الفصل الثامن

الجسور

وصل المنصور بين جانبي بغداد بجسرٍ من السُّفن، ثم أقام لنفسه ولحشمه جسرين، وللناس ثلاثة جسور، أحدها للنساء خاصة. وفي زمن الرشيد أُقِيمَ جسران على دجلة، وكذلك فعل الأمين، فمدَّ جسرين أحدهما للذاهبين إلى الجانب الشرقي والآخر للذاهبين إلى الجانب الغربي، وبقيت هذه الجسور كلها إلى أن قُتِلَ الأمين فعُطِّل بعضها، وكان على دجلة في زمن المأمون ثلاثة جسور فقط، عُطِّل واحد منها في آخر عهده.

وكانت تلك الجسور زينة دجلة وحليتها، فكانت الشعراء تتبارى في وصفها. قال علي بن الفرج الفقيه:

أيا حبذا جسر على متن دجلة
بإتقان تأسيس وحسن ورونقِ
جمالٌ وفخرٌ للعراق ونُزهةٌ
وسلوة مَنْ أضناه فرْطُ التشوقِ

ولم يزل أمر الجسور على دجلة بين المد والجزر إلى عهدنا هذا، وقد أدركنا في بغداد جسرًا واحدًا يَصِل بين جانبيها مصنوعًا من السفن، يُقطَعُ عند فيضان دجلة وعند اشتداد الريح، فيلجأ الناس إلى استخدام القفف والقوراب، وكذلك يُقطَع لمرور السفن. وقد احترق هذا الجسر الليلة التي غادر فيها الجيش العثماني بغداد، وبعد عدة شهور أقامت حكومة الاحتلال جسرًا من السفن الحديدية، ثم أقامت آخر إلى الجنوب منه أكثر إتقانًا من الأول، فصار لبغداد جسران: شمالي، وجنوبي. وفي النهاية أُقِيمَ مقام هذين الجسرين جسران ثابتان قائمان على دعائم من الأسمنت المسلح، ونُقِلَ أحد الجسرين السابقين إلى جنوبي بغداد، وإذا نحن حسبنا الجسر الموصل بين الأعظمية والكاظمية في عِدادِ جسور بغداد، يصبح في بغداد اليوم أربعة جسور؛ اثنان ثابتان واثنان عائمان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤