك وقت سُباتِ
قال لي: يا جهول! إن حياتي
لا أراها أسيرة الأوقات٧١

٢٤٥

قالت النفس: قد علمت كثيرًا
قلت: هذا الكثير نزر يسير
تملأ الكوز غَرفةٌ من محيط
فيرى أنه المحيط الكبير

٢٤٦

تبسط النفس في فسيح البراري
وهي بحر على شطوط البحار
وأراها تضيق في ظل حبس
بين سقف وكوة وجدار

٢٤٧

لست أخلو لراحة وسكون
وفرار من الأنام بنفسي
أنا أخلو لأهبة ومحال
آخذًا للجهاد سيفي وتُرسي

٢٤٨

الطير والإنسان
أكبر الظن أن طير السماء
بَرِمَاتٌ بهذه الضوضاء
تُهرع الطير للعشاش مساء
وضجيج الإنسان بعد المساء

٢٤٩

قتل إبليس
قال لي صاحب: سأقتل إبليـ
ـس وأُكفى وساوس الشيطان
قلت: أرجئْ قتال إبليس لكن
أفرغ النفس من وساوس الإنسان

٢٥٠

كل شيء يقظان حاشا الإنسان
غردت في صباحها الأطيار
فأصاخت عيونها الأزهار
أيها النائم الصباح تنبه
قد دعتك الأزهار والأطيار

٢٥١ ت

ذرت الشمس في ذرى الأكوان
وسرت في النبات والحيوان
كل شيء أراه يقظان لكن
أفسد النظم َغفلةُ الإنسان

٢٥٢

اسعيَنْ مصلِحًا ولا تألُ جهدًا
وارْقُبَنْ في العباد رب العباد
ثم لا تبتئس بخيبة سعي
أو بما يفتريه أهل الفساد

٢٥٣

لست آبى توفير مالي لدهري
باذلًا منه في رخاء وبأس
إن يكن في يدي، وليس بقلبي
وهو ملكي، وليس يملك نفسي

٢٥٤

ما على الناس لو أرادوا صلاحًا
وسعوا في البلاد بالعمران
وتواصوا بكل حق وبر
وتآخوا على صروف الزمان!

٢٥٥

الحرية
حد حرية الجماعة حتى
يحكم الفرد في هواه القيودا
إن حرية الجماعة فوضى
حين يعدو الآحادُ فيها الحدودا

٢٥٦ ت

قيد الحر نفسه برضاه
وأبى في الحياة قيد سواه
وترى العبد راضيًا كل قيد
غير تقييد نفسه عن هواه

٢٥٧

صلة الإنسان بالإنسان
قد عُنينا بالناس حتى سألنا
كيف حال الأدنى وكيف البعيد؟
وعنانا الذي مضى من قرون
وعنانا من بعد جيل جديد

٢٥٨ ت

نحن ركب الحياة، جيلًا فجيلًا
وصلتنا الخطوب والأزمان
ما سرت في حُدائنا «أنا وحدي»
أو سرت فيه «بعدي الطوفان»٧٢

٢٥٩ ت

نحن في ذي الحياة ركب سفار
يصل اللاحقين بالماضينا
قد هدانا السبيل من سبقونا
وعلينا هداية الآتينا

٢٦٠

النغمات والألحان
قيل لي: أفتنا فهذا إمام
ذو تقاة يهيم بالنغمات
قلت: بعض اللحون عندي أذان
تملأ النفس دعوة للصلاة

١٦١ ت

إن بعض اللحون برد نسيم
ينضح النفس في حرور الحياة
وهي في مهمه الحياة كنبع
لظماء يثر في الفلوات

٢٦٢

أشعل النفس بالرجاء وأقدم
دركًا لا تبالُه أو فواتا
كدت من نشوة الحياة أرجي
أن أوقي مشيبها والمماتا

٢٦٣

أبصرن في الظلام بسمة فجر
وضياء الإيسار في كل عسر
كم ترى في الضحى شعاع ظلام
وتخاف الإعسار في كل يسر؟

٢٦٤

قلت للشعر: ما نأى بك عني؟
قد أطلت المغيب عن أجوائي
قال: ما غاب عن ذراك شعاعي
اصقل النفس ثم قابل ضيائي

٢٦٥

في مدينة كويتة من بلوخستان
قال لي طائر: نسجتُ نشيدي
من نسيم وظُلمة وضياء
قلت: لكنني نسجت نشيدي
من رجاء وبسمة وبكاء٧٣

٢٦٦ ت

زجرت كلبها وقد ذاق رَوثًا
ودعته للعَتب والتدليل
وإلى الروث راغ من بعد لَأْيٍ
هازئًا بالعناق والتقبيل٧٤

٢٦٧ ت

قلت للسَّفْر: ما صحبت كتابًا
قيل: فاقرأ فكل هذا كتاب
اقرأن في الطريق سطرًا فسطرًا
عجزت عن مثيله الكُتَّاب

٢٦٨

في الطريق من كويتة في بلوخستان إلى يعقوب آباد في السند
رام قوم من التماثيل خلدًا
لم ترشح فعالهم لخلود
وحبت أهلها الخلود فعال
دون شكل ممثل مشهود

٢٦٩ ت

قال لي صاحب: طريق بعيد
وأرى غاية تفوت المسيرا
قلت إني أقيس ما قد قطعنا
قد بعدنا، فقد قربنا، كثيرا

٢٧٠ ت

قلت للصحب والمرام بعيد:
أبعد الله من يهاب البعيدا
إنما البعد في العزائم لا الأر
ض، تزود للبعد عزمًا شديدا

٢٧١ ت

قلت للمطرب الحماسي مرحى!
أشعلن اللحون. تفديك نفسي
اجمع الحب والسيوف فقدمًا
رام لثم السيوف شاعر عبس٧٥

٢٧٢ ت

اشفني باللحون تنفث نارًا
إن في النغمة الذليلة دائي
اجعل اللحن قوة ومضاء
كصليل السيوف في الهيجاء

٢٧٣

على بحر العرب وفي الطريق إليه٧٦
ذكرني إذا نسيت وغني
نغمات تهيِّج الشوق مني
وتبث الشرار بين خمودي
وتزيل الظلام والريب عني

٢٧٤ ت

يسمع القلب كل حين نداء
من وراء الأسماع والأفهام:
أفن فيك الأيام لا تفن فيها
إنما منك دورة الأيام

٢٧٥ ت

قلت للقرم وهو يطوي هجيرًا
في هدير وعزمة وهُيام:
ما وراء المسير؟ قال: مسير
إنما عيشنا لسير دوام

٢٧٦ ت

لهدير البحار تصغي نجوم
في ضياء على البحار منير
هل أطلت هذي الكواكب يومًا
لا ترى الوجه في مرايا البحور٧٧

٢٧٧

أمل دائب وسعي دوام
ووميض الأفكار، معنى الحياة
يقظة العين للسبات ولكن
يقظة العمر ما لها من سبات٧٨

هوامش

(١) كل رباعية فيها ذكر البحر من هذه الرباعيات أنشئت على شاطئ بحر العرب في كراچي أو قريبًا منها.
(٢) الخطاب للخلاق جل وعلا.
(٣) كل الرباعيات من البحر الخفيف إلا هذه الرباعية والتي بعدها نظمتهما في الرمل ولم أغيرهما.
(٤) إنما يكمل التوحيد بالنفي التام والإيجاب فهما كالقطبين السالب والموجب في الكهرباء لا تكون بدونهما.
(٥) يكتئب الإنسان حينًا غير عالم سببًا ظاهر للاكتئاب.
(٦) لا يكذب.
(٧) للشعر بواعث بعيدة وقريبة وظاهرة وخفية لا يحيط بها الشاعر.
(٨) الحسن يؤثر في النفس، وبالنفس يقوم الحسن.
(٩) إن خالف الإنسان الناس وهو على يقين من رأيه وعمله فهو في عالمه ليس غريبًا وهم غرباء عنه.
(١٠) كتبت في ذي الحجة سنة ١٣٧٢ﻫ/سبتمبر١٩٥٣م.
(١١) في القرآن الكريم: يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ.
(١٢) نظام العالم قائم بالتجاذب والانتظام.
(١٣) مطلع قصيدة البحتري.
(١٤) الحياة فيها جسم وروح وعقل. فلماذا يعنى فيها بالجسوم وحدها؟ إن أردنا الحياة حقًّا فعلينا أن نعنى بالثلاثة.
(١٥) إذا جرح ذئب فتكت به أصحابه. وإذا غلب كلب كلبًا هجمت الكلاب الأخرى على المغلوب. هذا رأيته مرات. ويقول الشاعر:
فكنت كذئب السوء لما رأى دمًا
بصاحبه يومًا أحال على الدم
(١٦) التحليء: المنع من ورود الماء.
(١٧) رموز اللحون هي علامات الموسيقى. هذه العلامات صور ينطق بها اللحن، وكذلك الشعر ينطق عن الأزهار التي هي للشاعر كعلامات الموسيقى للمطرب.
(١٨) النون في بقينا وبلينا نون النسوة مع ألف الإطلاق.
(١٩) الخابط: السائر على غير هدى. وإبر السفين: إبر المغناطيس. وإبرة الضلوع: القلب.
(٢٠) رأيت زهرات ناضرات في حديقة السفارة في كراچي قبل طلوع الشمس فألهمتني هذه الأبيات.
(٢١) الشيات: جمع شية. وهو لمعة من اللون بين ألوان أخرى.
(٢٢) مأخوذ من قول جلال الدين الرومي:
خشك جوب وخشك تار وخشك بوست
أزكجا مي آيدابن أواز دوست
(٢٣) أهذا الصوت رنين العود أم أنينه وهذا الأنين في صدر العود أم في صدر العازف الذي حنا على العود؟
(٢٤) الجمال يوحي الشعر والشعر يحيي الجمال ويقومه.
(٢٥) في الأثر: «لو توكلتم على الله حق التوكل لرزقتم كما ترزق كما ترزق الطير؛ تغدو خماصًا وتروح بطانًا» وتوكل الطير خروجها للرزق واثقة به غير هائبة ما تلقى في طلبه، لا مكثها في أعشاشها.
(٢٦) يقول المعري:
أبكت تلكم الحمامة أم غنـْ
ـنَت على فرع غصنها المياد
(٢٧) تجيش النفس بمعان من الشعر فيسكت عنها حينًا ويعبر عنها حينًا ففي سكوت الشاعر شعر خفي أحيانًا.
(٢٨) السرء بيض السمك: ويقال إن نوعًا من السمك يهاجر إلى البحر الأبيض من خليج المكسيك فيبيض ثم يرجع، وإن لأنواع من السمك هجرات كهذه.
(٢٩) ينبغي للطائف ألا يلبس مخيطًا محيطًا بجسمه إلخ وإلى هذا الإشارة في «كل إثم محيط».
(٣٠) قلوب المظلومين وأكبادهم. وفي الكلام تورية بالقلوب والأكباد التي تؤكل.
(٣١) الشمس ظاهرة كل حين، ولكن جهات الأرض تحتجب عنها وتظهر لها. وكذلك حقائق هذا العالم بينة في نفسها، ولكنا ندركها حينًا ونجهلها حينًا.
(٣٢) أبو العلاء المعري. والبيت الثاني من اللزوميات.
(٣٣) رأيت في حديقة فراشًا يطير حول زهر وفوق ماء فكتبت هذه الأبيات.
(٣٤) شهدت حفلًا للمولد في دار أحد الكبراء في كراچي (١٢ ربيع ١٣٧١) والقوالون يغنون بمدح الرسول ويصفقون ويطبلون.
(٣٥) رأيت باقة زهر وأنا في مدينة سلهت في أقصى باكستان الشرقية فلمستها فإذا هي ورق مصنوع فنظمت هذه الأبيات.
(٣٦) رأيت قبرين عليهما قبة في حديقة الحاكم بمدينة داكا فسألت عنهما فلم يعرف أحد صاحبيهما، فكتبت الرباعيتين.
(٣٧) هذا نقض لقول المعري:
إن دنياك من نهار وليل
وهي في ذاك حية عرماء
(٣٨) خافق ملهم: القلب.
(٣٩) ترجمة بيتين لحافظ الشيرازي:
مرا مكوى كه خاموش باش ودم دركش
كه درچمن نتوان يافت مرغرا خاموش
أكر نشان تو جويم كدام صبر وقرار
أكر حديث تو كويم كدام طاقت وهوش
(٤٠) الحياة سير، ونحن نسير فيها بأجسامنا. وأفكارنا تسير أيضًا.
(٤١) كلما خفقت الريح حسبتها أمها وأباها.
(٤٢) يصيد الإنسان الطير لاهيًا غير مفكر فيما وراءها من أفراخ.
(٤٣) الساع: جمع ساعة.
(٤٤) طائر أسود يسمى الكويل صاح حين الظهيرة في رمضان وأنا أحاول النوم فنظمت هذه الرباعية.
(٤٥) المتأمل يكاد يسمع تسبيح كل شيء ويحسب النجوم ناظرة إليه فلا يجد الخلوة.
(٤٦) الناظر في ألحان الموسيقى يتصور الأصوات التي تدل عليها فكأنه يسمع ضجيجًا من هذه الرموز.
(٤٧) نظمت في طائرة بين بغداد وكراچي في ١٢ تموز ١٩٥٣م.
(٤٨) جمع ساعة.
(٤٩) جمال الأزهار يتحدث إلى الناظر إليها دون صوت. ثم يسمع صوتًا خفيًا في حفيف الشجر ثم يجهر الصوت في تغريد الطير. وكل أولئك ألحان متصلة.
(٥٠) الزهور كرموز الموسيقى يفصح عنها الطائر المغرد.
(٥١) تخيل الشاعر في البيتين قبل هذين أن الطير تقرأ سطور الأزهار وفي هذين يسأل عن هذا فتقول الروضة إن الطير ليست قارئة ولكن تملي فأصواتها تكتب رموزًا فإذا هي الزهر. تناسق بين الزهر وتغريد الطير يتردد المتأمل فيه، هل الطيور تقرأ رموزًا مكتوبة أو تملي ألحانًا تظهر في صورة الأزهار.
(٥٢) الديمة المطر الدائم تسكن الريح فيستمر.
(٥٣) كل حقيقة في العالم تصلح للشعر إن مستها العاطفة أو صورها الخيال.
(٥٤) سنة ١٣٧٣ﻫ.
(٥٥) على الدهر.
(٥٦) ربيع الثاني سنة ١٣٧٣.
(٥٧) الفكر لا يفرغ فإن لم يشغل بالصالحات شغلته السيئات.
(٥٨) نظمت هذه الرباعية في مصر حين توفي فريد وجدي رحمه الله وشيعت جنازته. فلم أر كثيرًا من الناس كما كنت أرجو.
(٥٩) سنة ١٣٧٣ﻫ.
(٦٠) يقول المعري من قصيدة أنشأها ببغداد مطلعها:
طربن لضوء البارق المتعالي
ببغداد وهنًا ما لهن وما لي
دعا رجب جيش الغرام فأقبلت
رعال ترود الهم إثر رعال
(٦١) كتبت حين جاءني نعي الصديق حمزة طاهر رحمه الله.
(٦٢) هذه دعوة إلى الخروج من ضيق الحضر إلى فسحة الطبيعة. وقد كررتها في الشوارد والنفحات، والمعنى أن الذي يلزم الدور يضيق عليه الكون فتطلع الشمس عليه من كوة ثم يحجبها عنه جدار فتغرب عنه.
(٦٣) ما مضى من عمر الإنسان هو ما كسبه من الزمان وحقق فيه آماله. فهو ماثل لديه، وهو حقيقة حياته، إن كان قد جاهد فيه جهاد الأحرار، وكتب صفحات رائعات. وهذا خلاف ما يقال إن الماضي لا وجود له وإنما الوجود للمستقبل.
(٦٤) الفرس: الافتراس.
(٦٥) بعض المعاني لا تمكن الإبانة عنها بالألفاظ فهي رموز يدخل منها الفكر إلى آفاق المعاني الواسعة.
(٦٦) جاء في حديث نبوي: «وأمرت أن يكون نطقي ذكرًا وصمتي فكرًا ونظري عبرة.»
(٦٧) رأيت في كراچي عش غراب على شجرة قريبة من مسكني وهو بين غصون ضعاف في ذروة الشجرة لا يكاد يسكن ساعة.
(٦٨) زق الطائر فرخه: أخرج ما في حوصلته فرضعه في فم الفرخ.
(٦٩) الطير تطلب رزقها واثقة به عازمة عليه لا يصدها عنه شيء فلا تقول أين الرزق وأنى أجد الرزق.
(٧٠) رأيت خادمًا راتبه قليل عاد من سفر يقدم إلينا هدايا من بلده. فالضيق والسعة في الخلق لا في اليد.
(٧١) الحياة القوية الحرة لا تقيدها الأوقات، ولا يأسرها حكم الزمان والمكان.
(٧٢) الحياة مستمرة والأجيال متلاحقة. فليس لواحد في ركب الحياة أن يعنى بنفسه وحدها دون السائرين معه، ولا لهذا الركب أن يقول لا أبالي بمن يأتي بعدي.
(٧٣) هذا فرق ما بين الطير التي تساير الطبيعة بغرائزها، والإنسان الذي له عقل وعاطفة وأماني.
(٧٤) أضحكني، وأنا أشهد لعب الكرة والصولجان في كويتة، منظر كلب أسود يتذوق روثًا وصاحباه يزجرانه ويناديانه فلا يبالي. ثم حملته صاحبته تنثر الروث من فمه ولبثت حينًا تدﻟﻠﻪ في حجرها وتمسحه وتلومه. وانتهز غفلة منها فجرى يملأ فمه من الروث واتبعه صاحبه يحمله في خجل ويخرج ما في فمه. ذلكم فرق ما بين الطبع والتطبع.
(٧٥) إشارة إلى قول عنترة العبسي:
فوددت تقبيل السيوف لأنها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم
(٧٦) نظم هذان البيتان وما بعدهما يوم الأحد ١٨ صفر سنة ١٣٧٤ﻫ/١٧ أكتوبر ١٩٥٤، وبهما أختم هذه المثاني.
(٧٧) هل كانت النجوم قبل البحور فنظرت فلم تر وجهها في الماء؟
(٧٨) يقظة العمر: حياة الإنسان كأنها استيقاظ من العدم. وهذه لا يدركها النوم ما دام الإنسان حيًّا، فليحذر الإنسان أن يجعل هذه اليقظة نومًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤