الفصل الثالث

المنظر: المكتبة، يستخدمها ستاركويذر فيما يُشبه مكتبه في الأوقات التي يكون بها في واشنطن. يوجد باب إلى اليمين؛ وأيضًا باب إلى يمين الخلفية. على اليسار يوجد كوةٌ مُظلمة وبدون ستائر. توجد النوافذ إلى اليسار. وعلى اليسار أيضًا، بقرب النوافذ، يوجد مكتب مسطح وكرسي وهاتف. وعلى المكتب أيضًا يظهر صندوقٌ ثقيل للرسائل. في وسط مؤخر الغرفة يوجد ستارٌ كبير. وعبر وسط الجزء الخلفي للغرفة تمتد خزائن كتبٍ ثقيلة على طرازٍ قديم ولها أبوابٌ زجاجيةٌ مُتأرجِحة. ترتفع الخزائن حوالي أربعة أقدام من الأرض؛ مما يجعلها تُشكِّل رفًّا. وبين الطرف الأيسر لخزائن الكتب والكوَّة في مؤخَّر الغرفة على اليسار، توجد لوحةٌ معلَّقة على الجدار أو نقش على الفولاذ لأبراهام لينكولن. الغرفة في تصميمها وفرشها بسيطة وليست كثيرة الزخرفة، جامدة بصورةٍ باردة وقديمة الطراز بعض الشيء.

الساعة الآن التاسعة والنصف من صباح اليوم التالي للفصل السابق.

(يُفتح الستار ويظهر ستاركويذر جالسًا إلى المكتب ودوبلمان يقف إلى يمين المكتب.)

ستاركويذر : لا بأس، رغم أنها صحيفة غير مهمَّة. سأشترك.
دوبلمان (يضع ملاحظة على لوح يمسك به) : حسنًا يا سيدي. هذه ألفان.

(وهو يتفحَّص دفتره.)

بعد ذلك مجلة «فاندرووتر»، قد حان استحقاق اشتراكك.
ستاركويذر : كم ندفع لهم؟
دوبلمان : تدفع لهم خمسة عشر ألفًا.
ستاركويذر : هذا كثير جدًّا. كم يبلغ قدر الاشتراك الاعتيادي؟
دوبلمان : دولارًا واحدًا فقط في السنة.
ستاركويذر (يهز رأسه بتأكيد) : ما ندفعه كثير جدًّا.
دوبلمان : لكن البروفيسور فاندرووتر أيضًا يحسن العمل في محاضراته. وهو يحاضر بانتظام في دورات تشاتاكوا، وكانت خطبته في المؤتمر الكبير للاتحاد المدني الوطني معبرة بشكلٍ استثنائي.
ستاركويذر (متحيرًا وعلى وشك الاستسلام) : لا بأس …

(ثم يتوقَّف عن الكلام وكأنه تذكر شيئًا ما.)

(بدأ دوبلمان يُدوِّن الملحوظة.)

لا. لقد تذكرتُ أن ثمة شيئًا في الصحف عن البروفيسور فاندرووتر هذا … شيء عن طلاق، أليس كذلك؟ لقد أضعف نفوذه وفائدته بالنِّسبة لي.
دوبلمان : كان خطأ زوجته.
ستاركويذر : ليس مهمًّا خطأ من. لقد انخفضت قيمتُه. خفض ما ندفعه له إلى عشرة آلاف. هذا سيُلقِّنه درسًا.
دوبلمان : حسنًا يا سيدي.
ستاركويذر : والعشرون ألفًا المعتادة لمجلة كارترايت.
دوبلمان (بتردد) : لقد طلبوا المزيد. لقد وسعوا المجلة وأعادوا تنظيم الأصول وطاقم العمل وكل شيء.
ستاركويذر : هوبارد يكتب فيها، صحيح؟
دوبلمان : نعم يا سيدي. وبرغم أنني غير متأكِّد لكن ثمة همسات بأنه أحد المساهمين الكبار في المجلة.
ستاركويذر : إنه رجل واسع الحيلة. وقد كان ذا نفعٍ كبير. كم يريدون؟
دوبلمان : يقولون إنَّ سلسلة مقالات نيتمان تُكلفهم وحدها اثني عشر ألفًا، وإنهم يعتقدون — في ضوء الخدمة الاستثنائية التي هم مُستعدون لتقديمها والتي يقدمونها بالفعل — أن خمسين ألفًا …
ستاركويذر (باقتضاب) : حسنًا. كم منحت لجامعة هانوفر هذا العام؟
دوبلمان : سبعة إلى تسعة ملايين، من ضمنها تلك المكتبة الجديدة.
ستاركويذر (متنهدًا) : التعليم فعلًا مُكلِّف. هل هناك أي شيءٍ آخر هذا الصباح؟
دوبلمان (يُراجع دفتره) : بندٌ واحد فقط؛ السيد روتلاند. كنيسته كما تعلم يا سيدي، وتلك الكلية اللاهوتية التابعة لها. أخبرني أنه تحدَّث معك بخصوصها. إنه يَتطلَّع إلى معرفة الرد.
ستاركويذر : إنه فطن جدًّا … أقرُّ بذلك. خمسون ألفًا للكنيسة ومائة ألف للكلية … أريد أن أسألك بصراحة، هل يستحق ذلك المال؟
دوبلمان : الكنيسة من أقوى عوامل تشكيل الرأي العام، والسيد روتلاند مُثير جدًّا للإعجاب.

(يتصفَّح دوبلمان دفتره ويخرج قصاصة ورق.)

وهذا ما قاله في عظته قبل أسبوعين: «لقد وهَب الله السيد ستاركويذر موهبة جني المال مثلما وهب آخرين العبقرية التي تتجلَّى في الأدب والفنون والعلوم.»
ستاركويذر (مسرورًا) : إنه مفوَّه.
دوبلمان (يستخرج قصاصةً أخرى) : وهذا ما قاله عنك في عِظَة الأحد الماضي: «نحن اليوم نسعد ونبتهج بضياء تكريس ثروةٍ عظيمة من أجل تقدم الجنس البشري. هذه الثروة العظيمة كرسها رجل يسير طوال حياته تبعًا لمقولة: حب المسيح يُسيرني ويقودني.»
ستاركويذر (بتأملٍ عميق) : لطالما ابتغيت الخير يا دوبلمان. أنا أبتغي الخير. وسأظل أبتغيه دائمًا. أنا أعتقد أنني أحد أولئك الرجال القلائل الذين منَحهم الله — بعظيم حكمته اللامحدودة — هبة إدارة ثروة الشعب. إنها لثقةٌ رفيعة، وبرغم الإساءة وتشويه السمعة اللذين يَنهالان عليَّ، فإنني سأظل وفيًّا لهذه الثقة.
(يُغيِّر نبرة صوته فجأة إلى نبرة الأعمال النشيطة.) رائع! احرص على أن يحصل السيد روتلاند على كل ما يُريده ويطلبه.
دوبلمان : حسنًا يا سيدي! سأُحادثه على الهاتف. أعلم أنه مُتلهِّف ليسمع منا.

(يَشرع في مُغادرة الغرفة)

هل أقوم بإصدار الشيكات بالطريقة المعتادة؟
ستاركويذر : نعم، باستثناء الخاص بروتلاند فسأوقعه بنفسي. دع الشيكات الأخرى تمرُّ عبر القنوات المعتادة. سنستقلُّ قطار الثانية وعشر دقائق إلى نيويورك. هل أنت جاهز؟
دوبلمان (يُشير إلى صندوق الرسائل) : جاهز بكل شيء باستثناء صندوق الرسائل.
ستاركويذر : سأهتم به بنفسي.

(يبدأ دوبلمان في الخروج من جهة اليسار، ويُخرج ستاركويذر دفترًا من جيبه وينظر فيه ثمَّ يرفع رأسه.)

ستاركويذر : دوبلمان.
دوبلمان (يتوقف) : أمرك سيدي.
ستاركويذر : السيدة تشالمرز هنا، أليس كذلك؟
دوبلمان : أجل سيدي. وصلت قبل بضع دقائق، ومعها ابنها الصغير. وهما مع السيدة ستاركويذر الآن.
ستاركويذر : من فضلك أخبر السيدة تشالمرز أنني أرغب في رؤيتها.
دوبلمان : أمرك سيدي.

(يخرج دوبلمان.)

(تدخل خادمة مِن يمين مؤخَّر المسرح تحمل صينية عليها بطاقة.)

ستاركويذر (يتفحَّص البطاقة) : أدخليه.

(تخرج الخادمة من حيث جاءت.)

(برهة صمت يتفقَّد خلالها ستاركويذر دفتره.)

(تعاود الخادمة الدخول مصطحبة معها هوبارد.)

(يتقدَّم هوبارد نحو المكتب.)

(ستاركويذر سعيد جدًّا لرؤيته لدرجة أنه كاد يقوم من كرسيه ليُصافحه بيده.)

ستاركويذر (بحرارة) : لا يسعني سوى أن أخبرك أن ما قمت به كان رائعًا. أراحتني جدًّا مكالمتك الهاتفية بالأمس. أين هي؟
هوبارد (يَسحب حزمة المستندات من جيب صدريته ويناولها لستاركويذر) : ها هي — بكاملها. لقد حالفني الحظ.
ستاركويذر (يفتح الحزمة ويَنظر في عدد من المستندات بينما يتحدَّث) : أنت مُتواضع يا سيد هوبارد. الأمر تطلب أكثر، أكثر من مجرد حظ طيب. لقد تطلب، تطلب كفاءة لا تركن إلى حلٍّ وسط. كان الوقت قصيرًا. وكان عليك أن تُفكِّر، وتتحرك بسرعةٍ كبيرة، أكبر من أن تكون مجرَّد حظ طيب.

(يَنحني هوبارد له، بينما يُعيد ستاركويذر ترتيب الحزمة.)

ولا حاجة لأن أخبرك كم أنا ممتنٌّ لخدمتك! لقد زِدتُ اشتراكي في كارترايت إلى خمسين ألفًا، وسأخبر دوبلمان كي يرسل لك عرفانًا وجيهًا يفوق مجرَّد شكري لك على الخدمة التي لا تُقدَّر بثمن والتي قدمتَها لي.

(ينحني له هوبارد.)

هل … هل قرأت المستندات؟
هوبارد : ألقيت عليها نظرةً خاطفة. هي بلا شك خطيرة. ولكننا جرَّدنا نوكس من أسلحته. وبدون هذه الوثائق، فإنَّ خطابه ظهر اليوم سيكون مهزلة؛ مجرَّد عواء هزلي. لكن احرص على أن تتولى أمرها جيدًا. (مشيرًا إلى الوثائق التي كان ستاركويذر لا يزال ممسكًا بها.) فإن لجيرست أياديَ طويلة.
ستاركويذر : لن يستطيع الوصول إليها هنا. إلى جانب أنني سأذهب إلى نيويورك اليوم وسآخُذُها معي. اعذرني يا سيد هوبارد … (يبدأ في تعبئة صندوق الرسائل بالأوراق والرسائل الموجودة على المكتب.) أنا جد مشغول.
هوبارد (يفهم تلميح ستاركويذر) : لا بأس، فهمت. سأنصرف الآن. يجب أن أكون في النادي في غضون خمس دقائق.
ستاركويذر (أثناء تعبئة الصندوق، يضع حزمًا بعينِها من الأوراق وعدة دفاتر حسابات من الحجم المتوسط على أحد جوانبه بصورةٍ منظَّمة. ويتكلَّم أثناء ذلك وهوبارد يَنتظر) : سأودُّ الحديث معك أكثر في نيويورك. عندما تكون بالمدينة المرة القادمة احرص على الحضور لمقابلتي. أنا أفكر في شراء مجلة «بارثينون» وتغيير سياستها. أودُّ أن تتفاوَض على ذلك، كما أن هناك أشياء أخرى هامة أيضًا أريد أن أتكلَّم معك بشأنها. طاب يومك سيد هوبارد. أراك في نيويورك … قريبًا.

(يتصافح هوبارد وستاركويذر.)

(يشرع هوبارد في الخروج من يَمين المؤخَّر.)

(تدخل مارجريت مِن يمين المؤخَّر.)

(يستمر ستاركويذر في تعبئة صندوق الرسائل طوال المشهد القادم.)

هوبارد : سيدة تشالمرز.

(يمدُّ يده إلى مارجريت فتُسلِّم عليه ببرُود، وبالكاد تومئ برأسها تُحيِّيه، وتشرَع في تجاوزه.)

(يتحدَّث هوبارد فجأة وبفظاظة.)

هوبارد : لا داعي لأن تكوني بهذا التعالي والتعجرُف يا سيدة تشالمرز.
مارجريت (تتوقَّف وتنظر إليه بفضول كما لو أنها تُحاول التأكد من كونه مخمورًا) : لستُ أفهمك!
هوبارد : لطالَما عاملتِني بهذه الطريقة، لكن قد فات أوان ذلك. ولن أتحمَّل ثانية قيَمك الأخلاقية المتعالية بعد الآن. لقد كنتِ تُثيرين إعجابي باستقامتك هذه لفترةٍ طويلة، وكنتِ تجعلينَني أستصغر نفسي. لكني على دراية أكثر بالأمور الآن. يا لها مِن لعبة كنتِ تلعبينها … بينما أنت مثل أي امرأةٍ أخرى! تَعرفين أين كنتِ ليلة أمس. كما أعرف أنا ذلك.
مارجريت : أنت وقح.
هوبارد (بإصرار) : قلت لكِ إنني أعرف أين كنتِ ليلة أمس. والسيد نوكس يعرف أيضًا أين كنتِ. لكني أراهن أن زوجَكِ لا يعلم شيئًا.
مارجريت : أنت تتجسَّس عليَّ!

(وتشير إلى والدها.)

وأفترض أنك أخبرته.
هوبارد : ولماذا أفعل ذلك؟
مارجريت : أنت صنيعته.
هوبارد : إن كان ذلك سيخفِّف من توتُّرك، فدعيني أخبرك أنني لم أقل له شيئًا. لكني أطلب منك بجدية أن تتعاملي معي … بلطفٍ أكثر.

(لا تُبدي مارجريت أي إشارة، لكنَّها تجتازه متجاهلة إياه تمامًا.)

(يُحدِّق هوبارد فيها بغضب ثم يخرج.)

(ستاركويذر يُنهي تعبئة الصندوق فيضع المستندات فيه أخيرًا ثم يغلقه ويقفله بالمفتاح. وإلى أحد جوانب الصندوق توجد عدة دفاتر حسابات وحزم من الأوراق.)

ستاركويذر : صباح الخير يا مارجريت. أرسلتُ في طلبك لأنَّنا لم نُنهِ حديثنا الليلة الماضية. اجلسي.

(تأخذ مقعدًا وتجلس.)

لطالما كان من الصعب التعامل معكِ يا مارجريت. فلديك من الإرادة أكثر من أي امرأة. ومع ذلك فقد بذلت قصارى جهدي من أجلك. كان زواجك من توم مبشِّرًا للغاية؛ نجمه صاعد وذو أصلٍ كريم ومهذَّب ومُناسِب لك كثيرًا …
مارجريت (تقاطعه بمرارة) : لا أعتقد أنك كنت تفكر في ابنتك على الإطلاق في هذه المسألة. أنا أعرف آراءك حول المرأة ومكانة المرأة. ولم يكن لي وزن عندك قط. وكذلك أمي وكوني حين تكون الأعمال هي قمَّة اهتماماتك وصدارتها، وهي كذلك دائمًا بالنسبة لك. أحيانًا أتساءل إن كنتَ تؤمن أن للمرأة روحًا. أما بالنسبة إلى زواجي؛ فقد رأيتَ أن توم يمكن أن يكون ذا عون لك. وهو بالفعل يَمتلك مختلف النقاط المميزة التي ذكرتَها عنه. لكن الأفضل من ذلك أنه كان طيِّعًا مرنًا، قابلًا لأن يتقَولب بما يناسب أداء أعمالك والتلاعب بالآلة السياسية ويُدبِّر لك التشريعات التي ترغب. لم يكن يشغل بالك أي نوع من الأزواج سيكون لابنتك التي لم تكن تعرف شيئًا عنها. لكنَّك أعطيت ابنتك له … بعتها له لأنك تحتاج إليه …

(تضحك بهستيرية)

في أعمالك.
ستاركويذر (بغضب) : مارجريت! يجب ألا تتكلَّمي بهذه الطريقة.

(ثم يهدأ)

آهٍ، أنت لا تتغيَّرين. لطالَما كنتِ على هذا النحو، دائمًا تُصرِّين على تنفيذ إرادتك …
مارجريت : لكم تمنَّيت من الله لو أكون ناجِحة في تنفيذ إرادتي!
ستاركويذر (بعنفٍ وشراسة) : كل هذا حديث لا طائل منه. لقد أرسلت إليكِ لأقول إنه لا بدَّ من وضع حد … لعلاقتك مع رجلٍ من نوع وشخصية نوكس … رجل واهم ونصَّاب ووغد …
مارجريت : لا داعي لأن تسيء إليه.
ستاركويذر : يجب أن يوضع حد … هذا كل شيء. هل تفهمين؟ يجب أن تنتهي.
مارجريت (بهدوء) : لقد انتهت. وأشكُّ في أنني سأراه مرةً أخرى. وهو لن يأتي إلى منزلي مرةً أخرى على أيِّ حال. هل أنتَ راضٍ الآن؟
ستاركويذر : راضٍ تمامًا. بالطبع أنتِ تعلَمين أنني لم يُساورني أي شك فيكِ قط بهذا … بهذا الشَّكل.
مارجريت (بهدوء) : يا لقلَّة ما تعرفه عن النساء! نحن في فهمِك مجرَّد كائناتٍ آلية، دُمًى خشبية لا تملك قلبًا ولا رغبات تخصُّها، وليس لهنَّ مصدر لسلوكهنَّ باستثناء ذلك النوع العفيف المتزمِّت الذي بلورَتْه نيو إنجلاند منذ نحو قرنٍ مضى.
ستاركويذر (بارتياب) : هل تَقصدين أنكِ وهذا الرجل …؟
مارجريت : أقصد أنه لم يحدث بيني وبينه أي شيء. أقصد أنَّني زوجة توم وأم تومي. ما أقصده أنك لا تفهمُني بأكثر مما كنت … أو أي امرأةٍ أخرى.
ستاركويذر (بارتياح) : هذا جيد.
مارجريت (تستطرد) : والأمر سهلٌ جدًّا. المبدأ بسيط. المرأة كائنٌ بشري. هذا كل ما في الأمر. مع ذلك أعتقد أن هذا جديد عليك.

(يدخل دوبلمان من جهة اليمين يَحمل في يدَيهِ شيكًا. وكان ستاركويذر على وشك الكلام لكنَّه يتوقف.)

(يتردَّد دوبلمان، ويُومئ له ستاركويذر بأن يتقدم.)

دوبلمان (يحيِّي مارجريت ويُوجِّه كلامه لستاركويذر) : هذا الشيك. قلتَ إنك تُريد توقيعه بنفسك.
ستاركويذر : نعم، الشيك الخاص بروتلاند. (يُفتِّش عن قلم.)
(يُقدِّم له دوبلمان قلمه الحبر.) لا؛ أريد قلمي الخاص.

(يفتح قفل صندوق الرسائل ويأخذ قلمه ويُوقِّع الشيك. يترك الصندوق مفتوحًا.)

(دوبلمان يأخذ الشيك ويخرج من جهة اليمين.)

ستاركويذر (يَلتقط وثائق من فوق كومة داخل الصندوق المفتوح) : ذلك المدعو نوكس. تَفكَّرتُ بأمرِه أمس. إنه رجل يَملك طاقةً كبيرة وله مُثُلٌ عليا. لكنه للأسف عاطفي. هو يَرنُو إلى الصواب … أعترف له بذلك. لكنَّه لا يَفهم الملابسات الفِعلية. إنه أكثر خطرًا على رفاهة الولايات المتَّحدة من عشرة آلاف من دعاة الفوضى. وهو غير عمَلي.

(يرفع الوثائق في يده.)

انظري، سُرقت هذه من ملفاتي الخاصة بيد لصٍّ تابع لإحدى الصحف الصفراء، وجرى تسليمها لنوكس. كان يظنُّ أنه سيدعم بها خطابه أمام المجلس ظهر اليوم. ومع ذلك فإنه واهمٌ وغير عملي بصورة ميئوس منها، بحيث عادَت كما ترين إلى يد مالكها الشرعي.
مارجريت : إذن طال الإفلاس خطابه؟
ستاركويذر : تمامًا. وقد أوشكَتِ الأمور على التكشُّف. سيطرده شعب الولايات المتحدة الصالح مصحوبًا بالضحكات المدوية … تلك عبارة حسنة: هي لهوبارد بحسب ما أعتقِد.

(يُسقِط الوثائق على غطاء الصندوق المفتوح، ويلتقط كومة من عدة دفاتر حسابات وحزم من الأوراق وينهض.)

لحظةً واحدة. يجب أن أضع هذه جانبًا.

(يذهب ستاركويذر إلى الكوة في يسار مؤخَّر المسرح؛ يضغط زرًا فتضيء الكوة بمصباحٍ كهربائي كاشفًا عن وجه خزانةٍ كبيرة. وخلال المشهد التالي لا يتلفت حوله بسبب انشغاله التام بإدخال توليفة أرقام فتح الخزانة، ويفتحها ويضع فيها دفاتر الحسابات وحزم الأوراق ويتفقد حزمًا أخرى موجودة داخل الخزنة.)

(تنظر مارجريت نحو الوثائق على غطاء صندوق الرسائل المفتوح وتُلقي نظرة سريعة على الغرفة حولها وتتَّخذ قرارًا مفاجئًا. تستولي على الوثائق وتكون على وشك الهرب من الغرفة، ثم تتوقَّف فجأةً لتُعيد التفكير، وتغير رأيها. تنظر في أرجاء الغرفة بحثًا عن مكان يَصلح للإخفاء، وتستقرُّ عيناها على صورة لينكولن. تتحرَّك سريعًا وتلتقط كرسيًّا خفيفًا في طريقها للوحة، وتذهب إلى زاوية خزانة الكتب القريبة من اللوحة، تقف على الكرسي ومنه إلى حافة خزانة الكتب حيث تتشبث بها وتمد يدها وتُسقط الوثائق خلف اللوحة. تنزل بسرعة ثم تمسح الحافة التي وقفت عليها بمنديل، وكذلك مقعد الكرسي. بعد ذلك تحمل الكرسي عائدة به إلى حيث وجدته وتجلس على المقعد المجاور للمكتب.)

(يغلق ستاركويذر الخزانة، ويخرج من الكوة ويُطفئ الضوء ثم يتقدم نحو مقعد المكتب ويجلس. كان على وشك أن يُغلق الصندوق عندما اكتشف اختفاء المستندات. تصرف بهدوءٍ شديد حيال الأمر ومضى يتفقَّد محتويات الصندوق بعناية.)

ستاركويذر (بهدوء) : هل دخل أي أحد للغرفة؟
مارجريت : لا.
ستاركويذر (ينظر إليها بتمعُّن) : حدث شيء غير مسبوق تمامًا. عندما ذهبت للخزانة قبل لحظة تركت تلك الوثائق على غطاء الصندوق. ولم يَدخل أحد إلى الغرفة سواكِ. والآن اختفت الوثائق. سلميها لي.
مارجريت : أنا لم أخرج من الغرفة.
ستاركويذر : أنا أعلم ذلك. سلِّميها لي.
(سكوت.) إنها بحوزتِك. سلِّميها لي.
مارجريت : ليسَت بحوزتي.
ستاركويذر : هذا كذب. سلِّميها لي.
مارجريت (تنهض) : أخبرتُكَ أنها ليسَت بحوزتي …
ستاركويذر (ينهض هو الآخر) : تكذبين.
مارجريت (تستدير وتشرَع في الانتقال عبر الغرفة) : حسنًا، ما دمت لا تصدقني …
ستاركويذر (مقاطعًا) : إلى أين تذهبين؟
مارجريت : إلى البيت.
ستاركويذر (بلهجةٍ آمرة) : لا، لن تذهبي. عودي إلى هنا.

(تعود مارجريت وتقف بجوار الكرسي.)

لن تغادري هذه الغرفة. اجلسي.
مارجريت : أُفضِّل أن أظل واقفة.
ستاركويذر : اجلسي.

(تظلُّ واقفة ويُمسك هو بذراعها ويُجبرها على الجلوس في المقعد)

قلت اجلسي. ستعيدين الوثائق لي قبل أن تُغادري هذه الغرفة. هذا الأمر أهم مما تظنِّين. إنه يفوق كل شيءٍ عادي عن الحياة كما تعرفينها، وستُجبرينني على فعل أشياء أقسى بكثير مما يُمكن أن تتخيلي. يُمكن أن أنسى أنكِ ابنتي. أنكِ امرأة. وإذا ما اضطُررتُ إلى تمزيقِك للحصول عليها فسأفعل. ردِّيها إليَّ.

(سكوت.)

ماذا تنوين أن تفعلي؟

(تهزُّ مارجريت كتفَيها.)

ما هو ردك؟

(تهزُّ كتفَيها مرة أخرى.)

بماذا ستردين؟
مارجريت : لا شيء.
ستاركويذر (مُتحيِّرًا، يُغيِّر أسلوبه ونهجه، يجلس ويتكلم معها بهدوء) : لنتحدث في الأمر بهدوء. ليس لديكِ أدنى حق من أي نوع في هذه المُستندات. إنها ملكي. لقد سُرقت بيد لصٍّ من بين ملفاتي الخاصة. ولم أستردَّها سوى هذا الصباح … قبل دقائق معدودة. إنها مِلكي كما أُخبرُك. تخصُّني. ردِّيها إليَّ.
مارجريت : أؤكِّد لك أنها ليست بحوزتي.
ستاركويذر : إنها بحوزتكِ بمكانٍ ما، أو مدسوسة في صدرك. لن تُنقذكِ هذه المستندات. وأؤكد لكِ أنني سأستعيدها. أنا أحذركِ. لا أريد أن أشرع في إجراءاتٍ متطرفة. ردِّيها إليَّ.

(يُبادر لضغط زر في المكتب، ثم يتوقف وينظر إليها)

ما قولك؟

(تهز مارجريت كتفيها.)

(يَضغط الزر مرتين.)

لقد أرسلت في طلب دوبلمان. لديكِ فرصةٌ واحدة قبل أن يصل. ردِّيها إليَّ.
مارجريت : هلا صدقتني يا أبي ولو هذه المرة فقط؟ خلِّ عني. أؤكِّد لك أنها ليست بحوزتي. أؤكِّد لك أنها لن تكون معي إذا ما تركتَني أغادر هذه الغرفة. أقسم لك بشرفي. هلا صدَّقتَني؟ أخبرني أنك تُصدِّقني.
ستاركويذر : أصدقك. أنتِ تقولين إنكِ لا تَحملينها معك. وأنا أصدقك. والآن أخبريني عن مكانها … لقد خبأتِها في مكانٍ ما …

(يجول بناظرَيه في الغرفة.)

ويُمكنك أن تذهبي فورًا.

(يدخل دوبلمان من جهة اليمين ويتقدم نحو المكتب. يظل ستاركويذر ومارجريت صامتين.)

دوبلمان : لقد استدعيتني يا سيدي.
ستاركويذر (يُلقي نظرة تساؤل أخيرة على مارجريت التي تَعتصِم بالصمت) : أجل، فعلت. هل كنتَ في الغرفة الأخرى طوال الوقت؟
دوبلمان : أجل سيدي.
ستاركويذر : هل مرَّ عليك أي أحد ودخل إلى هنا؟
دوبلمان : لا يا سيدي.
ستاركويذر : ممتاز. والآن سنَنظر ما تقول الخادمة.
(يضغط الزر مرةً واحدة) مارجريت، أنا أمنحكِ فرصةً أخيرة.
مارجريت : أخبرتُكَ أنني إذا غادرت هذه الغرفة فلن تكون معي.

(تدخل الخادمة من يمين المؤخَّر وتتقدم نحوهم.)

ستاركويذر : هل دخل أي أحد إلى هذه الغرفة من القاعة في الدقائق القليلة الماضية؟
الخادمة : كلا يا سيدي؛ ليس مذ حضرت السيدة تشالمرز.
ستاركويذر : وكيف تتأكدين من ذلك؟
الخادمة : كنت في القاعة سيدي، أنفُض الغبار طوال الوقت.
ستاركويذر : هذا يكفي.

(تخرج الخادمة من حيث جاءت.)

وقع خطب غير مألوف جدًّا يا دوبلمان. كنت أنا والسيدة تشالمرز وحدنا في هذه الغرفة. وتلك الخطابات التي سرقها جيرست أعادها هوبارد قبل ذلك بلحظات. كانت على مكتبي. وقد أوليتها ظهري هنيهة حيث ذهبتُ إلى الخزانة. وعندما عدت وجدتها قد اختفت.
دوبلمان (بحرج) : وبعد سيدي.
ستاركويذر : لقد استولَت عليها السيدة تشالمرز، وهي بحوزتها الآن.
دوبلمان (يُحاول الكلام فيتلعثم) : آه … ممم … وبعدُ سيدي.
ستاركويذر : أريد استعادتها. ما العمل؟

(يظلُّ دوبلمان في ارتباك شديد.)

ستاركويذر (صائحًا) : ماذا؟
دوبلمان (يتكلَّم بسرعة يحدوه الأمل) : أرسل … أرسل إلى السيد هوبارد. هو أعادَها لك من قبلُ.
ستاركويذر : اقتراح جيد. اتصل بهوبارد. سيكون في نادي الصحافة.

(يهمُّ دوبلمان بالخروج جهة اليمين.)

ستاركويذر : لا تغادر الغرفة واستعمل هذا الهاتف. (يُشير إلى الهاتف على المكتب.)

(يلتفُّ دوبلمان جهة يسار المكتب ويستخدم الهاتف وهو واقف.)

ستاركويذر : من الآن فصاعدًا لن يُغادر أحد هذه الغرفة. وإذا كان من المحتمل أن ابنتي قد ارتكبت هذه السرقة، فمن الواضح أنني لا أستطيع الوثوق بأحد.
دوبلمان (يتحدَّث في التليفون) : أحمر ٦-٢-٤. أجل من فضلك.

(ينتظر.)

ستاركويذر (ينهض) : اتصل أيضًا بالسيناتور تشالمرز. قل له أن يأتيَ على الفور.
دوبلمان : أمرك سيدي … فورًا.
ستاركويذر (يشرع في عبور المسرح إلى الوسط ويتحدث إلى مارجريت) : تعالَي إلى هنا.

(تَمتثِل مارجريت. مُذعِنة ومُرتعبة ومكبوتة للغاية، لكن بعزيمة لا تلين.)

لماذا فعلتِ ذلك؟ هل كنتِ صادقة عندما قلتِ إنه لا يُوجد شيء بينكِ وبين هذا المدعو نوكس؟
مارجريت : أبي، لا تَطرح هذا الأمر للنقاش أمام …
(تُشير إلى دوبلمان.) … أمام الخدم.
ستاركويذر : كان يَنبغي بك أن تُفكِّري في ذلك قبل أن تَسرقي المستندات.

(في ذلك الوقت كان دوبلمان يُجري اتصالًا بالهاتف ويتحدث بصوتٍ منخفض.)

مارجريت : يجب أن تحفظ كرامتي …
ستاركويذر (مقاطعًا) : لا كرامة للص.
(يتحدَّث بحدة وبصوتٍ مُنخفِض.) مارجريت، لم يَفُت الأوان بعدُ. ردِّي الخطابات ولن يَعلم أحد بما حدث.

(سكوت لبرهة، تقف فيها مارجريت صامتة تُعاني التردُّد.)

دوبلمان : السيد هوبارد يقول إنه سيكون هنا خلال ثلاث دقائق. ولحُسنِ الحظ فإن السيناتور تشالمرز معه.

(يُومئ ستاركويذر برأسه وينظر إلى مارجريت.)

(يَنفتِح الباب على يسار مؤخَّر الغرفة وتدخل السيدة ستاركويذر وكوني. تَرتديان ملابس الخروج ومن الواضح أنهما كانتا على وشك الخروج من المنزل.)

السيدة ستاركويذر : نحن على وشك الخروج يا أنتوني. كنتَ مخطئًا في دفعنا لمحاولة أخذ قطار الثانية وعشر دقائق. ببساطة لا أستطيع اللحاق به. أعلم أننا لن نستطيع ذلك. لربما كان من الحكمة أكثر أن …
(فجأة تُدرك توتُّر الموقف بين ستاركويذر ومارجريت.) ماذا هناك، ما الأمر؟
ستاركويذر (يبدو عليه الانزعاج من دخولهما، ويتحدَّث إلى دوبلمان الذي انتهى من الحديث بالهاتف) : أَوصِد الأبواب.

(يُبادر دوبلمان لتنفيذ الأمر.)

السيدة ستاركويذر : الرحمة! يا أنتوني! ماذا حدث؟

(سكوت.)

السيدة ستاركويذر : مادج! ماذا حدث؟
ستاركويذر : سيتعيَّن عليكِ الانتظار هنا لبضع دقائق، هذا كل شيء.
السيدة ستاركويذر : لكن يجب أن أفي بالتزاماتي. وليس لديَّ ولو دقيقة أضيعها.
(تنظر إلى دوبلمان يغلِّق الأبواب.) لستُ أفهم ما يجري.
ستاركويذر (بتجهم) : ستعرفين قريبًا. لم أعد أستطيع الثقة بأحد بعد الآن. عندما ترى ابنتي أن من الملائم أن تسرق …
السيدة ستاركويذر : تَسرق … مارجريت! ماذا فعلتِ يا مارجريت؟
مارجريت : أين تومي؟

(السيدة ستاركويذر مرتبكة جدًّا ولا تستطيع الرد عليها، ولا تملك سوى التحديق في وجهها.) (تُحوِّل مارجريت نظرها نحو كوني وهي قَلِقة.)

كوني : إنه بالسيارة الآن ينتظرنا. أنتِ ستأتين معنا، أليس كذلك؟
ستاركويذر : دعيه ينتظر بالسيارة. وستأتي مارجريت حين أنتهي من التعامُل معها.

(يُسمع طرق جهة يمين مؤخر المسرح.)

(ينظر ستاركويذر نحو دوبلمان ويشير إليه أن يفتح الباب.)

(يفتح دوبلمان الباب ويدخل هوبارد وتشالمرز. وبعد تبادل الإيماءات المُقتضَبة والنظرات السريعة، تُختصر التحيات بسبب التوتر البادي على الجميع. ويُعيد دوبلمان إيصاد الباب.)

ستاركويذر (يدخل في الموضوع مباشرة) : اسمع يا توم. أنت تعرف تلك الرسائل التي سرَقها جيرست. لقد استعادها السيد هوبارد من نوكس وأعادها لي هذا الصباح. وفي غضون خمس دقائق سرَقَتْها مارجريت مني … هنا في هذه الغرفة. وهي لم تُغادر الغرفة. إنها الآن بحوزتها. وأنا أريدها.
تشالمرز (الذي من الواضح عليه أنه لا يَستطيع التعامل مع زوجته، والذي يَلهث لالتقاط أنفاسه، ويده مغلولة إلى جانبه) : مادج، هل هذا صحيح؟
مارجريت : ليسَت بحوزتي. أؤكِّد لك أنها ليست بحوزتي.
ستاركويذر : أين هي إذن؟

(لا تُجيبه مارجريت.)

يمكننا العثور عليها لو كانت بالغرفة. فتِّشوا الغرفة. يا توم، ويا سيد هوبارد ويا دوبلمان. يجب استعادتها بأي ثمن.

(وبينما يجري تفتيش الغرفة تفتيشًا دقيقًا، تساعد كوني السيدة ستاركويذر التي صعقها الموقف بالجلوس على اليسار. تجلس مارجريت على نفس الكرسي المُجاوِر للمكتب.)

تشالمرز (يتوقف عن البحث، بينما يواصل الآخرون بحثهم) : ليس ثمَّة مكان للبحث عنها فيه. إنها ليست بالغرفة. هل أنت متأكد أنك لم تُضيِّعها؟
ستاركويذر : هراء. لقد أخذتها مارجريت. إنها حزمة ضخمة وليس من السهل إخفاؤها. وإذا لم تكن بالغرفة فبالتأكيد هي تحملها معها.
تشالمرز : مادج، سلِّميها له.
مارجريت : ليست معي.

(يخطو تشالمرز نحوها فجأةً ويبدأ في تحسُّس جسدها بحثًا عن الأوراق.)

مارجريت (تقفز على قدمَيها وتلطمُه على وجهِه بكفٍّ مفتوح) : كيف تجرؤ!

(يتراجع تشالمرز، وتوشك السيدة ستاركويذر أن تُصاب باضطرابٍ عصبي فتُهدِّئ كوني المرتعبة من روعها، بينما يُراقب ستاركويذر بتجهم.)

هوبارد (يتوقَّف عن البحث في الغرفة) : ربما من الأفضل أن تسمح لي بالانسحاب يا سيد ستاركويذر.
ستاركويذر : لا؛ هذه الأوراق موجودة في هذه الغرفة. وإذا لم يُغادر أي شخص المكان فلن تسنَح الفرصة لأن تخرج الأوراق من الغرفة. ما الذي تنصح بفعله يا هوبارد؟
هوبارد (بتردُّد) : لا يروق لي في ظل هذه الظروف أن أقترح …
ستاركويذر : أكمل!
هوبارد : أولًا، يجب أن أتأكَّد من أن السيدة تشالمرز … من أنها أخذتها.
ستاركويذر : تأكَّدتُ أنا من ذلك.
تشالمرز : لكن ما الدافع الذي يُمكن أن يجعلها تأتي على فعل ذلك؟

(يبدو على هوبارد أنه مُطَّلع على أمرٍ ما.)

ستاركويذر (موجهًا كلامه لهوبارد) : أنت تَعرف عن الأمر أكثر مما قد يبدو. ما الأمر؟
هوبارد : أُفضِّلُ ألا أتكلَّم؛ الأمر غاية في …
(ينظر نحو السيدة ستاركويذر وكوني) … في غاية الحساسية.
ستاركويذر : قد تجاوز هذا الشأن كل حساسية. ما الخطب؟
مارجريت : لا! لا!

(ينظر إليها تشالمرز وستاركويذر بارتياب مُفاجئ.)

ستاركويذر : تحدَّث يا سيد هوبارد.
هوبارد : أُفضِّل … ألا أفعل.
ستاركويذر (بشراسة) : قلتُ لك تحدث.
هوبارد (بتردُّد مُصطَنع) : الليلة الماضية … رأيت … كنتُ في غرفة نوكس …
مارجريت (مقاطعة له) : لحظة واحدة من فضلكم. دعه يتحدَّث ولكن قبل ذلك اصرف كوني.
ستاركويذر : لن يُغادِر أحد هذه الغرفة حتى تظهر الوثائق. مارجريت، سلميني الخطابات وعندها يمكن لكوني أن تغادر الغرفة بسلام، بل وستظل شفاه هوبارد مُطبقة أيضًا. لن يَنبس أحد أبدًا بكلمة عن أي شيءٍ مُخجِل رأته عينه. أعدك بذلك.
(يصمت لبرهة، حيث يَنتظر عبثًا أن تتَّخذ مارجريت قرارها.) تكلم يا هوبارد.
مارجريت (التي أصابها الرعب، وكانت تَرتجِف) : لا! لا تَفعل! سأُخبركم. سأعيد لك الوثائق.

(الكل في حالة ترقب. ترتجف مارجريت ثانية، ثم تستعيد رباطة جأشها وتتَّخذ قرارًا.)

لا؛ ليسَت بحوزتي. قل كل ما بدا لك.
ستاركويذر : أرأيتم. إنَّ الوثائق بحوزتها. لقد قالت إنها ستعيدها.
(موجهًا حديثه لهوبارد.) تابع الكلام.
هوبارد : الليلة الماضية …
كوني (تَثِب من مكانها) : لن أمكث هنا!
(تندفع نحو يسار مؤخَّر الغرفة فتجد الباب موصدًا.) دعوني أخرج! أخرجوني!
السيدة ستاركويذر (تنوح وتستلقي للخلف في كرسيِّها، رجلاها ممدودتان تَنتفِضان وتتشنَّجان تمهيدًا لنوبة اضطرابٍ عصبي) : سأموت! سأموت! أعرف أني سأموت!
ستاركويذر (موجهًا حديثه لكوني بصرامة) : ارجعي إلى والدتك.
كوني (تعود على مضضٍ إلى جانب السيدة ستاركويذر، فتجلس إلى جوارها وتضع أصابعها في أذنيها) : لن أستمع إلى ما تقولون! لن أستمع.
ستاركويذر (بصرامة) : أبعدي أصابعك.
هوبارد : لنوقف هذا الأمر يا تشالمرز، أتمنَّى لو تخرجونني من هذا الأمر. لا أريد أن أشهد بشيء.
ستاركويذر : أبعدي أصابعك عن أذنَيك.
(تبعد كوني أصابعها عن أذنَيها على مضض.) والآن أكمل كلامك يا هوبارد.
هوبارد : أنا أحتجُّ. أنتم تزجُّونني لهذا الأمر زجًّا.
تشالمرز : ليس لكَ مخرج الآن. لقد ألقيتَ بشكوكٍ شائنة على زوجتي.
هوبارد : حسنًا. هي … لقد زارت السيدة تشالمرز نوكس في منزله الليلة الماضية.
السيدة ستاركويذر (تَنفجِر) : أوه! أوه! حبيبتي مادج! هذا كذب! افتراء! (تركل بساقيها بعنف.)

(كوني تُهدئها.)

تشالمرز : يجب عليك أن تثبت ذلك يا هوبارد. وإذا كنت مخطئًا في الأمر بأي صورة فسيَنقلِب عليك بشدة.
هوبارد (يُشير إلى مارجريت) : انظر إليها. سلها.

(يَنظر تشالمرز إلى مارجريت بارتيابٍ مُتزايد.)

مارجريت : ليندا كانت معي. وكذلك تومي. كان لا بدَّ أن أزور السيد نوكس في موضوعٍ هام للغاية. ذهبتُ إلى هناك بالسيارة. وأخذت ليندا وتومي معي إلى داخل غرفة السيد نوكس.
تشالمرز (بارتياح) : آه، يُضفي هذا شكلًا مُختلفًا على الأمر.
هوبارد : ليس هذا كل ما حدث. لقد أرسلت السيدة تشالمرز الخادمة والصبي إلى السيارة وبقيت هي.
مارجريت (بسرعة) : لكن ذلك للحظة فقط.
هوبارد : بل أطول … أطول بكثير من مجرَّد لحظة. أعرف كم قضيتِ من وقت؛ إذ كنت أنتظر بفارغ الصبر.
مارجريت (يائسة) : أؤكِّد أنها كانت مجرد لحظة … هنيهة.
ستاركويذر (محدِّثًا هوبارد فجأة) : وأين كنتَ أنت؟
هوبارد : في غرفة نوم نوكس. لقد نسيَ ذلك الأحمق بشأني تمامًا. فقد كان مسرورًا للغاية … مسرورًا بضيفِه الجديد.
ستاركويذر : قلت إنك رأيت.
هوبارد : باب غرفة النوم كان مواربًا. وأنا فتحته.
ستاركويذر : وماذا رأيت؟
مارجريت (تتوسَّل لهوبارد) : أليس في قلبك رحمة؟ قلتُ لك إنها مجرد لحظة.

(يهزُّ هوبارد كتفَيه.)

ستاركويذر : سنُحدِّد نحن طول تلك اللحظة، فتومي هنا وكذلك الخادمة. كوني، خادمة مارجريت موجودة، أليس كذلك؟
(لا تُجيبه كوني.) أجيبيني!
كوني : أجل.
ستاركويذر : دوبلمان، استدعِ خادمةً وأخبرها أن تُحضر تومي وخادمة السيدة تشالمرز إلى هنا.

(يذهب دوبلمان إلى المكتب ويضغط الجرس مرةً واحدة.)

مارجريت : لا! لا تُحضروا تومي.
ستاركويذر (ينظر بمكر إلى مارجريت ثم يتحدَّث لدوبلمان.) : يمكن الاكتفاء بخادمة السيدة تشالمرز.

(يُسمَع طرق على الباب في يسار مؤخَّر الغرفة. يفتح دوبلمان الباب ويتحدَّث مع الخادمة ثم يغلق الباب.)

ستاركويذر : أوصده.

(يوصد دوبلمان الباب.)

تشالمرز (يتَّجه نحو مارجريت) : إذن أيتها الطاهرة، كنتِ تعبثين وتتصرَّفين بطيش واستهتار.
مارجريت : ليس لك أيُّ حق في الحديث معي بهذه الطريقة يا توم …
تشالمرز : أنا زوجك.
مارجريت : لم تَعُد كذلك منذ وقتٍ طويل.
تشالمرز : ماذا تقصدين؟
مارجريت : أقصد تمامًا ما يدور في ذهنك الآن.
تشالمرز : مادج، أنتِ واهمة. ولا تَعرفين شيئًا يدينني.
مارجريت : أنا أعرف كل شيء … وإن شئت فقل بدون دليل. أنا امرأة. كل شيء ظاهر عليك. يا للقرف! لقد نضحتْ رائحتُك بذلك لسنوات. لا أشك في صعوبة الحصول على الأدلة أو البراهين كما تُسميها. لكنني لم أكن مهتمَّة. كنت قد أنجبت صغيري. وعندما جاء انقطع أملي فيك يا توم. ولم يَبدُ أنك كنت في حاجة لي.
تشالمرز : ولكي تَنتقمي تماديتِ مع ذلك المدعو نوكس.
مارجريت : لا، لا. هذا ليس صحيحًا يا توم. أؤكِّد لك أن هذا ليس صحيحًا.
تشالمرز : كنتِ هناك، ليلة أمس في منزله بمفردك … وعما قريب سنَكتشِف كم طال …
(طرقات على الباب الأيسر جهة مؤخَّر الغرفة. يتقدم دوبلمان لفتح الباب.) والآن سرقتِ أوراق والدك الخاصة من أجل عشيقك.
مارجريت : ليس بعشيقي.
تشالمرز : لكنكِ اعترفتِ أن الأوراق معكِ. فلمَن إذن غير نوكس قد تسرقينها؟

(تدخل ليندا. شاحبة ومُتوتِّرة، وتنظر إلى مارجريت لتحصل منها على إشارة حول ما يجب أن تفعله.)

ستاركويذر : ها قد جاءت المرأة.

(يخاطب ليندا)

اقتربي.

(تتقدَّم ليندا نحوه في تردد)

أين كنتِ الليلة الماضية؟ تعرفين ما أقصد.
(ليندا لا تتكلَّم.) أجيبيني.
ليندا : لا أدري ماذا تقصد سيدي، إلا إذا …
ستاركويذر : أجل هو ذا. أكملي.
ليندا : لكني لا أعتقد أن لك أيُّ حقٍّ في أن تسألني مثل هذه الأسئلة. ماذا لو … لو كنتُ خرجتُ مع شاب …
ستاركويذر (موجهًا حديثه لمارجريت) : لديك شابةٌ مُخلصةٌ جدًّا.
(ثم موجهًا حديثه بسرعة للآخرين.) لن نحصل منها على شيء. أحضروا تومي. اضرب الجرس يا دوبلمان.

(يشرع دوبلمان في تنفيذ الأمر.)

مارجريت (توقِف دوبلمان) : لا، لا؛ ليس تومي. أخبريهم يا ليندا.

(ليندا تنظر إليها بعطف.)

(بنبرة رقيقة.) لا عليكِ. أخبريهم بالحقيقة.
تشالمرز (يندفع متدخِّلًا) : الحقيقة كاملة.
مارجريت : أجل يا ليندا، الحقيقة كاملة.

(تبدو ليندا حزينة للغاية، وتُشجِّع نفسها لتجتاز المحنة.)

ستاركويذر : لا بأس يا دوبلمان.
(موجهًا حديثه إلى ليندا.) حسنًا. كنتِ في غرفة السيد نوكس الليلة الماضية مع سيدتك وتومي.
ليندا : أجل سيدي.
ستاركويذر : وأرسلتك سيدتك أنت وتومي إلى خارج الغرفة.
ليندا : أجل سيدي.
ستاركويذر : وانتظرتِ بالسيارة.
ليندا : نعم سيدي.
ستاركويذر (يَثِب فجأة إلى النقطة التي كان يحاول التقدُّم نحوها) : لكم من الوقت؟

(تدرك ليندا مغزى السؤال لحظةَ أن فتحت فمها لتجيب، فتتوقَّف عن الكلام.)

مارجريت (في هدوءٍ وئيد ينم عن القنوط) : لنصف ساعة … لساعة … لأي مدة من الوقت تمليها عقولُكم القبيحة. هذا يكفي يا ليندا. يُمكنُكِ الذهاب.
ستاركويذر : لا، لا يُمكنك ذلك. قفي هناك جانبًا.
(يخاطب الآخرين.) الأوراق في هذه الغرفة، وسأظلُّ على يقين من هذا.
هوبارد : أعتقد أنني كشفت الدافع.
كوني : أنت حقير!
تشالمرز : لم تُخبرنا بما رأيت.
هوبارد : رأيتهما بعضهما في أحضان البعض … عدة مرات. ثم عثرت على المستندات المسروقة حيث ألقاها نوكس. وضعتُها في جيبي ثم أغلقت الباب.
تشالمرز : لكم من الوقت بعد ذلك ظلَّا معًا؟
هوبارد : لبعض الوقت، لوقتٍ طويل.
تشالمرز : وعندما رأيتَهما لآخر مرة؟
هوبارد : كانا بعضهما في أحضان البعض … يُمكن القول إنهما كانا يتعانقان بحماسٍ بالغ.

(يَنكسِر تشالمرز.)

مارجريت (مخاطبة هوبارد) : يا لك من جبان!

(يَبتسِم هوبارد.)

(ثم تُخاطب ستاركويذر.)

متى ستأمر كلبَك هذا بالتوقف؟
ستاركويذر : عندما أحصل على الأوراق. قد رأيت ما جعلتُكِ تدفعين من ثمنٍ لهم حتى الآن. فأنصتي لي جيدًا. وأنصت أنت أيضًا يا توم. أنتم تعرفون قيمة هذه الخطابات. وإذا لم تُستردَّ فستُعجِّل بتغييرٍ لن ينال المال وحسب بل والسلطة أيضًا. أشك حتى في أنه سيُعاد انتخابك؛ لذلك يجب نسيان ما جرى في هذه الغرفة … نسيانه تمامًا. هل تفهمون؟
تشالمرز : لكنَّها خيانةٌ زوجية.
ستاركويذر : لا داعي لاستخدام هذه الكلمة. الفكرة هي أن كل شيء يجب أن يعود كما كان في السابق.
تشالمرز : نعم، أعي ذلك.
ستاركويذر (مخاطبًا مارجريت) : اسمعي. لن يُثير توم أي متاعب. والآن أعطيني الأوراق. إنها ملكي، أنت تعرفين ذلك.
مارجريت : أعتقد أن الناس هم المُلَّاك الحقيقيُّون لهذه الأوراق، الذين جرى الكذب عليهم وخداعهم وسرقتهم وليس أنت.
ستاركويذر : هل تَفعلين هذا في سبيل حبِّك لهذا … هذا الرجل، هذا الغوغائي؟
مارجريت : من أجل الناس والأطفال، من أجل المستقبل.
ستاركويذر : هراء. ردِّي على سؤالي.
مارجريت (بنبرة بطيئة) : أكاد لا أعرف. تقريبًا لا أعرف.

(تُسمع طرقات على الباب الأيسَر مِن مؤخَّر الغرفة. ويجيب دوبلمان الطارق.)

دوبلمان (ينظر في بطاقة أعطتها له الخادمة، ويخاطب ستاركويذر) : السيد روتلاند.
ستاركويذر (يُلوِّح بضجر، ثم فجأة يُغير رأيه ويتحدَّث بتجهم) : ممتاز. أدخله. لقد دفعتُ الكثير من أجل الكنيسة. حان الوقت لنرى ما ستفعله الكنيسة من أجلي.
كوني (تَندفع عبر المسرح نحو مارجريت وتلفُّ ذراعَيها حولها وتنشج) : أرجوكِ، أتوسَّل إليكِ يا مادج سلِّميهم الأوراق، ولن يتكلم أحد عن شيء. لقد سمعتِ ما قاله أبي. فكري فيما يَعنيه الأمر بالنسبة إليَّ إذا خرجت هذه الفضيحة للعلن. أبي سيُخرِس الألسنة. ولن يجرؤ أحد على التلفُّظ بكلمة حول الأمر. أعطيه الأوراق.
مارجريت (تُقبُّلها وتهزُّ رأسها نفيًا وتُنحِّيها جانبًا) : لا؛ لا أستطيع. لكن يا عزيزتي كوني …

(تصمت كوني.)

كل هذا ليس حقيقيًّا يا كوني. إنه ليس عشيقي. قولي لي إنك تُصدِّقينني.
كوني (تُربِّت عليها) : أنا أصدقك. لكن هلَّا أعدتِ لهم الأوراق من أجلي؟

(صوت طرقات على الباب.)

مارجريت : لا أستطيع.

(يدخل روتلاند.)

(تعود كوني لتتولى رعاية السيدة ستاركويذر.)

روتلاند (يتقدَّم متهلِّلًا نحو ستاركويذر) : يا إلهي، يا له من تجمع عائلي! لقد أسرعت في الحال يا عزيزي السيد ستاركويذر كي أشكرك شخصيًّا، قبل أن تذهب إلى نيويورك، على كرمك السخي … أجل، مساهمتك الكريمة السخية …

(وهنا يُدرك الموقف المتأزم، فيقف عاجزًا فاغرًا فاه يتنقل بنظراته من شخص لآخر.)

ستاركويذر : هناك سرقة قد ارتُكبت يا سيد روتلاند. سرَقَت ابنتي مني شيئًا قيمًا جدًّا؛ رزمة من الأوراق الخاصة، وهي هامة جدًّا … وإذا نجَحَتْ في نَشرِها على الملأ فستُصيبني بضررٍ فادح إلى المدى الذي لن أستطيع معه ماديًّا تقديم أي تبرعاتٍ كريمةٍ سخية لك أو لأي شخصٍ آخر. وقد فعلت كل ما بوسعي لإقناعها بإعادة ما سرقَتْه. والآن حاول أنت. اجعلها تُدرك حجم الجنون الذي تفعله.
روتلاند (مُتحيِّر تمامًا، يتردَّد ويتلعثم) : بصفتي مرشدكِ الرُّوحي يا سيدة تشالمرز … إذا كان ما يُقال صحيحًا … فإني أنصحك … أقترح عليك … احم … أناشدكِ …
مارجريت : أرجوك يا سيد روتلاند لا تكن ساذجًا. إنَّ أبي يصنع منك حصان تمويه. فمهما فعلتُ أو لم أفعل، أعتقد أني أصنع الصواب. والأمر كله شائن. الناس قد وقَعُوا ضحية للكذب والنَّهب، وأنت مجرَّد شخص يَدين نفسه بعار إدامة الكذب والنهب. وإذا أصررتَ على طاعة أوامر والدي — نعم أوامره — فستَدفعُني للاعتقاد بأنكَ تقوم بدورك هذا من باب الرغبة في الحصول على المزيد من هذه التبرُّعات الكريمة السخية. (ينخر ستاركويذر ساخرًا من كلامها.)
روتلاند (مُحرَج ومُتحيِّر بلا حيلة) : أخشى … احم … أن هذه مسألةٌ حساسة جدًّا لا أستطيع التدخل فيها يا سيد ستاركويذر. أودُّ أن أقترح أنه من المُستحسَن لي أن أنسحب … احم …
ستاركويذر (متأمِّلًا) : ها قد خذلَتْني الكنيسة أيضًا.
(ثم مخاطبًا روتلاند.) لا، سوف تبقى هنا معنا.
مارجريت : أبي، إنَّ توم وحده في السيارة. ألن تتركني أذهب؟
ستاركويذر : أعطيني الأوراق.

(تنهض السيدة ستاركويذر وتمشي مُترنِّحة نحو مارجريت، تئنُّ وتنشج.)

السيدة ستاركويذر : مادج، لا يمكن أن يكون ذلك صحيحًا يا مادج. أنا لا أصدق. أنا متأكِّدة أنك لم تفعلي هذا الأمر الشنيع. لا يمكن أن تَرتكِب ابنتي مثل هذا الشر. لا أستطيع أن أصدق أذنيَ …

(تخرُّ السيدة ستاركويذر فجأة على ركبتَيها أمام مارجريت، يداها متشابكتان وتَنتحِب بهستيرية.)

ستاركويذر (يتقدم إلى جانبها) : انهضي.
(ثم يتردَّد ويفكر.) لا، بل أكملي. لربما تستجيب لكِ.
مارجريت (تُحاول أن تُنهِض أمها على قدمَيها) : لا تفعلي ذلك يا أمي، لا تفعلي أرجوك انهضي.

(تُقاومها السيدة ستاركويذر بشكلٍ هستيري.)

أنتِ لا تفهمين الأمر يا أمي. أرجوكِ، أتوسل إليك أن انهضي.
السيدة ستاركويذر : مادج، أنا والدتك أتوسل إليكِ وأنا على ركبتي خاضعة. سلِّمي الأوراق لوالدك، وسأنسى كل ما سمعتُه. فكِّري في سُمعة العائلة. أنا لا أصدق ذلك، لا أصدق كلمةً واحدة مما سمعت؛ لكن فكِّري في العار الذي سيلحق بنا. فكِّري فيَّ أنا. فكِّري في كوني؛ شقيقتك. فكِّري في تومي. ستضعينِ والدك في موقف غاية في السوء. وستَقتلينَني. (تئنُّ وتلفُّ رأسها.)
سأقع فريسة المرض. أعلم أنني سأصاب بالمرض.
مارجريت (تنحني على والدتها وتُساعدها على الوقوف، بينما تأتي كوني عبر المسرح لتشارك في مساعدة الأم) : أمي، أنتِ لا تستوعبين الأمر. هناك على المحك ما هو أكثر من مجرَّد سمعة العائلة أو …

(تنظر نحو روتلاند)

… الرب. أنت تتكلَّمين عن كوني وتومي، وهناك مليونان من أمثال كوني وتومي يعملون كأطفال عاملين في الولايات المتَّحدة. فكِّري فيهم. وبجانب ذلك يا أمي، فكل ما سمعتِه هو محض أكاذيب. لا يوجد أي شيء بيني وبين السيد نوكس. إنه ليس عشيقي. وأنا لستُ … لست ذلك الشيء المخجل … الذي قاله هؤلاء الرجال عني.
كوني (مناشدة) : مادج.
مارجريت (مناشدة لها أيضًا) : كوني. ثِقي بي. أنا على صواب. أنا واثقة أنني على صواب.

(السيدة ستاركويذر تئنُّ وتغمغم وهي تستند إلى كوني، وتعود عبر المسرح نحو المقعد.)

ستاركويذر : مارجريت، قبل بضع دقائق، عندما أخبرتِني أنه لا يوجد شيء بينك وبين هذا الرجل، كنتِ تكذبين عليَّ … كنتي تكذبين كما تَكذب الخبائث من النساء.
مارجريت : من الواضح أنك تُصدِّق بوقوع أسوأ الأشياء.
ستاركويذر : لا يوجد ما هو أقل من الأسوأ لأصدقه. بجانب أن الأكثر شناعة من علاقتكِ مع هذا الرجل هو ما فعلتِه هنا في هذه الغرفة، تسرقين مني وتحت سمعي وبصري. لقد تقاطعت إرادتك مع إرادتي، وفي أمرٍ يتخطَّى شئونكِ. هذه اللعبة التي تُحاولين لعبها خاصة بالرجال، وسوف تتحمَّلين عواقبها. سوف يتقدَّم توم بطلب للحصول على الطلاق.
مارجريت : هذا التهديد أجوف على أقل تقدير.
ستاركويذر : وبهذه الوسيلة سنَستطيع تحطيم نوكس، وبنفس كفاءة الوسائل الأخرى. وهذا شيء لن يتسامح فيه الناس الطيبون المُغفَّلُون مع نائبهم المختار. سنجعل الأمر فضيحة كبيرة له …
السيدة ستاركويذر (مصدومة) : أنتوني!
ستاركويذر (يَنظر بانزعاج إلى زوجته ويُكمل كلامه) : وهناك شيءٌ آخر. بعد إثبات أنك امرأةٌ خائنة لزوجك، ستُصبِحين غير لائقة أخلاقيًّا لرعاية طفلك، وسيُبعَد عنك ويُؤخَذ منك.
مارجريت : لا، لا. هذا لن يكون. لم أرتكب أي خطأ. لا تُوجد محكمة ولا قاضٍ منصف يمكن أن يُصدر حكمًا بناءً على دليلٍ مأخوذ من مخلوق مثل هذا. (تشير إلى هوبارد.)
هوبارد : أدلَّتي مدعومة. ففي غرفةٍ مُجاوِرة كان يوجد رجلان. وأنا أعرف ذلك لأنَّني وضعتهما هناك. هم رجال والدك في هذا المكان. وهناك ما يُسمَّى بإمكانية الرؤية عبر ثقب مفتاح الباب الموصد. لقد شاهدوا ما حدث.
مارجريت : وهل سيُقسِمون على ذلك … بأي شيء؟
هوبارد : ليس لديَّ شكٌّ في أنهم يعرفون ما سيقسمون عليه.
ستاركويذر : لقد أخبرتك بمجرَّد بعض الأشياء التي سأفعلها بكِ يا مارجريت. لم يَفُت الأوان. أعيدي الأوراق، وسأتغاضى وأنسى كل شيء.
مارجريت : سوف تتغاضى عن … عن الخيانة. أنت يا مَن قلتَ للتوِّ إنني غير لائقة أخلاقيًّا لرعاية ابني ستَسمح لي بالاحتفاظ به. أنا لم أتخيَّل قطُّ يا والدي أن ينحدر فجورك إلى مثل هذا الدركات الدنيئة. رغم أنك تُصدِّق أنني ارتكبت مثل هذه الأشياء الشائنة، ستغفر وتنسى كل شيء في سبيل بضع قصاصات من الورق تَرمز إلى المال، وتُمثل رخصة لك للنهب والسرقة من الناس. هل هذه هي أخلاقك وقيمك … المال؟
ستاركويذر : إن لي قيمي وأخلاقي. وهي ليسَت المال. أنا مجرَّد شخص يدير هذا المال؛ لكنني أفهم فعلًا وبدرجةٍ سامية واجبات إدارتي …
مارجريت (تقاطعه بمرارة) : ولا يُمكن أن تقف السرقات والأكاذيب وكل الأخطاء الصغيرة الشائعة مثل الخيانة؛ عقبة في طريق أداء واجباتك السامية … إنَّ الغايات تبرر الوسائل.
ستاركويذر (باقتضاب) : بالضبط.
مارجريت (تخاطب روتلاند) : ثمَّة ما يُدعى باليسوعية يا سيد روتلاند. أقترح عليك بصفتك المستشار الروحي لوالدي أن …
ستاركويذر : كُفِّي عن هذا العبث. أعطيني الأوراق.
مارجريت : ليست بحوزتي.
ستاركويذر : ما العمل يا هوبارد؟
هوبارد : إنها بحوزتها. لقد اعترفت بقدرٍ ما أنها ليسَت في مكانٍ آخر بالغرفة. وهي لم تخرج من الحجرة. ليس بيدِنا فعل شيء سوى تفتيشها.
ستاركويذر : لا يتبقى شيءٌ آخر يُمكن فعله. أنتما يا دوبلمان ويا هوبارد، خذاها خلف الستار. جرداها من ملابسها. واستعيدا الأوراق.

(تبدو عزيمة دوبلمان واهنة، لكن لم يبدُ على هوبارد عدم الرغبة.)

تشالمرز : لا؛ لن أسمح بذلك. لن يَفعل هوبارد شيئًا كهذا.
مارجريت : فات الأوان يا توم. لقد وقفتَ جانبًا وسمحتَ أن يُجرِّدوني من كل شيءٍ آخر. وبضع قطع من الملابس لن تهمَّ الآن. وإذا كنت سأُجرَّد من ملابسي ويفتشني الرجال، فإن السيد هوبارد سيكون مثل غيره. ربما يودُّ السيد روتلاند أن يمد يد المساعدة.
كوني : أوه، مادج! سلميها لهم.

(تهزُّ مارجريت رأسها نفيًا.)

(تخاطب كوني ستاركويذر.) إذن دعني أفتِّشها أنا يا أبي.
ستاركويذر : أنت راغبة في ذلك أكثر من اللازم. لا أريد مُتطوِّعين. وأشك في أنني يمكن أن أثق بك أكثر من أختك.
كوني : إذن دع أمي تفتشها.
ستاركويذر (ينخر ساخرًا) : يُمكن لمارجريت أن تُهرب صندوق أمتعة مليء بالوثائق أمام أمك.
كوني : لكن ليس الرجال يا أبي! ليس الرجال.
ستاركويذر : ولم لا؟ لقد كشفت نفسَها مجرَّدة من أي حياء.
(آمرًا.) دوبلمان!
دوبلمان (معتقدًا أن ساعته قد حانت، ويكاد يموت رعبًا) : أ … أ … أمرك سيدي.
ستاركويذر : استدعِ الخدم.
السيدة ستاركويذر (تصرُخ محتجة) : أنتوني!
ستاركويذر : هل تُفضِّلين أن يفتشها الرجال؟
السيدة ستاركويذر (خائرة) : سأموت، سأموت. أعرف أنني سأموت.
ستاركويذر : دوبلمان. اضرب الجرس لحضور الخدم!
(يعبر دوبلمان المسرح باتجاه المكتب وهو متردِّد في التنفيذ؛ ويضغط على الزر، ثم يعود متوجهًا نحو الباب.) أحضر الخادمات ومدبرة المنزل.

(ليندا التي ترغب بشكلٍ أعمى أن تُساعد مارجريت تشرع في الاندفاع نحو مارجريت)

قفي هناك … في الزاوية.

(يُشير إلى مقدَّم المسرح جهة اليمين.)

(تتوقَّف ليندا حائرة وتومئ لها مارجريت أن تطيع الأمر وتبتسم لها مُشجِّعة. وتذهب ليندا إلى يمين المقدمة وهي تحتجُّ بكل وجدانها.)

(طرقات على يمين مؤخَّر المسرح فيفتح دوبلمان الباب، يتكلم مع خادمة ثم يغلق الباب ويوصده.)

ستاركويذر (مخاطبًا مارجريت) : لم يعد هناك وقتٌ للتفاهات، ولا للعواطف المثيرة للغثيان. أعيدي الأوراق أو تحمَّلي العواقب.

(لا تُجيبه مارجريت.)

تشالمرز : أنتِ انخرطتِ في لعبة الرجال، وعليكِ أنت تُكملي أو أن تَخرجي منها. سلمي الأوراق.

(تظلُّ مارجريت عازمة وهادئة.)

هوبارد (بلباقة) : اسمحي لي أن أوضح لكِ يا عزيزتي السيدة تشالمرز أنك لم تَسرقي فقط من والدك. بل تخونين طبقتَكِ التي تنتمين إليها.
ستاركويذر : وتتسبَّبين في ضرر لا يُمكن إصلاحه.
مارجريت (تَنفجِر فجأة وتشير نحو صورة لينكولن) : وأظن أنه أيضًا قد تسبَّب في ضرر لا يمكن إصلاحه عندما حرَّر العبيد وحافظ على الاتحاد. وهو مع ذلك لم يَعترِف بانتمائه لأي طبقة. وأنا أفضل أن أكون خائنة لطبقتي عن أن أخون مبادئه.
ستاركويذر : غوغائية. غوغائية.

(طرق على الباب الأيمن في مؤخَّر المسرح. يفتح دوبلمان الباب وتدخل السيدة ميدلتون مُدبِّرة المنزل، تتبعها خادمتان. يقفن في الخلف تتقدَّمهن مدبرة المنزل التي تتطلع نحو ستاركويذر بترقُّب. بينما تبدو الخادمتان مرتعبتان ومذعورتان.)

مدبرة المنزل : أمرك سيدي.
ستاركويذر : سيدة ميدلتون، معك الخادمتان تساعدانك. خُذنَ السيدة تشالمرز خلف هذا الستار وفتِّشنها. جردنها من ملابسها كلها وفتشنها بعناية.

(يبدو على الخادمات الاضطراب والتشوش.)

مدبِّرة المنزل (رابطة الجأش) : أمرك سيدي. وعن ماذا أبحث؟
ستاركويذر : أوراق، مستندات أي شيء غير عادي. وسلِّمن ما تجدنه لي.
مارجريت (في حالة فزع مفاجئة) : هذا شنيع! هذا شائن!
ستاركويذر : وكذلك سرقتُك للمستندات أمرٌ شنيع.
مارجريت (مُناشِدة الرجال الآخرين، مُتجاهِلة روتلاند ودون أي اعتبار لدوبلمان على الإطلاق) : يا لجُبنِكم! هل ستقفون مُتفرجين وتسمحون بحدوث هذا الشيء؟ توم، أليس فيك ذرة من الرجولة؟
تشالمرز (بإصرار) : إذن أعيدي الأوراق.
مارجريت : سيد روتلاند.
روتلاند (بإخفاق وتملُّق شديدَين) : عزيزتي السيدة تشالمرز. أؤكد لكِ أن الملابسات كلها مُؤسِفة. لكنك مخطئة بصورةٍ بالغة الوضوح لدرجة أنني لا أستطيع التدخل …
(تُشيح مارجريت بوجهها عنه في احتقارٍ صاعق.) … لا أستطيع التدخل لصالحك.
دوبلمان (ينهار بصورة غير متوقَّعة) : لا أستطيع احتمال هذا. أنا أترك خدمتك يا سيدي. إنه لأمرٌ شائن. أنا أستقيل الآن وفي الحال. يستحيل أن أكون طرفًا فيما يحدث.
(يجاهد لفتح الباب.) سأخرج على الفور. أيها المتوحشون! يا لهمجيتكم!

(يَنفجر في نشيج مسبب للاختلاج.)

تشالمرز : آه، عشيقٌ آخر كما أرى.

(يتمكَّن دوبلمان من فتح قفل الباب ويشرع في فتحه.)

ستاركويذر : أغلق الباب! أيها الأحمق!

(يتردَّد دوبلمان.)

قلت لك أغلقه!

(يُطيع دوبلمان الأمر.)

أوصده!

(يُطيع دوبلمان الأمر.)

مارجريت (تَبتسم بحزن، وتشكره برقة) : شكرًا لك يا سيد دوبلمان.
(تخاطب ستاركويذر.) أبي، أنت بالتأكيد لن تَرتكب هذا الأمر الشائن عندما أقول لك، إنني أقسم …
ستاركويذر (مقاطعًا) : أعيدي الوثائق إذن.
مارجريت : أقسم لك إنها ليست معي. ولن تجدها بين ملابسي.
ستاركويذر : لقد كذبتِ عليَّ بشأن نوكس ولا يُعقل أن أصدق أنكِ لن تكذبي عليَّ بشأن هذا الأمر أيضًا.
مارجريت (بثبات) : إذا فعلتَ هذا الشيء فلن تكون أبي إلى الأبد. وسيَنتهي وجودك بالنسبة إليَّ.
ستاركويذر : أنت تحملين الكثير من التصميم الذي ورثتِه عني؛ مما سيذكِّرك دائمًا من أين ورثتِه. ابدئي تفتيشَها يا سيدة ميدلتون.

(تجمع مدبرة المنزل الخادمات بإشارة من عينَيها، ويتقدمن نحو مارجريت.)

كوني (بعاطفة) : أبي، إذا فعلت هذا فلن يُخاطبك لساني أبدًا.

(تنهار باكية.)

(السيدة ستاركويذر خلال المشهد التالي تُعاني من ارتجافٍ خفيف لكنه مُتواصِل، وتَنتحِب بهستيريا.)

ستاركويذر (يَنظُر في ساعته بسرعة) : لقد أهدرتُ ما يكفي من وقت في هذا الأمر. تابعي يا سيدة ميدلتون.
مارجريت (تتراجع بشراسة بعيدًا عن مُدبِّرة المنزل) : لن أخضع إلا مقهورة. سأقاوم، أعدكن.
ستاركويذر : استخدمنَ القوة إذا لزم الأمر.

(تتردَّد الخادمات لكن مدبرة المنزل تأمرهنَّ بعينَيها أن يقتربن من مارجريت، فيُطِعْنها.)

(تتراجع مارجريت مُبتعدَة حتى يوقفها المكتب.)

مدبرة المنزل : هيا يا سيدة تشالمرز.

(تقف مارجريت مُرتجفة لكنها ترفض كلام مدبرة المنزل.)

(تضع مدبِّرة المنزل يدها على ذراع مارجريت.)

مارجريت (تُزيح يدها بعنف وتبكي باستعلاء) : تراجعي!

(تتراجَع مدبرة المنزل غريزيًّا وكذلك الخادمات. لكن ذلك للحظة فقط. فيتقاربن من مارجريت ليقبضنَ عليها.)

(تصرخ مارجريت بشكلٍ محموم طلبًا للمساعدة.) ليندا! ليندا!

(تَندفع ليندا لتُنجد سيدتها، لكن يمسك بها تشالمرز فتُناضِل للتخلُّص من قبضته، فيلوي ذراعها ويجبرها في النهاية على أن تقف ساكنة.)

(تندفع مارجريت وهي تُناضل وتقاوم عبر خشبة المسرح إلى خلف الستارة، والخادمات ينشطن في أداء مهمتهن. تخرج إحداهن من خلف الستارة لغرض إحضار كرسي، والذي من الواضح أن مارجريت أُجبرت على الجلوس عليه. والستارة على ارتفاع يجعل ذراعَي مارجريت العاريَين يظهران من فوقه حين تقف على قدمَيها وتُقاوم. يُسمع صراخٌ خافت وصوت مدبرة المنزل تحاول إقناع مارجريت بالخضوع لهن.)

مارجريت (فجأةً وبشكلٍ مُثير للشفقة) : لا! توقفن!

(تُصبح المقاومة أكثر عنفًا، وينقلب الستار كاشفًا عن مارجريت جالسة على المقعد شبه عارية، تتشبَّث بمظروف في يدَيها، تُحاول الخادمات إجبارها على التخلي عنه.)

السيدة ستاركويذر (تبكي بحرقة) : أنتوني! إنهنَّ يُجردنها من ملابسها!

(تكافح ليندا مجدَّدًا للتخلص من قبضة تشالمرز.)

(يدعو ستاركويذر روتلاند لمساعدته ويَرفعان الستار ثانية، ثم وبعد تفكير يسحبانه أبعد قليلًا عن مارجريت.)

مارجريت : لا! توقفوا!

(تظهر مُدبِّرة المنزل منتصرة وتحمل بيدها مظروفًا وتناوله لهوبارد.)

هوبارد (على الفور) : ليس هذا ما نبحث عنه.

(يتطلَّع إلى العنوان الموجود على الظرف ويباشر.)

إنه موجه لنوكس.
ستاركويذر : مزِّعه. واقرأه.

(يفتح هوبارد المظروف.)

(بينما يَجري ذلك، يتوقف الصراع خلف الستار.)

هوبارد (يَسحب محتويات المظروف للخارج) : إنها فقط صورة للسيدة تشالمرز.
(يقرأ.) من أجل المستقبل … مارجريت.
تشالمرز (يَدفع ليندا عائدة نحو يمين المقدمة ويسير بخطواتٍ واسعة نحو هوبارد) : أعطني اياها.

(يُعطيه هوبارد الصورة، فينظر فيها ثم يعصرها في يده ويسحقها تحت قدمه.)

ستاركويذر : ليس هذا ما نبحث عنه يا سيدة ميدلتون. استمري في تفتيشها.

(يستمر التفتيش خلف الستار دون أي مقاومة.)

(صمت، خلاله يهتز الستار من حين لآخر حين يجرِّد المفتشون مارجريت من ملابسها.)

مدبرة المنزل (تظهر من زاوية الستار) : لا أجد أي شيئًا آخر يا سيدي.
ستاركويذر : هل نزعتم ملابسها؟
مدبرة المنزل : نعم سيدي.
ستاركويذر : عارية تمامًا؟
مدبرة المنزل (تختفي خلف الستار وتغيب لبرهة بدلًا من أن ترد، خلال تلك البرهة تتأكد من أنها عارية بالكامل ثم تعاود الظهور.) : نعم سيدي.
ستاركويذر : ولم تجدي شيئًا؟
مدبرة المنزل : لا شيء.
ستاركويذر : ألقوا بملابسها خارج الستار … كل شيء.

(تُلقى كتلة مختلطة من الملابس النسائية من خلف الستار وتسقط بالقرب من قدم دوبلمان الذي يَرتبك ويشعر بالخجل والإحراج الشديد.)

(يتفقَّد تشالمرز الملابس ثم يخطو إلى خلف الستار للحظة ثم يعاود الظهور.)

تشالمرز : لا شيء معها.

(يتطلَّع تشالمرز وستاركويذر وهوبارد بعضهم إلى البعض في ذهول.)

(تخرج الخادمتان من خلف الستار وتَقفان بالقرب من الباب إلى جهة يَمين المؤخَّر.)

(يأبى ستاركويذر أن يُصدِّق، فيخطو نحو ملابس مارجريت ويتفقدَّها بنفسه.)

ستاركويذر (مخاطبًا تشالمرز ويَنظُر نحو الستار مُستفسِرًا) : هل أنت متأكد؟
تشالمرز : نعم؛ لقد تحقَّقت. ليست بحوزتها.
ستاركويذر (مخاطبًا مدبرة المنزل) : فتشي الخادمات يا سيدة ميدلتون.
مدبرة المنزل (تمرِّر يديها فوق ملابس الخادمات) : ليس بحوزتهنَّ شيء يا سيدي.
مارجريت (من خلف الستار، بصوتٍ خافت وواهن) : هل يُمكنني ارتداء ملابسي الآن؟

(لا أحد يرد عليها.)

الجو … بارد جدًّا.

(لا أحد يرد.)

هلا سمحتَ لليندا أن تأتي لي، من فضلك؟

(يومئ ستاركويذر بوحشية إلى ليندا لتَذهب إلى مارجريت.)

(تعبر ليندا المسرح نحو الملابس وتجمعها ثم تختفي خلف الستار.)

ستاركويذر (مخاطبًا مدبرة المنزل) : يُمكنكِ الانصراف الآن.

(تخرج مدبرة المنزل والخادمتان.)

دوبلمان (مُترددًا بعد إغلاق الباب خلف الخادمات) : هل أوصده؟

(لا يجيبه ستاركويذر بشيء، فيترك دوبلمان الباب دون إيصاده.)

كوني (تنهض) : هل يُمكن أن آخذ أمي وأذهب الآن؟

(يومئ لها ستاركويذر بالموافقة وهو شارد الذهن.)

(تُساعد كوني السيدة ستاركويذر للوقوف على قدمَيها.)

السيدة ستاركويذر (تترنَّح من الضعف وتسقط ثانية في مقعدها) : دعيني أرتاح لحظة يا كوني. سأكون أفضل حالًا. (تخاطب ستاركويذر الذي لم يُعرها اهتمامًا.) أنتوني، سأذهب للفراش مباشرة. ما حدث كان فوق طاقتي. سيُصيبني المرض. لن ألحق بذلك القطار اليوم أبدًا.

(ترتجف وتتنهد، وتُميل رأسها إلى الخلف وتغلق عينَيها، وكوني تهوِّي عليها وتُشمِّمها أملاح الشمِّ.)

تشالمرز (مخاطبًا هوبارد) : ما العمل الآن؟
هوبارد (يهزُّ كتفيه) : أنا عاجز تمامًا عن التفكير بوضوح. كنتُ قد تركتُ الخطابات بحوزته، مباشرة عندما دخلت السيدة تشالمرز الغرفة. ما الذي حلَّ بالأوراق؟ ليست بحوزتها، هذا أمرٌ مؤكد.
تشالمرز : لكن لماذا؟ لماذا أخذَتها من البداية؟
هوبارد (بنبرةٍ جافة، يُشير إلى الصورة المجعدة على الأرض) : الأمر واضح لي تمامًا.
تشالمرز : أتظن ذلك؟ هل تعتقد ذلك؟
هوبارد : أخبرتكم بما رأيت الليلة الماضية في حُجرته. لا يوجد تفسير آخر للأمر.
تشالمرز (بغضب) : هذا هو أسلوبه بالفعل … يتباهى بتفوُّقه الأخلاقي … ويُردِّد عبارات عن السرقة … سرقة قمنا بها نحن … بينما كان هو أكبر لص، يَسرق أعز الأشياء وأقدسها …

(تظهر مارجريت من خلف الستار وهي تُثبت قبَّعتها. ارتدت ملابسها لكنها في حالة من الفوضى إلى حدٍّ ما، وليندا تتبعها تُعدِّل ملابسها من هنا ومن هناك وترتبها. تتوقف مارجريت قرب روتلاند، لكن لا يبدو عليها أنها تحسُّ بوجوده.)

روتلاند (بتأسُّف ورثاء) : إنه لحدثٌ مُحزن … احم … حدثٌ محزن. أنا حزين، حزين جدًّا. لا أستطيع أن أصف لكِ يا سيدة تشالمرز مقدار حزني أن أُجْبَر على الوجود في هذا … احم … هذا الأمر المؤسف …

(باغتته مارجريت بنظرة ازدراء جعلتْه يَصمُت مُحرَجًا.)

مارجريت : بعدما حدث هذا يا أبي، ثمة شيءٌ واحد فقط …
تشالمرز (مقاطعًا لها) : تذهبين لعَشيقك على ما أعتقد.
مارجريت (ببرود) : فلتفهَمْها على هذا النحو إن شئت.
تشالمرز : وتأخُذين له ما سرقتِه …
ستاركويذر (يرتدُّ فجأة عن شروده) : لكنَّها لم تكن تحملها بحوزتها. ولم تخرج من الغرفة. والوثائق ليست بالغرفة. أين هي إذن؟

(خلال ما يحدث بعد ذلك، تذهب مارجريت إلى الباب الذي فتحه دوبلمان. تدفع ليندا للخروج أمامها ثم تتوقَّف هي لبرهة أمام الباب المفتوح لتتسمَّع.)

هوبارد (يطلق صرخة من فكرة أنارت في رأسه ويذهب مسرعًا عبر المسرح إلى النافذة التي على اليسار ويرفعها) : ليست موصدة. وتتحرَّك بلا صوت. هذا هو التفسير لما حدث.

(مخاطبًا ستاركويذر)

بينما كنت أنت عند الخزانة وظهرك للغرفة، رفعت هي النافذة وألقت الأوراق إلى شخص ما يَنتظِر بالخارج …

(يُخرج رأسه وكتفَيه من النافذة وينظر للأسفل، ثم يعيد إدخال رأسه وكتفَيه.)

لا؛ ليسَت بالأسفل. كان أحدهم بالانتظار.
ستاركويذر : لكن كيف عرفتْ أنها معي؟ كنت قد استعدتُها للتو!
هوبارد : ألم يَعرف نوكس على الفور أنني أخذتها من غرفته؟ لقد ركبتُ المصعد الصاعد بدلًا من الهابط عندما سمعتُه يَركض في الردهة. بالتأكيد أخبرها بما حدث. كانت هي الشخص الوحيد الذي يستطيع استعادتها من أجله. وإلا لماذا جاءت هنا مسرعة هذا الصباح؟ بالطبع لتسرق رزمة الورق. كان معها أحد يَنتظر بالخارج. ألقت بها في الخارج وأغلقت النافذة …

(يُغلق النافذة)

هل تُلاحظ أن النافذة لا تُحدث أي صوت. ثم جلست ثانية. كل ذلك بينما كنت تُدير ظهرك للغرفة.
ستاركويذر : مارجريت. هل هذا صحيح؟
مارجريت (بحماس) : نعم، النافذة. لماذا لم يَخطر لك ذلك من قبلُ؟ هي النافذة بالطبع. كان … كان أحدهم ينتظر. لقد ابتعدَت الأوراق الآن … لمسافاتٍ شاسعة. لن تحصل عليها أبدًا. إنها بين يديه الآن. وسوف يستخدمها في خطابه. (تضحك على نحو هستيري.)

(ثم تُغيِّر صوتها فجأة من السخرية إلى الوداعة الزائفة، يشوبها تحدٍّ واستخفاف.)

هل لي أن أرحل … الآن؟

(لا يُجيبها أحد، وتخرج هي من المكان.)

(صمت يسود لحظات، ينظر خلالها ستاركويذر وتشالمرز وهوبارد بعضهم إلى البعض في ذهول.)

(يسدل الستار.)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤