الفصل الأول

حُجرة في منزل السيناتور تشالمرز
المشهد: الساعة الرابعة بعد الظهر في منزل السيناتور تشالمرز، في غرفة معيشةٍ عصريةٍ مؤثَّثة بأثاثٍ مناسب. بتفصيل أكثر، في المقدمة على جهة اليسار ثمَّة طاولةٌ معَدَّة لتقديم الشاي، عليها كل شيء ما عدا وعاء الشاي نفسه. في مؤخَّر الغرفة على جهة اليمين من أوسطها يُوجد المدخل الرئيسي للغرفة. يوجد كذلك مداخل على الجانبَين، الأيسر والأيمن.

تَنفتِح الستائر لتكشف عن تشالمرز وهوبارد يجلسان باسترخاء في مقدمة المسرح جهة اليمين.

هوبارد (بعد صمتٍ واضحٌ أنه من أجل التفكير) : لا أفهم لماذا يجب على عجوزٍ مُخضرَم مثل إلسوورث أن يُسيء التصرف بهذا الشكل.
تشالمرز : إنه ساخط. يَعتقِد أنه لم يحصل على نصيبه العادل من لجنة التَّعريفة الجُمركية. إلى جانب أن هذه هي ولايته الأخيرة. فقد أعلن أنه ينوي التقاعد.
هوبارد (ينخر بازدراء، ومقلِّدًا حديثًا طنانًا لرجل عجوز) : قرار بالتحقيق في ارتفاع كُلفة المعيشة! السيناتور إلسوورث يأتي على إجراءٍ كهذا! يا له من عجوز! كيف ستتعامَل مع هذا الأمر؟
تشالمرز : لقد تعاملتُ معه بالفعل.
هوبارد : وبعدُ؟
تشالمرز (جاذبًا شاربه) : لقد أحلتُه إلى لجنة التدقيق والرقابة على المصروفات النَّثرية لمجلس الشيوخ.
هوبارد (يَبتسِم مُعربًا عن إدراكه) : وأنت رئيسها. مسكين هو العجوز إلسوورث. هذا هو الاتجاه نحو الحُجرة القاتلة، ومشروع القانون في طريقه.
تشالمرز : سيحين تقاعد إلسوورث حتى قبل إعداد تقرير. في غضون ذلك — ولنقُلْ بعد فاصلٍ زمنيٍّ مناسب — سيتقدَّم السيناتور هودج بقرارٍ آخر للتحقيق في ارتفاع تكاليف المعيشة. وسيكون مشابهًا لقرار إلسوورث، إلا إنه لن يكون القرار نفسه.
هوبارد (يُومئ برأسه وهو يتكهَّن) : وسيذهب إلى لجنة المالية ثم يعود للتنفيذ خلال أربع وعشرين ساعة.
تشالمرز : بالمناسبة، أرى أنَّ مجلة كارترايت قد توقفت عن النبش وإثارة الضجة.
هوبارد : كارترايت لم تُثِر الضجة قط — أقصد، ليس في حق الكيانات الكبرى — فقط الشركات الصغيرة المُستقلة التي لم تُعلِن.
تشالمرز : نعم، لقد أخفت الصحيفة ميولها الرجعية بمهارة.
هوبارد : ومن الآن فصاعدًا سيُصبح الإخفاء أكثر براعة. لقد تدخلتُ في الأمر بنفسي. أنا الآن أملك غالبية أسهمها.
تشالمرز : أعتقد أنَّني لاحظت تغيرًا طفيفًا في آخر عددَين منها.
هوبارد (يُومئ برأسه) : ما زلنا مُستمرين في أسلوب صحافة الفضائح. فلدينا الآن سلسلة مقالاتٍ رائعة حول المسنين من الفقراء المعدمين، نطالب فيها بمعاملةٍ أفضل والمزيد من التحسين للظروف الصحية. كذلك نحن على وشك أن نُطلق حملة «فنزويلا البربرية» ونكشف فيها تمامًا الإدارة السياسية الفاسِدة لهذا البلد المُتخلِّف.
تشالمرز (يُومئ برأسه مؤيدًا، ثم يقول بعد صمت يطُول برهة) : والآن بخصوص نوكس. هذا ما أرسلت لك بشأنه. يَحين موعد خطابه غدًا بحسب المقرر. أخيرًا جعلناه حيث نُريد.
هوبارد : أنا أعلم تمامًا مداخل ومخارج الخطاب. وقد رتبتُ لكل شيء. الشباب لديهم توجيهاتهم، برغم أنهم لا يَعرفون تمامًا ما الذي سيحدُث؛ وبحلول هذا الوقت غدًا بعد الظهر، ستئزُّ أسلاك التلغراف بتقاريرهم.
تشالمرز (بحزم وصرامة) : لا بد لهذا المدعو نوكس أن يغرق في السخرية، أن تنهال عليه، أن تفنيه وتسحقه.
هوبارد : سيَسخرون منه. ثق أن الشعب الأمريكي العظيم سيَسخر منه. سنجعل أولئك الصحفيين التافهين في الغرب يَنتفضُون. أولئك الذين يثقون بنوكس، ويولونه أهمية لا يستحقها. ستكون السخرية منهم مدوية.
تشالمرز : هل ستفعل أي شيء بنفسك؟
هوبارد : ثق بي. لديَّ مقالي الخاص جاهز لينشر في كارترايت. هم يؤخرون الطبع لأجله. سأرسله إليهم سريعًا مساء الغد. لنقل …؟
تشالمرز (بعد بُرهة صمت) : وبعد؟
هوبارد : لكن ألم يكن من الخطورة إعطاؤه الفُرصة للتفوُّه بهذا الخطاب؟
تشالمرز : كان ذلك هو الحل المُجدي الوحيد. لم نجد له ثغرة أبدًا. لقد رابط رجالنا في إثره ليل نهار. وجدوا أن حياته الشخصية لا غبار عليها تمامًا مثل حياته العامة. لكن هذه فرصتنا الآن. لقد ألقت به الأقدار بين أيدينا. وسيُقوِّض هذا الخطاب من تأثيره أكثر …
هوبارد (مقاطعًا تشالمرز) : أكثر من مشروب كوكتيل فيربانكس.

(يُقهقه الاثنان.)

لكن لا تنسَ أن نوكس نشيط وعدواني؛ وربما يُلحق الضرر بأحدهم. هل أنت واثق أنه لن يكون قادرًا على التراجُع عندما يقف لإلقاء خطابه؟
تشالمرز : لا توجد خطورة على الإطلاق.
هوبارد : لكن أحيانًا يكون ثمة وسائل كثيرة نحصل بها على الحقائق.
تشالمرز (بثبات وثقة) : ليس لدى نوكس ما يَستنير به سوى بعض الشكوك والتلميحات والتأكيدات التي لا أساس لها، والتي حصل عليها من الصُّحف الصفراء.

(يدخل خادم إلى الحجرة ويذهب إلى طاولة الشاي، يعاينها ثم يعيد ترتيبها قليلًا.)

(يخفض تشالمرز صوته.)

سوف يجعل من نفسه أضحوكة. وسترتدُّ اتهاماته عليه. سيكون خطابه بمَثابة ورقة من مُلحَق التسلية في صحف الأحد، دون وجود حقيقةٍ واحدة تدعمه.

(يُلقي نظرة على الخادم.)

من الأفضل أن نخرج من هنا. يبدو أنهم سيُقدِّمون الشاي.

(يخرج الخادم من الغرفة.)

هيا بنا إلى المكتبة لنَتناول بعض الشراب.

(يَقفان بينما يتحدَّث هوبارد.)

هوبارد (بابتهاج هادئ) : وغدًا يَنال علي بابا ما يستحقُّه.
تشالمرز : علي بابا؟
هوبارد : هذا هو الاسم الذي تُطلقه زوجتك عليه؛ نوكس.
تشالمرز : أوه أجل، أظنُّ أنني سمعتُ ذلك من قبلُ. لقد حان الوقت ليشنق نفسه، وقد وفرنا له الحبل الآن.
هوبارد (خافضًا صوته ومُسِرًّا إليه باستنكار) : بالمناسبة، هذا مجرَّد تحذيرٍ ودِّي يا سيناتور تشالمرز. لا تندفع وتتصرَّف بتهور على طريقة نيويورك. ناهيك عن ذكر تلك السيدة التي تعرفها؛ إنَّ الشائعات تَنتشِر حول هذا الأمر في مكاتب صحيفة نيويورك. بالطبع قضينا على كل تلك الحكايات، لكن حذارِ ثم حذارِ، لو طالت يد جيرست هذا الأمر فسيستخدمه ضد الإدارة في كل أوراقه.

(طوال حديث هوبارد، يظهر على تشالمرز تعبير استياءٌ متزايد، ويوشك على التحدث حين تُسمَع أصوات من الخارج فيُحجِم عن الكلام.)

(تدخل السيدة ستاركويذر مُرتبكة إلى حدٍّ ما وتوشك على الانهيار، تتبعها كوني ستاركويذر مُفعَمة بالنشاط والتألُّق والبهجة.)

السيدة ستاركويذر (في مناشَدة وارتياح) : أوه … توم!

(يُمسك تشالمرز بيدها في عطف وحنو.)

كوني (تَندفِع متقدِّمة وهي مُتهللة) : أوه يا صهري! كم كان الأمر مثيرًا! إليك ما حدث مع أمي. لقد صدمنا عربة أطفال. لم يكن سائقنا مخطئًا. بل كان خطأ المرأة. حاولتِ المرأة عبور الطريق لحظة دخولنا المنعطف. لكنَّنا بالكاد مسسناها. لحسن الحظ لم يُصَب الطفل بأذًى، بل وقع من العربة فقط. كان الأمر سخيفًا.

(تَلمَح هوبارد في المكان.)

أوه، أنت هنا سيد هوبارد. كيف حالك؟

(تقطع نصف المسافة نحوه لتُصافحه.)

(تتطلَّع السيدة ستاركويذر حولها بوَهنٍ بحثًا عن مقعد، فيرشدها تشالمرز إلى أحد المقاعد بلطف.)

السيدة ستاركويذر : أوه، كان الأمر فظيعًا! كان يُمكن أن يُقتَل الطفل الصغير. وأعرف أن مثل هؤلاء الناس يُحبُّون أطفالهم.
كوني (موجِّهة حديثها إلى تشالمرز) : هل جاء أبي؟ كان من المُفترض أن نُقِلَّه من هنا. أين مادج؟
السيدة ستاركويذر (تتلصَّص على هوبارد وتقول في وهن) : أوه، ها هو السيد هوبارد.

(يتقدَّم هوبارد نحوها ويصافحها.)

ببساطة لا أستطيع التأقلُم مع سرعة هذه الحياة العصرية. إن السيارة الميكانيكية لهي اختراعٌ شيطاني. كل شيء يسير في غاية السرعة. عندما كنتُ فتاةً صغيرة، كنا نعيش بهدوء وتُؤَدة. كان هناك دائمًا وقت للتأمل والاسترخاء. لكن في هذا العصر لا يوجد وقت لشيء. الشيء الذي لا أستوعبه هو كيف يَحتفظ أنتوني بهدوئه! لكن أنتوني بالفعل رجلٌ رائع.
هوبارد : أنا مُتأكد يا سيدتي أن السيد ستاركويذر لم يفقد رباطة جأشه قط طوال حياته.
تشالمرز : إلا حين كان يتودَّد إليكِ يا أماه.
السيدة ستاركويذر (بابتسامة خفيفة) : لستُ واثقة من هذا.
كوني (تُقلِّد تعبيرات رزينة عملية الطابع) : على الأرجح إنَّ أبي تشاور أولًا مع شركائه، ثم أحال الأمر إلى محامي الشركة للنظر فيه، وعندما أبلغوه أنه لا غبار عليه، بحَث عن أول نصف ساعة شاغرة في جدول مواعيده ثم سأل أمي عما إذا كانت تَقبل به زوجًا.

(يضجُّون جميعًا بالضحك.)

ونظر في ساعته مرتَين على الأقل وهو يتقدَّم لها.
السيدة ستاركويذر : لم يكن أنتوني مشغولًا هكذا حينها.
هوبارد : لم يكن قد تولى بعدُ مهمَّة إدارة الولايات المتَّحدة.
السيدة ستاركويذر : أنا مُتأكِّدة من أنني لا أعرف ما الذي يُديره بالضبط، لكنه رجلٌ كثير الانشغال؛ ما بين الأعمال والسياسة والجنون، ثم الجنون والسياسة والأعمال.

(تتوقَّف عن الكلام لاهثة وتتطلَّع ناحية طاولة الشاي.)

الشاي. أود تناول كوب من الشاي. سأبقى هنا يا كوني حتى أتناول كوبًا من الشاي، وإذا لم يَحضُر والدك سنعود إلى المنزل.

(تَلتفِت إلى تشالمرز)

أين تومي؟
تشالمرز : بالخارج مع مادج في السيارة.

(ينظر نحو طاولة الشاي ثم يتطلع إلى الساعة.)

يَنبغي أن تعود الآن.
كوني : أمي، لا يجب أن تمكُثي طويلًا. لا بدَّ لي من ارتداء الملابس والتزيُّن.
تشالمرز : أوه أجل، بشأن ذلك العشاء.

(يتثاءب.)

أتمنَّى لو أستطيع أن أستريح الليلة.
كوني (تُوضِّح الأمر لهوبارد) : المسئول التركي القائم بالأعمال؛ لا أستطيع أن أتذكَّر اسمه. لكنه شخص ممتع للغاية ومبهج بحق؛ سوف يقيم حفل عشاء على شرف السفير البريطاني.
السيدة ستاركويذر (تتحرَّك نحو الأمام في جلستها وتصغي باهتمام) : ها هو تومي قد جاء.

(تُسمَع أصوات مارجريت تشالمرز وتومي قادمة من الخارج. مارجريت تحتجُّ ضاحكة بينما يُصرُّ تومي مبتهجًا.)

(تظهر مارجريت وتومي ويتوقفان خارج الباب مباشرة، يُمسك كلٌّ منهما بيد الآخر، ويواجه كلٌّ منهما الآخر، وقد انشغل كلٌّ منهما بالآخر حتى إنهما لا يشعران بوجود من في الغرفة. كلاهما يرتدي ملابس عادية.)

تومي (ضاحكًا) : لكن ماما.
مارجريت (ضاحكة لكنها تهزُّ رأسها رفضًا) : لا.
تومي : أولًا …
مارجريت : لا، يجب عليك أن تَركض مباشرة إلى ليندا، وتفعل ذلك الآن يا حبيب ماما. وسوف نتحدَّث عن ذلك في وقتٍ آخر.

(يُلاحظ تومي لأول مرة أن ثمَّة أشخاصًا آخرين في الغرفة. يطلُّ برأسه ويختلس النظر وراء الباب فيلمح السيدة ستاركويذر. وفي نفس اللحظة يسحب يديه بصورةٍ تلقائية من مارجريت ويركض داخلًا الغرفة نحو السيدة ستاركويذر.)

تومي (الذي يبدو بوضوح أنه مُغرَم جدًّا بجدته) : جدتي!

(يتعانقان ويُظهران الكثير من الحبِّ والحنان أحدهما تجاه الآخر.)

(تدخل مارجريت الغرفة وتُحيِّي الآخرين على النحو الملائم و«ربما» قبَّلت كوني، وتُصافح هوبارد ببرودٍ طفيف.)

مارجريت (موجِّهة حديثها إلى تشالمرز) : الآن وقد أصبحتَ هنا يا توماس، لا يجدر بك أن تتهرَّب ثانية.

(تُحيِّي السيدة ستاركويذر.)

السيدة ستاركويذر (تدير وجه تومي نحو الضوء وتنظر إليه بقلق) : إنه نحيفٌ قليلًا يا مارجريت.
مارجريت : على العكس يا أمي …
السيدة ستاركويذر (تتحدَّث إلى تشالمرز) : ألا تظنُّ ذلك أيضًا يا توم؟
كوني (تُسرُّ إلى هوبارد جانبيًّا) : إن أمي دائمة القلق على صحة توم.
هوبارد : رأيي أنه شابٌّ قوي.
تومي (قائلًا لتشالمرز) : أنا هنديٌّ، ألستُ كذلك يا أبي؟
تشالمرز (يومئ برأسه مؤكِّدًا كلام الصبي) : بل وأشجع قلب في القبيلة أيضًا.

(تظهر ليندا في المدخل، من الواضح أنها تَبحث عن تومي، ويراها تشالمرز.)

وها هي ليندا تبحث عنك، أيها اليافع ذو القلب الشجاع.
مارجريت : خذي تومي يا ليندا. اركُض إليها يا حبيب ماما.
تومي : تعالي معي يا جدتي، أريدُ أن أُريكِ شيئًا.

(يُمسك بيد السيدة ستاركويذر. وتسمح له وهي تحتج — ولكن بمنتهى السعادة — أن يقودَها نحو الباب، حيث يمد يده الثانية إلى ليندا. وهكذا توقف في المدخل وهو يقود المرأتين بكلتا يدَيه ونظر إلى مارجريت في الخلف.)

(وبنبرة لئيمة.)

تذكري يا ماما أننا سنَذهب للاستكشاف معًا بعد قليل.
مارجريت (تذهب إلى تومي وتَنحني نحوه وتحيطه بذراعيها) : كلا يا تومي. ماما مُضطرَّة للذهاب إلى ذلك العشاء المُروِّع الليلة. لكن غدًا سوف نلعب معًا.

(يُطرِق تومي إلى الأرض، ويبدو وكأنه سيَعبس ويغضب.)

أين رجُلي الهندي الصغير الآن؟
هوبارد : كن كالهنود يا تومي.
تومي (يُشرِق وجهه ثانية) : حسنًا يا ماما. نلعب غدًا ما دمتِ لا تجدين وقتًا اليوم.

(تُقبِّله مارجريت.)

(يخرج تومي والسيدة ستاركويذر وليندا، يقودهما تومي ممسكًا يد كل واحدة منهما بإحدى يدَيه.)

تشالمرز (يومئ إلى هوبارد، ويُحدِّثه بصوتٍ خفيض ثم يشرع في الخروج من الناحية اليُمنى) : لنحتسِ ذلك الشراب.

(يسحب هوبارد نفسه من جوار كوني ويتبع تشالمرز.)

كوني (بتأنيب) : إذا هربتم منِّي الآن فلن أنتظر الشاي.
مارجريت : توقف يا توم. أبي سيكون هنا خلال بضع دقائق.
كوني : ستكون حفلةً عائلية عادية.
تشالمرز : حسنًا. سنعود ثانية. فقط سنتحدَّث قليلًا ثم نعود.

(يخرج تشالمرز وهوبارد من يمين الغرفة.)

(باندفاع تُطوِّق مارجريت ذراعها حول كوني — في حركةٍ عفوية تمامًا تنمُّ عن مودَّة — وتُقبلها، وفي نفس الوقت تُظهر الاستعداد للمغادرة.)

مارجريت : يجب أن أذهب لأستعدَّ. هلَّا انتظرتِ هنا يا عزيزتي؛ فربما يأتي أحد؟ لقد حان الوقت تقريبًا.

(تُبادر بالسير نحو باب المخرج في مؤخَّر الغرفة، لكن تستوقفها كوني.)

كوني : مادج.

(تتوقَّف مارجريت على الفور وتترقَّب متبسمة، فيما تتردَّد كوني.)

مادج، أريد أن أتحدث معك بخصوص أمرٍ ما. ألديك مانع؟

(تهزُّ مارجريت رأسها نافية ولا تَزال مبتسمة.)

مجرَّد تحذير. وليس معنى ذلك أن أحدًا يُمكنه أن يُصدِّق ولو للحظة أن ثمة خطبًا ما، ولكن …
مارجريت (تُحاول تبديد شيء من الانزعاج علا وجهها) : إذا كان الأمر يتعلَّق بتوم فأرجو ألا تخبريني بشيء. تعرفين أنه يأتي في بعض الأحيان بأشياءَ سخيفة. لكنِّي لم أعد أسمح له بأن يزعجني؛ لذا لا تُزعجيني بشأنه.

(تظل كوني صامتة، بينما يتزايد فضول مارجريت)

ماذا؟
كوني : لا يتعلق الأمر بتوم …

(ثم تتوقَّف برهة)

إنه بخصوصك أنتِ.
مارجريت : أوه.
كوني : لا أعرف كيف أبدأ!
مارجريت : بالحديث مباشرة عما تُريدين، بأسوأ ما في الأمر، بكل شيء مرةً واحدة. ومن البداية.
كوني : الأمر ليس خطيرًا على الإطلاق، لكن … في واقع الأمر، إنَّ أمي قلقة. تعرفين كم هي تقليدية! وحين ننظر إلى وضعنا — أقصد وضع أبي وتوم — لا يبدو من الصواب أن تلتقي كثيرًا مع مثل ذلك الشخص الذي هو بمثابة عدوٍّ لهما. لقد أساء إليهما بشكلٍ فظيع. سيُلقي بخطابٍ بغيض في الغد. لم تقرئي صحف المساء. لقد وجَّه أبشع التُّهَم ضد الجميع؛ ضدنا جميعًا، وكذلك لأصدقائنا والجميع.
مارجريت : بالطبع أنتِ تقصدين السيد نوكس. لكنه ما كان ليؤذي أحدًا يا عزيزتي كوني.
كوني (تكبح نفسها) : أوه، فعلًا؟ لقد اتَّهم أبي علنًا بأنه لص.
مارجريت : متى حدث ذلك؟ لم أسمع بهذا قط.
كوني : في واقع الأمر، لقد قال إن أقطاب المال قد أصبحوا عديمي الضمير، وإنهم انحدروا إلى أدنى المستويات لدرجة أنهم لن يتورَّعوا عن سرقة فأر من قطةٍ عمياء.
مارجريت : لكني لا أرى أي علاقة لكلامه هذا بأبي.
كوني : كان يقصده تمامًا.
مارجريت : يا لكِ من ساذجةٍ بلهاء! لا يُمكن أن يقصد أبي. أبي؟ ما كان أبي ليَنظر لشيء أقل من خمسين أو مائة مليون دولار.
كوني : وأنتِ تتحدَّثين إلى ذلك الرجل وتحتفين به كثيرًا حين تلتقينه. لقد تحدثتِ إليه لنصف ساعة في حفل استقبال دوجديل. كما تستقبلينَه في منزلك — منزل توم — بينما هو ألدُّ أعداء توم.

(أثناء الحديث السابق يَدخُل أنتوني ستاركويذر من مؤخَّر الغرفة. تبدو علامات التجهُّم الشديد على وجهه، ويبدو مُستغرقًا في التفكير، كأنه يتدبر في معضلاتٍ كبرى. لدى رؤيته المرأتَين يتوقَّف ويتفقدهما. وهما غير واعيتَين لوجوده.)

مارجريت : أنتِ مخطئة يا كوني. إنه ليس عدوًّا لأحد. إنه أكثر رجل رأيته في حياتي صدقًا وطهارةً وبحثًا عن الحق.
كوني (تقاطعها) : إنه مُختلِق للمشاكل، ومُكدِّر للسلم العام، وغوغائيٌّ ضحل التفكير …
مارجريت (بتأنيب وتوبيخ) : أنتِ الآن تقتبسين كلام أحدٍ آخر، وأعتقد أنه أبي. أن أُفكِّر أنه تعرَّض لمثل هذه الإساءة البالغة؛ يا للمسكين العزيز علي بابا …
ستاركويذر (يتنحنح بصوتٍ عالٍ ليُعلمَهما بوجوده) : احم.

(تلتفت مارجريت وكوني فجأةً لتكتشفا وجوده.)

مارجريت وكوني : أبي!

(تتقدَّمان نحوه لترحبا به، ومارجريت في المقدمة.)

ستاركويذر (مُترقبًا، مُظهرًا أسلوبًا من التأني كرجلٍ كثير الانشغال يُوفِّر الوقت بالوصول إلى ما يُريده مباشرة) : أنا بخير، شكرًا لكما. أنا بخير تمامًا من كل النواحي. بشأن علي بابا؟ مَن هو علي بابا؟

(تبدو مارجريت مُستمتعة بتوبيخ كوني.)

كوني : السيد هوارد نوكس.
ستاركويذر : ولماذا تُسمينه علي بابا؟
مارجريت : هذا هو اللقب الذي أُطلقه أنا عليه. كما تعلم مثلما كان علي بابا في مغارة اللصوص. أنت تتذكر رواية ألف ليلة وليلة.
ستاركويذر (بصرامة) : منذ فترة يا مارجريت وأنا أرغب في الحديث معكِ عن هذا الرجل. تَعلمين أنني لم أتدخَّل قطُّ في طريقة حياتك منذ تزوجتِ، ولا في إدارتك وترتيبك لبيتك أنت وتوم. لكن هذا المدعو نوكس. عرفت أنكِ استقبلتِه هنا في منزلك حتى …
مارجريت (مقاطِعة) : من المحتمل كثيرًا أنه سيكون هنا ظهر اليوم، وقد يأتي في أي وقت الآن.

(يظهر على كوني الغضب والانزعاج من مارجريت.)

ستاركويذر (يكمل حديثه بثبات) : بيتكِ أنتِ؛ ابنتي وزوجة السيناتور تشالمرز. كما قلت، أنا لم أتدخل في شئونك منذ زواجك. لكن مسألة نوكس هذه تتعدى وتتجاوز الترتيبات الأسرية. إنه أمرٌ ذو أهميةٍ سياسية. الرجل عدو لطبقتنا ومُثير للجدل. لماذا تستقبلينه هنا؟
مارجريت : لأنه يروق لي. لأنه شخصٌ أفتخر بأن أدعوه «صديقي». لأنَّني أتمنى لو أن هناك الكثير من أمثاله في العالم. لأنني لم أرَ منه قطُّ سوى الأفضل والأرفع شأنًا. بالإضافة إلى أنه من المُمتع جدًّا أن أرى كيف يمكن لرجلٍ فاضل أن يُزعجكم أنتم قادة الصناعة ومن بيدهم مقاليد الأمور. اعترف يا أبي بأنك مُرتبِك جدًّا الآن. سيكون هنا في غضون بضع دقائق، وستُصبح أنت أكثر قلقًا. لماذا؟ لأنه شأن يتجاوز الترتيبات العائلية. وهو شأنك أنت وليس شأني أنا.
ستاركويذر : هذا المدعو نوكس شخصيةٌ خطرة؛ شخصية لا أحب رؤية أيٍّ من أفراد عائلتي يتعامل معها. إنه ليس برجلٍ نبيل.
مارجريت : إنه رجلٌ عصامي إذا كان ذلك ما تَعنيه، وبالتأكيد لا يمتلك أيَّ أموال.
كوني (مقاطعة) : إنه يقول إنَّ المال سرقة … على الأقل حين يكون في يد شخصٍ ثري.
ستاركويذر : إنه جلف … جاهل.
مارجريت : علمت أنه خريج جامعة أوريجون.
ستاركويذر (ساخرًا) : كليةٌ قروية محدودة. لكن ليس هذا ما أعنيه. أنا أعني أنه غوغائي يُهيج المشاعر الوحشية لدى الناس.
مارجريت : بالتأكيد أنت لن تُسمِّي دفاعه عن قانون منع عمالة الأطفال، وقانون الحفاظ على الغابات، وقانون أراضي الفحم؛ بأنه تهييج وإثارة لمشاعر الناس، أليس كذلك؟
ستاركويذر (ضجرًا) : أنتِ لا تفهمين. عندما أقول إنه خطر فذلك لأنه يُهدِّد كل استقرار، لأنه يهددنا نحن مَن صنعنا هذه البلاد، نحن الذين يَرتكز علينا هذا الوطن وازدهاره.

(تُبصر كوني المتاعب قادمة، فتمشي عبر المسرح مُبتعدة عنهما.)

مارجريت : تقصد أباطرة الصناعة وأقطاب المصارف والاتحادات؟
ستاركويذر : سميها هكذا. أو أطلقي عليها ما تشائين. لكن من دوننا ستسقط البلاد في أيدي الأوغاد من أمثال نوكس هذا، وستَنسحِق خرابًا.
مارجريت (مُستنكِرة) : هو ليس وغدًا يا أبي.
ستاركويذر : إنه عاطفيٌّ حالم، كما أنه مُتحمِّسٌ أخرق. والأقوال الخرقاء التي يقولها الرجال من أمثاله هي التي تضع القنبلة والسكِّين في يد القتلة.
مارجريت : على الأقل هو رجلٌ صالح، حتى لو كان يختلف معك في المشكلات السياسية والصناعية. ويعلم الرب كم أصبح الرجال الصالحون عملة نادرة في هذه الأيام!
ستاركويذر : أنا لا أطعن في أخلاقه ولا دوافعه؛ فقط في عقلانيته. حقًّا يا مارجريت، لا يوجد خبثٌ متأصِّل فيه. أعترف بذلك. لكن هذا بالضبط ما يجعله بمثل هذه القوة في الشر.
مارجريت : عندما أُفكِّر في كل الشَّقاء والألم الذي يحاول علاجهما لا أرى فيه سوى قوة من أجل الخير. إنه لا يعمل لنفسه، بل من أجل الكثيرين. لهذا السبب لا يَملك المال. أما أنت فالربُّ وحده يعلم كم الملايين التي لديك؛ لقد عملتَ دائمًا لنفسك.
ستاركويذر : أنا أيضًا أعمل من أجل الناس. أُوفِّر العمل للكثيرين. أجعل الحياة ممكنة للكثيرين. أنا فقط على وعيٍ تام بالمسئوليات التي تتطلبها إدارتي للثروة.
مارجريت : ولكن ماذا عن الأطفال العاملين على الماكينات؟ هل عمَلُهم هذا ضروري، أيها المسئول عن الثروة؟ كم يَنفطِر قلبي من أجلهم! كم تطلعتُ طويلًا لفعل شيء من أجلهم؛ أن أُغيِّر الظروف حتى لا يضطر الأطفال إلى الكدح والعمل الشاق، وحتى ينالوا وقتًا للعب في طفولتهم المسروقة. هذه هي حقيقة الأمور، الوقت الذي يُفتَرض أن يقضيه الأطفال في اللعب والمرح يُسخَّر نحو صناعة الأرباح. لهذا السبب أنا مُعجبة بهوارد نوكس. لأنه يسمي الأمور بأسمائها. لأنه يُحاول فعل شيء من أجل هؤلاء الأطفال. ما الذي حاولتَ أنت فعله مِن أجلهم؟
ستاركويذر : العواطف! هي العواطف! المسألة أضخم وأعقد من ذلك بكثير، وأنتِ لا تستطيعين استيعابها. لا يُمكن لأي امرأة أن تفهم الأمر. وذلك هو ما يجعلكِ تهربين نحو العاطفة. وهذا هو الخطب في نوكس هذا؛ العواطف. لا يُمكنكِ أن تُديري حكومة تمثل تسعين مليون شخص بمجرَّد العواطف، ولا بالأفكار والمُثُل المجرَّدة عن العدالة والحق.
مارجريت : لكن إذا أُقصيَت العدالة والحق فما الذي سيتبقَّى إذن؟
ستاركويذر : نحن نعيش في عالمٍ عملي، ويجب أن يُديره رجال عمليُّون مُفكِّرون، وليس أشباه مُفكرين فسدت عقولهم بالأفكار التي لم يفهموا سوى نصفها، والتي استقوها من الكُتاب والثوار الفرنسيين؛ الذين وضعوها منذ قرن ونصف قرن من الزمان.

(تظهر على مارجريت علامات نفاد الصبر، ليس قلقًا من هذه المشادة الكلامية مع والدها، لكنَّها تتوق إلى تغيير ملابس الخروج التي ترتديها.)

لا تنسَي يا ابنتي أن أباكِ يعرف ما في الكتب تمامًا مثلما يعرفها أي جامعي تخرج في كليةٍ متخلِّفة في جامعة أوريجون. أنا أيضًا أيام دراستي الجامعية انخرطتُ في نظريات السعادة العالَمية والعدل والإنصاف، وكانت لي رؤاي وأحلامي الخاصة. لم أكن أعرف وقتها ضَعفَ وهشاشةَ وفسادَ الطينة البشرية. لكنَّني نضجت من تلك المرحلة وأصبحت رجلًا. وبعض الرجال لا يَنضجون أبدًا ولا يخرجون من تلك المرحلة. وهذه هي مشكلة نوكس؛ فما زال حالِمًا، بل حالمًا خطيرًا.

(يتوقَّف عن الحديث لحظة، ثم يزمُّ شفتَيه الرفيعتَين.)

لكنه ما لديه يُوشك أن ينفد.
مارجريت : ماذا تعني بقولك هذا؟
ستاركويذر : لقد جرَّ على نفسه أن يُلقي خطابًا في الغد، حيث سيطلب منه الحاضرون أن يُقدِّم أدلَّته على التهم اللاذعة التي وجَّهها ضد إدارتنا، وضدنا نحن؛ أباطرة الثروة، إن شئتِ أن تُطلقي علينا ذلك. ولن يكون قادرًا على تقديم أدلَّة على كلامه، وستَضحك منه الأمة. وستكون هذه هي الخاتمة السياسية للسيد علي بابا وحلمِه.
مارجريت : إنه حلمٌ جميل. ولو كان هناك المزيد من أمثاله لأصبح الحلم حقيقة. في نهاية المطاف، الحالِمون هم من يبنون ويُعمِّرون ويحظون بالخلود. قد تكتشف أنه من الصعب تدميره. لكني لا أستطيع البقاء هنا والمجادلة معك في ذلك يا أبي. فأنا ببساطة مُضطرَّة للذهاب وتغيير ملابسي.

(توجِّه حديثها إلى كوني.)

سيكون عليكِ أن تستقبلي الحاضرين يا عزيزتي. وسأعود من فوري.

(يدخل جوليوس روتلاند. تتقدَّم مارجريت نحوه لاستقباله فتُصافحه.)

أرجو أن تسامحني على اضطراري للذهاب للحظة.
روتلاند (يُحيِّي الآخرين) : اجتماعٌ عائلي على ما أرى.
مارجريت (في طريقِها للخروج) : لا؛ مجرَّد نقاش حول الأحلام والحالمين. وسأتركك لتحلَّ مكاني حتى أعود.
روتلاند (ينحني لها) : بكل سرور. الحالمون هم البنَّاءون الحقيقيون. لكن … ما هو الحلم ومَن تَقصدون بالحالمين؟
مارجريت (تتوقَّف لبرهة في المدخل) : حلم العدالة الاجتماعية، واللعب بنزاهة، والصفقة المُنصِفة للجميع. أما الحالم فهو السيد نوكس.

(ينزعج روتلاند جدًّا حتى إنها تتباطأ في المدخل لتستمع لذلك.)

روتلاند : ذاك الرجل! لقد أهان الكنيسة وسبَّها. إنه …
كوني (مُقاطِعة روتلاند) : لقد قال إنَّ رجال الكنيسة يسرقون من الرب. وأتذكر قوله بأنه كان ثمَّة مسيحيٌّ حقيقيٌّ واحد فقط، وأنه قد مات مصلوبًا.
مارجريت : كان يقتبس عن نيتشه.
ستاركويذر (موجهًا كلامه إلى روتلاند، بابتهاج هادئ) : لقد خدعك بذلك.
روتلاند (بغضبٍ متَّزن) : نيتشه كافر ولعَّان يا سيدي. وأي إنسان يقرأ لنيتشه أو يَقتبس من كلامه كافر مثله. وحين يَلقى مثل هذا الأدب الخبيث رواجًا في أمريكا فإن هذا أمرًا يُنذر بالسوء.
مارجريت (تُقاطعه ضاحكة) : سأترك النزاع بين يدَيك سيدي الفارس. وتذكَّر … الحلم والحالم.

(تخرج مارجريت.)

روتلاند (وهو يهزُّ رأسه) : لا أستطيع أن أستوعب ما سيحلُّ بالجيل الحالي. خذ ابنتك على سبيل المثال. قبل عشر سنوات كانت مُساعِدةً ملازمة لي، جادة ومخلصة في جميع أعمالنا الخيرية الصغيرة.
ستاركويذر : هل طوت صفحة الأعمال الخيرية؟
كوني : بل هي أعمال الرعاية الآن، بالإضافة إلى رياض الأطفال.
روتلاند (بتجهُّم) : إن الكتَّاب أمثال نيتشه ومن يقرءون لهم مثل نوكس، هم المسئولون.

(يدخل السيناتور دوسيت وزوجته من الخلف.)

(تتقدم كوني لتُرحب بهما. يعرف روتلاند السيدة دوسيت، وتقدمه كوني للسيناتور دوسيت.)

(في تلك الأثناء، ودون أن يُكلِّف نفسه عناء تحية أحد، وبما يُبدي رغبته وأسلوبه، يتقدم ستاركويذر عبر الغرفة نحو المقدمة جهة اليمين ويَنتقي أحد المقاعد العديدة الموجودة، ويجلس عليه ويَسحب من الجيب الداخلي لمعطفِه دفترًا نحيلًا ويشرع في الانغماس في محتوياته.)

(يجتمع دوسيت وروتلاند ويتمشَّيان إلى مؤخَّر الغرفة جهة اليسار ويجلسان هناك، بينما تجلس كوني والسيدة دوسيت إلى طاولة الشاي في يسار المقدمة. تدقُّ كوني الجرس للخادم.)

السيدة دوسيت (تنظر باهتمام نحو ستاركويذر وتتحدث بصوتٍ منخفض) : هذا هو والدك، أليس كذلك؟ لكم رغبت في مقابلته!
كوني (بنَبرة لطيفة) : تعلمين أنه غريب الأطوار. من الممكن أن يتجاهل الجميع هنا ظهيرة اليوم، وقد ينهض ويغادر المكان فجأةً وحتى دون أن يقول وداعًا.
السيدة دوسيت (بتعاطف) : نعم، أفهم ذلك؛ فهو رجلٌ ذو مسئولياتٍ كبيرة. لا بد أن عقله مشغول بالكثير من الأمور. إنه رجلٌ رائع … يقول زوجي إنه الأعظم في التاريخ المعاصر … إنه أقوى من عشرات الرؤساء، ومن ملك إنجلترا ومن القيصر مجتمعَين.

(يدخل الخادم حاملًا وعاء الشاي وملحقاته، وتبدأ كوني في تقديم الشاي، كل فنجان مصحوب بالتمتمة المتوائمة معه «قطعتا سكر؟» «واحدة فقط رجاءً» «ليمون» … إلخ.)

(يأتي روتلاند ودوسيت نحو المائدة لأخذ الشاي، حيث يظلَّان واقفَين.)

(كوني — التي تنظر بقلق عبر الغرفة نحو والدها وتفكر للحظة — تُعِدُّ فنجانًا من الشاي ومعه طبقٌ صغير به بعض البسكويت الرقيق، وتعطيهما لدوسيت الذي يظهر عليه التوتر.)

كوني : خذها لأبي لو سمحت يا سيناتور.

(لاحظ أن ستاركويذر طوال بقية هذا الفصل سيكون مثل كائنٍ منعزل عما حوله، كأنه ملك يجلس على عرشه. يتقاسم مأدبة الشاي مع مارجريت. يأتي الرجال إليه ويتحدَّثون معه. يُرسل هو في طلبهم. يروحون ويجيئون حسب أمره. الوضع بالكامل — ربما لا شعوريًّا من جانبه — أشبه بكونه الآمر الناهي حيثما حلَّ. وهذا الوضع مقبول من الآخرين جميعًا؛ لأنه في الواقع رجلٌ عظيم وقائد بالفعل. الشخص الوحيد الذي لا يَخاف منه هو مارجريت؛ برغم أنها تَستسلِم له ليفعل كل ما يحلو له في حفل شاي ما بعد الظَّهيرة الذي تُقيمه.)

(يحمل دوسيت فنجان الشاي وطبق البسكويت عبر المسرح إلى ستاركويذر. والأخير لا يُلاحظ قدومه في بادئ الأمر.)

كوني (التي كانت تُراقب المشهد) : الشاي يا أبي، ألا تَرغب في فنجان من الشاي؟

(طوال المشهد التالي بين ستاركويذر ودوسيت، يقف الأخير حاملًا الشاي والبسكويت بلا حول ولا قوة وفي موقفٍ ضعيف. وفي الوقت نفسه يُقدَّم الشاي لروتلاند ويظلُّ جالسًا إلى المائدة يتحدَّث إلى السيدتَين.)

ستاركويذر (ينظر إلى كوني أولًا ثم يُحدِّق في فنجان الشاي. يُهمهم رافضًا ويرفع عينَيه للمرة الأولى ليَنظر إلى وجه الرجل الآخر. وعلى الفور يُغلق دفتره على إصبعه ليُحدِّد موضع قراءته) : أوه، هذا أنت.
دوسيت (يُحاول جاهدًا أن يبقى هادئًا) : من دواعي سروري يا سيد ستاركويذر، وإنها لمفاجأة سارة أن أقابلك هنا. لم أكن أظن أنك تَرتاد تجمُّعاتٍ بسيطة من هذا النوع.
ستاركويذر (بشكل مُفاجئ وقاطع) : لماذا لم تَحضر عندما استدعوك هذا الصباح؟
دوسيت : كنتُ مريضًا؛ كنت ملازمًا الفراش.
ستاركويذر : هذا ليس عذرًا أيها السيد. عندما يتم استدعاؤك يتحتَّم عليك الحضور. هل تفهم؟ لقد أُعيد مشروع القانون مرةً أخرى. لماذا أُعيد مرةً أخرى؟ أنت قلتَ لدوبلمان إنك سوف تتولى أمره.
دوسيت : كانت سقطة. ومثل هذه الأمور تحدث.
ستاركويذر : ما خطب تلك اللجنة؟ أليس لديك أي تأثير على زمرة الأعضاء في مجلس الشيوخ؟ إن لم يكن لك تأثير، أخبرني؛ وسأُحضر أحدًا غيرك له هذا التأثير.
دوسيت (بغضب) : أنا أرفض أن أُعامَل بهذه الطريقة يا سيد ستاركويذر. لديَّ شيء من احترام الذات …

(يُهمهم ستاركويذر مشككًا.)

شيء من اللياقة …

(يُهمهم ستاركويذر ثانية.)

ومكانة بارزة في ولايتي. أنت تَنسى يا سيدي أن مكانتي ليست هينة في المؤسسة الحكومية.
ستاركويذر (مقاطعًا إياه بحدةٍ شديدة لدرجة أن دوسيت أسقط فنجان الشاي والطبق على الأرض) : لا تُكشِّر لي عن أنيابك. أنا أستطيع أن أرفعك وأستطيع أن أُحطمك. تلك المؤسسة الحكومية التي تتحدَّث عنها تتبع لي.

(تجحظ عينا دوسيت؛ إنه يتعلَّم شيئًا جديدًا الآن. ولكي يُخفي مشاعره، ينحني ليلتقط الفنجان والطبق من على الأرض.)

اترك تلك الأشياء وشأنها! أنا أتحدث إليك.

(يعتدل دوسيت في خفَّة واقفًا يُصغي باهتمام.)

(تدقُّ كوني — التي كانت تشاهد ما يحدث — الجرس لاستدعاء الخادم.)

أنا اشتريتُ المؤسَّسة الحكومية هذه، ودفعت ثمنها. أنت أحد الممتلكات المنقولة التي جاءت مع تلك الماكينة. لقد جرى تعيينك كسيناتور لتُطيع أوامري. فهمت؟ أفهمت؟
دوسيت (مهزومًا) : أنا … فهمت.
ستاركويذر : يجب إيقاف مشروع القانون هذا.
دوسيت : أمرك يا سيدي.
ستاركويذر : وبهدوء، دون إثارة عناوين الصحف بشأنه.

(يُومئ دوسيت موافقًا.)

ستاركويذر : الآن يمكنك الانصراف.

(يمضي دوسيت مبتعدًا ببطءٍ وضعف عبر الغرفة وينضم إلى مجموعة لدى مائدة الشاي.)

(يدخل تشالمرز وهوبارد من على اليمين، يَضحكان من أمرٍ ما. وحالما يلمحان ستاركويذر تنقطع ضحكاتهما على الفور وترتسم عليهما أمارات الجد.)

(ومن دون مصافحة باليد، بالكاد يردُّ ستاركويذر تحية هوبارد.)

ستاركويذر : توم، أريد أن أتحدَّث إليك.

(يَفهم هوبارد الإشارة ويتقدَّم نحو مائدة الشاي.)

(يدخل خادم. توجهه كوني إلى رفع الطبق والفنجان المكسورَين من على الأرض. وبينما يقوم الخادم بذلك، يظلُّ ستاركويذر صامتًا. يتفحَّص دفتره، بينما يقف تشالمرز في غير ارتياح ينتظر إرادة الرجل الآخر. وفي الوقت نفسه تدور ثرثرة عند طاولة الشاي. يُحيِّي هوبارد الآخرين ويقبل أو يرفض فنجان شاي.)

(يخرج الخادم.)

ستاركويذر (يُغلق الدفتر على إصبعه وينظر إلى تشالمرز بحدة) : توم، يجب أن تنتهي تلك المسألة التي في نيويورك. هل تفهم ذلك؟
تشالمرز (مُضطربًا) : كان هوبارد يتحدث.
ستاركويذر : لا، ليس هوبارد. ولكنِّي تلقيتُ تقارير من مصادرَ أخرى.
تشالمرز : إنها مسألةٌ هيِّنة.
ستاركويذر : أنا أعرف أفضل منك. لديَّ بيانٌ كامل حوله. وإذا أردت، يمكنني أن أزوِّدك بكل التفاصيل وكل لقاء. أنا أعلم جيدًا. ليس من المسموح النقاش بأي شكل. أريد أن يتوقف الأمر.
تشالمرز : لم أتخيَّل مطلقًا ولو للحظة واحدة أنني … كنتُ طائشًا.
ستاركويذر : لا تنسَ أبدًا أن كل طيش من رجل في مثل منصبك هو حماقة وتهور. إن علينا واجبًا، وهو واجبٌ عظيم وجليل. على أكتافنا يقع عبء مصائر تسعين مليون إنسان. إن فشلنا في واجبنا سيَهلكون. والغوغائيُّون الجُهلاء يَلعبون على العواطف الوحشية للشعب. وإذا اتبع الشعب طريقهم فسيَضلون وتُضيع البلاد حضارتها. لا نريد أن نعود إلى العصور المظلمة مرةً أخرى.
تشالمرز : حقًّا، لم أفكر أبدًا في أن الأمر يَنطوي على هذا القدر من الخطورة.
ستاركويذر (يهزُّ كتفَيه ويرفع حاجبَيه) : لماذا قد تعرف كل ذلك على أيِّ حال؟ أنت مجرَّد ترس في آلة. وأنا، وبضعة رجالٍ مجتمعين معي، نمثل الماكينة نفسها. وأنت ترسٌ نافع؛ أكثر نفعًا من أن نَخسرك …
تشالمرز : تخسرونني؟ أنا؟
ستاركويذر : ما عليَّ سوى أن أرفع يدي في أي وقت … أتفهم؟ … في أي وقت، فتخسر أنت على الفور. نعم أنت تسيطر على ولايتك. هذا رائع. لكن لا تنسَ أبدًا أن بإمكاني — إن أردتُ — أن أستحوذ يوم غدٍ على ماكينتك وأسحبها من ملكيتك. أعلم أنك لا تستطيع أن تُغيِّر من نفسك، لكن في سبيل القضايا الكبيرة التي على المحكِّ، ومِن أجلها، يجب أن تكون حذرًا، فائق الحذر. نحن مُجبرون على العمل بأدواتٍ مهزولة. إنك رجل تعيش في رغد وترف، وترتاد أماكن الملذَّات. وكثيرًا ما تعاقر الشراب. لكن قلبك ضعيف. أوه، لديَّ تقرير طبيبك الخاص. لكن، لا تجعل من نفسك أُضحوكة ولا تجعلنا كذلك. وإلى جانب ذلك، لا تنسَ أن زوجتك ابنتي. إنها امرأةٌ قوية، مفخرة لكلينا. فاحذر أن تُشوِّه سمعتها.
تشالمرز : لا بأس، سأكون حَذِرًا. لكن ما دمنا نتحدَّث حول هذا الأمر، فهناك شيء أحب أن أُحدِّثك بشأنه.

(يسود الصمت برهة، يكون انتظار ستاركويذر فيها مبهمًا.)

تشالمرز : ذلك المدعو نوكس ومادج. إنه آتٍ إلى المنزل. إن كلًّا منهما مقرَّب من الآخر جدًّا.
ستاركويذر : وبعدُ؟
تشالمرز (يردُّ بسرعة) : أوه، ليس من باب الشك أو أي شيء من هذا القبيل، أؤكِّد لك. لكن لا يبدو لي أنه من الملائم أن تكون ابنتك وزوجتي على وئام مع ذلك الفَوضوي العُدواني الذي هو دائم الهجوم علينا وعلى كل ما نُمثله.
ستاركويذر : تحدُّثتُ معها عن هذا الموضوع ولكن قُوطع حديثنا.

(يُقطِّب حاجبَيه مفكرًا.)

أنت زوجها. لماذا لا تتعامل معها بنفسك؟

(تدخل السيدة ستاركويذر من مؤخَّر المسرح، تتطلع في أرجاء الحجرة، ثم تنحني تُحيِّي الجميع، بعدها تحدِّد مكان ستاركويذر وتتجه نحوه.)

تشالمرز : ماذا بإمكاني أن أفعل؟ إن لها إرادتها الخاصة … وهي مِن نفس نوع إرادتك أنت. إلى جانب أنني أعتقد أنها تَعرف عن … بعض حماقاتي.
ستاركويذر (بنبرةٍ ماكرة) : تلك الحماقات البسيطة؟

(يوشك تشالمرز على الرد، لكنه يلاحظ السيدة ستاركويذر تقترب.)

السيدة ستاركويذر (تتحدَّث بنبرة نكد وتبرُّم، وخلال حديثها الرنان يَنغمِس ستاركويذر في مطالعة دفتره) : أوه، ها أنت ذا يا أنتوني. أعتقد أنك تتحدث في أمور السياسة. يجب أن نغادر بمجرد أن أتناول فنجانًا من الشاي. لا يبدو تومي على ما يرام. مارجريت تحبُّه لكنها لا ترعاه بشكلٍ صحيح. لا أعرف كيف سيكون شكل العالم حين لا تعرف الأمهات كيف يربين أبناءهنَّ. تلك هي مارجريت المشغولة بروضات أطفال الأحياء الفقيرة، تعتني بأطفال الجميع عدا ابنها. لو أنها فقط تهتمُّ بواجباتها الكنَسية بالقدر نفسه من الحماس! إن السيد روتلاند مُستاء منها. سوف أُكلِّمها في هذا الأمر … لكن يُستحسَن لو تكلمها أنت يا أنتوني. ذلك أنني لا أجد لدى مارجريت آذانًا صاغية في معظم الأوقات. إنها نزَّاعة لفعل ما يحلو لها مثلك تمامًا. في زمني كان الأطفال يَحترمون والديهم ويُطيعونهم. لكن ما يجري الآن هو ما نجنيه من عصر السرعة هذا. لم يَعُد هناك وقت لأي شيء. والآن يجب أن أتناول الشاي ثم أذهب مسرعة. يَنبغي أن تُبدِّل كوني ملابسها من أجل حفل العشاء.

(تَعبُر السيدة ستاركويذر الغرفة نحو مائدة الشاي، وتحيي الآخرين فردًا فردًا، وتقدم لها كوني الشاي.)

(يَنتظِر تشالمرز بكل احترام بجانب ستاركويذر.)

ستاركويذر (يَرفع عينيه عن دفتره) : يكفي حديثنا هذا يا توم.

(يُوشك تشالمرز على المضي للانضمام إلى الآخرين عندما تُسمع أصوات خارج المدخل الخلفي للحجرة، وتدخل مارجريت تصحبها دولوريس أورتيجا، زوجة الوزير البيروفي، ومعهما ماتسو ساكاري، سكرتير المفوض الياباني؛ كانت قد التقتهما أثناء دخولهما إلى المنزل.)

(يُغيِّر تشالمرز مساره ويُقابل المجموعة المذكورة. يعرف دولوريس أورتيجا فيحييها، ويجري تقديمه إلى ساكاري.)

(تمرُّ مارجريت بين الضيوف تحييهم وما إلى ذلك. ثم تحل محل أختها كوني على طاولة الشاي وتشرع في توزيع الشاي على القادمين الجدد.)

(تبدأ المجموعات في التشكل ببطء والجلوس في أرجاء المسرح على النحو التالي: تشالمرز ودولوريس أورتيجا؛ ثم روتلاند ودوسيت والسيدة ستاركويذر؛ ثم كوني والسيد دوسيت وهوبارد.)

(يَحمل تشالمرز الشاي إلى دولوريس أورتيجا.)

(كان ساكاري يتلكَّأ إلى جوار المائدة بانتظار الشاي ويُثرثر مع مارجريت وتشالمرز وغيرهما.)

مارجريت (تُقدم فنجان شاي إلى ساكاري) : أنا خَجِلة جدًّا من تقديم هذا الشاي لك؛ لأنني على يقين من أنك تفزع من طرقنا البربرية في عمل الشاي.
ساكاري (يَنحني لها) : هذه حقيقة؛ فالشاي الأمريكي والشاي الإنجليزي يختلفان اختلافًا جذريًّا عن الشاي في بلادي. لكن المرء يتعلَّم كما تعرفين. لقد أمضيت فترة تدريب على الشاي الأمريكي من سنواتٍ طوال مضَت، عندما كنت أدرس في جامعة ييل. أؤكد لكِ أن الأمر كان محيرًا في البداية، لكن في البداية فقط، ثم أعتقد أني بدأت في … ماذا أُسميه؟ … التعود على الشاي المحضَّر بطريقتكم.
مارجريت : أنت لطيفٌ جدًّا في التغاضي عن عيوبنا.
ساكاري (ينحني لها) : على العكس يا سيدتي، فأنا لا أرى — ودائمًا لا أرى — أي نقيصة في بلدكم الرائع هذا.
مارجريت (ضاحكة) : أنت لطيف على الدوام يا سيد ساكاري.

(يظهر نوكس على عتبة المدخل الخلفي، ويتوقف مترددًا لبرهة.)

ساكاري (يُلاحظ وجود نوكس، ويتلفَّت حوله لينتقي مجموعة ينضمُّ إليها) : إذا سمحتِ لي فسأَنسحِب الآن وأتناول هذا … الشاي.

(ينضمُّ إلى مجموعةٍ مؤلَّفة من كوني والسيدة دوسيت وهوبارد.)

(يتقدَّم نوكس إلى مارجريت، ومظهره يشي بالارتباك والحرج بسبب نقص خبرته في مثل هذه المناسبات الاجتماعية. يُحيِّي مارجريت والموجودين في المجموعة الأقرب لها.)

نوكس (يتحدَّث إلى مارجريت) : لا أعرف لماذا جئت إلى هنا. أنا لا أنتمي إلى هذا المكان. كل ما فيه غريب عليَّ.
مارجريت (مازحة، وتحضر له الشاي في الوقت نفسه) : علي بابا بنفسه يدخل مرة أخرى إلى وكر الأربعين حرامي. لكن الواقع أن ساعتك ومحفظتَك في أمان من السرقة هنا.

(يُومئ نوكس معترضًا على فكاهتها.)

لا تكن جادًّا هكذا. يَنبغي أن تسترخي في بعض الأحيان. أنت تعيش في توترٍ كبير.

(تنظر نحو ستاركويذر.)

ها هو زعيم الفوضويين هناك، التنِّين الذي تُحاول ذبحه.

(ينظر نوكس نحو ستاركويذر في تحيُّر وارتباك واضحَين.)

الرجل الذي يُمسك بمجامع صناديق التأمين على الحياة، والذي يُسيطر على سلاسل من البنوك والشركات الائتمانية أكثر من كل ما تَملكه عائلة روتشيلد بمائة مرة؛ الذي دمج صناعات الحديد والصلب والفحم والشحن وجميع الصناعات الأخرى؛ الرجل الذي يُعيق قانون عمل الأطفال الذي تحاول تمريره، وباقي التشريعات الإصلاحية التي تنادي بها. باختصار، هذا هو والدي.
نوكس (ينظر باهتمام نحو ستاركويذر) : كان ينبغي عليَّ أن أتعرف عليه من صوره التي رأيتها. لكن لماذا تقولين عنه مثل هذه الأشياء؟
مارجريت : لأنَّها كلها أمورٌ حقيقية.

(يبقى نوكس صامتًا.)

أليسَت بالفِعل هي الحقيقة؟

(تضحك.)

لا داعي للإجابة. أنت تعرف الحقيقة، كل الحقيقة المريرة. هذا وكر اللصوص. خذ على سبيل المثال السيد هوبارد هناك، صحفيُّهم الموثوق الملازم للمؤسسات.
نوكس (تعبيرات وجهه تنم عن الاشمئزاز) : أعرفه. إنه مَن تبنى موقف شركة «ستاندرد أويل» في القصة بعد أن أمضى سنوات يسيء إليها في مجلات الفضائح الزائفة. لقد أجبرهم على أن يدفعوا إليه ثمن قلمه، هذا كل ما في الأمر. وهو الكاتب الأبرز في مجلة كارترايت الآن، مذ غيَّرت المجلة سياستها وأصبحت داعمةً للرجعية. أنا أعرفه؛ إنه رجلٌ مخادع وغير شريف تمامًا. فعلًا في الحقيقة أنا مثل علي بابا، والواقع أني لا أعرف لماذا أنا هنا.
مارجريت : أنت هنا يا سيدي لأني أحب حضورك.
نوكس : أنا وأنتِ لدينا الكثير من القواسم المشتركة.
مارجريت : المستقبل.
نوكس (يَنظر إليها بجرأة بعيونٍ لامعة) : في بعض الأحيان أخشى أن تكون هناك أسبابٌ مباشرة وآنية أكثر من مجرد المستقبل.

(تنظر إليه مارجريت مُنتبِهة، وفي الوقت نفسه يظهر عليها السرور لما قاله.)

أسباب تخصكِ أنتِ.
مارجريت (مسرعة) : لا تنظر إليَّ بهذه الطريقة. إن عينَيكَ تومضان. وقد يراك أحد ويُسيء فهم الأمر.
نوكس (بارتباك ورعونة) : لم أكن أدرك أنني … أنني أنظر إليكِ … بأيِّ شكل قد ينمُّ عن …
مارجريت : سأُخبرك لماذا أنت هنا. أنت هنا لأنني دعوتك.
نوكس (بأمارات تنمُّ عن الحماس) : وأنا سآتي في أي وقت تطلبينني، وسأذهب حيثما تريدين مني الذهاب.
مارجريت (مُستنكِرة) : أرجوك، من فضلك … لقد أرسلت إليك من أجل الخطاب الذي ستُلقيه. لقد سمعتُ عنه من الجميع … ما بين تذمُّر وغمغمة وتنبؤاتٍ مريعة. أعلم كم أنت مشغول، ولم يكن ينبغي بي أن أطلب منك الحضور. لكن لم تكن هناك طريقةٌ أخرى، وكنت أنا في غاية القلق.
نوكس (مسرورًا) : من المُستغرب جدًّا أنكِ — وأنت من تكونين وتنتسبين إلى هذا المجتمع — تهتمين برفاهة وحياة عامة الناس.
مارجريت (بتعقُّل وحصافة) : أبدو كخائنة في معسكري. لكن كما كان يقول والدي منذ قليل، إنني أيضًا لي حلم حلمت به. حلمتُ به كما تحلم الفتيات؛ الجمهورية الأفلاطونية واليوتوبيا التي كتبها مور؛ فتاة غارقة في كل أحلام الحالِمين بمجتمع فاضل.

(خلال كل حديثها التالي، يكون نوكس مهتمًّا بشدة بما تقول وعيناه تلمعان ويُنصِت إليها بانتباهٍ شديد.)

وقد حلمت أنني قد أستطيع أيضًا عمل شيء لإحلال عصر العدالة الكونية والشرف والإنصاف. وفي قلبي كرَّستُ نفسي لقضية الإنسانية. وجعلت لينكولن هو بطلي، ولا يزال على مكانته. لكنَّني كنت مجرَّد فتاة، وأين عساي كنت أجد هذا المسعى؟ كيف أعمل من أجله؟ كنتُ مقيَّدة بآلاف العوائق والقيود، ومُحاطة بآلاف التقاليد والأعراف. سخر منِّي الجميع عندما عبَّرت عن الأفكار التي تلتهب في داخلي. ماذا كان بمَقدوري أن أفعل؟ ما كنت غير امرأة. لم يكن لي حق التصويت ولا حتى حق الكلام. كان لا بدَّ لي أن أبقى صامتة. ألَّا أحرك ساكنًا. أما الرجال بحكمتهم الموقَّرة فقد فعلوا كل شيء. هم يُصوِّتون ويخطبون في الناس ويحكمون. أما مكان المرأة فكان البيت؛ لرعاية رجالٍ متعجرفين يَفعلون كل هذه الأشياء العظيمة.
نوكس : أنتِ تفهمين إذن لماذا أدعم حق المساواة في الاقتراع.
مارجريت : لكنَّني تعلمت، أو ظننت أنني تعلمت. لقد اكتشفت أمر السلطة مبكرًا. فوالدي يتمتَّع بالسلطة. إنه قطب، وأعتقد أنها الكلمة الصحيحة. كانت السلطة هي كل ما أحتاجه. لكن كيف أحصل عليها؟ كنت امرأة. ومرةً أخرى راودني حلمي؛ حلم جرى عليه تعديل. فقط عن طريق الزواج يُمكنني الفوز بالسُّلطة. إنك هكذا تحصل على معلوماتٍ موثوقة عني وعما أمثِّله وما أصبحت عليه. قابلت الرجل الذي سيُصبح فيما بعدُ زوجي. كان شريفًا قويًّا ورياضيًّا، يحبُّ الهواء الطلق، رجلٌ ثري وسياسيٌّ صاعد. أخبرني أبي أنني إذا تزوجتُه فسوف يضع في يدَيه سلطة الولاية، ويجعل منه حاكمًا، وأنه سيُنزِله بمجلس الشيوخ الأمريكي. وهكذا تكون قد حصلت على كل شيء.
نوكس : وبعدُ؟ … ماذا بعدُ؟
مارجريت : تزوجتُ، واكتشفتُ أن ثمَّة قوًى مؤثِّرةً أكثر مما كنت أتصوره من قبلُ. أخذوا زوجي بعيدًا عني وحوَّلوه إلى مساعدٍ سياسي لوالدي. وأصبحتُ أنا دون أي سلطة. لم أستطع فعل أي شيء لمسعاي الذي كنتُ أريده. انهزمت. ثم تراءت لي رؤيةٌ جديدة. أن المستقبل هو ملك الأطفال. معهم يُمكنني أن ألعب دوري كامرأة. كنت قد أصبحت أُمًّا. لم يمكنني أن أفعل شيئًا أفضل من منح العالم ابنًا سليمًا معافًى وأنشئه صحيحًا متكاملًا شريفًا نبيلًا مفعمًا بالحياة. وإذا أديت هذا الدور جيدًا عبر ولدي، فسأكون قد أنجزت وحققت النتائج التي كنت أرجوها. عن طريق ولدي، يمكن إنجاز كل ما أريد من عمل لجعل العالم أكثر صحة وسعادة لجميع البشر. لقد لعبت دور الأم. هذا هو سبب تركي الجمعيات الخيرية الصغيرة البائسة التابعة للكنيسة وتكريس نفسي لأعمال رعاية المُحتاجين وإصلاح مساكن الفقراء وتأسيس رياض أطفال خاصة بي والعمل من أجل الأولاد والبنات الصغار الذين يصلون الدنيا على فطرتهم لا يعرفون شيئًا، والذين يتوقَّف عليهم نجاح المستقبل أو ضياعه.
نوكس : أنتِ رائعة. لقد عرفت الآن لماذا أهرع إلى الحضور عندما تطلبين مني المجيء.
مارجريت : ثم ظهرتَ أنت. كنتَ رائعًا. كنت فارسي الذي يحارب طواحين الهواء ويناطح كل القوى والامتيازات، ويسعى لانتزاع المستقبل من المستقبل وجعله واقعًا هنا في الوقت الحاضر. كنت متأكدة أنك ستُعاني الدمار والردى. لكنك ما زلت موجودًا على الساحة تُقاتل ببسالة. وخطابك الذي ستُلقيه غدًا …
تشالمرز (الذي اقترب حاملًا فنجان دولوريس أورتيجا) : أجل، بشأن ذلك الخطاب. كيف حالك يا سيد نوكس.

(يتصافحان بالأيدي.)

فنجان من الشاي يا مادج. للسيدة أورتيجا. قطعتا سكر من فضلك.

(تُعدُّ مارجريت فنجان الشاي.)

الجميع متحمسون لسماع هذا الخطاب. وأعتقد أنك على وشك أن توجه ضربات ضدنا نحن تحديدًا.
نوكس (مبتسمًا) : ليس بأكثر مما تستحقُّون في واقع الأمر.
تشالمرز : الحقيقة، كل الحقيقة ولا شيء سوى الحقيقة؟
نوكس : بالضبط.

(يأخُذ فنجان الشاي من مارجريت.)

تشالمرز : صدِّقني نحن لسنا بشائنين ولا بأشرار كما نوصف. هناك جانبان لهذه المسألة. نحن نَبذُل مثلك قصارى جهدنا لفعل الصواب. وكنا نأمل — وما زلنا — أن نفوز بك إلى صفِّنا.

(يهزُّ نوكس رأسه بابتسامةٍ هادئة.)

مارجريت : أوه، كن صادقًا يا توم. أنتم لا تأمُلون في شيء من هذا القبيل. أنت تعلم أنكم تأمُلون في تدميره.
تشالمرز (يبتسم متجهمًا) : هذا ما يحدث عادةً لأولئك الذين لا نكسبهم لصفنا.
(يتحضَّر للذَّهاب حاملًا فنجان الشاي؛ ومتحدثًا إلى نوكس قائلًا) يمكنك إنجاز الكثير إذا كنتَ معنا. أما وأنت ضدنا فلن تحقق أي شيء، على الإطلاق.

(يعود مُتوجِّهًا إلى دولوريس أورتيجا.)

مارجريت (تعاجله) : أرأيت. لهذا كنتُ قلقة … لهذا أرسلت إليك. حتى توم يعترف بأن أولئك الذين لا يكسبونهم لصفِّهم يُلاقون الدمار. هذا الخطاب حدثٌ خطير ومهم. أنت تعرف كيف يتحكَّمون في المجلس بصرامة ويُسكِتون الرجال من أمثالك. إنهم هم — وهم وحدهم فقط — مَن أعطوك الفرصة لتلقي هذا الخطاب؟ فلماذا؟ ما السبب؟
نوكس (يبتسم بثقة) : أنا على علم بمُخططهم الصغير. لقد سمعوا بالتهم التي وجهتها ضدهم. يعتقدون أنني سأُلقي خطابًا ملتهبًا، وهم جاهزون للإيقاع بي في موقف من لا يحمل أدلةً تؤيد كلامه. إنهم مُستعدُّون بكل وسيلة ضدي. سوف يجعلونني أضحوكة. مُستعدون بوكالة أسوشيتد برس الصحفية، ومراسلي صحيفة واشنطن؛ كلهم مستعدون من أجل صنع الأضحوكة العظيمة التي ستُدمرني. لكني مُستعدٌّ لهم تمامًا، وأملك …
مارجريت : البراهين؟
نوكس : أجل.
مارجريت : الآن؟
نوكس : سيجري تسليمها لي الليلة؛ وثائق أصلية وصور لمُستندات وإفادات خطية …
مارجريت : لا تُخبرني بشيء. لكن أرجوك كن حذرًا! توخَّ الحذر!
السيدة دوسيت (مستنجدة بمارجريت) : ساعِديني يا سيدة تشالمرز.

(تُشير إلى ساكاري.)

السيد ساكاري يحاول أن يجعلني أبدو بمَظهرٍ سخيف.
مارجريت : مستحيل.
السيدة دوسيت : لكن هذا صحيح. لقد كان من الوقاحة أن …
تشالمرز (ساخرًا من السيدة دوسيت) : وقاحة! أوه، ساكاري!
ساكاري : السيدة العزيزة تحبُّ الفكاهة.
السيدة دوسيت : لقد كان من الوقاحة أن طلب مني أن أشرح له سبب ارتفاع الأسعار. يقول السيد دوسيت إن السبب هو أن الناس يَعيشون بترف.
ساكاري : يا له من بلدٍ رائع. الفقراء فيه فقراء لأنهم يُنفقون الكثير.
تشالمرز : ألا يُعزى ارتفاع الأسعار لزيادة إنتاج الذهب؟
السيدة دوسيت : السيد ساكاري هو من قال هذا بنفسه، وعندما اتَّفقت معه شرع في دحض هذا الكلام. لقد تعامل معي بصورةٍ مريعة.
روتلاند (يتنحنح معبرًا عن رأيه بحماسةٍ زائفة ومضجرة) : ستجد الإجابة في حركة تجارة المشروبات. إنَّ الخمور — الكحوليات — هي ما يُقوِّض صناعاتنا ومؤسساتنا وإيماننا بالرب؛ تُقوِّض كل شيء. في كل عام يشرب العمال كمياتٍ أكبر من الكحول. بطبيعة الحال، وبسبب عدم الكفاءة الناتجة عن هذا التعاطي، تصبح تكلفة الإنتاج أعلى، وبالتالي تُصبح الأسعار أعلى.
دوسيت : هذا بشكلٍ جزئي، على ما يبدو. ويترافق مع ما ذكرت ويُضاف إليه أن ارتفاع الأسعار هو بسبب أن الطبقة العاملة لم تَعُد تدخر أو توفر شيئًا. فلو ادَّخرت طبقتنا العاملة مثلما يفعل الفلاحون الفرنسيون؛ فإننا سنبيع أكثر في السوق العالَمي، ونعيش أوقاتًا أفضل.
ساكاري (وهو ينحني) : إذن حسبما فهمتُ، كلما كنتَ مقتصدًا ادخرتَ أكثر، وكلما زادت مدَّخراتك ازدادت مبيعاتك، وكلما ازدادت مبيعاتك تحسَّنت حياتك!
دوسيت : فعلًا بالضبط. بالضبط.
ساكاري : وكلما قلَّت مبيعاتك ازدادت صعوبة حياتك؟
دوسيت : هكذا تمامًا.
ساكاري : إذن لو أصبح الناس مُقتصدين واشتروا بضائع أقل، فإن حياتهم ستكون أصعب؟
دوسيت (متحيرًا) : نعم يبدو ذلك.
ساكاري : إذن يبدو أن الأوقات العصيبة الحالية تعود إلى حقيقة أن الناس مُقتصدُون أكثر من كونهم مُسرفين.

(يفزع دوسيت، وتُشيح السيدة دوسيت بيديها في يأس.)

السيدة دوسيت (مُلتفتة إلى نوكس) : ربما تستطيع أنت يا سيد نوكس أن تَشرح لنا سبب هذه الأوضاع المُفزعة.

(يغلق ستاركويذر دفتره على إصبعه ويُنصت.)

(يَبتسم نوكس لكنه لا يتكلَّم.)

دولوريس أورتيجا : أرجوك أن تَشرح لنا يا سيد نوكس. أنا مُتشوِّقة جدًّا لمعرفة سبب غلاء المعيشة في الوقت الحالي. لقد علمت صباح اليوم أن سعر اللحم ارتفع ثانية.

(يتردَّد نوكس في الحديث ويَنظر نحو مارجريت مُتشككًا.)

هوبارد : أنا واثق أنَّ السيد نوكس يستطيع تسليط الضوء على زاويةٍ جديدة لهذه المشكلة المُحيِّرة.
تشالمرز : وبالتأكيد أنت لن تتردَّد أو تخجل بين أصدقائك، فأنت تتمتَّع بمهاراتٍ خطابيةٍ قوية وعاصفة في المجلس.
نوكس (مناوشًا) : لم أكن أعرف من قبلُ أن مسائل من هذا النوع يُمكن أن تكون محور النقاش في مناسباتٍ كهذه.
ستاركويذر (بصورةٍ فظة وآمرة) : ما الذي يُسبِّب ارتفاع الأسعار؟
نوكس (بنفس الدرجة من الحدة والتأكيد التي كان عليها ستاركويذر) : السرقة!

(وكأنه فجَّر قنبلة في المكان، لكنَّهم استقبلوها في هدوء وابتسام، برغم أنها هزَّتهم بعنف.)

دولوريس أورتيجا : يا له من تفسير رومانسي! إذن فكلُّ من يمتلك شيئًا قد حصل عليه بالسرقة.
نوكس : ليس تمامًا، لكن تقريبًا هذا هو الوضع. خذي السيارات على سبيل المثال. هذا العام أُنفِقَت خمسمائة مليون دولار على شراء السيارات. كل هذا تطلَّب أن يكدح الرجال في المناجم ومسابك المعادن، أن تَفنى عيون النساء في الخياطة في المصانع الاستغلالية للعمال، والورش التي تعمل فيها الفتيات كالعبيد مقابل أربعة أو خمسة دولارات في الأسبوع، أن يعمل الأطفال الصغار في المصانع ومحالج القطن؛ تطلَّب الأمر كل ذلك من أجل جمع الملايين الخمسمائة التي أُنفقَت هذا العام على السيارات. وقد نُهبت كل هذه الأموال من أولئك الذين قاموا بالعمل كلِّه.
السيدة ستاركويذر : كنت أعرف دائمًا أن هذه السيارات هي المسئولة عن كل الأشياء الفظيعة.
دولوريس أورتيجا : لكن يا سيد نوكس أنا أمتلك سيارة.
نوكس : عمالة وشقاء شخصٍ ما هي التي صنعت تلك السيارة. هل كنتَ أنت مَن صنعها؟
دولوريس أورتيجا : يا إلهي، لا! أنا اشتريتُها ودفعت ثمنها.
نوكس : إذن هل عملتِ من أجل صنع شيءٍ آخر، ثم استبدلتِ ثمرة عملك هذا بسيارتك؟

(برهة صمت.)

لم تجيبيني. إذن أفهم أنك تمتلكين سيارة صُنعت بشقاء شخصٍ آخر، ولم تبذلي أنت أي جهد من أجلها، في حين أن العمال الذين قاموا على صناعتها لم يتقاضَوا سوى الفتات، هذا ما أُسميه سرقة. أنتِ تسمينها ملكيةً خاصة. لكنها سرقة.
ستاركويذر (مقاطعًا دولوريس أورتيجا التي كانت على وَشكِ الرد) : لكن بالتأكيد أنت رجلٌ ذكيٌّ، ويُمكنك أن ترى القضية من زوايا أوسع من مجرَّد أنها سرقة سيارات. فأنا رجل أعمال ذو شأن ولا أسرق السيارات.
نوكس (مبتسمًا) : لا، ليس السيارات نفسها بالطبع. أنت تجري الأعمال على نطاقٍ أوسع.
ستاركويذر : تعني أنني أسرق؟
نوكس (يهزُّ كتفَيه) : إذا كنت ترى الأمر كذلك.
ستاركويذر : اعتبرني مثل أي رجلٍ عادي من ميسوري. وعليك أن تُوضِّح لي.
نوكس : وأنا اعتبرني رجلًا من تكساس. ويجب أن أفهم ما تفعلون.
ستاركويذر : سأنتقل فورًا إلى تكساس. وضِّح لي كيف أسرق على نطاقٍ واسع.
نوكس : حسنًا. أنت رأسماليٌّ كبير وصاحب اتحادات شركات وقطبٌ عظيم. هل تمانع في أن أعرض بعض الإحصائيات؟
ستاركويذر : تفضَّل.
نوكس : أنت تَستحوذ على حصةٍ مسيطرة في السِّكَك الحديدية بقيمة تسعة مليارات دولار؛ وبقيمة مليارَي دولار في الشئون الصناعية؛ وبمليار دولار في مجموعات التأمين على الحياة؛ وبما قيمته مليار دولار في مجموعات مصرفية؛ وما قيمته ملياري دولار في الشركات الائتمانية. أُذكِّرك أنني لا أقول إنك تملك كل هذا، لكنَّك تستحوذ على حصةٍ مسيطرة من الأسهُم. وهذا هو كل ما يلزم. باختصار أنت تُمارس هيمنة على حصةٍ مسيطرة بنسبة من إجمالي الاستثمارات في الولايات المتحدة؛ بحيث يُمكنك أن تحدد وتيرة عمل ما يتبقى منها. والآن نَنتقِل إلى ما أريد إثباته. في السنوات القليلة الماضية أُضيف سبعون مليار دولار بشكلٍ مُفتعَل لرءوس أموال الصناعات الوطنية. وأعني بتلك الصناعات صناعات المياه النقية؛ المياه الصافية غير المعالَجة من أجل الاستخدام البشري. وأنت أيها القطب الكبير تعلم ماذا تعني المياه. أنا أقول إنها سبعين مليارًا، ولا يهمُّ إن كانت أربعين مليارًا أو ثمانين، فمقدار المال ضخم أيًّا كان. وماذا تعني سبعون مليار دولار من المياه؟ تعني أنه إذا زادت قيمتها بنسبة خمسة بالمائة فسيكون هناك ثلاثة مليارات ونصف المليار زيادة يجب دفعها مُقابل الأشياء التي تدخل فيها المياه هذا العام، وفي كل عام، بأكثر من القيمة الحقيقية للأشياء. يُضطر العمال للدفع مقابل هذا. تلك سرقة من جانبك. تلك هي الأسعار المُرتفِعة التي تصنعها أنت. من أضاف الماء؟ ومن الذي يَسرق عن طريق الماء؟ أفهمتني؟
ستاركويذر : أليس هناك مُقابل وأجور من أجل إدارة الأمور؟
نوكس : سمِّها ما شئت.
ستاركويذر : ألم أجعلهم يجنون دولارَين أكثر مما كانوا يتقاضَون من قبلُ؟ ألم أجعلهم أكثر سعادةً مِن قبل مجيئي؟
نوكس : وهل ما فعلتُه هو أكثر من الواجب المفروض الذي يَدين به أيُّ إنسان نحو أخيه الإنسان؟
ستاركويذر : أوه، أنت حالم وغير عملي. (يعود إلى مُطالعة دفتره.)
روتلاند (مُلقيًا بنفسه في المعمعة) : ومن أين أسرق أنا يا سيد نوكس؟ أنا الذي أتقاضى مجرَّد راتب مقابل التبشير بكلمة الرب.
نوكس : راتبك يأتي من الماء الذي تحدثت عنه. هل تريد أن تعرف من يدفع راتبك؟ ليس أبناء أبرشيتك من يدفعون. بل هم الأطفال الصغار الذين يكدحون في المطاحن والورش؛ كل بقية المستعبدين على عجلة الإنتاج هم من يدفعون لك راتبك.
روتلاند : أنا أستحق راتبي.
نوكس : هم من يدفعونه.
السيدة دوسيت : أعلن أيها السيد نوكس أنك أسوأ من السيد ساكاري. أنت فَوضوي.

(تتظاهَر بالارتعاش خوفًا.)

تشالمرز (مُوجهًا حديثه إلى نوكس) : أعتقد أن حديثك هذا جزء من خطابك الذي ستُلقيه غدًا.
دولوريس أورتيجا (تصفِّق بيدَيها) : إنها تجربة أداء! هو يُجرب خطابه علينا!
ساكاري : وكيف ستُعالج هذه اﻟ … احم … هذه السرقة؟

(يُغلق ستاركويذر دفتر ملاحظاته على إصبعه مرةً أخرى ويُنصت بينما يبدأ نوكس في الكلام.)

نوكس : الأمر في غاية البساطة. عن طريق تغيير الآلة الحكومية التي تقوم على شئون تسعين مليون شخص.
ساكاري : كنت أظن — حسبما تعلمت في جامعة ييل — أن آلة حكومتك ممتازة، الأكثر امتيازًا بين الجميع.
نوكس : لقد عفَّى عليها الزمن. إنها الآن على وشك أن تُلقى في مكبِّ النفايات. فبدلًا من أن تقوم على خدمتنا، هي تتحكم فينا وتتسيَّد علينا. أصبحنا نحن عبيدها. كل الحاضنة السياسية المكونة من المحتالين والمنافقين استولت على تلك الآلة وأفلتوا بها، ونحن معها أيضًا. باختصار أصبح يهيمن علينا المحتالون بدءًا من مجالس البلديات وصعودًا. إنه عصر السرقة.
هوبارد : لكن كل حكومة تمثل شعبها. وكل شعب يستحق الحكومة التي تحكمه. ولو أنه شعب أفضل لكانت حكومته أفضل.

(ستاركويذر يومئ برأسه متفقًا مع هوبارد.)

نوكس : هذه أكذوبة. وأقول لك الآن إن معدل الأخلاق والرغبة في إتيان السلوك الصحيح لدى شعب الولايات المتحدة أسمى بكثير من تلك الحكومة التي تسيء تمثيله. الشعب في الأساس يستحق حكومةً أفضل من تلك التي هي الآن ألعوبة في أيدي السياسيين، وتعمل لصالح السياسيين ولصالح المصالح التي يمثلها السياسيون. وإني لأتساءل يا سيد ساكاري عما إذا كنتَ قد سمعتَ من قبلُ عن قصة الآسات الأربعة.
ساكاري : لا أتذكَّر أني سمعتها من قبلُ.
نوكس : هل تفهم لعبة البوكر؟
ساكاري (مفكرًا) : نعم. إنها لعبةٌ رائعة. تعلَّمتها في جامعة ييل. وكانت مُكلِّفة للغاية.
نوكس : في واقع الأمر، تُذكرني هذه القصة بسياسيِّينا المحتالين. إنهم ليس لديهم أي وازعٍ أخلاقي. يرون السرقة كأنها صواب؛ صوابٌ تام. ولا يرون أي خطب في الترتيبات التي يَصنعُها الرجل الذي يُوزِّع الأوراق ليهب نفسه أفضل أوراق اللعب. بصرف النظر عن أنه يُميِّز نفسه عن باقي اللاعبين، فإن اللاعبين أنفسهم سيَستلمُون توزيع الأوراق منه بعد ذلك، ويَفعلون نفس ما فعله الأول ليُعوِّضوا أنفسهم.
دولوريس أورتيجا : لكن ما هي القصة يا سيد نوكس. أنا أيضًا أعرف البوكر وأريد أن أعرف القصة.
نوكس : حدثت القصة في ولاية نيفادا، في معسكر تعدين. شخصٌ وافدٌ جديد على المكان كان يُشاهد لعبة البوكر. كان يقف خلف مُوزِّع الأوراق، ورأى الموزع يختصُّ نفسه بأربعة آسات من أسفل الطاولة.

(يبدأ نوكس من تلك اللحظة يَروي القصة بطريقة أهل الغرب البطيئة والجذابة.)

انتقل الوافد الجديد حول الطاولة إلى اللاعب الذي يُواجه الموزِّع وقال له «اسمع، لقد رأيت الموزِّع للتوِّ يمنح نفسه أربعة آسات سحبها من أسفل الطاولة.»
نظر إليه اللاعب لحظة ثم قال له «وماذا في ذلك؟»

قال المستجد «أوه، لا شيء. حسبت فقط أنك قد تودُّ معرفة ذلك. أقول لك إن الموزع أعطى نفسه أربعة آسات سحبها من أسفل الطاولة.»

فقال له اللاعب «اسمع أيها السيد، من الأفضل ألَّا تلعب. يبدو أنك لا تفهم اللعبة، إنه «دوره هو» للتوزيع، أليس كذلك؟»
مارجريت (تنهض بينما هم يضحكون) : لقد تكلَّمنا في السياسة بما فيه الكفاية. دولوريس، أريدكِ أن تحدثيني عن سيارتك الجديدة.
نوكس (وكأنه فجأة تذكَّر شيئًا) : وينبغي لي أن أغادر الآن.

(ثم لمارجريت بصوتٍ مُنخفِض.)

هل يتحتَّم عليَّ أن أصافح كل هؤلاء الناس؟
مارجريت (تهزُّ رأسها وتتحدَّث بصوتٍ خفيض) : عزيزي المحبوب علي بابا.
نوكس (متجهِّمًا) : أعتقد أني جعلت من نفسي أُضحوكة هنا.
مارجريت (تتحدث بجدية) : على العكس من ذلك، أنت كنتَ مُبهجًا. أنا فخورة بك.

(وبينما يصافح نوكس مارجريت، ينهض ساكاري ويتقدم نحوهما.)

ساكاري : ينبغي أن أذهب أيضًا. لقد أمضيتُ نصف ساعة ساحرة هنا سيدة تشالمرز. ولن أوفيك الشكر مهما حاولت.

(يُصافح مارجريت.)

(يتقدَّم نوكس وساكاري ليغادرا من مؤخر المسرح.)

(لحظة خروجهما يدخل خادم حاملًا صينية تقديم البطاقات، ويتقدم بها نحو ستاركويذر.)

(تنضمُّ مارجريت إلى دولوريس أورتيجا وتشالمرز وتجلس معهما، وتشرع في الحديث عن السيارات.)

(يكون الخادم قد وصَل إلى ستاركويذر الذي يتناول البرقية من على الصينية ويفتحها ويَقرؤها.)

ستاركويذر : اللعنة!
الخادم : عذرًا يا سيدي.
ستاركويذر : أرسل لي السيناتور تشالمرز والسيد هوبارد فورًا.
الخادم : أمرك سيدي.

(يَقطع الخادم الغرفة نحو تشالمرز وهوبارد، فينهضان ويمضيان نحو ستاركويذر على الفور.)

(أثناء حدوث كل ذلك، تُعيد مارجريت تجميع المجموعات الثلاث المبعثرة في الحجرة في مجموعةٍ واحدة، وتجلس في مكان يُمكنها من مشاهدة ستاركويذر ومجموعته عبر المسرح.)

(يتريث الخادم ليتلقَّى أمرًا من مارجريت.)

(ينتظر تشالمرز وهوبارد واقفَين لدقيقة بينما يُعيد ستاركويذر قراءة البرقية.)

ستاركويذر (ينهض واقفًا) : أرسَلَ لي دوبلمان للتوِّ هذه البرقية. إنها من نيويورك … من مارتينو. لقد خاننا أحدهم. أوراقي وملفات الخطابات نُهبت. عبَثَ أحدهم مع السكرتيرة المُؤتَمنة … أتذكُر يا توم تلك المرأة الشابة التي في مُنتصَف عمرها؟ تلك هي. أين ذلك الخادم؟

(الخادم على وشك الخروج من المسرح.)

تعال! إلى هنا.

(يعود الخادم إلى ستاركويذر.)

اذهب إلى الهاتف واتصل بدوبلمان. قل له أن يأتي إلى هنا.
الخادم (متحيرًا) : معذرة يا سيدي.
ستاركويذر (منفعلًا) : سكرتيري الخاص. في منزلي. دوبلمان. أخبره أن يَحضر على الفور.

(يخرج الخادم.)

تشالمرز : لكن مَن قد يكون المسئول عن هذه السرقة؟

(يهزُّ ستاركويذر كتفَيه.)

هوبارد : أداة للابتزاز على الأرجح. سيُحاولون استنزافك …
تشالمرز : إلا إذا …
ستاركويذر (بنَفاد صبر) : ماذا؟
تشالمرز : إلا إذا كانت ستُستخدم غدًا في خطاب نوكس.

(يَظهر إدراك الأمر على وجه الرجلَين الآخرَين.)

السيدة ستاركويذر (كانت قد نهضَت) : أنتوني، يجب أن نذهب الآن. هل أنت مُستعد؟ ينبغي أن تذهب كوني لترتدي ملابسها.
ستاركويذر : لن أذهب الآن. خذي أنتِ وكوني السيارة.
السيدة ستاركويذر : يجب ألا تنسى أنك ذاهب إلى ذلك العشاء.
ستاركويذر (بضجر) : وهل أنسى أبدًا؟

(يدخل الخادم ويتقدَّم نحو ستاركويذر ثم يقف منتظرًا ريثما تنتهي السيدة ستاركويذر من حديثها التالي. يَستمع ستاركويذر لكلامها بصبر وبوجهٍ يخلو من التعبير.)

السيدة ستاركويذر : أوه، تلك الأمور السياسية التي لا تَنتهي أبدًا! هذا ما خُضنا فيه طوال ظهر اليوم؛ ارتفاع الأسعار والكسب غير المشروع والسَّرقة، السرقة والكسب غير المشروع وارتفاع الأسعار. هذا فظيع. عندما كنتُ فتاةً لم نكن نتكلم في مثل هذه الأمور. هيا بنا يا كوني.
السيدة دوسيت (تنهض وتنظُر نحو دوسيت) : ونحن أيضًا يجب أن نغادر.

(خلال المشهد التالي، الذي يركز على ستاركويذر، تودِّع مارجريت ضيوفها المغادرين.)

(تخرج السيدة ستاركويذر وكوني.)

(يخرج دوسيت والسيدة دوسيت.)

(في اللحظة التي تنهي فيها الملاحظة التي قالتها السيدة دوسيت حديث السيدة ستاركويذر، يلتفت السيد ستاركويذر دون أن يجيب أو أن يلاحظ زوجته وينظر نحو الخادم مستفسرًا عما فعله.)

الخادم : غادر السيد دوبلمان بالفعل قبل بعض الوقت متجهًا إلى هنا يا سيدي.
ستاركويذر : أدخله بمجرد وصوله.
الخادم : أمرك سيدي.

(يخرج الخادم.)

(تبقى مارجريت ودولوريس أورتيجا وروتلاند حول مائدة الشاي هذه المرة، حيث تُقدِّم مارجريت فنجان شاي آخر إلى روتلاند. ومن وقت لآخر تُلقي مارجريت نظرة فضول نحو مجموعة الرجال الجادِّين على الجهة الأخرى من المسرح.)

(يمعن ستاركويذر التفكير وحاجباه معقودان. ويُفكر هوبارد مليًّا بالمثل.)

تشالمرز : لو أنني فقط كنت مُتأكدًا أن نوكس يحوز تلك الأوراق، لكنتُ أمسكت بحلقِه وانتزعتُه منه.
ستاركويذر : لا داعي لمثل هذا الكلام الأحمق يا توم. هذا الأمر بغاية الأهمية.
هوبارد : لكن نوكس لا يمتلك مالًا. والسكرتيرة الموثوقة لدى السيد ستاركويذر عالية الأجر والثمن.
ستاركويذر : هناك مَن هو أكبر من نوكس خلف هذا الأمر.

(يدخل دوبلمان يَسير بسرعة وفي حالة من الاستثارة المنضبطة.)

دوبلمان (موجهًا حديثه لستاركويذر) : هل تلقيتَ تلك البرقية يا سيدي؟

(يُومئ ستاركويذر بالإيجاب.)

لقد تحدثت تليفونيًّا مع مكتب نيويورك — مع مارتينو — مباشرة. واعتقدت أن من الأفضل أن أتابع الأمر وأخبرك.
ستاركويذر : ماذا قال مارتينو؟
دوبلمان : تبدو الملفات كاملة الترتيب ولم تُمسَّ.
ستاركويذر : الحمد لله.

(خلال حديث دوبلمان التالي، يودِّع روتلاند مارجريت ودولوريس أورتيجا ويخرج من المسرح.)

(تنهض مارجريت ودولوريس أورتيجا بعد مُغادرته بدقيقة وتتَّجهان نحو المخرج. تُلقيان نظرةً فضولية نحو الرجال الواقفين لكن دون إزعاجهم.)

(تخرج دولوريس أورتيجا من المسرح.)

(تتوقف مارجريت في المدخل للحظة، وتُلقي نظرة قلق أخيرة على الرجال ثم تغادر المكان.)

دوبلمان : لكنها ليست كذلك يا سيدي. لقد اعترفَت الآنسة ستانديش السكرتيرة. فلمدةٍ طويلة اعتادت أخذ اثنين أو ثلاثة من الخطابات والوثائق معها من المكتب في كل مرة. وقد جرى تصوير العديد من تلك الأوراق وإعادتها ثانية إلى المكتب. لكن الأوراق الأكثر أهمية احتفظتْ بها وأعادَت بدلًا منها نسخًا بارعة التقليد. يقول مارتينو إن الآنسة ستانديش نفسها لا تَعرف ولا تستطيع التأكيد أي من هذه الوثائق التي أعادتها هو الأصل وأيها التقليد.
هوبارد : نوكس لم يفعل ذلك قط.
ستاركويذر : هل قال مارتينو مَن الذي كانت الآنسة ستانديش تعمل لحسابه؟
دوبلمان : لحساب جيرست.

(ظهر الذُّعر جليًّا على وجوه الرجال الثلاثة.)

ستاركويذر : جيرست!

(يتوقَّف عن الكلام مفكرًا.)

هوبارد : إذن فالأمر في النهاية ليس بهذه الخطورة. إنَّ أقصى ما يمكن أن يفعله جيرست هو أن يصنع بها ضجة في صحيفةٍ صفراء. وسواء كانت وثائق أصلية أم لا فإن البيئة التي ستنشر فيها سوف تُشوِّهها وتُفقدها المصداقية لدى العامة.
ستاركويذر : أنا واثق أن جيرست قادر على أن يفعل أكثر من ذلك. بالتأكيد سوف يستغلها في صحيفته، لكن لن يفعل ذلك إلا بعد أن يستخدمها نوكس في خطابه. أوه، يا له من كلبٍ ماكر! ما كان ليجد لحظة أو طريقة أفضل من هذه ليوجِّه ضربة لي، وللإدارة وكل شيء. هذا كله من تخطيط جيرست. العمل على كسب الشعبية وتملُّق الجماهير. إغواء نوكس ليقوم بهذا الكشف الدراماتيكي لتلك الوثائق على أرض المجلس في مثل هذا الوقت الحرج المعلَّقة فيه الكثير من مشروعات القوانين الهامة.

(مُوجِّهًا حديثه إلى دوبلمان.)

هل أعطاك مارتينو أي فكرة عن طبيعة الوثائق المسروقة؟
دوبلمان (مُشيرًا إلى ملاحظات جلبها معه) : بالطبع لا أَعرف أي شيء عنها، ولكنه تحدث عن خطابات جوديير …

(تظهر على وجه ستاركويذر رغمًا عنه علامات خطورة المعلومات.)

وخطابات كاليدونيا، وجميع مُراسلات بلاك رايدر. وأشار أيضًا إلى …

(يعود إلى الملاحظات التي في يده.)

خطابات أستونبري وجلوتز. وكان هناك خطاباتٌ أخرى كثيرة لم يُمكن التعرُّف عليها.
ستاركويذر : هذا فظيع!

(يتمالك نفسه.)

شكرًا دوبلمان. هلَّا عدت إلى المنزل الآن على الفور. اتصل بنيويورك ثانية واعرف التفاصيل الكاملة عن الأمر. سأُتابعك قريبًا. هل معك سيارة؟
دوبلمان : معي سيارة أجرة يا سيدي.
ستاركويذر : لا بأس، كن حذرًا.

(يخرج دوبلمان.)

تشالمرز : لا أعرف ما هي قيمة كل هذه الخطابات، لكن أستطيع أن أخمِّن أهميتها، ويبدو أنها خطيرة بالفعل.
ستاركويذر (بشراسة) : خطيرة! دعني أخبرك أنه لم يحدث انكشاف لأمر بهذه الخطورة في تاريخ البلاد من قبلُ. إن هذه الوثائق تعني مئات الملايين من الدولارات. وأكثر من ذلك؛ ضياع السلطة والنفوذ. والأكثر من ذلك، أنها تعني أن الغوغاء؛ الكتلة الكبيرة من أصحاب العقول الصغيرة سيَنتفضُون ضدنا ويُدمِّرون كل ما عملته من أجلهم. يالأولئك الحمقى! يالغبائهم!
هوبارد (يهز رأسه في تشاؤم) : لا يُمكن لأحد أن يتوقَّع ما الذي سيحدث عندما يلقي نوكس ذلك الخطاب ويقدم البراهين.
تشالمرز : أمرٌ مؤسف. فالشعب قلق ومستثار بالفعل. إنهم يُستنفَرون باستمرار عبر أفواه الصحافة الراديكالية ومجلات الفضائح والغوغائيين. لقد أصبح الناس مثل البارود الذي يَنتظر شرارةً ليَنفجِر.
ستاركويذر : هذا الرجل نوكس ليس بأحمق، وإن كان حالمًا. إنه داهيةٌ مُخادع. مقاتل. ينحدر من الغرب؛ من سلالة الرواد الأوائل. قاد والدُه قطيعًا من الثيران عبر السهول إلى أوريجون. إنه يعرف كيف يلعب أوراقه، ولم تكن الظروف أبدًا لتَضع أفضل من هذه الأوراق الرابحة بين يدَيه.
تشالمرز : ولم يحدث أن واجهت شيئًا مثل هذا من قبلُ قط.
ستاركويذر : لطالما سموت فوق الوحل والركام … طاهرًا ونقيًّا ومنيعًا. لكن هذا الأمر … لقد فاق الحد! إنه الشرارة. لا يمكن لأحد أن يتنبأ بما قد يتطور إليه الوضع.
تشالمرز : تحوُّل سياسي.
ستاركويذر (يومئ بوحشية وشراسة) : قد ينتج حزبٌ جديد، حزب من الغوغائيين يُهيمنون على السلطة. قد تستولي الحكومة على ملكية السِّكك الحديدية والتلغراف. ضريبة دخل متصاعِدة لن تقل في التأثير عن مصادرة رأس المال الخاص.
تشالمرز : وكل هذا الكم الهائل من التشريعات الراديكالية؛ قانون عمالة الأطفال، وقانون مسئولية أرباب العمل الجديد، وسيطرة الحكومة على حقول الفحم في ألاسكا، والتدخل مع المكسيك. وشركة الطاقة الكبيرة التي شقيتَ أنت كثيرًا لتكوينها.
ستاركويذر : يجب ألَّا يقع هذا. إنها كارثة تفوق التصور. إنها تعني تعطيل عملية التطور الرأسمالي وتُوقفها. إنها تعني انتكاسة لعملية استغرقت عشر سنوات. إنها تعني العمل، والعمل بلا نهاية للتغلُّب على تلك النَّكسة. ولا يعني ذلك فقط تمرير كل التشريعات الراديكالية مع كل ما يترتَّب عليها من مساوئ، بل يعني أيضًا أن أيادي الغوغاء ستقبض بإحكام على مقاليد السيطرة. إنها تعني الفوضى. الخراب والبؤس لجميع الحمقى المغفلين وقطعان الجماهير المُنقادة والتي ستتلقى الضربة في مصادر وجودها ورفاهيتها.

(يدخل تومي الصغير من يسار المسرح، ومن الواضح أنه يلعب لعبة؛ حيث يجري ويبدو أن أحدًا يُلاحقه. ينوي عبور المسرح لكنه يتوقَّف حين يرى الرجال الثلاثة. ولأنهم لم يُلاحظوا وجوده، ارتدَّ على أعقابه وزحف إلى أسفل طاولة الشاي.)

تشالمرز : لا شك أن الخطابات في حوزة نوكس الآن.
ستاركويذر : ليس أمامنا الآن سوى شيءٍ واحد نقوم به؛ وهو استرجاع تلك الأوراق.

(يَنظر إلى الرجلَين بتساؤل وتشكُّك.)

(تدخُل مارجريت من اليسار وهي تُلاحق ولدها تومي بسعادة وإشراق؛ فهي تلعَب معه لعبة. تجفُل عندما ترى الرجال الثلاثة، وقد رأتهم أولًا وهي تقترب بجانب طاولة الشاي، حيث تتوقَّف فجأةً وتَستنِد بإحدى يديها على الطاولة.)

هوبارد : سأتولَّى ذلك.
ستاركويذر : لا وقت نُضيعه. في غضون عشرين ساعة من الآن سيكون في المجلس يُلقي خطابه. جرب التدابير الطفيفة أولًا. اعرض عليه الإغراءات؛ أي إغراءات. أنا أُفوِّضك للتحرُّك والتصرف نيابة عني. ستجد أن له ثمنًا.
هوبارد : وإذا لم يكن له ثمن؟
ستاركويذر : حينها يجب استرجاع الأوراق بأيِّ ثمن.
هوبارد (بتردد) : هل تعني …؟
ستاركويذر : هذا ما أعنيه تمامًا. لكن أيًّا كان الذي سيَحدث، يجب ألا يمسَّني الأمر أبدًا. هل فهمت؟
هوبارد : فهمت تمامًا.
مارجريت (تمثِّل عليهم وتتكلَّم بمرحٍ مُصطَنع) : ما الذي يتآمر عليه ثلاثتكم؟

(يجفل الرجال الثلاثة في ذهول.)

تشالمرز : نحن نرتِّب لرفع الأسعار قليلًا.
هوبارد : وبذلك سنتمكَّن من جمع وتكديس المزيد من السيارات.
ستاركويذر (غير مُنتبه إلى مارجريت، ويتجه نحو المخرج من جهة الخلف) : يجب أن أغادر الآن. هوبارد، قد علمت ما عليك فعله. وأنت يا توم، أريدك أن تأتي معي.
تشالمرز (يسأل أثناء تحرُّك الرجال الثلاثة للخروج) : إلى المنزل؟
ستاركويذر : نعم، فلدينا الكثير لنقوم به.
تشالمرز : إذن سأَرتدي ملابسي أولًا ثم ألحق بك.
(يَلتفت إلى مارجريت.) اصحبيني معك في طريقِك لحفل العشاء.

(تومئ مارجريت مُوافِقة. ويخرج ستاركويذر دون أن ينطق بشيء. يُودِّع هوبارد مارجريت ويخرج، ثم يتبعه تشالمرز.)

(تظل مارجريت واقفة مكانها، تستقرُّ إحدى يديها على المائدة والأخرى على صدرها. تفكر، تحاول أن تؤسس في ذهنها العلاقة بين نوكس وبين ما تناهى إلى سمعها من الرجال الثلاثة، وكانت في طور التوصُّل إلى استنتاجٍ مفادُه أن نوكس في خطر.)

(بعد أن انتظر تومي عبثًا أن تَكتشِف أمه مكانه، يزحف خارجًا من أسفل الطاولة بخيبة أمل ويمسك بيد مارجريت. تكاد هي لا تحسُّ بوجوده.)

تومي (بحزن) : ألم تعودي تريدين اللعب معي يا أمي؟ (مارجريت لا تردُّ عليه.)
كنت هنديًّا صالحًا.
مارجريت (تنتبه فجأةً لنفسها وتنهار باكية. تنحني وتُعانق تومي بذراعَيها، تَنتحِب لوعةً وخوفًا وحبًّا لابنها) : أوه، تومي! تومي!
(يُسدل الستار.)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤