الفصل الرابع

المنظر: نفس مكان الفصل الأول. الساعة الواحدة والنصف من نفس اليوم.

(يُرفع الستار ويكشف عن نوكس يجلس منتظرًا على يمين المقدمة. وضعه ينمُّ أنه مهموم.)

(تدخل مارجريت من يمين المؤخَّرة وتتقدم نحوه. ينهض مرتبكًا ويصافح يدها. هي هادئة جدًّا ورابطة الجأش.)

مارجريت : كنت أعلم أنكَ ستأتي. من الغريب أنني اضطررتُ للإرسال إليك بعد الليلة الماضية بوقت قصير …

(ثم بانتباه وتغيير لأسلوب حديثها فجأة.)

ما بك؟ أنت مريض. يدك باردة.

(تضع يده بين كلتا يدَيها لتدفئها.)

نوكس : هكذا أنا، إما شعلة متقدة وإما صقيع متجمد.

(مبتسمًا)

وأفضِّل حالة التوقد.
مارجريت (تُدرك أنها تضع يده بين يديها) : اجلس وقل لي ما الأمر.

(تقودُه من يده وتُجلسه، وتجلس هي أيضًا في الوقت نفسه.)

نوكس (على عجل) : بعد أن غادرتِ أمس؛ سرق هوبارد المستندات.
مارجريت (بنبرة تنم عن الثقة) : نعم؛ كان في غرفة نومك عندما كنتُ عندك.
نوكس (متعجِّبًا) : كيف عرفتِ ذلك؟ على أي حال لم يعرف من تكونين.
مارجريت : أوه، بل عرف من أكون.
نوكس (بغضب) : هل تجرَّأ …؟
مارجريت : نعم؛ قبل أقل من ساعتَين. أعلن الأمر أمام أبي وأمي وكوني والخدم والجميع.
نوكس (يَنهض على قدمَيه ويبدأ في المشي جيئة وذهابًا وهو مرتبك) : الخسيس اللئيم!
مارجريت (بهدوء) : أنا واثقة أني قلتُ له ذلك بين صفاتٍ أخرى.

(تضحك متهكِّمة)

أوه، أؤكد لك أنها كانت حفلةً عائليةً رائعة. قالت أمي إنها لا تُصدِّق ذلك … لكن كلامها كان مجرَّد هستيريا. بالطبع صدقت الأمر … وظنَّت الأسوأ. وكذلك فعلت كوني والجميع.
نوكس (يتوقَّف فجأة وينظر إليها مرعوبًا) : بالتأكيد أنتِ لا تعنين أنهم اتهموكِ ﺑ …؟
مارجريت : لا؛ لا أعني ذلك. بل أعني أكثر منه. هم لم يتَّهموني. بل تقبَّلوا أمر أني مذنبة كحقيقةٍ مؤكَّدة. وأنك … عشيقي.
نوكس : كل ذلك بناءً على شهادة هذا الشخص؟
مارجريت : كان معه شاهدان في غرفةٍ مجاورة لغرفتك.
نوكس (بارتياح) : هذا أفضل. فهم لا يَملكون سوى الشهادة بالحقيقة، والحقيقة ليسَت بالخطب الجلل. في حالتنا هذا أفضل، لأننا هجَرنا بعضنا البعض.
مارجريت : أنت لا تعرف هؤلاء الرجال. من السَّهل تخمين أنهم مُدرَّبون جيدًا على هذه الأمور، وسوف يُقسمون على أي شيء.

(تضحك بمرارة)

إنهم رجال والدي كما تعرف، شرطته السرية.
نوكس (يَنهار في كرسيه ويمسك رأسه بين يديه ويئن) : لا بد أنكِ عانيت كثيرًا. يا له من وقت عصيب، يا لسوء التوقيت! يمكنني تخيل الأمر ورؤيته ماثلًا أمام عيني … يقولها أمام الجميع … أحبائك وأعزائك. لم أستطع أن أفهم لماذا استدعيتني اليوم بعد أن افترقنا بالأمس. لكنَّني الآن عرفت.
مارجريت : لا، أنت لا تعرف على الإطلاق.
نوكس (يتجاهَلُها ويبدأ ثانية في التحرك جيئة وذهابًا وهو يفكِّر بسرعة) : ما الفرق؟ لقد تحطمتُ على الصعيد السياسي. وخطتهم نجحت بشكلٍ فعال للغاية. لقد حذَّرني جيفورد، وأنتِ حذرتِني وكذلك الجميع. لكنَّني كنت أحمق، كنت أعمى بحماقتي. لم يبقَ لي شيء سواكِ الآن.

(يتوقَّف ويشعُّ في وجهه ضوء خاطرةٍ جديدة.)

تعلمين يا مارجريت، إنني أشكر القدر على ما آلت إليه الأمور. ماذا لو دمَّرُوا نفعي للناس؟ سيكون بالتأكيد رجالٌ آخرون … قادة آخرون. لعلي ما فعلت سوى أن أفسحت الطريق لآخر. فقضية الشعب لا يُمكن أن تضيع أبدًا. ورغم أنني استُبعدت من القتال، فإنني انسقتُ نحوك. لقد انسقنا نحو بعضنا. إنه القدر. وأنا أشكر القدر على ذلك ثانية.

(يَقترب منها ويحاول احتضانها بين ذراعَيه، لكنها تتراجع.)

مارجريت (تَبتسم بحزن) : آه، الآن أنت في حالة التوقُّد. لقد انعكست الأوضاع. بالأمس كنتُ أنا المتَّقدة. نحن محظوظان لأننا نختار أوقاتًا مختلفة من أجل حالاتنا المزاجية … وإلا لما آل الأمر إلا إلى كارثةٍ حلوة رقيقةٍ مجنونة.
نوكس : لكن ليس الأمر وكأنَّنا فعلنا ذلك عمدًا وبأنانية. لقد انصرفنا عنه. كافحنا ضده حتى انهزمنا. والآن نحن منساقان تجاه بعضنا البعض، ليس بيدنا لكن بيد أقدارنا. بعد ما حدث هذا الصباح لم يعد أمامك سوى المجيء إليَّ. أما بالنسبة لي، فبرغم أني بذلت أفضل ما بوسعي، فإنني انتهيت. لم أفلح. وكما قلت لكِ، فقد سُرقَت الأوراق. ولن يكون ثمة خطاب ظهر اليوم.
مارجريت (بهدوء) : بل سيكون ثمة خطاب.
نوكس : مُستحيل. سأجعل من نفسي أُضحوكةً مضاعفة. لن أكون قادرًا على إثبات اتهاماتي لهم.
مارجريت : سوف تُثبت اتهاماتك لهم. يا لها من سلسلة سرقات! أبي يَسرق من الشعب. والوثائق التي تثبت سرقاته جاءت مسروقة على يد جيرست. ثم سرقها هوبارد منك وأعادها إلى والدي. ثم في النهاية أسرقها أنا من أبي وأعيدها إليك.
نوكس (مشدوهًا) : أنتِ؟ أنتِ؟
مارجريت : نعم؛ صباح اليوم تحديدًا. كانت تلك هي ذريعة المشاكل التي وقعت. لو لم أسرقها لما وقع شيء. أخذتُها بعد أن كان هوبارد قد أعادها لأبي لتوه.
نوكس (متأثرًا بشدة) : وأنتِ فعلتِ هذا من أجلي …؟
مارجريت : عزيزي، لم أفعلها من أجلك. فلم تكن لديَّ الجرأة الكافية لذلك. كان ينبغي أن أستسلم. لا مانع من أن أعترف أنني بدأت الأمر من أجلك، لكن سرعان ما بلغ الأمر غاية في السوء حتى ارتعت. لقد زاد سوء الأمر لدرجة أنني لو كنت سأفعلها من أجلك فقط لكنت قد استسلمت وسلَّمتها لهم. لكن بين كل ذلك الرعب رأيت الأمر من زاويةٍ أوسع، وكل ما قلتَه أنت ليلة أمس أصبح ماثلًا أمام عينيَّ. كنت أعلم أنك على حق. فكرت في كل الناس، وفي الأطفال الصغار. لقد فعلتُها من أجلهم في نهاية المطاف. أنت تتحدث باسمهم. وأنا سرقت الوثائق حتى تتمكَّن من استخدامها للحديث باسم الناس ومن أجلهم. هل رأيت الحقيقة يا عزيزي؟
(تتحوَّل إلى تذكُّر ما جرى غاضبة.) هل تعلم ما كلفتني إياه؟ أتعلم ما جرى لي اليوم، في هذا الصباح، في بيت والدي؟ لقد عانَيتُ الخزي والإذلال بما لم أحلم أبدًا أنه مُمكن. هل تعلم ما فعلوه بي؟ لقد استدعوا الخدم وجردوني من ملابسي أمام الجميع؛ أسرتي وهوبارد والسيد روتلاند الموقَّر والسكرتير، الجميع.
نوكس (مصدومًا) : جردوكِ … أنتِ؟
مارجريت : تمامًا. أمَرَ والدي بذلك.
نوكس (فجأة كأنه يتصوَّر المشهد) : يا إلهي!
مارجريت (تستعيد رباطة جأشها وتتكلَّم بسخرية، وتضحك على شكل الصدمة على وجهه) : لا؛ ليس بهذا السوء. قد كان هناك ستار.

(يبدو على وجه نوكس بعض الارتياح)

لكنه سقط وسط الصراع.
نوكس : لكن بحق السماء لماذا فعلوا ذلك بكِ؟
مارجريت : بحثًا عن الخطابات المفقودة. كانوا يعرفون أني أخذتها.

(تتحدَّث بجدية)

لقد استحققتُ هذه الأوراق كما ترى. كما استحققتُ أن أقرر ما يجب فعله بها. سأعطيها لك، وأنت ستستخدمها في خطابك هذا المساء.
نوكس : لا أريدها.
مارجريت (تذهب إلى الجرس وتدقه) : بالتأكيد تُريدها. إنها الآن أكثر قيمة من أي شيءٍ آخر في العالم.
نوكس (يهزُّ رأسه) : أتمنَّى لو أن ذلك لم يحدث.
مارجريت (تعود إليه، تقف بجوار مقعده، وتُداعب شعره) : ماذا تعني؟
نوكس : أقصد استعادتك للخطابات هذا الصباح. كنتُ قد هيأت نفسي إلى أنني فقدتها، وأنني خسرت القتال. وأنني وجدتكِ … أنتِ …

(يرفع يده ويُمسك بيدها ويَسحبها نحوه ويُقبِّلها)

لذا … ردِّيها إلى والدك.

(تَبتعِد مارجريت عنه بسرعة)

(يدخل خادم من يمين مؤخَّر الغرفة.)

مارجريت : أرسل لي ليندا.

(يخرج الخادم.)

نوكس : ماذا تفعلين؟
مارجريت (وهي تجلس) : سأرسل ليندا لإحضارها. إنها لا تزال في منزل والدي. خبأتها — من بين كل الأماكن — خلف صورة لينكولن. سيَحفظُها في أمان … أثق في ذلك.
نوكس (باتقاد) : مارجريت! مارجريت! لا تُرسلي في طلبها. دعيها تَضيع. لا أريدها.

(ينهض ويتجه نحوها باندفاع.)

(تنهض مارجريت وتتراجَع وتبتعد عنه.)

أنا أريدكِ أنتِ … أنتِ وحدكِ.

(يمسك بيدها ويقبِّلها. تنزع يدها منه، لكن برفق.)

مارجريت (ما زالت تتراجَع عنه بمكر ورقة) : عزيزي، رجلي العزيز، أعشق أن أراك على هذا الحال. لكن هذا ليس ممكنًا.

(تَنظر بقلق نحو الباب الأيمن لمؤخَّر الغرفة.)

لا، لا، أرجوك، اجلس أرجوك.

(تدخل ليندا من يمين مؤخر المسرح وهي ترتدي ملابس الخروج.)

مارجريت (متفاجئة) : إلى أين ستذهبين؟
ليندا : كنت أنا وتومي والمربية في طريقنا إلى وسط المدينة. هي تريد تسوق بعض الأشياء.
مارجريت : حسن جدًّا. لكن أولًا اذهبي إلى منزل أبي. أنصتي لي بانتباه. في المكتبة، خلف صورة لينكولن … أتعرفينها؟ (تومئ ليندا برأسها.)
ستجدين حزمة من الأوراق. لقد استغرق الأمر خمس ثوانٍ لأضعها هناك، ولن يتطلب الأمر منك أكثر من ذلك لتَحصُلي عليها. لا تدعي أحدًا يراكِ. اجعلي الأمر يبدو وكأنك تأخذين تومي ليرى جدته ويُدخِل عليها البهجة. تعرفين أنها ليست على ما يرام في الوقت الراهن. بعد أن تحصلي على الأوراق، اتركي تومي هناك واجلبي الأوراق لي فورًا. قفي على مقعد واصعدي إلى حافة خزانة الكتب ومدِّي يدك خلف الصورة. ينبغي أن تعودي في غضون خمس عشرة دقيقة. خذي السيارة واذهبي.
ليندا : تومي والمربية موجودان بالفعل في السيارة الآن يَنتظرانني.
مارجريت : كوني حذرة. وأسرعي.

(تومئ ليندا لكلِّ التعليمات وهي تتلقَّاها وتخرج.)

نوكس (يَنفجِر بعاطفة حماسية) : هذا جنون. أنت تُضحِّين بنفسك وبي. أنا لا أريد الأوراق. أنا أريدكِ أنتِ. لقد تعبت. ما هي قيمة أي شيء سوى الحب؟ لقد اتبعتُ القيم والمُثل بما يكفي. والآن أريدك أنتِ.
مارجريت (بتجهُّم) : آه، ها أنت قد عبرت عن لب الموضوع. الآن ستتخلَّى عن المثل العليا من أجلي … (يحاول أن يقاطعها.) لا، لا؛ ليس الأمر أنني بمنزلة أقل مِن المُثُل. أنا لا أحمل تفاخرًا ساذجًا بهذا الشكل. لكني أريدك أن تظل على مُثُلك، ولن يكون ذلك إلا بالمضي قدمًا … وليس بأن تولِّي عقبَيك. يمكن لأي شخص أن يلعب دور الجبان ويؤكد أنه قد أصابه التعب. ما كنت أنا لأحبَّ جبانًا. اعلم أن قوتك هي التي أنقذتنا ليلة أمس. وما كنت لأحبَّك كمثل ما أحبك الآن لو أنك كنت ضعيفًا ليلة أمس. بإمكانك أن تحافظ على حبي فقط …
نوكس (يقاطعها بمرارة) : بأن أتنازل عنه … في سبيل المُثُل العليا. مارجريت، ما هو أكبر شيء في العالم؟ إنه الحب. إنه أعظم المثُل العليا.
مارجريت (بعبث ومرح) : حب الرجل والمرأة؟
نوكس : وماذا غير ذلك؟
مارجريت (بجدية) : هناك شيءٌ أعظم من ذلك؛ حبُّ الإنسان لأخيه الإنسان.
نوكس : أوه، انظري كيف تردِّين عليَّ عظاتي. إنه درس أتعلمه. لن أعظ الناس ثانية. ومن الآن فصاعدًا …
مارجريت : نعم.

(يدخل تشالمرز من اليسار دون أن يُلاحظه أحد ويقف صامتًا يتطلع إليهما.)

نوكس : من الآن فصاعدًا أنا واقع في الحب. اسمعي.
مارجريت : أنت جيَّاش العواطف. سيمرُّ الأمر وسترى سبيلَك أمامك مباشرة، وستعلم أنَّني على صواب. لا يُمكنك أن تفر من القتال.
نوكس : بل يُمكنني … وسأفعل. أنا أريدكِ وأنت تريدينَني؛ حاجة الرجل والمرأة بعضهما إلى بعض. هيا، تعالي معي … الآن. لنَنتزع سعادتنا بينما نحن قادرون.

(يقف ويقترب منها ويأخذ يدها في يده. تُصبح أكثر انصياعًا ولطفًا، وبدلًا من أن تصدَّه، تصبح مستعدة للاستماع له والاجتماع إليه.)

كما قلت لكِ، سيستمر القتال بنفس الطريقة. سيكون هناك عشرات الرجال، رجالٌ أفضل وأقوى مني، سيَرتقُون ليحلُّوا مكاني. لماذا أتكلم بهذه الطريقة؟ لأني أحبك وأحبك وأحبك. ولا وجود لشيءٍ آخر في هذا العالم سوى حبك.
مارجريت (تذوب وترتجف) : آه، أنت مشتعل، متَّقد.

(يُطلق تشالمرز صرخة غضب غير واضحة ويندفع نحو نوكس.)

(مارجريت ونوكس يجفلان من صرخته ويكتشفان وجوده.)

مارجريت (تُواجه تشالمرز وتدفعه للخلف قليلًا بعيدًا عن نوكس، وتظلُّ متشبِّثة به لتصدَّه عن نوكس) : لا يا توم، بدون عاطفيةٍ مُفرطة من فضلك. انفعالك هذا مجرَّد رد فعلٍ تلقائي وتقليدي. أنت في الحقيقة لا تقصد ذلك. أنت لا تشعر به حتى. أنت تفعل ذلك لأنه المتوقَّع منك ولأنه ما تدربتَ عليه. أضف إلى ذلك أن هذا الانفعال خطر على قلبك. تذكر تحذير الدكتور ويست …

(يبذل تشالمرز جهدًا عنيفًا فوق العادة ليصل إلى نوكس فيترنَّح فجأة للخلف في ضعف وعلى وجهه علامات الألم وتتشنَّج يده على صدره. تُمسك به مارجريت وتسنده إلى كرسي ينهار فيه.)

تشالمرز (يتمتم بضعف) : قلبي! قلبي!
نوكس (يقترب منهما) : هل يُمكنني فعل أي شيء للمساعدة؟
مارجريت (بهدوء) : لا؛ كل شيء على ما يرام. سرعان ما سيتحسن.

(تَنحني فوق تشالمرز ويدها على معصمه، وفجأة — كعلامة على تعافيه — يدفع يدها بعيدًا بعنف ويقف مُنتصبًا.)

نوكس (بتردُّد) : سأذهب الآن.
مارجريت : لا. ستنتظر حتى تعود ليندا. بجانب أنه لا يُمكنك الهروب وتركي أواجه الأمر وحدي.
نوكس (متألمًا من كلامها، ويُبدي لها أنه سيبقى) : أنا لستُ جبانًا.
تشالمرز (بصوتٍ مكبوت يزداد قوة تدريجيًّا) : نعم؛ انتظر. أريد أن أقول لك شيئًا.

(يتوقف للحظة، وعندما يتكلم مرةً أخرى يكون صوته على ما يرام.)

(بازدراء) يا لك من مثالٍ لطيف على المُصلح الاجتماعي. أنتَ يا من كنت تتشدق بالأمس بالحديث عن السرقة. علي بابا الأرقى صلاحًا وصوابًا ونُبلًا، الذي دخل إلى وكر اللصوص، والذي هو أيضًا لص.

(يقلِّد مارجريت)

آه، أنتَ مُشتعل، متَّقد.

(ثم بصوته الطبيعي)

يجب أن أدعوكَ باللص. أيها اللص. يا سارق الزوجات.
مارجريت (ببرود) : بالكاد أُسمِّيها سرقة.
تشالمرز (بسخرية) : نعم؛ نسيت. تَقصدين أنها لا تُعتبَر سرقة لأنه أخذ ما يخصه بالفعل.
مارجريت : ليس هكذا بالضبط … لكنه أخذ ما عُرض عليه طواعية.
تشالمرز : تَقصدين أنكِ نسيتِ أنك امرأة بحيث تعرضين …
مارجريت : تمامًا. في الليلة الماضية. وقد أبدى السيد نوكس احترامًا لي بأن أبى.
نوكس (مندفعًا) : أترين، لم يتبقَّ شيء آخر يا مارجريت.
تشالمرز (ساخرًا) : آه، مارجريت.
نوكس (متجاهلًا إياه) : الوضع لا يطاق.
تشالمرز (مؤكدًا) : هو كذلك فعلًا. ألا تَعتقد أن من الأفضل أن تغادر هذا المنزل؟ إن كل لحظة من وجودك فيه تصمه بالعار.
مارجريت : لا تتحدَّث عن الشرف يا توم.
تشالمرز : أنا لا ألتمس لنفسي عذرًا. وأتخيَّل أنني لم أخدعك بهذا الشكل الكبير. لكن على الأقل لم أستعمل منزلي الخاص في مثل هذه الأغراض.
نوكس (يثب نحوه) : أيها الجبان الخسيس!
مارجريت (تتدخل وتمنعه) : لا؛ توقَّف. قلبه مريض.
تشالمرز (مقلدًا مارجريت) : بدون عاطفية زائدة من فضلك.
مارجريت (بحزن تَنقُل نظراتها بين الرجلين) : إن خلقة الرجال عجيبة وغريبة. ماذا أفعل معكما؟ لماذا لا تتفاهمان مع بعضكما مثلما يفعل المُتعقِّلون من البشر؟
تشالمرز (يَضحك بمرارة ويقف على قدمَيه) : أجل؛ لنتفاهم معًا. لنتعقَّل. لنجلس ونتحاور كالمتحضِّرين من البشر. نحن لسنا في العصر الحجري. اطمئنَّ يا سيد نوكس. أنا لن أسحق جمجمتك. مارجريت …

(يشير إلى كرسي)

اجلس يا سيد نوكس …

(يشير إلى كرسي)

اجلسي.

(يجلس الثلاثة في مثلث.)

تشالمرز : أمعنوا النظر في المشكلة — المثلَّث القديم والجديد أبدًا للكاتب المسرحي وكاتب القصص القصيرة — رجلان يتنازعان على حب امرأةٍ واحدة.
نوكس : هذا صحيح، ومع ذلك فهو غير حقيقي. المثلث غير مُكتمل. فرجلٌ واحد فقط من بين الاثنين هو من يحبُّ المرأة.
تشالمرز : حقًّا؟
نوكس : وأنا ذاك الرجل.
تشالمرز : أظنُّك على حق.

(يومئ برأسه.)

لكن ماذا عن المرأة؟
مارجريت : هي تحبُّ أحد الرجلين.
نوكس : وماذا ستَفعلين حيال ذلك؟
تشالمرز (بتعقُّل) : هي لم تُحدِّد ذلك الرجل بعدُ.

(مارجريت على وشك أن تشير إلى نوكس.)

احذري يا مادج. تذكَّري من هو والد تومي.
مارجريت : توم، صدقًا، حين تتذكر كيف كانت السنوات الماضية بيننا، هل تتخيَّل أنني أحبك؟
تشالمرز : أخشى أنني لم … لم أكن مُتوقِّدًا بما فيه الكفاية.
مارجريت : على الأرجح أنك نطقتَ بما هو أقرب إلى الحقيقة بأكثر مما تتخيَّل. لقد تزوجتك يا توم على أمل أن تقوم بأشياء عظيمة. كنت آمل أن تكون قوةً كبيرة من أجل الخير …
تشالمرز : تتحدثين عن السياسة مرةً أخرى. متى ستتعلَّم النساء أن عليهن ترك السياسة وشأنها؟
مارجريت : وتمنَّيتُ أيضًا أن أجد الحب. أعلم أنك لم تكن تحبُّني عندما تزوَّجنا، لكني تمنيت أن ينشأ بيننا ذلك الحب.
تشالمرز : وهل لي أن … أن أسألك إن كنتِ قد أحببتِني يا مارجريت؟
مارجريت : لا؛ ولكني أمَّلتُ أن يقع حبُّك في قلبي أيضًا.
تشالمرز : إذن، كان الأمر برمته خطأً.
مارجريت : نعم، خطأكَ وخطئي وخطأ أبي.
نوكس : لقد جلَسنا لنتفاهم ولم نصل إلى شيء. أنا ومارجريت يحبُّ كلٌّ منَّا الآخر. هنا يختلُّ مثلَّثك.
تشالمرز : إنه ليس بمثلَّث على أيِّ حال. أنت نسيت تومي.
نوكس (بحدة) : لنَجعله مربَّعًا إذن، لكن دعنا نصل إلى خاتمة.
تشالمرز (مُتأملًا) : آه، الأمر يفوق ذلك. هناك ضلعٌ خامس. هناك الرسائل المَسروقة التي سرقتها مادج ثانية هذا الصباح من والدها. مهما كانت التسوية التي سنصل إليها، لا بد أن تتضمن هذه الرسائل.

(مُغيرًا نبرة صوته)

اسمعي يا مادج، أنا أحمق. لكن دعينا نتحدث بعقلانية، أنتِ ونوكس وأنا. أنت تريد زوجتي يا نوكس. يمكنك أن تحصل عليها في ظلِّ أحد الاعتبارات. وأنتِ يا مادج تريدين نوكس. يمكنك أن تحصلي عليه في ظل أحد الاعتبارات، وهو الاعتبار نفسه في كلتا الحالتين. سلِّمونا الخطابات وسنَنسى كل شيء.
مارجريت : كل شيء؟
تشالمرز : كل شيء. سنَغفِر وسنَنسى أيضًا.
مارجريت : سوف تغفر لي هذه … هذه … الخيانة؟
تشالمرز (بإصرار) : سأغفر أي شيء مقابل الخطابات. لقد عاملتكِ باستخفاف يا مادج، وأظنُّ أن اتباعك للأسلوب نفسه يُسوِّي الأمور ليس إلا. أعيدي الخطابات ويمكنك الذهاب مع نوكس بهدوء. سأحرص على ذلك. لن يكون ثمة رائحة لفضيحة. سأُطلِّقك. أو تستطيعين البقاء على ذمتي إذا شئتِ. لا آبَه. كل ما أريده هو الخطابات. هل تُوافِقين على ذلك؟

(يبدو على مارجريت التردُّد.)

نوكس (متضرعًا) : مارجريت.
مارجريت : وماذا عن تومي؟
تشالمرز (بحدة) : ألم أترك كلًّا منكما للآخر؟ ماذا تُريدين أكثر من ذلك؟ تومي سيظل معي. وإذا كنتِ تريدين تومي فسيتعين عليك إذن أن تبقي معي، ولكن يجب عليكِ أن تُسلِّمي الخطابات.
مارجريت : لن أذهب مع السيد نوكس. ولن أُسلِّم الخطابات. وسأبقى مع تومي.
تشالمرز : بقدر ما يعنيني الأمر، فإن أمر نوكس لا يعني قدرًا في هذا. أنا أريد تومي وأريد الخطابات. وإذا لم تتخلَّي عنهما لي طواعية فسأطلقك لأسبابٍ قانونية، وليس لأي امرأة طُلقت على هذه الخلفية أن تحتفظ بطفلها. سأحتفظ بتومي في جميع الأحوال.
مارجريت (تتحدث بنبرة راسخة وإيجابية) : اسمع يا توم، وأنت أيضًا يا هوارد. أنا لم أفكِّر قط ولو للحظةٍ واحدة أن أتخلى عن الخطابات. قد أكون دفعتُك إلى اعتقاد ذلك، لكني فعلت ذلك فقط لأرى لأي مدًى من التدني يمكن أن تنحدر يا توم. وقد رأيت في هذا الصباح كيف انحدرتم جميعًا. لقد تعلمت الكثير. أين ذهب الشرف الرفيع يا توم والذي جعَلَك منذ لحظة فاتت في حالة من الغضب القاتل؟ ستُقايض كل هذا الشرف مقابل بضع قصاصات من الورق، وستَنسى وتتسامح مع الخيانة التي لم تقع …

(يضحك تشالمرز بتشكُّك.)

رغم أنني أعلم أنك لن تُصدِّقني في ذلك. على أي حال، أنا لن أتخلى عن الخطابات. حتى ولو أخذتَ مني تومي. لن أضحِّي بالناس جميعًا من أجل تومي. وكما قلتُ لك هذا الصباح، ثمَّة مليونان من تومي — كلهم واقعون في عمالة الأطفال، والذين لا يمكن التضحية بهم من أجل تومي أو في سبيل أي إنسانٍ آخر.

(يهزُّ تشالمرز كتفَيه ويبتسم في سخرية.)

نوكس : هناك مخرَج لنا بالتأكيد يا مارجريت من هذا الأمر. سلِّميهم الخطابات. ما قيمة هذه الخطابات؟ إنها مجرد قصاصات من الورق. لماذا تُقارنينها بالسعادة؛ بسعادتنا نحن؟
مارجريت : كما قلتَ لي بنفسك، تمثل هذه القصاصات السعادة لملايين الناس. وليسَت سعادتنا بالتي تُقارَن ببضع قصاصات من الورق. بل الأمر هو مقارنة سعادتنا في مقابل ملايين الناس الذين يُشبهوننا. كل هؤلاء الملايين يحبُّون ولهم قلوب ورغبات مثلنا تمامًا.
نوكس : لكنها عمليةٌ اجتماعية وكونيةٌ كبيرة. ولا تقوم أو تعتمد على رجلٍ واحد. ولو قُتل الآن وعلى الفور كل زعيمٍ شعبي، فإن هذه العملية ستستمرُّ دون تغيير. سيصبح الشعب فاعلًا بنفسه. وسيُطاح بالسَّرقة. إنه القدَر والمصير. وهذه هي السنَّة. ولا يمكن لشيء أن يوقفها.
مارجريت : لكن يمكن إعاقتها وتأخيرها.
نوكس : لسنا أنت وأنا سوى مجرد قشة مقارنة بها. لا يمكننا إيقافها بأكثر ما يمكن للقش أن يُوقف تيار المحيط. نحن لا نمثل أي قيمة في ذلك سوى بعضنا لبعض، ونحن نُمثل بعضنا لبعض العالم بأسره.
مارجريت (بحزن وحنو) : العالم كله والخلود مجتمعَين.
تشالمرز (يقطع عليهما حديثهما) : يا له من موقفٍ لطيف، أن أجلس هنا وأستمع إلى رجلٍ غريب يتودَّد إلى زوجتي بالشعارات العامية العلمية والاجتماعية!

(مارجريت ونوكس يتجاهلانه.)

نوكس : عزيزتي، أنا أرغب فيك بشدة.
مارجريت (بيأس) : أوه! لكم يَصعُب إتيان الصواب!
نوكس (بلهفة) : إنه يُريد الخطابات بشدة. أعطيها له مقابل تومي. هو سيتنازل عن تومي في مقابلها.
تشالمرز : لا، بالقطع لا. لو أرادت تومي فيمكنها البقاء؛ ولكن يجب أن تتخلَّى أولًا عن الخطابات. وإذا أرادتك أنت فيُمكنها الذهاب؛ لكن عليها أيضًا أن تتخلى عن الخطابات.
نوكس (يناشدها أن تتخذ قرارًا) : مارجريت.
مارجريت : هوارد. لا تُغوِني أو تضغط عليَّ. الأمر صعب بما فيه الكفاية.
تشالمرز (ينهض) : لقد اكتفيت من هذا الحديث. لا بد من تسوية الأمر، وسأتركه بين يدَيك يا نوكس. استمر في مطارحتك لها الحب. لكنَّني لن أبقى لأشهد ذلك. ربما كان وجودي … يعوق … عملية … عملية الاشتعال. يجب أن تحسما أمركما أنتما الاثنان. أعتقد أنكما ستفعلان ذلك بصورةٍ أفضل في غيابي. سأذهب لأتناول شرابًا وأهدِّئ أعصابي. وسأعود بعد دقيقة.

(يتحرَّك نحو المخرج على اليمين.)

سترضخ يا نوكس. فقط كن ودودًا معها، تودَّد إليها.

(يتوقَّف في المدخل)

آه، أيها الشعلة! فلتتَّقد لسببٍ ما.

(يخرج تشالمرز.)

(يسند نوكس رأسه على كفِّه في يأس، ومارجريت تصمت وتنظر إليه بحزن لدقيقة، ثم تعبُر المسرح باتجاهه وتقف بجواره، وتداعب شعره.)

مارجريت : أعرف أنه أمرٌ صعب يا عزيزي. وهو صعب عليَّ أنا أيضًا.
نوكس : لا حاجة له بالمرة.
مارجريت : لا، إنه ضروري. إن ما قلته أنت ليلة أمس حين كنتُ ضعيفة كان من الحكمة والحصافة. لا يُمكننا أن نسرق من طفلي …
نوكس : لكن إذا تنازَلَ لك عن تومي؟
مارجريت (تهزُّ رأسها) : لا يُمكننا كذلك أن نسرق من أطفال أي امرأةٍ أخرى؛ من كل أطفال النساء. وأشياء أخرى سمعتك تقولها، وقد كنتَ محقًّا فيها. لا يُمكننا أن نعيش وحدنا. نحن مخلوقاتٌ اجتماعية. خيرنا وشرنا مقيَّد كله بالبشرية جمعاء.
نوكس (يمسك بيدها ويداعبها) : لا أفهمكِ. أسمع صوتكِ لكني لا أستوعب كلمة مما تقولين. لأني أحب صوتك … أحبك. أنا مملوء بالحب لدرجة أنه لا يوجد مكان لشيءٍ آخر بجواره. وأنتِ يا من كنتِ بالأمس بعيدة جدًّا وعصية المنال، أصبحتِ الآن قريبة المنال جدًّا، أقرب ما يكون. كل ما عليك فعله فقط هو أن تقولي كلمة، مجرَّد كلمةٍ واحدة. قوليها. … قوليها.

(يحمل يدها إلى شفتَيه ويبقيها عندهما.)

مارجريت (بأسًى) : لكم أرغب في ذلك! لشد ما أرغب في ذلك. لكن لا يمكنني قولها!
نوكس : يجب عليك.
مارجريت : هناك أشياء أخرى أعظم عليَّ أن ألتزم بها. هل نسيتها يا عزيزي؟ أشياء أنت قلتها لي بنفسك؛ الأشياء العظيمة التي تحزُّ في نفوسنا، التي هي أعظم مني ومنك، أعظم حتى من حبنا.
نوكس : قد نفدت منِّي الحُجَج … ولكني لا زلت أحبك.
مارجريت : وأنا أحبك من أجل ذلك.

(يدخل تشالمرز من جهة اليمين؛ ويرى مارجريت وهي لا تزال تداعب شعر نوكس.)

تشالمرز (بغبطةٍ خفيفة بها مسحة من السخرية) : آه، أرى أنكم أخذتم بنصيحتي وتوصَّلتم إلى قرار.

(لا يردَّان عليه. وتتحرَّك مارجريت بعيدًا ببطءٍ ثم تجلس.)

(يظل نوكس في مكانه ورأسه محنيٌّ على كفه.)

ألم تفعلا؟

(تهزُّ مارجريت رأسها.)

في واقع الأمر، لقد فكَّرتُ وغيَّرتُ شروطي. مادج، اذهبي مع نوكس وخُذي تومي معك.

(ترتعش مارجريت، لكن نوكس لا يراها حيث لا يزال رأسه محنيًّا على يده.)

تشالمرز : لن تكون ثمة فضيحة. سأمنحك طلاقًا لائقًا ويُمكنك أن تأخذي تومي.
نوكس (يرفع رأسه فجأةً، فَرِحًا ومتوسلًا) : مارجريت!

(مارجريت تترنَّح، لكنها لا تتكلم.)

تشالمرز : أنا وأنتِ يا مادج لم نكن قط منسجمين كثيرًا معًا، لكني لست سيئًا بالكامل. أنا شخص سهل المعشر. لطالَما كنت كذلك. وسأُسهِّل كل شيء عليكِ الآن. لكنكِ ترين المأزق الذي أنا فيه. أنت تحبِّين رجلًا آخر، وأنا بكل بساطة يجب أن أستردَّ تلك الأوراق. إنها أكثر أهمية مما تتخيَّلين.
مارجريت (بنبرة حادة) : أنت تجعلني أدرك مدى أهمية هذه الخطابات.
نوكس : أعطه الخطابات يا مارجريت.
تشالمرز : إذن هي لم تسلِّمها لك حتى الآن؟
مارجريت : لا؛ لا تزال بحوزتي.
نوكس : أعطها له.
تشالمرز : تبيع مبادئك لأجل امرأة. أنعم بك مِن مُصلحٍ اجتماعي!
نوكس (بتفاخُر) : وأنا أفضل كعشيق.
مارجريت (مخاطبة تشالمرز) : إنه ضعيف اليوم. وماذا في ذلك؟ قد كان قويًّا بالأمس. وسيَستردُّ قوته ثانية. من طبع البشر أن يكونوا ضعفاء. لكنَّني فخورة به حتى وهو في أوج ضعفه الآن، لأن ضعفه هذا بسب الحب. ويعلم الله أنني كنت ضعيفة، ولا خجل لي في ذلك. فقد كان أيضًا بسبب الحب. فمن الشاقِّ على المرأة أن تخنق أنوثتها دائمًا بيد الأخلاق.

(وتستطرد بسرعة)

لكن، لا تخطئنَّ الفهم يا توم. فأخلاقي ليست نابعة من التقاليد. أنا لا أحفل بألسنة النميمة القذرة والصحف المُروِّجة للأخبار المثيرة؛ ولا أحفل أيضًا بما سيقوله أي إنسان، من بين كل من أعرفهم، عني إذا ما ذهبت مع السيد نوكس الآن. سأذهب معه، بل وأنا سعيدة وفخورة أيضًا، وسواء أكنت مطلَّقة أو غير مطلَّقة، أو بفضيحة أو بفضائحَ مضاعَفة ما دام … ما دام أن أحدًا آخر لن يتأذَّى بما أفعله. (ثم مخاطبة نوكس): هوارد، أقول لك إنني كنت سأذهب معك الآن بكل طواعية وغبطة، وببهجة الربيع وكل أغاني الطيور المغردة تملأ قلبي … لولا وجود آخرين. لكن هناك أمورًا معنوية وأخلاقية أسمى. ينبغي علينا ألَّا نؤذي هؤلاء الآخرين. ألا نتجرَّأ على سرقة سعادتنا منهم. المستقبل ملكهم، وعلينا ألا نضحي أو نتجرأ على التضحية بمستقبلهم أو نتنازل عنه مقابل سعادتنا الخاصة. لقد جئتك ليلة أمس. كنتُ ضعيفة … نعم؛ وأكثر من ذلك، كنت لا أعلم. ولم أعلم حتى وقتٍ متأخر من الليلة الماضية بشناعة لؤم الظروف الراهنة وهولها التام. لكني علمتُ ذلك اليومَ؛ هذا الصباح، وعلمته الآن. علمت أن أخلاق الكنيسة مجرَّد زيف وادعاء. وأن المال كفضيلة أعمق وأكثر قوة بكثير منها. كان والدي وأسرتي وزوجي على أتمِّ استعداد للتغاضي عما يعتقدون أنني ارتكبته من خيانة. ومن أجل ماذا؟ من أجل بضع قصاصات من الورق، والتي تمثل لهم فقط امتيازًا للنهب والسرقة من الناس.

(تُخاطب تشالمرز)

وها أنت يا توم، لستَ مستعدًّا ومتشوقًا للتنازل عني إلى أحضان الرجل الذي تعتقد أنه عشيقي وحسب، بل أيضًا ترمي ابنك — طفلي وطفلك — لمجرَّد أن تجعله مقابلًا جيدًا ومغريًا ومقبولًا. ولأجل ماذا؟ هل من أجل حب امرأةٍ ما؟ … من أجل أيِّ امرأة؟ لا. هل من أجل حب الإنسانية؟ لا. في سبيل حب الرب؟ لا. فلمَ إذن؟ من أجل أن تنال امتياز دوام السرقة من الناس؛ سرقة مالهم وخُبزهم وزبدهم وقبعاتهم وأحذيتهم وجواربهم … من أجل سرقة كل هذه الأشياء من الشعب.

(تخاطب نوكس)

الآن وفي نهاية المطاف أدرك بالفعل مدى شدة وفظاعة القتال الذي يجب أن نَشُنَّه؛ القتال الذي يجب أن نلعب فيه أنا وأنت يا هوارد أدوارنا، وأن نلعبها بشجاعة ودون شكوى أو تذمُّر … مني أو منك، لكن مني أنا أكثر. هذا وكر اللصوص. وأنا ربيبة اللصوص. كل أسرتي من اللصوص. لقد غُذِّيت وتربَّيت بالسرقة. وكنت جزءًا منها طوال حياتي. ينبغي أن يوقف أحدٌ هذه السرقة، وينبغي أن يكون هو أنا. لا مفرَّ من أن تساعدني يا هوارد.
تشالمرز (يطلق صافرة خفيضة وطويلة) : من الغريب أنكِ لم تتوغَّلي قط في مجال الدفاع عن حق المرأة. كنتِ ستصبحين نجمة في هذا المجال بقُدرتك هذه على الخطابة.
نوكس (آسفًا) : أسوأ ما في الأمر يا مارجريت أنكِ على حق. لكن من الصعب ألا تكون سعادتنا مبنية إلا على السرقة من سعادة الآخرين. ومع ذلك فإن الأمر يُؤلم ألمًا عميقًا ورهيبًا … أن أتخلَّى عنك.

(تنظر له مارجريت نظرة شكر وامتنان.)

تشالمرز (ساخرًا) : أوه، صدِّقني أنا لستُ مُتلهِّفًا جدًّا للتخلي عن زوجتي. انظر إليها. إنها امرأةٌ رائعة جدًّا ولا يُمكن لأيِّ رجل أن يَمتلكها.
مارجريت : توم، سأقبل بطلاقٍ هادئ وأن أتزوَّج السيد نوكس وأن آخُذَ تومي معي؛ باعتبارٍ واحد.
تشالمرز : وما هو ذاك؟
مارجريت : أن أحتفظ بالخطابات. ستُستخدَم في خطابه بعد ظهر اليوم.
تشالمرز : لا لن تُستخدم.
مارجريت : مهما حدث، ومهما كان سوء ما يُمكنك فعله، سيُلقى هذا الخطاب ظهيرة اليوم. وأسوأ ما ستفعله ضدي لن يكون بالثمن الباهظ الذي أعجز عن دفعه.
تشالمرز : لن تتحصلي على خطابات ولن يكون هناك طلاق ولا تومي ولا أي شيء!
مارجريت : إذن ستُجبرني على البقاء هنا. أنا لم أفعل أي شيءٍ خاطئ، ولا أظنُّك ستُثير فضيحة.

(تدخل ليندا من جهة اليمين في مؤخر الغرفة، وتتوقف وتنظر مُتحيِّرة.)

مارجريت : ها قد وصلت الآن.

(تخاطب ليندا)

أجل؛ أعطني إياها.

(تتقدم ليندا نحوها وتسحب حزمة المستندات من صَدرها. وبينما تناولها لمارجريت يحاول تشالمرز الاستيلاء عليها.)

نوكس (يثب للأمام مُطيحًا بتشالمرز إلى الخلف) : لن أسمح لك بهذا!

(يُصاب تشالمرز بنوبةٍ قلبية ويترنح.)

مارجريت (بشفقة وعطف وقلق) : توم، لا تفعل! قلبك! احترس!

(يُسرع تشالمرز نحو الجرس مترنِّحًا.)

مارجريت : هوارد! أوقفه! لا تدعه يدق ذلك الجرس وإلا سيَنتزِع الخدم الخطابات منَّا.

(يشرع نوكس في اعتراض تشالمرز لكن يزداد تشالمرز ضعفًا فيسقط على كرسي، رأسه مائل للخلف وساقاه مُمدَّدتان أمامه.)

مارجريت : ليندا، كوب ماء.

(تُعطي ليندا الوثائق لمارجريت ثم تخرج راكضة من الجهة اليمنى لمؤخَّر الغرفة.)

(تنحني مارجريت على تشالمرز في قلق.)

(سكوت.)

نوكس (يلمس يدها) : أعطني إياها.

(تُعطيه مارجريت الوثائق فيمسكها بيده، بينما تشكره بعينيها.)

(تدخل ليندا ومعها كأس ماء تناوله لمارجريت.)

(تُحاول مارجريت وضع الكأس على شفاه تشالمرز.)

تشالمرز (يُطيح بالكأس بعنف من يدها إلى الأرض ويتحدث بصوتٍ مخنوق) : أحضري لي ويسكي وصودا.

(تنظر ليندا إلى مارجريت في تساؤل. وتتردَّد مارجريت بشأن ما تقول، فتهزُّ كتفَيها بقلة حيلة وتومئ برأسها علامة على الموافَقة.)

(تخرج ليندا مسرعة من المخرج جهة اليمين.)

مارجريت (تخاطب نوكس) : ستذهب الآن وستلقي الخطاب.
نوكس (يضع المستندات في جيب معطفه) : سأذهب وألقي الخطاب.
مارجريت : وستجعل كلماتك بكل القوة التي ستَصنع مستقبلًا أفضل للجميع. فلتحمل كلماتك أصوات الملايين.

(يَضحك تشالمرز بسخرية ولا تزال قدماه ممددتَين.)

مارجريت : أنت تعرف أين يَكمن قلبي. ويومًا ما، بكل الفخر والشرف، ودون أن نسرق أحدًا أو نؤذي أحدًا، سيلتئم شملنا؛ لنكون معًا إلى الأبد.
نوكس (في كآبة) : وحتى ذلك الحين؟
مارجريت : يجب أن ننتظر.
نوكس (بحزم) : سننتظر.
تشالمرز (وهو يستقيم) : تنتظرون موتي؟ أليس كذلك؟

(خلال الحديث التالي تدخل ليندا من جهة اليمين تحمل الويسكي والصودا وتناولها لتشالمرز، الذي يجرع نصف الكأس من الظمأ. تَصرف مارجريت ليندا بإشارة مِن عينها، وتخرج ليندا من جهة اليمين في مؤخَّر الغرفة.)

نوكس : لم يخطر لي ذلك، لكن بعد أن أشرتِ أنت إليه، يبدو أنه في صلب الموضوع. إن قلبك لن يتحملك أكثر. لقد استخفَفتُ به مثلما فعلتُ بكل شيءٍ آخر من حولك. أنت تُشبه الحوذيَّ الذي يَسرق التِّبن من حصانه الذي سيدخل به السباق ويُراهن عليه. أنت سرقت من قلبك. ويومًا ما عما قريب، سيتوقف قلبك كما الحصان. يمكننا أن ننتظر. ولن يطول انتظارنا.
تشالمرز (بعد أن ضحك مُشكِّكًا وارتشف الويسكي) : في الواقع يا نوكس، لا يفوز أيُّنا. أنت لن تحصل على المرأة. ولن أحصل أنا عليها كذلك. ستظلُّ هي باقية تحت سقف بيتي، وسيظلُّ الوضع على ذلك. لن أطلِّقها، فما الفائدة من ذلك؟ لكني مُحكِمٌ وثاقها تومي. ولن تنالها أبدًا.

(يتجاهَلُه نوكس ويذهب إلى الباب جهة اليمين من مؤخَّر الغرفة ويتوقَّف برهة أمامه.)

مارجريت : اجتهد. اعمل بشجاعة. أنت بطَلي وفارسي. اذهب.

(يخرج نوكس.)

(تقف مارجريت بهدوء وجهها بعيدًا عن الجمهور، وتتجه إلى حيث شوهد نوكس آخر مرة.)

تشالمرز : مادج.

(مارجريت لا تتحرَّك ولا ترد عليه.)

أنا أنادي عليكِ يا مادج.

(يقف ويتحرَّك نحوها، ممسكًا بيده كأس الويسكي.)

سيُثير هذا الخطاب من الضجة الكثير. لكني لا أعتقد أنها ستكون بذلك السوء الذي يتحدَّث عنه والدك. تبدو الأمور حالكة الظلمة، لكن مثلها سرعان ما ينقشع. هي دائمًا ما تُصبح طيَّ النسيان. وكذلك الأمر بيني وبينك. قد ننسى كل ما حدث ونعالج الأمر بطريقةٍ ما.

(لا تبدي مارجريت أي علامة على أنها واعية بوجوده.)

لماذا لا تتكلَّمين؟

(سكوت.)

(يلمس ذراعها.)

مادج.
مارجريت (تَلتفِت إليه بغضب مُتضجِّر وبُغضٍ لا يوصَف) : لا تلمسني.

(يتراجع تشالمرز.)

(يُسدل الستار.)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤